وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ.

Brahim إبراهيم Daddi دادي Ýí 2015-11-12


وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ.

 

عزمت بسم الله،

 

إن المتصفح لكتاب الله تعالى والمستمع لتلاوته، تستوقفه بعض آيات الله تعالى فيتدبرها ويحاول فهمها، شريطة أن يكون قلبه مطمئن بالإيمان بما أنزل الله من كتاب، إن القرءان العظيم هو آخر الكتب المنزلة إلى الناس، ففيه يجد المؤمن خبر الأولين ومصير الآخرين، وفيه القصص الحق، والأوامر والنواهي الربانية، التي بلغها الأنبياء والرسل للناس لما استخلفهم الله تعالى في الأرض ليعمروها، فمنهم مقتصد ومنهم ظالم لنفسه. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ(32).فاطر. هناك حتى من أبناء الأنبياء من هو محسن وظالم لنفسه. وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ(113). الصافات.

 

فمن هو المسرف الظالم لنفسه؟

 

من بين الظالمين لأنفسهم الذين يعتقدون أن ما لديهم من خيرات هو من صنعهم وعلمهم ونسوا أن ما بهم من خير فمن عند الله تعالى ليبلوهم أيشكرون أم يكفرون. وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا(35). الكهف. قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ(78).القصص.

 

من الناس من ينسى أنه مخلوق من ماء مهين لا حول له ولا قوة، ثم بلغ أشده وكسب خيرا بتوفيق من الله تعالى ليبلوه أيشكر أم يكفر، فإذا مسه الضر دعا ربه منيبا إليه فإذا رفع الله عنه الضر وخوله نعمة منه قال إنما أوتيته على علم. فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(49). الزمر.

 

الإسراف أنواع كثيرة، أولها الإسراف في عدم الإيمان بآيات الله تعالى الكونية والمنزلة على الرسل وآخرها القرءان العظيم، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا(125)قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى(126)وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى(127).طه.  

ملاحظة: إن هذه الآية الكريمة لا تعني الذين يحفظون القرءان ثم يُنسى، لأن حفظ القرءان لم يأمر به الله تعالى، إنما تعني الذين علموا آيات الله ونسوها، وأسرفوا ولم يؤمنوا بها ولم يعملوا بما أمر الله تعالى ونهى.

 

ومن أنواع الإسراف، الإسراف في القتل والفساد في الأرض. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ(32).المائدة.

وقد نهينا أن نقتل نفسا بغير حق، لأن القتل لا يجوز إلا لمن وجب عليه الحق، وهو القاتل فحكمه القتل، وقد جعل الله تعالى لولي المقتول سلطانا فلا يسرف في القتل. وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا(33).الإسراء.

 

ومن الإسراف أكل أموال اليتامى إسرافا وبدارا. وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا(6).النساء.

 

 ومن الناس من يُنعم الله عليه بالخيرات ولا يحسن التصرف فيها، فيسرف فيها ويبذر تبذيرا ربما يوصله إلى الهلاك، إن الله تعالى يمن علينا ويأمرنا أن نأكل ونشرب مما أنعم علينا من الخيرات دون إسراف ولا تبذير، ونُؤتي حقه ( الصدقات) يوم حصاده. وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(141).الأنعام. يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(31).الأعراف.

حتى في الإنفاق يجب أن يكون معتدلا فلا إسراف ولا تقتير. وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا(67).الفرقان. وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا(29).الإسراء.

 

يحذرنا المولى تعالى من الإسراف في كثير من الآيات، وضرب لنا أمثلة عن الذين كانوا مسرفين وكيف أخذهم الله تعالى ليكونوا آية لمن خلفهم. وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ(39).العنكبوت.

وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْمُهِينِ(30)مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنْ الْمُسْرِفِينَ(31).الدخان.

 

ومن القوم المسرفين قوم لوط المجرمين الذين يأتون الذكران من العالمين. أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ(165)وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ(166). الشعراء. فأرسل الله تعالى عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين. قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ(31)قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ(32)لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ(33)مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ(34).الذاريات.  

 

بما أن الله تعالى يقبل التوبة ويغفر، ويرحم برحمته التي وسعت كل شيء، فلا يقنط العبد من رحمة الله تعالى، إلا أنه يجب أن يسارع إلى التوبة والإنابة إلى الواحد الأحد، مع الامتثال لأمر الله تعالى وعدم الإسراف في كل شيء، وبذلك يمكن أن يبد الله تعالى السيئات إلى حسنات. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(70) الفرقان. فيكون العبد من الفائزين الفوز الكبير. قال رسول الله عن الروح عن ربه: قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53).الزمر.

والسلام على من اتبع هدى الله تعالى فلا يضل ولا يشقى.

 

اجمالي القراءات 10134

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الخميس ١٢ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79470]

فلا يسرف في القتل



السلام عليكم استاذ إبراهيم نشكرك ،  موضوع مهم  عن الإسراف ..بالرغم من أن هذه الكلمة تجري على الألسنة إلا أن معناها القرآني مختلف ، فالذي قام بالإسراف ، هو (لم يؤمن) ، وقد نسي ما تم تذكيره به مرارا أيضا ، لكن ما أريد الكلام عنه حقا موضوع الإسراف في القتل ،(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ ُقتل مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا(33).الإسراء.)هنا هل تعني المبالغة في القتل ومجاوزة الحد في الانتقام والأخذ بالثأر  ..بالرغم من انه وليه له سلطان  من قبل رب العزة .. هل يستخدمه في القتل ام في الحديث باسم القتيل المظلوم .. هل لابد من القتل أصلا..  أمثلة الإسراف في القتل كثيرة على المستوى الإنساني ،   كيف يتحول الولي الذي يؤيد بنصر الله ( إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) من (منصور ) إلى مسرف ؟ تأمل معي هذه الآية وخاصة ما تم تلوينه من العفو ، واتباع المعروف والأداء بإحسان ثم فوق ذلك كله من عفي له من اخيه جعله بمثابة الأخ .. وفيه تخفيف من رب العزة في هذا وهذا فقط يصبح الولي منصورا قال تعالى :   يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) البقرة .


ودائما صدق الله العظيم


 


.



2   تعليق بواسطة   إبراهيم بوليفة     في   السبت ١٤ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79477]

إلى الأخت عائشة


السلم عليكم



لا أظن أن الأية  179 من سورة البقرة  تعالج موضوع قتل النفس بالنفس أو بما يسمى القصاص فلا أظن أن الله العادل يرضى بأن يقتل عبدا أوحرا أو أنثى لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا من نفس صنف  الطرف المقتول  وهذا بتطبيق أبسط القواعد الفقهية  ولا تز وازرة وزر أخرى فعليه يجب علينا فهم هذه الأية بمفهوم أخر لا يطعن في عدالة الله تعالا



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-11
مقالات منشورة : 527
اجمالي القراءات : 10,864,080
تعليقات له : 2,000
تعليقات عليه : 2,891
بلد الميلاد : ALGERIA
بلد الاقامة : ALGERIA