ياسين ديناربوس Ýí 2017-10-06
استطاع الإنسان البدائي منذ آلاف السنين أن يميز بين مظاهر الطبيعة بواسطة حواسه؛ فعرف الشمس و القمر و الجبال الرعد و البرق .. لكنه وقف عاجزاً أمام محاولة “عقلنة” هذه الظواهر الطبيعية بكيفية تجعلها تدخل عالم معقولاته .. فكان من نتيجة عجزه عن إيجاد تفسير معقول، أن اختلط عليه الأمر ووقع بالرجس الوثني و اتخذ مظاهر الطبيعة آلهة تعبد. كانت المحاولة الخاطئة لإسقاط المحسوس علی المعقول هي السبب الرئيسي وراء ظهور الأسطورة و الخرافة عند جميع الشعوب قاطبة.
عندما يدخل رجل ألعاب الخفة أرنبا إلی قبعته و يخرجه علی شكل حمامة فإننا نقول بأن هذا الشخص ساحر .. و ذلك لأننا لا نستطيع أن ندرك أو نعقل كيف تحول الأرنب إلی حمامة .. أي أننا عجزنا عن مطابقة المحسوس مع المعقول ..
بينما العرض نفسه بالنسبة للساحر ليس سحرا لأنه يعرف الكيفية أو الخدعة التي جعلتنا نعتقد أن الأرنب صار حمامة .. أي أنه يطابق المحسوس بالمعقول ..
و النتيجة هي أن كل شيء يراه الإنسان في عالم محسوساته و لا يدخل في مستوی معقولاته يصفه بأنه [ سحر ] و القرآن الكريم يؤكد هذا الفهم للسحر، إذ جاء في التنزيل الحكيم أن فرعون و قومه وصفوا موسی بالساحر عندما جائهم بتسع آيات بينات و هي العصا و اليد و ضرب البحر … كانت بينات شاهدوها حسيا ضمن عالمهم المحسوس و لم يستطيعوا إدراك كيف حدثت أي لم تدخل عالمهم المعقول ..
{ فقال لـه فرعون أنّي لأظنّك يا موسى مسـحوراً } [ الإسراء 101]
لغوياً يقول ابن فارس في “مقاييس اللغة” أن السحر خدع و شبهة .. و هو إخراج الباطل من صورة الحق و يقال هو الخديعة .. و في “المعجم الوسيط” السحر كل أمر يخفی سببه و يتخيل علی غير حقيقته و يجري مجری التمويه والخداع.. و ذكر القرطبي في تفسيره : السحر أصله التمويه و التخاييل، و هو أن يفعل الساحر أشياء و معاني فيخيل للمسحور أنها بخلاف ما هي به، كالذي يری السراب من بعيد فيخيل له أنه ماء..
يتضح مما سبق أن أهل اللغة اتفقوا علی أن معنی السحر ينصرف إلی فعل السحر ( إخراج الشيء علی غير حقيقته ) و ليس إلی تأثيره في هذا الشيء، و الفعل خفي بل لا بد أن يكون الفعل خفيا حتی نسميه سحرا.
أما بخصوص مفهوم السائد عن السحر من خلال الموروث الثقافي الشعبي، فالسحر هو قدرات خارقة يملكها الساحر المشعود و تمكنه من التأثير علی الأشخاص الذين يسحرهم بحيث يتحكم في أفعالهم و أفكارهم و تفاصيل حياتهم ..
الإيمان بهذا السحر الخرافي يرجع أنثروبولوجيا لتصور يهودي انحدر إلی بني إسرائيل خلال فترة احتكاكهم بالمجتمعات الوثنية في مصر و بابل ..
و قد كان السحر من ركائز التصورات الجاهلية التي حاربها الإسلام، إذ يعتبر الإيمان بالسحر دخيل علی الثقافة الإسلامية، تسرب إلى المسلمين من الثقافات الأخری و أصبح ركنا من العقيدة لدى العامة و عند أغلب شيوخ الدين .. حدث ذلك في غياب التحري الدقيق الإسرائيليات و ما اتصل بها من روافد الثقافات الوثنية إذ لا يكاد يخلو كتاب من كتب التراث من دعوات مجانية للترهيب من أخطار السحر و من إسهاب في شرح سبل الوقاية من السحر و التصدي له ..
و تجدر الإشارة إلى أن عددا لا يستهان به من العلماء أنكروا السحر و تأثير الشعودة علی الإنسان جملة و تفصيلاً .. نذكر منهم علی سبيل المثال لا الحصر علماء و مفكروا المعتزلة الذين أنكروا وجود السحر وكفروا من اعتقد بوجوده .. كما أن الأمام مالك لم يرو أحاديث السحر في كتابه الذي يعتبر من أصح كتب الحديث .. و كذلك الترمدي و أبو داوود و الدارمي ..
في المقابل تشبت المروجون للخرافة و الشعودة باعتقادهم بوجود السحر مستدلين بذكره صراحةً في القرآن الكريم، مبرهنين في الوقت ذاته أنهم قوم لا يقرأون القرآن و إن قرؤوه لم يتدبروه ..
فما هو مفهوم السحر من القرآن الكريم ؟
لقد وردت ذكر كلمة [ السحر ] في القرآن الكريم 59 مرة :
• 40 مرة في اتهام الكفار للأنبياء بالسحر
• 15 مرة في وصف سحرة فرعون
• 3 مرات في سياق الجدل و الإنكار عن الكفار في معتقداتهم مثل قوله تعالى: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ}
• و مرة واحدة في سورة البقرة عن هاروت و ماروت و سليمان.
فأين قدرة السحر الخارقة التي يزعم الدجالون أنها مذكروة في القرآن الكريم ؟ و الجواب : لا وجود لها إطلاقاً!
قال تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الأعراف: 117].
هنا يصف عز و جل سحر سحرة فرعون بأنه إفك و الإفك عو أشد أنواع الكذب !
و في قوله تعالى: { قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } [ الأعراف 116]
وكذلك قوله عز و جل : { قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } [ طه: 66].
الآيتان تصرحان بوضوح عدم تغيير سحرة فرعون لحقيقة الأشياء, وأن التغيير كان خداعا ظاهريًًا فقط و اللإيهام من أجل التمويه البصري و التخييل .. أي أن المسألة كلها لا تعدو أن تكون ألعاب خفة، و هذا يوافق التعريف اللغوي للسحر و ينسجم مع كون هذا الأخير هو عدم القدرة على مطابقة المحسوس مع المعقول كما أسلفنا الذكر.
يقول رب العالمين :
{ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } [ طه : 57 / 58 / 59 ]
و نفهم أنه عندما تحدی فرعون آيات موسی عليه السلام و دعاه لمواجهة بينه و بين سحرته و أمام الناس، حدد موسی موعد المواجهة مع سحرة فرعون و اشترط أن يكون ضحی { وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } و الضحی هو البروز للشمس { و الشمس و ضحاها } أي أن موسی طلب أن يحشر الناس في موعد مشمس من النهار بحيث تكون الإضاءة ساطعة؛ و هذا يؤكد ما ذهبنا إليه من كون السحر المذكور في التنزيل الحكيم مجرد ألعاب خفة تعتمد علی خداع البصر { سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ }.
فإذا حشر الناس ضحی استطاعوا كشف خدعهم البصرية تحت تأثير الإضاءة .. في حين يصعب ذلك في مكان قليل الإنارة إذ يسهل حينها خداع و تمويه العين البشرية.
لقد واجه موسی سحرة فرعون بنفس نوعية سحرهم أي تحويل العصي و الحبال لأفاعي و حيات و هذا من قبيل ألعاب الخفة .. و لو كان معنی السحر كما يدعي دجالوا هذا العصر لرأينا موسی يتحدی فرعون بأن يفرقه عن زوجته مثلا .. و هذا لم يحصل إذ لم يخرج مفهوم السحر عن الإيهام و التخييل الذي يعتمد الخدع البصرية أساسا ..
إن القارئ المتدبر للقرآن الكريم يفهم بجلاء أن مفهوم السحر في كتاب الله يختلف عما هو شائع عند الدجالين و المشعوذين، إذ لا يستعمل إلا بمعنی واحد هو خداع الحواس و التأثير على النفس إلی حد أن يتوهم الناظر الأشياء علی غير حقيقتها !
هناك من يدعي أن السحر هو تسخير الجن و هذا الإدعاء مردود بتقرير من التنزيل الحكيم حيث قال تعالى : { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ } [ ص 35 / 36 ]
نفهم أن تسخير الجن هو من الملك التي وهبه الله عز و جل لسيدنا سليمان عليه السلام و أنه لن يتأتی لأحد بعده و لن يتكرر أبداً .. و أن من يدعي تسخير الجن لا يؤمن بنفاذ هذه الآيات !
و قد توهم البعض دليلاً علی إثبات الضرر بالسحر في قوله تعالى :
{ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله } [ 102 البقرة]
و الواقع أن الآية ليس فيها ما يثبت أو ينفي أن السحر له تأثير في الأعيان، إنما هو تأكيد على قضية التوحيد و أن ما من شيء يكون أو لا يكون في هذا الكون رغماً عن إرادة الله – تنزه الله عن هذا و تعالى علواً كبيرا – و الواضح أيضًا أن الآية تؤكد بأنه في حالة وقوع ضرر لشخص ما بسبب أعمال السحرة فهذا الضرر لن يخرج عن إذن الله أي لن يخرح عن سنن الكون التي لا تبديل لها؛ كأن يصاب شخص بأذی بالغ نتيجة أكله لمواد سامة أو مهلوسة، فإنما ذلك بإذن الله أي بسبب من الأسباب التي جرت العادة بأن تحصل المسببات من ضرر و نفع عند حصولها.و ليس في الآية أي تصريح عن قدرة ساحر ما علی تحويل الإنسان فعليا إلی قرد مثلاً !
لأن الساحر – كما سبق – شخص يستخدم قوانين الطبيعة لتحقيق مآربه و غايته و لا يأتي بمعجزات و خوارق لهذه القوانين. و يعتمد خصوصا علی خداع البصر ( “كريس أنجل” كمثال )
غير أن أقوی حجة قرآنية يسوقها المؤيدون لخرافة السحر حسب زعمهم هي الآية 102 من سورة البقرة :
{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }
إن المتأمل في هذه الآية الكريمة يلاحظ أن فاعل السحر [ جمع ] و فاعل التفرقة بين الزوجين [ مثنی ] ؛ أي أن الآية تتحدث عن قضيتين مختلفتين، قضية السحر التي جاء الفاعل فيها بصيغة الجمع حيث واو الجماعة تعود فيه علی الشياطين، بينما قضية التفريق بين الزوجين شاء الفاعل فيها بصيغة المثنی [ فيتعلمون منهما ] .. واضح جداً أن مفعول التفرقة لم يأت من القضية الأولی التي هي السحر بل جاء من الثانية .. مصداقية الآية في أرض الواقع تكمن في كون الذين يمشون بالنميمة بين الأزواج يفرقون فعلياً بين المرأ و زوجه .. و هذه ظاهرة كثيرة الحدوث للأسف..
و بخصوص قصة هاروت و ماروت المطولة الموجودة في بعض كتب التراث فهي لم تثبت و تعتبر من الاسرائيليات؛ حيث كانت الشعودة منتشرة بين اليهود فلا عجب بدسها بين كتبهم
و قد أنكرها جملة من العلماء نذكر منهم الألباني و جمال الدين القاسمي و القرطبي و الإمام مسلم …
و لا تقف ادعائات مشايخنا و علمائنا الأفاضل عند هذا الحد، إذ لا يجدون حرجا في القول بأن النبي قد سُحر، سحره اليهودي لبيد بن الأعصم ..
إن أعظم مرحلة عرفها التاريخ عن السحر هي حقبة سحرة فرعون { وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم } [ الأعراف 116] و قد فشل أعظم السحرة مجتمعين في سحر موسى عليه السلام .. فكيف يستطيع هذا البيد ابن الأعصم أن يفعل وحده بإمام المرسلين ما عجز عن فعله صفوة السحرة مجتمعين ؟؟؟
إن وجود حديث سحر الرسول في البخاري لا يعني أنه حدث فعلاً لأن البخاري ليس معصوما عن الخطأ و لأن الحديث يعارض ما جاء في التنزيل الحكيم و يناقض أحاديث أخری أيضًا ..
قال تعالى : { إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ }
فهل كان الرسول الأعظم من الغاوين ليكون للجن عليه سلطان في حادثة سحره ؟!
يقول رب العالمين : { و الله يعْصمُكَ منَ الناس } [المائدة 67]
و يؤكد ً : { فإنّكَ بأعيُننـا } [الطور 48]
إذا كان الرسول الكريم قد سحر فعلاً كما يزعمون فأين مصداقية هاتان الآيتان على أرض الواقع ؟
{و قالَ الظالمون إنْ تتّبعونَ إلاّ رجُلاً مسحوراً ، انظُرْ كيْفَ ضربوا لك الأمثال ، فضلّوا فلا يستطيعون سبيلاً } [الفرقان 8]
رب العالمين يصف هنا كلّ مَنْ يتّهم الرسول الكريم بالسحْر بأنّه ظالمٌ ، و يُسفّه هذا قول ! .. فبأي منطق يسحر الرسول ؟؟ و كيف يجرؤون اليوم علی القول بأنه يحر ؟؟
من جهة أخری فإن حادثة سحر الرسول المزعومة تعارض الحديث المخرج في صحيح مسلم :
(من اصطبح كل يوم تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل )
و قد ثبت بالصحيح دوام الرسول عليه حتى انه قد يمر الهلال و الهلالان و لا توقد في بيت رسول لله نار ! و ليس في بيته إلا الاسودين(التمر و الماء)..
فكيف يضره سحر ؟؟!
و تجذر الإشارة إلی أن مفهوم سحر الأعين و الخداع البصري يتناسب مع حديث أكل التمر إذ أن نسبة التركيز البصري و اليقظة تكون عالية كلما كانت نسبة السكريات مرتفعة في جسم الإنسان ؛ فلا تنطلي عليه خدع الخفة بسهولة …
و ليعلم الذين لا يردون أحاديث البخاري إطلاقا أن حديث سحر الرسول من الآحاد .. و الآحاد لا تؤخذ في العقائد -على خلاف- و في صحتها خلاف طويل ..
و لا يفوتني و النقاش هنا عن الحديث، أن أشير إلی أنّ هناك أحاديث تعتبر أن المعوّذتان ( سورة الفلق و الناس ) قد نزلـتَا لفكّ السحْر ! … هذا و السحْر حسب الروايات حصل في المدينة في السنة التاسعة للهجرة و المعوّذتان سورتان مكيّتان و ترتيبُ نزولهمـا 20 و 21 !! .. فهل نحترم عقولنا أم نستمر في قراءة الآي و الأذكار لفك و حجب السحر الوهمي ؟
علی المستوى العقائدي، الإيمان بإمكانية تأثير الساحر علی أعمال و أفكار و صحة و أرزاق الناس شرك صريح و العياذ بالله ..
لننظر المثال التالي حتى تتضح الإشكالية :
A : إن إرادة الله الأزلية هي أن يتزوج “زيد” و “زينب” .
B : أم زيد لا تحب “زينب” و تعارض هذا الزواج فتقصد ساحرا ليحول دونه .. فيتنافر “زيد” و “زينب” و يفترقا للأبد و لا يتحقق زواجهما ..
>>> النتيجة المنطقية هي أن إرادة الساحر غلبت إرادة الله و بالتالي فإن الساحر أقوی من الله – تعالى الله عما يصفون، سبحانه هو المهيمن – و يصبح الساحر بهذا المعطی هو الأجدر بالعبادة ؟
و المزايدون علی أبجديات المنطق يردون على هذا المثال بأن الله قدر عدم الزواح عن طريق سحر الساحر، فيقعون في مغالطة منطقية إسمها ( عدم الترابط ) لأن A و Bحدثان ينفي أحدهما الآخر ضرورة و وجوبا ..
ثم إن هؤلاء الذين يقولون أن الساحر يتدخل بسحره تحت إرادة الله و هيمنته، لم يقرأوا قول رب العالمين : { مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } [يونس 81] فالله سبحانه تكفل بإبطال مفعول السحر تماماً ، فكيف يقدره أو يزكي فعله ؟؟
و الخلاصة أن الإعتقاد بقدرة الساحر علی التدخل في أعمال الناس شرك و العياذ بالله، بل أكثر من ذلك فهذا المعتقد يقلب موازين الحساب يوم القيامة؛ فمن سحره ساحر و أضله عن طريق الله فأصبح سكيرا تاركا للصلاة ترفع عنه الأقلام و لا يحاسب، لأن رجاحة العقل تقضي بأن يحاسب الساحر نفسه لأنه كان المسؤول عن أعمال هذا الشخص الضال ..
و هذا لا يستقيم بتاتا مع الحديث النبوي الشريف الذي استثنی فيه أشرف الخلق من التكليف تلاتة و هم : المجنون و النائم و الصبي !!
و لم يثبت أن رخص الرسوم الأعظم للمسحور بعدم التكليف … و هذا لأنه كان يعلم تماما استحالة إمكانية سحر الناس و التحكم في مصائرهم ..
إن مجرد الإعتقاد بالسحر جهل بطبائع الأشياء، فالسحر يتنافی مع قدرات الإنسان لأن تحويل الحبال و العصي إلی حيات و أفاعي يقتدي بث الحياة فيها، و لما كنت صفة بث الحياة و الخلق من صفات الله تعالى و حده منفرداً كان الإعتقاد بالسحر كفر صريح لأن القائل به يسند إلی الساحر صفات الخلق !
إلی هذه الحدود يستوقفنا السؤال التالي :
إذا لم يكن السحر هو تدخل في الساحر في شخصية المسحور مباشرة فكيف نفسر الحالات التي نراها أمامنا و نعجز عن تفسيرها بغير السحر ؟
أو بعبارة أخری .. من هو الإنسان المسحور ؟
الإنسان المسحور هو إنسان مريض نفسياً، يتصرف و يتكلم بأمور غريبة من مخزون العقل الباطن، و هذه الحالة المرضية ليس لدی الجهلاء بالسيكولوجيا تفسير لها سوی أنها [سحر] أو تلبس جن !
يفسر علم النفس هذه الحالات بوجود خلل وظيفي كيميائي في المخ ناتج عن فرز مادة كيميائية بشكل غير طبيعي مما يؤدي إلی خلل وظيفي في المراكز الحسية فينتج عن ذلك شلل جزئي أو حشرجة في الصوت أو سماع أصوات لا وجود لها في الواقع ..
و ما يثير الدهشة أننا لم نسمع يوما عن مدير شركة ناجحة أو عن طبيب ناجح أو لاعب كرة قدم مشهور؛ لم نسمه يوما عن سحر أحد من هؤلاء أو من نفس مكانتهم .. في المقابل لا نسمع عن أساطير و خرافات السحر إلا في تجمعات الجهل و الفقر … لأن الناس في تلك الأوساط أبعد ما تكون عن المنهج العلمي السليم ..
السحر الذي يقصد به التدخل في أفعال الناس و في مصيرهم فعل بشري يقوم علی التدجيل و ربط الوهم بالباطل و لا علاقة لها بأي قوی غيبية كما يزعم الدجالون و المشعوذون .. إنه احراف فكري و عقائدي يكشف عن مدی تغلغل الخمول و التواكل بين الناس و عن مدی تعلقهم بأوهام أسطورية لا تسود إلا في ظروف القمع و الإحباط الإجتماعي، إذ غالبا ما يلجأ الناس للسحر و السحرة في فترات العجز و الخوف .. أو كلما تعذر تحقيق الأهداف و الأحلام .. و هكذا تحول السحر لشماعة يعلق عليها معظم الناس فشلهم و خيباتهم ..
فنجد أنه من اللائق اجتماعياً أن يكون سبب عدم زواج “زينب” و عنوستها سحر يجعل العرسان يهربون منها و لا يلتفتون .. و من غير اللائق القول بأن شخصية “زينب” المتسلطة سبب في نفور الرجال منها ..
و من المناسب أن يبرر “زيد” بطالته و فشله في الإستقرار في العمل و طرده المتكرر بين الشركات بسبب السحر .. بدلاً من القول بأنه شخص كسول و لا يملك مؤهلات مهنية …
و هكذا دواليك .. يفضل البعض تبرير فشلهم بالسحر و إلقاء المسؤولية علی أسباب غيبية و قوی قاهرة تحفظ لهم ماء وجههم و تبعدهم عن دراسة الأسباب الموضوعية للفشل ..
في المقابل نجد أن الدول الأكثر نشاطاً و تقدماً في العالم هي التي نبذت شعوبها المعتقدات الخرافية و اعترفت بأسباب كبواتها استناداً للمنهج العلمي الذي يقوم علی البينات و عالجتها بواقعية … تاركين الشعوب العربية والإسلامية في براثن الوهم و الخرافة ..
و ربما يحق لنا أن نتسائل : لماذا يرتبط مفعول السحر دائماً و أبداً بحدث سلبي ؟ و لماذا لا نجد له أثر إيجابيا علی الإطلاق ؟ كأن يقول مدير ناجح أن نجاحه نتيجة سحر ما أو أن يقول طالب متفوق أنه ينجح في الإمتحانات جراء مفعول سحري .. !!
و لماذا لا يحيل هؤلاء السحرة بلدا مثل الصومال إلی جنة تفيض زرعا ؟؟
لا تشد خرافة السحر عن القاعدة، إذ يتبنی الدفاع عن الإعتقاد بالسحر و إثبات وجوده علماء سلفيون و شيعيون و فقهاء و متصوفة و دعاة إسلاميون .. و هؤلاء يهمهم ترسيخ الإعتقاد بالسحر و بالقوی الغيبية الخارقة لأن لجوء الجهلة إلى هؤلاء الشيوخ يضمن لهم ذلك الإحساس النفسي بالوصاية علی المجتمع و بامتلاكهم للكرامات المزعومة – و هذه حالة مرضية يعاني منها معضم الشيوخ – بالإضافة لكون الإعتقاد بالسحر بين الناس يضمن لهؤلاء الكهنة الدخل المادي الوفير من عائدات كتب الأدعية و أذكار الوقاية من السحر، ناهيك عن الأموال التي يجمعونها من تعاويذ جلب الحبيب و طرد النحس الرقی …
هؤلاء يهمهم أن تبقى الشعوب العربية والإسلامية بعيدة عن المنهج العلمي .. و إذا عرف السبب بطل العجب !
هناك ربع مليون مشعوذ في العلم العربي، وينفق العرب حوالي 5 مليار دولار سنوياً على السحر ونصف نساء العرب يعتقدون بفعل الخرافات ويتدرددن على المشعوذين سراً وعلانية.
(د.محمد عبدالعظيم – مركز البحوث الجنائية بالقاهرة)
السحر لا وجود له إلا في وهم الناس، أما في الواقع فالساحر هو من يقوم بألعاب الخفة و من له قدرة لائقة علی خداع الحواس، يكتسب تلك المهارة بالمران و الممارسة و معرفة سبل التأثير النفسي على مدارك السدج من الناس ..
على المشعوذين الذين يقومون بأعمال السحر أن يتوبوا إلی الله و أن يعودوا إلى الإيمان عملا بقوله تعالى : { إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ } [ طه 73 ]
و علی كل من يعتقد بالسحر أو يقصد السحرة أن يربیء بنفسه من الشرك بالله و أن يتدبر قول الحق : {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69]
إن أصبت فبتوفيق من الله و فضله، و إن أخطأت فمن نفسي.
هذه وجهة نظري وليس ملزوم بها كل من قرأ مقالي.
دعوة للتبرع
سورة التحريم: كنت اريد تفسير الايا ت الأول ى في سورة...
ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول : أشكر كم جزيل الشكر على...
من أسرار الفراش.!: ترددت قبل أن أفشى هذا السّر الخاص بى ، ولكن...
لا نزول للمسيح : السلا م عليكم يا استاذ احمد حيرني تفسير قوله...
كتبنا متاحة مجانا: من آين أشتري كتبكم الفاض لة: الصلا ة بين...
more