رقم ( 4 )
الفصل الثالث : أثرالتصوف فى الحياة الاجتماعية فى مصر المملوكية

كتاب : أثر التصوف  الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثالث   : أثرالتصوف فى الحياة الاجتماعية فى مصر المملوكية

مدخــل للفصل الثالث :ــ

مقالات متعلقة :

الحياة الاجتماعية شديدة التأثر بالنظام السياسى والدين الأرضى إذا ساد وسيطر . وقد عرضنا فى كتاب ( أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ) للعلاقة بين المجتمع والسلطة المملوكية ودور التصوف والصوفية فى هذه العلاقة . كما عرضنا فى الكتاب الخاص بأثر التصوف فى الانحلال الخلقى لذى ساد المجتمع المصرى المملوكى بتشريعات وعقائد الانحلال الخلقى . وهنا نتوقف مع تأثير التصوف فى المجتمع المصرى فى بقية النواحى الاجتماعية .

ونقول إن التصوف لم ينشىء تأثيرات إجتماعية كثيرة ، فأغلب تأثيراته كانت موجودة ، ولكنه أبرزها وأضفى عليها مسحة دينية صوفية . إن التصوف قائم على الهوى ، وما يهواه الفرد والناس والمجتمع يصبج دينا فى تشريع التصوف السائد والمسيطر . مثلا من يهوى الشذوذ او الحشيش أو الزنا .. يجعله عبادة دينية صوفية . الرضا بالظلم ونفاق الحاكم أصبح دينا . وبالتالى فإن القيم الاجتماعية فى المجتمع الزراعى من التواكل والخضوع والتقليد تكتسب تشريعا دينيا مع انها قيم إجتماعية مصرية . وهكذا العادات . ولا يخلو اى فرد أو شعب من عناصر إيجابية ، ويُتاح لها الظهور أيضا حتى مع غلبة الملامح السيئة . وبسيطرة التصوف وتسيده المجتمع المصرى فى أواخر العصر المملوكى أظهر تأثيرا جديدا فى التركيب الاجتماعى وقتها ، فأظهر طبقات وطوائف إجتماعية لم تكن معروفة من قبل . هذا مُجمل الفصل الرابع عن أثر التصوف فى المجتمع المصرى المملوكى . ونعطى المزيد من التفصيلات . ونبدأ بعلاقة الصوفية بطوائف المجتمع المصرى وقتها.

أولا :

علاقة الصوفية بطوائف المجتمع المصرى المملوكى

بين العزلة الصوفية والاختلاط بالمجتمع

1 ـ كانت العزلة مما تتميز به المتصوفة الا انهم في العصر المملوكي لم يمارسوا العزلة الكاملة عن المجتمع بحكم احتياجهم له واحتياجه لهم . وزاد اختلاطهم بعناصر المجتمع في أواخر العصر، والشعراني خير من يعبر عن هذه الفترة ، وقد وازن بين مزايا العزلة عن الناس والاختلاط بهم )[1].وافتخر بعدم الانكباب على معاشرة الناس وعدم انقباضه عنهم بالكلية )[2] وان العهود اخذت عليهم بالاعتزال في البيوت وقلة الاسفار والتحرك أيام الفتن )[3]. أى اضافت الاضطرابات السياسية سببا أخر للعزلة والخلوة الصوفية، ولم يمنع ذلك بمقارنتها بالاختلاط .

2 ـ  والواقع أن عزلة الصوفية لم تكن مطلقة وعرف ذلك بعضهم في العصر المملوكي البحري حيث سمحت وثائق الوقف على الخوانق بدخول الآخرين على الصوفية للتشفع بهم لدى الحاكم، [4] وسبق بيان أن بعضهم مارس عمل المواعيد لغير الصوفية العاملين في الخانقاة ، فورد في وثيقة خانقاه جمال الأستادار: ( على أن الشيخ المذكور يتصدر في كل سنة لإسماع الطلبة ومن تيسر حضوره من المسلمين )[5]. وذلك الاتصال بالمجتمع عرفه أيضا من اشتهر من الصوفية بالعزلة والولاية حيث كانت له أوقات معينة للخلوة والأخرى للاجتماع بطالبي زيارتهم من العلماء والوزراء والأمراء..)[6]

3 ـ  وهـذا التوازن بين عزلة الصوفية المقيدة واختلاطهم المتحفظ بالناس ساعد على تأثيرهم في المجتمع ، فالعزلة أضفت عليهم نوعا من الغموض والقدسية زاد من الاعتقاد فيهم فكان لكلامهم قدسية ولتصرفاتهم تأثير ، كما كانت العزلة مظنة للإلهام والوحي. ومن ناحية أخرى  كان الاختلاط المتجدد فرصة للتعرف عليهم والتأثر بهم.  ثم ان العزلة تعنى خفوت التعامل المباشر بين الصوفية والشعب ، والتعامل قمين بأن يُظهر الصوفي على حقيقته بشرا ضعيفا يتعرض للمرض من زكام واسهال وإمساك شأن بقية البشر ممن يعتقد فى كراماته ويتوسل به  ،فكفتهم العزلة شر هذا الاعتقاد فيهم ، خاصة وقد عاشوا عالة على الناس من حكام ومحكومين . ولهذا إستمر الصوفية حتى اليوم على العزلة غير الدائمة .

4 ــ ونعرض لعلاقة الصوفية بطوائف المجتمع من تجار وفلاحين وحرفيين وغيرهم. والشعراني مرجعنا الأساسي نظرا لكتابته الكثيرة وعمق تعايشه مع عصره الذى شهد تسيد التصوف وتشعب  وتعمق علاقة الصوفية بالناس..

عــــــلاقة الصوفية بالتجــــــــــــار

1 ـ تمثلت في طبقة التجار القوة الاقتصادية للشعب المصري في العصر المملوكي ، حتى ان التاجر كان يمثل الفتى " الأرستقراطي"  في حكايات ألف ليلة وليلة . وثراء التجار أطمع فيهم أولياء التصوف في نهاية العصر ، فتنافسوا على تحويل التجار الميسورين الى مريدين طلبا للهدايا والعطايا والنذور والنقوط .

2 ــ الا ان حرفة التجارة وما تلتزمه من حرص على جمع المال وسعة في الأفق  لدى التاجر ومعرفة لديه بطرق الخداع ــ قد فرض بعض الصعوبات في تعامل الصوفية مع التجار ، وأحسّ الشعراني بذلك وخشى أن يتطور الأمر من إنكار بعض التجار على الصوفية الى إنكار لدين التصوف نفسه والخروج التام منه ، لذا نراه يحرص على استمالة المنكرين من التجار على بعض الصوفية ويدعوهم  إلى الاعتقاد في الصوفية )[7] كما ينصّب نفسه ناصحا للتجار فيدعوهم للفضائل ويضع لهم أداب الجلوس في السوق [8]  . ومع ذلك فإنه يتهم التجار بطاعة الزوجات وأنهماكهم في الشهوات ، ففي حديثه عن المرأة وتحكمها فى الزوج يستشهد بالتجار فيقول : ( وان كانت تحكم عليه أي الزوج فهو تحت حكمها كما هو شأن من استرقتهم شهواتهم من التجار والمباشرين وغيرهم ، فلا يقدر احدهم على مخالفة زوجته أيضا )[9]. وإنتقد الشعرانى تفاخر التجار في اللباس حين دعى للتواضع في الحج بلبس الثياب اللائقة  ، وقال ( لا كما يفعل التجار )[10] ودعا للإكثار من الصلاة في الحرم فى تأدية فريضة الحج ، والّا يفعل ( كالتجار الذين يبيعون في الموسم القماش ، ولا يستمتع أحدهم بالطواف والصلاة في جماعة ، فيصير في النهار غافلا وبالليل نائما )[11]..

3 ـ والواقع أن كثرة المتصوفة في عصر الشعراني وتكالبهم على أموال التجار وتنافسهم على تحويل التجار الى مريدين و ( مُمولين ) قد أرهق طبقة التجار، فتبرموا بكثرة مطالب شيوخ الصوفية بأخذ التبرعات من التجار بحجة عمل الموالد والولائم . وحتى لا يتطور الأمر الى الى كفر التجار بالتصوف نرى الشعراني يحاول ان يصلح الحال حماية للطريق الصوفي ، ونلمح ذلك من التمعن في قوله :  ( أُخذ علينا العهود ما دمنا فقراء من المال ان لا نعمل مولدا لطفل ولا طهورا ولا سبوعا ولا وليمة واسعة ولا عزومة كبيرة ولا غير ذلك حفظا لديننا ، ورحمة بإخواننا التجار الذين لا يهون على احدهم كسرة ليتيم ، فانهم اذا رأونا  في مُهمّ (يعني حفل) ربما تخوفوا في مساعدتنا رياء وسمعة او غصبا في عمل الطاعم أو في النقوط  للمداحين ،ونحو ذلك. ويقولون فيما بينهم :ـ" ما بقى في هذه المسألة إلا سدّها" .  وأكثر اخوان الفقير (يعنى اتباع الصوفى ) الان في هذا الزمان على علاله في صحبته ( يعنى متحرج متثاقل ومثقل بصحبته ) لأمور يطول شرحها من جانبه ومن جانبهم . وربما يقولون فيما بينهم : "بلغنا ان سيدي الشيخ ناوى يعمل مولدا أو طهورا أو عرسا لولده وما نعرف والله نساعده بايش.! وأيش قام على الفقير (يعنى الشيخ الصوفي) أن يعمل له مولدا او غيره ويكلف الناس ؟!" . فاذا قال بعضهم : "انا ناوى لا أساعده ولا احضره" يقول له بعضهم : " فضيحة من الشيخ ويبقى يعتبك وجماعته. " فيحتاج ان يحضر بغير نية صافية خوفا من العتب وإظهارا للتخوف كالمكره .!.)[12].

4 ــ وقد فهم الشعراني نفسة التجار في عصره فحاول اجتذاب بعضهم الى صفة خاصة أولئك المنكرين.  وقد روى الشعرانى أن احد التجار كان ينكر عليه، فاستماله الشعراني بأن رفض أن يشترى منه جبة بثمن قليل ، ودفع فيها الشعراى سعرا زائدا ، فاعتقد التاجر من وقتها في أن الشعراني من الأولياء وصار مريدا له [13]. وبهذه الحيلة خسر الشعراى بضع دراهم وكسب مريدا ثريا من التجار .

5 ــ والواقع ان القرن التاسع شهد دخول الكثيرين من التجار الى دائرة التصوف او الاعتقاد في الصوفية مع عدم التخلي عن التجارة،  فقال المؤرخ السخاوي عن ابن عليه التاجر أنه  رزق من التجارة لإخلاصه ومحبته للفقراء واعتقاده فيهم ، وأنه صحب الشيخ محمد الغمري وغيره من المسلكين الذين يعطون العهود لمن يسلك فى دين التصوف ويكون مريدا ، ويقول السخاوى عنه أن بيته صار بيته موردا للصالحين .... بل محلا لإقامة غيرهم بعيالهم [14]. وقال السخاوى عن تاجر آخر غيره أنه نزل صوفيا في الخانقاه الجمالية واقتصر على التكسب مع التعبد والتلاوة ... )[15].  

أصـحــــــاب الحـــــــــــرف :ــــ

1 ــ  كانوا طبقة فقيرة اقترن ذكرهم بذكر الفقر والاحتياج ، ولم يتركهم الشعرانى فى بؤسهم فتصدى لهم بالنصيحة [16]ولم يمنعه التظاهر بالإشفاق عليهم من اباحته أكل الصوفية لطعامهم بدعوى امداده بالبركة الخفية .! . وما أسهل هذا الادعاء من أولياء التصوف وبه يمتصون دماء الفقراء والأثرياء . ونلمح خُبث الشعراني واستحلاله أكل الصوفية المُتخمين لطعام اولئك الفقراء الجائعين  في قوله : ( أخذ علينا العهود ألا نمد يدنا على طعام فقير او صنايعي ،  إلا إن كنا نمده بالبركة الخفية في الرزق . فإن علمنا من انفسنا عدم القدرة على ان نمده فالأولى لنا تركه ولا نلتفت إلى جبر خاطره . فإن السلامة مقدمة على الغنيمة . والفقير لقمته تقع بكُلفة ، ولا سيما ان كان ضعيف البصر عاجزا عن الصنعة ، فسلامتنا من منة ذلك الفقير أولى لنا من جبر خاطره )[17].

ويبدو من حديث الشعراني عن (جبر الخاطر) أن أولئك الحرفيين الفقراء كانوا صادقى النية في دعوة الصوفية لأكل طعامهم ، وكان أولى بالشعراني أن يحرم ذلك على الأولياء  المتخمين بالولائم ، لا أن يبيحه لهم بحجة إدّعاء ( البركة الخفية في الرزق ) مع أن مرجع ذلك كله لله وحده . ويدل على خطئه أن أولئك الأولياء الصوفية الذين أكلوا أموال الحرفيين ( الصنايعية ) الفقراء استهانوا بهم واحتقروهم في نفس الوقت. وهذا باعتراف الشعراني نفسه في رسالته .. (ردع الفقراء) يقول عن مدح النقباء لشيخهم عند ذوى الجاه ابتغاء الرزق والاعتقاد فيه : ( وتأمل مدحهم لشيخهم انما يكون دائما عند الامراء وكبراء البلاد ونحوهم .... فما ترى منهم أحدا يمدح شيخه عند صنايعي فقير أبدا، ولا عند فقير صعلوك لعلهم ان هؤلاء ليس عندهم شيء يأخذه لهم ولا لشيخهم )[18]...

علاقتهم بالفلاحين :ــ

 1ــ كانوا اغلبية السكان وأقلهم شانا وأكثرهم حرمانا إلى درجة صورها ابن الحاج الفقيه المغربي الأصل بأن الفلاح المصرى عند المماليك ( صار كالأسير الذليل الحقير وكأنه لا بال له عندهم ولا روح) )[19] . واتفق هذا مع نظرة بعض المؤرخين  مثل عبد الباسط بن خليل الذي اعتبر مشافهة السلطان قايتباي لأحد الفلاحين أمرا حقيرا وضربا من النوادر )[20] وقد سبق التعرض للظلم الذي حاق بالفلاحين في بلادهم من التزامات عليه ان يدفعها للسلطة ، والجديد هنا هو تلك الزيارات التي كان يقوم بها السلاطين ونوابهم إلى القرى المصرية ينهبونها ويصادرون رزق الفلاحين )[21]. وقد استولى المماليك على غالبية الأراضي المصرية وفق نظام الاقطاع العسكري وأصبح الفلاح أداة زراعية عليه مسخرة ،وعليه أن يدفع من قوته الضئيل الضرائب والمغارم والمصادرات ،ومُنع بعد ذلك من الفرار من قريته ،وأعيد كثير من الفارين للأرض بعد توقيع العقوبات الصارمة عليهم . بالاضافة الى هذا ، قاسى الفلاح من تسلط العُربان عليه يسلبون وينهبون ويقتلون ، فأصبحت القرى المصرية ميدانا للقتال بين قوات المماليك والعربان .  وفي مصائب المجاعات وانخفاض النيل تدخلت السلطات لنجدة القاهريين وأرباب الخوانق والزوايا بينما ترك الفلاح في قريته بعيدا مع المجاعات فهلك معظم الفلاحين !!..[22]

2 ـــ وبعد هذا العرض السريع للفلاح المصري في العصر نحاول أن نكشف علاقته بالصوفية من خلال كتابات الشعراني. ويؤسفنا هنا أنه مع اعترافه بسوء حال الفلاحين في عصره فإنه لم يتخذ موقفا حاسما كعادته بالنسبة لأكل الصوفية في عصره لأموالهم يقول مثلا:ــ (ولا ينبغي للشيخ ان يأكل من ضيافة فلاحي الوقف لضيق حالهم وماهم فيه من المغارم ، وليس على الشيخ لوم في ردها ، إذا جاءت فإنها خاصة به في العادة )[23]. والحقيقة أن الصوفية خصوصا في أواخر العصر تطفلوا على الفلاحين فى الارياف ، وأرهقوهم بزيارات للقرى على منوال زيارات المماليك ، وإن كانت زيارات المماليك بسيف القوة فإن زيارات الصوفية كانت تتم (بسيف الحياء ) كما يقولون . وقد ذكر الشعراني أن أصحاب الطرق البرهامية كانت تنزل الريف [24] ، وان أبا العباس الحريثي سار إلى الغربية فسار معه مائة من أتباعه بسبب كرم الفلاحين هناك وكانوا  يقدمونه له ولهم من الدجاج والغنم . وحدث أن سافر مره الى البلاد الشرقية بأصحابه فأطعموه الشعير والفول الأخضر والدبس فتفرق عنه اتباعه [25].

3 ــ وكانت للصوفية حيلهم في أكل مال الفلاحين . فكان لكل شيخ صوفى أتباع في القرى ( يدعون ان أهل قريتهم في انتظاره ويصحبونه في الولائم ويهونون الأمر على الفلاح) صاحب الضيافة بقولهم (حصلت لك البركة بأكل سيدي الشيخ عندك )[26]. وكان من طقوسهم عند دخول الصوفية بلدا أنهم ينخرطون في الذكر بصوت مرتفع ليتلقاهم الفلاحون ويتعاونوا  في ضيافتهم وفي إعطائهم الفتوح ( أي الهدايا) للشيخ وأصحابه وخدمه ، وعلف دوابه) . هذا ما يذكره الفقيه ابن الحاج ، الذى يسجل أيضا أن بعض الفلاحين كان يهرب من قريته عند قدوم ( الغزو الصوفى ) لعجزه عن القيام بالضيافة فلا يرحمه الصوفية بل يدخلون بيته في غيبته وينهبون ما به [27].

4 ــ واعتقد الفلاحون في بعض الصوفية فكانوا يقومون بزيارتهم في القاهرة حاملين معهم للشيخ ما لذ وطاب . وربما يرد الشيخ هدية الفلاح اذا استقلها [28]. ومع ان الشعراني اعتبر الأكل عند الفلاحين حراما  [29] إلا انه افتخر بكثرة الفلاحين المعتقدين فيه [30]وقد أباح للمتصوفة ان يستضيفهم القادرون اذا سافروا إلى بلاد الريف [31]..

5 ــ ولكن : هـــل رد المتصوفة إحسان الفلاحين لهم ...؟؟ان الاحتقار هو أنسب ما يعبر عنه شعور المتصوفة تجاه الفلاحين ..فالشعراني عدّ من منن الله عليه ان هاجر من بلاد الريف الى القاهرة ، ونقله من أرض الجفاء والجهل والفقر إلى اللطف والعلم )[32] وقال ان العهود اخذت عليه ( الا ننكر انسابنا إلى أبينا أو أهلنا إذا رفع الله قدرنا ولو كان من أراذل الناس، كفلاح وحجام وكنّاس) ، فجعل الفلاح من أراذل الناس . ولا شك أنه يعبر عن عصره ونظرته للفلاح المصرى . وكان خليقا به أن يرتفع عن هذا لأنه أصلا من الريف المصرى وأعرف بمعاناة أهله ، ولكنه  لم يفعل ، بل ان لهجته في نصح الفلاحين يبدو فيها الاستعلاء بالمقارنة بالتجار ، فيجعل ــ مثلا من العهود عليه أن (يرغّب الفلاحين وأهل الغيط في الزرع وغرس الأشجار ، وأن يبين لتارك الصلاة من الفلاحين والعوام وسائر الجهال ما جاء فى فضل الصلاة )[33]وحين هاجم خصومه  المنافسين له من الشيوخ الصوفية وصفهم بأن (الفلاحين احسن حالا منهم )[34]. وهكذا لم يجد في الفلاح إلا ممثلا لأراذل الناس واجهلهم وأسوئهم . وقد شاركه في ذلك الشيخ يوسف العجمي الصوفي الذي كان يتفنن في إذلال مريده ، الأمير شيخون المشهور فكان (يأمره بأن يلبس لبس فلاح ويدخل الزاوية فيفعل )[35]..

علاقتهم بقطاع الطرق :ـــ

   1ــ تفنن الحكم المملوكي العسكري في تعذيب قطاع الطرق قبل قتلهم ، وتشدد في إرهابهم وتتعبهم ومطاردتهم . ومع ازدهار التصوف ودخول الناس فيه أفواجا ــ  كان من المنطقي ان يلجأ الكثيرون من قطاع الطرق للدخول ضمن الصوفية بحجة التوبة ، حيث يجدون الأمن والرزق الوفير مع الراحة والمكانة ، هذا بالإضافة إلى ما أوجده التصوف في نهاية العصر من طوائف الزوالق ــ والتي سيرد الحديث عنها بعد ـــ وهم أصلا قطاع طرق سابقين استخدمهم بعض الشيوخ للحماية ولفرض الهيبة أمام المنافسين والمنكرين .

2 ــ ولقد حرصت الروايات الصوفية على تغليف توبة أولئك اللصوص بالهاتف او الكرامات المسندة للأشياخ الذين قطعوا الطريق عليهم. اما المراجع التاريخية المحايدة فقد ذكرت الأمور على حقيقتها ، كما فعل الصفدى في تأريخه ( أعيان العصر ) الذى يؤرخ فيه لعصره ، وقد ذكر ( نجم الدين  الحطينى ) أحد المجرمين المشهورين في عصر الصفدي وقد كان : ( يفتك نهارا وملأ الدنيا فجورا .. وكان شيطانا من الشياطين وإبليسا من الأباليس. وقد اتصل بخدمة الشيخ شمس الدين بن ابى طالب ، فقتل ضيفا في الخانقاه وسلبه ماله  وهرب بعد ذلك إلى الصعيد . وجرت له جرائم أخرى من هذا النمط )[36]. أى إن هذا المجرم أعلن توبته وتصوف ولحق بالشيخ شمس الدين بن أبى طالب فى خانقاته ، ولكنه لم يستطع كبت نوازع الاجرام فى نفسه ، فما لبث أن قتل ضيفا فى الخانقاة وسلب ماله وهرب .

3 ــ وقد كان الآخرون أكثر دهاءا ومكرا منه ، فتظاهروا بالتوبة وأخذوا بالتصوف طواعية ما كانوا يحصلون عليه بالنهب قسرا ، وكوفئوا على هذا بأن رويت أعمالهم في المناقب ، بعد أن إعتبرهم الناس أولياء ، ومنهم حسن الحماقى (الذي كان يقطع الطريق ، فتاب على يد النبي ) بزعمه ، وتصوف. وكانت الكرامات المنسوبة له كلها قتل وسلخ ، ووصفها المناوى فى مناقبه فى ( الطبقات الكبرى ) بأنها (تقشعر منها الجلود )[37] . ومنهم أبوبكر البطائحي الذي كان في ابتداء امره قاطع طريق فتصوف حين ناداه الهاتف )[38] بزعمه . ومنهم عثمان الحطاب ، يقول عنه المناوى إنه كان (على زي اهل الشطارة ) أى اللصوص (  ثم أدركته العناية الإلهية فأقلع عن ذلك وسلك  طريق التصوف )[39]. ويذكر المقريزى فى تاريخه ( السلوك ) أن الشيخ المعتقد مسلم المسلمي شيخ الطائفة المسلمية كان في ابتداء امره قاطع طريق )[40]. ثم أصبح شيخا لطائفة تحمل إسمه . وكان بعض اتباع الطريقة الوفائية  الشاذلية من قطاع الطرق،واستعرض معهم ( على وفا )  كراماته فتابوا وتصوفوا واشتغلوا بالطريق ففتح عليهم وظهرت على أيديهم الخوارق )[41]ــ على حد زعمهم .!

4 ـ  وقد كانت السياحة الصوفية من عوامل التلاقي بين الصوفية وقطاع الطرق ، فترددت فى الكرامات الصوفية عقوبات لمن يتعرض لهم فى سياحتهم مثل التسمير ( أى شل الحركة للجسد كله ) او تيبيس اليد بمعنى شل حركتها جزئيا ، وعندها يتوب قاطع الطريق ( الضحية ) ويصبح مريدا للشيخ الذى سمّره أو شلّ يده . وبهذه الوسيلة برّر الصوفية وجود الكثير من قطاع الطرق ضمن اتباعهم . وقيل عن الشيخ الصوفى المشهور محمد الشناوي أنه (كان ينظر على قاطع الطريق وهو مارُّ عليه،  فيتبعه في الحال، فلا يستطيع رد نفسه عن الشيخ ) ورأي الشعراني  جماعة منهم صاروا من اعيان جماعته [42].

وحيكت روايات أخرى عن لصوص آخرين خرجوا يقطعون الطريق على أشياخ وتنتهى الرواية بتوبتهم واتباعهم للشيخ )[43]. وفي الكرامات التي أضيفت للشاذلي بعد موته ان اللصوص كانوا يتوبون على يديه في طريقه للحج ويتبعونه )[44]، وأن زروق الفاسي في طريقه من فاس إلى مصر أظهر كرامات مع قطاع الطريق فاتبعوه (وصاروا معه لم يتخلف منهم احد ، وصاروا خدام الزاوية الزروقية ، بل ظل نسلهم يخدمون الزاوية )[45]..وترسب هذا في الأمثال الشعبية فتقول ( الطريقة تجيب العاصي )[46]..

عــلاقــــة الصــــوفــيــة بمشايخ العـــــرب

  1ــ ثاروا على الحكم العسكرى المملوكى بزعامة حصن الدين ثعلب فى بداية الدولة المملوكية ، وتتابعث ثوراتهم بعدها يغيرون على أطراف العمران المصرى ، ومن حواف الصحراء التى تحيط بالوادى ، فى الدلتا والصعيد. وتعاظمت ثوراتهم فى أواخر العصر اللملوكى ( الدولة المملوكية البرجية ) ،وكانت تصل هجماتهم الى اسوار القاهرة نفسها . وهم المسئولون عن خراب العمران المصرى الذى كان يمتد من الاسكندرية الى طبرق . واضطرت الدولة المملوكية أخيرا بعدما ضعفت ــ إلى الاعتراف بهم كمراكز قوى داخل البلاد تجنبا لشرهم ، فأصبحوا قطاع طرق رسميين ينافسون أسيادهم المماليك فى سلب الفلاحين وظلمهم ، وبالتالى حلوا محل قطاع الطرق السابقين فيما يخص علاقة الصوفية بهم . وأكثر الشعراني من ذكرهم حيث قرنهم بالحكام واستعمل معهم أسلوب التهديد بالكرامات ، فادعى مثلا أن المتبولي دعى على بنى حرام فأضعف شانهم واذلهم بعد عزّ. )[47].

2 ــ وتنافس الصوفية فيما بينهم على مصاحبة مشايخ العرب مع علم أولئك الصوفية بإجرام ومظالم مشايخ العرب ومالهم السُّحت . وكان بعض الصوفية يسافر لأولئك الأعراب يتسول منهم ، مما أثار ضيق مشايخ العرب فقال بعضهم : (قد عجزنا في رضا هؤلاء المشايخ من كثرة ما يشحذون منا .! وكيف تطيب نفوسهم ان يأكلوا من طعامان ويقبلوا صدقاتنا  مع علمهم بأن اموالنا لا تسلم من الحرام )[48].!! .. وقد بلغ تنافس  الصوفية حول مشايخ العرب الى درجة الصراع فيما بينهم ، فيذهب أتباع شيخ صوفى إلى بعض مشايخ العرب ( يرغّبونه في الاجتماع بالقطب الغوث الفرد الجامع صاحب التصريف ، ولا يزالون به حتى يأخذ عليه العهد) ثم يحذرونه من الاجتماع بشيخ أخر ينقصون من قدره . ويقول الشعرانى أن بعض مشايخ العرب ثار على ذلك وقال :  ( أنا لا أقدر على التحجير ( اى التحكم ) ولا اطلب أن أكون شيخا ، وان كان  لهم عندي رزق فهو يصل  اليهم بلا هذا التحجير )[49]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 ثانيا

بعض آثار إيجــابية لبعض المتصوفة في العصر المملوكي .....

سبقت الإشارة إلى ما قامت به المؤسسات الصوفية من خدمات تعليمية لأناس من خارج الخوانق والزوايا ، كما عرضنا للشفاعة الصوفية عند الحكام في الباب السياسي . والواقع ان المؤسسات الصوفية ــ سواء أقامها الحاكم أو أقامها المتصوفة أدّت دورا هاما فى الضيافة زكفالة الأرامل والعجزة . كما ظهر من بين المتصوفة من إشتهر بالكرم والتفاعل الإيجابي مع المجتمع والسعى في مصالح الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.  ومع ان هؤلاء كانوا قلة بالنسبة للكثرة الكاثرة من المستفيدين بالتصوف فإن وجود أولئك يعتبر دليلا حيا على أن أى مجتمع لا يخلو من الخير مهما تحكم فيه الدين الأرضى بسلبياته . وسنعرض لبعض هؤلاء الايجابيين ودورهم بقدر ما اسعفتنا به المراجع ..

الضـيــافـــة :ــ

1 ــ قامت بعض الزوايا الصوفية بدور هام في إيواء الغرباء وأبناء السبيل . وقد ذكر ابن بطوطة الزوايا الصوفية التي تنقل في ضيافتها أثناء رحلاته في مصر، فذكر أنه نزل بزاوية الشيخ مرزوق في البرلس وزاوية الشيخ القلوي في تنيس وزاوية الشيخ ابن قفل وزاوية الشيخ جمال الدين الساوي وزاوية ابن النعمان في دمياط وخارجها ، وقضى ليلة في رباط الآثار النبوية، واضافه ابن الصباغ في زاويته بأسيوط ، وابن عبد الظاهر في أخميم . وتحدث كثيرا ــ شأن المؤرخين الأخرين ــ عن زاوية عبد الله المرشدي الولى المشهور بالكرم  بمنية مرشد  [50] ..وكيف انقطع بمنية بنى مرشد وانفرد بزاوية هناك لا خدم له ولا صاحب ويقصده الأمراء والوزراء وتأتيه الوفود من طوائف الناس في كل يوم فيطعمهم ،وقد قصده السلطان  الناصر محمد مرات بموضعه ، وتصادف وجود ابن بطوطة عنده وجود الأمير سيف الدين يلمك مع اتباعه ضيفا على الزاوية )[51]..واشتهر المرشدي في المصادر التاريخية بكرمه في زاويته وخدمته للضيوف بنفسه ، وانه حج في حاشية كبيرة فأنفق عليهم، ومع هذا كان لا يقبل من احد شيئا )[52]..

2 ـ وقبله كان قطب الدين الزاهد 686 مقصدا للمساكين والفقراء الواردين للقاهرة يمد لهم سماطا ، ويبرهم ويعين كثيرا منهم على الحج )[53] وعاصره ابن عدي 697 حيث كان يمد السماط (للوارد والمقيم) كل يوم مرتين ، وكان كريما حسن الأخلاق ، لا يبقى على درهم ولا دينار )[54] . وفي القرن الثامن الصوفي  اشتهر ابن شيراك التركماني ، وكان نافذ الكلمة في مصر ، وخدم الصوفية فى زاويته الواردين اليها من الأغنياء والفقراء )[55] . ووصف الشيخ صالح المناوى بكثرة الضيافة للواردين إلى زاويته([56] ).

 وعلى طريق المرشدي في الكرم مع عدم قبول المال من الآخرين سار العينتابى ت 800 في إدارة زاويته فأضاف من يرد عليها ، وأطعم كل يوم فوق المائتي نفس ، وأنفق من كدّ يمينه  وأنشأ زاويته بماله واوقف عليها اوقافا كثيرة .  ونلمح المبدأ عند ابن نبهان الذي كان زاهدا في بيت جبرين ، واشتهر بها ، وأطعم الضيوف الواردين، ولم يأخذ من احد شيئا، بل ان الأمير طشتمر(حمص اخضر) (أوقف على الزاوية أرضا فامتنع الشيخ ، فلم يزل به حتى سكت  )[57] .

3 ــ واشترطت وثائق الوقف على الخوانق امكانية ايواء الضيوف ـ ففى وثيقة بيبرس الجاشنكير اشتراط السكن ( للمتأهل منهم والمتجرد والمقيم والمجتاز،  بحيث لا يكون منهم ولا من أهل الرباط ) والمجتاز هو الضيف ابن السبيل . وجعل السبكي من واجبات شيخ الزاوية (تهيئة الطعام للمقيمين والمجتازين ومؤانستهم اذا قدموا ، بحث تزول وحشة الغربة عنهم ، ولا بأس بإفراد مكان للوارد حتى لا يستحي وقت اكله وراحته ..)[58] .

4 ــ وقد ورد المصادر الصوفية إشارات لدور الزوايا في الضيافة ، فالشعراني افتخر بان الضيوف في زاويته كل يوم سبعون نفسا ، زيادة على المجاورين، وأنه زوّج من المجاورين نحو خمسين نفسا ، دفع عنهم غالب المهور ، وعمل لهم طعام العروس والعقيقة ، وحج معه غالب أكابرهم فى عدة سنين ، ولم يكلف أحدا منهم بشيء . وقال أن عدد المجاورين في زاويته ضعف عددهم في زاوية المتبولي وعثمان الخطاب ومدين . [59] وقد ذكر الشعراني أن زاوية المنزلاوي كانت موردا للضيوف القادمين  من دمياط والصادرين اليها )[60] وكان الوارد كثيرا على زاوية الشيخ السطيحة )[61]..

5 ــ ومن ناحية اخرى وصف كثير من الصوفية بالكرم وحُسن الخلق خارج نطاق الزوايا ، كابن النجار ، فقد كان متواضعا يخدم العميان والمساكين ليل نهار ويقضى حوائج الأرامل ويجمع لهم أموال الزكاة ويفرقها عليهم ولا يستأثر لنفسه بشيء منها ، ويقرى الضيف ويخدمه ، ولا يترك قيام الليل . ومع هذا فله هيبة عظيمة ، ويكاد  من لا يعرفه يرعد من هيبته. ومثله شمس الدين البوصيري 824 الذى ( كان خيرا ديّنا كثير النفع للطلبة ، يحج كثيرا ، ويقصد الأغنياء  لنفع الفقراء ، وربما استدان للفقراء على ذمته ، وكانت له عبادة )[62]..وووصف ابن عبد المؤمن بانه (كان صالحا سليم الصدر ناصحا للخلق قانعا بالسير باذلا للفضل بل لقوت يومه ، مع حاجته إليه )[63] ..

والتراجم السابقة لهؤلاء أظهرت أن كرمهم مرتبط بعبادتهم وحسن خلقهم ومع ذلك حرموا الشهرة بين الصوفية ، ويكفي أنهم لم يحظوا كالآخرين بوجود مناقب لهم في الكتب الصوفية.

6 ــ وعلى عادة الشعراني افتخر باهتمامه بأمر الضيف وكثرة سؤاله عنه وقت الغذاء والعشاء مع انشغاله " بأمور كثيرة"[64] ،( لطائف المنن 475 ) وأشاد بشقيقة عبدالقادر الشعراني الذي يتبرع بغسل الموتى وتكفينهم من عنده( لواقح الانوار 256 : 257 )[65]  ، وذكر كرم بعض شيوخه مثل الخواص الذي جاءته الف دينار وهو يحلق فأعطاها الحلاق ، والشيخ ابن المنير الذي تصدق على شخص لا يعرفه ماتت جماله بطريق الحج فأعطاه خمسمائة دينار ، والشيخ الشناوى الذى اعطى ( مالا يحصى) ــ على حد قول الشعراني ( من حيوانات وحبوب ونقود( لواقح الانوار 60 : 61 )[66] وحكى ان الاستادار اعطى للشيخ المحلى ألف دينار فوضعها عند شخص وأرسل له المحتاجين واحدا واحدا حتى صرفها كلها عليهم ( لطائف المنن 170 )[67] .

وهذه الأخبار نظرا لكونها عادية فإنها قابلة للتصديق خاصة ، وقد تطهرت من دعاوي الكرامات والمبالغات التي تحفل بها كتابات الشعراني..

كفالة الأرامل والعجزة :ــ

1 ــ وجدت بعض الأرامل في مؤسسات الصوفية ملاذا يحفظهن ويقيهن السوء ، فبلغ عددهن في زاوية تاج الدين النخال نحو ستمائة بالإضافة الى مائة فقير، (67 ) وكان في زاوية عثمان الحطاب أكثر من مائة من الأرامل والفقراء )[68] .

2 ــ وبعض المؤسسات اقتصرت على كفالة الأرامل ، وأشهرها رباط البغدادية ورباط الأندلس السعدي ورباط زوجة اينال وقد اهتمت بكفالة المرأة ، مما يشير إلى تقدم اجتماعي لا شك فيه في ذلك العصر [69] . وكان رباط البغدادية أشهرها في خدمة الأرامل ، وقد ادارته الشيخة الصالحة زينب بنت أبي بركات البغدادية ت 796 فكانت ( تعظ النساء وتعلمهن الخير )[70] أي أنه قام بمهام دينية مع وظيفته الاجتماعية ، وقد بنت ذلك الرباط بنت الظاهر بيبرس، ( وصار  كالمودع للنساء الأرامل )[71] .

3 ــ وقد سبق ذكر إيواء بعض المحتاجين مع النساء الأرامل في الزوايا ، وكانوا من الأيتام أو المُعاقين ، فالشعراني افتخر بان في زاويته نحو ثلاثين شخصا من العميان يرعاهم )[72] وقيل في ترجمة شهاب الدين السويداوى ت 804 ، أنه أُصيب فى آخر عمره بالعمى ، ( فانقطع بزاوية الست زينب خارج باب النصر )[73] أي انه وجد في الزاوية مأوى له حين أصابه العمى على كبر .  وقيل في ترجمة المجاصى ت 802 انه مات بالقاهرة وقد ناهز الثمانين ،  وكان حينئذ صوفيا  فى خانقاة سعيد السعداء ، وقبلها كان يطوف البلاد ويتكسب بالشعر )[74] أي أنه لما علا سنّه آوى إلى الخانقاه حتى مات فيها ، وان أشهر الخوانق في العصر المملوكي وقبله الأيوبي (خانقاه سعيد السعداء) قدمت خدمات لأولئك المحتاجين .

وقد افتخر الشعراني بكثرة إيوائه ( الأيتام والعميان والعجزة والعرجان وسائر من به عاهه) وأنه يشفق عليهم حتى انه يتمنى لو كان المجاورين كلهم من أولئك )[75] . وسبق قيامه بتزويج بعض المجاورين في زاويته واصطحابه لهم معه في الحج على نفقته )[76] أي ان زاويته علاوة على الضيافة قدمت خدمات إنسانية ودينية للمجاورين فيها..

خـــدمـــات اجتماعية متفرقـــة :ـــ

1 ــ قام بعضهم بخدمات اجتماعية احتسابا كالشيخ فتح الأسمر 695 الذي كان يسقى الناس في دمياط وفي الأسواق من غير ان يأخذ شيئا مع ملازمة الصلاة في المسجد مع الجماعة، وكان لا يرى الا وقت الصلاة ، واذا سلم الإمام عاد الى  انعكافه ، واستمر على ذلك الى ان توفى )[77]. ونحو ذلك ما ذكره الشعراني عن الخواص الذي كان يكثر من ملء الماء لقعاوى الكلاب وحيضان الخلاء ، والشيخ احمد الهنيدي في امبابة  الذى (كان لا يمل من حفر الآبار وسقى الماء الى الأسقية ، تارة يحمله في يده وتارة على حمارته) والشيخ نور الدين الشعراني جد الشيخ الشعراني الذى ( كان يملأ كل يوم أسبلة الجامع للزاوية مع حيضان الخلاء )[78] ...

2 ــ وقد شارك الصوفية في الاحتفالات بكسوة الكعبة التي كانت تقام سنويا بالمحمل . ويقول  المقريزي فى أحداث سنة 661 ( عملت كسوة الكعبة ــ في عهد الظاهر ــ وحملت على البغال وطيف بها القاهرة ومصر وركب معها الخواص وأرباب الدولة والقضاة والفقهاء والقراء والصوفية والخطباء وسافرت الى مكة )[79]

3 ــ ودور الصوفية كان يظهر في الأزمات خاصة فى حوادث القتل فى الفتن . وعندما قتل الأشرف خليل الأمير طرنطاي سنة 689 القيت جثته في القرافة الى جانب زاوية الشيخ ابي السعود ، فغسله الشيخ عمر السعودي شيخ الزاوية وكفنه من ماله ودفنه خارج الزاوية ليلا )[80]  . وتكرر ذلك في مقتل الملك الناصر بن قايتباي سنة 904 ، فألقيت جثته على الأرض وظلت كذلك على أن حملها بعض اتباع شيخ الطالبية وواروه في جامع هناك )[81] وفي جنازة الخليفة الحاكم أول خليفة يموت بالقاهرة سنة 701 سير الأمير سلار نائب السلطة المشايخ والصوفية وأرباب الخوانق والزوايا بمصر، وتولى غسله وتكفينه شيخ الشيوخ بخانقاه سعيد السعداء )[82].

4 ــ وكان لهم دورهم في المصائب العامة كالطواعين وانخفاض النيل وذلك بالاستغفار والتضرع لله   ، وفي طاعون 833 أشار صوفي عجمي على السلطان برسباي باختيار أربعين شريفا اسم كل منهم محمد،  وتجمعوا في الجامع الأزهر فقرأوا القرآن وقت صلاة الجمعة ثم قاموا والناس على أرجلهم فدعوا الله تعالى ــ وقد غصّ الجامع بالناس،  فلم يزالو يدعون حتى وقت العصر، فصعدوا إلى سطح الجامع ، واذنوا جميعا ، ثم نزلوا وصلوا بالناس العصر وانفضوا [83]).

وفي مجاعة سنة 854 خرج قاضي القضاة شرف الدين المناوي على الصحراء ماشيا ومعه الفقراء والصوفية وكثر الدعاء والابتهال وفعل ذلك بسائر الجوامع للاستسقاء )[84]..

وقبلها في مجاعة سنة 777 خرج القضاة بالصوفية والناس إلى رباط الآثار النبوية وقرأوا القرآن وتضرعوا ، وكان معهم المقريزي..( السلوك : 3 / 1 / 218 : 219 )

 الأمــــر بالمعــــروف والنهـــي عـن المنـكـــــر :ـــ

1 ـ أرسى التصوف ( عدم الاعتراض ) نقيضا للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وسنعرض لذك فى موضوع ( القيم الاجتماعية ) التى نشرها التصوف فى المجتمع المصرى . وقد تمرد بعض المتصوفة السنيين على  قاعدة عدم الاعتراض وعدم الإنكار ، فقاموا  ينكرون على انحرافات عصرهم باليد وباللسان ،  وكان منهم الشيخ عبد الغفار بن نوح الذى  قال عنه الأدفوى فى ( الطالع السعيد : 171 ) :(كان فيه إنكار لكثير من المنكرات وأمر بمعروف) ، وهو المتهم في حرق الكنائس المصرية ، أى تطرف فى إنكاره الى درجة حرق الكنائس المصرية كلها ما عدا الكنيسة المعلقة إنتقاما من السلطة المملوكية التى أفشلت حركة البدوى السرية التى كانت تسع لقلب نظام الحكم وارجاع الخلافة الشيعية لمصر .  ومعروف إنتماء عبد الغفار بن نوح للتصوف الشيعى وكونه من الجماعة السرية للحركة الشيعية المتسترة بالتصوف بزعامة أحمد البدوى . وشرحنا ذلك فى كتاب ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ).   وقيل في ابن مصلح المنزلاوي ت 873 : (وكان على قدر عظيم من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ( الضوء اللامع : 2 / 211 ). وقد سبق ذكر الأمور التي قامت بها زاويته في إكرام الضيوف مما يدل على أن شخصيته كانت إيجابية في نواح كثيرة....

2 ـ   وفي القرن التاسع ذكر المؤرخ ابو المحاسن جهدا عمليا في حرب المنكرات للشيخ  سليم ابن عبد الرحمن الذي استغل مكانته لدي الأشرف برسباي استغلالا إيجابيا فكان (شديدا في أمر الله ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، وكان اذا سمع بمكان منكر جمع فقراءه وتوجه إليه بالسلاح والمطارق يدخل من غير إذن هجما ، ويكسر ما وجده من الخمور، وإن منعه احد قاتلهم بمن معه ، ومع هذا كان لا ينتهي عن ذلك مدة حياته )[85]  أي إستغل مكانته لدى السلطان فى إزالة المنكر بالعنف والقتال . انه أضاع حياته في هدم ما تركه أخرون ينمو ويستشري من عدم الاعتراض وعلى طريقه سار الفاقوسي البلبيسي 862ت  في بلبيس حسبما يروى السخاوى فى ( الضوء اللامع ) وقد وصفه بأنه كان خيّرا ساكنا معتقدا ببلده لمثابرته على أنواع العبادة محافظا على الأوراد وقراءة القرآن ، وما لبث أن ثار فى بلده بلبيس فلم فيها موطنا يُتجاهر فيه بالزنا ،وأكثر من إراقة الخمور. )[86]      .

ويذكر الشعراني بالخير انه مع دعوته الكثيرة لعدم الاعتراض التي سنتعرض لها ــ لم ينس مهلة إزالة المنكر فعرض لها بالتخصيص دون التعميم كقوله (اخذت علينا العهود ان نُشدد فى إزالة المنكرات المجمع على تحريمها، اكثر من المختلف في تحريمها )[87]  ومع ذلك الاحتراز فقد ناقض نفسه كما سيتضح في دوره في الدعوة لعدم الاعتراض ..

الســـعـــي في المـصـــالـح :ـــ

1 ــ تفرع عن جهد الصوفية السياسي في الشفاعة أن قام بعضهم بالسعي في مصالح الناس مثل الشيخ منتصر الكنانى ت 734 ، الذي ( بذل نفسه وماله وجاهه فى حوائج الناس ، مشفقا عليهم ، ومسافرا الأيام الكثيرة في مصالحهم) ووصف مع ذلك باتباع السنة وصحة الاعتقاد والسلامة من البدع ، وانه ( لا ينقطع عن صلاة الخمس في جماعة إلا لضرورة ، ويزور المرضى ويشيع الجنائز ويودع المسافر )[88] . وأكثر الشيخ مجد الدين الأقصري ت 740  من الشفاعات عند كريم الدين عبد الكريم حتى اضجره ، فسأله أن  يخفف من ذلك، فقال له الشيخ الأقصرى : لا يسعنى ان أرد أحدا ، ولكننى انا أسألك فان منعت منعت من منعه  الله وان اعطيته فمن فضل الله ) .  واستخدم البعض مكانته لدي أولى الأمر في قضاء حوائج الناس مثل (الأمام المعتقد ابن جامع البحيري  850) الذي ( كان شيخا جميل الطريقة مهتما بقضاء حوائج الناس ولأرباب الدولة والأكابر فيه اعتقاد كبير ومحبة )[89] واشتهر بعض الصوفية الأعاجم في هذا الميدان مثل حسن الجواليقي القلندري 722 (وكان دأبه السعي في الصالحات والسفارة في حق الغائبين واستطلاق الأرزاق لهم وللحاضرين حتى عرف بالخير والمروءة والفتوة )[90] (ونفع خلقا كثيرا بجاهه )[91] .

ووصف تاج الدين الذاكرت 922 بكثرة الشفاعات وشدة الاهتمام بقضاء الحوائج )[92] وكان لوالد الشعراني (توجه صادق في حوائج الناس ويشهد بينهم ويحسب ويكتب محتسبا في ذلك )[93] .إلا ان بعض المصادر الصوفية بالغت في ذلك مع وجود أرضية صحيحة ــ ونقلت المصادر التاريخية التالية تلك المبالغات كما قيل عن محمد الشناوى 912 . قال عنه الشعراني (أقامه الله في قضاء حوائج الناس ليلا ونهارا )[94] ونقل ذلك الغزى بحروفه )[95] فكيف يتأتى هذا مع انشغاله المستمر بتعليم الناس الذكر حتى اشغل الغربية به على حد قول الشعراني نفسه ؟

وقد شهد العصر المملوكي نماذج طيبة للصوفية تفاعلوا إيجابيا فى مجتمعهم، وأثمر ذلك ذكرا حسنا في المصادر التاريخية ، كما قيل عن ناصر الدين الطوسي  793  من انه تربى بين صوفية الخانقاه الناصرية بسرياقوس (فلما بلغ سن التكليف داخل الناس وخدم اهل العلم وأعيان الناس وولى المباشرات الدينية مع التصوف بالخانقاه الصلاحية سعيد السعداء )[96] ووصف القاضي سعد الدين الدرديري بأنه باشر مشيخة الخانقاه المؤيدية بعد أبيه ، فانتفع به الناس في الفتاوى والمواعيد والاشتغال مع طلاقة اللسان وكثرة البشر وامن الجانب وفرط للتواضع مع الوفاء والمهابة والديانة والصيانة )[97]) وخالق عبد الرحمن التفهني الناس بخلق حسن مع الصيانة والافضال والانكباب على العلم والتصوف ، وحلف مره انه لم يرتش قط في الحكم ، وقد ولى قضاء الحنفية ، وكان من تلاميذ الخانقاه الشيخونية )[98] .

ومع التزام بعضهم بعدم التردد للأكابر والاعتكاف مثل الشيخ بدر الدين الاصبهاني 873 ــ فإنه وصف أيضا بحسن السيرة والعفة والسخاء والتواضع وملازمة العبادة )[99] أي لم يتخذ من العزلة طريقا وانتفاعا وشهرة ...

 ووصف الشاذلي بكثرة السعي في المصالح حتى قال فيه ابن دقيق العيد ( جهل ولاة الأمور بقدر الشيخ أبي الحسن الشاذلي بكثرة تردده إليهم في الشفاعات ) حسبما يروى ابن عطاء تلميذ الشاذلى [100] ، ولكن من حقنا أن نتشكك فى هذه الرواية لأن أبا العباس المرسي خليفة الشاذلى لم يكن يسعى للناس فى قضاء مصالحهم ، وكان يقول للسائل : أنا اطلب لك ذلك من الله تعالى ، وكان يتحايل في التهرب من لقاء الرؤساء )[101] وتأثرت بذلك الطريقة الشاذلية فأصبح الاعراض عن الخلق من اهم تعليمات الشاذلية )[102]  

الـتــســــــلــيــة :ـــ  

وقد اتخذت بعض المؤسسات الصوفية منتزها للسلاطين والأمراء مثل تربة وبيت وخانقاه سرياقوس التي اعتاد البعض الركوب إليها [103] ، هذا عدا حفلات السماع التي اعتاد بعض الصوفية اقامتها للكبراء )[104] وسبق الحديث عنها ..وقد عد الشعراني من المنن انه لا يقول للمداح الذي ينشد (اسمعنا شيئا بحضرة ذلك الأمير، الا بنية صالحة) وقال (وهذا يحصل كثير من المتمشيخين اذا زارهم الأمراء )[105]...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثالثا :

  أثر التصوف المملوكي في القيم الاجتماعية فى مصر المملوكية :  

عدم الاعتراض والانكار

مدخل :

الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قيمة إسلامية عُظمى يقوم بها المجتمع المسلم كله ، يتواصى بالحق والصبر ، ولا تتخصص فيه طائفة بعينها ، وهو مجرد التناصح القولى دون إكراه فى الدين ، وإذا أصر الشخص معاندا فالله جل وعلا يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) المائدة ) ، وفى كل الأحوال يكون التبرؤ من العمل المستوجب للإنكار وليس من الشخص نفسه ، يقول جل وعلا لخاتم المرسلين (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) الشعراء ).

تطرف السنيون في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فجعلوا أنفسهم متخصصين ومُخولين بالتسلط على الآخرين فى تغيير ما يعتبرونه (المنكر) بالقوة وبالإكراه فى الدين والى درجة قتل المخالف لهم ، ووضعوا أحاديث وفتاوى بهذا الشأن .

لأنه واجه الانكار والاعتراض فقد تطرف التصوف فى الناحية العكسية ، يدعو الى عدم الاعتراض وعدم الانكار . ثم بعد تقرير التصوف السنى تحول الانكار ليكون على المتطرفين الصوفية أصحاب الإعلان عن وحدة الوجود والحلول والاتحاد والمتطرفين فى الانحلال الخلقى . وقد تعرضنا لذلك بالتفصيل فى كتاب ( الحياة الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف) فى الجزء الأول والجزء الثالث . نتوقف هنا مع (عدم الاعتراض) التى نشرها فى مصر المملوكية .

أقـــوال الصوفية في عدم الاعتراض والإنكار

 إهتم المتصوفة في العصر المملوكى بمبدئهم فى عدم الاعتراض ، فدعوا للتسليم لهم بحالهم ، وزادوا في ذلك إلى عدم الانكار على العصاة منهم ، وتوسعوا فدعوا الى عدم الانكار على غيرهم من العصاة الآخرين ، ثم شملوا أهل الكتاب برعايتهم فأوصوا بعدم الاعتراض عليهم أيضا .ونعطى بعض التفصيل :

1ــ ممنوع على المريد أن يعترض على شيخه ، وصار من الأمثال الشعبية المصرية الصوفية الأصل ( من إعترض فقد انطرد). وإحدى مقامات الطريق (حفظ خاطر المشايخ وعدم الاعتراض عليهم )[106] وأوصى الشعراني المريدين بالتسليم للأولياء والتصديق لهم في كل ما يخبرون به في حق الوجود )[107] واعتبر أبوعلي الدقاق أن من دخل في صحبة الشيخ ثم اعترض عليه فقد نقض عهد الصحبة )[108] واعتبره الدشطوطي أن كثرة الاعتراض( بُعدا عن حضرة الله )[109] ولا غرو فإن( من صفات المريد الصادق ترك الاعتراض على الشيخ في الظاهر والباطن في ليل او نهار او غيبة او حضور )[110] ..

2ــ ومن المريدين التفتوا للآخرين فدعوهم لعدم الانكار علي الأولياء ،وحذروهم بالقول واللعن  والخواص دعا (لعدم الانكار على الولى )[111] او على (أرباب الأحوال خوف الهلاك والمقت )[112] ، وقال أبو عثمان (لعن الله من انكر على هذا الطريق ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلقل : لعنة الله عليه) . وحذّر أبو المواهب الشاذلي من ينكر على الأولياء بأنه (لا يفلح أبدا) ذلك ان أبا المواهب الشاذلى إشتهر بكثرة مزاعمه بأنه يرى الرسول فى المنام ، فأنكروا عليه ذلك ، فزعم أن الرسول قال له في المنام : (وعزة الله وعظمته من لم يؤمن بها أوكذّبك فيها لا يموت الا يهوديا أو نصرانيا او مجوسيا  )[113]

3 ــ والشعراني يجعل من نفسه مثلا يدعو الآخرين للاحتذاء به، فهو يفتخر بكثرة أدبه وتعظيمه لكل من لبس زى الفقراء ( أى الصوفية ) وخوفه من فعل أي شيء يغيّر قلوبهم عليه حتى لا تحبط اعماله وان كانت مثل الجبال. وأوصى بحسن الظن في الفقراء وحسن التأويل لأحوالهم )[114] وهكذا تطرف الشعرانى فجعل الاعتراض على الأولياء جريمة تُحبط العمل الصالح ، مثل جريمة الشرك بالله جل وعلا. كل ذلك لحماية الأولياء الصوفية ...

4ــ وارتبط ذلك بالدعوة للتقليد وتجريم مناقشة المريد لشيخه ، مع إعطاء الشيخ منزلة الله جل وعلا. يتضح هذا من قول الشعرانى : ( فإذا قال المريد لشيخه (لِمَ) لا يفلح في الطريق بإجماع المشايخ وهي إساءة أدب في حق الله ..؟ )[115] . وبهذا أصبح التقليد دينا صوفيا يلتزم به أكابر الأولياء ، قال الشعراني : (لا يخرج أحد من الكمّل عن التقليد ، لأن التقليد هو الأصل )[116] واذا كان هذا حال (الكمّل) فكيف بالآخرين .؟؟ . والشعراني يقول عن عن نفسه أنه يصدق كل ما يروى عن الصالحين( وان إحالة العقل )[117] أي مهما نسبوا لأنفسهم او نسب غيرهم اليهم كرامات او منامات ينكرها العقل فهو يؤمن بها. 

5 ـ وابن الحاج كفقيه سُنّى انكر تقليد الناس للبدع الصوفية البعيدة عن السنة المتوارثة ، وقال عنهم ( فإن طالبته بالدليل الحق لم يقدر على ذلك ، إلا انه يقول : نشأت على هذا ، أو كان والدي وشيخي وجدي وكل من اعرفه على هذا المنهج )[118] . كان هذا فى القرن الثامن الهجرى . وفي عصر الشعراني فى القرن العاشر تم الانقلاب وصار التقليد هو السنة المتبعة المرعية حتى أنه يقول : ( يجب على الأخ ألاّ يقر اخاه على بدعه وإلا يتركه خوفا على نفسه )[119]  فالإنكار عليهم أصبح في نظره بدعة خرجت عن مألوف العصر تستوجب الحذر والخوف، ففى عصر الشعرانى أصبح التصوف هو الأصل وأصبح الاعتراض عليه هو الخروج على سنة العصر ومفهومه فانقلبت المفاهيم . والشعرانى كمدافع عن الصوفية ودارس للفقه استخدم مصطلحات الفقهاء في حربه للفقهاء المنكرين عليه ، ومن ذلك أن عباراته صيغت بحيث لا يعترض عليها أحد من حيث المبدأ خاصة إذا فصلت عن السياق .. مع أنه يقصد بها الدفاع عن الصوفية ..

6 ــ واستخدم الصوفية الحرب النفسية بتهديد المعترضين بكراماتهم ، واستغلوا اعتقاد العصر في كراماتهم ، كما إستغلوا ما كان يتكرر فى العصر المملوكى كل عام تقريبا من العزل والقتل والسجن والتعذيب ، واستغلوا الأحوال العادية من المرض والموت ــ وأوهموا الناس ان ذلك حدث بسبب اعتراض المصاب عليهم . ولا تكاد تخلو كتب المناقب والمزارات من كرامات فعلت الأعاجيب بالمنكرين [120] . ومن الطريف أن احد المنكرين على ابن الفارض مات في طريق الحج ــ وهذا شيء عادي جدا ــ إلا انهم صوروا موته على انه (بسبب كلامه في ابن الفارض )[121] . وقال الشاذلي مهددا من يعترض على ( أحوال الرجال الصوفية ) : ( من اعترض على أحوال الرجال فلا بد ان يموت قبل اجله ثلاث موتات ، موت بالذل ، وموت بالفقر ، وموت بالحاجة الى الناس ، ثم لا يرحمه منهم )[122] . وهذا القول يعكس حدة غضبهم على المعترضين ، والشعور بالتأليه . وقال الشعراني  (ما رأينا أحد قط أذى الصالحين وأنكر عليهم بغمر طريق ومات على نعت الاستقامة ) والصالحون في عرف الشعراني هم الصوفية .وإيذاؤهم هو الاعتراض عليهم .

6ــ وتطورت الدعوة لعدم الاعتراض على الأولياء الصوفية دعا الصوفية إلى عدم الاعتراض على المسلمين العاديين ، أو ( آحاد المسلمين ) فدعا الشعرانى الى عدم الاعتراض على (آحاد المسلمين أسوة بالمشايخ ،ولاحتمال أن يكون أحدهم وليا مستورا) .وليس مهما ان يكون الفرد عاصيا ، فقد افتخر الشعراني بانه لا ينكر على أي عاص ( أدبا مع الله ) ، وهذا نابع من عقيدة الصوفية فى ( وحدة الفاعل ) والتى عرضنا لها فى كتاب ( العقائد الدينية ) ووحدة الفاعل عندهم تنسب المعصية لله جل وعلا ، وليس للشخص العاصى. وبهذا يرفض الشعرانى الاعتراض على الشخص العاصى أدبا مع الله ، لأن الشعرانى يؤمن أن العصيان وقع من ( الله ) وليس من الشخص . تعالى الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا.

7 ـ ثم يتطور الأمر الى التحذير من الاعتراض على اليهود والنصاري، واحتال لذلك بدعوى انه اعترض على يهودي فأصبح مثله يهوديا (من عصر يوم الجمعة إلى ثاني يوم الظهر ) وقال إن هذا وقع  لبعض العارفين ( ومكث على الكفر سنين ...) وقال (أن أحمد الزاهد اعترض على نصراني فتحول نصرانيا (حتى ندم وانتحب فرجع الى عقيدته) ..

8 ــ وأمتدت حمايتهم الى العصاة الاخرين فدعوا إلى عدم الانكار عليهم مثل (محبي الغلمان ملاح الوجوه وعدم سوء الظن بهم ) على حد قول الشعراني الذي يفخر بأنه لا يعترض على (المخنثين لأنهم أصحاب امراض فربما ازدراهم أحد فابتلاه الله بمثل ما ابتلاهم به )

وتحذير الصوفية من الاعتراض( على آحاد المسلمين أسوة بالمشايخ ولاحتمال أحدهم وليا مستورا ) لم يكن ذلك حبا في آحاد المسلمين او رفقا باليهود والنصارى ، وإنما كان حماية لانحرافات طوائف الصوفية الذين اشتهروا في هذا المجال ، مثل الأحمدية والبرهامية الدسوقية والمطاوعة والقلندرية . ويتضح ذلك فيما يرويه الشعراني عن نفسه فقد انكر (على ما يفعله القلندرية في زاويتهم) يقول بزعمه (فإذا بشخص متربع في الهواء يقول لي: تنكر على القلندرية وأنا منهم .؟ فتركت الانكار).

وقيل في أولاد الشيخ أحمد المعلوف أنهم كانوا على غير نعت الاستقامة ) ومع ذلك أشاعوا أن انتقام البدوي حل على من ينكر عليهم [123] ، وكان الخواص أكثر صراحة حين دعا على عدم الطعن في ولاية من لم تظهر عنه اعمال صالحه )[124]  وعدم الاعتراض على الولى الصوفى الذي (يأخذ من الظلمة مالا )[125]

9 ـ ومن الطبيعي ألا يستجيب لذلك الفقهاء السنيون الحنابلة المنكرون على صوفية عصرهم ، فابن تيمية نعى عليهم دعوتهم إلى عدم الانكار على الأولياء العُصاة الواقعين فى الكبائر ، يقول ابن تيمية : (رغم تركهم الصلاة المفروضة وأكلهم الخبائث وفعلهم الفواحش وظلم الناس وقتل النفس بغير حق والشرك بالله )[126] .

10 ــ وبعد ذلك يحق لنا ان نتشكك في جدية طريقة الصوفية لإزالة المنكر والتي هي (الإنكار القلبي والتوجه إلى الله تعالى في إزالته ، فتلك طريقة العارفين [127] او على حد قول المتبولي (تغيير المنكر باليد للولاة، وتغييره باللسان للعلماء وتغييره بالقلب للفقراء )[128] .... فذلك الإنكار القلبي ــ حتى مع التسليم بوجوده فعلا ــ لا يتناسب مع مكانة الصوفية ونفوذهم في العصر كما لا يتناسب مع دعوتهم الجدية لعدم الاعتراض ولو بالقلب . وأجدى ان نضع في الاعتبار كثرة انحرافات طوائفهم وخشية المحققين منهم على سلامة الطريق الصوفي وتحصينه من إنكار خصومهم الفقهاء..وحقيقة إنكارهم القلبي تظهر في قول أبى المواهب الشاذلي (ان كان ولابد للمريد من إزالة المنكر فليتوجه إلى الله بقلبه )[129] ونتمعن قوله )ان كان ولابد للمريد ....) ذلك ان من شان المريد في رأي أبى المواهب (ألا يتصدر قط لإزالة منكر )[130] .

11 ــ على أن بعض الكبار من الصوفية استخدم نفس الأساليب الصوفية للتحذير من إزالة المنكر ، كالمنامات التي يؤمن بها المريدون ، فيروي ان إبن على وفا ــ مثلا ــ قد همَّ بالإنكار على عاص فسمع هاتفا يقول له (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم) ، أما أبوه ( على وفا ) فقد اعتبر الساعي في إزالة المنكر معترضا على الله في احكامه [131]  ، طبقا لعقيدتهم فى ( وحدة الفاعل ). واستخدم البعض سلطته في حماية المنكر فروى أن مريدا من أتباع الشيخ مدين كسر جرة خمر فأخرجه الشيخ مدين من الزاوية [132] ..

11 ــ ولم يضع جهد الصوفية عبثا ، فقد انبهر الرحالة والوافدون الى مصر من الحرية السائدة فى الشارع المصرى المملوكى ، فيقول الرحالة ابن ظهيرة أن من محاسن مصر (عدم الاعتراض على الناس فلا ينكرون هم ولا يحسدونهم بل يسلمون لكل أحد حاله ، العالم مشغول بعلمه والعابد بعبادته والعاصي بمعصيته ، وكل ذي صنعة بصنعته ، ولا يلتفت احد إلى احد ، ولا يلومه بسبب وقوعه في معصية أو نقيصة )[133]  وابن خلدون تعجب هو الآخر من احوال مصر حين أتى اليها ، يقول المقريزى عن المصريين: ( ومن اخلاقهم الانهماك في الشهوات والامعان في الملاذ وكثرة الاستهتار وعدم المبالاة. قال لي شيخنا عبد الرحمن بن خلدون : اهل مصر كأنما فرغوا من الحساب) ويقول عن القاهرة والصوفية بها ( والفقير المجرد فيها مستريح من جهة رخص الخبز وكثرته ، ووجود السماعات والفُرج ( أى المنتزهات ) في ظواهرها ودواخلها، وقلة الاعتراض عليه فيما تذهب إليه نفسه، يحكم فيها كيف يريد   من رقص في السوق وتجريد او سكر من حشيشه أو غيرها او صحبة مروان وما أشبه بخلاف غيرها من بلاد المغرب).. ،  (ولا يُنكر فيها إظهار اواني الخمر ولا آلات الطرب ذات الأوتار ولا تبرج النساء العواهر وغير ذلك مما ينكر في غيرها من بلاد المغرب ، وقد دخلت في الخليج الذي بين القاهرة ومصر .... ورأيت من العجائب، وربما يقع فيه قتل بسبب السكر وهو ضيق ، عليه في الجهتين مناظر كثيرة بعالم طرب والتهكم والمخالفة )[134]  والنّص ليس بحاجة إلى التعليق....

 

 من التواكل والتسول الى الخضوع والتذلل

 التــــواكــــل

1 ـ دعت القصة الصوفية للتواكل ،ونفّرت من اتخاذ الأسباب حتى في السفر في الصحراء او في الحج بجعلهم (الحج بالتجريد) أي بدون ماء وزاد ، ويأتي لهم الماء والزاد  في الطريق بالكرامات ، وربما يأتى الخضر بنفسه ـ بزعمهم . ومن أكاذيبهم قولهم أن الله حل وعلا خلق الناس واختار كل منهم صنعته وانفردت الصوفية كل منهم باختيار خدمة الله ، فسخر الله  الخلق لخدمتهم )[135].. ودعا ابن الحاج المريد الصوفى صاحب الأولاد ألا يأبه لرزقهم لأن وجوده وعدمه في حقهم سيان ، والملك لا يضيق عن رزقهم [136] ، وهى عبارة تحتمل وجهين ، ولكن توجيهها للمريد الصوفى يؤكد معنى التواكل الصوفى وليس التوكل . ونصح الخواص الشعراني بألا يتخذ حرفه حتى لا يختار مع الله شيئا [137]  واعتبر الصوفية بقية الناس العاملين المتوكلين جنسا آخر مختلفا أقل من الصوفية شأنا ، فسموهم (أبناء الدنيا ) ، وفي مناقب شمس الدين الحنفى قول كاتب المناقب عنه ضمن مناقبه : ( بلغنا ان سيدنا كان لا يتواضع لأبناء الدنيا) [138].

2 ـــ واشتهر الصوفية في العصر بالتواكل ، ووُصف هذا التواكل بالتوكل قلبا للحقائق ، فوصفتهم إحدى الوثائق بانهم (توكلوا عليه ، ليس لهم صناعة ولا يملكون بضاعة ، متجرهم ركعة ، ومنهلهم دمعة )[139]  والغريب إعتبار هذا التنطع توكلا . وذكر ابن حجر فى تاريخه ( إنباؤ الغمر ) أنه شرع الجميع في حفر الخليج ، وشارك فى الحفر الامراء وتجار وقيل ثم دخل الناس في العمل حتى الصوفية ... ثم أعفوا من العمل )[140] ..وتأمل قوله ( حتى الصوفية ). فهذا تعبير عن رؤية العصر لهم . لذا تتردد فى تراجم شيوخ الصوفية أنه لم تكن لهم  حرفة ، وأنه كفاهم الناس امر المعاش .[141]

3ــ وطبيعي ان يتأثر بهم الباقون من محبي التنطع والكسل.  وما أسهل انتشار مثل هذه الدعوة في مجتمع يضمن الرزق للمتواكلين ، خاصة وأن بعض الصوفية أسبغ على دعوته للتواكل رداء الدين . وابن عطاء اظهر من قال بذلك في كتابه الشهير (التنوير في اسقاط  التدبير) ولا يزال  متداولا بين الشاذلية . وقد صاغه بأسلوب جذّاب على شكل حكم ومواعظ ذات وقع موسيقى ، ومن خلال هذه الصياغة الرائعة قرن اسقاط التدبير (او عدم العمل) بالدين ، وجعل السعى فى سبيل المعاش شركا بالله جل وعلا ، [142]  . وكرر ذلك في كتب أخرى ، يقول في احداها للناس: ( ارادتك التجريد مع إقامة الله تعالى اياك الأسباب من الشهوة الخفية ، وارادتك الأسباب مع إقامة الله اياك في التجريد انحطاط عن الهمة العليّة  ، أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك لا تقم به لنفسك..اجتهادك فيما ضمن لك وتقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس البصيرة منك )[143] .

4 ـت وتأثير آراء ابن عطاء خطير ، وممن تأثر  بها الشعراني القائل عن الصوفية : (ومن آدابهم .. لا يعتمدون علي كسبهم ، فإن الاعتماد على الكسب شرك بالله )[144]  . وحتى الآن يعكف الشاذلية وغيرهم على قراءة كتبه ومنها (التنوير في اسقطا التدبير) ، المسئول عن إشاعة التواكل والتبطل والدروشة [145]  . ويظهر اثر ذلك في اعتماد الناس على الأوراد فى تحصيل الرزق ، وقد سئل السيوطي مرارا عن الأدعية والأذكار الجالية للرزق فوضع فيها رسالة خاصة  [146] . وتصور الامثال هذا:( تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش )[147] 5 ــ وأدى ذلك إلى دعوة بعضهم الى الزهد في الدنيا وتفضيل الموت على الحياة والركون الى الفقر، وقد تردد فى كتاب ( الإلمام ) لمؤلفه الصوفى النويرى السكندرى قوله : ( فالفقر صلاح ، وخير بلا خسارة وبلا هم ، والفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر ) [148]

5 ــ وقد سيطرت هذه العقيدة على العوام ، وأضرّت بالحياة الاجتماعية ، لأنها جعلت العامة تطمئن لفقرها ، وتعتبره طريق الأنبياء [149]  والصالحين ، خصوصا مع وضع الصوفية لحديث ( اللهم أحينى مسكينا .. ) . وفي الأمثال نرى التأثر بهذا فى قولهم : (دنيا غرورة ، دنيا واللى متغطي بها عريان )[150]  . إنتشر هذا مع حث الصوفية على الزهد [151]  ، وإعتباره من أخلاق السلف الصالح  [152]  وأسوة بالأنبياء لا بالجبابرة كقارون  [153]  . ووضع السيوطي رسالة يفضل فيها الموت على الحياة. [154] .

6 ــ هذا ...  وكان التسول أهم نتيجة عملية للتواكل الصوفي فمن اين يعيش المتواكل الذي لا يعمل ..؟؟. وقد عرضنا فى كتاب ( أثر التصوف فى العبادات ..) لازدهار التسول في العصر المملوكي عن طريق التصوف. فلا داعى للتكرار .    

الخضوع والخمول والتذلل :ــ

1 ــ  بالتصوف عرف العصر المملوكي الخضوع والتسليم للأولياء الصوفية والحكام ،وليس غريبا أن دعاة تقرير الظلم هم أبرز دعاة الشعب للخضوع وهم أنفسهم أرباب التقليد العلمي والخمول الاجتماعي . ويكفي اطلاق (الفقر) على صوفية العصر المملوكي وافتخارهم بهذا اللقب مع ما فى الفقر من ذلة وانكسار واحتياج للأخرين ، وتأليفهم و نشرهم حديثا يعبر عن الذلة والمسكنة هو ( اللهم أحينى مسكينا وأمتني مسكينًا واحشُرني في زُمْرَةِ المساكين) وصاغوا على منواله حديثا آخر يقول (اللهمَّ أحيني فقيرًا وأمتني فقيرًا واحشُرني في زُمْرَةِ الفقراء ) .

2 ــ إنّ عزة المسلم  الحقيقى في طاعته ربه وإيمانه به جل وعلا الاها لا شريك له ، بحيث لا يذل نفسه لسواه ، وفى نفس الوقت فهو لا يتكبر على بشر مثله ولا يتكبر على الضعاف بل يتطامن لهم ويتواضع . والإسلام دين العقل المتفتح، والمؤمن فيه  ليس امّعه يقلد الآخرين ويعيش خاملا، بل هو فعال للخير يتعاون على البر والتقوى .

إن الله جل وعلا جعل الذلة والمسكنة قرينة بغضبه على العُصاة من بنى اسرائيل وأهل الكتاب ، فقال جل وعلا:(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ)(61) البقرة ) (  ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ) (112) آل عمران  )، بينما جعل العزة من نصيب المؤمنين مرتبطة بعزة الله جل وعلا ورسوله ، ولكن المنافقين لا يعلمون: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8)  المنافقون ). إن الايمان بالله جل وحده إلاها لا إله غيره يعنى أن يكون الفرد عبدا للخالق وحده ، وليس عبدا لمخلوق مثله ، وهذا فى حد ذاته فخر للمؤمن وعزّ له . والوقوع فى الشرك وتقديس البشر يؤسس الوضاعة والذلة والمسكنة داخل الفرد المُصاب بهذا الدين الأرضى . ومن هذا التذلل الدينى يمتد التذلل ( الاجتماعى ) ليصبح قيمة اجتماعية بسيطرة هذا الدين الأرضى ، فالذى يركع أمام رجل الدين الأرضى لا يجد غضاضة فى سجوده للمستبد وأصحاب السلطان . وهذا ما ساد فى العصر المملوكى . وعرضنا فى كتاب( أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ) لنشر التصوف لنفاق الحاكم المملوكى والتزلف اليه والرضى بظلمه وتحريم إنتقاده مهما أسرف فى ظلمه .

3 ـ والشعراني كان أكبر داعية للرضى بالظلم المملوكى ، وهو ــ كالعهد به ــ خير من يمثل دين التصوف المملوكي. وفي كتاباته يخلط بين الدعوة للخضوع للظلمة مع الخضوع للأخرين والتسليم وما ينتج عن ذلك كله من خمول، و يحتال لذلك بالمنطق المعوج مع التحذير والتخويف، كقوله :( اخذ علينا العهود ان نعلم إخواننا طريق الخلاص إذا قام عليهم قائم يؤذيهم ، وذلك بأن نأمرهم أن يحسنوا الى من قام عليهم بالدنيا والخلق والخدمة وليس هذا من الأمور المحرمة .. فمن عقل العاقل ان يذل ويخضع ويحسن الى من يشوش عليه ، ولو لم يكن بيده إلا لقمة واحدة دفعها إليه ، وذلك لأن جوع الانسان مع هدوء السر أحسن من شبعه مع النكد ، والذي حرك النكد هو الذي بيده تسكينه، فهو أولى بالإعطاء من الحاكم الذي يريد ذلك المظلوم ان يحتمى به . ويقع للكثير من ضعفاء العقول أنهم يحرمون الخصم ويطعمون الحكام ، ولو انهم قد أعطوا الخصم بعض ما اعطوه للحاكم لربما سد باب الأذى )[155] . وبالمنطق نفسه يستدل الشعراني برأي الخواص في تفصيل العبد القن على العبد المُكاتب الساعى لشراء حريته من سيده ، يقول: (لأن المُكاتب ساع في خروجه من رقّ سيّده ودخوله  في رق نفسه وشهوته ، والعبد يُحمل إليه رزقه وهو في رق سيد واحد ، والمُكاتب يسعى في طلب رزقة ثلاثة : سيده ودينه ونفسه )[156] .

4 ــ والواقع ان علامة الصوفى ــ قبل الشعراني ــ تمثلت في قدرته على تحمل الأذى من القول بالغا ما بلغ ، فى نظير بلوغه هدفه.  وقد لفت ذلك نظر ابن الحاج المغربي حيث سجل أن عادة الصوفية في الرباطات استقبال الضيف بالشتم والإيذاء ، فاذا تحمّل وتجلّد عرفوا صدق صوفيته،  فادخلوه..)[157]

الخـــمــــول : ــ

1 ـ ومن الطبيعي ان يكون داعية التواكل هو داعية الخمول، فابن عطاء يقول في حكمه المأثورة ( ادفن وجودك في أرض الخمول ) [158] .. وفي نطاق دعوة الشعراني خلط بين التواكل الخمول ، وتمسح بالدين كعادته ، فجعل من أخلاق من أسماهم بالسلف الصالح  (تقديمهم السلامة على الغنيمة ، من حيث رفض الدنيا وفراغ يدهم منها، فكانوا يقدمون فراغ يدهم من الدنيا على جمعها وانفاقها في سبيل الله تعالى خوفا ان يُنعوا منها حقها )[159] .. والسائد لدى السنيين أن الصحابة هم (السلف الصالح) الذين عاشوا فى خلافة الراشدين والأمويين ، مع أنه كان منهم المنافقون الذين نزلت فى كفرهم وتآمرهم وكذبهم عشرات الآيات القرآنية  وأنهم الذين انهمكوا فى الفتوحات واحتلال بلاد الأمم الأخرى ، وانهمكوا أيضا فى التطاحن حول ثروات البلاد المفتوحة بدءا من الفتنة الكبرى وما تلاها فى العصر الأموى . وهم بذلك أبعد عما يقوله الشعرانى عن ( السلف الصالح ) ، وبهذا فإن الشعرانى لا يقصد بالسلف ( الصالح ) الصحابة والتابعين فى القرن الأول الهجرى ، ولكن يقصد السلف (الصالح) من شيوخه رواد التصوف . ومصطلح ( السلف الصالح ) على أى حال كذبة كبرى ، إعتاد الناس إبتلاعها دون التفكر فيها ، شأن أساطير كثيرة فى الأديان الأرضية تعيش متمتعة بالتصديق والتقديس لأنها فى مأمن من النقد والتمحيص .

2 ـ ونعود للشعرانى ، وهو يخلط التذلل بالدعوة للخمول في قوله : (أخذ علينا العهود أن تشهد مقامنا الحقيقي دائما كأنه دون مقام كل مؤمن ، فكأنه في التمثيل بالمحسوسات هو التراب الذي تطؤه الاقدام وتتبول عليه الكلاب ، ولا ترفع رؤوسنا عن الأرض ساعة من ليل او نهار . ومن فوائد هذا العمل ان صاحبه اذا وقع لا ينكسر ، لأنه جالس على الأرض بخلاف من رفع نفسه فوقها فإنه ربما ينكسر اذا وقع بقدر ما رفع نفسه . ) واستشهد بوصية أحمد الرفاعي لأتباعه : ( كونوا ذنبا ( ذيلا ) ولا تكونوا رأسا فإن الضربة اول ما تقع في الرأس) وبقوله للحاضرين (انظروا الى هذه النخلة لما قامت بصدرها جعل الله ثقل حملها عليها ولو حملت ما حملت لا يساعدها احد بخلاف شجرة اليقطين (القرع) لما مدت خدها على الأرض جعل الله ثقل حملها على غيرها ولو حملت مهما حملت لا تحس به )[160]..

3 ـ ويرى باحث ان الشعراني لا يميل للحض على الأعمال الإيجابية التي تستلزم جهودا في نضال البقاء ، بل اعتبر الكثير منها خروجا على الطريق كالشجاعة والاقدام ومقاومة الظلم، ويرى أن الأخلاق التي روج لها بين مريديه هي اخلاق العبيد [161]..

4 ــ وخمول التاريخ المصري في القرن التاسع وبداية العاشر يكاد يظهر في كل صفحة من تاريخ ابن اياس المعبر عن الرأي العام الشعبي ، والباحث فى تاريخ ابن اياس لا يرى حدثا هاما ، ويصطدم بتكرار قوله ( وأشيع بين الناس ) ، اى سريان الاشاعات فى شعب لا نشاط له سوى النميمة وتبادل الأقاويل . وسارت الأحوال على هذا النمط الرتيب البطىء الى أن جاء الاصطدام من الخارج بدخول السلطان الغورى فى العراك بين اسماعيل الصفوى وسليم العثمانى ، وما ترتب عليه أخيرا من فتح العثمانيين لمصر وتحولها الى ولاية عثمانية . ولم يحمل الفتح العثمانى جديدا يغير مسيرة المجتمع المصرى فى العصر العثمانى ـ بدليل أن العثمانيين أنفسهم إعتنقوا التصوف السنى على أنه الاسلام ، وحملوه شعارا فى غزوهم لأوربا، وأن أساطين التصوف المصرى ظل نفوذهم ممتدا بعد الاحتلال العثمانى ، وأبرزهم الشعرانى المخضرم الذى عاش أواخر العصر المملوكى وعايش العصر العثمانى ، وكتب معظم مؤلفاته فى هذا العصر العثمانى ومنها عن القيم الصوفية كالتواكل والخمول  .

5 ــ لذا أثرت كتابات الشعراني في تشكيل نفسية الشعب في العصر العثماني مع كثافة التصوف والجهل ، ولفت ذلك نظر باحث أجنبي فقرر أنه (لو تُرك المصريون وشانهم أخلدوا إلى البطالة والكسل وتراموا في أحضان الدعة والخمول ، أي انه اذا لم تستفزهم إلى العمل إرادة فعالة وهمة نشيطة آثروا قضاء حيلتهم في البطالة التامة ، فالنظر إلى المستقبل لا يمتد عندهم إلى أبعد من الغد )[162] .أي انهم استجابوا لدعوة الشعراني ، وعبر عنهم وآثر الراحة لنفسه ولهم . فالقيم الايجابية ترهق الداعي لها كما ترهق عصره .

6 ـ هذا ، ونعيد التأكيد على أن تاريخ الحياة الاجتماعية لا يرتبط بالتاريخ السياسي؛  فالتاريخ السياسي مثلا للعصر المملوكي يبدأ بقيام الدولة المملوكية  سنة 648 وينتهى بسقوطها سنة 923 ، أما الحياة الاجتماعية لعصر من العصور فيمكن رصدها قبل بداية ذلك العصر وبعد نهايته،  لأن المجتمعات فى العصور الوسطى كانت أميل للتقليد وأبعد عن التطور الفجائي . وقد تبلورت الشخصية المصرية بالتصوف في العصر المملوكي بحيث كان المجتمع المصري في مصر العثمانية امتداد للعصر المملوكي ، خاصة وأن الحكم العثماني لم يكن مؤثرا في الأحوال الداخلية . والشعراني صوفى مخضرم عاصر الدولتين ، وهو مع كونه تلميذا لأشياخ التصوف المملوكي فهو شيخ المتصوفة طيلة الحكم العثماني،  بل ان الحياة المصرية ظلت متأثرة بكتابات الشعراني حتى أوائل القرن الحالي . ولا عجب حينئذ أن نلمح في كتابات كلوت بك عن مصر في عهد محمد على ــ صدى لتوجيهات الشعراني ....

 

رابعا 

 أثر التصوف فى المعتقدات الاجتماعية

صدرت المعتقدات الاجتماعية في مصر المملوكية عن المعتقدات الصوفية المؤثرة فى المجتمع . وفي العصر المملوكي نشأ عن ( التوسل بالأولياء ) الاستغاثة بهم عند المرض والاعتقاد في جدوى التداوي بتراب القبور المقدسة . ومن الايمان بكرامات ألأولياء إعتقد العصر بجدوى (السحر) الذى أصبح قرينا بالكرامة . وازدهر (التنجيم) في مجتمع يؤمن بمعرفة البشر أو (الأولياء) للغيب . وهو نفس ما ساد فى العصر الجاهلى تحت إسم ( الأزلام ) والذى إعتبره رب العزة مع الخمر والميسر والأنصاب أو ( الأضرحة ) رجسا من عمل الشيطان ، وأمر بإجتناب كل ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) المائدة ) . وآمنوا بالتعامل مع (الجان) على المستوى الحسى ، بل ان الشعراني وصف نوعا من الأولياء الأحياء يعتبرون وسطا بين الولى والجان، وهم ( أصحاب  النوبة) ، وكتب السيوطي رسالة (القول الجلى في تطور الولي) عرض فيها لإمكانية تشكل الولي في أكثر من صورة ، وآمن العصر المملوكى ب (التطير) ، او : التفاؤل والتشاؤم ، و يشيع هذا  في المجتمعات التي تؤمن بالأساطير والارواح والجان وتفسر المظاهر الطبيعية العادية وفقا لتلك المعتقدات فيكون التفاؤل والتشاؤم . لذا اعتقد العصر المملوكي في جدوى(التفاؤل والتشاؤم) نوعا من التنبؤ بالغيب .

2 ـ ومع انها صدرت عن التصوف كأثر مباشر فان هناك عاملا غير مباشر اسهم بدوره في التمكين لها بين المجتمع وطوائف المجتمع ، وهو جهد التصوف في نشر الجهل والجمود كما سبق بيانه في فصل العلم والعلوم . والعلم الحقيقى ينمى الوعى والتعقل ولا يدع مجالا لنشر الخرافات الدينية .

3 ــ ولا يزال سائدا حتى الآن الاعتقاد في إمكانية الاتصال بالجان وعلاقتهم بالأولياء خاصة ، حيث توصف ربيبات الزار بأن (عليها شيخ) أي ان صورة الجان إختلطت في اعتقادهم بصورة الولى الشيخ .  والقانون يجرّم الدجالين منتحلى الطب الروحاني وأصحاب (الأعمال) السحرية ، ومع ذلك فإن لقبهم في عرف العامة هو (المشايخ)، وغالبا ما يرتدون زي الشيوخ وتروج تجارتهم في الموالد الصوفية وحول الأضرحة ، فلا يمكن ان يطلق لقب الشيخ على أولئك المحتالين المجرمين إلا بأثر التصوف الديني ، الذى لا يزال سائدا حتى بين بعض المثقفين وفى الطبقات العليا والمتوسطة فى الشعب المصرى . وكل ما سبق ناشىء عن ( الإيحاء ) ، أو الاعتقاد والتصديق .

ونعطى بعض التفاصيل :

فى التداوى

الأولياء الأطــــبــاء :ـــ

1 ــ اعتقد الناس في مقدرتهم على شفاء الناس المرضى بما لهم من تصريف وكرامات . وبهذا اشتهر بعضهم بالطب ، فكان إبراهيم الجعبري (يشارك في علم الطب )[163] ، وكان اذا اشتهر واحد بالولاية كان الناس يذهبون له بمرضاهم ، فقد ( ظهر عبد أسود قيل انه ولي ، فهرع إليه الخلق ، وفيهم الكثير من الزمني وذوي العاهات والمرضى )[164] ، ووصل الأمر الى أنه اشتهرت طفلة بالولاية ، وبأنها تشفى المعاقين فقصدها الناس لأنها  ( تقيم المُقعد وترد بصر الأعمى )[165] .وتردد ذوو العاهات والامراض المزمنة على الشيخ على الخواص ، وقيل عنه أنه ( كان له طلب غريب )[166] ، وفى طب الأسنان عرف بعضهم بأنه يرقى الضرس المصاب : (رقائين الضروس) ، اى إشتهروا برقى الضروس التالفة ، أو كما قيل : (لأن الإنسان كان اذا وجعه ضرسه يرقونه فيسكن الوجع )[167] . وشاع أنه شفيت امرأة مقعدة على يد أبي بكر السبتي [168] وشفي أحدهم من مرض جلدي عن طريق الشيخ عمر المغربي  [169] . ووصلت كرامة بعضهم الى الشفاء بالدعوة المستجابة ، فقد دعا الشيخ المنوفي  للأمير بكتم ، وكان مريضا فشفى  [170] . وزعموا أن ( رقية ) الحنفي كانت البلسم الشافى لكل من أصابها ( الطلق أوالصداع )  [171] .

2 ــ على ان البلسم الشافي فى إعتقادهم كان الماء الباقي من غُسل الولى الميت ، فيأخذه الناس قبل أن يصل إلى الأرض ليقتسموه في المكاحل في شفاء الرمد [172] ، الى جانب التكحل بتراب القبور المقدسة للأولياء .!!..

التراب كدواء :ــ

1 ــ أشيع بالقاهرة سنة  796 أن امرأة أصابها الرمد ، وأيس منها الأطباء فأمرت في المنام ان تتكحل برماد من سفح جبل المقطم ــ حيث مقابر الأولياء ــ وقيل أنها شفيت بذلك .. يقول المقريزي فلم يبق من الناس إلا من أخذ من الحصى الذي بالجبل واكتحل به ، وعُمل منه في الاثمد وغيره ، حتى أفنوا من ذلك ما لا يقدر )[173] . وهذه الاستجابة السريعة من العصر لا ترجع فقط للاعتقاد  في صدق المنام وإنما أيضا لاعتقادهم الثابت في جدوى الاستشفاء بتراب الأضرحة وقبور الأولياء ....

2 ــ والواقع ان التداوي بالتراب المأخوذ من تلك القبور كان معروفا في العصر المملوكي ، حتى أن بعض قبور الأولياء أشيع عنها في العصر المملوكي الشهرة في شفاء المرض مثل قبر ذو النون ، وقبر المنوفي  [174]، والعقيلي [175] وقبر الكحال  [176] ويبدو أن القبر الأخير اكتسب هذا  اللقب لصلته بشفاء امراض العيون . بل ان بعض الأماكن حازت شهرة في هذا المجال برعاية التصوف طبعا فقد اشتهرت بئر في مسجد الرعينى بشفاء الحمى لمن يغتسل منها)[177]  ونصح صوفي مريضا بالبطن بأن يستف من تراب القبلة (ففعل فبريء لوقته) [178] كما يقولون ...

التمائم :ـــ

1 ـ  راج استعمالها في العصر المملوكي لشفاء الأمراض واتقاء اذى الحشرات كالجراد وقرص الثعابين وطرد البراغيث .

2 ـ وكانت التمائم تحوى آيات قرآنية مع كلمات وحروف وأعداد غير مفهوم العلاقة بينها ، على نسق أصحاب علم الحرف الصوفي. يقول السخاوي الصوفى صاحب ( تحفة الأحباب ) : (بمشهد زيد بن على زين العابدين عمود رخام على يمين الداخل من الأبواب، به أسطر تكتب في ورقة وتوضع على عرق النسا ، يزول بإذن الله تعالى . وهي مجربة. وهذه صورة الأسطر : 1 ح  5 ب   51 ع   155 مرابية ) [179] ويفهم من كلام السخاوي ان تلك التميمة كانت مستعملة ــ او على حد قوله ( مجربة )لمن يقاسي من مرض عرق النسا .

2 ـ على ان هناك تمائم أخرى بنفس الأسلوب تقريبا ، أوردها الدميري فى كتابه ( حياة الحيوان ) ، تفيد  ــ في إعتقادهم ـ فى شفاء الأمراض المختلفة ، كالطحال والصداع والأسنان [180] بل وضعت تمائم لطرد البراغيث [181] . وأورد السيوطي تميمة منسوية للخضر للرقية من سُم الثعبان  [182] . إلا ان قصيدة البردة للبوصيري كانت أشهر التمائم المكتوبة باعتراف أبي المحاسن  [183] ولا تدانيها في الشهرة إلا التميمة التي تحوى أسماء الفقهاء السبعة بالمدينة ، وكانت شهرتها في منع تسوس الحبوب [184]

3 ــ ومن أظرف التمائم تلك التي عرفت ب (حفيظة رمضان) وكانت تكتب فى آخر جمعة من رمضان والخطيب على المنبر يخطب ، وصيغتها (لا . إلاء، إلا . إلا . ولا . ؤل . يا الله. انك سميع عليم محيط به علمك . كسيعلمون . وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ). ومن الطريف ما يحكيه المؤرخ السخاوى عن شيخه المؤرخ ابن حجر ( العسقلانى ) أنه كان يخطب اخر جمعة من رمضان، في جامع عمرو ، فرأى شخصا بدكة المؤذنين يكتبها فانزعج  .[185].!

4 ــ ولا يزال أصحاب التمائم يعيشون بيننا في الريف خاصة ، يتمتعون بألقاب المشيخة. وفي الامثال الشعبية قولهم : (خد من عبدالله واتكل على الله )[186]...

الاعتقاد في الجان

1 ــ الاعتقاد في الجان ظاهرة إنسانية عامة . وقد تردد ذكرهم في القرآن الكريم وخصصت باسمهم سورة الجن) ، ورب العزة جل وعلا يذكر إيمان بعضهم بالإسلام ( الأحقاف:29 )، وهم مخلوقات برزخية فى مستوى آخر من الوجود لا نُحسُّ به فى عالمنا المادى . وحين عصى ابليس طرده الله جل وعلا من الملأ الأعلى فصار وأصبح مع ذريته فى المستوى البرزخى للجن :( الكهف :50) .

2 ــ أما ما ينكره الإسلام فهو الاعتقاد في التعامل المادى الحسّى مع الجان على المستوى الحسي وإمكانية الاتصال بهم على نحو ما يشيع بين الناس ، مثلما أشاع الصوفية في العصر المملوكي ، لأن الله جل وعلا حكم علينا بعدم رؤيتهم مع انهم يروننا ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (الأعراف: 27).  

3 ــ وينكر الإسلام تلك الخرافة الصوفية التى تزعم تشكل الولى بهيئة الجن ـ أو تطور الولى وتجسده ليكون من الجن ، أو ذلك الاختلاط والتماهى بين الجن وبين الأولياء الصوفية ممن يُطلق عليهم ( أصحاب النوبة ) الذين يحرسون الأرض فى زعمهم ، على نحو ما تحدث الشعراني ، [187]. فالشعراني يحتج على منكري وجود أصحاب النوبة ، وهو يخشى منهم ، ويعد من المنن عليه حفظه من تصريفهم فيه (بمرض او سلب حال )[188] ، وأنه يحرص استئذانهم كلما خرج من بيته ليكون في رعايتهم )[189] ، ويتذكر وصية الخواص بالاستعانة عليهم بالله ورسوله [190]  . وهذا الاعتقاد فيهم مع الخوف منهم وعدم تحديد تام لشخصياتهم يجعلهم أقرب إلى الكائنات المجهولة أوالجان . واقرأ قول الشعراني يصف حالته حينما مر في أماكن مهجورة (.... وغفلت مرة فأحسست بنفسي أن ورائي تمساح كبير يريد ان يبتلعني ، فالتفت فاذا شخص منهم أشعث الرأس كأن عينيه جمرتان .!) ويقول: ( فلقيني واحد منهم فما كانت روحي إلا زهقت) [191] .

4 ــ ومن ناحية أخرى فالصوفية (أساتذة العصر) افتخر بعضهم باعتقاد الجان فيه وفى الأولياء )[192] ، وخضوع بعضهم للولى كخضوعهم لسليمان [193] . ، وافتخر الشعراني بكثرة اعتقاد الجن فيه [194]  ، وألف كتاب : ( كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان ) للرد على أسئلة الجن له في التوحيد  [195] ، أى جعل الجن تلاميذ له ينهلون من علمه اللدنى . ويتردد في مصادر العصر المملوكي ان بعض الأولياء كان يعلم الجان ويفتيهم  [196] ، وفي هذا المجال اشتهر الحنفي حتى ان إحدى مريداته من الجنيات ــ على زعم كتب المناقب ــ طلبت أن تتزوج من صهر الحنفي فأفتى الحنفي بعدم الزواج شرعا إلا أن العريس نزل معها (تحت الأرض) حيث قابل ملك الجان فقال الأخير : لا اعتراض على سيدي محمد (يقصد الشيخ الحنفى ) فيما قال : ثم أمر الجنية بأن تعيد حبيبها على مكانه )[197] . وتابع الشعراني الحنفي فنسب لنفسه مغامرات مع الجان  [198] ، واحترف بعض الصوفية استحضار الجان للمصاب بالصرع ، مثل ابن الرداد المعروف بشيخ الجن ( فكان من يعزم عليه ينصرع عمدا ليضحك الحاضرين ، وتكرر ذلك فصار يُعتقد ،وسُمّى شيخ الجن )[199] ...

5 ــ ومن الطبيعي أن ينعكس جهد الصوفية في معتقدات العصر في الجان ووجودهم الحسي حتى ان الشيخ الشبلي ــ وضع كتابا فقهيا بعنوان ( آكام المرجان في أحكام الجان) قص فيه حكايات عن زواج بين الإنس والجن وتسخير الإنس للجن وخوفهم منهم والحروز التي تعصم من كيدهم وتأثير الذكر والأوراد فيهم ودخولهم بدن المصروع وسحرهم للإنسان . الخ  [200] وكانت الناس تفسر الأشياء الغريبة والتي تبدو كذلك في ضوء اعتقادهم في الجان [201] . وأشيع عن الجان انها تفر من الأترج .[202]..وصنعت تمائم للحفظ من الجان نسب بعضها للرسول عليه السلام [203]  . ويقول ابن الحاج (من أراد أن يحفظ من العين ومن مردة الجان فيعلق الحروز من تحت ثوبه بحيث لا يظهر ..)[204].

6 ــ وتأثرت بعض العادات الاجتماعية بالاعتقاد في الجان ، فالنساء كن يضربن على الأواني النحاسية عند خسوف القمر لإبعاد الجن عنه( 205 ) ، ولا يزال ذلك ساريا .

7 ــ وللجان والعفاريت ذكر في الأمثال الشعبية المصرية [205] .. وحفلات الزار الحالية أثر للاعتقاد في الجان في العصر المملوكي .. والعفاريت فيها خليط من الجن والأولياء التي تركب الإنسان ،  وتستعمل في أساليبهم الفاظ صوفية مثل ( دستور يا سيادي ، مدد يا اهل البيت) مع عبارات  مختلفة فى التوسل بالأولياء وآل البيت . ثم ان رقص الزار هو إحدى حالات الذكر الصوفي. وتلك الأقاصيص الخرافية عن الجن  لا تزال موضع التصديق في مجتمعاتنا الشرقية ، وقد إحتلت مكانها فى ( قصص ألف ليلة) التى تعبر عن المجتمع المصرى فى العصرين المملوكى والعثمانى .  

الـســــــحـــــر :ـــ

1ــ تضاءل الفارق بين السحر وانتحال بعضهم إتيان الكرامة كمؤهل لصلاحيته كصوفي معتقد . وقد سجل الجويري في كتابه ( المختار في كشف الأسرار) حيلهم ، فكان يذكر الكرامة ثم يتبعها بكشف التحايل فيها ، مثل عدم احتراق أحدهم في النار ونبع الماء من بين أصبعه وبقائه بلا طعام او شراب مدة طويلة وغير ذلك مما ذكره مفصلا  [206].. واكتشف ابن تيمية حيل الأحمدية في دخولهم النار وفضحهم امام الحاكم  [207]  .  

2 ــ والقرآن الكريم ينفى عمل السحر ، ويؤكد أنه تخيُّل ممن يصدق الساحر ، وقد قال جل وعلا عن موسى وسحرة فرعون:  (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) )طه :66) ، ( فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ )الأعراف 116 ) ، أى أن رصيد السحر والانتحال  للكرامات في العصر المملوكي يكمن فقط في اعتقاد الناس فيهما.

3 ــ وبازدياد الاعتقاد في السحر فسرت الأشياء التي لا يفهمها الناس ــ او لا يستطيعون تعليلها ــ على انها سحر ( .. فكان يقع من ابن البرهان عجائب فيظن ان له رئيا من الجن يخبره ..) [208] وفي إحدى الفتن اشتهر الامير ( يلبغا المجنون ) بأن السهام لا تصيبه ، (واختلف الناس في امره ، فمنهم من يقول كان معه هيكل منيع ، ومنهم من يقول كان يتحوط بأدعية عظيمة ، ومنهم من يقول كان ساحرا) [209]..

4ــ وما لبثت الأشياء العادية أن فسرت بالسحر أيضا فقيل أن محمد ابن جقمق مرض ومات بالسحر ) [210] وقال نفس الشيء عن الاتابكي ازبك بن ططح ) [211].

5ــ وسار الاعتقاد في السحر باضطراد يواكب انتشار التصوف المضطرد، ونلحظ ذلك في اقوال ابن اياس عن مقتل الأمير المملوكى قرقماس ق 842 : (أن الضربات كانت تطيش ولا تصيب من قرقماس ، لأنه كان في فمه خاتم مرصود، أخرجوه من فمه ، وقتلوه ) [212] . وهذا يخالف ما ذكره من عاصر مقتل قرقماس من المؤرخين ، وما سجلوه عن مقتله كالمقريزى فى (السلوك ) وابو المحاسن فى ( النجوم الزاهرة ) [213] ، ومعنى ذلك ان ابن اياس المؤرخ في آخر العصر المموكي قد تأثر بما شاع في عصره من خرافات زادت حتى طغت على الحقيقة التي كتبها المؤرخون المعاصرون انفسهم . وابن اياس خير من يعبر عن عقلية هذه الفترة وتأثرها بالتصوف ..

6ـ وساد الاعتقاد فيما أطلقوا عليه ( إسم الله الأعظم ) الذى كان عندهم تميمة سحرية تعادل ( كن فيكون ) ، وكان العثور على (اسم الله الأعظم) قمة امنيات الساحر ، فبه يحقق كل اغراضه . و(اسم الله الأعظم) اختراع صوفي عرف منذ بداية التصوف،  وتردد في كتب الصوفية فى محاولة العثور عليه لتحقيق المطالب والحصول على الكنوز الأثرية المدفونة [214]... وادعى كثير من الصوفية معرفة الاسم الأعظم وكان اغلبهم من أدعياء علم الغيب او الكشف كابن زقاعة  [215] والنعمان   [216] والأشمركاني  [217] ، وافتخر الشعراني بانه اطلع على الاسم الأعظم عن طريق الكشف . [218] وعن هذه الصلة بين التصوف المملوكي والسحر ترسخ الاعتقاد في السحر كحقيقة حتى ان فقيها قاضيا استغل قوة الاعتقاد في السحر ــ ليحكم بقتل شخص بحجة أنه ساحر حلال الدم  [219]..

والظريف ان الوزير عبد الباسط اتهم في محنته بأن معه الإسم الأعظم وأنه (يسحر السلطان لأنه كلما أراد عقوبته صرف السلطان عن ذلك ، ووجدت في عمامة عبد الباسط أوراق فيها ادعية ونحوها كما أشيع  ) [220]..بهذا فسر العصر المملوكي محنة الوزير عبد الباسط مع أن تلك المحن كانت شيئا عاديا وقتها .

8ــ ومن الطبيعي أن يستهوي السحر عقول النساء في العصر المملوكي ، والحريم السلطاني على وجه الخصوص حيث مكائد النسوة لا تنتهي . فقيل ان والدة الناصر فرج زوجة السلطان برقوق قد سحرتها جارية من جواريها ، فقتلت الجارية وقتل نصراني اتهم بالتعاون معها .. )[221] وطلق السلطان جقمق زوجته لاتهامها بانها سحرت حظيته سرباي )[222]  وفي هذا الجو مارست النساء السحر كصناعة للتكسب )[223]  بل إن المقريزي ــ مع علو ثقافته بالنسبة لمعاصريه ــ ذكر كيفية معينة يمكن بها للمرأة ان تمنع المطر )[224] ..

9ــ واستمر الاعتقاد في السحر بعد العصر المملوكي فقال كلوت بك : ( ومسلمو مصر يعتقدون أن بإلامكان القيام بالإجراءات السحرية بحسب مبادئ الخير والشر ، وتسمى نظريتهم في الحالة الأولى بالعلم الروحاني وفي الحالة الثانية بالعلم الشيطاني  )[225] . وهو هنا يفرق بين انتحال الكرامة وادعاء السحر . ونحن بهذا نصل آخر الموضوع بأوله.

    

 الاعتقاد فى التفاؤل والتشاؤم  

1 ــ التفاؤل والتشاؤم ظاهرة إنسانية توجد لدى بعض الأفراد ، وفى كل الشعوب . ولكن تحكم التصوف فى العصر المملوكى حوّل هذه الظاهرة العادية من ( تفاؤل ) بمعنى الشعور بالفرح والتشاؤم بمعنى الشعور بالانقباض الى الاعتقاد فى جدوى التفاؤل والتشاؤم فى التوقع بحدوث شىء مفرح أوشىء مكروه . وبسبب قسوة الحكم المملوكى وبطشه وكثرة الفتن العسكرية فيه والتنازع المستمر بين المماليك كان توقع السوء هو السائد ، فقلّ الشعور بالتفاؤل ، وساد الشعور بالتشاؤم ، وأصبح الحدث العادى منذرا بشر قادم . وعمّ هذا فى أواخر العصر المملوكى الى درجة انهم تشاءموا من لفظ التشاؤم نفسه، فعبروا عنه بلفظ التفاؤل ، فأضحى لفظ (تفاءل) معبرا عن المعنيين المتناقضين، ويُفهم المعنى بالقرينة .

 2 ـ والواقع ان جدوى الاعتقاد فى التفاؤل والتشاؤم يتبع من من نشر التصوف للكشف ، أو العلم بالغيب الذى جعله التصوف مُباحا لكل من هبّ ودب ، كاشهر مجال للكرامات . ولهذا فقد سار الاعتقاد فى التفاؤل والتشاؤم فى ركاب التصوف فى العصر المملوكي ، وإزدهر بإزدياد سطوة التصوف طرديا . ومقارنة سريعة بين  كتابات المقريزي وابن اياس تظهر تأثر ابن إياس أكثر من سابقه بالاعتقاد فى التفاؤل والتشاؤم . فالمقريزي مثلا يعلق على وباء الفئران الذي أهلك المحاصيل سنة 842 بقوله (وعندي ان هذا منذر بحادث ينتظر ...)[226]..أما في أواخر العصر فقد عمت هذه الظاهرة إلى درجة والمصريون في نهاية العصر كانوا (يتفاءلون) بأي شيء ، أى يتشاءمون من أى شىء ، ويتوقعون الشّر من أى شىء . وابن إياس اكبر من يعبر عن هذه الحقيقة حتى في الحوادث العادية [227] ،  مثل سقوط رداء الخطيب على  الأرض  [228] وتوجه السلطان للمقياس،  وزغردة النساء له في موكبه .[229] ..

3 ــ مظاهر التفاؤل والتشاؤم عديدة في العصر المملوكى، أبرزها ما كان متصلا بالسلاطين والأمراء حيث كان المستقبل السياسي غامضا في حكم عسكري يحكم فيه الأقوى عدة والأكثر دهاءا ومكرا . فإذا صكّ السلطان عملة نقدية وجعل اسمه بها في دائرة ( تفاءل الناس بأنه ستدور عليه الدوائر ويسجن) هذا ما كتبه المقريزى ، وأسهب ابن اياس في التعليق على هذه الحادثة بما يعبر عن عقليته وعصره مع انه لم يشهدها بنفسه وإنما نقلها عن المقريزي وكتبها في تاريخه [230]. وخسوف القمر ظاهرة عادية ، ولكن لحقها التشاؤم ، ولما خسف القمر يقول ابن إياس أنه ( "تفاءل " الناس بزوال السلطان لا سيما أن كان مريضا )[231].   و(تفاءل ) هنا بمعنى ( تشاءم ). وعندما سقطت منارة جامع السلطان حسن( لهجت العامة بزوال الدولة )[235] ...

5 ــ وفى الفتن التى كانت تحتدم بين السلطان والأمراء الطموحين  كان (للتفاؤل) مظاهر جمة مثل ( حرق مهام السلطنة ) [236] إذ يعتبرونه (فألا) بالهزيمة ، أى تشاؤما بهزيمته وإرهاصا بها .. وحين زحف منطاش لحرب برقوق وقع من على فرسه ( فتفاءل الناس له بعدم النصرة ) [237]..أى تشاءموا من ذلك وتنبأوا بهزيمته . وحدث نفس الشيء للناصر فرج حين قتل بعض غلمانه . اما الثائرون عليه فقد رفع روحهم المعنوية ان قرأ لهم الامام في الصلاة آية  ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ ).الأنفال : 26) [238] . وفي فتنة السلطان قرقماس مع السلطان جقمق (تفاءلوا) له بالهزيمة لأنه (كشف رأسه وهتف بنصرة الحق ، وتأكدت الطيرة عليه بسقوط درقته عن كتفه إلى الأرض  ) [239]. ونفس الحال تقريبا للغوري حين تأهب لحرب العثمانيين فسقط هلال القبة الذي على رأسه وانكسر نصفين )[240]..

6 ــ ومن الطريف أنه حين ذهب الغوري للشام للقاء السلطان سليم العثمانى في تلك الحرب التى انهزم فيها الغورى وقتل ـ توقف الغورى فى دمشق ، وذهب المؤرخ ابن طولون للقائه مع جماعة صوفية ، وأرادوا تحية الغورى فاصطحبوا معهم مجموعة من القُرّاء العميان ليقرأوا له القرآن تبركا ، يقول المؤرخ ابن طولون (... فلما وصلوا إلى قربه وجلس الأضراء ــ جمع ضرير ــ يقرأون القرآن له فأمر مماليكه فضربوهم بالعصي ، وقالوا لهم : عندنا ميت حتى تيجوا تقرون عليه ....) [241] والذي لم يفهمه ابن طولون أن الغوري ومماليكه تشاءموا من قراءة الصوفية للقرآن له وهو في طريقه للحرب وإعتبروا ذلك ( تفاؤلا ) بموت الغورى ,   أى ( تفاؤلوا بموت السلطان )، ولذا غضب الغورى وغضب أمراؤه. ويدل على أن المصريين كانوا أكثر إحساسا من السوريين بالأعتقاد فى التفاؤل والتشاؤم ...

7ــ وفي الحياة اليومية كان للتفاؤل والتشاؤم مظاهر جمة .. فقد شاع في العصر مثلا أن ( البلاء موكل بالمنطق )[242] أي ان الإنسان ينطق في حديثه بكلمة او شعر أو غير ذلك فيتحقق وقوعه ويعتبر ذلك من الكشف الصوفي أبيح للأخرين ....وعرف الناس أيام السعد وضدها فيوم رابع عشرين من الأيام السبعة المكروهة عند الناس في العصر المملوكي [243] ، وظل هذا الى عصر محمد على وذكره كلوت بك  [244] .... وكان الناس يتركون تنظيف البيت وكنسه اذا سافر احدهم (ويقولون ان ذلك ان فُعل لا يرجع المسافر ) [245]..

7 ــ وكان اظهر مما تشاءم به العصر المملوكي هو خروج الميت يوم السبت او دخوله القاهرة من احد أبوابها يوم السبت ، ويعتقدون ان هذا يعنى موت شخص آخر أكبر من نفس البيت . يقول أبو المحاسن (وقد عهدت الناس يتشاءمون بدخول ميت من احد أبواب القاهرة  ) [246].. وقد دخلوا بنعش محمد بن جقمق من باب زويلة فتشاءم العوام بذلك )[247]. وبسبب هذا كان عزل ابن الديري كاتب السر ، لأن ربيبة السلطان ماتت واخرجت من القلعة يوم السبت ، فقال ابن الديري : (هذه الميتة قد خرجت من القلعة يوم السبت ولابد أن  يعقبها أحد كبير واظنه السلطان ) فاغتاظ السلطان وقال له : ( يا قاضي في أي حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت اذا خرج من عند أحد يوم السبت يعقبه أحد كبير ) وعزله [248]..

5ــ وتعكس الأمثال الشعبية في العصر المملوكي هذا ، فتقول (أي موضع راح الحزين يلقى جنازة) (اذا كان القطن أحمر والمغسل أعور والدكة مخلعة والنعش مكسر اعلم ان الميت من اهل سقر والوادي الأحمر ) (صباح الفوال ولا صباح العطار) ( صباحك ياعور قال دي خناقة بايتة.! ) (فرحت حزينة خربت مدينة.! ) [249]..

 الاعتقاد فى التنجيم والاستخارة

 مدخل

1 ــ مع شغف الانسان بمعرفة ما يخبىء له المستقبل نظر الى النجوم يتحسسها بعينيه باحثا عن غيب المستقبل ، فعرفت البشرية ( التنجيم ) نسبة الى النجوم ، و( الأبراج ) نسبة لأبراج النجوم . ولا يزال حتى الآن تقسيم للبشر حسب (الأبراج ) من برج الحمل والثور الى برج العقرب والدلو . وهناك المفتونون بهذه الأبراج ، وهناك باب فى الصحف يتخصص فيه أفاقون من الصحفيين يكتبون أكاذيب لأصحاب برج الحمل وبرج الثور وبرج الحمار .!!.

2 ــ هذا شىء عادى . ولكن الذى ليس عاديا أن يتحول التنجيم الى عقيدة إجتماعية ليست مقصورة على المنجمين ، بل يمارسها الشعب بطرق مختلفة ، ومن خلالها يفسر ما يحدث حتى من أمور إعتيادية مألوفة ومعروفة . هذا ما حدث فى العصر المملوكى حين إجتاحه وباء التصوف .

3 ــ فمن من أساسيات الدين الأرضى إسناد علم الغيب للآلهة المعبودة ، وتنضح كتب الصوفية بإسناد كتب الغيب إلى اوليائهم، وتلك ظاهرة عامة في التصوف تجافي الإسلام، فخاتم المرسلين نفسه لم يكن يعلم الغيب (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) الأعراف ) (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) الاحقاف 9 ) (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ )  (50)  الأنعام ). ويقول جل وعلا  (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً  إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) الجن : 26 ، 27 ) . (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ .) آل عمران :179).

4 ــ وكانت العادة فى الجاهلية إرتباط الأزلام بالقبور المقدسة والاحتفالات الدينية عندها ، والأزلام هى الزعم بعلم الغيب . وكل ذلك رجس من عمل الشيطان يأمر الله جل وعلا المؤمنين باجتنابه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) المائدة ).    إلا أن العصر المملوكي اعتقد صدق ادعاء الصوفية بعلم الغيب حتى أصبح من أهم مؤهلات الولاية ... وعلى هامش هذا الإفك راج الاعتقاد فى التنجيم واستعمال الاستخارة . وسبق بحث دور التنجيم فى الأثر السياسي.  ونصل الى التنجيم كمعتقد اجتماعي .

الاستخارة بالمصحف

1 ـ إخترع السنيون صلاة الاستخارة نوعا من مناشدة الوحى ليكتشفوا بها أى طريق يسلكون وأى قرار يتخذون . وليس فى الاسلام صلاة إستخارة . بل إن لفظ ( إستخارة ) لم يرد فى القرآن الكريم ، ولم يحدث فى قصص النبى محمد عليه السلام فى القرآن الكريم أنه إستخار بالصلاة ركعتين ، أو غير ذلك ، بل أمره ربه جل وعلا أن يستشير فى الأمر ثم إذا عزم على التنفيذ فليتوكل على الله . وحتى فى السيرة المصنوعة التى كتبها ابن اسحاق ليس فيها انه صلى ركعتى الاستخارة. وفى قصص الأنبياء فى القرآن ، وقد تعرضوا لمواقف شتى لم يرد أن أحدهم (إستخار ) وعلى سبيل المثال قصة موسى وقصة يوسف وقصة ابراهيم ، وما مروا به من محن ومشاقّ . الذى فى الاسلام هو التفكر والتعقل والتفقه ثم إتخاذ القرار بناء على ما نسميه بدراسة الجدوى والتنفيذ متوكلا على الله جل وعلا . وبالتوكل على الله يكون الدعا"> 2 ــ ومن الطريف ما ذكره المؤرخان ابن حجر العسقلانى والسخاوى ان الشيخ الأبناسى رفض منصب القضاء ، والسبب أنه استخار المصحف فخرج له ( قال رب السجن احب إلى مما يدعونني إليه) فأطبق المصحف وهرب الى منية السيرج واختفى فيها اياما حتى ولوا غيره، وعاد بعدها . وقد كان صوفيا معتقدا [251] .

3 ــ وعرضت الاستادارية على ابن نصر الله (وألحوا عليه فأمهلهم للاستخارة )[252] ...

التنجيم بصلاة الاستخارة  

وكان لصلاة الاستخارة هواتها المعتقدون فيها ، مع إضافة بعض التعديلات الوثنية الصوفية . المستخير هنا هو الأمير قرقماس سىء الحظ.!. كان قرقماس واليا على الشام ، وفى الفتنة التى حدثت بين الأميرين شيخ ونوروز المتحكمين فى السلطة المملوكية كان قرقماس واليا على الشام . وكان على الأمير قرقماس تحديد موقفه ؛ هل ينحاز الى الأمير شيخ الذى ولّاه الشام أم الى خصمه القوى الأمير نوروز ، أم يستقل بالشام . وتردد قرقماس   فقال له رفيقه ابن العطار (ان معي لوحا دفعه لى الشيخ نصر الجلالي ، من خاصته انه من أراد امرا يعلقه امامه في القبلة ، ثم يصلي ركعتي الاستخارة ، ويدعو ، فإذا انتهى يجد من يدفعه على إحدى جهتي اليمين او اليسار ، فأي الجهتين دفع إليهما فالخيرة )[253] .وانتهى الأمر بهزيمة قرقماس ومقتله ، وما أغنت عنه إستخارته شيئا .

التنجيم بظهور ( نجم ) أو كوكب فى السماء

1 ــ وكان ظهور نجم أو كوكب في السماء مثيرا للتنبؤات ، ففي ليلة مولد الناصر محمد بن قلاوون سنة 684 ظهر كوكب عظيم له ثلاث ذوائب طوال ، فأخبر بعض المنجمين أنه يدل على مولد سلطان تطول مدته   [254] . وظهر هذا الكوكب سنة 783 ... أي بعد قرن تقريبا فعد ظهوره دليلا على قتل ملك من الملوك أو ظهور الطاعون . وفسره ابن اياس فيما بعد بانقراض دولة بني قلاوون واستيلاء الجراكسة يقول عن هذا الكوكب: ( وفي الغالب يحدث عقيب ظهور هذا الكوكب الزلازل والخسوف وكثرة الأهوال )[255]..

2 ــ وظهر كوكب أخر شبيه بالقمر في نوره ، وتصادف وقتها أن وقع ( فيل ) في القنطرة فمات الفيل ، فربط الناس بين ظهور هذا الكوكب ووقوع الفيل فى القنطرة . وقال أحد الزجّالين ( الشعراء الشعبيين ):

      لما ظهر في أول شعبان أخر رجب

         لاحت لنا فيه نجمة لها فيه ذنب

       فقالت العالم بأجمع     ذا له سبب

وايش في دلايل ذي       الكوكب باين دره  

 دلت على موت هذا الفيل في القنطرة  ) [256]

وظهر نجم عام 860 وزاد الكلام بسببه حسب تعبير المؤرخ ابن اياس  [257]  ، وقال المؤرخ  أبو المحاسن عن نجم آخر ظهر سنة 890 : (ونسأل الله ان يكفينا شره )[258]..

الاعتقاد فى المنجمين

1 ــ وفي عصر كهذا تمتع المنجمون بالثقة مهما كذبهم الواقع ، وكانت النساء أكثر الطوائف اعتقادا في المنجمين ، فتسلط عليهن الدجالون باسم التنجيم ، فأمر السلطان سنة 733 باعتقال المنجمين وضربهم (لإفسادهم حال النساء) [259]..ولولا هذا ما تعرض لهم السلطان.

2 ــ  وتعرض بعض المنجمين لنقمة السلطان اذا اخطأ كما حدث حين زعم بعض المنجمين كسوف الشمس ( فوجم بعض الناس،  فلما لم يكن من أمر الكسوف كبير شيء طلب السلطان طائفة ممن ينتحل هذا الفن وأنكر عليهم وهددهم . [260]  .  ومع ذلك فالثقة فيهم كانت القاعدة ، حتى ان بعضهم اشتهر بالتكسب بالتنجيم ، كابن الفألاتي الفقيه واخوته (والفألاتي هو الذي يقرأ الفأل والطالع ) [261]...

3 ــ ومظاهر الثقة في المنجمين كثيرة ، حتى أن المقريزي مع ثقافته عقد في الخطط فصلا كاملا لذكر ما قيل في مدة بقاء القاهرة ووقت خرابها. [262] .. ومن الطريف أنه بلغ من اعتقاد السلطان الغوري في صدق  المنجمين أنه صدقهم حين قالوا له أن من سيلى السلطنة بعده يبدأ إسمه بحرف (س )، فاعتقد الغورى أنه الأمير ( سيباى ) نائبه على الشام ، وشكّ فيه ، وحتى يأمن شره أرغمه على أن يصهر اليه .  [263]  . وقد تنبأ بعض المنجمين بهزيمة الغوري فقال ابن طولون معقبا (.... فالله يحسن العاقبة ) [264] أي انه كان يعتقد في التنجيم .

4 ـ وبسبب هذه الثقة كان المنجمون يدلون بآرائهم في الحوادث السياسية والطبيعية ويربطون بينها معتمدين على فهم الإطار العام للسياسة المملوكية القائم على الفتن خصوصا في بداية تولى السلطان للأمر وإشرافه على الموت . ومن ذلك ان الشمس كسفت في بداية ولاية جقمق فزعموا أن ذلك يدل على ( خروج الشام والصعيد عن طاعة السلطان ...) [265]..

كذب المنجمون ولو صدقوا

1ــ وفطن البعض إلى حيل المنجمين وخطئهم [266] ، وعاصر المؤرخون تنبؤات فاشلة للمنجمين ، وعلقوا عليها، كل منهم حسب عقليته ، يقول الفقيه المؤرخ برهان الدين البقاعي عن حادثة من هذا النوع: ( .. فكان ذلك منه تكذيبا لأهل النجوم فلعنة على من يصدقهم )[267] ... أما ابن اياس الذى كان يعكس عقلية المجتمع المصرى فى أواخر العصر المملوكى فيقول : ( أخبر المنجمون بوقوع كسوف الشمس فلم يقع ...فتعجب الناس من ذلك )( تاريخ ابن اياس 2 / 138 ) حوادث عام 834 ).

2 ـ  وقد كان أبو المحاسن شديدا على كذبة المنجمين إلى درجة السباب حين يعلق على نبؤة لم تتحقق ؛ فقد كان ابن زقاعة الصوفي المنجم مستشارا للناصر فرج في حربه الأخيرة، فتسبب هلاكه . يقول فيه أبو المحاسن : (.. فلعمري هل رجع الشيخ برهان الدين بن زقاعة المذكور بعد ذلك عن معرفة هذا العلم أم استمر على دعواه .؟ وأنا اتعجب من وقاحة أرباب هذا الشأن حيث يقع لهم مثل هذا الغلط الفاحش وأمثاله، ثم يعودون للكلام فيه والعمل به )[268] ، وتكرر مثل ذلك من أبي المحاسن في مواضع أخرى من كتبه  [269].. إلا انه ابن مخلص لعصره، ففي انكاره على المنجمين ينكر عليهم ان يتساووا بالأولياء في معرفة الغيب...[270]..

صدق المنجمون ولو كذبوا .!!!

وسبق قول ابن أياس عن خطأ ظاهر للمنجمين (أخبر المنجمون بوقوع كسوف الشمس فلم يقع) ... فتعحب الناس من ذلك )[271].. كما لو كان غريبا أن يخطيء منجم ...  

هذا .... وتردد في كتابات المؤرخين في وصفهم للسلاطين والأمراء أن طوالعه سعيدة أو ان هذا من جملة سعده .... الخ )[272] وقد قرروا مثلا بالنسبة للسلطان برسباي أن (سعده لا يحصل إلا وهو بقلعة الجبل ، وحيثما تحرك بنفسه بطل سعده ..)[273] يعنون بذلك نجاحه ... والمهم أن رؤيتهم السياسية للأحداث تلونت بهذا اللون...

والسعد أو الحظ أو البخت له اعتبار ـ وأى  اعتبار.!! ــ  في التفكير المصري ..عكسته الأمثال الشعبية[274]. بما يخرج عن موضوعنا .

 

 

خامسا :

 أثر التصوف في العادات الاجتماعية فى مصر المملوكية  

 مدخل :ــ

1 ـ لكل شعب عاداته الاجتماعية الخاصة به . وتشترك الشعوب في عادات إنسانية اجتماعية تصدر إما عن نوازع دينية كإحياء الذكرى لمعان دينية او أشخاص دينيين أو عن نواح إنسانية عامة، ولكن يلحقها التخصيص وإضفاء الطابع القوي او المحلي ، كما في العادات السائدة في كل مجتمع التى تظهر فى الزى ، وتصاحب المأكل والموت والولادة .

2 ـ والشعب المصري في العصر المملوكي كانت له عاداته الاجتماعية المتعددة أبرزها ما نبحثه في هذا الفصل. ويلاحظ انه يمكن تقسيمها إلى عادات دينية اكتسبت الطابع الاجتماعي تأثرا مباشرا بالتصوف كما في عادات الموالد وزيارة القبور ، أوالتأثر غير المباشر  كما في الزي والألقاب والولائم ، وما استحدثه الصوفية وغيره كعادة شرب القهوة وغيرها .

3 ــ ومن الناحية الاجتماعية ـ وليس الدينية ـ فلم تخل بعض تلك العادات من فائدة ، ففى ( الموالد) فرقت الصدقات ومدت الموائد والولائم ، فأكل منها بعض المحرومين ( بالإضافة للمتخمين الصوفية ) ، وفي (موالد الأولياء) نشطت التجارة ونفقت السلع وحدث التعارف وربما المصاهرات ، ورُزق (المداحون )(بالنقوط) ، وتمتع الصوفية من الفقراء بعادة ( الولائم ) التي أقامها السلاطين ، واتخذ بعض أبناء السبيل من المؤسسات الدينية الصوفية مأوى ، وانتشرت عادة (النوم في الجوامع) التي لا تزال حية بيننا ، وعرف المصريون والمسلمون ثم العالم ــ القهوة وهي اكتشاف صوفي لا بأس به بالغ البعض في (اعتيادها) حتى بلغ درجة (الإدمان)...ونبدأ بالموالد التى صيرها التصوف عادة إجتماعية .

الموالد

مولد النبي عليه السلام

 1ــ كان الاحتفال بمولد النبي ظاهرة اجتماعية دينية سجلتها الحوليات المملوكية في تاريخها لشهر ربيع الأول ، وتابعتها المؤلفات التي كتبت  في سلطان معين. [275].. على أن ذلك الاهتمام بالمولد النبوي الرسمى الذي يقيمه السلطان في القلعة ليس معناه أن الناس اهملوا الاحتفال بالمولد النبوى ،  بل كانوا (يعملونه ) (بالمغاني للفرح والسرور)[276] ، ويقول السخاوى المؤرخ : ( ولا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده صلى الله عليه وسلم ، ويعملون الولائم لذلك ،  ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرور، ويزيدون  في المبرات ، ويعنون بقراءة مولده الكريم) [277] . وكان الشيخ نجم الدين بن عبود (يعمل كل سنة مولد النبي وينفق فيه أموالا عظيمة في الأطعمة، وتهاديه في ذلك جميع الأكابر ويحضروا عنده ...)[279].. وكان الأمراء والمماليك يقيمون حفلات خاصة بهذه المناسبة يدعون إليها مشاهير الأولياء [280]  فيه ...

وقد نتج عن اهتمام الأولياء الصوفية بإقامة الموالد النبوية أن نسبت إليهم ، فالشيخ الصوفى يعمل مولد النبى ، ويعتاد على ذلك ، فينسب اليه هذا المولد فيقال ( مولد الشيخ فلان ).   وبالتدريج اكتسبت موالدهم صفة الاستقلال عن المولد النبوي، وان تزاحموا على عقدها في شهر ربيع الأول . ثم لقد كان للصوفية أسبابهم القوية لعقد موالد خاصة بأوليائهم على نسق الموالد النبوية.

موالد الأولياء ...

ــ كان من الطبيعي أن يصحب الانتشار الصوفي والاعتقاد في الأولياء احياء الموالد في مكان قبر الولي وإحياء ذكراه ، بصرف النظر عن رعاية اليوم الذي ولد فيه صاحب المولد بالضبط ، لأن غالبية الأولياء لم يعرف تاريخ ميلادهم بالدقة ، هذا إلى أنه كان لبعض أولئك الأولياء أكثر من مولد في السنة كالبدوي الذي كانت له ثلاثة موالد [281] لجلب أكبر قدر من الروّاد والنذور.

مولد البدوي :ـــ

1 ــ ابتدأ حين انحدر المصريون إلى طنطا للتعزية في وفاة البدوي ، واتخذ خليفته عبدالعال من حضورهم شاهدا على مكانة شيخه من نفوسهم ، فجعل ذلك الموعد مجمعا لهم في كل عام ، وانقلب ( مولد البدوي)  ليكون ميدانا يتبارى فيه شيوخ المتصوفة بوفرة اتباعهم وهداياهم . واتخذ الفلاح المصري وقتها من المولد مناسبة للترويح [282] . وعرف ذلك بالمولد الكبير . واما المولد الصغير فيرجع نشأته إلى قدوم الشيخ الشرنبلابي للزيارة مع أتباعه في غير وقت المولد وأقام في طنطا عدة ليال فاتخذت عادة سنوية ، وأما المولد الرجبى نسبه إلى الشيخ الرجبى أحد المشايخ الأحمدية ، وكان قد خطر له أن يجدد عمامة مقام البدوي فاستحضرها في جمع هائل على طنطا فصار ذلك عادة... )[283] ، وهكذا صار للبدوي ثلاثة موالد شهيرة لا تفوقها شهرة غير موسم الحج للبيت الحرام .

2 ــ وأحاطت الأساطير بمولد البدوي داعية الناس للقدوم ومهددة المنكرين على المولد ، حتى أصبح مولد البدوي من اهم المناسبات في العصر المملوكي، يقول عنه الشعرانى معبرا عن إعتقاد عصره :  ( يحضره الرسول عليه السلام وجموع الأولياء ، المتوفين والأحياء . وقد كان الشيخ محمد السروى يحضره سنويا ،فمرض في سنة ولم يستطع الحضور، فقال لخادمه : احملني وضعني على طريق الناس الذين حضروا المولد . ففعل الخادم ذلك ، فصار يمسح وجهه بثيابهم ويتبرك بذلك )[284]..

موالد أخرى :

1 ــ كان مولد الدسوقي يتبع المولد الأحمدي وهو أقل منه ..[285] ويذكر حسن شمة مولدين للدسوقي . ويذكر على مبارك موالد في الشهور القبلية (برمودة وطوبة ومسرى) على التعاقب يستمر آخرها ثمانية أيام  [286] .

2 ــ وأقيمت موالد لأولياء أخرين : فكان للشيخ مدين الأشموني مولد كبير يعمل له كل سنة)[287]  . وكان الشيخ على المليجي معاصرا للبدوي ومولده يعمل كل سنة قبل مولد البدوي بجمعة [288]  . أما عمر الشناوي الأشعث من أصحاب البدوي ، ( فيعمل له مولد عظيم كل سنة قبل مولد البدوي بيومين فقط  [289]  .

3 ــ ويقول الشعراني : (أخذ علينا العهود ألا نفتح على أنفسنا باب المشي إلى الولائم والموالد إلا ان تكون عملت على اسم احد من الاولياء المكملين. ومن الأولياء المكملين الشافعي والليث وذو النون المصري والبدوي والدسوقي ونحوهم . فان هؤلاء بركة من هذا الوجود ) [290].. أي أن الموالد عقدت لشخصيات توفيت قبل العصر المملوكي كالشافعي والليث (ولم يكونوا صوفية) وذى النون المصري، وهو من رواد التصوف فى القرن الثالث. ....

4 ــ بل ان قايتباي رسم بعمل مولد للسيدة نفيسة ، وحضره الخليفة العباسى والقضاة الأربعة وأعيان الناس وأمراء البلد قاطبة ،ومدّ هناك اسمطة حافلة ، وهو اول من أحدث هذا المولد بالمشهد الشريف . وذكر ابن اياس إنعقاده في السنة التالية . [291]  .

5 ــ ولقد شارك المماليك في موالد الأولياء ، فأراد السلطان الشاب محمد بن قايتباي ــ وكان مشهورا بالخفة والطيش ــ حضور مولد البدوي فلم يمكنه الأمراء من ذلك . [292] ..

وقد حضر هذا السلطان مولد إسماعيل الأنبابي وشق البحر في مركب ومعه جماعة من العوام يغنون وكانت من الليالي المشهورة [293]  . وفي سنة 866 خرجت الأميرة خوند شكرباي الأحمدية لزيارة البدوي فى مولده ، وكانت زوجة السلطان خشقدم ، وكانت تعتقد فى السيد البدوى وتؤمن به ، ولهذا نُسبت اليه: ( شكرباى الأحمدية ) .  فخرجت في (محفّة زركش ، وحولها الطواشية وأعيان الناس، فزارت ورجعت ، ولم يقع هذا لأحد من الخوندات قبلها ).. وبعد وفاتها عمل السلطان خشقدم  لها مولدا ، بعد عمل المولد النبوى ، وكرر ذلك في السنة التالية [294] ..

6 ــ وكان من مظاهر اعتقاد المماليك في ولي ما أن يقيموا له مولدا . وافتخر الشعراني بشيخه الخواص الذي رفض أن يعمل له احد من الأمراء مولدا  [295] .. ذلك أن نهاية العصر المملوكي حفلت بكثرة من الأولياء تكالبوا فيها بينهم على أموال الأمراء بحجة عمل الموالد حتى يسافر أحدهم (البلاد فيجمع الآت طعام المولد من أموال الولاة والظلمة ثم يدعو الناس إليه )[296] .. ويدعو الأمراء إلى مولده افتخارا وبهاء )[297]..

7 ــ ولقد ارتبطت بالموالد عادات اجتماعية مثل النقوط ، أى الهدايا المالية والعينية ،  فأحدهم يقيم مولدا لأن ( له فضة عند الناس متفرقة كان قد أعطاها في بعض الأفراح والمواسم ، ويريد أن يستردها فيعمل المولد حتى يكون ذلك سببا ).. ولا يزال هذا ساريا فى حفلات الزفاف .  وقد كان النقوط واجبا مرعيا في الموالد ، حتى أن بعض أصحاب الشعراني كانوا يتهربون منه إذا سمعوا بعزمه على عمل مولد ، وقد فضلهم الشعراني على (من يحضر ويصير بنقوط المداحين بالفشافش والفلوس رياءا له)..( الفشافش والفلوس ) هى العملات النحاسية الزهيدة ، والتى هى لا شىء بالمقارنة بالعملات الفضية ( الدراهم ) والذهبية ( الدينار ) . والشعرانى كان يتضايق من أولئك الذين يعطون النقود بالملاليم للمنشدين ، ويلفتون لهم الأنظار .  وكانت النقطة تقدم (لمداحي الصوفية أو المغاني بالرقص والسرور بالطار المصرصر والشبابة وغير ذلك )[298] ...

8 ــ وقد يتورع أحدهم فيقيم المولد بالقراء والفقراء والذاكرين او بقراءة البخاري تدينا ، مما يضجر السامعين ومحبي اللهو (فيتقلقون منه لكونه طوّل عليهم ولا يسكت ، حتى يشتغلوا بما يحبونه من اللهو ).

9 ـت ويقول ابن الحاج مستنكرا موالد الشيخات ، فقد كانت النساء الشيخات يعقدن موالد خاصة بهن ــ وأن كان الرجال يطلعون عليهن من الطاقات ، وتذهب النساء (متزينات للشيخة التي تدخل نفسها في تفسير القرآن وتحكي لهن قصص الأنبياء ، وتزيد وتنقص ، وليس ثمة من يردها أو يرشدها )[299] ..

10 ــ وعقدت الموالد عادة إلى جانب المؤسسات الصوفية . وقد حذر الخواص من عمل الموالد في المساجد لكثرة تقذيرها من ذلك )[300]   وقد يقام المولد في المقابر فيقع الضرر على الحاضرين الأحياء (ولمن فيه من الأموات )[301] ..

ولقد كانت الموالد فرصة لعقد القرآن والزواج حيث اختلط مفهوم المولد بوليمة العرس في حديث الشعراني  )[302] .. هذا إلى جانب أنه في الموالد العامة خاصة ــ كان يتم التعارف بين العائلات والأفراد فأدى ذلك للمصاهرات والا انطبق عليهم ذلك المثل الشعبي المشهور (طلع من المولد بلا حمص ) [303]..

   الـــولائــــم

 الولائم للشيوخ الصوفية

1ــ عن إشتهار الصوفية بالأكل منذ القرن السادس يقول ابن الجوزي (بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية فأمرهم بتقليل المطعم وخشونته ومنعهم شرب الماء البارد ، فلما بلغ المتأخرين استراح من التعب ، واشتغل بالتعجب من كثرة اكلهم ورفاهة عشيهم )[304]......

2ـ ويقول الشاذلي لأصحابه (كلوا من أطيب الطعام واشربوا من ألذ الشراب وناموا على أوطأ الفراش وألبسوا أحسن الثياب )[305] .. ويقول الخواص( الميل إلى مافي المال لا في المال نفسه )[306] .. وفي الحياة العملية عاش الولي المعتقد أبوعبد الله الكركي (وقد قارب المائة وهو متمتع حتى بالنساء )[307] . تلك مقدمة سريعة تظهر الفروق بين الزهد وبين التصوف  في العصر المملوكي ، ندخل بهل على الولائم في العصر كعادة اجتماعية نشرها المتصوفة وأضفى حضورهم عليها ــ كأساتذة العصر ــ مظهرا دينيا ...

3ــ ولأنهم (عارفون) في الولائم وأصولها فقد وضعوا لها الآداب، فيقول الشاذلي (إذا اكلتم الطعام عند إنسان فاشربوا عنده حتى ينال الأجر العظيم )[308] .. وكان محمد بن عنان  وعلى المرصفي والسروي إذا ذهبوا للطعام عند أحد يذهبون بجماعة قليلة، بشرط اعلام صاحب الطعام قبل الذهاب وانشراح خاطره. ( ولم يطبق الآخرون ذلك ) [309] .

4 ــ وواضح انهم يحثون الناس على دعوتهم للولائم بالتلويح لهم بالمقابل وهو البركة . وهذا التلويح بالبركة قد لا يأتي مباشرة للناس وإنما في معرض وصايا الصوفية لأنفسهم حتى يكون وقعه مؤثرا. يقول المتبولي : ( كل فقير لا يقدره الله على أن يمد صاحب الطعام بالبركة الخفية طول عامه فليس له أن يمد يده الى طعامه ). ويقول الخواص:( لا ينبغي  لفقير أن يمد يده لطعام إنسان إلا إن كان يشاركه في بلاء تلك السنة كلها ، او يحمله عنه كله) [310] . ويكمل الشعراني طقوس الوليمة فيجعل من آدابها إعطاء الخبز حقه من الإكرام والتعظيم ، وإذا فرغوا من الأكل  يقرءون سورة قريش وسورة الإخلاص. ويذكر بعض العبارات التي تقال عند الفراغ من الأكل.)[311]..

5ــ ولم يرحم الأشياخ مريديهم فكان الشيخ ــ على حد قول الشعراني ( يندلق على طعام المريد) . وعدّ الشعرانى من المنن تعففه من المبادرة إلى إجابة من دعاه[312]  ، أي أنه يجيب  ولكن بعد تمنع . ومعنى أنه يفخر بذلك دليل على ما وصل إليه حال معاصريه من الأشياخ ممن عدوا شراهتهم كرامة . يقول الدريني ( أما ما اتفق لبعض الأولياء من انه كان يأكل الطعام الكثير الذي يكفي الجماعة الكثيرة فإنما هو من باب التصريف وإظهار الكرامة )[313] .. أي أظهر شراهته في صورة كرامة . بل استأثر بعضهم بالولائم لنفسه دون المريدين فذكر الشعراني ان الشيخ دمرداش كان يأكل وحده أمام المريدين في الولائم ويمنعهم من الحضور )[314] . وكان المتبولي لا يصطحب معه أحدا منهم إذا دعي إلى وليمة عند احد الولاة.)[315]..

6 ــ وآتت الولائم ثمارها، فوصف بعض الأولياء السمنة ، حتى أن المرسي يقول (إياكم والاعتراض على من رايته سمينا ، فإن الحب إذا تمكن من العبد سمن )[316] . وشهرة بعض الصوفية بالسمنة جعلت أبا المواهب الشاذلي يصحح المفهوم الصوفي التقليدي للولي في عصره فيقول : ( قد غلط أكثر الناس في وصف اهل الصلاح بالنحول والتقشف فقط ، وليس الأمر كما ظنوا ، بل فيهم السمين والهزيل والمترفه) . وقد وصف البدوي بأنه ( كان غليظ الساقين عظيم البطن .)[317]..

أنواع أخرى من الولائم :

  كان الصوفية نجوم العصر ، وإزدهرت بحضورهم الولائم الاجتماعية ، واهمها:

 ولائم العرس

1 ـ وحضورهم فيها كان يعنى أن يتكلف صاحب العرس أو الختان فوق طاقته ، كما يقول الشعرانى ( فيطبخ ما ليس بقدرته أن يطبخه مما هو فوق طاقته ، فترى أبا العرس أو أم العروس يبيع احدهم ثيابه في عمل الطعام أو يقترض غير ذلك ولو بالربا.). [318]، . ويقول الشعراني ( دخل كثير من إخواننا الحبوس بسبب التزويج وعمل العرس والعزومات وهم عليهم دين )[319] . والداعي لذلك هو حضور الأولياء وأتباعهم لهذه المناسبة ، وتبرك الناس  بهم وافتخارا بعدد الحاضرين : ( حتى صار الناس يتخاصمون في أن زفة فلان أكبر من زفة فلان ) . ولم يتحرج الأولياء الصوفية من حضور تلك الولائم حتى لو حضرها العوام والماجنون والعابثون . ويقول الشعرانى مستنكرا : ( ويقبح على من شابت لحيته من العلماء والصالحين وصار قدوة للناس أن يحضر مع الأطفال والفساق في مواضع لهوهم) [320] .. وامتد الحال إلى ..

طعام العزاء والجمع :

1 ــ (أي الخميس للمتوفي) و ( تمام الشهر ) (الأربعين) فيتكلف الناس فى إعداد تلك الولائم من تركة المتوفى ، وقد يكون له ورثة أيتام ، ولكن يتكلفون ما لا يطيقون ، يقول الشعرانى : (خوفا من عتب الناس الذين يعزون ويطلعون له التربة . وربما كان ذلك من مال الأيتام أو بعضهم ... وقد يحدث خناق بين المقرئين على الفلوس وانتهاب بعض الطعام ، وأهل الميت يسمعون ذلك) [321].. والظاهر ان ذلك دفعهم إلى اختراع المثل الظريف (موت وخراب ديار )

2 ـ  وحضور الصوفية هذه المناسبات بالذات وضع وظيفي ، فهم ( أهل البركة ) و( اهل الشفاعة ) ومنهم المقرئون والوعاظ والمنشدون . وهنا لا فرق بين جنازة مملوكية أو جنازة شعبية . ويذكر المقريزى وابن الفرات أنه قد ( عُمل عزاء الملك الظاهر بيبرس عند تمام سنة من وفاته بالقرافة، ومدت الأسمطة للقراء والفقهاء ، وفرقت الأطعمة على أهل الزوايا ... وعُمل مجمع أخر بجامع ابن طولون والجامع الظاهري والمدرسة الصالحية ودار الحديث الكاملية والخانقاه الصلاحية والجامع الحاكمي وعمل للتكاررة والفقراء خوان ( مائدة كبيرة ) حضره كثير من أهل الخير )[322] . وكانت الولائم العادية تمتد ثلاث ليالي يجتمع فيها الناس على الطعام )[323]  ( والغالب ان تقام في القرافتين .)[324]

3 ـ هذا ، ويحدث ان تقام الأسمطة بمناسبة الشفاء، يقول المقريزى عن مناسبة شفاء الأمير يلبغا اليحياوى فى عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون  : (فعُمل سماط  لعافية الامير يلبغا اليحياوى ، فيه من الأطعمة والأشربة ما يجل وصفه ، واستدعى السلطان الناصر لحضوره جميع صوفية الخوانق والزوايا ) [325]...

 ولائم النفاس والختان وغير ذلك :

1 ــ عندما ولد الشيخ المعتقد أبو الفتح السكندري (810 ــ 906) صنع والده وليمة بعد تمام أربعين يوما من ولادته ودعا جماعة من الأولياء الصالحين )[326] ..

2 ــ وكانت النساء يحضرن هذه الحفلات وولائمها فتتحول الى مناسبات للرقص واللهو ، وقد وصف الفقيه ابن الحاج ما يقع بهذه الولائم من رقص ولهو وطعام مدة سبعة أيام ، يقول : ( فكل من جاءت تهنى جددن لها اللهو واللعب والرقص والاستهتار ، حتى صار الأمر بينهم كأنه شعيرة من شعاير الدين) [327]  وذلك لأنه مرتبط بالتصوف ،

3 ــ والأولياء الصوفية كانوا الأئمة فى ولائم النفاس والختان ، يقول ابن الحاج : ( وبعض من ينتسب للخرقة ( أى الطريقة الصوفية )  أو المشيخة يفعلون ذلك في بيوتهم ، ويستحسنونه ممن يفعله، بل يجمعون الناس عليه ، ويدعونهم إليه، ويذمون من  يفعل ذلك ولا يدعوهم إليه) [328] .

4 ــ ويقول أيضا : (وليس ما يتعاطون من هذه الأشياء خاصا ما بأمر النفاس ، بل هو عندهم عام في كل امر حدث به سرور ، حتى في الحاج اذا قدم ، فعلوا مثلما تقدم ذكره )

5 ــ وشأن ما سبقها من ولائم فقد كانت هذه الحفلات والولائم مرهقة ماليا بسبب حضور ( الأكابر)  لها ،. فاضطر بعضهم الى الامتناع عن عمل وليمة كختم لولده ، مع ان أصحابه واخواته يطلبونه بالختم ، وذلك يحتاج لنفقة كثيرة )[329] . وعدّ الشعراني من المنن انه لا يدعو أحدا من أكابر العلماء والأولياء في زفة ختان ، إعظاما لهم ، ويقول إنه شعر بالخجل الشديد من رؤيته أحدهم يمشي في الزفة )[330] ــ

6 ــ وعلاوة على الغناء واللهو كان البعض يعتمد على القراء المؤذنين والفقراء الذاكرين والمداحين...)[331] فى هذه الحفلات .

النقوط

وكالموالد إرتبطت الولائم بالنقوط ( أو الهدايا المالية والعينية ) ، فكانوا يتبادلون النقوط فى مناسبات العرس والختان والشفاء من المرض وغير ذلك . والشعراني يفخر بأنه يترفق بأصحابه فلا يعلمهم بما يريد ان يصنعه من وليمة عرس ونحوها خشية ان يكلفهم النقوط ، ويقول إن هذا  خلق غريب في عصره،  لأن بعض الفقراء قد يغضب على كل من لم يساعده في وليمته [332] .. ويفخر الشعراني أيضا بأنه يعطي النقوط لمن رزق بمولود على يد عياله سواء كان عليه دين النقوط أم لا،  ولا يشح على عياله بفلوس النقوط (لأن كله سلف ودين )[333].....

فى الريف

1 ــ وامتدت الولائم للصوفية إلى الأرياف ،وعرف الفلاح المصرى فى الريف بكثرة الكرم وقرى الضيوف، ويقول الشعرانى أنه  ( ربما عجنت المرأة وخبزت وطحنت في اليوم مرتين) . وإعتاد الصوفية القيام بحملات ( سلمية ) تغزو القرى طلبا للولائم ، ويقول الشعرانى أن  مشايخ القاهرة كانوا يذهبون للريف بأتباعهم دون إعلام صاحب البيت ، بل ربما يكون الأخير مستندا إلى شيخ صوفي آخر غير الشيخ الذى جاء لزيارته فيقع الفلاح فى مشكلة : ( فيصير في غلبة بين مراعاة خاطر شيخه وبين القيام بواجب وحق الشيخ الآخر )[334] ..   ..

2 ـ وتعكس الامثلة الشعبية فى العصر المملوكي رائحة الطعام فى الولائم ، فتقول : (كل من دعوته بأكلك كلما نظرك جاع) )[335] .. وبعد العصر قيل : ( غدوة في الصعيد ماهياش بعيد) (العيش من العيش والدناوة ليش ) [336]..

هذا ..والعادة أن الناس هى التى تُطعم الأولياء المقدسين وتنفق عليهم ، والله جل وعلا وحده هو الولى الذى يُطعم ولا يطعم : (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (14) الانعام ). وكل الطعام المقدم للاولياء إعتقادا فيهم وتبركا بهم يحرم أكله لأنه مما أُهلّ لغير الله به ، وخصوصا إذا كان هذا الطعام من حيوان تم تقديمه نذرا وقربانا لقبر مقدس ، أو ضريح ، أو نُصُب ، يقول جل وعلا : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ  ) (3)  المائدة )

  

زيارة القبور كعادة اجتماعية..

مدخل

1 ـ زيارة القبور العادية عادة إنسانية إجتماعية ، وفيها يدعو الزائر الله جل وعلا ان يرحم المدفون . يختلف الأمر عن زيارة الفرد لقبر مقدس ، هنا تكون الزيارة ( حجا دينيا ) بهدف التوسل وطلب المدد ودفع الضرر ، أى ما ينبغى أن يطلبه الفرد من الله جل وعلا وحده يطلبه من القبر المقدس وصاحبه الذى تحول الى تراب لا يختلف عن التراب الذى يسير عليه هذا المأفون الساعى الى القبر يستمد منه البركة والعون.

2 ــ وحين سيطر التصوف على العصر المملوكى أصبحت زيارة القبور المقدسة عادة إجتماعية ، وليس مجرد شعيرة دينية ، ولأنها أصبحت عادة إجتماعية ولأن القرافة ( موضع القبور فى القاهرة ) وغيرها أصبحت تضم القبور المقدسة بالاضافة الى القبور العادية ،فقد أصبحت زيارة القرافة وقبورها المقدسة والعادية عادة إجتماعية فى مصر المملوكية . ومن الطبيعى أن تنشأ عن ذلك تجارة ، لها دعاية رائجة يروجها المنتفعون ، وبسبب الشهرة الدعائية فقد أصبحت معالم القرافة معالم سياحية حتى للوافدين والرحالة . ونعطى بعض التفصيلات :

الدعاية لزيارة القبور المقدسة

1 ــ سبك المنتفعون من زيارة المقابر أكاذيب يزعمون فيها أن صاحب القبر يدعو الناس لزيارة قبره ، وتأتى هذه الدعوة عن طريق المنامات ، فأولاد الصيرفي وجهوا دعوة لابن الجباس لزيارة قبورهم  )[337]  . وفى منام آخر يزعم أن صاحب القبر وجه عتابا لشخص من الأكابر يقول له فيه : ( يا شيخ على .. تدخل قبر صاحب الحفار ولا تزورنا ؟ ! . سوف تعلم غدا يوم القيامة من المقدم فينا ) [338]..اى هى المنافسة بين سدنة وخدم القبور فى استجلاب الزبائن طمعا في النذور .

2 ــ بل يصل التخطيط مقدما للإرتزاق عند إحتضار أحدهم ، فيقال إنه قال عند الموت : ( رحم الله مسلما زار قبري وحفرتي ) أى هنا تخطيط مقدم لعمل مشروع ( بيزينيس ) لقبر صاحبنا ، وهو لم يمت بعدُ. ونجح هذا التخطيط بدليل أن الذى ذكر الخبر السابق هو المؤرخ أبو المحاسن ، أى إنه صدق الرواية وابتلعها وذكرها ضمن الأحداث التاريخية .  [339] .

3 ـ ومن فنون الدعاية لهذه التجارة أن يكون أشياخ الصوفية هم الأئمة والقدوة فى زيارة القبور ، وتحديد الزيارة فى يوم الجمعة ، وصار هذا عادة اسبوعية سجلها السيوطى فى نهاية العصر المملوكى ضمن رسالته فى ( عمل اليوم والليلة ) ، وأن يقول الزائر : (  السلام عليكم دار قوم مؤمنين ) [340] ، ولذا فقد كان الصوفي اذا اعتزل العالم لا يتردد إلا لصلاة الجمعة وزيارة القرافة .[341] .   يعنى إن يعتزل العالم كله ولكن لا يعتزل زيارة القبور ولا يعتزل صلاة الجمعة ، فجعلهما ( زيارة القرافة وصلاة الجمعة ) متساويين . ووصف المؤرخ ابن حجر العسقلانى بعضهم بكثرة زيارة قبور الصالحين بالقرافة  . [342] .  

4 ـ ومن الدعاية أيضا تبشير الزائرين للمقابر بالجنة  ، حتى لقد إشتهر بعضهم بلقب  (مبشر الزوار بالجنة)  كابن عنان [343] ، وثابت الطيان [344]  أو ( واعظ المقبرة) [345] الذي وصف به أخرون . ، ولم يتحرج الصوفية من صناعة أحاديث تدعو لزيارة القبور كما يذكر المؤرخ الصوفى النويرى ، فى كتابه ( الالمام )[346]  أو تتحدث عن حياتهم وتصرفاتهم داخل المقبرة كما يفترى السيوطى، فى رسالته ( بشرى الكئيب بلقاء الحبيب ) . [347]  ...

3ــ ولأنها تجارة فقد تخصص فيها منتفعون منهم سدنة وخدم القبور ، ومنهم ( مشايخ الزيارة ) وهم العارفون بطرق ومسالك القرافة ، واشهر القبور المقدسة ، وكرامات أصحابها العامة والتخصصية ، والقصص الرائجة عنهم . وأشهر مشايخ الزيارة ( السخاوى الصوفى ) صاحب كتاب ( تحفة الأحباب ) وابن الزيات صاحب كتاب ( الكواكب السيارة  فى ترتيب الزيارة ) .  

ترتيب الزيارة :

1 ـ وعدا ما شرحه ابن الزيات فى ترتيب الزيارة فى كتابه السابق فهناك ترتيبات اخرى لزيارة القرافة وضعها مشايخ الزيارة من الصوفية ؛ فالشيخ شهاب الدين الأدمي (   أول من سار بالزيارة بالنهار في يوم الأربعاء )[348] ، بالاضافة الى يوم الجمعة ، وهناك زيارة بالليل كان يقوم بها مشايخ اخرون [349]  ، وكان الشيخ عبد الله الجامى ( يجمع الزوار في ليالي الجمع )[350]  ، بمعنى استمرار الزيارة نهار  وليل الجمعة . هذا عن توقيتات الزيارة . أما عن مساراتها ، فالابتداء بزيارة المشهد النفسي ( ضريح السيدة نفيسة ) ( والزيارة النهائية ليوم الأربعاء المبارك )[351]  ، ولا نعرف لماذا جعلوه ( الأربعاء المبارك ) ربما بسبب كرامة قيلت فيه . ( وبعده تربة أحمد ابن طولون  )[352] ، أى تحول هذا الوالى الدموى الى قديس ، يُزار قبره . ويبدو أن جدول الزيارة كان أكثر تعقيدا مما نتصور ، أو يبدو أنه كانت فيه ( إجتهادات ) مختلفة ، وعدم (إجماع ) على جدول واحد ، لأنه يقال أنه ( في ليلة الجمع كان يُبتدأ بتربة العارف الصوفى عبد الله الأرزني ، ويختم بها تبركا بمن في التربة من الأولياء )[353] . وواضح أن هذه التربة كانت تحتوى على ( أولياء) موتى كثيرين ، كما يبدو أن لكل ( شيخ ) من مشايخ الزيارة ( طريقة ) على حد قول المثل الشعبى المصرى : ( كل شيخ وله طريقة) .

2 ــ ووضعوا شروطا للزيارة، بإعتبارها شعيرة دينية . فعلى الزائر للقبر ان يجعل القبر خلف ظهره ، وأن يستقبل جبل المقطم الذى يحوى بين جنباته رفات كثيرين من الأولياء ، ويسلّم عليهم ، وألا يدعو على من ظلمه.[354] . ولأنها عبادة جادّة فقد جعلوا الضحك مكروها بين المقابر ( فإنه من وضع الأشياء في غير محلها ) [355] . وكان الشيخ القضاعى  يحث على زيارة سبعة قبور لأفضليتها [356] . وهذا لا يعنى إهمال القبور الأخرى، بل تُزار ـ مع حُسن النية ـ لو كانت أضرحة مزورة أو مشكوكا في أسماء أصحابها. [357] ...

معالم القرافة :

1 ــ  اكسبت المنامات والدعاوى الصوفية بعض القبور شهرة معينة ، فأصبحت هناك معالم هامة يحرص الزائرون على مشاهدتها : ( فقبر صاحب الشمعة كانوا يرون على قبره شمعة  تضيء في الليالي المظلمة فاشتهر بهذا )[358] ، ومثله (قبر صاحب القنديل ) [359] . أما قبر أو ( مشهد النور) فقيل ان أكثر الناس بالجيزة كانوا يرون عليه عمود نور إلى السماء ) [360] وشهد ( نور)  آخر حذر صاحبه امرأة حائض وطأت قبره [361]  . وواضح هذا التنافس بين سدنة القبور على التسمية للقبور التى يرتزقون منها بموضوع ( النور ) . وإجتهد آخرون فى إطلاق ألقاب أخرى على القبور التابعة لهم ، فاشتهر قبر بأن صاحبه رؤى في منام فقال " فاز من اتقاه " فأطلق على القبر هذا اللقب( فاز من إتقاه  )[362]  . وقال آخر في المنام انه غُفر له ولكل من صافح عند قبره ، فكان الزوار يتصافحون عنده واشتهر القبر بهذا [363]  . وقيل عن قبر بأنه لعروس بكر ماتت خجلا ليلة الزفاف ، وأطلق على القبر ( قبر عروسة الصحراء ) وزعموا أن من يضع يده على قبرها يجدها تعرق في الشتاء ، كالعروسة صاحبة القبر )[364] . وبنفس الابداع فى الكذب اشتهر ( قبر سماسرة الخير ) بإطعام الجائع [365]  . وزار الرحالة المغربى ( العلوى ) القرافة كغيره من ( السائحين ) وفى كتابه عن رحلته لمصر ذكر من معالم القرافة : قبر الناطق عند لحده في قبره ، وقبر الصامت الذي لم يتكلم أربعين سنة ، وقبر صاحب الأبريق [366]....

 زيارة النساء للقرافة :

1 ــ شاركت النساء بكثافة في زيارة المقابر ، ليس فقط الزيارة بل بالمبيت فى القرافة مع الأولاد والبنات ، ويخرج معهم الباعة بأصناف الطعام ، وكان لذلك مواسم دينية معينة مما أثار اهتمام الرحالة ، يقول ابن بطوطة (يخرج الناس للمبيت في القرافة بأولادهم ونسائهم ، ويطوفون على المزارات الشهيرة ، ويخرجون أيضا للمبيت بها ليلة النصف من شعبان ويخرج أهل الأسواق بصنوف المآكل) [367] ...

2 ــ وصور ابن الحاج مواعيد زيارتهن اليومية والسنوية فقال إنهنّ : (  يخرجن في الغالب في الأيام والليالي الشريفة كليالي الجمع ، سيما المقمرة منها . ويقمن فيها ( فى القرافة ) يوم الجمعة ، ويرجعن يوم السبت . هذا بالإضافة على يوم عاشوراء والعيدين وليلة النصف من شعبان. ثم أضفن يوم الاثنين لزيارة الحسين ، ويوم الأربعاء لزيارة الست نفيسة ، ويوم الأحد لحضور سوق مصر. فلم يتركن الإقامة ( فى البيت ) في الغالب إلا يوما واحدا وهو يوم الثلاثاء. ).!

3 ـ وعن مظاهر الزيارة النسائية يقول : ( وفي القرافة تختلط الرجال بالنساء في سماع الواعظ والواعظة في الغناء والسماع ، فإذا وصلن البلد تنقبن واستترن . وصار ذلك عادة تستتر المرأة في البلد ولا تستتر في القبور أو الطريق اليها )[368]  . كان النقاب هو (الحارس الأمين ) لهن فى الطريق الى القرافة ، فإذا وصلت القرافة خلعت النقاب ( وخلعت أشياء أخرى ، حيث إنتشر الانحلال الخلقى فى القرافة ، وأوضحنا ذلك فى كتاب أثر التصوف فى الانحلال الخلقى ) . وبسبب السُّمعة السيئة للقرافة فقد حرص المماليك على ترتيب خادم أمين ثقة لخدمة الحريم السلطاني عند زيارة الأضرحة والآثار الشريفة في ليل أو نهار. كما جاء فى بعض وثائق الوقف.  [369]

4 ـ وأشار المؤرخون : المقريزى وابن حجر وابو المحاسن والصيرفى الى ما كان يحدث    ( من مفاسد في المقابر حتى صارت جمعا للنسوان ومحلا للعب )[370] ، لذا كان يُنادي بمنع النساء من الذهاب الى التربة ، وتُهدّد المرأة بالتغريق ويُهدد المكاري ( الذى يحملها على الحمار ) بالشنق . ولم يجد ذلك فتيلا ...)[371]..أى بلا فائدة .

5 ــ وانتهز اللصوص الفرصة فكانوا يقطعون الطريق على رواد المقابر..

 المبالغة فى الحزن  

1 ــ ( الوجد ) من شعائر التصوف ، وبه يُطلق الصوفى لعواطفه العنان صخبا وصراخا وبكاء وفرحا ، (الوجد ) هو تطرف فى إعلان العواطف ، وايضا فى إعلان العقائد تحت مصطلح ( الشطح ). وفى كل الأحوال يجد الصوفى ( المتواجد ) من يعذره ، بل من يقدره وربما يقدسه . وعندما خيّم التصوف بظلاله على العصر المملوكى إنتقل ( الوجد ) الى الحياة العاطفية ، فارتفعت الأصوات بالصراخ فى حفلات السماع ، وامتدت الى مناسبات العزاء ، فأصبحت المبالغة فى إظهار الحزن شعيرة إجتماعية أو عادة إجتماعية ، ومن خلالها أطلق المصريون فى العصر المملوكى لعواطفهم العنان لدرجة أوجبت تدخل السلطة فأمر السلطان المؤيد شيخ بمنع النساء من النياحة على الأموات في الأسواق، وفقا لرواية المؤرخ ابن حجر [372]  ،أى إمتدت النياحة على الموتى من البيوت والمقابر  الى الأسواق  .  ويروى الصيرفى أنه توفى لامرأة ولد فألقت نفسها خلف ولده من اعلى الدار فماتت ..! [373] .

2 ــ وأصبحت المشاركة فى النياحات عادة اجتماعية ، فالجماهير تنوح بحرقة على موت المشاهير مهما كانت مساوئهم ، وعندما مات المنصور أبو بكر حفيد قلاوون كان البكاء والعويل بالقاهرة مع أنه كان متهما بمجامعة حريم أبيه )[374] . وأصبح الحزن على المتوفى يوصف بالوصف الصوفى ( وجد )، فقيل عن موت السعيد بركة ابن الظاهر بيبرس أنه ( وجد عليه الناس وجدا شديدا ، وخرجت الخوندات حاسرات ، ولم تزل امراته حزينة عليه حتى ماتت )[375] . ويروى ابو المحاسن أنه في مأتم خليل ابن الناصر فرج ( أمعنوا في الحزن وأفحشوا فيه للغاية ، بحيث ماتت امرأة من اللطم على وجهها وصدرها ، ومنع السلطان من النعي في شوارع القاهرة وخلف الجنازات )[376] ، وهذا الموت حزنا كان تعبيرا بلاغيا فأصبح بالتصوف واقعا حقيقيا.

3 ــ وبالاضافة الى ( حفلات العزاء ) كانت العواطف تنفجر لأتفه الأسباب ، حتى من العوام الذين لا ناقة لهم ولا جمل ، يروى المؤرخ ابن حجر أن العوام فرحت بعزل القاضى الهروي وتعيين البلقيني محله ، وحين خلع علي البلقينى بالقضاء ( قامت قيامة من الصياح والعياط والدعاء للسلطان ) [377]...حالات غريبة ، إستحقت أن يلتفت اليها المؤرخون بالتسجيل ، والعادة أن العوام لا يأبه بهم المؤرخون إلا فى الأحداث الاستثنائية . وهذه أحداث إستثنائية .

النوم في المساجد  ..

1 ـ وهي عادة لا تزال باقية حتى الآن من أثار التصوف في العصر المملوكي  الذى إستحدث عادة الاقامة فى المؤسسات الدينية، فمكتب السبيل ــ مثلا ــ موقوف لإقامة الأيتام به ومؤدبهم )[378] . وانتقل هذا من الخوانق والرباطات والزوايا والتُّرب الى المساجد والجوامع ،فأصبح عاديا إتخاذها  مكانا للراحة والمبيت  . ويقول المؤرخ السخاوى أن القناديل كانت لا تنطفىء في المساجد في شهر رمضان إلا قبيل طلوع الفجر ، مراعاة للنائمين ، حتى لا يستيقظ أحدهم فيظن أن الأكل والشرب حرم ، وليس كذلك )[379] ،

2 ــ وكانت الأضرحة استراحة للنائمين حتى لغير الصوفية ، فنهى الدشطوطي البكري الذي استخلفه على عمارة الجوامع من أن يدخل في المقام أحد من أبناء الدنيا (يقصد من غير المتصوفة ) وقال له : (واجعل جميع وظائفه وخبزه للفقراء) ، أى جميع الوظائف والمرتبات للصوفية فقط . وامتثل البكري ذلك فكان يتفقد كل من ينام عنده في المقام. [380] .

3 ــ واشتهر الجامع الأزهر بمبيت كثير من الناس فيه ، ما بين تاجر وفقيه وجندي وغيرهم ، منهم كان يقصد المبيت للبركة ، ومنهم من كان لا يجد مكانا يأويه ، وبعضهم (يستريح بالمبيت فيه خصوصا في زمن الصيف وأيام المواسم ، حيث يمتليء صحنه وأكثر رواقاته ) [381] .

4 ـ وفي أخر العصر مع تعاظم الانخراط فى التصوف على مستوى الشيوخ والمريدين ، تكاثر الوافدون للقاهرة من الريف ومن خارج مصر ، وإزدحمت المساجد بأولئك القادمين من كل فج عميق ، وازدادت عادة المبيت فى المساجد ، فيوصي المرصفي الشعراني بألا يسكن أحد في جامع أو زاوية لها وقف ومستحقون ) [382] ، ويجعل الشعراني من الآداب الواجب رعايتها عدم دخول المسجد بنية النوم والاستراحة [383] . ومع هذا استمر المجىء والمبيت فى المساجد والاقامة فيها ، وعندما قدم البلتاجي من بلده إلى مصر نام في بعض المساجد )[384]

5 ـ وفي الأمثال الشعبية (على قلبها الطالون )، قالها  الفقراء المغاربة الوافدون في سفينة الى مصر ، وظنوا انها ستحملهم مباشرة إلى جامع أحمد بن طولون ، حيث سمعوا بكثرة المبيت فيه [385] ، وصارت مثلا .  وظلت عادة مصرية حتى الآن ، ومن الأمثال الحديثة (اللى مالوش بيت الجامع بيته )[386]... 

 في التسميات والألقاب :ــ

1ــ كلمة سيد اطلقت على مشايخ الصوفية وكانت التسمية بسيدي مفضلة في الحديث عن الأولياء[387]. وهذا كثيرا ما يرد في كتب المناقب وكتابات الشعراني بالذات .

2 ــ وقد لقب المماليك أحيانا بلقب الصوفي مثل الأمير جان بك الصوفي وازدمر الصوفي ويشبك الصوفي وحاجب الحجاب سودون صوفي والأمير بيرم الصوفى  [388] .

3 ــ وأثر التصوف يظهر في تسميات وألقاب أخرى ، فسمى الشيخ سليمان المعتقد بالقرافي لأنه يمشي في القرافة  [389] وأصبح لقبا شائعا ، فهناك أبو الفتح القرافي [390] ، والشيخ محمد بن حسين القرافي خادم جامع الأولياء بالقرافة  [391] والشيخ القرافي صاحب كتاب المفارقات في الفقه الشافعي [392] والقاضي شمس الدين القرافي [393]...

3ــ وهناك ألقاب أخرى مثل الشيخ شمس الدين الحرفي  [394] ، نسبة إلى علم الحرف الصوفي ومحمد السميساطي نسبة للخانقاه السيمساطية  [395] ، والشيخ السرياقوسي [396] نسبة لخانقاه سرياقوس ، وسمى عبد النبي [397]  تأثرا بعقيدة المحمدية الصوفية ، ولقب بعضهم بقطب الدين [398] من القطب الصوفى . وهناك القاضي ابن حشيش  [399] ، والحشيش اكتشفه واشتهر به الصوفة .[400]

4 ــ والجعيدية طائفة اجتماعية ظهرت بتأثير التصوف ونسب لها الكثيرون ، فهناك ابن الجعيد [401] وسنقر الخازندار المعروف بالجعيدي [402]  والشيخ أبو هاشم الجعيد [403] وسنقر العايق الجعيدي  [404] .

5 ــ ولا تزال البيئات الشعبية المصرية تسمي بركة ومبروك وبركات ومبروكة وابو ابركات ، ونحوها وسموا بعض الناس أبا خطوة تأثرا بالكرامة الصوفية الشهيرة التى تجعل الولى الصوفى يصل الى أى مكان فى خطوة واحدة .  [405]  .

6 ــ وتنتشر فى مصر ــ حتى الآن ـ أسماء غير مصرية مثل هندي عراقي بغدادي شامي مغربي ....  إلخ  ، وهذا أثر للقدوم الصوفي من هذه البلاد على مصر.. واشتهرت طنطا بضريح السيد البدوى ، فانتشر الانتساب الى طنطا ، فشاع إسم ( طنطاوى ) . وانتشر فى مصر ــ حتى الآن ــ التسمى بأسماء مشاهير الأولياء ، مثل الرفاعى والدسوقى وابراهيم الدسوقى ، والبرهامى ، والشاذلى ، والبدوى ، والسيد البدوى ، والأحمدى .

 

فى بعض مظاهر الزي

1ــ الزى أساس فى أى دين أرضى , وبه تتميز أرباب الأديان الأرضية بعضهم من بعض ، ومع تشابهها فهناك إختلافات فى اللون والشكل . والتصوف بالذات بدأ دينه بالخرقة ، أى قطعة قماش يتميز بها الصوفى عن غيره ، ثم أصبحت ( الخرقة ) تعنى دين التصوف ، ثم أصبحت مع تنوعها تدل على الطريقة الصوفية عندما تكاثرت الطرق الصوفية وتتنوع ، وتتخذ كل طريقة الخرقة التى تميزها عن غيرها . وبهذا الاحتراف الدينى صار الزى مثل العلامة التجارية للصوفى الذى يرتديه ، وبه يجلب النذور والنقوط .  ( وقد سئل صوفي ان يبيع جبته فقال :اذا باع الصياد شبكته أبأي شيء يصطاد ؟! ) [406] . وكانت للتصوف لمساته على الزي في العصر المملوكي ...

2ــ فقد ترتب على ازدهار التصوف فيه أن أصبحت ( الخرقة ) أو ( المرقعات) ــ لباس التصوف المفضل ــ (موضة اجتماعية) للشيوخ الصوفية المترفين الميسورين للرياء والشهرة وحُبّ الظهور ، حتى أن ابن الحاج اهاب بالخياطين ان يحجموا عن خياطة (دلوق الشهرة والمرقعات التي اتخذها بعض الناس ... فتجد بعضهم يأخذ خرقة جُملة ، مختلفة الألوان ؛أبيض وأصفر وأحمر وأسود الى غير ذلك ، ويرتبونها واحدة بجنب الأخرى . وبعضهم يتغالى في تلك المرقعات فيجعلها من القماش الرفيع الفاخر ، الذي لتفصيله ثمن كثير ، فيقطعونها خرقة خرقة ، لأجل الشهرة الممنوعة في الشرع الشريف ــ فانظر رحمنا الله واياك إلى صفة هذه الرقعة أي شبه بينها وبين مرقعة عمر بن الخطاب ) [407]..فالخرقة التى كانت لدى رواد التصوف الأوائل فى القرن الثالث رمزا للفقر أصبحت فى العصر المملوكى موضة يتبارى الميسورين فى التزخرف بها .

 3ــ وهكذا لم يعد غريبا في العصر أن يصبح ارتداء الفاخر من اللباس تقليدا اجتماعيا . فالصوفية ــ وهم أساتذة العصر ـــ فعلوا ذلك ، بل أن بعضهم بالغ في لباسه واشتهر بذلك مما أثار عليه الإنكار، كالحنفي ، وقد قامت أساطير الكرامات بالدفاع عنه في كتاب مناقبه [408]  وبعض المجاذيب الصوفية كان ( لا يلبس إلا الحرير على بدنه )[409] . وكان القضاة أكثر الطوائف تأثرا بالتصوف فقبلوا أن يُخلع عليهم الحرير ، وهو مُحرّم لبسه للرجال وفقا للدين السّنى وللشريعة السنية التى يمثلونها . وعُدّ من الأثار الحسنة للفقيه ابن دقيق العيد انه رفض رداء الحرير عندما ولى القضاء واستبدل به رداء الصوف [410]

4ــ وشاع في العصر المملوكي بتأثير التصوف اتخاذ الزي الطويل افتخارا ، ومخالفة للدين السُّنى وللشريعة السنية التى تأمر بتقصير الثياب ، واستمر ذلك حتى نهاية العصر ، وبولغ فى ذلك الى درجة  يدعو معها الشعراني الصوفية الى تقصير ثيابهم . [411] ...

وقد كان السلطان جقمق من المنكرين على بعض تجاوزات الصوفية ، فهو الذي أبطل مولد البدوي ــ ويذكر له في مجال الزي أنه خالف عصره فكان متقشفا ، لا يلبس إلا القصير من الثياب ، ونهى الأمراء والأكابر من ارتداء الثوب الطويل (وأمعن في ذلك حتى انه بهدل جماعة من أعيان الدولة بسبب ذلك)   على حد قول المؤرخ ابى المحاسن  [412]....

5ــ وبتأثير التصوف صار لكل طبقة اجتماعية في العصر المملوكي زيا معينا ، فهم الذين جعلوا لرجل الدين زيا معينا ، وجعلوهم طبقة اجتماعية خاصة ، وبهم صار الأشراف طبقة اجتماعية ، ومعظمهم صوفية إنتحلوا النسب للأشراف . وقد فأمر السلطان الأشرف شعبان  القلاوونى أن يجعل للسادة الأشراف في عمائمهم( شطفات خضر تميزا لهم عن غيرهم وتعظيما لقدرهم ) [413]  .

6 ــ وامتد ذلك الى الوظائف ، فكان لكل وظيفة الزى الخاص بأصحابها ، وصار يُعبّر عن الوظيفة بالزي الخاصّ بها ، فيقال : (ترك الجندية وتزيّا بزيّ الفقهاء) أى لبس زى الفقهاء وصار فقيها ، ويقال ( وترقى في الخدمة حتى لبس زي الجند) أى ارتدى اللباس العسكرى ، وعن التعيين وزيرا يقال : (لبس خلع الوزارة ) ، وهذه متفرقات من تاريخ ( النجوم الزاهرة للمؤرخ المملوكى أبى المحاسن .[414] . ويذكر الشعرانى أن من شأن الصوفي : ( ألا يقتصر على لبس الزي والهيئة وارخار العذبة وحضور الولائم ...)[415]  وهذه خصائص الصوفية في ذلك العصر ( لبس الزى الصوفى والهيئة الصوفية الخاصة وإرخاء طرف العمامة ) ثم لا يقتصر على ذلك المظهر بل يفعل كذا وكذا . ويذكر المؤرخ أبو المحاسن أنه فى حملة ( آمد ) سار السلطان برسباي هو الخليفة ومباشر الدولة بغير سلاح ( ليوهم انهم هم قضاة الشرع، لكون لبسهم على هيئة الفقهاء )[416]  . وكان (لأهل الذمة ) ـ فى تعبير العصر المملوكى ــ زي خاص بهم ليعرفوا به بين المسلمين . وقد تعرض هذا الزي إلى تغيرات تأثرت بحركات التعصب التي كان يقوم بها الفقهاء الصوفية ضد أهل الكتاب ( فلبس المسيحيون عمائم زرقاء واليهود صفراء والسامراء حمراء ، وارتدى المسيحيون حزاما حول الوسط يطلق عليه زناد.)[417]

7ــ وتأثر زي القضاة والفقهاء بزي الصوفية ، يقول القلقشندى فى موسوعته ( صبح الأعشى ) إنهم استعملوا العذبة والدلق ولبس بعضهم الحرير  [418]  . ومع ذلك فقد تحرر بعض الصوفية من الالتزام بزي خاص ، بل ترك بعضهم زي الصوفية بالجملة ، وفقا لما ذكره المؤرخ ابن حجر  فى تاريخه ( إنباء الغمر ) [419]   بينما يذكر نفس المؤرخ فى كتابه ( الدرر الكامنة ) أن صوفيا آخر تولى القضاء فلم يغير زيه الصوفي  [420] .

أما القاضى الهروي وهو صوفي فكان أعجوبة فى تغيير زيه تبعا لتغير وظائفه وتبعا لهواه ايضا ، ومما ذكره المقريزى عنه نعرف أنواع الزى وقتها ، فالهروى ظهر صوفيا فى البداية فى قدومه لمصر (يتزيا بزي العجم الصوفية ، فيلبس عامة عوجاء بعذبة عن يساره ، فلما ولى قاضي القضاة لبس الجبة والعمامة الكبيرة وأرخى العذبة بين كتفيه ، فلما ولى كتابه السّر البس تزيا بزي الكُتاّب وترك زي القضاة ولبس الذهب والحرير ، فلما أُعيد للقضاء أقام يمر في الشوارع بهيئة العجم ) [421]..أى الصوفية الأعاجم ..

8ــ وأثر التصوف في العمامة في ناحيتين : ارخاء العذبة وحجم العمامة . فرؤى الحنفي في منام ـ على حدّ زعمهم ــ ومعه الصحابة وأبوبكر يضع عمامة على رأس الحنفى  ويرخي عذبتها. وحين روى ذلك المنام صار كل من حضر ينزع عمامته من على رأسه ويرخى لها عذبة  [422]. وصارت موضة .!!.  وقد (ركب ابن ميلق الشاذلي الصوفي وهو قاضي للقضاة وعلى رأسه عمامة لها عذبة على جانب واحد مثل الصوفية ) [423]...

ومن ناحية أخرى ظهر أثر التصوف في حجم العمامة ، فكلما كانت كبيرة دلت على عظم صاحبها . وهذا واضح فى دين أرضى يعتمد على المظهر ، ويقيس العلم بحجم عمامة الفقيه ، لذا يصف  المؤرخ المملوكى أبو المحاسن كبار العلماء في العصر بكبار العمائم [424] ، وصار تكبير العمامة دليلا  على علو المنصب، فحين أضمر السلطان أن يجعل العيني قاضيا أوعز  إليه ان : (كبّر عمامتك غدا واحضر بكرة) من غير أن يفصح له بشيء . [425]

وفي زي النساء :

والأثر هنا غير مباشر .

1 ــ فقد أشاع التصوف انحلالا خلقيا في العصر المملوكي ، أسهم في ازدياده دعوتهم لعدم الاعتراض والانكار ، بل ان بعضهم أضفى على انحلاله الخلقي جانبا دينيا مثل طوائف القلندرية والمطاوعة، وقد اشتهر ذكرهم في العصر حتى وضعت فيهم المؤلفات التي تضفي عليهم اعتبارهم الزنا واللواط قربة لله وأهم تلك المؤلفات (المنازعة في حكم المطاوعة) للشيخ المقدسي الرجائي ورسالة ابن تيمية في التنفير من المردان ...وسبق تفصيل ذلك فى كتاب ( الانحلال الخلقى ).

2 ــ ومن الطبيعي في هذا الجو المُنحل خلقيا ان يصبح زي النساء معبرا عنه فيصير في تغيير وتبديل مستمر ، فأحيانا يلبسن القمصان الواسعة الأكمام الذي يظهر(جميع جسد المرأة من الداخل ويجعله مرئيا ) على حد قول المؤرخ الصيرفى   [426] . وبرغم النداءات المهددة والمتكررة فلم ترعو النساء عن هذا الزي بل وصفهن ابن اياس بانهن ( أفحشن في ذلك حتى خرجوا عن الحد )[427]  بل وصلت هذه (الموضة) إلى القرى والفلاحات فصاحب (هز القحوف) تزوج فلاحة وكثيرا ما كان يجامعها (من كم قميصها ) [428]....

3 ــ وقبلها وفى القرن الثامن عرفت النساء موضة الثوب الضيق ، وقد اشتهرت هذه الموضة إلى درجة أثارت ابن الحاج فأنكر عليهن هذا الزي الذي( لو عمل على عود لافتن بعض الرجال في الغالب لحسن منظره ومقالته ورقة قماشه.)[429] ، أي كان يصف ويشف.

4 ــ وفي هذا الجو المنحل أباحت الدولة البغاء وفرضت عليهن الضرائب (ضامنة المغاني )وكان لهن زي يعرفن به يطلق عليه (الملاءة ) [430]...وهى المعروفة حاليا فى الأحياء الشعبية ب ( الملاية اللف ) التى ترتديها المرأة على قميص النوم ـ تقريبا ـ وتشدها على جسدها تغطيه وتبرز مفاتنه فى نفس الوقت . كان هذا فى السبعينيات ، وربما إختفى الآن .

5 ــ وانتشر اللواط في العصر بجهد المطاوعة والقلندرية وغيرهم . وفي هذا الجو تشبهت النساء بالمردان حتى لبسن الطواقي ... يقول المقريزي( نشأ في اهل الدولة محبة الذكران فقصد نساؤهم التشبه بالذكران ليستملن قلوب رجالهن، فاقتدى بفعلهن في ذلك عامة نساء البلد )[431]  أي أن المقريزي يعتبر المماليك سبب نشر هذا البلاء . ولو أنصف لذكر الصوفية أساتذة العصر حكاما ومحكومين...

القــهــــوة

1ــ ذكر اكثر من مصدر تاريخى ان مكتشفها هو (العارف بالله أبوبكر الشاذلي العيدروسي المتوفي سنة 909) وأنه وجد نبات القهوة أثناء سياحته، فاقتات من ثمره حين رآه متروكا مع كثرته (فوجد فيه تجفيفا للدماغ واجتلابا للسهر وتنشيطا للعبادة) فاتخذه قوتا وشرابا وأرشد اتباعه إلى تعاطيه. ثم انتشرت في اليمن ثم الحجاز ثم في الشام ثم في مصر وسائر البلاد )[432]...

2ــ وذكر الشعراني ما يفيد ان القهوة  عرفت في عصر إبراهيم الدسوقي في القرن السابع وأنه حض مريديه على تعاطيها طلبا  للحكمة ،  يقول: ( يا أولاد قلبي ، عليكم بشراب القهوة القرقفية واستعمالها ، فوعزته وجلاله من صدق منكم واخلص لا يمسى إلا نبعث منه الحكمة وحصل عنده الشراب والسكر عن هذا الدار ) [433]....

3ــ وواضح أن الصوفية كالعادة بهم حين يدعون لشيء يضفون عليه الجانب الديني ليكون أكثر تأثيرا ، فالقهوة في دعوة العيدروسي فيها تنشيط للعبادة وفي دعوة الدسوقي جالية للحكمة والسُّكر الصوفي....

4ــ ومع الاختلاف الذي توحي به رواية الشعراني عن قول الدسوقي عن القهوة فإن الرأي الذى نراه هو في نسبة اختراعها للعيدروسي في القرن العاشر وليس للدسوقى فى القرن السابع . فلقد أثارت القهوة فى القرن العاشر جدلا وعراكا بين الفقهاء المنكرين عليها والصوفية المحبين لها والذين أعطوها مسوغا دينيا . ولم يكن هذا الجدل موجودا فى القرن السابع فى عصر الدسوقى . لذا نعتقد أن الشعرانى هو الذى نسب للدسوقى تزكية القهوة ضد المنكرين عليها من الفقهاء ، وفى وقت كانت للدسوقى مكانته المقدسة بين الفقهاء والصوفية .والمعروف عن فقهاء العصر المملوكي أنهم غالبا ما ينكرون على صوفية عصرهم مع الاعتقاد في الصوفية السابقين . ويدل على ذلك أن الشعراني نفسه عاب على الفقهاء المعارضين للقهوة بأنهم يقترفون الأمور المجمع على تحريمها كالغيبة والنميمة ، ( ومع ذلك تنفر نفوسهم من القهوة ) [434] . أى إنه خصم لهم فى موضوع القهوة .

وقال عن القهوة شاعر في القرن العاشر يتغزل فى إمرأة :

 وترشف من ريقها قهوة :  تغني عن الشهد وقطر النبات  [435] ...

وما لبثت القهوة أن انتشرت حتى صارت المشروب المختار للمصريين أغنياء وفقراء [436] ... وصار لها ذكر في الأمثال الشعبية [437] ..

5ــ ومعروف أن الصوفية أقنعوا الناس بقدرتهم على معرفة الغيب . ولارتباط القهوة بهم فقد حملت انتحال العلم بالغيب ، أو ( الكشف الصوفى ) ، وذلك فيما يعرف في البيئات الشعبية حتى الآن من (قراءة الفنجان) او قراءة الغيب ، أو  كشف الغيب عن طريق فنجان القهوة ... ويقوم به حاليا الدجالون ، وهم أقل ضررا من شيوخ الدجل باسم الدين الذين أهلكوا ( المسلمين ).!.

 

 

 

 

 

سادسا

أثر التصوف فى التركيب الاجتماعي فى مصر المملوكية :  

  مدخل :ــ

1ــ مع ولع بعض المتصوفة بالعزلة المؤقتة إلا ان مبدأ العزلة أثر على بعض الناس في العصر خارج نطاق الصوفية فمارسوا العزلة دلالة على قوة تأثير التصوف وولع الآخرين بتقليدهم . والمقريزي ليس صوفيا ومع ذلك وصف بملازمة بيته حتى عتب عليه الرؤساء انقطاعه) [438] وهرب عزالدين ابن جماعة من الاختلاط حتى انه لم يتزوج  [439] وقيل في علم الدين الكناني (فيه الإنجماع عن الناس وملازمته للاشتغال) [440] ،أي انه استعاض عن الاختلاط بالناس بالانكباب على العلم ، و(انقطع) الأخميمي (عن الناس ) [441] ولم يكن صوفيا كسابقيه . وبعضهم أثر السكوت مع قلة الاجتماع بالأخرين مثل كاتب السر ابن مجلي  [442] وفي القرن التاسع عرف بالعزلة نفر كثيرون كما في( الضوء اللامع )[443] وقال المثل الشعبي المصرى متأثرا بذلك (الوحدة عبادة )[444]....

2ــ والصوفية في داخل مملكتهم مارسوا نوعا اخر من التفكك بالعزلة بتأسيس الطرق الصوفية المختلفة ، مع عدم وجود فارق هام بينها إلا اذا عٌدّت الأوراد وألوان الرقع فوارق خطيرة ، يقول الشاذلي عن حزب البر (من قرأ حزبنا فله ما لنا وله ما علينا ) [445] ، بل أنه في داخل الطريقة الصوفية الواحدة كان نوع التفكك بين الفروع المختلفة يظهر في لهجة عبدالصمد الأحمدى عن صوفي أحمدى قال عنه (يرفع صوته بلهجة السطوحية ) [446].. ويقول زكي مبارك (والألفاظ الأحمدية غير الألفاظ الشاذلية ، واذا كان ذلك لأن الأحمدية طال عهدها بصحبة الفقراء المصرية اما الشاذلية فألفاظهم في الأصل مغربية ) [447] .والواقع ان العامل السياسي  كان وراء تغلغل دعاة البدوي في انحاء مصر وقوة نفوذ اتباعه من بعده في داخل البلاد ، وهو الذي مكن لهم بين المصريين، خاصة وأن الطريقة تمصرت تماما بعد موت البدوي...

3ــ مع هذا التفكك فإن التصوف المملوكي أسهم في إضافة طوائف جديدة او اظهرها في الحياة الاجتماعية وهي إما طوائف صوفية كالطرق الصوفية وطبقة الأولياء والأشياخ الصوفية والمجاذيب او طبقة نمت بانتشار التصوف كطبقة الأشراف او طوائف مهنية استفادت بالتصوف إقتصاديا كالجعيدية والفقراء الطوافين والذاكرين ومشايخ الزيارة والزوالق . ونعطى بعض التفصيلات :

الطرق الصوفية

1 ــ تكونت الطرق الصوفية وتفرعت وانتشرت في هذا العصر وتغلغلت في أوساط الشعب والخاصة على السواء وتعددت أسماؤها واعترفت بها الدولة . ولكل طريقة قواعدها الخاصة بها ولكنها كلها  تتفق في التنافس على إجتذاب المريدين والمعتقدين ، وتعطى العهود بمراسم مختلفة ، بها ينخرط المريدون والأتباع فى تلك الطرق ، مع الرقص والذكر والزى الخاص بكل طريقة لتتميز عن الأخرى . وبدخول العوام فى التصوف شيوخا ومريدين وتكوينهم طرقا صوفية كانت المبالغة في الشعوذة ودعاوى الكرامات وفى إضفاء صفات التقديس والتأليه على الشيخ الصوفى بقدر ما اهملوا التصوف النظرى الفلسفى .

2ــ والانقسام والتفكك أهم ما يميز الطرق الصوفية ، وكل منها اعتمدت على السلاسل الصوفية التي تربطها بالرواد الأوائل ، ومنهم الى الامام على بن ابى طالب الى النبى ثم الى جبريل ثم رب العزة ــ بزعمهم . وعلى هامش الطرق الصوفية والصراع بين الأشياخ الصوفية حول النذور ظهرت الكتابة فى المناقب الصوفية.

3 ـووصلت الطرق الصوفية في انتشارها إلى كل قرية ومدينة ، وأصبحت مؤثرة فى الثقافة الشعبية ، وظهر هذا فى الأمثال الشعبية ، فقيل : (كل شيخ وله طريقة ) ، (اللى مالوش شيخ شيخه الشيطان )، ( ما دام مانتاش رفاعي تمسك التعبان ليه ) [448] .

3 ـ ونعرض لأهم الطرق الصوفية بإيجاز...

أهم الطرق الصوفية :ـــ

1ــ الطريقة القادرية نسبة لعبد القادر الجيلاني (ت561) ويوجد لها بمصر فرعان القادرية القاسمية والقادرية الفارضية..

2ــ الطريقة الرفاعية نسبة لأحمد الرفاعى العراقى الموطن والذى لم يزر مصر ، وكان من أعمدة التنظيم السرى الذى كان يعمل لاسترجاع الحكم الشيعى فى مصر متسترا بالتصوف ، والذى اسفر عن مجىء البدوى لمصر ـ على نحو ما شرحناه فى كتابنا ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ). وكان ممثل الرفاعى فى مصر الشيخ أبو الفتح الواسطى ت 580 . وبعد فشل التنظيم تحول الأتباع الى طريقة صوفية تشتهر بالأعمال السحرية والتعامل مع الثعابين على أنها كراماتهم التخصصية .  وكالعادة انقسمت الرفاعية الى طوائف وطرق متعددة .

3ــ الطريقة الأحمدية نسبة لأحمد البدوي الذى قاد سرا التنظيم الشيعى لاسقاط الدولة الأيوبية فى مصر ، ولكن تغلب مماليك الأيوبيين على الحكم وتثبيت أقدامهم فيه وإنتصارهم على حملة لويس التاسع والمغول والأعراب ـ وقوة شكيمتهم ـ كل ذلك أطاح بأحلام البدوى ، وأحس بالخطر يقترب منه فتظاهر بالتصوف الى النهاية وأرجأ مخططه السرى . وإضطر أتباعه ــ الذين رباهم على سطح داره والذين انتشروا دُعاة فى مصر ( السطوحية ) ــ الى تحويل نشاطهم الى التصوف العلنى فأصبحت الأحمدية السطوحية أكبر الطرق الصوفية ، بدءا من  عبدالعال تلميذ البدوى وخليفته من بعده . وانتشرت هذه الطريقة وتفرعت في مصر إلى فرعين كبيرين ، البيت الكبير ويضم الطرق المرازقة والكناسية والامبابية والمنايفة والسلامية ، ويضم البيت الصغير ــ الحلبية والشعيبية والتسيقياتية والحمودية والزاهدية . وهناك طرق أخرى كالشناوية والسطوحية والبيومية ....

4ــ الطريقة البرهامية نسبة لإبراهيم الدسوقي، رفيق أحمد البدوى فى التنظيم السرى الشيعى ، وقد تحول أتباعه الى طريقة صوفية متآخية مع الطريقة الأحمدية ، ومعاصرة لها . وعلى هامشها تكونت طرق فرعية أهمها : الشهاوية والشرنوبية والسعيدية الشرنوبية..

5ــ الطريقة الشاذلية . كان الشاذلى هو الآخر رفيقا للبدوى فى دعوته ، ولهذا إنتقل من المغرب الى مصر . وتكونت الطريقة الشاذلية فى مصر ،ومنها إلى أقطار أخرى . وتفرع منها طرق صوفية كثيرة ، منها : القاسمية ــ المدنية السلامية ــ الحندوسية ــ القاوقجية ــ العفيفية  الهاشمية و الادريسيةـ الجوهرية  ــ الوفائية ــ الحامدية ــ العزمية  ــ المحمدمية ــ الفيضية ــ الهاشمية المدينة .

6 ــ وهناك طرق أخرى كالرحيمية والخليلية . ثم ظهرت في اخر العصر الطريقة الخلوتية ..

طبقة الأولياء

توارث الولاية           

1ــ كان أبناء الولي وأحفاده يسيرون على نهجه ويرثون مكانته ونفوذه ومريديه و( الفتوحات ) أى الموارد المالية التى ترد اليه من نذور ونقوط . وبكثرة الأولياء وبمرور الزمن كثرت عائلتهم والمنتسبون إليهم فكونوا طبقة تتوارث الولاية فيما بينهما. يولد ابن الولى طفلا يتبول على نفسه ولكن يكون وليا ، وتصاحبه الولاية فى مراهقته ، وحوله مريدو أبيه يروّجون لولايته وكراماته ، وعندما يموت الأب يصير وليا مكانه ، وإذا كانوا أكثر من ولد فلا بأس ، يتوارثون ولاية أبيهم أيضا . والمريدون يشاركون فى الانتفاع بهذا الميراث ، فلهم نصيب فى المكانة ، وفى ( الفتوحات ) أيضا .

2ــ ونعطى مثلا في العصر المملوكي بذرية عبد الرحيم القنائى  الذي ينتمي نفسه إلى العصر الأيوبي ، فالحسن بن عبدالرحيم القنائي ( كان من كبار الصوفية أرباب الأحوال والكرامات [449] (ت655) ، وتولى محمد بن جعفر بن عبدالرحيم القنائي مشيخة خانقاه أرسلان (ت782) [450] ، وكان جعفر بن عبدالرحيم (ت696) من كبار الصوفية ، قالوا انه ( جمع بين الشريعة والحقيقة  ) [451]  أى بين الفقه والتصوف ، أو ( التصوف السنى ). ونقلت كرامات ومكاشفات محمد بن حسن بن عبدالرحيم القنائي (ت692) [452] ، ومثله أحمد ابن إبراهيم بن الحسن بن عبدالرحيم (ت728) [453] ومحمد بن هارون القنائي ابن اخت الشيخ محمد بن الحسن بن عبدالرحيم  [454]  .وهناك قبور للأولياء من ذية عبدالرحيم القنائي كمزارات ...)[455] .

3 ــ وكالقنائي عرفت ذرية أبى الحجاج الأقصري وابن الصباغ بالولاية في العصر المملوكي ، فأحمد بن النجم بن الحجاج الأقصري ( كانت له العديد من المكاشفات ) [456] ومثله ابنه جمال الدين بن احمد (ت696) ، وهناك ضريح للإمام يوسف بن محمد الذي دفن بجرجا في أعقاب القرن السابع [457] . وهناك مقبرة أولاد أبى الحجاج الأقصري في قرافة مصر (وهم جماعة من اهل العلم والخير ) [458] .

4 ــ ولما مات ابن الصباغ أجلس الفقراء مكانه صاحبه وزوج ابنته الشيخ القنائي ، وتخرج عليه جماعة تنسب إليهم كرامات ومكاشفات كأبي عبدالله الأسواني وأبي الطاهر المراغي وزين الدين بن شيخه ابن الصباغ  [459]  .

5 ـ وفى الطريقة الشاذلية :  تصوف ابن عرام سبط أبي الحسن الشاذلي  [460] ، وذكرت عنه كرامات )[461]  ونشأ ابن محمد وفا على طريقة أبيه فاشتهر ودفن في مشيخة الوفائية وهكذا تتابعت الذرية من بعده  [462] ،

6 ـ ونفس الحال : كان لمحمد ابن الشيخ الحنفي شهرة ومحبة [463]  وقيل في ترجمة عبدالهادي السطامي اجتمع عليه أتباع أبيه فتمشيخ فيهم وراج امره ) [464] واشتهر إبراهيم الفاوي بالكرامات وقيل عن ابنه محمد (عليه مدار البلد من بعده ) [465] ، وقد تزوج القزويني باخت الشيخ ابي عبدالله الأسواني فولدت له صدر الدين (فنشأ في صلاح وله كرامات وكان ابوه صوفيا لبس الخرقة من السهرودى  [466] . وكان الدسوقي من الأولياء وأمه بنت ولي آخر ) [467] ، وقدم إبراهيم الأندلسي مصر وتزوج فولد له ولد صار وليا ، وقبره مع والديه ، وتُستجاب الدعوة بينهما  ) [468] ويقول السخاوي عن يوسف العجمي( وله ذرية باقية الى  الآن ) [469] .  وكان من العادة أن يتبع الولد أباه في التصوف فقيل عن إبراهيم ابن احمد الطنتدائي (لم يسلك طريق والده ) [470] أي أنه خالف المألوف..

ابن الولى لا يفلح

1ــ هذا مع أن الصوفية أنفسهم اعترفوا بأن ابن الولي لا يفلح غالبا ، ويقول الصوفى  محمد بن أبي جمرة معترفا بالواقع : ( ثلاثة لا يفلحون في الغالب : ابن الشيخ وزوجته وخادمه. أمّا    ابنه فإنه يفتح عينيه على تقبيل المريدين يده بالتبرك به فتكبر نفسه فلا يؤثر فيه وعظ واعظ ويتجرأ على الأكابر ...) [471] ويقول الخواص نفس المعنى تقريبا عن ابن الشيخ الصوفى :  أنه (يتربى في الدلال على والده مع مساعدة أمه ، ويكتفي بتعظيم الناس له بحكم التبع لأبيه ، فلا يصير عنده داعية لاكتساب الفضائل )[472] ، وقد عد الشعراني من المنن فلاح ابنه عبد الرحمن وامتثاله لأمر والده، وقال أنه :  ( قلّ ان يقع هذا من ولد فقير) ( أى ولى صوفى ). وقال الشعرانى : ( ولم يزل الفقراء يتجرعون الغصص من جهة أولادهم لما يرونه منهم من قلة سلوك طريق القوم ) [473]..اى يفترض الشعرانى أن ( القوم ) يعنى شيوخ التصوف كانوا على السلوك القويم,!

4ــ ومع هذا .. اكتسبت طبقة الأولياء امتيازات دينية خلعها عليهم المريدون،  فعد الشعراني من المنن انه لا يتزوج أرملة ولي ، وكان الخواص ينكر على من يتزوج نساء الأولياء خوف العطب ) [474] ، أى التعرض لانتقام زوجها الولى صاحب الكرامات ، فى زعمهم . بل امتد ذلك الحكم ليشمل بنات الشيخ ، فعد الشعراني من المنن عدم تزوجه لابنة شيخه محمد الشناوي إجلالا له ، ولما تزوج ياقوت القرشي ابنة شيخه المرسي لم يقربها حياء من أبيها ، وفارقها بالموت وهي بكر....)[475]..فهل ارضى بذلك إبنة شيخه ؟! تبّا له ..تبّا تبّا ..!

طائفة المجاذيب فى مصر المملوكية

 أولا : رؤية المجتمع المملوكى للمجاذيب

1ــ تكلمنا عن المجاذيب فى الكتاب الخاص بالحياة الدينية فى فصل عن أنواع الأولياء ، ونعطى لمحة إضافية . فقد اعتبرهم ابن خلدون نوعا من الأولياء مع سقوط التكاليف عنهم [476] ، وصاحب كتاب ( شفاء السائل ) اعتبرهم دون مرتبة الإنسان . [477] . والبعض ينسب هذا الكتاب لابن خلدون وقد ثبت لنا أن هذا الكتاب لا علاقة له بابن خلدون .

2 ــ فى دين التصوف يُعتبر المجاذيب النوع الأعلى من الأولياء ، فهناك الولى (السالك ) الذى (يسلك ) الطريق الصوفى بالتعلم ، أو بأخذ العهد والخرقة على يد شيخ ، و(يسلك ) أو يسير فى الطريق الصوفى طبقا للدرجات الى ان يكون قطبا . ولكن المجذوب عندهم هو الذى يتم إختياره  ( إلاهيا ) بأن تجذبه العناية الالهية ، فتأخذه من عقله ويصبح فجأة متعلقا بعالم الملكوت وعائشا فى ( الحضرة الالهية ) قد زال عنه ( حجاب ) الجسد و( فنى ) عن البشرية و ( تحقق ) بالألوهية فى زعمهم . وكون المجذوب أعلى قدرا من السالك أكده ابن عطاء فى كتابه ( لطائف المنن ) [478]  .

3 ــ وكان هذا الاعتقاد من حُسن حظ المجانين والمُلتاثين عقليا ، فأرتفعوا من درجة ( المجنون ) المُحتقر الى درجة ( المجذوب ) المُعتقد . وإذا جاءته اللوثة فهى الدليل القاطع على أنه من ( أرباب الأحوال ) الذى تعتريه حالات من الجذب الالهى . ومهما قال كلاما بشعا أو كلاما غير مفهوم ، ومهما أساء من تصرف فالاعتقاد فيه يزداد لأنه من (أرباب الأحوال) .

4 ــ وإنصافا للتصوف والعصر المملوكى فإن هذا الاعتقاد فى ( المجاذيب ) كان موجودا فى العصور الوسطى فى أوربا أيضا . فإبليس هو المُعلم للجميع . ولأن العقل السليم هو صمام الأمان والايمان للإنسان فإن الشيطان حريص على تغييب هذا العقل ، سواء بالخمر والمخدرات الحسية ، أو بالأديان الأرضية التى تجعل الفرد يغيب عقله وهو يقدس بشرا مثله ، أو يقدس قبورا وأصناما يصنعها بيده ثم يعكف عليها عابدا متبتلا ، أو يجعل المجنون فاقد العقل إلاها مقدسا بزعم أنه غائب عن هذا العالم المادى حاضر فى ( الحضرة الإلهية ). وهذه الخرافة تجد من يصدقها . وبهذا اصبح عاديا فى العصر المملوكى  ان ترى المجنون فاقد العقل يسير فى الشارع فى شكل بشع ممزق الثياب ـ بل ربما بلا ثياب ، وتغلفه الحشرات ويعيش كالحيوان بين قاذورات ،وهو متمتع بالتقديس يتوسل به الناس يطلبون منه البركة والمدد . وكلما ساء حاله إزداد أتباعه .

5 ـ وهذه الحالة الفريدة من الخبل العقلى للعصر المملوكى فى تقديس المجاذيب ــ أرساها أرباب الصوفية المحققون الذين هم فى رتبة ( السالك ) الأقل درجة من رتبة المجذوب، فيرى ابن عنان أن المجاذيب يعيشون في عالم آخر، يقول : (ان من شأن المجذوب انك ترى أحدهم ماشيا وهو راكب وتراه يأكل في رمضان وهو صائم لم يفطر وتراه عاريا وهو مرتد لثيابه )[479] ، وبالتالى فلو رأيته يفطر فى رمضان فلا تصدق عينيك ، ولو كان عاريا فأنت  لا ترى الثياب التى يرتديها . 

ووضع الصوفية آدابا لمخاطبة المجاذيب بما يستحقون من تقديس ، وافتخر الشعراني بمراعاة الآداب معهم ، وأوصى بعدم مخالطتهم لأنهم يعلمون الغيب ويقرأون الخواطر والسرائر بإعتبار وجودهم فى الحضرة الربانية . وقال المتبولي :( سلموا على أرباب الأحوال بالقلب دون اللفظ ، فإنهم في حضرة لا يقدرون على خطاب أحد باللفظ )[480] ..

ثانيا : الانخراط فى ( الجذب ) خداعا  

1 ــ وبسبب هذه المميزات والفضائل للمجاذيب ، وفرارا من الظلم المملوكى، ولسهوله الحصول على لقب ( مجذوب ) مقارنة بالصوفى السالك فقد إنخرط كثيرون فى سلك (الجذب) فانتشر المجاذيب فى كل مكان ، وأصبحوا يمثلون طبقة متحركة تهيم على وجهها فى المجتمع المصرى المملوكى .

2 ـ ولم يقتصر الأمر على العوام ، بل ادعى كثير من الأولياء الصوفية الجذبة المؤقتة ليحصل على إعتقاد الناس فيه ويتمتع بالتقديس الذى يتمتع به المجاذيب والمجانين الحقيقيون . ، ووصل الدشطوطى بإدعاء الجذب الى الشهرة ، وبعد أن صار وليا فى إعتقاد الناس ( عاد اليه عقله ) ليتمتع بثمار جذبته الاختيارية المؤقتة. ويصف الدشطوطي جذبته حاكيا عن نفسه (..فحصل لي جاذب إلهي وصرت اغيب اليومين والثلاثة ثم افيق اجد الناس حولي وهم يتعجبون من أمري ، ثم صرت اغيب العشرة أيام والشهر ولا آكل ولا أشرب ..... فخرجت سائحا إلى وقتي هذا  ) [481] .وبهذا أصبح الدشطوطى متمتعا باعتقاد الناس ، إذ كان المجذوب يوصف عادة بأنه معتقد (بفتح القاف) وبانه مقصود بالزيارة ) [482]..

3ــ ونعطى أمثلة للفقهاء ( الماكرين ) الذين آثروا أن يتظاهروا بالجذب ( رياءا و إثما وعدوانا.!! ):

3 / 1 : محمد المجذوب ( كان طالب علم وصار خطيبا في جامع ، وما لبث أن هام على وجهه مجذوبا ) [483] . أى ترك الخطابة وترك الجامع وإنجذب فصار مشهورا ، فذكرته المراجع التارخية ، ولو ظل خطيبا ما إنتبه له المؤرخون .

3/ 2 : ابن البناء ( كان فقيها فاضلا عاقلا انتفع به جماعة من الطلبة فاحتجب وخرج على الناس مجذوبا  )[484] ، أى إنه أحتجب ليسأل الناس عن سبب احتجابه وينتظرون ظهوره ، ثم يظهر لهم فجأة ، وهو مجذوب .!!.

3 / 3 : (واشتغل الكمال الدمياطي بالعلم وكان على طريقة حسنة ، ثم انجذب ) [485] . كان طالب علم ضمن آلاف الطلبة ، وعندما إنجذب صار شيئا مذكورا .

3 / 4 : وكان أبوبكر البجائي فقيها مالكيا (ثم حصل له جذبه وصار صاحب كرامات )[486] .

3 / 5 : قاضي القضاة الجلال الأنصاري انجذب بدعوى أن هاتفا دعاه للعبادة فساح في الأرض ( إلى أن أُذن له في الجلوس فبلغ المجاهدة مقام المشاهدة ) [487] ، أى زعم أنه هاتفا دعاه الى أن يكون مجذوبا فصار مجذوبا ، ثم جاء له الأمر بالجلوس شيخا صوفيا ، فجلس شيخا صوفيا ، وبلغ درجة ( المشاهدة ) أى مشاهدة الخالق جل وعلا بزعمه .!!،

3 / 6 : وكانت لآخرين أسبابهم القوية في الجذبة، فالشيخ حُطيبة  ) [488] وإسماعيل الصالحي  ) [489] كلاهما عشق امرأة فانجذب ، وضاق الطوخي بما عليه من ديون فأظهر الجذب وكثر من يعتقده ، وأحيانا كان يرجع عن جذبته ثم يعود إليها ) [490] . يعنى ينجذب إذا طارده  الدائنون ، فإذا أمن منهم عاد لطبيعته

3 / 7 ولم يقنع بعض الصوفية فاتخذوا من الجذب وسيلة للشهرة ، فيحي الصنافيري كان صوفيا ثم حدثت له جذبه ربانية فوصل إلى مقام  القطبانية وسعت له الخلق [491]  وكان عمر الكردي صوفيا بخانقاة سعيد السعداء فانجذب واشتهر بالصلاح [492]  وحتى يشتهر الدشطوطي كانت هيئته كالمجاذيب ) [493] وانجذب أبوالفضل وفا ) [494] .

واتخذ كثير من الأولياء في نهاية العصر سمة المجاذيب كما يظهر في الطبقات الكبرى للشعراني ....

ثالثا : بعض مظاهر الجذب

1ــ وكان المجذوب يهذي بماله علاقة بعمله  قبل الجذب فكان( الشيخ بهاء الدين المجذوب يحفظ البهجة كأن لا تزال تسمعه يقرأ فيها..) .. وكان فرج المجذوب يقول : ( عندك رزقه فيها خراج ودجاج وفلاحون ) ، وابن البجائي يقول: ( الفاعل مرفوع والمخفوض مجرور وكان القاضي ابن عبدالكافي ( يقول في بيت الخلاء : ولا حقّ ولا استحقاق ولا دعوى ولا طلب ) [495]..

2ــ وتفنن المجاذيب في اتخاذ كل غريب في مظهرهم من حلق الوجه ولبس القرون او الألياف او الحرير او الحديد في اعناقهم ، او يتخذ الأعلام على رأسه، أاو يركب جريدة قد صور لها وجها وعينين ، أو يعلق فيها جرسا ، أو يتخذ الحروز الكثيرة حول عنقه كقلادة المرأة او يحمل الطبل في عنقه ) [496] . ومنهم من يمشي عريانا، أو يرتدي زي الجندي ويمشي بالسلاح والسيف ، أو يلبس زي القضاة والتجار ، ويغير الألوان . وربما حمل على رأسه عمامة نحو قنطار) [497] . وتارة  يصيح احدهم ، أويصمت ، أو يتكلم ثلاثة أيام ويسكت مثلها ) [498] .

3 ــ وقد يعرف أحدهم بالوقوف الطويل في مكان معين لا ينتقل منه صيفا او شتاء ، وبما امتدت المدة إلى ثلاثين سنة فبما يزعمون ، أو ينام أحدهم في كانون الطباخ ، أو يقيم في الأمكنة الخربة او البرية وحوله الحيوانات ) [499] .

4 ــ وعٌرف المجاذيب من أتباع ابن خضر المجذوب بأن احدهم (إذا طاب يضرب رأسه بعصاه هائلة ضربات متعددة بحيله  وقواه ، ولا يسيل له دم ) [500] .

وكانت لآخرين أحوال مضحكة فكان ابن مصيغير يخاصم ذباب وجهه ويتشوش من قول المؤذن (الله أكبر) فيرجمه ويقول عليك يا كلب نحن كفرنا يا مسلمين حتى تكبروا فينا ) .! . واذا مرت عليه جنازة وأهلها يبكون يمشي معهم ويقول : ( زلابية هريسة زلابية هريسة ) [501] .

وكان بعضهم إذا رأي امرأة في الطريق ( يضربها ويقول غطي يدك فاشتهر بذلك ) [502]  وكان اذا سأل أحدهم الدعاء من الشيخ نجيم قال له: ( كشك ولحم )، واذا دفع لجمال الدين الأسود نقود جديدة انشرح وقال محمدي محمدي (فيحصل للسامع انبساط ) .[503]

5 ــ ويعبر عنهم المثل الشعبي ( زى المجاذيب .. كل ساعة في حال ) [504]

طبقة الأشراف فى مصر المملوكية  

 أساس الانتحال فى الانتساب الى النبى عليه السلام

1ــ لا ينفع أحدا أن يكون قريبا بالنسب الى نبى أو من ذريته ، فهناك ابن نوح ووالد ابراهيم ، وهناك أبو لهب عم خاتم النبيين ، وهناك زوجتا نوح ولوط . أولئكم جاء نصُّ القرآن الكريم عنهم بالضلال . وبعضهم مذكور بالاسم مثل آزر وأبى لهب .

إنّ كل الأنبياء بشر ، وسيفرّ كل منهم من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه فى يوم لا أنساب فيه ولا يتساءلون ، ولا يجزى فيه والد عن ولده ولا مولود عن والده ، ولا تملك نفس لنفس شيئا ، والأمر يومئذ لله مالك يوم الدين ، فلا شفاعة لبشر فى بشر ، ومن حقّت عليه كلمة العذاب لا يستطيع خاتم المرسلين إنقاذه من النار ، فهو لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ــ شأن كل فرد من البشر ــ إلا بمشيئة الرحمن، بل سيكون شاهدا شهادة خصومة على الكافرين من أهله وقومه وأصحابه الذين صحبوه فى الزمان والمكان ، وسيأتى عليهم شهيدا يؤكد أن قومه إتخذوا القرآن مهجورا . هذا ما يؤكده رب العزة فى مئات الآيات القرآنية التى تنفى شفاعة البشر ، وتجعل الشفاعة شهادة تحملها ملائكة حفظ العمل لمن كان عمله صالحا وكان إيمانه بالله جل وعلا مخلصا خالصا ، ثم تكون هذه الشفاعة أو تقديم العمل يوم الحساب لمن أذن له الرحمن وارتضى . 

2 ـ ولكن يتأسس الدين الأرضى عموما على الشفاعات والوساطات ، وبالتالى تتاسس على الشفاعة والوساطة جماعات كهنوتية ، يتوسل بها الناس ، يقترفون الجرائم وياكلون المال السُّحت ثم يطمعون فى دخول الجنة بتقديم بعض هذا المال يشترون به صكوك الغفران وقصورا فى الجنة . وبالتالى يكون من أهم المؤهلات لهذا الكهنوت هو الزعم بالانتساب للنبى محمد عند المحمديين ، ولهذا أصبح الانتساب للنبي عليه السلام هو العقدة الخالدة عند الشيعة ثم الصوفية بالذات .

3 ـ وأصبح هذا ( نسبا شريفا ) بمعنى أن غيره من النسب العادى هو (غير شريف ).!! بمعنى أنه لا بد أن تكذب حتى تكون ( شريفا ) ، ولو تمسكت بنسبك العادى لأهلك الحقيقيين من  المصريين والايرانيين والسوريين والعراقيين ..الخ ... فأنت نسبك ( غير شريف ) حتى لو كنت ( عمر الشريف) أو ( نور الشريف) أو ( على الشريف) أو ( محمود الشريف ) أو ( كريمة الشريف ).! وبالمناسبة فإن صفوت الشريف ينتمى الى الأشراف ، هو ينتسب الى ( الأشراف ) بينما هو ( مسجل خطر ).!

الانتحال للنسب ( الشريف ) بين الشيعة والصوفية

1 ـ وانتحال النسب الشريف باب طرقه آخرون قبل صوفية العصر المملوكي ، والزعم بالمهدية ( اى أن يكون المهدى المنتظر ) لهدف سياسى ـ يقترن بزعم الأنتساب للنبى محمد عليه السلام . وهى فرية مضحكة وعادة سيئة تكررت وتتكرر فى تاريخ المحمديين تحمل معها سفك الدماء فى أغلب الأحيان .

2 ــ واشهر مدعى الانتساب للنبى هم الفاطميون الذين أقاموا الدولة والخلافة الفاطمية فى شمال أفريقيا ومصر، وأسّسوا القاهرة والأزهر(الشريف ) نسبة للسيدة (فاطمة الزهراء ) . وخصوم الفاطميين يطلقون عليهم ( بنوعبيد ) ، ومنهم الفقيه  ابن تيمية المشهور بعدائه للشيعة والصوفية ، وهو يرى أن الفاطميين : (زنادقة ملاحدة قرامطة باطنية واسماعيلية ونصيرية ) [505] . وعلى خُطاه سار السيوطى فى كتابه ( تاريخ الخلفاء ) وقد تعصب فيه للخلفاء العباسيين يدافع عنهم بالباطل ، بل ويسجل تاريخ الخلفاء العباسيين فى القاهرة المملوكية ولم يكونوا سوى خدما للسلطة المملوكية ، وفى نفس الكتاب يهاجم بقسوة الخلفاء الفاطميين .

من ناحية أخرى كان المؤرخ المقريزي يفرط في تعظيم شيخه العلامة عبد الرحمن بن خلدون لكونه يجزم بصحة نسب بني عبيد (الفاطميين) إلى (على بن أبى طالب )  ويدفع ما نقل عن الأئمة في الطعن في نسبهم  [506] ، وقيل إن دافع المقريزي لذلك أنه نفسه كان يدعي الانتساب للفاطميين ، وهذا ما يذكره المؤرخ ابو المحاسن تلميذ المقريزى، ونقله عنه ابن اياس  [507] .

3 ــ وقد تابع الصوفية اساتذتهم الشيعة في ادعاء النسب العلوي، وكان هذا سهلا ، فالصوفى يتمتع بالتقديس والتصديق لكل ما يقول ، خصوصا لو زعم مناما أو رؤية أو وحيا . ولقد زعم عمر ابن الفارض لنفسه ذلك النسب عن طريق رؤية منامية نسبها للرسول عليه السلام  [508].....

تكوين طبقة الأشراف بناءا على هذا الانتحال

1 ــ وانتشر الزعم بالانتساب للنبى ، فتكونت طبقة إجتماعية من ( الأشراف ) بناءا على هذا الزعم . وصار مُباحا لكل من هبّ ودبّ أن يصبح من ( الأشراف ) بهذا الانتحال  ، ودخل فى الميدان دجالون كثيرون ، يطمع كل منهم أن يتمتع بمزايا ( الأشراف ). وأزعج هذا السيل من الأكاذيب بعض المؤرخين فانتقدوا من يعرفون من منتحلى النسب ( الشريف ).

2 ـ فابن حجر يقول عن أبن زقاعة الصوفي المحتال : (كان يدعي أنه من بني نوفل بن عبد مناف [509]  . ويقول المقريزي عن محتال آخر: ( قدم رجل يدعي انه شريف اسمه هاشم ) [510] وذكر المقريزى أن الأمير يخشى بك  غضب على محتال زعم انه شريف النسب فسبّه وشتمه فعوقب الأمير لأنه ( سبّ بعض من يدعى انه شريف ) [511] . وقال المؤرخ السورى ابن طولون أن الفقيه ابن الحنبلية ( جعل نفسه شريفا وهو ليس شريفا ) [512]  . وقال المؤرخ ابن حجر أنّ الجروانى انتسب وصار شريفا، و ( كان يُطعن في نسبه  ) [513] .ويذكر المقريزى فى ( الخطط ) زعم بعضهم أن  النبي عليه السلام قال في منام لأحدهم : (يكون فرجك على رجل من أهل بيتي صحيح النسب )[514] . وهذا المنام المزعوم فى حد ذاته دليل على وجود من هم ليسوا بصحيحى النسب .! .

3 ــ لذا كان الشّكّ فى الانتساب للنبى هو السائد ، ولحق هذا الشك بمشاهير ( الأشراف ) ومنهم الشريف المكرانى ، وقد تشكّك بعضهم فى نسبة طبقا لما يقوله المؤرخ السخاوى . [515] بل وصل الشكُّ الى ابى الحسن الشاذلى نفسه ، يقول عنه المؤرخ الجزرى : (وأصحابه يذكرون له نسبا على الحسن بن على ) [516] ، وهى إشارة لطيفة فى التشكيك فى نسبه ( الشريف ) ، وكان مؤرخون آخرون أكثر صراحة ، منهم الصفدى القائل عن أبى الحسن الشاذلى : ( إنّ الشاذلي انتسب في بعض مصنفاته إلى على ابن أبي طالب . وقال شمس الدين الذهبي : هذا نسب مجهول لا يصح ،ولا يثبت ، وكان الأولى به تركه ) [517] . والطريف أنه حين اتهموا المؤرخ  ابن خلكان بالكذب في انتسابه للبرامكة قال (... اذا كان لابد منه كنت انتسب إلى العباس أو إلى على ان ابي طالب أو إلى احد  من الصحابة.  [518] .

4 ـ وإنفتح الباب على مصراعيه للإنتساب للنبى حتى لقد أراد يهودي يقال له أبو السعود أن يعمل له ( محضر) بانه شريف [519]  ما يدل على كثرة مدعى النسب وسهولة الخصول على مستند بالانتساب الى الأشراف ، فقد كانت تجارة إحترفها بعض نقباء الأشراف ، يأخذون الرشوة لإدخال من يريد في جملة الأشراف ويعطونهم شجرة النسب  [520] . وأراد بعضهم الشهرة فتخصّص فى الطعن فى نسب المشاهير من ( الأشراف ) فذكره ابن حجر والسخاوى ، وقد قالا عن الشريف حسن بن محمد إنه كان ( عارفا بأنساب الأشراف كثير الطعن في كثير ممن يدعي الشرف ) [521] .

5 ــ وبالانتشار الهائل للتصوف فى نهاية العصر المملوكى تضخمت طبقة الأشراف ، وتكاثر النزاع بين أولئك المنتحلين ، ووصل النزاع الى السلطان الغورى فعقد الغوري مجلسا بالقضاة الأربعة بسبب الطعن في انساب جماعة من الأشراف  [522] ، هذا مع  وجود ديوان قديم للأشراف يختص بالفحص عن أنسابهم وحقوقهم، وقد ذكره القلقشندى فى موسوعته ( صبح الأعشى ) [523]..

إمتيازات طبقة الأشراف

1 ــ ولأولئك الأدعياء بعض العذر، فقد كان لطبقات الأشراف امتيازات، حيث مُيّزُوا بالعلامات الخضر في ملابسهم  [524]  وكان من يسُبُّ شريفا يُقتل حدّا بالشرع  [525] . وقُتل احد منتخلى النسب ( الشريف ) فنسب ابن اياس ظهور طاعون والغلاء إلى هذا الحادث .  [526] . والمقريزى تخلى عن عقله وموضوعيته فكتب رسالة في حق آل البيت الاشراف على من عداهم وجعل لهم حصانة ، وحذر من الوقوع في احد منهم مهما ارتكب من محرمات  [527] وشاع حديث مصنوع منسوب للنبى يقول : ( إنّ لكل قوم فراسة ، وإنما يعرفها الأشراف )[528] وزعموا أن صاحب صقلية النصرانى المتعصب  اطلق الأسرى من المسلمين لأنّ بينهم شريفا إكراما لهذا الشريف .[529]  ، ولم يذكروا إسم ذلك الحاكم ولا إسم ذلك ( الشريف ) ولا زمان الحادثة ولا ظروفها ، أى هى رسالة مصنوعة موجهة للسلطات لمزيد نت التقديس والتبجيل ( للسادة الأشراف ) .

2 ـ لذا كان من الطبيعي أن تشعر نساء الأشراف بالاستعلاء والعنصرية نحو ( غير الشرفاء ) ممّن لا يحملون ( النسب الشريف ) ، وتجلّت هذه النزعة العنصرية فى نظرتهن للرجال ( غير الأشراف ) . وقد شاع هذا مبكرا منذ القرن الثامن الهجرى ، مرتبطا بالانحلال الخلقى الذى كان يسير مصاحبا للنقال ( السنى ) و الدين الصوفى . والتجديد الذى جاء به إستعلاء النساء من ( الأشراف ) غو إستخدام هذا الاستعلاء للإختلاط بالرجال من غير ( الأشراف ) بلا نقاب . وإحتجّ علي ذلك الفقيه الصوفى ابن الحاج ، يقول عنهن : (فلا يستحين إلا من شريف واما غيره فلا ، وبعض النسوة من الأشراف في بعض البلاد لا يحتجبن من الغريب أصلا ويتحدثن معه ... ويزعمن ان الغريب ليس من الرجال الذين يُستحي منهم ) [530]... نزعة استعلاء إختلطت بالانحلال ، لأن الاختلاط بالرجال وقتها كان يعنى الانحلال الخلقى .

هذا ، ومن الأمثال السائدة في العصر المملوكي : ( لا أصل شريف ولا وجه ظريف..) [531].

سابعا :

 الأثر الاقتصادى للتصوف فى مصر المملوكية

من التركيب الاجتماعى الى أثر التصوف الاقتصادى   

مقدمة

لاشك أن البحث فى الأثر الاقتصادى للتصوف فى مصر المملوكية يستحق أكثر من رسالة دكتوراه ، وما نقدمه فى هذا الكتاب هو مجرد فتح الباب أمام الباحثين الجادّين للتعمق فى النقاط التى وردت فى هذا الكتاب لتكون مبحثا مستقلا ، وخصوصا عن الأثر الاقتصادى للتصوف فى الدولة المملوكية .

وهنا  ــ  فى الموضع الاقتصادى ــ نضع فقط بعض إشارات وبعض نقاط فوق بعض الحروف كإشارات ضوئية للباحثين المهتمين . وقد سبق عرض بعض موضوعات تتداخل مع موضوع الاقتصاد مثل العمران الدينى الذى توسع فى العصر المملوكى بآثار سلبية وإيجابية ومثل القيم لاجتماعية التى نشرها التصوف والداعية للتواكل والتبطل ، وما نتج عنها من تضخم طوائف المتسولة ، ولهذا تأثير إقتصادى فى توسيع دائرة الفقر ، ولا ننسى أن مصطلح ( الفقر ) كان يعنى ( التصوف ) وأن ( الفقير ) إصطلاحا هو الصوفى ، ومعلوم أن ( الفقر ) الاقتصادى بمعنى ( العوز والحاجة ) يستند الى ثقافة تجعل الفرد سعيدا بفقره راضيا به ، وتزداد خطورة هذه الثقافة ( الفقرية ) إذا إرتبطت بالدين ( الأرضى ) وكان لها دُعاة مثل ابن عطاء السكندرى الذى جعل السعى والنشاط فى تحصيل المعاش شركا بالله عزوجل ، فهنا تداخل بين القيم والأقتصاد . والموالد وزيارة القبور لها تأثير فى الرواج الاقتصادى ، فهنا تداخل بين العادات والاقتصاد .

مسئولية التصوف فى نشر ثقافة الفقر تشمل أيضا قدوم وفود وجماعات صوفية الى مصر ، إحترفوا التسول ، وكان أكثرهم من الأعاجم ، كما أن التصوف خلق طوائف مهنية فى المجتمع المصرى ، وهنا يتداخل أثر التصوف فى التركيب الاجتماعى مع أثره الاقتصادى . والنشاط الاقتصادى جزء هام من التاريخ الاجتماعى ، ونعرض مجرد لمحات تجمع بين التأثير الاجتماعى ( فى التركيب الاجتماعى ) والتأثير الاقتصادى :

أولا : التركيب الاجتماعى والأثر الاقتصادى

طوائف الأعاجم ..

1 ــ  تكاثر عددهم في مصر المملوكية بزيارة القادمين من الصوفية لمصر ، حتى لُقّب الصوفي بالأعجمي . ويقول ابن بطوطة عن الصوفية (وأكثرهم اعاجم ) [532] واحترف أكثرهم التسول  [533] ، لذا فكثير ما كان يحدث النداء لهم بالطرد  او النفي والضرب ، خاصة في الاضطرابات السياسية التي كانوا عنصرا فيها،  ثم يعود الحال إلى ما كان عليه بالشفاعة فيهم  [534]..

2 ــ وبالتالى كان أثرهم الاقتصادى سلبيا ، فلم يكونوا عنصرا منتجا ، بل حتى لم يقتصروا على التسول والحياة عالة على المجتمع بل كانوا عنصر شغب وفساد . وفى النهاية تم توطينهم فى مصر وصاروا جزءا من أهلها وعنصرا من نسيجها الاجتماعى والطبقى ..

 طوائف مهنية بأثر التصوف

هذه الطوائف أثرت سلبيا على الاقتصاد ، فقد تركت العمل وإحترفت البطالة و أحيانا البلطجة ، وصار لهم نفوذ فى الشارع ، وتنظيمات ورؤساء ، أرغمت الدولة على التدخل لكفّ فسادهم . وأهم هذه الطوائف :

 الجعيدية

1 ـ هم طائفة صوفية ظهرت في العصر المملوكي تحترف التسول كقيمة اجتماعية نشرها التصوف في المجتمع، حتى أصبح لقب الجعيدي علما على بعض الصوفية يطلقه على نفسه كما فعل المتبولي  [535].. وقد دخل في هذه الطائفة ــ مع الصوفية المتسولين ــ أرباب العاهات والمحتاجون .

2 ـ وبانتشار التصوف وتسيده في نهاية العصر ضمت طائفة الجعيدية بعض المتبطلين القادرين على الكسب ، الذين استمرأوا سهولة الكسب بالتسول مع التواكل والتبطل. وكانوا بما أتوا من قوة ينتزعون الأموال من يد متولى الصدقة ، يقذفون به من فوق فرسه حتى أثاروا السلطان برسباي فطلب ( سلطان الحرافيش و شيخ الطوائف ) وألزمهما بمنع الجعيدية من التسول في الطرقات وألزمهم بالتكسب في الحفير ، فامتنعوا مؤقتا عن التسول، ولم يبق إلا أرباب العاهات . وقد اعتبر أبوالمحاسن ذلك من أكبر المصالح ( لأن معظم الجعيدية كان يترك الحرفة ليتسول ، ويقسم على الناس بالأنبياء والصالحين شاكيا من قسوة القلوب..) وتفنن أخرون في السؤال وإيذاء الناس بالقول( فما كان أحسن هذا ــ يقصد منع الجعيدية ــ لو دام واستمر ) [536]..وكالعادة ..ففى مصر : ( كل شىء يُنسى بعد حين ) و ( تعود ريمة الى عادتها القديمة ).

3 ــ وقد علا شأن بعض الجعيدية حتى تزعم الدهماء والعوام ( الحرافيش ) في وقته ،  فذكر ابن إياس أن الشيخ على الجعيدي ن 793 كان سلطان الحرافيش في عهده ، وكانت له عليهم (حُرمة وافرة ... فلم يخلفه بعده مثله ) [537] .وواضح مما قاله أبو المحاسن وابن إياس أن للجعيدية رؤساء شأن الطوائف الأخرى .

4 ــ واستمرت الجعيدية كطائفة بعد العصر المملوكي وحتى عصر قريب  [538] ...

الفقراء الطوافون

1 ــ ظهروا في نهاية العصر كمظهر لامتداد تيار التسول والتصوف فكانت طوائفهم تطوف على البيوت بزي التصوف تسأل الناس ، فعرفوا بالفقراء الطوافين ، واشتهروا بالإلحاح في السؤال مع القدرة على الكسب والتبطل .

2 ــ ومع ذلك فقد أجهد الشعراني نفسه في الدفاع عنهم، فطالب بألا ينكر عليهم احد لانهم ــ في زعمه ــ يريدون أن يحملوا عن الناس ذنوبهم وبلاءهم ، وأن العهود أخذت عليه ألا يمكّن احد من القول أنهم قادرون على الكسب لأن ذلك حجة في البخل . واعترف الشعراني أن احد الأولياء الصوفية كان منهم ( فكان يسأل ويتصنع السقوط حتى يظن من لا يعرفه أنه حشاش ) [539]..وربما كان وجود ذلك الولي الصوفى دافعا للشعراني في دفاعه عنهم مع كثرة انكاره على الصوفية في عهده..

     الفقراء الذاكرون

1 ــ وهم صوفية احترفوا الذكر  فى المناسبات وخصوصا الجنازات، ويتبعهم المريدون والغوغاء فتصير الجنازة في (غوغاء وتلخبط) كما يقول ابن الحاج ، وقد ذكر ان (لكل فرقة منهم طريقة مختلفة في الذكر تختص بها عن غيرها ، فيقولون هذه طريقة المسلمية وهذه طريقة كذا،  كما جرت عادتهم في اختلافهم في الأحزاب التي يقرأونها ، وكل واحد لا يشبه الأخر غالبا ) [540]  .

2 ــ وقد استمر الاعتماد عليهم بعد العصر المملوكي حيث يتقدم الجنازة طائفة من العميان في ثلاثة صفوف ينطقون بالشهادتين بطريقة خاصة...) [541]

  الزوالق

1 ـ بانتشار التصوف وتنافس الصوفية فيما بينهم على استحواذ النفوذ ببين الجماهير والحكام ظهرت طائفة من ( الفتوات ) أو ( القبضايات ) لحماية الولى الصوفى ، وتسمى :(الزوالق).  هم عُدّة كل ولي في مواجهة منافسيه من باقي الأولياء . أى تحول شيوخ الصوفية فى أواخر العصر المملوكى الى شيوخ عصابات باسم الدين ، بحيث يمكن أن تقول عنهم ( شيوخ قطع الطرق ) بدلا من ( شيوخ الطرق ).!!

2 ــ ويحس الشعراني بالرهبة من الزوالق يقول:( إياك ومعاداة الناس ولاسيما الزوالق ، ومن يحب الانفراد بالصيت في بلدك ، فإنهم يكدّرون عليك العيش ، ولوكنت من أكابر الأولياء ) [542] وقد عد من المنن عدم وجود أحد من الزوالق حوله . ونعرف عمل الزوالق من قول الشعرانى كأنه يشكو : ( وقلّ فقير إلا وحوله كل واحد يخلي له الإقليم.  ومن مفاسدهم انهم يُطرون ( أى يمدحون ) من يكونون حوله ويبالغون في تعظيمه ورفع مقامه على سائر فقراء بلده ، ويقبلون يده ورجله، ويقفون بين يديه كما يفعل بالأمراء ... ومن مفاسدهم  أيضا أنهم يؤذون من كان في صحبة شيخهم اذا اجتمع بغير شيخهم، وربما يضربونهم بالقباقيب والنعال ، ومنهم من يؤذي الناس بلسانهم ، ويبالغون في تعظيم شيخهم بحضرة من لا يعتقده .....  وهم في الولائم لا يميلون لسماع القرآن ، ويحبون الغناء . وربما قال أحدهم : ابطلوا القرآن واسمعونا ما يبسطنا ) [543]..

  مشايخ الزيارة

1 ــ وهم صوفية أكثروا من زيارة قبور الأولياء بالقرافة حتى عرفوا مسالكها كما قيل عن الغمري (أكثر من زيارة الأولياء والصالحين حتى صار أحد مشايخ الزوار بالقرافين واشتهر ذكره ) [544] وقد وجدت هذه الطائفة فى البداية على نطاق ضيق، فالشيخ الكاتب أحد مشايخ الزيارة كان ( الجنيد ) أبرز رواد التصوف الأوائل يعظمه ، ومات الشيخ الكاتب بعد عام 340  [545]

2 ـ  إلا انها ازدهرت كطائفة في العصر المملوكي ، يُرشد أربابها زوار القرافة . وابن الزيات صاحب (الكواكب السيارة) كان من مشايخ الزيارة ، فهو يتحدث عن بعضهم بلقب (شيخنا) [546] وتتردد أسماؤهم في كتابي المزارات (تحفة الأحباب) للسخاوي ، و(الكواكب السيارة) . وقد أورد فيه ابن الزيات بعض كراماتهم وحكاياتهم وأنهم كانوا يقومون بعملهم ليلا . وتابعه السخاوي فيما قاله  [547]....

لمحة عن أثر التصوف إقتصاديا فى العصر المملوكى

  آثار الوقف اقتصاديا ..

1 ــ ازدهر الوقف في العصر المملوكي بازدهار التصوف وعكست هذا وثائق الوقف على المؤسسات الصوفية في مقدماتها  [548] ، وكما يبدو واضحا في الفصل الخاص بأثر التصوف فى  العمارة واهتمام المماليك بإنشائها ورعاية الصوفية فيها ، والوقف عليها بأرضى زراعية ومحلات تجارية وأملاكا عقارية ،كلها يتخصص ريعها فى الانفاق على تلك المؤسسات . ولم ينته حكم المماليك إلا وبلغ الأراضي الزراعية الموقوفة حوالى عشرة قراريط من 24 قيرطا ، أى حوالى نصف الأرض الزراعية  وكانت غالبية مباني القاهرة والفسطاط وقفا ، وقد كان المقريزي يشكك في صحة ملكية الأوقاف في عهده بسبب كثرتها .[549].

2 ـ وكان السلطان المملوكى يتحايل فى تحصين ثروته وحمايتها من المصادرة بأن يجعلها وقفا ، ويجعل نفسه وورثته قائمين على هذا الوقف ، يخصص جزءا منه للمؤسسة الصوفية والباقى له ولذريته . وكان السلطان التالى يطمع في إنتزاع أوقاف من سبقه ، ولم يستطيعوا حلها بطريق شرعي، فتحكموا في ريعها ثم عاونهم  القضاة في اغتصابها عن طريق الاستبدال ، فيأخذون الأراضى العامرة الموقوفة مقابل أراضى صحراوية وخرائب وأراضي البور، فى عقد استبدال صورى   [550] . وانتقل الأمر من السلاطين والأمراء الى ذوى النفوذ الأقل شأنا ، فقد اشتهر جمال الدين الاستادار بذلك، وعاونه ابن العديم قاضي القضاة  وقتها ، واستولى هذا الاستادار على أوقاف كثيرة بحيلة الاستبدال ،واوقفها على خانقاته ، ومما يؤكد إصرار ابن العديم على خراب الأوقاف في مصر قوله لمن احتج عليه كثرة الاستبدال  : (إن عشت أنا والقاضي مجد الدين لا يبقى في بلدكم وقف ) [551] .. واشتهر جمال الدين الاستادار بخانقاته وكثرة سرقاته وتخصصه فى الاستبدال . واشتهر كثيرون غيره في استبدال الوقف  [552] متأثرين بانحراف القضاة والفساد الذى شاع في العصر بتأثير التصوف...

3 ــ ولم يكن الاستبدال هو الطريق الوحيد . كانت هناك طرق أخرى  : كان الواقف يُرغم على الاشهاد على نفسه ــ في محنته ــ بأن أملاكه واوقافه من مال السلطان. وفي عهد برقوق استؤجرت الأوقاف بأقل من أجر مثلها فلجأ بعض مباشري الأوقاف إلى هدم العقارات الموقوفة بدل تعميرها ، وأحيانا كان يتم تعيين القاضي في مقابل أن يقرض السلطان من مال الأيتام الموقوف .

4 ـ وبمرور الزمن تلاشت كثير من الأوقاف ، ووضع آخرون يدهم عليها وتملكوها بحكم الواقع وتقادم السنين او بانقراض المستحقين او فقدان كتاب الوقف، مع إهمال القضاة في الإشراف على الأوقاف الموكل اليهم حفظها .[553]

5ــ وبالإضافة إلى إهمال الأوقاف وخرابها فقد أدى اتساعها مع اعفائها من الضرائب إلى قلة إيرادات بيت المال ، فضلا عن أن السلطان كان يعطي امتيازات خاصة لمناطق اوقافه ، هذا إلى أن طبيعة الوقف من شأنها حبس الأموال عن التداول بأي نوع من أنواع التصرف ، وبالتالي منعها من القيام بدورها في خدمة اقتصاد البلاد.  ثم ان الواقفين حجروا على المباشرين في حرية التصرف وأدت الشروط المتعددة للواقف إلى سوء استثمار الموقوف لو إفترضنا حُسن النية لدى المباشر . وهذا متعذر فلا يهمه من الوقف إلا الريع دون الاهتمام بالإستثمار الأفضل . وبهذا خربت الأوقاف وقل ريعها فأثر ذلك على ثروة البلاد ..[554]..

6 ـ ــ ثم أن هذه الأوقاف كانت سبب تعطل من وقف عليهم اعتمادا عليها ، فعاشوا بلا عمل عالة عليها  [555] ، ووجد فيها الصوفية فرصة الحياة المريحة فعاشوا عليها وأهملوا شروط الواقف مما دعا السلطان برسباي للكشف عن شروط وقفي المدراس والخوانق للعمل بها فسر الناس بذلك ثم تراجع عما عزم عليه ) هذا ما ذكره ابن حجر والمقريزى وابو المحاسن    [556] ،  ويقول أبوالمحاسن عن إهمال القضاة للأوقاف : ( من شان القضاة عدم الالتفاف لعمارة الأوقاف والمدراس التى يكونون أنظارها . وما ادرى ما الذي يعتذرون به عن ذلك بين يدي الله عز وجل ؟.... وقد شاع ذلك في الأقطار عن قضاة زمننا، وصار غالب الناس اذا وقف على مدرسة أو رباط او زاوية أو غير ذلك يجعل النظر فيه حاجب او الداودار او الزمام ولا يجعله لمتعمم ) [557]...

الأثار الاقتصادية للتواكل الصوفي : ترك الحرفة

 

1 ــ اتخاذ الحرفة أساس بناء الحضارة :

وبدعوة التواكل الصوفية ترك الكثيرون حرفهم وصاروا صوفية ، بل ان بعض الصوفية القادمين عنّ له أن يمارس حرفة فجرفه تيار التواكل )[558] ، والعيش الهنيء للصوفية في مصر داخل المؤسسات الصوفية يُغرى الحرفيين بترك الحرفة . بل إن بعض وثائق الوقف تتيح لتاركى الحرفة التوظيف فيها ليعيش عاطلا ، ففى وثيقة وقف مغلطاى الجمالى : ( ويرتب بها مع عشرين من الفقراء المتصفين بالخير والعيانة المتخليين عن الاكتساب ) [559]... أي كان ترك الحرفة شرطا للعيش الرغد في الخانقاه .

وصار ترك الحرفة لازمة من لوازم التصوف حتى أن الصوفي اذا نزع الى احتراف عمل يقتات منه تشكّكوا فيه و ( امتدت الى زهده الظنون ونالت ن سمعته الألسن) على حد قول الشعراني ) [560].

بل كان بعض الشيوخ الصوفية يزينون لمن يجتمع بهم ترك الحرفة والانقطاع عوضا عنها بترديد اورادهم وأحزابهم وصلواتهم الصوفية . ويقول الشعرانى أن بعض الشيوخ كان (يأمر المريد ان يخلى دكانه ويعرض عن الدنيا ) [561] . وأدت القصة الصوفية دورها المؤثر في هذا المجال ففي إحداها ان تاجرين تركا السوق وتصوفا [562]،

وفي الحوليات التاريخية نرى تأثر الكثيرين بدعوة الصوفية فترك الحرفة لمحبته في أهل الصلاح  [563] بل أصبح أخرون أولياء بعد ان بدءوا تصوفهم بترك الحرفة مثل الأعسر )[564] ، والغمري [565] والحنفي )[566] .

وتسمى كثير من الصوفية بأسماء الحرف التي تركوها قبل الانخراط في التصوف مثل الحلاوي والسدار  [567] وحسن الخباز صابح ياقوت الشاذلي  [568] ، وقال الشيخ الحرار معللا تركه الحرفة (فلم أزل على حالتي اكب الحرير حتى قيل لي أن لم تتركه أعميناك ...)[569] ... وترك كثيرون حرفة الحياكة وتصوفوا مثل إسماعيل الباعوني  [570] ومكين الدين الأسمر ) [571] ووضاح الخياط )[572] وبركات الخياط )[573] ، والغمري ) [574] وعمر الوفائي الحائك والدميري )[575] وقاريء البداية ) [576] والشيخ على القطناني )[577] ... وقد ذكرتهم المراجع التاريخية والصوفية ...

ــ والصوفية وقد تركوا الحرفة فعلى حد قول الشعراني (هم بعد ذلك على قسمين إما ان يطعمهم الشيخ من الصدقات وإما ان يسألوا الناس ) [578] أي أصبحوا عالة من الناحية الاقتصادية...

ــ وقد عاش بعض الصوفية في المؤسسات الخاصة بهم كموظفين ... والموظف لا يمكن ان يكون عنصرا منتجا خاصة إذا اتصل عمله بعمل الصوفية في الخوانق .

ونذكر هذا أن أن الصوفية بما نشروا من تواكل وخمول وبما مارسوه من وظائف في الخوانق والربط والزوايا قد غرسوا حب الوظيفة ، وهو نوع من الاستجداء الرسمي في عصرنا الحالي لا يختلف كثيرا عن التسول الصوفي .

ويقول المثل الشعبي (ان فاتك الميري اتمرغ في ترابه ) [579]...

  بعض الأثار الإيجابية ..

بعض الآثار الإيجابية

1 ــ ومع ذلك فقد كان للتصوف بعض النواحي الإيجابية في الاقتصاد ، خاصة في الرواج التجاري في الموالد المشهورة والقرافة ... حتى ان من كرامات البدوي اجتماع التجار إليه سنويا من سائر الأقطار (وشاع بينهم أن من حضر المولد بتجارته نفقت بعد كسادها ) [580] وقد راجت تجارة الحمص في مولد البدوي وروى المقريزي والقلقشندي انه عد في طريق بين الفسطاط وجامع ابن طولون (أكثر من ثلثمائة وتسعين قدرا من للحمص المسلوق سوى المقاعد والحوانيت التي بها الحمص ) [581] ولا شك في ان ازدهار طنطا التجاري حتى الآن ــ يرجع إلى وجود ضريح البدوي ومولده بها ــ على ان بعض المحاصيل التجارية قد نسبت لبعض الأولياء لرواج بيعها في مولدهم فنسبت البطاطا إلى سيدي جابر والترمس للأنبابي وفي المثل الشعبي (ترمس امبابة احلى من اللوز قال وأجبر خاطر الفقرا ) [582] وكان الشعراني أحيانا يقرن ذكر المولد بالتجارة فيقول مثلا عن مولد المليجي (يحصل فيه جمعة (اجتماع) كبيرة وتنفيق سلع للناس ) [583]

وانتشرت الأسواق المتنقلة في القرافة والمزارات فيها ) [584].

 وبالتصوف ومؤسساته تقدمت صناعات الرخام والمحاريب..

 

 

 

 

 

 

 

ة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

   

 

 

 

 

 

 



[1]
ــ الجوهر والدرر 267: 268

[2]ــ لطائف المنن 344

[3]ــ البحر المورود 187

[4]ــ وثيقة بيبرس الجاشتكير ..

[5]ــ وثيقة جمال الاستادار

[6]ــ تراجم مختلفة ترجمة القبارى في زبدة الفكر مخطوط 9 / 89 ، ترجمة نصر المنبجى في تاريخ ابن الوردى 2 / 368 ، ترجمة ابن سلطان في النجوم الزاهرة 15 / 542 ..

[7]ــ لطائف المنن 172

[8]ــ لطائف المنن 353 : 354  لواقح الأنوار 25 : 26 ، 133 ، 134 ، البحر المورود 130 ، 134 ، 72 ، 2731 ، 320

[9]ــ لواقح الأنوار : 288

[10]ــلواقح الأنوار 105 ، 94 ، 106

[11]ــ لواقح الأنوار 106

[12]ــ البحر المورود 304

[13]ــ لطائف المنن 172

[14]ــ الضوء اللامع 1 / 41 : 42

[15]ــ الضوع اللامع 1 / 13 ..

[16]ــ البحر المورود 233 ، 237

[17]ــ البحر المورود 116 : 117

[18]ــ ردع الفقراء 15

[19]ــ المدخل 4 / 8

[20]ــ عبد الباسط بن خليل الروض الباسم .. مخطوط 3 / 171 حوادث 872

[21]ــ الروض الباسم .. نفس المرجع 4 / 98 : 100 حوادث 873 حوادث الدهور 710 : 712

[22]ــ  المقريزى : إغاثة الأمة بكشف الغمة : 74 : 75

[23]ــ البحر المورود 333

[24]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 99 : 100

[25]ــ لطائف المنن 511 : 512

[26]ــ ردع الفقراء للشعرانى صــ11  

[27]ــ المدخل 2 / 204

[28]ــ لطائف المنن 176 ، المنن الصغرى مخطوط 50

[29]ــ لطائف المنن 249

[30]ــ لواقح الأنوار 193

[31]ــ البحر المورود 53

[32]ــ لطائف المنن 6 ، 43

[33]ــ لواقح الأنوار 28 ، 194

[34]ــ رسالة في مدعى الولاية 3 ، 6

[35]ــ لطائف المنن 391

[36]ــ الصفدى أعيان العصر 7 / 2 / 222 : 223

[37]ــ الطبقات الكبرى للمناوى مخطوط 385

[38]ــ الطبقات الكبرى للمناوى مخطوط 264 ب

[39]ــ الطبقات الكبرى للمناوى 355

[40]ــ السلوك للمقريزي 1 / 2 / 572

[41]ــ الطبقات الكبرى للمناوى 352

[42]ــ الطبقات الكبرى للشوافى 2 / 116

[43]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى  2 / 86 ، والكواكب السيارة لابن الزيات 140 ، 229

[44]ــ النويري الإلمام مخطوط 2ر 78 : 79 ، تعطير الأنفاس 50 : 51

[45]ــ طبقات الشاذلية 125

[46]ــ الأمثال الشعبية لتيمور 180 ، شعلان الشعب المصري 324

[47]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 75

[48]ــ لطائف المنن للشعرانى 233 ، 236

[49]ــ لطائف المنن 277 : 278

[50]ــ رحلة ابن بطوطة : 1 : 13 ، 14 ، 16 ، 17 ، 18 ، 26

[51]ــ رحلة ابن بطوطة : 1 : 13 ، 14

[52]الدرر الكامنة 4 / 82 ، الصفدى الوافى بالوفيات 3 / 372 : 373 ، شذرات الذهب 6 / 116

[53]ــ تاريخ ابن الفرات 8ر 60 : 61

[54]ــ تذكرة النبيه 1ر 207

[55]ــ العيني : عقد الجان مخطوط وفيات 714

[56]ــ إنباء الغمر 2ر 33

[57]ــ الدرر الكامنة 4ر 272

[58]ــ معيد النعم : 171

[59]ــ لطائف المنن 501

[60]ــ الطبقات الكبرى 2ر 161

[61]ــ الطبقات الكبرى 2ر 119

[62]ــ شذرات الذهب 8ر 165 : 166 ، 7ر 167 / 168 ، 1596 بالترتيب

[63]ــ لطائف المنن 475

[64]ــ لواقح الأنوار 60 ، 61

[65]ــ لواقح الأنوار 1ر

[66]ــ لطائف المنن 170

[67]ــ طبقات الشاذلية  115

[68]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2ر 93 : 94

[69]ــ دولت الخوانق رسالة دكتوراه غير منشورة جامعة القاهرة ص 252..

[70]ــ السلوك 3ر 2ر 823

[71]ــ ابناء الغمر 1ر 480

[72]ــ لطائف المنن 500

[73]ــ شذرات الذهب 7ر 41

[74]ــ انباء الغمر 2ر 114

[75]ــ لطائف المنن 410

[76]ــ لطائف المنن 501

[77]ــ تاريخ ابن اياس 1ر 134 طـ بولاق

[78]ــ لواقح الأنوار 70ر 71

[79]ــ السلوك 1ر 2ر 502

[80]ــ النويري 29ر 51 .. مخطوط.  تاريخ ابن الفرات 8ر 101

[81]ــ تاريخ ابن اياس 2ر 348  طـ بولاق

[82]ــ ابن ايبك سيرة الناصر 79 .. زتيرشين تاريخ السلاطين المماليك 106

[83]ــ نزهة النفوس مخطوط حوادث 833 ، النجوم الزاهرة 14ر 342  (2) النجوم الزاهرة 15ر 424 ، التبر المسبوك 311

[84]ــ ابو المحاسن :  النجوم الزاهرة 15 / 424 ، السخاوى : التبر المسبوك 311   ..

[85]ــ المنهل الصافى مخطوط 3 / 250 : 251

[86]ــ الضوء اللامع 1 / 181 ..

[87]ــ البحر المورود 321

[88]ــالطالع السعيد 377 :

 89ـ الدرر الكامنة  4 / 373

[89]ــ النجوم الزاهرة 15 / 516

[90]ــ بيبرس الداودار زبدة الفكرة 9 / 329 ورقة (1) ..

[91]ــ الدرر الكامنة 2 / 135

[92]ــ الغزى : الكواكب السائرة 1 / 258

[93]ــ شذرات الذهب 8 / 34

[94]ــ الطبقات الكبرى 2 / 115

[95]ــ الغزى : الكواكب السائرة 1 / 97

[96]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 2 / 288

[97]ــ ابن حجر .. رفع السر عن قضاة العصر 2 / 45

[98]ــ نفس المرجع 2 / 331

[99]ــ حوادث الدهور 3 / 721

[100]ــ لطائف المنن لابن عطاء : 131

[101]ــ أبو القيص المنونى .. جمهرة الأولياء 1 / 231 ز 232 و عبد الحليم محمود : الشاذلى : 71 ، 72

[102]ــ التفتانزانى  ابن عطاء : 49

[103]ــ راجع انباء الهصر صفحات 18 ، 126 ، 127 ، 149  ، 273 ، 358 ، 474 تاريخ ابن اياس 4 / 309

[104]ــ انباء الغمر 3 / 36

[105]ــ لطائف المنن 143

[106]ــ النفحات الأحمدية 175

[107]ــ البحر المورود 319 ، وفتح  السنة 22 والمنن الصغرى مخطوط ورقة 4 ، الطبقات الكبرى 2 / 62

[108]ــ الشعرانى .. قواعد الصوفية 1 / 174

[109]ــ لطائف المنن للشعرانى 212

[110]ــ  لطائف المنن    388

[111]ــ لطائف المنن 543

[112]ــ لواقح الأنوار 102

[113]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 65

[114]ــ لطائف المنن 396 ، 405 ، 424 ، 426

[115]ــ قواعد الصوفية 1 / 204

[116]ــ الجواهر والدرر 170

[117]ــ لطائف المنن 383 ، 384 ، 294

[118]ــ المدخل 2 / 152

[119]ــ الشعرانى صحبة الأخبار 88 ..

[120]ــ عبد الصمد .. الجواهر : 77 ، 82 ، 83 ، 69 .. النصحية العلوية 35 وما بعدها  ـ الكواكب السيارة 225 ، 291 ، مناقب الحنفى 256 ، 257 ، 410 412 ، لطائف المنن 293 مناقب الوفائية 66 : 67 .

[121]ــ تاريخ البقاعى : مخطوط ورقة 3

 

[122]ــ تعطير الأنفاس 203 ، 204 ، الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 9  ،

[123]ــ عبد الصمد .. الجواهر 26 : 27

[124]ــ الجواهر والدرر 271 : 272

[125]ــ لطائف المنن 180

[126]ــ ابن تيمية : مجموعة الرسائل والمسائل 1 / 70

[127]ــ لواقح الأنوار 345

[128]ــ لواقح الأنوار 173 : 174 ، البحر المورود 271 ، لطائف المنن 383

[129]ــ قواعد الصوفية 1 / 165

[130]ــ قواعد الصوفية 1 / 164

[131]ــ مناقب الوفائية  مخطوط 46 : 71 ، 93 ..

[132]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 90

[133]ــ محاسن مصر .. ابن ظهيرة 204

[134]ــ خطط المقريزي 1 / 79

[135]ــ روض الرياحين 58 ، 69 ، 107 ، 153 ، 190 ، 192

[136]ــ المدخل 2 / 191

[137]ــ درر الغواص 76

[138]ــ مناقب الحفنى 228

[139]ــ وثيقة تقليد الأتابكى مشيخة خانقاه سعيد السعداء وردت في تاريخ ابن الفرات 8 / 30

[140]ــ انباء الغمر 3 / 54 : 55

[141]ــ ترجمة الزركشى في شذرات الذهب 6 / 335 وترجمة الدميري في الطبقات الكبرى للشعرانى ، وترجمة الجارحى والشونى وغيرهم في درر الغواص 34

[142]ــ التنوير 62 وما بعدها

[143]ــ تاج العروس . مخطوط . ورقة 70

[144]ــ آداب العبودية 34 ، صحبة الأخيار 97 ..

[145]ــ أحمد محمود صبحى .. عالم الفكر مجلد 6 عدد 2 ص 353 : 354 وهامش 1

[146]ــ السيوطى مقدمة رسالته حصول الرفق بأصول الرزق .. مخطوط ضمن مجموعة 209 تيمور بدار الكتب

[147]ــ الأمثال الشعبية لأحمد تيمور 160 ، 161 ..

[148]ــ النويري الإلمام مجلد لوحات 198 : 199 ، 285 : 288

[149]ــ محمد فهمى عبد اللطيف: البدوى 85 : 86

[150]ــ شعلان .. الشعب المصرى في أمثاله العلمية 171

[151]ــ الوصية المتبولية للشعراني : 7

[152]ــ الشعراني تنبيه المغترين  127 ، 131 ، 308

[153]ــ لطائف المنن للشعرانى 241 ، 242

[154]ــ السيوطى : بشرى الكئيب في لقاء الحبيب : خاصة من ص 3 : ص 12

[155]ــ البحر المورود 129 : 130

[156]ــ درر الغواص : 75

[157]ــ المدخل 2 / 198

[158]ــ تاج العروس 71 .. الحكم العطائية 462

[159]ــ نثبة المغترين 131

[160]ــ البحر المورود 23 ، 24

[161]ــ توفيق الطويل : الشعرانى : 136 : 137

[162]ــ كلوت بك : لمحة عامة 1 / 552

 

[163]ــ المنهل الصافى مخطوط 1 / 93 ، تحفة الأحباب 38

[164]ــ التبر المسبوك 302 وانظر المنهل الصافى 2 / 405

[165]ــ تاريخ ابن اياس 4 / 165

[166]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 /  130

[167]ــ الكواكب السيارة 144 ، تحفة الأحباب 280

[168]ــ الكواكب السيارة 294

[169]ــ انباء الغمر 2 / 215

[170]ــ مناقب المنوفى مخطوط ورقة 20

[171]ــ مناقب الحنفى مخطوط 521

[172]ــ الكواكب السيارة 207 ، 244 ، 245

[173]ــ السلوك 3 / 2 / 817

[174]ــ الكواكب السيارة 233

[175]ــ مناقب المنوفى مخطوط 52

[176]ــ الكواكب السيارة 197 ، تحفة الحباب 329

[177]ــ الكواكب السيارة     184

[178]ــ الكواكب السيارة  291

[179]ــ تحفة الأحباب 129

[180]ــ حياة الحيوان للدميري  2 / 213 ، 1 ــ 1874 ، 43

[181]ــ حياة الحيوان للدميري  1 / 122

[182]ــ بلوغ المأرب مخطوط

[183]ــ المنهل الصافى مخطوط 4 / 688

[184]ــ حياة الحيوان 2 / 39 ، المستطرف 2 / 114

[185]ــ التبر المسبوك 218

[186]ــ الأمثال الشعبية تيمور 212

[187]ــ لطائف المنن 144 ، 147

[188]ــ """   """""   """    """"

[189]ــ لطائف المنن 144 ، البحر المورود 89 ، 90

[190]ــ الطبقات الكبرى 2 / 144

[191]ــ درر الغواص 51 ، 52

[192]ــ روض الرياحين 216

[193]ــ حياة الحيوان للدميري 1 / 213 : 214

[194]ــ لطائف المنن  ـ8 22

[195]ــ راجع أيضا : اليواقيت والجواهر 137 لطائف المنن 229

[196]ــ الكواكب السيارة 164 ، تحفة الأحباب 394 ، التبر المسبوك 370

[197]ــ مناقب الحنفى مخطوط 403 : 415 ، الطبقات الكبرى 2 / 84

[198]ــ لواقح الأنوار 116 ، لطائف المنن 31

[199]ــ التبر المسبوك 158 ، 159

[200]ــ أحكام الجان مخطوط بالدار رقم 2412 تاريخ ص 47، 58 ، 59 ، 62 ، 64 ، 74 ، 75 ، 79 وما بعدها ..

[201]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 203 تحقيق محمد مصطفى

[202]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 85 ، حياة الحيوان 1 / 214 : 215

[203]ــ حياة الحيوان 2 / 265

[204]ــ المدخل 2 / 209

[205]ــ أنباء الهصر 366 ، قاموس العادات والتقاليد المصرية 410

تيمور الأمثال الشعبية 169 ، 318 ، 345 ، 80 شعلان الشعب المصري في امثاله : 187 ، 188 ،....

[206]ــ الجوبرى : المختار في كشف الأسرار 20 : 280

[207]ــ تاريخ ابن كثير 14 / 36

[208]ــ تاريخ ابن الفرات 8 / 56

[209]ــ حوادث الدهور 2 / 174

[210]ــ التبر المسبوك 83

[211]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 355 طـ بولاق

[212]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 206

[213]ــ السلوك 4 / 3 / 1092 ، 1093 ، النجوم الزاهرة 15 ــ 249

[214]ــ روض الرياحين 154

[215]ــ المنهل الصافى مخطوط 1 / 88 ، النجوم 14 / 177

[216]ــ الكواكب السيارة  182

[217]ــ المناوى الطبقات الكبرى مخطوط 357

[218]ــ لطائف المنن 507

[219]ــ انباء الغمر 3 / 457

[220]ــ النجوم الزاهرة 15 / 331 ، تاريخ ابن اياس 2 / 219 تحقيق مصطفى

[221]ــ نزهة النفوس 2 / 69

[222]ــ التبر المسبوك 209 ، تاريخ ابن اياس 2 / 263 ، 264 تحقيق مصطفى

[223]ــ نزهة النفوس مخطوط ورقة 181 حوادث 842 ، السلوك 4 / 3 / 1130 : 1131

[224]ــ حل لغز الماء . مخطوط ورقة 75 : 76

[225]ــ كلوت بك لمحة عامة إلى مصر 2 / 96

[226]ــ السلوك 4 / 3 / 1140

[227]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 275 ، 7 ، 8 ، 461 ، تاريخ ابن اياس 2 / 870 ، 395

[228]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 282

[229]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 395 ، 396

[230]ــ السلوك 3 / 2 / 562 ...   ابن اياس   : 1 / 2 / 382  تحقيق محمد مصطفى

[231]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 521 ، 2 / 78 تحقيق محمد مصطفى

[232]ــ خطط المقريزي 4 / 117 ، 118

[233]ــ  البدر الطالع للشوكانى 1 / 282 .نقلا عن  تاريخ ابن اياس 2 / 179 ، 409 ، 365 ،

[234]ــ النجوم الزاهرة 15 / 99 ، 16 / 125 ، السلوك 4 / 139 : 40 ، تاريخ ابن اياس : 2 / 87 ، 395

[235]ــ أنباء الغمر مخطوط حوادث 840 ، حوادث الدهور 26 ، التبر المسبوك 101 ، 186

[236]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 447 ، 4 / 314 ، 419

[237]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 422

[238]ــ السلوك 4 / 1 / 199 ، النجوم 13 / 137 ، 141 ، أنباء الغمر 2 / 506

[239]ــ السلوك 5 / 2 / 1092 ، 155 / 267

[240]ــ تاريخ ابن اياس 4 / 419 ، 33 ، 336

[241]ــ تاريخ ابن طولون 2 / 20

[242]ــ الإلمام للنويري مخطوط 1 / 168 ، تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 115 ، 2 / 7

[243]ــ النجوم 16 / 289

[244]ــ لمحة عامة إلى مصر 2 / 91

[245]ــ المدخل 1 / 185

[246]ــ حوادث الدهور 3 / 534 ، 1 / 154

[247]ــ حوادث الدهور   1 / 154 ، التبر المسبوك 337

[248]ــ ابن اياس 2 / 398

[249]ــ المستظرف 34 : 36

[250]ــ تكسير الأحجار مخطوط ورقة 156

[251]ــ ذيل الدرر الكامنة لابن حجر : مخطوط ورقة 20 ، انباء الغمر 2 / 112 ، الضوء اللامع 1 / 173

[252]ــ نزهة النفوس مخطوط 144

[253]ــ التبر المسبوك 296

[254]ــ فتوح النصر مخطوط 2 / 159

[255]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 292

[256]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 694 : 650

[257]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 733 تحقيق مصطفى

[258]ــ حوادث الدهور 2 / 270

[259]ــ تاريخ الجزرى مخطوط 2 / 192  ، تاريخ الخلفاء لابن حجر البرثمى مخطوط 128 ب ـ تاريخ ابن كثير 14 / 161

[260]ــ السلوك 4 / 2 / 918 : 919

[261]ــ النجوم 19 / 349 ، حاشية 5

[262]ــ المقريزي الخطط 2 / 196 : 197 

[263]ــ الفقى تاريخ سليم والغورى مخطوط : 7

[264]ــ تاريخ ابن طولون 2 / 22

[265]ــ السلوك 4 / 3 / 1090

[266]ــ ابن تيمية مجموعة الرسائل والمسائل 1 / 141 ، النويري : الإلمام مخطوط 1 / 136 : 137

[267]ــ تاريخ البقاعى مخطوط ورقة 128

[268]ــ النجوم  الزاهرة 13 / 136 ،     

[269]ــ النجوم  الزاهرة 16 / 331 : 335،، 15 / 506 ، وحوادث الدهور 3 / 693   16 

[270]ــ النجوم  الزاهرة 16 / 298

[271]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 138

[272]ــ تاريخ ابن اياس  1 / 425 ، 427 ، 428 ، 619

[273]ــ 15 / 305

[274]ــ قاموس العادات والتقاليد 70 ،   171

الأمثال الشعبية لتيمور 131 ، 135 ، 136 ، 213 ، 306 ، 309 ، 384 ، وما بعدها  ، 405 ، 417 ، 436 ...الخ ..

[275]ــ على سبيل المثال الألطاف الخفية لابن عبد الظاهر نفائس المجالس السلطانية 38 : 50

[276]ــ المدخل لابن الحاج 1 / 159

[277]ــ التبر المسبوك 13

[278]ــ ابن أيبك الداود سيرة الناصر

[279]ــ حسن السندوبي تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي 100 : 120

[280]ــ مناقب الوفائية 15

[281]ــ عاشور البدوى 255

[282]ــ السياسة الأسبوعية عدد 89 سنة 1927 ص 11

[283]ــ على مبارك الخطط التوفيقية 13 / 51

[284]ــ لطائف المنن للشعراني 255

[285]ــ السياسة الأسبوعية عدد 92 ص 12 سنة 1927

[286]ــ دائرة المعارف الإسلامية 9 / 238

[287]ــ الطبقات الكبرى 2 / 91 الشعراني

[288]ــ الطبقات الكبرى 2 / 172

[289]ــ عبد الصمد : الجواهر 27

[290]ــ البحر المورود 114

[291]ــ تاريخ ابن اياس طــ بولاق 2 / 221 : 222 ، 228

[292]ــ تاريخ ابن اياس 2 /  340  : 342 ،  :    طـ بولاق

[293]ــ تاريخ ابن اياس 2 /  340  : 342   ،   طـ بولاق

[294]ــ النجوم الزاهرة 16 / 274 ، 283

[295]ــ لطائف المنن 223

[296]ــ لطائف المنن 562 ، 480

[297]ــ لطائف المنن 481

  

[298]ــ المدخل 1 / 154 ، 164

[299]ــ لطائف المنن 481

[300]ــ  لطائف المنن 481 

[301]ــ  المدخل 1 / 152

[302]ــ لطائف المنن  563 ، 481 ، 251

[303]ــ الأمثال الشعبية تيمور 325

[304]ــ تلبيس إبليس 206

[305]ــ الوصية المتبولية  10

[306]ــ الجواهر والدرر 44 2

[307]ــ المقريزي  السلوك 3 / 2 / 779

[308]ــ ابن عطاء ، لطائف المنن 124 ، 125

[309]ــ لطائف المنن للشعرانى 196

[310]ــ لطائف المنن للشعراني 195

[311]ــ الشعرانى صحبة الأخيار 119 : 121 ، 138

[312]ــ لطائف المنن 282 ، 332 وتناقض بين الدعوة لإجابة الوليمة أو رفضها : المنن الصغرى مخطوط 37 ، 41 لطائف المنن 192 ، 224 ، البحر المورود 104 ، 115 ، 248 لواقح الأنوار 3 7 ، 374

[313]ــ هز القحوف 250

[314]ــ لطائف المنن 196

[315]ــ الشعرانى قواعد الصوفية 1 / 79 ، الطبقات الكبرى 2 / 76 ، لطائف المن 490 ، آداب العبودية 38

[316]ــ قواعد الصوفية 1 / 128

[317]ــ الطبقات الكبرى للعشرانى 2 / 68 : 69

[318]ــ لطائف المنن للشعرانى 224

[319]ــ لواقح الأنوار 134 : 135

[320]ــ البحر المورود 104 : 105

[321]ــ لطائف المنن 225 ، البحر المورود 115 ، 116

[322]ــ السلوك 1 / 2 / 648 : 649 ، تاريخ ابن الفرات 7 / 115

[323]ــ المدخل 1 / 26

[324]ــ البحر المورود 105 : 106

[325]ــ السلوك 2 / 2 / 491

[326]ــ الكواكب السائرة 1 / 14 : 15

[327]ــ المدخل 1 / 32

[328]ــ المدخل 1 /   91

[329]ــ المدخل 1 / 91

[330]ــ لطائف المنن 326

[331]ــ المدخل 1 / 90 ، لطائف المنن 480

[332]ــ لطائف المنن 251

[333]ــ لطائف المنن 273

[334]ــ لطائف المنن 195 : 196

[335]ــ المستظرف 36

[336]ــ تيمور 368 ، 361

[337]ــ الكواكب السيارة 196 ، 305

[338]ــ الكواكب السيارة  495

[339]ــ النجوم الزاهرة 11 / 18

[340]ــ السيوطى عمل اليوم والليلة مخطوط 145 : 146

[341]ــ أخبار القرن العاشر 176 : 177 ترجمة ابن عنان . وفى تاريخ ابن الصيرفى ( إنباء الهصر) 468 ترجمة ابن جربغا

[342]ــ أنباء الغمر 2 / 274

[343]ــ تحفة الأحباب 336

[344]ــ الكواكب السيارة 204

[345]ــ الكواكب السيارة 43 ، 98

[346]ــ النويري الإلمام مخطوط 1 / 226

[347]ــ السيوطى بشرى الكتب : 45 : 60

[348]ــ تحفة الأحباب 30 ، 345

[349]ــ تحفة الأحباب  462

[350]ــ تحفة الأحباب 4 / 214

[351]ــ الكواكب السيارة 30 ، تحفة الأحباب 405 ، 440

[352]ــ تحفة الأحباب 405

[353]ــ تحفة الأحباب    214

[354]ــ الكواكب السيارة 294

[355]ــ الكواكب السيارة 15

[356]ــ الكواكب السيارة 17 ، تحفة الأحباب

[357]ــ تحفة الأحباب 486     

[358]ــ الكواكب السيارة 189 ، 297 ، تحفة الأحباب 413

[359] الكواكب السيارة : 127 ، 184 ، 296

[360]ــ """""    """"      """    """"     """

[361]ــ """""    """"      """    """"     """

[362]ــ الكواكب السيارة 281 ، تحفة الأحباب 413

[363]ــ """""    """"    77 :    """"    """ 199

[364]ــ 143 ، 231 الكواكب السيارة

[365]ــ 143 ، 231 الكواكب السيارة

[366]ــ رحلة العلوى مخطوط ورقة 60 ب

[367]ــ رحلة ابن بطوطة 1 / 21

[368]ــ المدخل 1 / 151 ، 160 ، 161

[369]ــ وثيقة الغورى نشر عبد اللطيف ص 45 : 46

[370]ــ تحفة الأحباب 35

[371]ــ سنة 793 : عقد الجمان لوحة 436 مخطوط ، نزهة النفوس 1 / 334 ، انباء الغمر 3 / 437 ، 439 ، سنة 803 : المنهل الصافى مخطوط 1 / 263  ، سنة 824  السلوك 4 / 2 / 870  أنباء الغمر 3 / 470 . نزهة النفوس للصيرفى خوادث عام 835 ، وغير ذلك ...

[372]ــ عقد الجمان حوادث سنة 822 لوحة 485

[373]ــ نزهة النفوس مخطوط حوادث سنة 841 ص 169

[374]ــ تاريخ مرعى الحنبلى مخطوط 92

[375]ــ تاريخ مرعى الحنبلى 74 ، تاريخ المقدسي مخطوط 40

[376]ــ حوادث الدهور 2 / 208 ، 234

[377]ــ عقد الجمان حوادث 822 لوحة 479

[378]ــ وثيقة الزيني يحيي الأستادار

[379]ــ التبر المسبوك 151

[380]ــ الطبقات الصغرى للشعراني 50 ، 51

[381]ــ السلوك 2 / 1 / 324

[382]ــ الطبقات الكبرى 2 / 112

[383]ــ صحبة الأخيار 115

[384]ــ الطبقات الكبرى للمناوى 283 ب مخطوط

[385]ــ الأمثال الشعبية لتيمور 348 ، 349

[386]ــ الشعب المصري في امثاله العامية 271 لشعلان

[387]ــ دائرة المعارف 13 / 273

[388]ــ ابن اياس 4 / 80 ، 85 ، النجوم الزاهرة 15 ، 306 ، 446 ، 447 ، انباء الغمر 3 / 93 الهصر 47 ، التبرالمسبوك  268 ، الضوء اللامع 2 / 275 وغير ذلك

[392]ــ قاموس العادات 322

[393]ــ النجوم 16 / 325

[394]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 1 / 3 ، تاريخ ابن اياس 1 /  2 / 693

[395]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 5

[396]ــ التبر المسبوك 393

[397]ــ الضوء اللامع 3 /   281 ، تاريخ ابن طولون 2 / 23 وما بعدها

[398]ــ الضوء اللامع 4 / 41

[399]ــ فتوح النصر مخطوط 2 / 232

[400]ــ خطط المقريزي 29 ص 516  وما بعدها طبعة دار الشعب

[401]ــ ذيل الدرر الكامنة مخطوط 169

[402]ــ التبر المسبوك 218

[403]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 753

[404]ــ التبر المسبوك 266

[405]ــ قاموس العادات والتقاليد 86 ، 194

[406]ــ تلبيس إبليس 198

[407]ــ المدخل 1 / 47

[408]ــ مناقب الحنفى مخطوط في مواضع متفرقة 185 ، 189 ، 221 ، 227 ... إلخ ..

[409]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 124 ترجمة احمد المجذوب

[410]ــ السيوطى : حسن المحاضرة 2 / 134

[411]ــ الشعرانى : صحبة الأخيار 110 ، 220

[412]ــ النجوم الزاهرة 15 / 458

[413]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 107

[414]ــ النجوم الزاهرة 15 / 487 ، 50 ، 16 ، 6 ، 85

[415]ــ الشعرانى آداب العبودية 38

[416]ــ النجوم الزاهرة 15 / 14

[417]ــ ماير : الملابس المملوكية 115 : 116

[418]ــ القلقشندى : صبح الأعشى 4 / 42

[419]ــ أنباء الغمر 2 / 215

[420]ــ الدرر الكامنة 3 / 94

[421]ــ السلوك 4 / 2 / 670 ، 4 / 1 / 448

[422]ــ مناقب الحنفى مخطوط 98

[423]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 15

[424]ــ النجوم الزاهرة 15 / 134

[425]ــ التبر المسبوك 377

[426]ــ نزهة النفوس 1 / 335

[427]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 448 : 449

[428]ــ الشربينى : هز القحوف 2 / 115 طــ بولاق

[429]ــ المدخل 2 / 25

[430]ــ خطط المقريزي 2 / 96

[431]ــ خطط المقريزي 2 / 104

[432]ــ الغزى : الكواكب 1 / 114 ، شذرات الذهب 8 / 39 : 40 ، طبقات الشاذلية 133

[433]ــ الشعرانى الطبقات الكبرى 2 / 152 طــ صبيح

[434]ــ البحر المورود 266

[435]ــ السيوطي شقائق الأترج  فى دقائق الغنج : 244 مخطوط بالدار تحت رقم 72 بجامع تيمور رقم 14 في المجموعة ..

[436]ــ كلوت بك لمحة عامة على مصر 2 / 14

[437]ــ الأمثال الشعبية لتيمور : 136 ، 131 ، 226 ، 441 ..

[438]ــ التبر المسبوك 24 ، حوادث الدهور 1 / 138

[439]ــ عقد الجمان وفيات 819 لوحة 432

[440]ــ ذيل ابن العراقي مخطوط ورقة 247

[441]ــ الغزى للكواكب 1 / 467

[442]ــ أنباء الغمر 1 / 483

[443]ــ الضوء اللامع 1 / 84 ، 88 وغيرها

[444]ــ الأمثال الشعبية لتيمور 413 طـ 1

[445]ــ عبد الحليم محمود : الشاذلى 185

[446]ــ عبد الصمد : الجواهر 72

[447]ــ رسالة زكى مبارك عن التصوف 190

[448]ــ شعلان الشعب المصري في أمثاله 1729

[449]ــ الأدفوى  : الطالع السعيد  105 ، حسن المحاضرة 1 / 245

[450]ــ الأدفوى : الطالع السعيد 179  ، الوافى بالوفيات 2 / 307

[451]ــ على مبارك الخطط التوفيقية 14 / 123

[452]ــ الطالع السعيد 281 ، تاريخ ابن الفرات 8 / 164 ، الوافي بالوفيات 2 / 371

[453]ــ الطالع السعيد  34

[454]ــ الطالع السعيد 361 : 363

[455]ــ تحفة الأحباب 369

[456]ــ الطالع السعيد 79 ، حسن المحاضرة 1 / 238

[457]ــ المراغى تعطير النواحي والأرجاء مخطوط    3 / 86

[458]ــ تحفة الأحباب 391

[459]ــ الطالع السعيد 428 ، 429

[460]السلوك 2 / 1 / 212

[461]ــ الطالع السعيد 143

[462]ــ شذرات الذهب 6 / 206 ، الدرر الكامنة 1 / 279

[463]ــ حوادث الدهور 3 / 574

[464]ــ انباء الغمر 2 /  370 

[465]ــ الطالع السعيد 24

[466]ــ الطالع السعيد 252

[467]ــ دائرة المعارف 9 / 237

[468]ــ الطالع السعيد 27 ، 28

[469]ــ تحفة الحباب 350

[470]ــ الضوء اللامع 1 / 14

[471]ــ الطبقات الكبرى للشعرانى  1 / 136

[472]ــ تنبيه المغترين 16

[473]ــ لطائف المنن 413 ، 414

[474]ــ لطائف المنن 288

[475]ــ لطائف المنن 186 : 187 ، الطبقات الكبرى للمناوى  مخطوط 333

[476]ــ المقدمة 110 ، 111

[477]ــ شفاء السائل 88

[478]ــ ابن عطاء : لطائف المنن 111

[479]ــ أخبار القرن العاشر 134

[480]ــ لطائف المنن 189 / 190 ، البحر المورود 185

[484]ــ الدرر الكامنة 1 / 297 : 298

[485]ــ التبر المسبوك 377

[486]ــ تاريخ ابن الفرات 9 / 2 /  418

[487]ــ تحفة الأحباب 193 : 195

[488]ــ الضوء اللامع 1 / 373

[489]ــ الغزى : الكواكب 1 / 161

[490]ــ أنباء الغمر 2 / 117، التبر المسبوك  246 ، 247

[491]ــ تحفة الأحباب 471

[492]ــ النجوم 16 / 328 ، تاريخ ابن اياس 2 / 413 تحقيق محمد مصطفى

[493]ــ الغزى الكواكب السائرة 1 / 248 ، الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 12

[494]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 218 طـ بولاق ،     الضوء اللامع 4 / 247 ، روض الرياحين 203 ، الغزى الكواكب 1 / 87

[495]ــ الشعرانى الطبقات الكبرى 2 / 12 ، اخبار القرن العاشر 181 ، الكواكب السيارة 195

[496]ــ رحلة  تافور 3 / 64 ، المدخل لابن الحاج 2 / 203 ، 206 ، الطبقات الكبرى للمناوى 388 ، الضوء اللامع 2 / 266

[497]ــ عقد الجمان وفيات عام  721 لوحة 374 ر  الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 161  وشذرات الذهب 8 / 176

[498]ــ إنباء الغمر 1 / 480  الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 129 ، 160

[499]ــ الطبقات الكبرى للشعراني 2 / 206 ،     الضوء اللامع 4 / 247 ، روض الرياحين 203 ، الغزى الكواكب 1 / 87

 

[500]ــ  المنهل الصافى 4 / 94  

[501]ــ  الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 122

[502]ــ تحفة الأحباب 196 . الكواكب السيارة 74

[503]ــ الكواكب السيارة 43 

[504]ــ الأمثال الشعبية  تيمور 179

[505]ــ تكسير الأحجار 147 : 148

[506]ــ رفع الأصر لابن حجر 347 : 348

[507]ــ النجوم الزاهرة 15 / 490 ، تاريخ ابن اياس  2 / 232 تحقيق محمد مصطفى

[508]ــ الكواكب السيارة 299 ، 300

[509]ــ عقد الجمان وفيات 816 لوحة 386

[510]ــ السلوك 4 / 2 / 833

[511]ــ السلوك 4 / 3 / 1139

[512]ــ تاريخ ابن طولون 2 / 27

[513]ــ انباء الغمر 6 / 475

[514]ــ خطط المقريزي 4 / 209

[515]ــ التبر المسبوك 370

[516]ــ تاريخ الجزرى 1 / 54

[517]ــ الصفدى : نكت الهميان  213

[518]ــ فوات الوفيات 1 / 102

[519]ــ تاريخ البقاعي حوادث سنة 879 : 151

[520]ــ السلوك 3 / 1 / 206  حوادث 774 ، تاريخ ابن اياس 1  / 2 / 113 ، 114

[521]ــ الضوء اللامع 3 / 124 ، انباء الغمر 2 / 367

[522]ــ تاريخ ابن اياس 4 / 260  حوادث 918

[523]ــ صبح الأعشى 4 37 : 38 ، زبدة كشف المماليك 109

[524]ــ النجوم 11 / 120  ، تاريخ الخلفاء لابن حجر الهيئي  130  ت السلوك 3 / 1 / 199

[525]ــ انباء الغمر مخطوط ورقة 1052 ، 1053 ، نزهة النفوس مخطوط ورقة 184

[526]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 271 : تحقيق محمد مصطفى

[527]ــ السلوك 4 / 2 / 815

[528]ــ مذكور في حياة الحيوان للدميري 2 / 18

[529]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 455

[530]ــ المدخل 3 / 86

[531]ــ المستظرف 37

[532]ــ رحلة ابن بطوطة 1 / 20

[533]ــ نزهة النفوس مخطوط 844 ورقة 193

[534]ــ منها مثلا في حوادث 801 : السلوك 3 / 3 / 962 ، حوادث 803 : انباء الغمر 2 / 144 ، حوادث 821 : انباء الغمر 3 / 155 ، حوادث 844 : السلوك 4 / 3 / 1206

[535]ــ لطائف المنن 34

[536]ــ نزهة النفوس مخطوط حوادث 841 ورقة 118 ب ، النجوم الزاهرة 15 / 97 : 98 ، تاريخ ابن اياس 2 / 184 تحقيق محمد مصطفى

[537]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 442

[538]ــ احمد أمين قاموس العادات والتقاليد  137

[539]ــ الشعراني : البحر المورود 127

[540]ــ المدخل 3 / 13 ، أيضا 2 / 50 ، 51

[541]ــ كلوت بك : لمحة عامة 2 / 74

[542]ــ تنبيه المغترين 249

[543]ــ لطائف المنن 313 ، 334

[544]ــ التبر المسبوك 403

[545]ــ ذكر في تحفة الأحباب : 423 :   ...

[546]ــ الكواكب السيارة 81 ، 84 ، 106 ، 127

[547]ــ الكواكب السيارة 48 ، 77 ، 81 ، 84 ، 96 ، 132 ، 150 ـــ ، 197 ، 302 ، 311 ،   تحفة الاحباب : 346 ، 329 ، 240

 

[548]ــ عبد اللطيف إبراهيم : رسالة في الدكتوراة  124

[549]ــ محمد امين : الأوقاف في العصر المملوكي رسالة دكتورة غير منشورة 76 ، 77 ، 111 ، 173 ، 395

[550]ــ كيلانى : مقدمة ديوان البوصيري

[551]ــ إنباء الغمر 2 / 47 ، أنظر رسالة الاوقاف 449 : 460

[552]ــ د محمد أمين : الأوقاف في العصر المملوكى 480 : 488 ، 469 : 477 ، 381

[553]ــ الأوقاف في العصر المملوكى 480 : 488 ، 469 : 477 ، 381

[554]ــ أحمد امين : قاموس العادات والتقاليد 76 ، رسالة الأوقاف 361 : 370

[555]ــ قاموس العادات والتقاليد 76

[556]ــ إنباء الغمر مخطوط 886 ،  887، السلوك 4 / 2 / ،  939 ، النجوم الزاهرة 15 / 57 : 58

[557]ــ حوادث الدهور 1 / 16 : 17

[558]ــ المدخل 1 / 39

[559]ــ وثيقة مغلطاى الجمالى

[560]ــ الشعرانى العهود المحمدية 65

[561]ــ لطائف المنن للشعراني 339

[562]ــ الكواكب السيارة 137 ، 252 ، تحفة الأحباب 377 ، 378

[563]ــ إنباء الغمر 2 / 76

[564]ــ تاريخ الجزرى مخطوط 3 / 62

[565]ــ التبر المسبوك 136 ، 85 ، مناقب الحنفى 44

[566]ــ التبر المسبوك 136 ، 85 ، مناقب الحنفى 44

[567]ــ تاريخ ابن اياس 2 / 243 طــت بولاق ، تحفة الأحباب 75 ، 76

[568]ــ النجوم 11 / 385 ، السلوك 3 / 2 / 685

[569]ــ الكواكب السيارة 153

[570]ــ إنباء الغمر 203

[571]ــ طبقات الشاذلية 88

[572]ــ الدرر الكامنة 4 / 107

[573]ــ الطبقات الكبرى 2 / 125

[574]ــ التبر المسبوك 136

[575]ــ البدر الطالع 2 / 233 ، 272

[576]ــ ذيل الدرر الكامنة مخطوط 9203

[577]ــ تاريخ ابن كثير 14 / 220

[578]ــ لطائف المنن 339

[579]ــ أمثال تيمور 110

[580]ــ النفحات الأحمدية 264

[581]ــ الخطط المقريزية 2 / 131 ، صبح الأعشى 3 / 337

[582]ــ أمثال تيمور ورقة 389

[583]ــ الطبقات الكبرى  1 / 172

[584]ــ التبر المسبوك 302

كتاب : ( أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية
فكرة عن كتاب : ( أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية ).
سبق نشر كتاب ( اثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ) من رسالة الدكتوراة التى نوقشت فى جامعة الأزهر فى اكتوبر 1980. وننشر أهم ما بقى من فصول تلك الرسالة فى هذا الكتاب: ( أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية) ، ونتابع فيه ما سبق نشره ، أى كتاب ( اثر التصوف فى الحياة الدينية ) بأجزائه الثلاثة. وكتاب ( أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية ). وستُضاف خاتمة لهذا الكتاب (أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية ).
مع ملاحظة أن هذا الكتاب بالذات تعرض لتفصيلات فى العصر المملوكى ، العلمية والتعليمية
more