الناكبون عن الحق:
الناكبون عن الحق

أسامة قفيشة Ýí 2016-12-08


  الناكبون عن الحق

الناكبون هم المبتعدون , و ينكب بكسر الكاف أي يبتعد ,

و المناكب هي الابعاد , و الناكب هو المبتعد ,

هو مصطلح قرآني فريد , قليل الاستخدام ,

المزيد مثل هذا المقال :

قال تعالى ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) 15 الملك ,

أي انه جل وعلا مهد و ذلل لنا الارض و بين لنا مسالكها ابتلاءً لنا في الاختيار ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) , و سخر ابعادها للانسان , مبيننا له سبيل الهدى و سبيل الضلال , و جعل التكليف على الانسان باختيار احد السبيلين ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) , فوجب على الانسان السعي في التوجه و في الاتجاه أو البعد الذي يختاره ,

فمن سلك منهم سبيل الهدى الذي هدانا الله جل و علا له و ارشدنا اليه و هو ( الصراط المستقيم ) و ابتعد عن سبيل الضلال و الظلم , كانت له الجنة في الحياة الآخرة ,

و أما من ابتعد عن سبيل الله جل و علا و لم يعمل للقاء الآخرة و ابتعد عن الصراط المستقيم و لم يسلكه كانت له النار في الحياة الآخرة ,

لذا كان القرآن وحده هو المرشد للصراط المستقيم , فمن كفر به أو اتخذ غيره سالكا درب الضلال و الظلم , مبتعدا عن سبيل الهدى ناكبا عن طريق الحق الذي دعانا اليه الخالق جل و علا فأولئك هم الناكبون المبتعدون عن سبيل الهدى فقال سبحانه ( وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) 73-74 المؤمنون ,

يؤمن أصحاب الضلال بوجود درب فوق جهنم اسمه الصراط المستقيم , كي ينحرف الانسان عن معنى الصراط المستقيم الذي كان لزاما على المؤمن سلوكه في الدنيا كي ينجو في الآخرة , و قالوا أن هذا الصراط موجود في الآخرة ليضلوا العباد و ليبعدوهم عن معنى الصراط الحقيقي ,

أما في الذكر الحكيم فلا وجود لصراط مستقيم فوق جهنم , لأن المؤمنين لن يقتربوا مجرد الاقتراب من النار , فكيف بهم السير من فوقها ! ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) 101 الانبياء ,

ليس هذا فحسب بل لا يسمعون صوتها ( لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ) 102 الانبياء ,

فمن أين جاؤوا بهذا ؟؟

من خلال سلسلة الحوارات التي يجريها الدكتور احمد صبحي منصور و من خلال الحلقة المنشورة بتاريخ 24-12-2016 و التي كانت بعنوان ( النبى محمد فى حوار مع ال (سى إن إن ) عن الجدال فى قصة نوح فى القرآن الكريم ) فتحت تلك الحوارات أمامي الكثير من التدبر في كلام الله جل وعلا الذي نصل به كل يوم لمزيد من كنوزه التي لا تنضب ,

و كانت مداخلتي حينها بعنوان ( أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ) و جاء فيها :

لقد لفت انتباهي تلك الظاهرة المشتركة التي يشترك بها الظالمون منذ عصر نوح عليه السلام الى يومنا هذا ,

و هي ظاهرة ( مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا ) !

هؤلاء الظالمون لا يريدون لشخص النبي أن يكون مثلهم , بل يريدونه مختلفا خارقا كي يقدسوه مع الله جل و علا , و حتى يستجيبوا لدعوته ويؤمنوا به , يتوجب عليهم اختلاق كثير من الصفات التي يصفون بها هذا النبي كي يميزوه عن حقيقته البشرية ,

فان رفض النبي هذا الامر كفروا به , كما حدث مع قوم نوح عليه السلام حين أقر لهم و قال ( وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ) ,

و تلك الظاهرة يبدو انها متكرره على مدى العصور و في كل الازمان ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ) ,

و هذا ما حصل مع النبي محمد عليه السلام فقال ايضا ( قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ) ,

و لكن يصر الظالمون على تلك الاقوال حتى يومنا هذا فلا يؤمنون بمحمد عليه السلام بأن يكون بشرا مثلهم , بل تجدهم يؤمنون به حين يكون خارقا للعادة البشرية فيدعون بأنه هو الشفيع و بأنه يعلم الغيب و بأنه حيٌ في قبره و غير ذلك الكثير ,

شكرا لك دكتور منصور على هذا السرد الذي يفتح امام اعيننا الكثير الكثير ,

فها نحن نشاهد تلك المشاهد المتكررة و هذا التشابه و التشابك الكبير بين قوم نوح عليه السلام و قوم فرعون من بعد و قومنا نحن اليوم , حتى الذين يتبعون الحق المبين كانوا فقراء مستضعفين مضطهدين منبوذين في زمن نوح و موسى عليهما السلام و كذلك في عصرنا اليوم امام نفس الملأ , ذاك الملأ الظالم المتكبر و الجهول ,

فمن هنا أحذر و أقول :

ها نحن علمنا بأن قوم نوح من قبل و قوم فرعون من بعد , يخضعون لعذاب مستمر في البرزخ الى يوم الحساب و قد أخبرنا بهذا سبحانه و تعالى في كتابه الحكيم على لسان خاتم النبيين في آخر رسالة سماوية , و قد توقف الوحي منذ ذلك الحين ,

و لكن بين لنا سبحانه و تعالى و بكل وضوح و تفصيل سبب هذا العذاب و مسبباته فاتقوا يا أولي الالباب و احذروا , فكل من يسير على نهج تلك الاقوام و يفعل فعلها حتما سيلاقي نفس المصير من العذاب في البرزخ الى قيام الساعه ,

فسبحان الله العظيم و تعالى عما يشركون .

كان هذا هو التعليق الذي اوردته على تلك الحوارات , و تلك هي مداخلتي حينها , لم اتوقف عند هذا الأمر بل ساقني ذلك للرجوع فوراً الى كتاب الله جل وعلا و كلامه المبين متدبراً متأملاً لسورة المؤمنون فتبين لي الآتي :

هذا الكلام الحق الذي لا يأتيه الباطل يتجلى بعظمته في تلك السورة التي تتجسد مشهداً في غاية الوضوح و البيان , يتمثل فيها و يتكرر المشهد منذ البداية الى زماننا الحالي بل الى يوم الدين , فعلاقة الربط و الترابط المستمر بين الضلال و الهدى منذ زمن نوح عليه السلام مروراً بالرسل جميعاً الى زمن خاتم الرسالات محمد عليه السلام و ما بعده الى يوم الدين , هي نفس الرابطة و نفس السلوك و نفس التفكير ,

تتحدث هذه السورة عن المؤمنين , ليتم تعريفهم لنا بصفاتهم التي يتصفون بها و ما سيلقون من الظالمين المستكبرين المترفين المفسدين , فكان ذلك الأمر نفسه متعاقبا من نوح الى محمد عليهما السلام ,

في البداية تبدأ السورة باخبارنا بأن هؤلاء المؤمنين قد أفلحوا في الاختبار بسلوكهم مسلك الهدى و هو الصراط المستقيم , و تلك صفاتهم ( الخشوع في الصلاة , الاعراض عن اللغو , تقديم الزكاة , حفظ الفرج , يحافظون على الصلاة ( أي يقيمونها ) ) تلك هي خمس صفاتٍ يتميزون بها عن غيرهم من سائر البشر ,

هؤلاء حتما هم الوارثين , و لكن ماذا سيرثون , هل سيرثون المال و السلطه ؟ هل سيرثون شيئاً من حطام الدنيا ؟ كان الجواب بأنهم سيرثون الفردوس هم فيه خالدون ,

ثم تتطرق السورة و تضرب لنا قضية خلق الانسان حيث بدأ من طين ثم من نطفة .. الخ وصولاً الى الموت و من ثم البعث , و كذلك تضرب لنا مثلاً آخر و هو دورة حياة النبات , و تلك الامثال ثابتة لا تتغير الى يوم الدين , و هذا دليلٌ يشار به لحياة هؤلاء المؤمنين فما سيلاقونه هو ثابت ايضا لا يتغير , و كذلك سلوك الظالمين المستكبرين فهو ثابت ايضا ,

و بعد ذلك تبدأ الحكاية من زمن نوح علية السلام مع أول ملأ ظالم مستكبر و مترف , فيدعوهم الى الصراط المستقيم , فلا يستجيبون له لأنه كان بشراً مثلهم , فهم اعتادوا على الشرك بالله جل وعلا , فكيف يتبعون رجلا مثلهم , فذلك أمرٌ مرفوض كلياً لمن اعتاد الشرك , فهؤلاء المشركون يبحثون عن شيء يقدسونه مع الله جل وعلا كي يؤمنوا له ,

ثم ينتهي الحديث عن قوم نوح باهلاكهم و اغراقهم فيقول جل وعلا بعدها ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ) 30 المؤمنون , هذا هو الابتلاء الأول للبشرية , لكي يُعلم من سيسلك الصراط المستقيم ممن سينكبون عنه ,

ثم يأتي الحديث من بعد نوح حيث تم ارسال رسول اليهم , فنلاحظ نفس السلوك تماما لا يتغير , و كأن ذاك الملأ هو نفسه كان حاضراً حافظاً لعهد أسلافه فقال ( وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ) 33 المؤمنون , و هذا الملأ نسخة ٌ طبق الأصل عن ملأ نوح عليه السلام , فكان ظالما مستكبرا مترفاً , لا يريد أن يؤمن لبشرٍ يمتلك خصائصهم البشرية , فكذبوه و اتهموه بالجنون كما اتهم قوم نوحٍ نوحاً عليه السلام ,

فأهلكهم الله جل وعلا كسابقيهم , و يستمر المشهد كما هو لا يتغير و لا يتبدل , تماما كدورة نمو الانسان أو النباتات , فالمؤمنون هم المؤمنون المستضعفون و الملأ هو الملأ الظالم المستبد المترف لا شيء يتغير , فقال سبحانه عن تكرار المشهد عينه ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لّا يُؤْمِنُونَ ) 44 المؤمنون ,

ثم يأتي الحديث عن موسى و هارون عليهما السلام و عن فرعون و ملأه , ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ ) 45-48 المؤمنون ,

و نلاحظ ايضا ان ذلك الفكر السحيق لا زال متوارث , فها هو فرعون و معه ملأه لا يريدون اتباع رسولٍ يحمل صفات البشر ,

ثم يأتي الحديث عن عيسى عليه السلام و عن الرسل جميعاً بشكلٍ عام بما فيهم خاتمهم محمد عليهم جميعا السلام , و يتم اخبارهم جميعا بأن هذا الأمر لن يتغير و هذا الفكر لن يتبدل , و ذاك الملأ لن يتحول فكلهم من نفس الجنس و الاستكبار و الظلم و الترف فقال ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) 51-52 المؤمنون , فهذا الوضع ثابت لا يتغير فهم أمة واحده لا فرق بين أولهم و آخرهم فهم يحملون نفس الفكر و نفس السلوك ,

ثم يبين لنا المولى جل وعلا ما سيكون و ما سيترتب على كل ذلك عبر السنين , و ما سيتمخض عن ذلك الملأ من اتباع و ديانات أرضية فقال ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) 53 المؤمنون ,

و سيبقون على ما هم فيه الى يوم القيامة ( فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ) 54 المؤمنون ,

و يبين لنا الحكيم الخبير أن هذا الترف الذي هم فيه ما هو الا شرٌ لهم و ليس خيراً لهم ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لّا يَشْعُرُونَ ) 55-56 المؤمنون ,

و هذا يتحقق الآن و في هذا الزمان أمام أعيننا لما نشاهده من نهايات مأساوية لهؤلاء الظالمين المستبدين المستكبرين و المترفين , تماما كما حدث مع سابقيهم عبر التاريخ ,

ثم يأتي الحديث مجدداً عن المؤمنين السائرون على الصراط المستقيم و يبين لنا مزيداً من صفاتهم , فيضيف خمس صفات لصفاتهم الخمس السابقة ( مشفقون من خشية الله , يؤمنون بآياته , لا يشركون بربهم , ينفقون أموالهم لأنهم يؤمنون بالرجوع الى الله , يسارعون في الخيرات ) ,

و بعدها يعود الحديث عن أولائك المترفين الظالمين المستكبرين في كل زمان و مكان , حيث أنهم سيجأرون حين يأتيهم العذاب , و لا مفر لهم و لا ناصر لهم من الله , ذلك لأنهم كانت تتلى عليهم آيات الله التي نتلوها نحن اليوم هنا , و لكنهم كانوا ينكصون و لا يسمعون لها و يعودون لما هم عليه من طغيان و شرك , هذا لأن الاستكبار هو طبعهم , فهم أيضاً يستكبرون في آيات الله جل وعلا و لا يخضعون لها بل يتخذونها طرباً و أنساً لا أكثر ( مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ) 67 المؤمنون , رافضين تدبر تلك الآيات لأن تدبرها يأتي بما لم يقوله أسلافهم و آبائهم و علماؤهم فقال جل وعلا ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ ) 68 المؤمنون ,

و لهؤلاء المستكبرين رسولٌ يتبعونه على هواهم ذو صفات تخالف صفاته البشرية , يوصلونه لمراتب التقديس و التمجيد يشركون به مع الله جل و علا , لهذا فهم لا يؤمنون و لا يعترفون برسولنا البشري الذي نؤمن به نحن , بل و ينكرون صفاته التي نؤمن نحن بها ( أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) 69 المؤمنون ,

بل سيقولون عن هذا التدبر بأنه كفرٌ و جنون , لأنه الحق , و لأنهم يكرهون الحق ( أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) 70 المؤمنون ,

و هذا التدبر للذكر الحكيم يدعوهم الى الصراط المستقيم , و لكنهم عنه مبتعدون ناكبون ( وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) 73-74 المؤمنون ,

ثم يأتي الحديث بصيغة الحوار المباشر مع كل هؤلاء الناكبون المبتعدون عن الصراط المستقيم بكل طوائفهم و مذاهبهم بصيغة السؤال و الجواب :

السؤال الأول ( قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) 84 المؤمنون ,

الجواب ( سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) 85 المؤمنون ,

السؤال الثاني ( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) 86 المؤمنون ,

الجواب ( سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ) 87 المؤمنون ,

السؤال الثالث ( قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) 88 المؤمنون ,

الجواب ( سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) 89 المؤمنون ,

نلاحظ هنا بأن هؤلاء الناكبون عن الصراط يعرفون الله جل وعلا و معترفين بالوهيته باعترافهم بأن الله هو مالك الأرض و هو الرب هو المهيمن المسيطر على كل أمر , و لكنهم كما قال عنهم الحق جل و علا ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ) , لأنهم لم يتذكروا و لم يتقوا و كانوا مفتونين مخدوعين ( أَفَلا تَذَكَّرُونَ , أَفَلا تَتَّقُونَ , فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) فلم يتبعوا الصراط المستقيم و كانوا مبتعدين ناكبون عنه فقال عنهم جل و علا ( عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) 92 المؤمنون ,

و يوم أن يأتي الموت اليهم سيستيقظ هؤلاء الناكبون و يتمنون من العودة كي يسيروا على ذاك الصراط المستقيم فقال ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) 99-100 المؤمنون , و لكن هيهات فقد فات المعاد ,

و يوم القيامة ما لهم سوى الجحيم ( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ) 104 المؤمنون ,

ثم يأتي العتاب و طلب الخروج من النار فيأتي الجواب ( قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) 108 المؤمنون , فلماذا وجب عليهم أن يخسئوا في طلبهم و وجب عليهم عدم الكلام ؟ فيأتي الجواب اليهم ( إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ) 109-110 المؤمنون , و هذا الفريق يدل على الأقلية ,

ثم تتجلى حكمة الله جل وعلا في نهاية السورة من هذا الخلق فيقول ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) 115-116 المؤمنون , فالله جل و علا وحده الملك الحق , فكل شركٍ به ما هو الا باطل ,

فقال سبحانه ( وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ) 117-118 المؤمنون ,

كانت هذه هي سورة المؤمنون الناجون السائرون على الصراط المستقيم .

 

سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا

سبحانك اني كنت من الظالمين 

اجمالي القراءات 7302

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الخميس ٠٨ - ديسمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[83840]

شكر استاذ أسامة على هذا الموضوع


وأريدك أن تدخل فى ناحية جديدة من التدبر فى معنى لقاء الله جل وعلا ، وهى فيما يخص الايمان باليوم الآخر والعمل له . إن إيجابا أو سلبا . وفيما يخص المظلومين يوم التغابن : اى يوم رفع الغبن والظلم . ثم هناك ناحية أخرى هى : العلاقة بين من يرجو لقاء الله ( وهو المؤمن طبعا ) والمؤمن الذى يشفق من قيام الساعة : (  الشورى 18 ) . والعلاقة بين رجاء لقاء الله جل وعلا و كون المؤمن بين الرجاء والخوف . 

انتظر منك المزيد .

أكرمك الله جل وعلا.

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-04-09
مقالات منشورة : 196
اجمالي القراءات : 1,417,415
تعليقات له : 223
تعليقات عليه : 421
بلد الميلاد : فلسطين
بلد الاقامة : فلسطين