شادي طلعت Ýí 2014-11-02
تعد العاصمة البريطانية لندن، مدينة فريدة من نوعها، فهي مزيج لأكثر من خليط، لا يمتزجون إلا فيها فقط، إن لكل مدينة شكل خاص بها، وداخل كل مدينة توجد أحياء منها القديم ومنها الجديد، ففي القاهرة على سبيل المثال، هناك فرق بين حي مصر القديمة وحي مصر الجديدة، فالفارق كبير مما يستحيل معه مزج مصر القديمة بالجديدة، فالفوارق هائلة بين السكان من عادات وثقافة وتقاليد، حتى البنايات بل واللكنات أيضاً، وهذا أمر طبيعي في كل مدن العالم، إلا مدينة واحدة، وهي لندن فقد جمعت عراقة الماضي بحضارة الحاضر والمستقبل، في مزيج من أشياء مضادة محال أن تمتزج إلا بها، أنها بالفعل مدينة فعلت المستحيل، ليصبح حقيقة، لتستحق أن تكون المدينة الأغلى بين كل مدن العالم، ولا عجب إن وصل ثمن المنزل بلندن إلى 38 مليون جنيه إسترليني أي ما يتجاوز 400 مليون جنيه مصري !
قد يشاهد الناس صوراً لـ "باريس" وبرجها الشهير "إيفل"، فتجذبه باريس، أكثر مما قد تجذبه صورة للندن وساعتها الشهيرة "بيج بن" إلا أن من يزور كلتا المدينتين، سيدرك حتماً أنه قد أخطأ في حق لندن، التي تخيل أنها فقط مدينة التاريخ القديم ! ليكتشف أنها ليست فقط مدينة الحاضر بل إنها مدينة المستقبل الذي يمر عليها أولاً، قبل أن يمر على أي مدينة أخرى.
في العام 2014م أجري إستفتاء لسكان أسكتلندا في يوم الخميس الموافق 14 سبتمبر، ليختاروا ما بين البقاء تحت التاج البريطاني أو الإستقلال، فكانت نتيجة الإستفتاء، إختيارهم البقاء تحت التاج البريطاني ! وفي العام 1997م وقت أن إنتهت الحماية البريطانية على مدينة هونج كونج، كان سكان المدينة يبكون على إنصراف التاج البريطاني عنهم ! وقد يتعجب من هذا الأمر كل من لم تتح له الفرصة لزيارة مدينة الضباب لندن.
قد لا يعلم البعض أن إستراليا القارة الجنوبية للكرة الأرضية لازالت تحت حكم التاج البريطاني ! وقد يزيد التعجب إذا ما علمنا أن كندا صاحبة ثاني أكبر مساحة بالعالم، تلك الدولة التي تفوق مساحتها مساحة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحدها من الشمال، أنها هي أيضاً لا زالت تحت حكم التاج البريطاني !
وقد لا يعلم البعض أيضاً، أن بريطانيا التي لا يزيد تعداد سكانها عن 64 مليون نسمة، لا زالت مؤثرة في دولة تعداد سكانها يفوق المليار نسمة، وهي الهند، التي لازال شعبها لا يقنع بأي مدينة في العالم إلا لندن، فبغض النظر عن كون إنجلترا قد إحتلت الهند، إلا أن الهنود لا يتحدثون عنها بالشر أبداً، بل ينظرون إليها بأنها جنة الله على الأرض، حتى وإن أتيحت لهم الفرصة للعيش بأمريكا أو سائر أرجاء أوربا الأخرى.
فما هو السر وراء لندن مدينة الضباب، التي كانت في يوم سابق عاصمة إمبراطورية لا تغيب الشمس عن أرضها، في إستحواذها على قلوب كل من زاروها، وما سر جمالها، وكيف هي عادات أهلها، وكيف لدولة ملكية تكون ديمقراطية أكثر من الجمهوريات الأخرى.
بداية لندن عاصمة بريطانيا العظمى، دولة ملكية دستورية، أي أن الملك فيها يملك ولا يحكم، وليس للعائلة الملكية بخلاف الألقاب أي إمتيازات مالية تجعل منهم أصحاب رؤوس أموال، أو إمتيازات قانونية، تجعلهم فوق القانون، فالأمراء في لندن، هم أشخاص عاديون، تستطيع أن تراهم وهم يسيرون على أقدامهم بدون السيارات الفارهة، ليس هذا فقط، إن أجمل ما يميز العائلة المالكة في لندن، أنهم لا زالوا يحتفظون بعراقة الماضي في ملبسهم، فلا تتعجب إن رأيت الأميرات يرتدين الفساتين الطويلة المطرزة بالطرق الإنجليزية القديمة، ولا تتعجب إن رأيت الأميرات أيضاً يضعن الورود الطبيعية في شعورهن ! ولا تندهش إن رأيت الرجال والنساء يرتدون القبعات التي تشبه قبعات رعاة البقر في ولاية تكساس بأمريكا.
إن النظام الديمقراطي الذي تعيشه بريطانيا العظمى، وتطبقه في كل أنظمتها الحاكمة، يجعل من رئيس الوزراء هو الحاكم الفعلي للبلاد، والذي يأتي عبر صناديق الإنتخابات، بيد أن مبدأ محاسبته من خلال البرلمان حتى قبل أو أثناء إتخاذ القرارات ليس أمراً سهلاً، تلك هي الديمقراطية التي صدرتها بريطانيا إلى العديد من الدول التي كانت تحت إحتلالها، فكانت سبباً في رغبة بعضها أن تظل باقية تحت حكم التاج البريطاني، وكانت سبباً أيضاً إلى إعجاب شعوب دول أخرى ببريطانيا العظمى حتى بعد أن نالت إستقلالها.
إن لمدينة لندن خصوصية كونها تقع في شمال الكرة الأرضية، فالنهار فيها طويل ففي الصيف يمتد إلى ما بعد العاشرة مساءاً، مما يعطيها إنطباعاً بانها المدينة الشابة، التي يشيب الزمان من حولها، إلا أنها لا تزال في ريعان شبابها، إنها مدينة الشمال والصبا والهواء النقي، بل والجودة أيضاً فبترول بحر الشمال مثلاً هو الأفضل والأغلى عالمياً.
ومن خصوصية لندن أيضاً، أنها مدينة الجمال، فالعراقة فيها ليست شائخة كما قد يعتقد البعض، بل إن التاريخ فيها رائع بروعة شعبها، الذي لم ينسى ماضيه أبداً، فإستطاع أن يبني حاضره ويعمل لمستقبله، ليكون في صدارة العالم الحديث، إن لندن مثال حي للمثل القائل "من ليس له ماضي ليس له حاضر ولا مستقبل" إنها لندن صاحبة الأمثال الشعبية، ومن أكثر أمثالها حكمة "كل شهرة مفيدة حتى الشهرة السيئة".
إن بريطانيا دولة تسير عكس ما يسير عليه العالم، فمركز قيادة السيارات تكون من الجهة اليسرى في العالم كله، إلا بريطانيا والدول التي لازالت تحت التاج البريطاني، والدول التي تأثرت بالحضارة البريطانية، فمركز قيادة السيارات فيهم تكون من الجهة اليمنى، أيضاً يحتفل العالم بثورات شعوبه، بتاريخ السنوات التي بدأت فيها الثورات، إلا بريطانيا، فإنها تحتفل بثورتها في العام الذي إنتهت فيه ! أيضاً تحتفل دول العالم بإنتصاراتها، إلا بريطانيا هي الدولة الوحيدة التي تحتفل بهزائمها.
إن الإختلاف الموجود في بريطانيا، قد يراه الكثيرون إنحرافاً عن القاعدة العامة، بيد أن الأيام والمستقبل قد يظهرا للأجيال القادمة أن بريطانيا قد سبقت عصرها، وأنها من كانت على الصواب.
إن لندن ليست بمدينة عادية، وليست كغيرها من المدن الكبرى، فإن تحدثنا عن الزحام سنجد أن مطار "هيثرو" بلندن يحتل المرتبة الثالثة الأكثر إزدحاماً بين مطارات العالم، إلا أن النظام المتناهي الدقة يجعل المسافرين من وإلى لندن لا يشعرون بأي تقصير يذكر، كما أن الأجانب بلندن لا يشعرون أيضاً بزحام المدينة، بسبب النظام أيضاً والدقة والجمال الموجود في كل مكان.
إن ساعة "بيج بن" التي تقع على أحد أطراف مبنى البرلمان "وستمنستر" ساعة تاريخية يعود عمرها إلى العام 1869م، بيد أنها ساعة جمالها متجدد، فقد صنعت بالماضي، لكن من صنعوها كانوا حريصين على إظهار جمالها، فاخلصوا في عملهم، فأصبحت الساعة تحاكي كل عصر جديد، وأصبحت قادرة على التنافس في الجمال، فجمالها أتى من الماضي ليساير الحاضر، بيد أن الحضار لا يستطيع أن يسايرها، إلا أن أهم ما يجب أن نقف عنده هو إهتمام الإنجليز بصناعة أكبر ساعة في العالم، فذلك أمر له معنى، وهو أن الإهتمام بالوقت دافع حقيقي للتقدم والحضارة.
إن لندن تاريخياً، تتقهقر أمامها المدن ذات الطابع التاريخي، لأن التاريخ في لندن لازال شاباً شامخاً وجميلاً، ولندن النظيفة تتقهقر أمامها مدن العالم النظيفة أيضاً، فالمدينة تجبر كل من يدخلها على أن يكون أكثر حرصاً من القوانين على نظافتها، ولندن الصاخبة أيضاً تتقهقر أمامها المدن الصاخبة، ففيها من المرح الكثير، بمزيج شعبي وأرستقراطي يمتاز بالتقدم والشكل الحضاري العصري، كما أن لندن الصناعية لازالت هي عاصمة الصناعات العملاقة والتكنولوجية، ولندن الزراعية كذلك، لازالت أيضاً ترفع من شأن الريف الإنجليزي، ليكون الأفضل بين ريف العالم كله، والأمر الأخير، تعد لندن عاصمة عالمية، فيها من جنسيات العالم كله جميعهم يعيشون في ظل قوانين لا تعرف التفرقة العنصرية، بل إنها قوانين تعلي من شأن الإنسانية جمعاء.
وعلى الله قصد السبيل
شادي طلعت
دعوة للدبلوماسية الشعبية من زاوية أخرى
حياة الماعز .."ظُلمٌ ڪبير لشعبٍ عريق"
دعوة للتبرع
هجومنا على التصوف: السلا م عليكم لقد جذبني بعض ما ذهبت اليه و...
اول المسلمين: (قُل إِنِّ ي أُمِر ْتُ أَنْ أَعْب ُدَ ...
نحن والشيعة : ملا 40;ی ن من الش 40;عة قد سمّوا نهج...
لا وقت لدى : حضرات دكتور ,سلام عليكم ,اود في هذه رسالة ان...
دين الهجص السلفى : يامن تدعون انكم اهل القرا ن. هل تدبرو ن ...
more