رقم ( 3 )
الفصل الثانى : مفرادات الانحلال الخلقى الجسدى عند الصوفية .

الفصل الثانى : مفرادات الانحلال الخلقى الجسدى عند الصوفية.

ـ التصوف والزنا :

ـ  عبادة الجنس وتأليه المرأة، طقوس الزنا ، وعظ النساء وآداب الجماع، شيخات من العاهرات ، الوعظ الصوفى فى الأرياف وللأميرات ، اعتراف النساء للشيخ فى الخلوة ، المؤاخاة ، مقدمات الزنا فى

مقالات متعلقة :

       طقوس التصوف ،  الإيقاع بالنساء ، بعض الأشياخ الزناة، صوفية قوادون .

ــ  الشذوذ الجنسى والتصوف :

  ــ الشذوذ أصل عقيدة التصوف : عقيدة الشاهد ، تطبيق الشذوذ وفق عقيدة الشاهد ، فقه الشذوذ الجنسى عند الصوفية ، من الصوفية المشهورين بالشذوذ.

ـ التصوف والحشيش :

ـ الصوفية واكتشاف الحشيش ، ضرورة الحشيش للصوفية ، تشريع الحشيش ، أشهر الصوفية  

      الحشاشين فى المصادر التاريخية ، الصوفية موزعوا الحشيش  فى المصادر الصوفية .

مفردات الانحلال الخلقى الجسدى

عند الصوفية

ـ التصوف والزنا :

عبادة الجنس وتأليه المرأة :

       1 ـ لم يكن منتظرا من جموع العامة أن تتفهم الاصطلاحات الصوفية الفلسفية الداعية للزنى، فكيف لأحدهم أن يفهم قول ابن عربى عن مراحل الشهود فى لحظة الجماع( إذا شاهد الرجل الحق فى المرأة كان شهودا فى منفعل ، وإذا شاهده فى نفسه من حيث ظهور المرأة عنه شاهده فى فاعل ،وإذا شاهده فى نفسه من غير استحضار صورة ماكان شهودا  فى منفعل عن الحق بلا واسطة .. فشهود الحق فى النساء أعظم الشهود وأكمله)، ولم يكن منتظرا من فلاسفة الصوفية أن يطالبوا العامة بالصعود إلى برج التصوف الفلسفى ، ولكن ابن عربى لحاجته إلى التغلغل بين العامة نزل إلى مستواهم فألف طريقته الصوفية ( الطريقة الأكبرية) وكتب فلسفته عن تأليه المرأة وعبادة الجنس شعرا سهلا يمكن تداوله والتغنى به ، خصوصا وقد ركز فيه على أساطير الحب المشهورة مثل قيس وليلى وجميل وبثينة وكثير وعزة ، ومع شهرة هذا القصص بالعفة والعذرية إلا أن شهرته بين طبقات المجتمع واتصاله بالعواطف الإنسانية حفز الصوفية لاستغلاله ليكون موصلا لفلسفتهم الاتحادية فى موضوع العشق والجنس .

         والشعر يتيح الشهرة للآراء التى يحملها ، خصوصا فى البيئات العربية ، لذا أغرم الصوفية به فاستخدموه فى تقريب عقائدهم للأغيار أى غير الصوفية ، ثم أضفوا  اللمسة الصوفية الاتحادية على الجماع والمرأة .

     وفى دراسة سريعة لتائية ابن عربى: يقول عن حلول الله حتى فى الحيوانات :

      وفى الحيوان ، الكل أبرز ظاهرا           من الفيل حتى انتهى للبعوضة

         ويكرر أقواله عن خلق آدم وحواء فيقول متحدثا عن الله تعالى :

           فأظهـر إنسـانا تسـمى بآدم           وأسكن فى الجنات أرفع جنـة

           وأبـرز حــــواء بحكــم إرادتــــى          ليحصل تأنيسا وذهب وحشـتى

           فأعطـيُتها بعـض الصـــفات فشــرفت           بأن رجعت مستودعا نشر طينتى

           وأظـــهر  منى العالم  الأنسى كلـــــه          إلى النقل من بعد الظهور بقوتى

      ثم يفترى أن الله هو الذى يحل فى الرجل والمرأة حين تبدأ الملامسة بينهما .

ومالمست فى الكون كفا للامس           سواها فلا تحجبك عنها بخمسة

     ثم يقول :

        وما مدرك فى الكــون إلا جمــالهـا      ولا مـــدرك إلا جمــــال بثـــينة

       وليـس جـمـيل من بثــينة غـيرهـا      فــــلا تنسـب يومــــا إلى الثنـوية

       فيرى أن الله هو الجمال الحقيقى فى الأشياء وفى الكون وفى النساء العاشقات وعشاقهن ، مثل جميل وبثينة، ويتهم بالثنوية من يفصل بين الخالق والمخلوق ولا يؤمن بوحدة الوجود، والثنوية هى عبادة إلهين، وإلى هذا الحد تبلغ مغالطة ابن عربى ، ثم يقول داعيا العشاق للانحلال:

فيامعشر العشاق موتوا صبابة              ففى مثل هذا منيتى بمنيَتى

       ثم يكرر دعوته لشهود الله فى المرأة عند الجماع الجنسى فيقول :

ومن نظر العشاق بالنقد إنما                  رأى حالهم لكن بعين سقيمة [1]

      وعلى النسق كان إبراهيم الدسوقى يقول :

تجلى لى المحبوب فى كل وجهة             فشاهدته فى كل معنى وصورة

    وبعد أن يتحدث عن وحدة الوجود والحلول والاتحاد ، يقول عن عبادة المرأة والجنس

       بذاتى تقوم الذوات فى كـــل ذروة             أجدد فيـها حلـة بعـد حلـة

       فـليلى وهنـد والربــاب وزيـنب              وعلوى وسلمى بعدها وبثينة

      عبـارات أسمـاء بغـير حقيقـــــة           ومالوحوا بالقصد إلا لصورتى[2]

   وكان ابن الفارض أشهرهم خصوصا فى تائيته المعروفة بنظم السلوك والتى إهتم الصوفية بترتيلها وشرحها، يقول:

         وصرح بإطـلاق الجمـال ولاتقل               بتـقييده ميـلا لزخرف وزينــة

         فـكل مليـح حسنه من جمالهـا                معار له ، بل حسن كل مليــتحة

         بها قيس لبنى هام، بل كل عاشق               كمجنون ليـلى أو كثـير عــزة

         ومـاذاك إلا أن بدت بمظاهــر                فظنوا سواها ، وهـى فيها تجـلت

         ففى النشأة الأولى تـراءت لآدم                بمظهر حوَا قبل حكم الأمومـــة

         فهـام بها كيما يكـون بها أبـا               ويظهــر بالزوجين حكــم البنوة

         وكان ابتداء حب المظاهربعضها                 لبعض ولاضد يصــد ببغضـــه

         ومابرحت تبـدو وتخفـى لعلـة               على حسـب الأوقـات فى كل حقبة

         وتظـهر للعشاق فـى كل مظهر                من اللبس فى أشكال حسـن بديعـة

         ففى مرة لبنى وأخرى بثينــة                 وآونة أدعى بعـزة عــــــزة

         ولسنا سواها ولا كن غيرهــا                 وما إن لها فى حسنـها من شريكة

         كذلك بحكم الاتحاد  بحســنها                  كما لى بدت فى  غيـرها وتـزيت

        بدوت لها فى كل صب متيـــم                 بــأى بديــع حســنه وبأيـة

        وماالقـوم غيرى فى هواها وإنما                ظـهرت لهم للبـس فى كل هيـئة

        ففى مرة قيسا وأخرى كثيــــرا             وآونـة أبـدو جميـــل بثينــة

        تجليـت فيهم ظـاهرا أو احـتجبت              باطنا بهم فأعجب لكشـف بصـيرة

         فكل فتـى حـب أنا هو، وهى حب              كل فتى، والكل أسمـاء لبســـة

        أســــام بها كنت المسمى حقيقة            وكنت لى البادى بنفس تخفــــت

          ومازلــــت إياها وإياى لم تزل              ولا فرق بل ذاتـى لذاتـى أحبـت[3]

      

         أى أنه يجعل الله ( تعالى)  يحل فى ذات العاشق والمعشوق معا فهو ( أى الله تعالى يحل فى كل عاشقين تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

        ومات ابن الفارض فى مصر قبل العصر المملوكى ، ولكن العصر احتفظ له بتقديس هائل تمثل فى إقامة أضرحة على ذكراه ، وطريقة صوفية حملت إسمه، واضطهاد للمنكرين عليه كما حدث مع البقاعى فى أواخر القرن التاسع ، ولايزال لابن الفارض  قدسيته فى قلوب المصريين ولقبه حتى الآن هو (سلطان العاشقين) الذى استحقه بسبب تائيته تلك ، وأشعاره الأخرى التى دارت حول مايعرف بالعشق الإلهى .

           2 ـ وفلسفة العشق الإلهى تحدث عنها الغزالى فى الاحياء ، ثم عبدالكريم الجيلى فى كتابه(الإنسان الكامل)[4] . والجيلى أحد فلاسفة  التصوف القلائل فى القرن الثامن.                                                                                                                 

          ولسنا فى معرض التفصيل لفلسفة العشق الإلهى عند الصوفية ولكننا نلمح إليه من خلال عبادة الجنس وتأليه المرأةعند الصوفية باعتباره مدخلا للزنا عندهم .

         ويلفت النظر أن الشعر كان أهم مظهر حمل فلسفة العشق الإلهى ، ليس لسهولة الشعر وإمكانية حفظه واستظهاره وانشاده أو التراقص به فحسب ، ولكن أيضا لما يتيحه الشعر من ضرورات للشاعر يستطيع الصوفى أن يتخفى وراء هذه الضرورات ويقول مايقول باعتباره شاعرا طفح به الوجد الإلهى ، ولن يجد إنكارا بل  سيجد متعاطفين ومؤيدين ، كما أن الشعر يستطيع أن يتغلغل فى الوجدان الشعبى أيسر وأسهل والتصوف قائم على الوجدان ومناقض للعقل ، ومن أجل ذلك انتشرت أشعار ابن الفارض وعاش حياته مصونا من الإنكار عليه ، واستمر شعره ومكانته بعد موته ، بينما حورب ابن عربى فى حياته وبعد موته وهدم قبره أكثر من مرة لأن أغلب انتاجه مصنفات لايقرؤها إلا الخاصة ، وأغلبهم فقهاء خصوم للصوفية .

         وفكرة " العشق الإلهى  " تحقق غرضا هاما للصوفية هو إزالة الفوارق بين الخالق والمخلوق وتحقيق المساواة بينهما لتحقيق الوحدة فى الوجود، ولذلك اختاروا عن عمد لفظ العشق ، والعشق لايكون إلا لما(ينكح) أى لما يوصف باللقاء الجنسى ، وذلك ماذكره ابن الجوزى فى الرد عليهم : ( فإن العشق عند أهل اللغة لايكون إلا لما ينكح) ويضيف ( إن صفات الله عز وجل منقولة فهو يحب ولا يقال يعشق)[5]. أى أن صفات الله ينبغى أن ننقلها من القرآن ، وفى القرآن إن الله يحب وليس فيه إضافة وصف العشق لله تعالى ، لأن العشق من صفات البشر ، وتعالى الله أن يوصف بصفة بشرية .

         والذى لم يفهمه ابن الجوزى أن التصوف تدين جديد له مصطلحاته الخاصة وعقائده الخاصة ووحيه وطقوسه ، وإذا كان القرآن يؤكد على تنزيه الله بتكرار( سبحانه وتعالى عما يصفون) فى مناسبات التعليق على أقاويل المشركين فإن الصوفية يؤكدون على محو الفوارق بين الخالق والمخلوق ، ومن وسائلهم ( العشق الإلهى) وفى ذلك يقول السرى السقطى ثانى رائد للتصوف بعد معروف الكرخى ( مكتوب فى بعض الكتب التى أنزل الله تعالى : إذا كان الغالب على عبدى ذكرى عشقنى وعشقته)[6]. فهو مساواة بين العبد والرب وعشق متبادل بينهما، ثم المصدر الذى استقى منه السرى السقطى ذلك الإفتراء هو ( بعض الكتب التى أنزل الله ) أو وحى شيطانى مفترى كالعادة فى تدين البشر الذى يسمح بالوحى الإلهى كذبا .

          والعشق يعنى الإلتقاء الجنسى ، لذا ترددت فى أشعار العشق الإلهى الصوفى عبارات حسية ، بل أن مقامات العشق الإلهى عن الغزالى فىالإحياء كلها مراحل العلاقة البشرية بين الرجل والمرأة ، وقد جعلها عناوين فى كتابه . وبداية العشق فى تاريخ التصوف مرتبط بتاريخ عقائده ، فحين بدأ التصوف على إستحياء خوف الإنكار كانت رابعة العدوية ( شهيدة العشق الإلهى) تقول كأنها تخاطب حبيبها من البشر .

أحبك حبين حب الهوى               وحبا لأنك أهل لذاك ...

         ثم بدأ القول بالحلول والاتحاد أى الوحدة الجزئية فكانوا يقولون ( أن الله اصطفى أجساما حل فيها ، بمعنى الربوبية وأزال عنها معانى البشرية ، ومنهم من قال بالنظر إلى الشواهد المستحسنات) ( ومنهم من قال حال فى المستحسنات، وقال أنا أعشق الله عزوجل وهو يعشقنى ، وقال القاضى أبويعلى: ذهبت الحلولية إلى أن الله يعشق )[7].

        وهذه الأقوال الصوفية التى ذكرها ابن الجوزى عن رواد التصوف لم تلبث أن تطورت مع تطور العقيدة الصوفية فى الإحياء للغزالى ، وقد ألمح كثيرا إلى وحدة الوجود حسبما ذكرنا، وكان لابد أن يلمح إلى الصلة بين الجنس وبين الإتحاد الصوفى بالله ، وهى الناحية التى ركز عليها ابن عربى فيما بعد ونظمها ابن الفارض شعرا .

       فالغزالى يقول ( فإن وجدت الصفة التى بها المعشوق ووجد العلم بصورة المشتاق إليه كان الأمر ظاهرا، وإن لم يوجد العلم بالمشتاق وجدت الصفة المشوقة حركت قلبك الصفة واشتعلت نارها أورث ذلك دهشة وحيرة لامحالة ، ولو نشأ آدمى وحده بحيث لم ير صورة النساء ، ولا عرف صورة الوقاع ثم راهق الحلم لكان يحس من نفسه بنار الشهوة ولكن لا يدرى أنه يشتاق إلى الوقاع لأنه ليس يدرى صورة الوقاع ولايعرف صورة النساء. فذلك فى نفس الآدمى مناسبة فى العالم الأعلى واللذات التى وعد بها فى سدرة المنتهى والفراديس العلى ، إلا أنه لم يتخيل من هذه الأمور إلا الصفات والأسماء كالذى سمع لفظ الوقاع واسم النساء ولم يشاهد صورة امرأة فقط ...)[8].

        فالغزالى يقترب ويناور من النقطة التى صرح بها ابن عربى فيما بعد فى جعل النكاح المظهر الأسمى للآتحاد الصوفى بالإله ، ويحاول الغزالى الإقتراب بطريق آخر هو إضفاء الصبغة الدينية على عملية الجماع عند الصوفية فيقول( كان بعض الصالحين يكثر النكاح حتى لايكاد يخلو من اثنتين أو ثلاث ، وأنكر بعض الناس على الصوفية أنهم ينكحون كثيرا .. وكان الجنيد يقول أحتاج الجماع كما أحتاج القوت) ثم لايكتفى وإنما يمارس هوايته فى تأليف الأحاديث النبوية فيروى حديث للنبى يقول( شكوت إلى جبريل ضعفى فى الوقاع فدلنى على الهريسة )[9]

        ثم جاء ابن عربى  فنسج على منوال الغزالى وتوسع فأحل النساء جميعا ، وسار أتباعه على منواله كما سبق بيانه . وإن كان الجماع يمثل هذه النقطة الفاصلة فى العقيدة الصوفية وإذا كان للمرأة ذلك المركز الهائل فلابد أن تكون هناك طقوس دينية للزنا فى عصرنا المملوكى .. وذلك ماكان ..

طقوس الزنا:

       1ــ جاء فى تلبيس إبليس مايلى ( وبإسناد عن أبى القاسم بن على بن المحسن التنوخى ، عن أبيه قال : أخبرنى جماعة من أهل العلم أن بشيراز رجل يعرف بابن خفيف البغدادى شيخ الصوفية هناك ، يجتمعون إليه ويتكلم عن الخطرات والوساوس ، ويحضر حلقته ألوف من الناس ، وأنه فاره فهم حاذق ، فاستغوى الضعفاء من الناس إلى هذا المذهب ، قال فمات رجل منهم من أصحابه وخلف زوجة صوفية ، فاجتمع النساء الصوفيات وهن خلق كثير ، ولم يختلط بمأتمهن غيرهن ، فلما فرغوا من دفنه دخل ابن خفيف وخواص أصحابه وهم عدد كثير إلى الدار وأخذ يعزى المرأة بكلام الصوفية إلى أن قالت : قد تعزيت فقال لها : هاهنا غير ؟ فقالت لاغير ، قال فما معنى إلزام النفوس آفات الغموم وتعذيبها بعذاب الهموم ؟ ولأى معنى نترك الإمتزاج لتلتقى الأنوار وتصفوا الأرواح ويقع الإخلافات وتنزل البركات ؟ قال، فقلن النساء إذا شئت، فاختلط جماعة الرجال بجماعة النساء طول ليلتهم ، فلما كان سحر خرجوا ، قال الحسن( الراوى): هاهنا غير : أى هنا غير موافق المذهب ، فقالت لاغير : أى ليس مخالف ، وقوله نترك الإمتزاج كناية عن الممازجة فى الوطء ، وقوله لتلتقى الأنوار، عندهم أن فى كل جسم نورا إلاهيا ، وقوله الإخلافات أى يكون لكن خلف ممن مات أو غاب من أزواجكن . قال المحسن وهذا عندى عظيم ولولا أن جماعة يخبرونى يبعدون عن الكذب ماحكيته ، لعظمه عندى واستبعاد مثله أن يجرى فى دار الإسلام ، قال وبلغنى أن هذا ومثله شاع حتى بلغ عضد الدولة فقبض على جماعة منهم وضربهم بالسياط وشرد جموعهم، فكفوا.." [10]. فذلك الصوفى المنظر الفيلسوف الذى يتكلم عن الخطرات والوساوس فى ندوات تضم الآلاف مالبث أن خلط التصوف النظرى بالتصوف العملى، خصوصا وقد انضم إليه الكثيرون من العامة من الرجال والنساء ، وأصبحت لهم لغة خاصة يتفاهمون بها، رأينا نموذجا منها حين مارسوا ـ جماعة ـ طقوس الزنا وفق دينهم الذى يدعون إليه ، وقد شاع خبرهم وانضم إليهم الكثيرون، ولولا أن حاكما حازما هو عضد الدولة اعتقلهم وشرد جموعهم لانتشرت هذه الطقوس إلى بقية البلاد . وفيما بعد لم يكن هناك حاكم على مستوى عضد الدولة اعتقلهم وشرد جموعهم لانتشرت هذه الطقوس إلى هذه البلاد وفيما بعد لم يكن هناك حاكم على مستوى عضد الدولة ، بل كانوا من مؤيدى التصوف ، خصوصا وأن الصوفية يجيدون قيادة العامة ويباركون ظلم الحكام ونفاقهم ، فانتشرت مؤاخاة الصوفية للنساء فى مجتمع يميل فيه أغلبية العامة والمحكومين إلى ممارسة الرذيلة ، ويتطلع إلى إضفاء الشرعية عليها ، يقول ابن الجوزى عن المؤاخاة الصوفية للنساء( وبلغنا أن جماعة منهم أنهم يؤاخون النساء ، ويخلون بهن ، ثم يدَعون السلامة )( ويقول ومن الصوفية قوم أباحوا الفروج بادعاء الأخوة، فيقول أحدهم للمرأة تؤاخينى على ترك الاعتراض فيما بيننا ) [11].

        2ــ إذن بدأت طقوس الزنا فى تدين التصوف تأخذ طريقها للإنتشار .. فارتبطت الخلوة بالنساء بمؤاخاتهم ودعاوى البعض السلامة من الوقوع فى الفحش ، ثم صراحة البعض الآخر فى اختراع عقد للمؤاخاة فى صورة عهد ومبايعة بينه وبين المرأة أساسه أن يتمتع بها دون أى التزام نحوها أو منغصات نسائية مثل الغيرة ، فلا يعترض عليها إذا رآها مع غيره ولاتعترض عليه إذا رأته مع غيرها ..

         3ــ  حتى إذا تسيد التصوف عصرنا المملوكى بدأ الصوفية يمارسون طقوس الزنا من خلوة ومؤاخاة دون اهتمام باعتراض بعض المنكرين من فقهاء التصوف كابن الحاج والشعرانى ، وأولئك يشغلهم الحفاظ على سمعة التصوف من أى إنكار عليه خصوصا بعد حملة ابن تيمية ومدرسته . ولكن كان الزنا ضرورة لبعضهم كى يحقق  عقيدة الاتحاد التى رأينا طرفا منها فى كلام ابن خفيف البغدادى مع النساء فى ممارسة الجنس الجماعى والتى حكاها ابن الجوزى.  

وعظ النساء وآداب الجماع :

         1ــ  وقد عم الإعتقاد فى التصوف رجال العصر المملوكى ونساءه ، وصار الأشياخ مقصد الألوف المؤلفة ، يحج إليهم المريدون رجالا ونساء من شتى الطبقات الإجتماعية ، مما أتاح لطقوس الزنا أن ترفع لافتة التعليم والوعظ للنساء ضمن لافتات أخرى .

          وفى بداية القرن التاسع اشتهر الشيخ أحمد الزاهد بتخصصه فى وعظ النساء ، وقد بدأ فى صبغ وعظه لهن بالصبغة الملائمة فكان يعلمهن ( حقوق الزوج وآداب الجماع) على حد قول الشعرانى ، وامتلأت حلقاته بجموع النساء وحدثت مشاكل بينه وبين الفقهاء فى عصره بسبب ذلك ، ولأسباب أخرى تتمثل فى اهتمامه بإقامة زوايا أخرى ليوسع نشاطه، وبسبب هذه الشهرة فقد أوسعت له الحوليات التاريخية مكانا ضمن المشاهير[12].إذن بدأ الشيخ أحمد الزاهد حملة لتعليم النساء فى زاويته آداب الجماع ، وقد أسلفنا مايعنيه مدلول الجماع فى عقيدة الصوفية ، ولقد كان أحمد الزاهد صوفيا متمسكا بالأصول التراثية للتصوف ـ كما يبدو فى ترجمته فى طبقات الشعرانى ــ فكان كارها للفقه والفقهاء ملتزما بالتقية والمداراة فى مجتمع العصر المملوكى الذى يدين للصوفية ويخضع لهم ، وبسبب شهرته فى التقية سُمى بجنيد القوم، ولم يكن فى عصره مايستوجب التقية والمداراة إلا مايخص طقوس الزنا وآداب الجماع فى المفهوم الصوفى ..

          والشعرانى كان ضمن الذين تأثروا بأحمد الزاهد وطريقته فى تعليم النساء ، فتراه يفتخر بأنه ( كُسر قفص طبعه) أىلم يعد يخجل( حتى صار لايستحى من تعليم النساء الأجانب آداب الجماع ) [13]. ثم ازداد اتصال الأشياخ الصوفية بالنساء حتى ( كانوا يقرؤهن البخارى والقرآن فى الموالد )[14] ضمن الحفلات التى يختلط فيها الرجال والنساء.

         ويقول الشعرانى محذرا ( إياك أن تمكن جاريتك أن يأخذ أحد من فقراء الأحمدية أوالبرهامية عليها العهد .. فإن كثيرا من الفقراء يعتقدون أنه صار والدها يجوز له النظر إليها) ثم يقول ( وقد حصل ذلك لبعض إخواننا ورأى صاحبه يفعل الفاحشة فى زوجته)[15]. والذى يهمنا الآن  من هذا النص أن الفقراء الأحمدية والبرهامية اشتهروا بنشر المؤاخاة وإعطاء العهود للنساء بالمفهوم الصوفى الذى يعنىممارسة الزنا .

        والشعرانى الذى يعطى هذه الصورة عن الصوفية الأحمدية ـ أتباع البدوى ـ والبرهامية أتباع الدسوقى هو نفسه الذى يتحدث عن جهود الشيخ محمد الشناوى فى إعطاء العهود للنساء ومحمد الشناوى هو أحد الأشياخ المشهورين فى الطرق الأحمدية. يقول فى ترجمته ( أنه لقن النساء الذكر .. ورتب لهن المجالس فى البلاد ، وكان يقول يافلانة اذكرى أهل حارتك ويافلانة اذكرى بأخواتك )[16]. ولم تقتصر مجهوداته على الريف بل وصلت للطبقة العليا فكان يلقن ابنة الخليفة العباسى بالقاهرة وجواريها الذكر[17]. فالشعرانى يعترض ويحذر من الشيوخ المعاصرين له ويتهمهم بالزنا ، بينما يتحدث ببراءة عن شيوخه ، مع أن الجميع يمارسون نفس الطقوس تحت نفس الشعارات .

شيخات من العاهرات :

         1ـ ولاشك أن تلميذات محمد الشناوى فى الأقاليم كان منهن من أصبحت (شيخة) فيما بعد ،فقد انتشر التمشيخ بين النساء بالمفهوم الصوفى ، وقد أثارت هذه الظاهرة إنكار الفقيه الصوفى ابن الحاج ، وقد أتى من المغرب للقاهرة ليجد فيها فنونا من الإنحراف الصوفى أوسع لها فى كتاب المدخل ، وذكر بعضها بصراحة دون تمسح بالمسميات والشعارات التى برع فيها الصوفية المصريون حتى من فقهاء التصوف كالشعرانى. فابن الحاج ينكر " ما أحدثوه من اعتقاد بعض النسوة وزيارتهن" أى اعتقاد الرجال فى ولاية بعض النسوة وتوافدهم عليهن بحجة التبرك ، ثم يقول " وبعض الشيخات تلبس الصوف لمن ثابت على يدها ودخلت طريقها " وهو يستخدم مصطلح التوبة الصوفى ويذكرنا بمقالة ابن الجوزى عن استخدام نفس المصطلح فيمن تهجر بيتها وتلحق بالصوفية ( فيقال تابت فلانة وألبسها الشيخ الخرقة ).

           ثم يضع ابن الحاج يده على ظاهرة خطيرة فى أولئك الشيخات الصوفيات فى القرن الثامن حين قال متعجبا ( إن العجيب أنهن لايمضين إلى موضع لعمل الذكر فيه إلا بعد دفع الرسم المقرر لضامنة المغانى)[18]. وضامنة المغانى هى التى تتولى جمع الضرائب من المومسات وتسلمها للدولة ، إذن فأولئك الشيخات مسجلات ضمن المومسات فى العصر المملوكى يدفعن الرسوم( لضامنات المغانى) ،فأولئك الضامنات يعلمن بحقيقة الذكر المزعوم ، ولاريب أن هذا الصنف من بائعات الهوى وجد فى التصوف مشروعيته الدينية والإمكانية الكبرى للإنتشار والإزدهار . والدولة المملوكية كانت تسمح بالبغاء وتخول " ضامنة المغانى" جمع الضرائب من العاهرات ، وتعجب ابن الحاج من وجود العاهرات الشيخات .

          2ـ ونعود إلى الشيخ محمد الشناوى وقد زرع محافظة الغربية وغيرها بالشيخات يرتب لهن المجالس حسبما يذكر الشعرانى ــ ولابد أن تأخذ إحداهن التصريح بإقامة الحفلات من ضامنة المغانى ، ثم يكثر التوافد عليهن أو زيارتهن أو بتعبير ابن الحاج ( ما أحدثوه من اعتقاد بعض النسوة وزيارتهن ) ثم يكثر انخراط المحترفات من النساء فى العمل لدى الشيخة أو بتعبير ابن الحاج ( وبعض الشيخات تلبس الصوف لمن تابت على يدها ودخلت طريقها ) أى كانت العاهرة ــ الشيخة ــ  تستقطب النساء للعمل تحت مصطلحات التصوف ، من" لبس الصوف" " والتوبة" " ودخول الطريق" ثم تقيم حفلات الذكر الجماعى ( أو الجنس الجماعى) ، وتكون بمأمن طالما دفعت حق الدولة من الضرائب إلى " ضامنة المغانى" وبذلك لايحدث لهم ماحدث لابن خفيف البغدادى وجماعته ، حين طاردهم السلطان عضد الدولة ، فيما حكاه ابن الجوزى آنفا . والمهم أن هذه الحفلات الماجنة كانت تدور فى حلقات مغلقة ولكن منتشرة ، وتحت حماية الدولة ومصطلحات التصوف ، وتحت ستار أشد ، وهو النقاب الذى كان الزى الرسمى للمرأة المملوكية ، وهو الذى يحجب شخصية المرأة ويعينها على التخفى والاستمرار فى الانحلال .

الوعظ الصوفى فى الأرياف وللأميرات:

        وإذا كان الشيخ محمد الشناوى يأتى من الأقاليم ــ الغربية وطنطا بالذات ــ للقاهرة ليعلم جوارى الخليفة العباسى وابنته طريقة الذكر الصوفى، فإن بعض الأشياخ الصوفية فى القاهرة كان يرسل مندوبين من لدنه إلى الأقاليم والغربية أيضا بالذات ليرد نفس الجميل مع النساء ، فقد ورد فى مناقب الحنفى أن أحد مريديه وهو الشيخ أبوطاقية كان لاينظر إلى امرأة أجنبية ولايأخذ العهد إلا على الرجال والشبان ، وقد دخل ذات مرة على شيخه شمس الدين الحنفى فى بيته فأمر الشيخ الحنفى ( إمراة أجنبية أن تلف رجليه فى الملاءة وتجعل إحداهما على ركبتها وتكبسها ) ثم أذن لأبى طاقية فى الدخول، فأنكر  أبوطاقية الوضع الذى رأى عليه شيخه شمس الدين الحنفى فى بيته مع هذه المرأة، فقال له الشيخ ( يا يوسف ما فى هذا الباب من هذا الباب  إلا أنا وأنت ، وقد أذنت لك أن تدعو النساء الأجانب إلى الله تعالى ، تدعو الرجال ولاتدعو النساء ؟ وهن أجهل من الرجال وأسوأ حالا منهم ؟ فكأنك مافعلت شيئا ؟ أخرج يا يوسف وادع الرجال والنساء إلى الله تعالى فيكثر ثوابك) فخرج يوسف فلما وصل إلى قطور( وصار يدعو الرجال والنساء إلى الله تعالى،  فكان أكثر مايدعو النساء الأجانب ويحثهم على طاعة الله .. ( حتى انتفع به نساء كثيرة ، وصاروا يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه ) حتى إذا سافر إلى القاهرة ليزور سيده الحنفى( يشترى لهن المساويك والسبح ، فإذا رجع إلى البلاد فرَق ذلك عليهن)[19]. فالشيخ أبوطاقية ذهب مبعوثا من شيخه الحنفى ليبشر بطريقته ــ أو بتعبيرهم ليدعو النساء إلى الله تعالى، وقد تعلم على يد شيخه أسس تلك الدعوة حين رأى امرأة أجنبية تكبس ساق شيخه وتضعها فوق ركبتها . ونجح أبوطاقية فى بعثته فتوثقت صلته بنساء الأقاليم ، وكان يأتى فى مهمات رسمية لهن يشترى لهن المسابح والمساويك .

         وحتى لانظلم الحنفى وأبا طاقية فإن مناقب الحنفى وهى المصدر الأساسى للتأريخ له يظهر نوعية العلاقة التى تربط الحنفى بالنساء ، والتى تحدد طريقة دعوته لله مع النساء ، ففى مناقب الحنفى أن نساء الأمراء كن يجتمعن بالحنفى ( على هيئات حسنة وجمال عظيم ) " وقد دخلت امرأة عليه فى أحد هذه الإجتماعات فأنكرت ما رأت " وتقول الأسطورة أن الحنفى أمر المرأة أن تعيد النظر إلى أولئك النسوة فرأت وجوههن عظاما بلا  جلد ولا لحم ورؤيتهن شنيعة فأغمى عليها واستغفرت الله تعالى فقال لها الحنفى ( والله ياستيت ما أنظر النساء الأجانب إلا كما نظرت إليهن فى هذه الساعة فلا تظنى بى إلا خيرا .. ياستيت إن لك فى بدنك علامات ، علامة تحت أبطك الأيمن ، وعلامة تحت فخذك الأيسر ، وعلامة فى صدرك ، وهن كذا وكذا ، وجعل يصف لها العلامات التى فى بدنها تحت ثيابها ، فقالت ياسيدى صدقت، والله إن زوجى لم يعلم بهن إلى الآن وأنا أستغفر الله وأتوب إليه مما وقع منى ).

         وعهدنا فى هذه الكرامات أنها تصاغ لكى تستر عيبا شائنا فى مسلك صوفية العصر المملوكى ، وبالنسبة للحنفى بالذات فقد صيغت هذه الكرامة بحذافيرها أكثر من مرة [20]. لكى تستر ما اشتهر به الحنفى من علاقات نسائية متعددة .وبعض الكرامات تشى بالعلاقات الخاصة جدا بين الحنفى والنساء المريدات ومنها أن زوجة أحد مريديه تضررت من غيابه الطويل واشتكت للحنفى ، فقال لها ( تعالى وقومى خلف ظهرى) فنادى زوجها بإسمه فسمعت المرأة صوت زوجها يجيب الشيخ فاطمأنت ، وأنه كانت امرأة من نساء الأمراء تأتى إلى بيت الحنفى فى يوم الميعاد ــ على ملأ الناس ــ ( وكان يظهر لها المودة والمحبة )[21]

          وشمس الدين الحنفى مجرد شيخ صوفى تميز عن آلاف الأشياخ المعاصرين له بأن مريده كتب مناقبه فى كتاب ( السر الصفى) وحاول أن يدافع عن شيخه بتأ ليف الكرامات ، وهناك آلاف الأشياخ الذين كانوا يفوقون الحنفى فى الشهرة والمريدين والصلة بالنساء ، ولكن لم يتيسر لأحدهم أن يكتب عنه المريدون بمثل ماكتب مريد الحنفى عن الحنفى . إذن ماخفى كان أعظم ، والأغلب أن الإنحراف يجرى فى الخلفاء .

        وعليه ، كانت صلة الصوفية بالنساء وثيقة على مستوى طبقة العامة وطبقة الأميرات، وفى الخلوة كان بإمكان الشيخ أن يتمتع بخلوته بهن وأن يتمتعن بخلوتهن معه ، إلى الحد الذى احتاج فيه الصوفية إلى صياغة كرامات تبرر هذا الوضع مستغلة تصديق الناس للكرامات والإيمان بها .

اعتراف النساء للشيخ فى الخلوة :

        1ــ  ومما ساعد على " تعميق " الصلة بين الأشياخ والمريدات ما اعتاده العصر من الاعتراف للشيخ الصوفى بالذنوب ــ وفق النظام المسيحى ، وكانت النساء" يعترفن سرا" للأشياخ بما تستحى إحداهن من قوله للزوج المسكين ، وقد أسلفنا أن حدود الوعظ الصوفى للنساء قد تلاشت بحيث اخترع الصوفية علما جديدا يدرسونه للنساء وهو آداب الجماع ، وماسبق قوله عن عقائد التصوف وحفلات الجنس الجماعى يوحى بأن آداب الجماع لم يكن علما نظريا شفويا ولكن ربما كان يمتد إلى التفعيل الواقعى ، بكل ما توحى به طقوس التصوف من أسرار وخلوة وعلاقات تحتية مما يجعل من تعليم " آداب الجماع" مصطلحا صوفيا آخر ، يعنى الممارسة الجماعية للجنس ، والشعرانى اعترف بقيامه بتدريس هذا الفن الجديد ، وقد سبق لنا إيراد بعض آراء الشعرانى فى إضفاء اللمحة الصوفية العقيدية على عملية الجماع فلابد أن ذلك كان من بنود وعظه لهن ، إذا التفت فى خلوته لمجرد التدريس فحسب ، ولكن طبيعة المرأة عموما والمرأة الشرقية خصوصا تؤكد على أنها تخجل من الخوض فى الموضوعات الجنسية مع الغرباء ، إذ لابد من علاقة خاصة جدا ترتفع فيها( الكلفة) بين الرجل والمرأة لينطلق الحديث بدون قيود أو انقطاع ..

  وهكذا .. فإذا كان الأمر قد تطلب من الشعرانى أن " يكسر قفص طبعه حتى صار لايستحى من تعليم النساء الأجانب آداب الجماع " فلابد أن يتطلب الأمر من النساء الأجانب أيضا أن " ينكسر قفص طبعهن" حتى يتجاوبن مع الشعرانى وحديثه الشيق عن آداب الجماع وطرق الجماع .. والشعرانى مهما تستر بالفقه فهو كما سبق بيانه تلميذ مخلص لابن عربى الذى لايحرم فرجا ، والذي يرى فى الزنا طريقا لتحققه بالإله عندهم .

         ونعود إلى اعتراف النساء للأشياخ باعتباره مظهرا من مظاهر  العلاقة الخاصة التى تفوق علاقة المرأة وزوجها ونقرأ مايقول الشعرانى ( أخبرتنى امرأة متديٍنة مصلية ، وقالت إنى أكره الخروج للسوق لأنى أنظر إلى الأشكال الحسنة فتميل إليها نفسى ، فأرجع لا أقدر أنظر إلى وجه زوجى ، وقد دخلت مرة سوق الوراقين فرأيت شابا فأخذ بجوامع قلبى ، فرجعت فوالله مارأيت زوجى فى عينى إلا كالعقرب أو كالغول أو كالعفريت أو كالبقرة ، وكما أن الرجل إذا رأى المرأة الحسناء مالت إليها نفسه فكذلك المرأة إذا رأت الشاب الأمرد الجميل تروح نفسها إليه ضرورة ، ورأيت مرة إنسانا من الطاق وزوجى عندى ، وصرت أنظر إلي حسن شكل ذلك الإنسان وحسن لحيته ووجهه وعيونه ، وأنظر إلى زوجى إلى تشعيث شعر لحيته ، وكبر أسنانه ، وأنفه ، وعمش عينيه ، وخشونة جلده وملبسه ، وفظاظته ، وتغيير رائحة فمه وإبطه ، وقبح كلامه ، فما كنت إلا فتنت بذلك الإنسان ، ثم تبت إلى الله تعالى عن الخروج لا لحمام ولا لزيارة ولا لغيرها .. ) [22]

         فهذه المرأة المتدينة المصلية ( التائبة ) كسر  قفص طبعها مع الشعرانى ، فاعترفت له فى خلوة بأدق أحاسيس المرأة نحو زوجها والرجال الآخرين ، وهى قد تابت بحيث  تصف له مشاعرها بهذه الصراحة المذهلة ، ولكنها لاتعد عيبا خروجها من البيت إلى زيارة رجل غريب هو الشعرانى وحديثها معه بهذه الصراحة عن غرامياتها المتعددة وذلك يعطى معنى اصطلاح التوبة لديهم ، وهو أن تسلم المرأة نفسها ولسانها وأشياء أخرى لشيخها الصوفى ، كالمريد مع شيخه ، فلا تخفى عنه شيئا .

         2ــ لقد كانت خلوة الصوفى بأى امرأة مرادفة لتمام الحرية فى القول والفعل بحيث تصبح الخلوة مجرد اصطلاح للزنا، وإذا صح القول بأن اجتماع رجل عادى بامرأة  قد يعنى أن الشيطان ثالثهما ، فإن دراسة نصوص الصوفية تظهر بأن الصوفى إذا خلا بامرأة فلا حاجة لوجود الشيطان بينهما ، إذ يكتفى الشيطان بوجود الصوفى ، وينصرف مسرورا ، ونكتفى بالاستشهاد بنص للشعرانى نقدمه مع الاعتذار الكافى ــ كالعادة ــ لنلمس إلى أى حد كان يتصرف الشيخ الصوفى على سجيته إذا خلا بامرأة ، يقول الشعرانى فىترجمة شيخه عبدالقادر السبكى ( وكان يتكلم بالكلام الذى يستحى منه عُرفا ، وخطب مرة عروسا فرآها ، فأعجبته ، فتعرى لها بحضرة أبيها ، وقال انظرى أنت الأخرى حتى لاتقولى بعد ذلك بدنه خشن أو فيه برص أو غير ذلك ..ثم مسك ذكره وقال انظرى هل يكفيكى هذا ؟ وإلا فربما تقولى هذا ذكره كبير لا أحتمله ، أو يكون صغيرا لايكفيك فتقلقى منى وتطلبى زوجا أكبر آلة منى) [23].

          ومهما اختلفنا فى تقييم موقف الشيخ عبدالقادر السبكى فلا ينبغى إهمال ذلك الفتح الجديد فى حقوق العروس قبل الزواج وفق التشريع الصوفى !!

          لقد تصرف الشيخ عبدالقادر السبكى بتلقائيه وعفوية حين جمعه أول لقاء مع عروسه ، ونحسبه قد تعامل معها وفق ماتعود مع الأخريات فى الخلوة ، وإذا استغرب قارىء اليوم هذا الكلام فلأنه لايعيش العصر المملوكى ولايعايش الصوفية فيه ،وإلا فلماذا جرؤ الشعرانى على مدح شيخه بمثل هذا الكلام ؟ ولماذا شاع هذا الخبر عن الشيخ عبدالقادر السبكى وتناقله الناس عنه إلا إذا كان منقبه تستوجب الفخر والاعتزاز لا الغضب والإشمئزاز، لقد كان الشيخ عبدالقادر السبكى مشهورا بالولاية إلى درجة افتخار الشعرانى به ، وترجمته له فى ( الطبقات الكبرى)، وكان له مريدون ، وربما كان بعضهن من النساء ويخلو بهن بحكم العادة ، وعرفنا طريقته الفصيحة فى التعامل مع النساء . وكيف أن تلك الطريقة الواضحة ذكرها الشعرانى فى ترجمته على أنها من مناقبه .

المؤاخاة:

          1ــ لقد انفتح الصوفية علىنساء العصر المملوكى وفق مدلول المؤاخاة وإعطاء العهد للمرأة ، ويكون الاجتماع المغلق بين الشيخ وبناته فى الطريق ، وقد بدأت المؤاخاة تأخذ طابعا مميزا لبعض الطوائف الصوفية دون بعضها ، وذلك فى القرن الثامن ، فرأينا الفقيه الصوفى ابن الحاج يقول فى ذلك مستنكرا( آخى بعضهم بين الرجال والنساء من غير نكير ولا  استخفاء ، ثم لم يقتصروا على ذلك ، بل كانت بعض النساء تعيش مع بعض الرجال ، ويزعمون أنها أخته مع الشيخ ، وقد آخته فلا تحتجب عليه ، إذ أنها صارت من ذوى المحارم علىزعمهم ) [24].

         إذن بدأت المؤاخاة فى بعض الطرق الصوفية تأخذ دور العلانية ( من غير نكير ولا استخفاء) وبالمؤاخاة كانت بعض النساء يعشن مع إخوانهن الرجال فى الطريق الصوفى فى القرن الثامن ، وذلك تحت مصطلح الأخوة فى الطريق ، وأصبح ذلك علنا . وسرعان ما انتشرت المؤاخاة ، فقال عنها الفقيه أبوالفتح المقدسى الرجائى فى القرن التاسع ( وقد فشا فى هذا الزمان مؤاخاة الفقراء للنسوان ويدخل إليها وتدخل عليه ويختلى بها ويزنى بها ) ثم يستطرد فى تلك العلاقة بين الأخ الصوفى وأخته فى الطريق ، فيقول ( وكثير منهم يزعمون أن المرأة تصير عندهم بمنزلة أخته يدخل عليها متىشاء بإذن زوجها وبغير إذنه ، ويختلى بها ، ويتعانقان بالظهور والصدور ومما لاينبغى ذكره ، ويقولون هذه محبة الفقراء ، فيزنى الرجل بالمراة وهى أيضا تزنى به ، ويقولون نحن أبعد الناس عن الزنا والفواحش)[25]

       وطالما يمارسون فى الخلوة محبة الفقراء فهم يمارسون دينا لاشأن له بالزنا والفواحش ، لأن الدين الجديد جعلها أخته فى الشيخ ، وجعل لأخيها عشيقها نفس حقوق الزوج الجنسية ، ثم وضعوا مصطلحا جديدا للزنا وهو محبة الفقراء ، وفى مجال المؤاخاة اشتهرت الطرق الأحمدية والبرهامية (إبراهيم الدسوقى)والقادرية (عبدالقادر الجيلانى)، وكان أخذ المرأة العهد على شيخ فى إحدى هذه الطرق معناه أن يتقاطر على المراة أتباع الطريقة أوأخوتها فى الطريق خصوصا فى غيبة زوجها، وفى ذلك يقول الشعرانى( الفقراء الأحمدية والبرهامية والقادرية يأخذون العهد على المراة ، ثم يصيرون يدخلون عليها فى غيبة زوجها)[26]. ومن الطبيعى أن يمارسوا معها " محبة الفقراء" أى حفلات الجنس الجماعى ، وذلك برعاية الشيخ التابع للطرق الأحمدية أو البرهامية أو القادرية .هذا مانفهمه من قول الشعرانى عن رفاقه من الشيوخ فى القرن العاشر ، بعد أن عرفنا ما قاله الشيخ أبو الفتح المقدسى الرجائى عن شيوخ القرن التاسع ، وبعد أن عرفنا ماقاله ابن الحاج عن شيوخ القرن الثامن . وقد كان ابن الحاج وأبوالفتح المقدسى الرجائى أكثرصراحة من الشعرانى.

             والشعرانى كالعهد به يستعمل الألفاظ المخففة ، وفى موضع آخر يتحدث الشعرانىعن حفلات السمر التى كان أولئك الصوفية يقيمونها فيقول ( كان مشايخ السمرات من الأحمدية وغيرهم يجتمعون مع النساءعلى البساط من غير احتجاب ، فيقولون  للمرأة الكبيرة ياأمى أو يا أختى ولمن دونها يابنتى)، ولأن الشعرانى يعرف ماتخفيه هذه المصطلحات فقد قال أنه ينبغى تنبيههم على تحريم ذلك ، ويناقض نفسه فيفتخر بكراهيته للخلوة بالمرأة الأجنبية خوفا من الميل إليها[27]. وينسى أنهن كن يعترفن له سرا وأنه كان يعلمهن آداب الجماع .

          2ــ وموقف الشعرانى من معاصريه من أشياخ تلك الطوائف هو موقف الخصومة والمنافسة لذا هو يرميهم بالخلوة بالنساء ويحاول أن يبرىء نفسه من ذلك ثم يذكر الأشياخ السابقين لهذه الطوائف فى معرض التقديس والتمجيد ورأينا ماقاله عن الشيخ محمد الشناوى وجهوده مع النساء ويتناسى الشعرانى أن أولئك الأشياخ فى القرن العاشر فىعصره يسيرون على الطريقة التى أرساها الشيخ محمد الشناوى من قبل ، وترسب فى الضمير الشعبى أن يقال " البساط أحمدى" فى التعبيرعن الإنفتاح فى القول وفى الفعل وكان ذلك سببا فى شهرة الأحمدية وكثرة مريديها ، وقد فزع الشعرانى من كثرة الداخلين فى هذه الطرق طمعا فى شيوع الرذيلة ومايعنيه ذلك بالنسبة لشيخ مشهور كالشعرانى كتقلص شهرته وتناقص مريديه من الرجال والنساء على السواء ، فهب يحذر من الإنضمام لتلك الطرق متمسحا بالشرف والفضيلة ،فيقول " إياك أن تمكن جارتك أن يأخذ أحد من الفقراء الأحمدية أو البرهامية عليها العهد إلا مع المحافظة على آداب الشريعة ، فإن كثيرا من الفقراء يعتقد أنه صار والدها يجوز له النظر إليها ، وترى هى كذلك أنها صارت ابنته ولها أن تظهر وجهها له ، وكل ذلك خروج عن الشريعة ، وربما جعل إبليس ذلك مقدمات الزنا .. وقد حدث مثل ذلك لبعض إخواننا ورأى صاحبه يفعل الفاحشة فى زوجته ) [28].

           والشعرانى يستخدم أسلوب الفقهاء فى المحترزات والاستثناءات ، فهو يجيز  العهد بشرط المحافظة على آداب الشريعة ، كما لو كانت الشريعة الإسلامية تجيز أساسا إعطاء العهد الصوفى ، ثم يهاجم أفعال الصوفية الأحمدية والبرهامية وهو واثق أنهم لن يدافعوا عن أنفسهم ولن ينكروا التهمة، لأنها أصبحت عندهم تقليدا صوفيا يحمل مصطلحات جديدة .

           3ــ على أن نساء الأشياخ الصوفية مارسن نفس الحرية ، ولم يكن ذلك كالعادة مما يستوجب إنكارا طالما وقع فى بيوت الأشياخ ، ولذلك فالشعرانى يذكر فى معرض التمجيد بأن زوجة الشيخ عثمان البريمى كانت تخرج سافرة الوجه على الشيخ عثمان الحطابى، وكذلك زوجة الآخر مع الآخر ، ويأتى كل واحد منهما إلى دار الاخر( فيختلى بزوجة الآخر، وتخرج له مايأكل ومايشرب فى غيبة الآخر)[29] . أى أن الخلوة ومافيها من انفتاح وصل إلى بيت الشيخ .

مقدمات الزنا فى طقوص التصوف :

           1ــ ومقدمات الزنا من النظرواللمس كان لها دورها فى طقوس الزنا، وكثير من الصوفية أصحاب المؤاخاة يعتقد أنه طالما أعطى العهد للمرأة يجوز له النظر إليها ، ويجوز لها أن تنظر له وتظهر وجهها بدون نقاب كما سبق ذكره من كلام الشعرانى ، الذى افتخر بكثرة حمايته لنفسه من النظر للنساء الأجانب والمردان ، ويرتدى عباءة الفقه فيقول أن بعض الفقراء زعم أن رؤية الأجانب من نساء مريديه لاتضره ، ويرى الشعرانى أن ذلك ( من رقة الدين)[30] .

        2ــ واللمس أهم ركن فى مبايعة النساء وإعطائهن العهد، وقبل العصر المملوكى ، كان ابن عربى يقول فى التائية :

ومالمست فى الكون كفا للامس                  سواها فلا تحجبك عنها بخمسة

           أى يرى أن اللامس والملموس هو الإله عندهم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وهو يطلب من اللامس أن يفهم ذلك ولاتحجبه عن الفهم أصابعه الخمس . أى أن لمس المرأة له أهمية بالغة فى العقيدة الصوفية .

واتخذ الصوفية من لمس المرأة عادة فى الرقية ، فالنساء أكثر البشرية ميلا للخرافات وتصديقا لها، ومن الطبيعى إذا أصابها مرض أن تطلب الشفاء على (يد) شيخ صوفى يرقيها بالتعاويذ ، وعن هذا الطريق توافدت الكثيرات من النساء خارج نطاق ( المؤاخاة)..

         وكان الشعرانى من المقصودين بالاعتقاد فى عصره ، وكان يكتب التعاويذ حتى لليهود والنصارى وافتخر بذلك ، وقد نافسه أشياخ كثيرون فى هذا المجال ، فارتدى كعادته عباءة الفقه وانطلق يفتى لهم محذرا ومرشدا ، يقول ( وليحذر الشيخ إذا ظهرت بركته وشاع ذكره وصار الرجال والنساء يتبركون به ، أن يضع يده على بدن أجنبية حال رقيته لها من مرض أو عين ونحو ذلك ، لاسيما من صار من أهل القرن العاشر الذين يقعون فى شهوات الدنيا كما يقع الذباب فى العسل )[31] . أى كان صوفية القرن العاشر يقعون فى لمس النساء وماهو أبعد من ذلك ، كما يقع الذباب فى العسل .

           وحقق الشعرانى غرضه ، فقد جعل من نفسه الناصح لغيره ، فبرأ نفسه فى الوقت الذى اتهم فيه صوفية عصره كلهم بالفجور ، واتخاذ رقية المرأة طريقة لانتهاك حرمتها .

           وكرر الشعرانى حكاية الشيخ أبى بكر الحديدى الذى رأى الشيخ محمد العدل( يحسس على بطن امرأة أجنبية لمرض كان بها، فصاح عليه وديناه ومحمداه الله أكبر عليك ياعدل ، فقال والله ماقصدتها بشهوة ، فقال له ما أنت معصوم ، نحن ما نعرف إلا ظاهر السُنة)[32] . وتكرار هذا المعنى فى " الطبقات الكبرى ولطائف المنن ولواقح الأنوار " يحمل إلى جانب الفخر بوجود شيخ صوفى عفيف هو أبوبكر الحديدى ــ إتهاما من الشعرانى لمعاصريه ( الذين يقعون فى الشهوات كما يقع الذباب فى العسل ).

            والشعرانى كالعهد به متسامح إذا كان بعض الأشياخ السابقين متورطا ، ويدافع عنه بطريق خفى إذا أمكنه ، فالشيخ الشويمى يدخل بيت شيخه مدين يحسس بيده على النساء ، فكن يشكين للشيخ مدين فيقول : حصل لكم الخير فلا تتشوشوا)[33]. أى جرى خير ، والمهم أن بيت الشيخ مدين ممتلئا بالنساء مما شجع الشيخ الشويمى على أن ينهمك فى ملامستهن بطريقة أجبرتهن على الشكوى منه للشيخ مدين ، فلم ينهر الشيخ الشويمى ، وإنما اكتفى بلمسه حانية لهن ويقول : حصل لكم الخير فلا تتشوشوا .

         ومن هذا النوع المدمن للملامسة كان الشيخ على أبوخودة ، الذى أسهب الشعرانى فى مناقبه وكراماته ، ومنها قوله عنه( وكان رضى الله عنه إذا رأى امرأة أو أمرد راوده على نفسه ، وحسس على مقعدته بيده سواء أكان ابن أمير أو ابن وزير ولو كان بحضرة والده أو غيره)[34]. أى ولسان حاله يقول ( حصل الله لكم الخير فلا تتشوشوا)!!.

الإيقاع بالنساء :

        وبعض الصوفية كان يتحايل علىالإيقاع بالنساء عن طريق إعطاء التصريح للشاب الوسيم بإعطاء العهد للنساء ، ويتم ( اختلاط ) أولئك الشباب بالنسوة ، ويتم إيقاعهن ، وفى النهاية يصلن للشيخ الصوفى الكبير ، وقد بدأ ذلك فى القرن الثامن ، وأنكره الفقيه الصوفى ابن الحاج فقال ( بعض مدعى المشيخة يعطى الإجازة للشبان المردان ، ولهم صور حسان ، فيتسلطون سبب ذلك الكشف على حريم المسلمين فى بعض الأحيان والأماكن ، بسبب الاختلاط بهم من أجل الإجازات التى بأيديهم )[35].

           وفى عصر الشعرانى توسع الصوفية فى اسناد شتى الكرامات لأنفسهم ، وبالتالى اتسع مجال التحايل على الفسق بالنساء ولو برضى الأزواج ، ويتمثل ذلك فى إيهام الزوج بأنه فى بيته كنزا مخفيا ولايعلم سر ذلك الكنز إلا الشيخ ، ويقتنع الزوج المسكين ويقبل راضيا طلبات الشيخ ، وقد يكون منه الفسق بالزوجة ، يقول الشعرانى عن المطالب أو الكنوز( وبعضهم يقول للرجل عندك فى بيتك مطلب مايفتح إلا أن تخلى أجنبيا بامرأتك سبعة أيام وأكثر ، وينام ويصبح معها، ويخدمهما بنفسه ، ويطعمهما أطيب الطعام ، حتى يأتى لهما بالخمر ، وبعضهم يقول لايفتح إلا أن مكنتنى من زوجتك على باب المطلب ، ونحو ذلك) ، ويفتخر الشعرانى كالعادة بنفسه وأنه أخذت عليه العهود ألا يفعل مايفعله الأشياخ الآخرون من تعلم السحر أو الكهانة أو التنجيم بالرمل والحصى ونحو ذلك[36]. أى كانت تلك الطرق كلها من وسائل التحايل على النساء .

بعض الأشياخ الزناه  :

          وقد اعترفت بعض المصادر الصوفية بوقوع بعض الأولياء فى الزنا ، وإن حاولت أن تخفف الإتهام، مثل ماذكره عبدالصمد الأحمدى من أن أبناء الشيخ أحمد المعلوف كانوا( على غير نعت الإستقامة) ولم يمنع ذلك من اتصافهم بالكرامات[37] بطبيعةالحال فالكرامات تستر عورة الأشياخ المنحرفين ، كما رأينا فى مناقب الحنفى وعلاقاته بنساء الأمراء .

          أما المصادر التاريخية خصوصا فىأوائل العصر المملوكى فقد تناولت الموضوع بصور محايدة ويتجلى ذلك فى التأريخ للشيخ خضر العدوى الذى كان شيخا للظاهر بيبرس ولكن سيرة خضر العدوى الشخصية تظهره فاسقا لامثيل له فى عصره ، يذكرنا بالراهب راسبوتين فى روسيا القيصرية .

        ويقول النويرى صاحب نهاية الأرب وهو معاصر للشيخ خضر ، إن الشيخ خضر  بدأ حياته يخدم بعض الأكابر فى الجزيرة فى العراق فأمر بخصيه لأنه أفسد بعض جوارىالدور فهرب خضر إلى حلب وخدم عند الأمير ابن قراطابا فأحبل جارية ، فطلبه الأمير فهرب إلى دمشق ، وأقام بمغارة فى زاويته بجبل المزة ، ثم اشتهر شيخا صوفيا واعتقده الظاهر بيبرس ، وبنى له زوايا ، فكان الشيخ خضر يجعل فى كل زاوية منها( فقراء يحملون له أرباب الجرائم من اللصوص وغيرهم ويتعاطون الفسق) أى حوَ ل زاويته لوكر  للجرائم والزنا .

        ويتباهى الشيخ خضر بفجوره علنا، يقول النويرى ــ ونحن نعتذر مقدما عن النقل ــ ( وكان يكتب إلى صاحب حماة وغيرها من الأمراء : " خضر(ن (؟)ك) الحمارة "وكتب بذلك إلى قاضى القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز ورقة ، فأغضى عنها ،ثم أخرى كذلك فلما وصلت له الورقة الثالثة أحضر رسوله ، وقال  قل له والله لئن وصل إلى ورقة بعد هذه فيها  مثل هذا أحضرته لمجلس الحكم وقابلته بما يستحقه بمقتضى ماكتب بخطه ، فامتنع بعد ذلك من مكاتبته .[38]

       وانتقل خضر إلى القاهرة فأنشأ له علاقات بنساء المماليك ، وكان ذلك السبب المعلن لمحاكمته وانتهاء علاقته بالظاهر بيبرس ، يقول ابن كثير عنه ( الشيخ خضر العدوى إفتتن ببعض بنات الأمراء ، وكن لايحتجبن منه ، فوقع فى الفتنة، فلما وقع ماوقع فيه حوقق عند السلطان بيسرى وقلاوون والفارس أقطاى إلاتابك ، فاعترف لهم ، فهم الظاهر بيبرس بقتله )[39].

      والطريف أن الشعرانى حين نقل ترجمة الشيخ خضر العدوى فى مفتتح الجزء الثانى من طبقاته أغفل الجزء الخاص بحياته الخلقية ، وحين اضطر للكلام عن سبب محاكمته أمام الظاهر بيبرس قال ( وكان السلطان ينزل لزيارته ويحادثه بأسراره ويستصحبه فى أسفاره ، فرمى أولاد الحلال بينه وبينه  فنقم عليه وحبسه) [40]. إذن أولاد الحلال هم السبب فى نكبة الشيخ البرىء خضر العدوى !!

          وبعض المؤرخين فى نهاية العصر المملوكى كان متأثرا بالتصوف إلى درجة جعلته لا يصرح كالنويرى وابن كثير وإنما يرمز بالإشارة ، فابن اياس يتحدث عن مقتل الشيخ عبدالكريم (ق862) وكان خليفة البدوى فى طنطا يقول عنه,ولايعلم من قتله ، وكان غير مشكور فى سيرته)، وُلىخلافة البدوى مدة طويلة ، فلما مات وُلى ( صبى) من أقاربه اسمه عبدالمجيد)[41].أى يلمح ابن اياس إلىأن ذلك الصبى هو ابن غير شرعى للشيخ عبدالكريم .

          والشيخ عبدالكريم المقتول غير المشكور السيرة لايمكن أن يحل محله إلا من كان إبنا له حسب الطقوس الصوفية ، أما عبدالصمد الأحمدى كاتب سيرة البدوى فقد تجاهل تماما ذكر خلافةعبدالمجيد[42]. وفى أمثال العصر المملوكى المتأثرة بذلك الانحلال للشيوخ " هش يادبانة ، أنا حبلة من مولانا"[43] وقريب منه المثل الشعبى الحديث ( ضلالى وعامل امام ، والله حرام..)[44]

 

صوفية قوادون:

          وقد سبق الاستشهاد بقول ابن الحاج ( بعض مدعى المشيخة يعطى الاجازة للشبان المردان ، ولهم صور حسان ، فيتسلطون بسبب ذلك الكشف على حريم المسلمين ) ومعناه أن بعض الصوفية عمل فى مجال الدعارة فيوقع بالنساء لحساب الأشياخ مستغلا جماله وشبابه .

          وقد أضفى الصوفية على هذا النشاط اللاخلقى صبغة التدين كالعهد بهم ، فجعلوه تعاونا على البر والتقوى فى دينهم ، مما جعل ابن القيم يقول فى القرن الثامن ( وقد يبلغ الجهل بكثير من هؤلاء إلى أن يعتقد أن التعاون على الفاحشة تعاون على الخير والبر، وأن الجالب محسن إلى العاشق ، جدير بالثواب ، وأنه ساع فى دوائه وشفائه ، وتفريج كرب العشق عنه ، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة )[45] . وعلى نفس طريقة ابن القيم كتب المؤرخ المفسر ابن كثيرفى ترجمة الشيخ ابراهيم الموله ت 172 ( كان يجمع النساء والرجال حوله فى الأماكن النجسة ) [46]. أى تخصص فى تجميع النساء والرجال حوله .

          وقبيل العصر المملوكى قيل فى ترجمة الشيخة المهتار أن امرأة مغنية مشهورة بالفجور جاءته فقام بتزويجها لأحد مريديه ، وأقام وليمة العرس على نفقته ، وجمع الفقراء الصوفية فى الحفل( وكان للمرأة صاحب من أمراء الدولة فأرسل بزجاجتين من الخمر )[47].

          إذن فنشاط الصوفية فى مجال القوادة أصيل قبل العصر المملوكى، وبعده ازداد هذا النشاط بازدياد التصوف فى أواخرالعصر المملوكى ، ووقع على عاتق الشعرانى تبرير هذا الفعل الشائن الذى يقع فيه أشياخه ، وقد وجد ضالته فى استغلال مهارته فى سبك الكرامات لتستر عورة أولئك الأولياء .

        وقد سبق إيراد بعض الأمثلة فالشيخ على وحيش الذى يقيم فى بيت للدعارة ــ أوخان لبنات الخطا ــ كان كل عمله هو التشفع فى الرواد ، وأسند له الكرامات التى تخوف من الاعتراض عليه[48] . وفعل  مثل ذلك مع الشيخ حسن الخلبوص المقيم فى بيت آخر للدعارة وجعله ، يتحكم فى الكرة الأرضية [49]. وقال عن صوفى آخر يعلل اتجاهه لهذا النشاط ــ وهو الشيخ زون بهار ( أنه كان يصعق فى حب الله تعالى فتضع الحوامل مافى بطنها من صعقته ، فحول الله تعالى ذلك إلى حب امرأة من البغايا) أى أن ذلك التحول الخطير الذى حدث للشيخ زون بهار لم يكن له يد فيه وأن الله تعالى هو المسئول عنه ــ وفقا لعقيدة التصوف فى وحدة الفاعل ،ومن الطبيعى أن الحوامل فى مصر وخارجها قد شعرن بالطمأنينة بعد أن كف الشيخ زون بهار عن صعقته ، وقد تحول بنشاطه إلى البغى التى أحبها، ويستمرالشعرانى فيقول عن الشيخ بعد أن أحب تلك المرأة ( فجاء إلى الصوفية ورمى لهم الخرقة ، وقال لا أحب أن أكذب فى الطريق ، إن واردى تحول إلى حب فلانة ، ثم صار يحمل لها العود ويركبها ويمشى فى خدمتها ، إلى أن تحول الوارد إلى محبة الحق تعالى بعد عشرة شهور ، فجاء للصوفية ، وقال ألبسونى الخرقة إن واردى رجع عن محبة فلانة ، وهكذا يضع الشعرانى تلك المرأة الخاطئة فى مقابل الله تعالى ، ويجعل الشيخ زون بهار حائرا بين محبة الله ومحبتها ، ويسند التحول من هنا إلى هناك إلى تصريف الله تعالى فى قلب الشيخ زون بهار . و من الطبيعى وقد رجع الشيخ إلى الصوفية أن تتوب المرأة ومطلوب منا أن نصدق توبتها فيقول( فبلغها ذلك فتابت ولزمت خدمته إلى أن ماتت)[50].

        وطبعا لابد أن يفرح الصوفية بانخراطها فى سلك التصوف أو بتوبتها ، وقد عرفنا معنى التوبة للمرأة فى طقوس التصوف .

         وكان بعض الأولياء يعمل مكاريا أى حمارا تخصص فى حمل النساء العاهرات إلى المكان المقصود ، وكان الناس يسبونه وعلى حد قول الشعرانى ( يصفونه بالتعريص)، ويدافع عنه الشعرانى فيقول ( أنه كان لايركب امرأة قط من بنات الخطا وتعود إلى الزنا أبدا) وقد صرح الشيخ للشعرانى أنه وصل إلى هذه المنزلة باحتمال الأذى[51] .. وإذا كان هذا الشيخ له هذه الكرامات التخصصية مع العاهرات فلماذا لم تظهر نتائجه؟ وبعيدا عن هذه الكرامات المضحكة التى تحاول دون جدوى تبرير علاقات الأولياء الصوفية بالعاهرات نذكَر الشعرانى وغيره بالمثل القائل( قال ياربى دخلنا بيت الظالمين وطلعنا سالمين ، قال وايش دخلك وايش طلعك) [52]    

 

 

الشذوذ الجنسى والتصوف

الشذوذ أصل فى عقيدة التصوف ( عقيدة الشاهد):

          1ــ يؤمن الصوفية بأن البشر امتداد للخالق جل وعلا ، والنفس البشرية تميل للحسن فى كل شىء ، ونفوس الصوفية خلطت بين عقيدتهم وإعجابهم بالجمال فاعتبروه شاهدا على الجمال الإلهى ،وبذلك برزت فى عقائد التصوف مصطلحات (الشهود) و(الشاهد) و(صبيح الوجه) .

          فيقولون عن " صبيح الوجه" هو( المتحقق بحقيقة الإسم الجواد ومظهريته .. وإنما سمى صبيح الوجه لقوله عليه السلام أطلبوا الحوائج عند صباح الوجوه) فالمتحقق بحقيقة الإسم والذى يظهر فيه الإسم الإلهى معناه حلول الإله فيه ، فيظهر فيه الجمال الإلهى بزعمهم ، ولذلك افتروا حديثا نبويا ليجعل له أصلا فى الإسلام .

         ويقولون عن الشاهد ( مايحضر القلب من أثر المشاهدة ، وهو الذى يشهد له بصحبة كونه مختصا من مشاهدة مشهوده أما علم لدنى لم يكن له فكان ، أو وجد أو حال ، أو تجل ، أو شهود ) ، فالصوفى حين يرى شابا جميلا فيرى عن طريق علمه اللدنى حقيقة الأمر فى ذلك الشاب الذى أصبح شاهدا على تجلى الحق فيه بزعمهم ( والشهود) رؤية الحق بالحق[53] . ومعناه أن الله ــ تعالى عن ذلك الإفتراء ــ هو الذى يجعلهم يشهدونه فى المظاهر البشرية .

          2ــ والقشيرى فى رسالته يقول تحت مصطلح الشاهد ( كثيرا مايجرى فى كلامهم لفظ الشاهد ) ، ويريدون بلفظ الشاهد مايكون حاضرا قلب الإنسان ، وهو ماكان الغالب عليه ذكره ، حتى كأنه يراه ويبصره وإن كان غائبا عنه ، فكل مايستولى على قلب صاحبه فهو يشاهده) فالصوفى الذى يؤمن وحدة الوجود وأن الخلق هم مظاهر الإلهية فى حقيقتها دائما يحضر هذا المعنى فى قلبه ، ويغلب على ذكره ، فيراه ويبصره فى الأشياء  المادية من بشر وحجر. ثم يقترب القشيرى من هدفه حين يقول ( ومن حصل له مع مخلوق تعلق بالقلب يقال أنه شاهده ، يعنى أنه حاضر قلبه ، فإن المحبة توجب دوام ذكر المحبوب واستيلائه عليه) يعنى أن الصوفى إذا أحب شخصا جميلا يقول أنه شاهده يعنى استحضر فى قلبه الأصل الإلهى لذلك الجمال ..

          ثم نرى القشيرى وقد أرهقته المحاورة والمداورة فانطلق يشرح المعنى الحقيقى للفظ الشاهد وينسبه للآخرين ، ثم يحاول إغراق المعنى بالمعميات الصوفية والإصطلاحات الفلسفية ، يقول القشيرى فى النهاية

( وبعضهم تكلف فى مراعاة هذا الإشتقاق ، فقال إنما سمى الشاهد من الشهادة ، فكأنه إذا طالع شخصا يوصف بالجمال فإن كانت بشريته ساقطة عنه ولم يشغله شهود ذلك الشخص عما هو به من الحال ولا أثرت فيه صحبته بوجه فهو شاهد له على نفسه ، ومن أثَر فيه ذلك فهو شاهد عليه فى بقاء نفسه وقيامه بأحكام بشريته ، إما شاهدا له أو شاهدا عليه ، وعلى هذا أجمل قوله (ص) رأيت ربى ليلة المعراج فى أحسن صورة أى أحسن صورة رأيتها تلك الليلة) .[54]

           فالصوفى إذا كان فى لحظة وجد إلهى ــ أى يزعم أنه متحد بالله ــ ورأى شابا جميلا فلم يتأثر بالمظهر البشرى لذلك الشاب الجميل فقد أصبح ذلك الجميل شاهدا للصوفى على فناء نفسه أو اتحاده المزعوم بالله ، أما إذا تأثر بالصورة البشرية للأمرد الجميل فلا يزال الصوفى قائما بصورته البشرية ولم يتحقق بالحق وأصبح الأمرد شاهدا عليه فى بقاء نفسه وبشريته ، فهو شاهد عليه فى بقاء نفسه وقيامه بأحكام بشريته ، إذن فالأمرد يحتل مكانة هامة فى العقيدة الصوفية فهو للصوفى إما شاهد له أو شاهد عليه ..

          ثم يستشهد القشيرى على تشريع هذا الإفك حديث مفترى هو ( رأيت ربى ليلة المعراج فى أحسن صورة) وهناك روايات أخرى أبشع منها( رأيت ربى على صورة شاب أمرد) وهى تحقق هدف الصوفية فى عبادة الشذوذ.

         ويقول الغزالى عن بعض الطوائف ( أنهم يعتقدون أن لهم ربا ، وأنه أجمل الأشياء ، فإذا رأوا إنسانا فى غاية الجمال أو شجرا أو فرسا أو غير ذلك سجدوا وقالوا إنه ربنا )[55] .  وتحاشى الغزالى أن يصفهم بالتصوف مع أن الصوفية فى عصر الغزالى كانوا يرددون نفس الأقوال منها ( إن الله اصطفى أجساما حل فيها بمعنى الربوبية ، وأزال عنها معانى البشرية ) ولذلك قالوا ( بالنظر إلى الشواهد المستحسنات) وأن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ( يحل فى المستحسنات )[56] .

         3 ــ إذن فالصوفية قبل الغزالى وفى عصره كانوا يقولون بالشاهد على جمال الله ــ تعالى عما يقولون ــ ولكن الغزالى تحاشى الاقتراب من ذلك الموضوع إلا بضرب الأمثلة التى تجعل الأمرد الجميل يحتل نفس مكانة الإله فى عقيدته ، ففى نفس حديث الغزالى عن الرضا والحب يروى هذه القصة ( قال سعيد بن يحيى : رأيت بالبصرة فى خان عطاء بن مسلم شابا وفى يده مدية ، وهو ينادى بأعلى صوته والناس حوله وهو يقول :

            يوم الفــراق من القيامـة أطول                والموت من ألم التفرق أجمل

           قالوا الرحيل فقلت لست براحــل                 لكـن مهجتى التى تتـرحـل

       ثم بقر بالمدية بطنه وخر ميتا ، فسألت عنه وعن أمره فقيل لى أنه كان يهوى فتى لبعض الملوك حجب عنه يوما واحدا[57]. وطبعا لن نعرف اسم ذلك الملك ولا ذلك الأمرد ابنه ، لأن القصة خيالية قصد بها الغزالى أن يقرب للناس عقيدة الشاهد . فذلك الذى انتحر علانية فى البصرة لم يرزق بمؤرخ يكتب قصة حياته فى عصر كان يموج بالمؤرخين ، ولكن الغزالى رسم هذه الصورة المفجعة ليؤثر بها فى عاطفة الناس حول رجل انتحر وهو يقول شعرا يفيض حبا وعشقا ، وسبب الإنتحار أن معشوقه الفتى غاب عنه يوما واحدا ، والغزالى يختار لفظ ( حجب عنه يوما واحدا) والحجاب هو مصطلح الصوفية فى الحديث عن الاتحاد والتحقق بالحق والفناء فى الله تعالى علوا  كبيرا ، ثم إن القصة بأكملها يضربها الغزالى مثلا عن حب الله ..

            وفى نفس الصفحة وفى نفس الموضوع يروى الغزالى أسطورة أخرى عن رجل ضُرب بالسوط ألف سوط ، ولم يتكلم لأنه عاشق ولأن معشوقه كان ينظر إليه ، يقول الراوى فقلت له ( فلو نظرت إلى المعشوق الأكبر ، قال فزعق زعقة ثم خر ميتا) فالله تعالىعند الغزالى هو "المعشوق الأكبر" وسبق أن أوضحنا أن المعشوق فى اللغة اسم ( لما ينكح) ولن نتهم الغزالى بالجهل باللغة ومعانى الألفاظ ، ولكننا نتهمه بالتصوف وكفى ، وفى تلك الأسطورة التى رواها اتضح أن الرجل الذى تحمل ألف سوط كان صوفيا ، وكان يتعشق الأمرد ويتحمل الألف سوط لأنه مستغرق بنظرة معشوقه إليه ، حتى إذا ذكَره الراوى " بالمعشوق الأكبر " زعق زعقة ومات أو فنى عن نفسه فى مصطلح الصوفية ، وهذه هى الصورة المثالية لحب الله عن الغزالى .

           ويضرب الغزالى مثلا آخر يجعل فيه من الحب الشاذ للصبيان دليلا على الحب الإلهى ( وقيل لبعض المحبين وكان قد بذل نفسه وماله حتى لم يبق له شىء : ماكان سبب حالك هذه فى المحبة ؟ قال سمعت يوما محبا وقد خلا بمحبوبه وهو يقول له : أنا والله أحبك بقلبى كله وأنت معرض عنى بوجهك كله ، فقال له المحبوب : إن كنت تحبنى فايش تنفق على : قال : ياسيدى أملكك ماأملك ثم أنفق عليك روحى حتى تهلك ) .

        ويروى الغزالى قصة عن الجنيد رائد النفاق الصوفى "قال الجنيد : رأيت رجلا متعلقا بكم صبى وهو يتضرع إليه ويظهر له المحبة ، فالتفت إليه الصبى وقال : إلى متى هذا النفاق الذى تظهره لى ؟ فقال :قد علم الله إنى صادق فيما أورده حتى لو قلت لى مُت لمت ، فقال إن كنت صادقا فمُت ، قال فتنحى الرجل وغمض عينيه ، فوجد ميتا )[58]

         فذلك الرجل بجلالة قدره يتعلق بكم الصبى ، ولايستحى من أن يتضرع له فى صورة العبادة ، والصبى المعشوق ينهره ويتهمه بالنفاق ، فيجعل الرجل من الله شهيدا على هذه العلاقة الشاذة بينهما ، ثم تنتهى الأسطورة كالعادة بموت العاشق الولهان ، ويلاحظ أن الغزالى أضفى السمة الدينية على هذه العلاقة الشاذة فرسم صورة الرجل فى القصة كأنه يركع بين يدى الصبى ، وجعله يتضرع أى حركات الصلاة وخشوعها ، ثم لاينسى أن يضع على لسان الصبى الإتهام للعاشق بالنفاق بمدلوله المعروف ، ولو كان الانحراف عاديا لاستعمل الراوى وصف الخيانة التى قد تحدث بين العشاق العاديين ، ثم يتجرأ الغزالى ويجعل الله شهيدا على ذلك الفسق الدينى ، أى لايكتفى بتقريره وتشريعه وإنما يصبغ عليه جانب الدين ، ثم تنتهى القصة بموت البطل العاشق لتأكيد معنى الفناء فى المعبود وفق المصطلح الصوفى ، وطبعا فموت العاشق بإرادة الله الذى يرضى عن ذلك بزعمهم ، وبذلك يصل الغزالى بهذه الأساطير التى تناثرت فى الاحياء إلى تقرير عقيدة الشاهد فى عقل القارىء دون أن يضطر لشرح المصطلحات كما فعل القشيرى . على أن الغزالى حاكى القشيرى فى ضرب تلك الأمثال ، فالقشيرى ضرب على نفس الوتر حين تحدث عن حب الله ، وضرب المثل بالحب الشاذ بين رجل وصبى فيقول ( ادعى رجل الاستهلاك فى محبة شخص ، فقال له الشاب كيف هذا وهذا أخى أحسن منى وجها وأتم جمالا ، فرفع الرجل رأسه يلتفت ، وكانا على سطح ، فألقاه من السطح ، وقال هذا أجر من يدعى هوانا وينظر إلى سوانا )[59].

         وذلك المثل ضربه القشيرى فى المحبة ، وقد استعمل الألفاظ الصوفية فى المحبة الإلهية كالاستهلاك أو مايعنى الفناء فى المحبوب ، ويجعل عقوبة الموت لمن يشهد غير المحبوب أو ينظر لغيره وفق مصطلحاته ، والمهم أنه اعتبر المعشوق الجميل من البشر ممثلا له ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

وعن الصبر يضرب القشيرى مثلا آخر ( قيل رؤى حدث ــ أى صبى ــ يضرب وجه شيخ بنعله ، فقيل له ألا تستحى ؟ تضرب حر وجه شيخ مثل هذا ؟ فقال جرمه عظيم ، فقيل : وماذاك فقال : هذا الشيخ يدعى أنه يهوانى ومنذ ثلاث مارآنى )[60]. فذلك الشيخ العاشق يستحق أن يضربه الصبى على وجهه بالنعال لأنه صبر على عدم رؤيته لمعشوقه ثلاثة أيام ، ونحن نرى أن من ألف هذا المثل الشائن يستحق نفس العقوبة قبل الأكل وبعده..

         4 ــ وحتى يستسيغ الناس فكرة الشاهد شاع حديث أطلبوا الخير عن صباح الوجوه فى كتب الصوفية وخصوصا الإحياء ، وقد قال عنه الحافظ العراقى ( روى عن عدة طرق كلها ضعيفة)[61].أى رواه الصوفية بعدة طرق وروايات حتى يجعلوا له اسنادا بأى طريقة ، وقد صيغت أحاديث أخرى بهذا المعنى منها ( ثلاثة تزيد فى البصر : النظرة إلى الخضرة والماء الجارى والوجه الحسن ) وترتب على هذا الحديث انتشار الانحلال الخلقى على ضفاف النيل برعاية المتصوفة خصوصا وقد شاع ذلك الحديث فى ذلك العصر وحديث (النظر إلى الوجه الحسن يجلو البصر) ، وعليم بالوجوه الملاح والحدق السود ، فإن الله يستحى أن يعذب مليحا بالنار) وفى ذلك الحديث دعوة فاجرة للشذوذ والافتراء على الله ، ( والنظر إلى الوجه الجميل عبادة) وذلك الحديث يذكرنا بعبادة المردان التى أرساها الغزالى والقشيرى من خلال الأساطير السابقة ، ( من أتاه الله وجها حسنا فهو من صفوة الله فى خلقه) أى صار صوفيا لأنهم جعلوا أنفسهم صفوة الخلق ــ ويقول ابن القيم بعد أن عد هذه الأحاديث ( وكل حديث فيه ذكر حسان الوجوه أو الثناء عليهم أو الأمر بالنظر إليهم أو التماس الحوائج منهم أو أن النار لاتمسهم فكذب مختلق وإفك مفترى)[62].

           وضاعت صيحات ابن تيمية فى كتابه ( أحاديث القصاص) ومثله ابن القيم فى ( المنار المنيف فى الصحيح والضعيف) لأن أحاديث الشذوذ الجنسى ازداد انتشارها فى العصر المملوكى وبعده، حتى كان يفتتح بها فى المؤلفات فى العصر العثمانى ، فيذكر الجبرتى أن الشيخ مصطفى اللقيمى كتب فى مقدمة مقامة أنشأها

( القائل وقوله الحق يهدى إلى طريق الرشاد : أطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه)[63].

          بل إن حديث ( رأيت ربى فى صورة شاب أمرد) صيغ وانتشر بعد عصر ابن تيمية وابن القيم ، وإلا كانا قد هاجماه فى كتبهما ، وقد احتفل الصوفية ذلك الحديث الذى يؤكد لهم عقيدة الشاهد فيقول عنه الشعرانى فى القرن العاشر( أن حديث رأيت ربى فى صورة شاب أمرد ( لو قال ولىٌ هذا لكفَره العقل ، بخلاف ماجاء به الرسول) [64] .

تطبيق الشذوذ وفق عقيدة الشاهد:

          1ــ والقشيرى يعترف بأن الأشياخ قبله طبقوا عقيدة الشاهد سلوكا شاذا مع الصبيان، ويخفف من وقع المعنى حين يستعمل المصطلح الصوفى وهو ( صحبة الأحداث) ويعترف بأن ( من أصعب الآفات فى هذه الطريقة صحبة الأحداث)[65].ويقترح علاجا لمن أدمن هذا الفسق أو غيره بالرحيل يقول ( وإذا ابتلى مريد بجاه أو معلوم أو صحبة حدث أو ميل لامرأة وليس هناك شيخ يدله على حاله .. فعند ذلك حلُ له السفر والتحول عن ذلك الموضع ليشوش على نفسه تلك الحالة)[66] . ثم يقول فىآفة صحبة الأحداث ( من ابتلاه الله بشىء من ذلك فبإجماع الشيوخ ذلك عبد أهانه الله عز وجل وخذله ، وأصعب من ذلك تهوين ذلك على القلب حتى يعد ذلك يسيرا، ويروى عن أحد الأشياخ فى قوله صحبت ثلاثين شيخا كانوا يعدون من الأبدال ، كلهم  أوصونى عند فراقى إياهم وقالوا لى: اتق معاشرة الأحداث ومخالطتهم) وهذا القول يذكرنا بالمثل الشعبى : إسأل مجرب.

          ثم يلمح القشيرى إلى الأصل العقيدى فى معاشرة الأحداث وهو اتخاذ الأشياخ له شاهدا بالمفهوم الصوفى فيقول متحرجا( ومن ارتقى فى هذا الباب عن حالة الفسق ، وأشار أن ذلك من بلاء الأرواح وأنه لايضر)، أى اكتفى بالنظرواللمس ليحقق شهوده الصوفى الروحى ( وماقالوه عن وساوس القائلين بالشاهد، وإيراد حكايات عن بعض الشيوخ ، لما كان الأولى منهم إسبال الستر عن هناتهم الصادرة منهم ، فذلك نظير الشرك وقرين الكفر)أى يعترف أن القول بالشاهد شرك وكفر ، ويتمنى لو أسدل الستار عن أقاويل الأشياخ وحكاياتهم فى هذا الشأن ، ويناقض نفسه فيعتبر ذلك هنات أوسيئات صغيرة طالما تتعلق  بالأشياخ.

           ثم يتوجه للمريدين للمرة الثانية ( فليحذرالمريد من مجالسة الأحداث ومخالطتهم ، فإن اليسير منه فتح باب الخذلان)[67]. والذى يهمنا أن كثرة التحذير من معاشرة الصبيان تدل على كثرة وقوع الفسق بهم واشتهار الصوفية بهذا، بل قد يكون أكثر الناصحين هو نفسه أكثر المدمنين ، فالشيخ يوسف بن الحسين  يقول ( رأيت آفات الصوفية فى صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد ورفق النسوان )[68]. وفى نفس الوقت يعترف بأنه لم يستطع الإقلاع عن إدمان الشذوذ فيقول مقالته الشهيرة ( عاهدت ربى ألا أصحب حدثا مائة مرة ففسخنا علىقوام القدود وغنج العيون)[69].

        3 ــ وإذا كان هذا حال الأشياخ فى بداية التصوف وفىرسالة القشيرى الداعية للاعتدال والإصلاح ، فإن انتشار التصوف فى عصرنا المملوكى أظهر طوائف الصوفية المتخصصة فى هذا المجال مثل طريقة المطاوعة ، يقول عنهم السخاوى المؤرخ ( المطاوعة وهم جمع كثير يبيحون النظر إلى الأمرد الجميل بحيث أنهم يشترونه من أهله بمبلغ  كبير .. ويأذنون فى اختلاء الأجنبى به، فمنهم من يدسه تحت كسائه، ومنهم من يدسه معه فى ثوبه، ويشرحه الأجنبى فيجعل صدرالأمرد على صدره ويهزه فيركض قلبه كما يركض الطائر الحمام ) ولاتعليق لنا على ذلك سوى أنهم كانوا يمارسون طقوسا دينية فى اعتقادهم وذلك مما قاله السخاوى نفسه عنهم ، يقول  ( ويعتقدون إن ذلك قربة يتقرب بها لله)[70]

         وعن طريقة المطاوعة أيضا يقول أبوالفتح المقدسى فى كتابه ( حكم الأمرد) (طريقة المطاوعة صحبتهم الأحداث)أى أن طريقهم الصوفى، أو تدينهم( صحبة الأحداث) ثم يتحدث عن طقوس عبادتهم فيقول( ويجلسونهم خلف ظهورهم ويسمونهم البدوات ، ويفتخرون بذلك ولايسحبون إلا الأمرد الجميل ، ولايربى الحدث إلا الفقير الصادق العارف بربه ).

        ويتحدث أبو الفتح عن الشعارات التىيرفعها المطاوعة فى بدايتهم حين يربون الصبيان عندهم ( ولهذا يصيره عنده بمنزلة ولده ، بل أعز لذة اجتنابهم المكروهات  والمحرمات ، فيجعلونهم  خلف ظهورهم حتى لاينظرون وجوههم ولايمسونهم ولاينامون معهم .. فإذا رأوا فى الأمرد خيرا ورشادا خبأوه وكتموا عنه المحبة ولايعلم بها حتى يكمل عقله ) ( فكل ماكانت لديه هذه الأوصاف المذكورة جاز له أن يربى الأمرد وإلا فهو من المخالفين )، ولكن هذه الشعارات المرفوعة فى بداية المطاوعة لم تكن إلا ستارا لممارسة الشذوذ ، وأبو الفتح نفسه اعترف بذلك فيقول عن المطاوعة المعاصرين له وقد لمس طقوسهم ( خصوصا مطاوعة أهل هذا الزمان ، فإنهم ينامون مع المردان ، ويجلسون معهم ويأمرونهم بتكبيسهم،وتحسيسهم، ويعانقونهم بالصدوروالظهور ، وغيرذلك عكس المتقدمين ،وأقبح من ذلك معانقة البدايات ـ أى المردان فىاصطلاحهم ــ بالظهوروالصدور ،لأن أحدهم يجد بذلك لذة وراحة عظيمة ، ويسمونها راحة الفقراء ، ويزعم أن ذلك حسنة لله تعالى ) وذلك يذكرنا بكلامه عن المؤاخاة مع النساء.

          ثم يقول عن الوظائف الأخرى للبداوات ( ومن وظيفة البدوات بالنهار خدمة الفقراء وتفلية ثيابهم ، وغسلها ، وحمل الأباريق وغير ذلك ، مع غض أبصارهم ، وإطراق رءوسهم ، وخفض أصواتهم بترخيم ، وطلب الدعاء من الفقراء).[71] أى حولوهم إلى إناث .

         وقد انتشر هذا الوباء الصوفى بين أغلبية الفقراء الصوفية حتى يقول أبوالفتح( من آفات هذا الزمان صحبة المردان ، خصوصا فى فقراء هذا العصر زاعمين أن صحبتهم طريق إلى الرحمن ) [72].

       وقيل فى الشيخ الجمال العجمى أنه ( كان بصحبته عشرة مردان من جماعته فى غاية الحسن قل أن يرى مثلهم ، وليس من طريقته الذكر ولا كثرة الصلاة والعبادة ، بل الفكر، وقد سئل عن هؤلاء المردان ،فقال يحصل بالنظر إليهم شوق وذوق).[73] أى كانت عبادته فى الشذوذ فقط . وكان ذلك فى القرن التاسع ــ عصر المطاوعةــ ولكن الداء كان منتشرا من قبل ، فيقول ابن الحاج فى القرن الثامن أن الصوفية كانوا(  يستحضرون المردان فى مجالسهم للنظر فى وجوههم ، وربما زينوهم بالحلى والمصبغات من الثياب ، ويزعمون أن القصد من ذلك الاستدلال بالصنعة على الصانع)[74].أى تطبيق عقيدة الشاهد ..

          وقبل العصرالمملوكى وفى القرن السادس كان الصوفية يفعلون نفس الشىء، يقول عنهم ابن الجوزى ( ويستصحبون المردان فى السماعات ، يجملونهم فى الجموع مع ضوء الشموع)[75].

          3 ــ وعليه فلا نتهم ابن تيمية بالتجنى عليهم حين كتبت رسالته ( التنفير من الأمرد) ليحارب هذا الوباء الصوفى ويرد على دعاويهم بأسلوب الفقهاء يقول وقول القايل أن النظر إلى وجه الأمرد عبادة حرام ، ومعلوم أن جعل هذا النظر المحرم عبادة هو بمنزلة من جعل الفواحش عبادة ، بل من جعل مثل هذا النظر عبادة فإنه كافر مرتد ، يجب أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وهو بمنزلة من جعل إعانة طالب الفاحشة عبادة أو جعل تناول يسيرالخمر عبادة أو جعل السكر من الحشيش عبادة ، أو غيرها عبادة ، فمن جعل المعاونة على الفاحشة عبادة أوغيرها عبادة فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل ..).[76]

          ثم يأخذ فى تفصيل آراء الصوفية والرد عليها( وأما من نظر إلى الأمرد ظانا أنه ينظر إلى مظاهر الجمال الإلهى، وجعل ذلك طريقا إلى الله كما يفعله طوائف المدعين للمعرفة ، فقول هذا أعظم كفرا من قول عبُاد الأصنام. ومن كفر قوم لوط ، هؤلاء شر من الزنادقة المرتدين الذين يجب قتالهم بإجماع كل أمة ، فإن عبُاد الأصنام قالوا إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، وهم يجعلون الله سبحانه وتعالى موجودا فى نفس الأجسام وحالا فيهم ، أما أولئك فيقولون بوحدة الوجود ثم يجعلون المردان مظاهر الجمال ، فيقررون هذا الشرك الأعظم طريقا للوصول إلى استحلال الفواحش ، بل إلى استحلال كل محرم) وابن تيمية بهذا وضع يده على الأساس العقيدى للانحلال الصوفى . ثم يستطرد بضرب الأمثلة ( كما قيل للتلمسانى إذا كان قولكم بأن الوجود واحد هو الحق فما الفرق بين أمى وأختى وبنتى حتى يكون هذا حلالا وهذا حراما؟ فقال الجميع عندنا سواء ، ولكن هؤلاء المحجوبين قالوا حرام ، فقلنا حرام عليكم ، ويقول أحدهم إنما أنظر إلى صفات خالقى وأشهدها فى هذه الصورة ، والكفر فى هذا القول أبين من أن يخفى على من يؤمن بالله ورسوله ، ولو قال مثل هذا الكلام فى نبى كريم لكان كافرا، فكيف إذا قاله فى صبى أمرد، فقبح الله طائفة يكون معبودها من جنس موطوئها)[77]. وصدق ابن تيمية ( قبح الله طائفة يكون معبودها من جنس موطوئها).

فقه الشذوذ الجنسى عند الصوفية :

          1 ــ كما كان الفقهاء كابن تيمية يصدرون الفتاوى النارية ضد انحلال التصوف وأصحابه ، فإن فقهاء التصوف قاموا بدورهم فى تشريع الشذوذ وبيان أحكامه ، وتلمس الأدلة لمشروعيته وإقناع باقى الناس بمشروعية مايقولون . ويذكر ابن الجوزى قبل العصر المملوكى أن الصوفى ابن طاهر أباح العصيان ، وصنف كتابا فى جواز النظر إلى المردان [78]. وعلى طريقة ابن الجوزى ألف ابن القيم فى العصر المملوكى كتابه ( إغاثة اللهفان) هاجم فيه بعض أنواع الفساد الصوفى ومنه تشريعهم للشذوذ ..

          يقول " ثم هم بعد هذا الضلال وألغى أربعةأقسام : ـ قوم يعتقدون أن هذا لله وهذا كثير فى طوائف العامة والمنتسبين إلى الفقر والتصوف وكثير من الأتراك" أى أن الصوفية نجحوا فى نشر عقيدة الشاهد فى طوائف الأتراك أو المماليك الحكام ( وقوم يعلمون فى الباطن أن هذا ليس لله وإنما يظهرون أنه لله خداعا ومكرا وتسترا) أى تستروا بالتصوف فى ممارسة الانحلال ( القسم الثالث مقصدهم الفاحشة الكبرى) ثم يتحدث عن ظاهرة خطيرة هى الزواج بالأمرد ، يقول ( ثم قد يشتد بينهما الاتصال حتى يسمونه زواجا، ويقول تزوج فلان بفلان كما يفعله المستهزئون بآيات الله تعالى ودينه من مُجان الفساق ، ويقرهم الحاضرون على ذلك ، ويضحكون منه ويعجبهم مثل ذلك النكاح والمزاح) ( وقد آل الأمر بكثير من هؤلاء إلى ترجيح وطء المردان علىنكاح النسوان ، وقالوا هو أسلم من الحبل والولادة ومئونة النكاح والشكوى إلى القاضى وفرض النفقة والحبس على الحقوق ، وربما قال بعضهم أن جماع النساء يأخذ من القوة أكثر مما يأخذ جماع الصبيان لأن .. إلخ) . ونكتفى بهذا من أقواله ..

         2 ــ ويتحدث عن تشريع الصوفية الأحاديث يتقربون بها لاستمالة كثير من المردان يقول( وربما يقول بعض زنادقة هؤلاء" الأمرد حبيب الله والملتحى عدو الله " وربما اعتقد كثير من المردان أن هذا صحيح ، وأنه المراد بقوله إذا أحب الله الصبى نادى جبريل إنى أحب فلانا فأحبه .. الحديث ، وأنه توضع له المحبة فى الأرض فيعجبه أن يُحب ويفتخر بذلك بين الناس ، ويعجبه أن يقال هو معشوق ، أو حظوة البلد، وأن الناس يتغايرون على محبته ، ونحو ذلك)

        وكما وضعوا الأحاديث لاستمالة المردان قام أولئك( الفقهاء) بتصنيف المردان إلى ثلاثة أقسام ، يقول ابن القيم ( وقسمت هذه الطائفة المفعول إلى ثلاثة أقسام ، مؤاجر ومملوك ومعشوق خاص ، فالأول بإزاء البغايا المؤجرات أنفسهن ، الثانى بإزاء الأمة والسرية ، والثالث بإزاء الزوجة أو الأجنبية المعشوقة)، وبعضهم حاول إيجاد مصدر تشريعى بتأويل القرآن ، يقول ابن القيم ( ونظير هذا الظن الكاذب .. ظن كثير من الجهلة أن الفاحشة بالمملوك كالمباحة أو مباحة ، أو أنها أيسر من ارتكابها مع الحر، وتأولت هذه الفرقة القرآن فى ذلك ، وأدخلت المملوك فى قوله تعالى ( إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم).. ومن تأول هذه الآية على وطء الذكران من المماليك فهو كافر بإتفاق الأمة ، قال شيخنا ابن تيمية ومن هؤلاء من يتأول قوله تعالى (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ) على ذلك ، وقد سألنىبعض الناس عن هذه الآية ، وكان ممن يقرأ القرآن ، فظن أن معناها فى إباحة ذكران العبيد المؤمنين ، ومنهم من يجعله مسألة نزاع يبيحه بعض العلماء ويحرمه بعضهم ، ويقول اختلافهم شبهة ، وهذا كذب وجهل ، فإنه ليس فى فرق الأمة من يبيح ذلك .. وإنما يبيحه زنادقة العالم )

         3 ــ وواضح من كلام ابن القيم أن فتاوى التصوف فى إباحة الشذوذ قد انتشرت وبدأ الأمر كما لو كان نزاعا بين فقهاء ، فأصبح ذلك فى حد ذاته مسوغا لاستحلاله ، على أساس أن اختلاف الفقهاء فى أمر هو رحمة أو على أقل تقدير هو شبهة .

         وتسلل فقهاء التصوف إلىإباحة الشذوذ بطريق آخر ، هو الضرورة ، ونشروا هذه الفتاوى بين طلاب المتعة الشاذة واقتنع بعضهم ، والبعض الآخر حاول أن يتأكد من ابن القيم ،يقول( ومنهم من يقول هو مباح للضرورة . مثل أن يبقى الرجل أربعين يوما لايجامع ، إلى أمثال هذه الأمور التى خاطبنى فيها وسألنى عنها طوائف من الجند والعامة والفقراء).

        وبعضهم حرم الاغتصاب فقط ، يقول ابن القيم( ومنهم من يرى أن التحريم إنما إكراه الصبى على فعل الفاحشة ، فإذا كان مختارا راضيا لم يكن بذلك بأس ، فكأن المحرم  من ذلك إنما هو الظلم والعدوان بإكراه المفعول به ، قال شيخنا : وحكى من أثق به أن بعض هؤلاء أخذ على الفاحشة ، فُحكم عليه بالحد، فقال هو والله ارتضىذلك وماأكرهته وماغصبته ، فكيف أعاقب ؟).

         ثم يقول ( ومن هؤلاء من يعتقد أن العشق إذا بلغ بالعاشق إلى حد يخاف معه التلف أبيح له وطء معشوقه للضرورة .. ومن أخف هؤلاء جرما من يرتكب ذلك معتقدا تحريمه، وأنه إذا قضى حاجته ، فإذا استغفر الله فكأن ماكان لم يكن)[79].

ونمسك عن التعليق، وقد نقلنا من كلام ابن القيم مايستسيغه ذوق عصرنا ،ونشفعه باعتذار عن اضطرارنا لإثبات ماسبق ..

من الصوفية المشهورين بالشذوذ :

         1 ــ تحدثنا عن الشذوذ عقيديا وتشريعيا فى تدين التصوف ، وبقى أن نتعرف عليه سلوكيا فى تاريخ الأشياخ ، لقد كانت شهرة الصوفية فى هذا المجال مما لايحتاج إلى عناء فى إثباته ، وصار عادة عند بعض الفقهاء أن يقسم الصوفية أنواعا فى سلوكهم مع الأحداث ، وسبق ايراد ماذكره ابن القيم فى كتابه إغاثة اللهفان وقبله كان ابن الجوزى يقول المتصوفة فى صحبة الأحداث على سبعة أقسام :القسم الأول أصحاب الحلول زعموا أن الحق تعالى اصطفى أجساما حل فيها بمعنى الربوبية ، ومنهم من قال أنه حالُ فى المستحسنات ، ومنهم من قال أنهم يرون الله فى الدنيا فى صفة الآدمى.. القسم الثانى قوم يتشبهون بالصوفية فى ملبسهم ويقصدون الفسق .. وقسم ثالث قوم يستبيحون النظر إلى المستحسن .. وحكى أمرد أن صوفيا قال له :يابنى لله فيك إقبال والتفات حيث جعل حاجتى إليك ، وحكى أن جماعة من الصوفية دخلوا على أحمد الغزالى وعنده أمرد، وهو خال به وبينهما ورد ، وهو ينظر إلى الورد تارة وإلى الأمرد تارة ، فلما جلسوا قال بعضهم: لعلنا كدرنا فقال : أى والله فتصايح الجميع على سبيل التواجد، وكتب إلى أبى الحسين بن يوسف فى رقعة : إنك تحب غلامك التركى ، فقرأ الرقعة ثم استدعى غلامه فقبله بين عينيه وقال : هذا جواب الرقعة .. وبعضهم يزين وجه الأمرد بالمصبغات والحلى)[80].

            إذن اشتهر الصوفية بهذا الشذوذ قبل العصرالمملوكى ، ووصلت شهرتهم إلى الآفاق بعد أن انتشر التصوف وانتشر معه هذا الوباء ، مما يدل عليه هذه الحكاية الطريفة ، فقد رفض شيخ الخانقاه السيمصانية تنزيل رجل من البادية بالخانقاه ، رغم توسط الوزير ( توبة بن على) بالشام فى عهد السلطان لاجين ، وكانت حجة شيخ الخانقاه أن الأعرابى ليس بصوفي، فغضب الوزير وسأل البدوى أمام شيخ الخانقاه : ماتعرف تأكل أرز مفلفل؟ قال: بلى والله ، قال ماتعرف ترقص فى السماع ؟ قال بلى والله ، قال ماتعرف تلوط بالمردان ؟ قال: بلى والله ، قال له الوزير : صوفى أنت طول عمرك[81]..

          2 ــ ونعرض لإشارة سريعة لبعض الصوفيةالمشهورين فى هذا المجال وقد ذكرتهم الحوليات التاريخية ، فالشيخ عفيف الدين التلمسانى تلميذ ابن عربى ، والذى كان لايحرم فرجا،أنجب ابنه محمدا الملقب بالشاب الظريف ، وهو شاعر مشهور فى القرن السابع (ت 688 )، قيل فيه ( كان مع أبيه على حال نسأل الله السلامة منها ومن كل شر ، وكانت فيه لعب وعشرة وانخلاع ومجون) وقد ولد حين كان والده بخانقاه سعيد السعداء.[82]

           وفى القرن التاسع أيضا قيل فى الشيخ تقى الدين السروجى(ت 693) أنه كان يحب الغلمان ويكره النساء ، ولايأكل من طعام لمسته امرأة ،وقد دفن فى قبرغلام كان يهواه ، وذلك بإذن والد الغلام)[83]

         وتكررت نفس القصة فى مطلع القرن التاسع فحكى المقريزى فى السلوك أنه كان لبعض الأمراء صاحب من فقراء العجم ، وكان له أيضا ولد صغير كيس، فكان الفقير يحب ذلك الصغير ، ويكثر أن يقول: لو مات هذاالصغير لمت من الأسف عليه ، فقدر أنه مات ذلك الصغير ،فمات الفقير فصاروا بالجنازتين ودفنا متجاورين.[84]

          وفى القرن الثامن اشتهر الشيخ بهاء الدين الكارزونى ت774 بكونه أعجوبة زمانه فى جذب المردان إليه وانقطاعهم عن أهلهم وإقامتهم عنده ، وأنه كان لايحضر عنده أحد منهم ثم يستطيع أحد من أهله أن يستعيده ، ومنهم البشتكى الشاعر المشهور ، وكان من أجمل أهل عصره ، وقد ذكر الشاعر البشتكى لابن حجر أنه اجتمع بالشيخ الكارزونى فلم يتمكن بعد ذلك من مفارقته ، ولما مات الشيخ ( خرج اللاحد من قبره ، وكان أمرد جميل الصورة للغاية ، فاشتغل الناس بالنظر إليه ، وعجبوا من استمرار ملازمة هذا الشاب للشيخ حتى دفنه)[85]. وقيل فى الشيخ ضياء العجمىأنه(كان مغرما بمشاهدة المردان، لاينفك عن هوى واحد يتهتك فيه ويخرج عن طور العقل ، وكان يمشى وفى يده حزمة من الرياحين فمن لقيه من المرد أدناها من فمه فيشممها إياه ، فإن التمس منه ذو لحية ذلك قلبها وضربه على أنفه)[86]. وحين تصوف نظام الدين التفتازانى (ت822) غلب عليه الهزل والمجون ،وكان عريض الدعوى ولم يتزوج قط ، وكان متهما بالولدان، وكان يأخذ الصغير فيربيه أحسن تربية فإذا كبر وبلغ حد التزويج زوجه)[87]وكان الشيخ العلامة البخارى العجمى ( ت841)  (يهيم بمليح وقد داعبه بعض اللطفاء فى ذلك) وكان مقيما بالخانقاه الشيخونية.[88]

           3 ــ وقد أوردنا النصوص التاريخية دون تعليق عليها فقد بلغ السأم مداه .. أما المصادر الصوفية فالعهد بها أن ترصع تاريخ الشيخ الشاذ بالكرامات ، وذلك مابرع فيه الشعرانى وقد رأينا أمثلة لذلك فى تاريخه للشيخ على أبوخودة .. ونعطى مثالا آخر هو ترجمته لشيخه المشهور إبراهيم المتبولى الذى لايزال ضريحه بالقاهرة مقصودا حتى الآن .. يقول عنه ( كان من أصحاب الدوائر الكبرى فى الولاية ، ولم يكن له شيخ إلا رسول الله ) ( وكان رضى الله عنه مبتلى بإنكار عليه كونه لايتزوج ،وكان رضى الله عنه يقول : مافى ظهرى الأولاد حتى أتزوج ، ومكث الثمانين سنة حتى مات لم يغتسل قط من جنابة لأنه لم يحتلم قط ، وكان إذا جاءه الشاب وشهوته ثائرة عليه يقول له : تطلب مدة وإلا دائما، فإن قال أريد مدة حتى أقدر على التزويج ، يقول له خذ هذا الخيط فشد به وسطك ، فما دام معك لايتحرك لك شهوة ،وإن قال أريد عدم تحرك الشهوة طول عمرى ، يمسح على ظهره ، فلا تتحرك له شهوة ولاينتشر إلى أن يموت) " ونام عنده جماعة من فقهاء الأزهر فى بركة الحاج فوجدوا عنده مملوكين أمردين من أولاد الأمراء ينامان معه فى الخلوة ، فأنكروا عليه ، ثم رفعوا أمره إلى الشرع بالصالحية ، فأرسل القاضى ورأءه فحضر ، فدخل الصالحية ، فقال مالكم ؟ فقال القاضى: هؤلاء يدعون عليك أنك تختلى بالشباب وهذا حرام فى الشرع !!، فقال ماهو إلا هكذا ، وقبض على لحيته بأسنانه ، وصاح فيهم ، فخرجوا صائحين فلم يُعرف لهم خبر بعد ذلك الوقت ، ثم جاء الخبرأنهم أُسروا وتنصروا فى بلاد الإفرنج، فشفعوا فيهم عند الشيخ فلم يقبل شفاعتهم ، ثم انقطع خبرهم ، ورماه أهل بيت من متبول باللواط مع ولدهم ،فقال هتك الله زراريهم ، فمن ذلك اليوم صار أولادهم مخانيت وبناتهم زناة إلى يومنا هذا " ، (ورماه واحد أيضا بفاحشة، فقال له سوَد الله نصف وجهك ، فصار له خد أسود ، وكذلك ذريته إلى وقتنا هذا) ( وعشق رجل أمرد، فهرب الأمرد منه إلى سيدى إبراهيم، فوضعه فى خلوته، فبلغ ذلك الرجل فغير هيأته فى صفة فقير، وجاء إلى سيدى إبراهيم ليطلب الطريق فأدخله مع ذلك الأمرد ، فأنكر بعض الناس على سيدى إبراهيم، فلما كان الغد خرج الفقير وقال ياسيدى أنا تائب إلى الله تعالى ،فقال لماذا ، فقال ياسيدى وضعت يدى على الشاب فأخذتنى الحمى حتى لم أستطع أن أجلس إلى الصباح ، وقد تبت إلى الله تعالى ..)[89]

           لقد توزعت تلك الكرامات " التخصصية" للمتبولى وسط كم هائل من الكرامات الأخرى بلغ نحو ثلاث صفحات ، تراوحت بين إحياء الموتى وقتل الإحياء، وكل ذلك للتخويف من الاعتراض عليه كى ينعم برذائله فى زاويته التى غدت مقصدا لأرباب هذا الشذوذ كما ورد فى آخر كراماته .

          وبعض تلك الكرامات كانت تصل المتبولى بالبدوى الولى الصوفى المشهور ، فكلاهما أحيا الأموات وأمات الأحياء وأرهب المنكرين عليه خصوصا الفقهاء والحكام ، وكلاهما كان يتبسط مع الشباب المردان من أتباعه ، وكلاهما ظل عزبا لايتزوج حتى موته فى حوالى الثمانين ، والمتبولى اعترف بتبعيته للبدوى حتى فى أساطير الكرامات ، فهناك امرأة طلبت من المتبولى أن يسترجع لها ابنها الأسير من عند الإفرنج ــ مع أنه لم تكن هناك حروب صليبية فى زمن المتبولى ــ فقال المتبولى " بسم الله ، فدعا ثم قال هاهو ولدك فوقع بصرها عليه ، فلما اجتمعت بولدها ذهبنا ، فقال : اشهدوا بأن لله رجالا فى هذا العصر يجيب سؤالهم فىالحال).[90]وهى نفس أساطير الكرامات التى تخصص فيها البدوى والتى استمد لقبه منها( مجيب الأسرى) ، وعليه كان المتبولى يصف نفسه بقوله(أنا أحمدى) نسبة للبدوى ، ويقول لا تكبروا خبزى على خبز أخى أحمد البدوى ، وكان سما ناقعا علىالولاه ، فإذا تشوش من أمير أو وزير مات لوقته)[91]. وهذا التشابه المتعمد فى أساطير الكرامات لدى الاثنين يصل بنا إلىتشابه الإتهام الذى كان متسلطا عليهما ، والذى حاولت الكرامات المفتراه أن تستره. 

           ونعود إلى الكرامات التى شاع انتسابها للبدوى فى عصر المتبولى ،والتى كتبها عبدالصمد الأحمدى فيما بعد فى العصرالعثمانى ، فمن ألقاب البدوى ( فحل الرجال أبو الفقراء والأطفال )، وكان البدوى حين مر على عبدالعال اتبعه عبدالعال (لايستطيع أن يمنع نفسه عن أتباعه) وقيل للبدوى ( فإن جميع الأولياء نظروا فىتواريخ الرجال ، فما رأوا كفؤا لهذا الأمر إلا أنت يافحل الرجال ) وحين حاولت فاطمة بنت برى إغراءه بجمالها ( قال أحمد البدوى : فقلت فى خاطرى يافاطمة هذا شىء لايشغلنى ولايخطر ببالى) أما الذى يشغل فحل الرجال فهو تحقيق الهدف الذى أمره به الهاتف فى المنام ( استيقظ من منامك يانائم .. وسر إلى طندتا فإنك تقيم بها وتعطى وتربى بها أطفالا ) وقد أعلن البدوى سلطانه على كل الشباب :

أنا أحمد البدوى غوث لاخفا           أنا كل شبان البلاد رعيتى

         أما كيف كان فحل الرجال الذى لايشتهى النساء يربى الأطفال والشباب ؟ وكيف كان يقضى وقته معهم؟ ذلك مانفهمه من خلال هذه القصة التى كانت متداولة شفهيا فى العصر المملوكى ، حتى كتبها عبدالصمد فى الجواهر السنية ( ومما وقع لسيدى أحمد البدوى رضى الله تعالىعنه، أنه قال لأصحابه يوما من الأيام من يقدر منكم يحملنىعلى ظهره ، ويثور بى حتى يستوىقائما؟ فقال سيدى عبدالمتعال : أنا ياسيدى ، فقام إليه سيدى عبدالمتعال ، فركب ظهره فهم أن يقوم به فلم يقدر على ذلك ، حتى كأن على ظهره جبلا عظيما ، وكان سيدى أحمد البدوى رضى الله تعالى عنه رفيع البشرة ممشوق اللحم نحيف البدن ، وكل واحد من الجماعة أعتى وأشد وأجسم منه ، فقام سيدى عبدالمجيد فقال أنا أحملك ياسيدى وأثور بك، ثم برك له ، وركب على ظهره ، فهم أن يثور به ، فلم يستطع أن ينهض به ولايتحرك ، فنزل الشيخ عن ظهره وقبل يده وجلس متأدبا إلى أخيه وقام بعده سيدى محمد قمر الدولة ، وركب على ظهره أيضا فلم يستطع النهوض ، وكان ذلك الوقت  وقت مباسطة)[92].

          وربما فهمت أم عبدالمتعال ماينتظر ابنها من شيخه فحل الرجال ، تقول الرواية (وخرجت مع ولدها إلى سيدى أحمد ، ورأت ولدها يتبعه ،لايستطيع أن يمنع نفسه عن اتَباعه، فقال يابدوى الشوم علينا)[93]

          وربما نقرأ هذه النصوص مع حسن النية ، ولكن كيف يجتمع حسن النية مع تاريخ التصوف الطويل فى صحبة الأحداث وعقيدة الشاهد، ثم مع شخصيةالبدوى فحل الرجال الذى لم يتزوج طيلة حياته مكتفيا بتربية الأطفال ومباسطته معهم حين يحملونه على ظهورهم ؟

         4 ــ وقد تحدث ابن القيم عن ظاهرة التزاوج الشاذ بين الصوفى وأحدهم .( ثم قد يشتد بينهما الاتصال حتى يسمونه زواجا ، ويقول تزوج فلان بفلان كما يفعله المستهزئون بآيات الله تعالى ودينه من مُجان الفساق ، ويقرهم الحاضرون على ذلك ، ويضحكون منه ، ويعجبهم مثل ذلك النكاح والمزاح) ، وحدث فى سنة 911 أن حاول أحد الصوفية أن يسجل زواجه بأمرد تسجيلا رسميا ، فاكتشف أمره ، يقول الغزى عن الشيخ محمد بن سلامة أنه شيخ عارف صوفى ضرب بالمقارع إلى أن مات سنة 911، لأنه تزوج بامرأة خنثى واضح ودخل بها[94]. أما ابن طولون فقد أتى بحقيقة الموضوع الذى من أجله قتل ذلك الصوفى ضربا ، يقول( وقع بمصر أمر عجيب ، هو أن شابا متصوفا متمصلحا اسمه محمد بن سلامة النابلسى أشهر نفسه بالتمصلح ، صحب بعض المردان ، فلما قرب شهر رمضان أتى به فى زى بنت إلى بعض مراكز الشهود فى مصر ، وطلب أن يعقد نكاحه عليها، فأجيب إلى ذلك ، ثم نم بعد أيام عليه بعض الجيران ، فخاف الشهود ، فأعلموا الأمير طرباى رأس نوبة النوب فطلبه ، وتفقد أمره فوجده صبيا فى زى بنت ، فادعى أنه خنثى ،فكشف عليه النساء فلم يروه إلا ذكرا ــ فضرب وأشهر على ثور وبعث للمقشرة إلى أن مات )[95].

          5 ــ وفى النهاية كان من طوائف الصوفية من تخصص  فى طريقة معينة فى الشذوذ فى حفلات السماع ، وقد خصص لهم الجويرى فصلا بعنوان ( فى كشف أسرار الذين يدبون على المردان) قال فى مقدمته " إعلم إن أكثر هذه الطائفة مايتسمون بالفقراء ويحضرون السماعات .. الخ)[96]. ونكتفى بهذا لأن ذوق عصرنا لايتحمل ماأدمنه العصر المملوكى من انحلال وشذوذ ، وسجله كأنه أمر عادى، بل لأنه كان أمرا عاديا فعلا .. عندهم ..

التصوف والحشيش

الصوفية واكتشاف الحشيش :

          ارتبط اكتشاف الحشيش بالصوفية الحيدرية أتباع الشيخ حيدر الذى نسبت إليه الحشيشة ، وتحت عنوان " ذكر حشيشة الفقراء " يذكر المقريزى أن مكتشف الحشيش هو الشيخ حيدر ، وأنها شاعت فى خراسان ثم باقى البلاد عن طريق أتباعه والصوفية الآخرين ، وقيل أن أهل خراسان نسبوا اكتشافها للشيخ حيدر لاشتهار أصحابه بها.[97]

          ويذكر صاحب "أحكام الحشيش" أن الحشيشة كانت تسمى بالحيدرية وبالقلندرية، وكان ظهورها على يد الشيخ حيدر فى سنة 505 تقريبا ولهذا سميت حيدرية ، وقيل ظهرت على يد الشيخ أحمد الشارجى القلندرى ولهذا سميت قلندرية " ولم يتكلم فيها الأئمة الأربعة وغيرهم لأنها لم تكن فى زمنهم ( وإنما انتشرت منذ المائة السادسة والسابعة)[98] . أى مع انتشار التصوف .

         وفى القرن السادس كان ابن الجوزى يتحدث عن إدمان الصوفية فى عصره للحشيش باعتباره شيئا جديدا غير معروف ، يقول( وقد أبدلوا إزالة العقل بالخمربشىء سموه الحشيش المعجون).[99]

ضرورة الحشيش للصوفية :

        وكلمة ابن الجوزى تشير إلى ضرورة الحشيش للصوفية ، فالتصوف تدين يعادى العقل ويعمل على إخضاعه ليصدق أساطير الأشياخ ولايتمرد عليهم بالاعتراض أو النقد ، ومن سمات الحشيش أنه مخدر ينقل صاحبه إلى جنة وهمية ، تتداخل فيها الحقائق مع الخيالات والواقع مع الوهم ، وتختلط فيه حالة الإنسان بين اليقظة والمنام ، إلى جانب الاسترخاء والتواكل والانسجام وحياة اللحظة ومتعة الوقت ، مما جعل مخدر الحشيش وسيلة صوفية للتعامل مع الحياة والعقل الإنسانى.

        وقد سألت بنفسى أحد المثقفين المدمنين للحشيش عن شعوره وقت تناوله فأجاب عن تجربته الشخصية بأنها( تثاقل الأنفاس ، دوخة خفيفة ، اهتزاز النظرات ، شعور تام بالإنسجام والراحة نسيان للواقع الشعور بسمو الذات ، الصفاء الذهنى وقتها والحضور والجرأة ، جفاف الحلق الإحساس بطول الوقت والمسافة ، التثاقل دون أى مجهود ، الكسل التام لمدة 48 ساعة)، وقد حرصت على نقل أفكاره كما هى على مايبدو فيها من بعض التناقض ، وعدم الترتيب واختلاط الأعراض الجسدية بالنفسية والعصبية .

         ومايريده التصوف من دنيا الحشيش هو الشعور التام بالإنسجام والراحة ونسيان الواقع وسمو الذات والتثاقل والكسل .

         وقد نقل أحمد أمين تجربة " حشاش آخر" فقال شعرت كأن جدران الكون انبسطت حولى ، وصدرت منه أصوات مطربة أزالت مافى نفسى من هم وخوف ، وفتح أمامى فردوس النعيم وخضت فى بحرمن البهجة والسرور وطفح الحب على نفسى[100]. وهذه هى الصورة المثلى التى يتمناها الصوفى.

        وابن دانيال فى بابته( طيف الخيال)يقول على لسان أحد أبطال شخوصه عن الحشيش فى بداية العصر المملوكى ( الذين عرفوا سر الحشيش لأنهم ذاقوا بها لذة الكسل وهربوا من تعب العمل ، وزعموا أنها تفعل فى معدة الممعود فعل القرص فى الجلود .. فأكلوها فى الأسواق والمشاهد وهاموا فى طلب الرقص والمشاهد[101]. وواضح أنهم صوفية ، فالسمات كلها صوفية من الكسل والبطالة والمزاعم والرقص والمشاهد.

تشريع الحشيش:

          الحشيش اكتشاف صوفى فى عصر أغلق فيه باب الإجتهاد وسيطر فيه الصوفية فلابد أن يقوموا بتشريعه ، خصوصا وقد توقف كثير من الفقهاء ــ فى البداية ــ عن الإجتهاد بشأنه مما أتاح له فرصة الإنتشار ، يقول الزركشى فى القرن التاسع وقد ألف رسالة فى تحريم الحشيش ( وبعد فهذه فصول فى الكلام على الحشيشة ، اقتضى الحال إلى شرحها لعموم البلوى كثيرا من السفلة بها، وتوقف كثير من الناس فى حكمها[102].ومعنى ذلك أن المجال ظل مفتوحا للصوفية حتى القرن التاسع لكى يصدروا الفتاوى بتشريع الحشيش دون أن يردعليهم أحد الفقهاء ، قبل أن يؤلف الزركشى رسالته ( أحكام الحشيش ) فى الرد عليهم .

         ومنذ البداية اشتهر بعض الأشياخ بأنه كان يفتى بأكل الحشيش[103].ثم ألف الشيخ علم الدين بن الصاحب قصيدته يقول :

               فـى خمـار الحشيش مـعنى مرامـى             ياأهيــل العقــول والأفهــام

              حـرمـوها مـن غــير عـقل ونـقل            وحـرام تـحريم غيـر الحـرام[104]

          فهو يهاجم مقدما من يحرمها لأنه يفتقر الدليل العقلى والنقلى ، ويفتى بأن من الحرام أن تحرم الحلال ، وعلى نفس النسق يقول ابن الأعمى الدمشقى :

              ولانص فى تحريمها عند مالك              ولاحد عند الشافعى وأحمد

              ولا أثبت النعمان تنجيس عينها              فخذها بحد المشرق المهند

وفى بداية قصيدته يقول ينسب الحشيش إلى لقبه المشهور ومكتشفه :

دع الخمر واشرب من مدامة حيدر           معنبرة خضراء مثل الزبرجد[105]

أشهر الصوفية الحشاشين فى المصادر التاريخية :

       وقبيل العصر المملوكى كان ابن عربى متهما بأكل الحشيش [106]، إلا أن أشهر مدمن كان فى القرن السابع هو الشيخ علم الدين ابن الصاحب وهو القائل فيها :

              يانفس مــــيلى إلى التـصـابى                فـاللــهو منه الفـــتى يعــــيش

              ولاتمــلـى مـن  سـكـر يـوم                إن أعــوز الخـمــر فالحشـــيش

       وقد كان ابن الصاحب فقيرا صوفيا مجردا قيل فيه ( أتلفه أكل الحشيش ) [107]، وقيل فى الشيخ محمد بن محمود الصوفى ت 822 أنه كان متهما بحشيشة الفقراء[108]، وفى نفس القرن التاسع كان الشيخ بكير الحنفى ت 847 قد ركب هواه واشتغل بما يزيل العقل يقول عنه السخاوى ( حتى بلغنى أنه كان يجتمع مع اليهود على مالا يرضى الله ، وآل أمره إلى أن باع كتبه وغيرها بحيث أصبح فقيرا ،وألجأه الفقر والتهتك إلى أن سافر إلى بلاد الروم )[109]

        وأصبح الحشيش من مفردات الانحلال الخلقى ومستلزمات الدين الصوفى ، فيقول بعض الصوفية

( ونعتذر عن إثبات النص كما هو )

                 لو قـال لى خـــالقى تمنى              قلت له ســـــائلا بصـــــدق

                 أريـد فى صــبح كل يــوم              فُـــتـوح خــيــر يأتى بـرزق

                  كفُ حــشـيش ورطل لحم              ومن خــبــز (ن(؟) ك) علــق

                                               

        الصوفية موزعو الحشيش فى المصادر الصوفية :    

         كانت الكرامات كالعادة هى طريقة الصوفية فى ستر انحلالهم الخلقى ،ومنه تناول الحشيش وبيعه ، ويبدو ذلك فى ترجمة الشريف المجذوب فى طبقات الشعرانى ، يقول فيه ( وكان له كشف ومثاقلات للناس الذين ينكرون عليه ، وكان رضى الله عنه يأكل فى نهار رمضان ويقول أنا معتوق أعتقنى ربى ، وكان كل من أنكر عليه يعطيه فى الحال .. وكان رضى الله عنه يتظاهر ببيع الحشيش فوجدوها يوما حلاوة )[110].

        وهكذا تحول بيع الشريف المجذوب للحشيش إلى مجرد تظاهر، وتحول الحشيش على يده إلى حلاوة، أى (أنه كان يغش فى الصنف ).

         ويكرر الشعرانى نفس الأسطورة ونفس التعليل فى ترجمته للشيخ أبوبكر الدقدوسى ( وكان له صاحب) من الأولياء يصنع الحشيش بباب اللوق ، ( فكان الشيخ رضى الله عنه يرسل له أصحاب الحوائج فيقضيها لهم) أى كان ذلك الحشاش من أصحاب التصريف والحملات ( قال سيدى عثمان رضى الله عنه فسألته يوما عن ذلك ، وقلت المعصية تخالف طريق الولاية ،فقال ياولد ليس هذا من أهل المعاصى ، إنما هو جالس يتوب الناس فى صورة بيع الحشيش ، فكل من اشترى منه لايعود يبلعها أبدا) [111].

         وحتى يرهب الشعرانى الفقهاء فى عصره من الاعترا ض على الأولياء الصوفية مدمنى الحشيش فقد اخترع هذه الحكاية يقول( روى عن شيخ الإسلام صالح البلقينى أن والده الشيخ سراج الدين مر باب اللوق فوجد هناك زحمة ، فسأل عنها ،فقالوا شخص من أولياء الله يبيع الحشيش ، فقال لو خرج الدَجال حينئذ فى مصر لاعتقدوه من شدة جهلهم ، كيف يكون شخص حشاش من أولياء الله ، إنما هو من الحرافيش ثم ولى، فسلب الشيخ جميع مامعه حتى الفاتحة ، فتنكرت عليه أحواله ، وصارت الفتاوى تأتى إليه فلا يعرف شيئا ، ونسى ما قال فى حق الحشاش ، فمكث كذلك فى مدرسته بحارة بهاء الدين ثلاثة أيام ، فدخل عليه فقير فشكى إليه حاله ، فقال هذا من الحشاش الذى أنكرت عليه ، فإن الفقراء أجلسوه هناك يتوب الناس عن أكل الحشيش ، فلا يأخذها أحد من يده ويعود إلى أكلها أبدا حتى يموت ، فأرسل إليه يرد عليك حالك ، فأرسل إليه فبمجرد ماأقبل الرسول أنشده الشيخ شعرا ، وقال لو كنا عصاة نبيع الحشيش ماأقدرنا الله على سلب شيخ الإسلام ، ثم قال له سلم على شيخ الإسلام، وقل له أعمل أربعة خراف معاليف شواء وأربعمائة رغيف وتعالى اجلس عندى ، وكل من بعته قطعة حشيش زن له  رطلا واعطه رغيفا ، فشق ذلك على شيخ الإسلام ، فما زال به أصحابه ، حتى فعل ذلك، وصار يزن لكل واحد الرطل ويعطه الرغيف والشيخ يبتسم ، ويقول نحن نحليهم فى الباطن وأنت تحليهم فى الظاهر ، إلى أن فرغ الخرفان ، ثم قال له اذهب إلى الديك الذى فوق سطح مدرستك فاذبحه وكل قلبه يرد عليك علمك ، فبالله عليك كيف تتكبر على المسلمين بعلم حمله الديك فى قلبه ، فمن ذلك اليوم ماأنكر الشيخ البلقينى على أحد من أرباب الأحوال ) [112].

            وفى هذه الأسطورة المضحكة لم يتفضل علينا الشعرانى بإسم ذلك الشيخ الصوفى الحشاش الذى سلب علم شيخ الإسلام ووضعه فى قلب ديك ، ولم يكن سراج الدين البلقينى من الخفاء بيحث يحدث له هذا الحادث الخطير المضحك دون أن يكتب ذلك فى مؤلفاته الكثيرة ، أو يكتب ذلك عنه أحد رفاقه وهم كثيرون فى عصره . ولكن الشعرانى بموهبته الفائقة فى الاختراع كسىهذه الحكاية كثيرا من التشويق والترهيب بحيث يجعل القارىء فى عصره يصدق أن وليا صوفيا مجهولا يتاجر فى الحشيش يرغم شيخ الإسلام البلقينى فى القرن التاسع على أن يجلس على " دكة" إلى جانبه وهو يبيع الحشيش ،والمهم فى هذه الأساطير التى اخترعها الشعرانى أن القرن العاشر شهد تحول الكثيرين من الأولياء الصوفية من مجرد مدمنى حشيش إلى موزعين وتجار ينشرون ذلك الوباء فى المجتمع الذى ابتلى بهم ، فهم الذين اكتشفوا الحشيش ثم هم الذين أدمنوه ثم هم الذين نشروه وتاجروا فيه ووقع على الشعرانى عبء الدفاع عن ذلك باختراع الكرامات وتخويف المعترضين بها ، بل أنه يفتخر بعدم تنغيصه لكل من صحبه من الحشاشين فى بلع الحشيشة وعدم زجره له( بعنف ، بل بلطف)[113]. وكان سهلا أن ينجح الشعرانى فى عصر يؤمن بالتصوف وكرامات أوليائه مهما اقترفوا من آثام ، وعلى هذا يقول الغزى فى ترجمة الشيخ بركات المصرى ت 915( أنه كان يُرىالناس إنه يأكل الحشيش) [114]. أى أن الغزى المؤرخ الذى كان معاصرا للشعرانى قد اقتنع بهذه الأساطير .

 

 


[1] ـ تائية ابن عربى . مخطوط مكتبة الأزهر 166. أباظة 35، 38 ، 39

[2] ـ الطبقات الكبرى للشعرانى ج2 / 158 ط صبح .

[3] ـ ديوان ابن الفارض 50، 51 مكتبة القاهرة 1979.

[4] ـ الجيلى (الإنسان الكامل) ج1 /17، 18، 23، 24، 28، 31، 41، 45، 49، 51، 54، 55، 56، 57،/ج2/ 18، 31، 42، 59، 61،

      68، 74، 77، 80.

[5] ـ تلبيس إبليس 165.

[6][6] ـ الرسالة القشيرية 176.

[7] ـ تلبيس إبليس 165.

[8] ـ الإحياء ج2 /260 ، 26.

[9] ـ الإحياء ج2/260، 26

[10] ـ تلبيس إبليس 358 .

[11] ـ نفس المرجع 356.

[12] ـ العينى . عقد الجمان وفيات 819، ابن حجر . إنباء الغمر ج3/105. السخاوى الضوء اللامع ج2/12 ، الشعرانى الطبقات الكبرى

      ج2/75ط صبيح ، لواقح الأنوار 27 .

[13] ـ لطائف المنن للشعرانى 436 ط قديمة .

[14] ـ لواقح الأنوار 309.

[15] ـ لواقح الأنوار 309

[16] ـ الطقات الكبرى للشعرانى ج2/115  ط . قديمة,

[17] ـ  الطبقات الكبرى للشعرانى ج2/115 ط. قديمة .

[18] ـ المدخل جـ2 /11، 12.

[19] ـ مناقب الحنفى . مخطوط 321، 380 ، 422 ، 424، 479: 482، 309.

[20] ـ مناقب الحنفى. مخطوط 321، 380، 422، 424، 479: 482، 309.

[21] ـ مناقب الحنفى . مخطوط 321، 380، 422، 424، 479: 482، 309.

[22] ـ لواقح الأنوار 288، 289.

[23] ـ الطبقات الكبرى ج2/166 صيح .

[24]ـ المدخل ج2/204 .

[25]  ـ المقدسى الرجائى. العقد الفريد فى حكم الأمرد .مخطوط ورقة 51، 52.

[26] ـ لواقح الأنوار 323.

[27] ـ لطائف المنن للشعرانى 321 ط قديمة.

[28]ـ لواقح الأنوار 180، 360..

[29] ـ لواقح الأنوار 180، 360.

[30]ـلطائف المنن 273: 274.ط دار الفكر، البحر المورود 342.

[31] ـ لطائف المنن 273: 274ط دار الفكر، البحر المورود 342.

[32] ـ الطبقات الكبرى جـ2/119 صبيح، لطائف المنن 321ط قديمة ، لواقح الأنوار 360..

[33] ـ الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/92 ط قديمة

[34] ـ نفس المرجع جـ2/122ط صبيح.

[35] ـ المدخل جـ2/205..

[36] ـ لواقح الأنوار375، 376..

[37] ـ الجواهر السنية 26..

[38] ـ النويرى نهاية الأرب مخطوط 28/119: 121.

[39] ـ تاريخ ابن كثيرج13/278.

[40] ـ الطبقات الكبرى2/2.

[41] ـ تاريخ ابن اياس ج2/61 ط بولاق

[42] ـ. الجواهر السنية 25.

[43] ـ الأبشيهى المستظرف ج1/39،تيمور الأمثال الشعبية 221.

[44] ـ الأبشيهى المستظرف ج1/39، تيمور المثال الشعبية221.

[45]ـ  إغاثة اللهفان ج2/142

[46]  ـ تاريخ ابن كثير ج14/119.

[47]  ـ.المناوى الطبقات الكبرى. مخطوط رقم300

[48] ـ الطبقاتالكبرى للشعرانى ج2 /  130ط صيح

[49] ـ  لواقح الأنوار 98.

[50] ـ الطبقات الكبرى للشعرانى ج2/139.

[51] ـ لواقح الأنوار 101.

[52] ـ تيمور . الأمثال الشعبية 389.

[53] ـ اصطلاحات ا لصوفية للقاشانى 138، 139، 153.

[54]ـ الرسالة القشيرية 74، 75.

[55] ـ مشكاة الأنوار 88، تحقيق أبو العلا عفيفى ، الهيئة العامة للكتاب 1964.

[56] ـ تلبيس إبليس 165.

[57]ـ الإحياء ج4 / 289، 286، 300.

[58] ـ الإحياء ج4/289، 282، 300.

[59]ـ الرسالة القشيرية 253، 146.

[60]ـ الرسالة القشيرية 253، 146

[61]ـ .الأحياء ج4/ 92.

[62] ـ المنار المنيف123، 124.

[63] ـ عجائب الآثارج2 /144.

[64] ـ الشعرانى . كشف الران 35.

[65] ـ رسالة القشيرى 320، 321، 37.

[66] ـ رسالة القشيرى 320، 321، 37

[67] ـ رسالة القشيرى 320، 321، 37.

[68] ـ رسالة القشيرى 320، 321، 37

[69] ـ تلبيس إبليس 260.

[70] ـ السخاوى . التبر المسبوك 103، 104.

[71] ـ أبو الفتح المقدسى الرجائى : حكم الأمرد 49، 50، 51، 40.

[72] ـ أبو الفتح المقدسى الرجائى : حكم الأمرد 49، 50، 51، 40.

[73]ـ تاريخ البقاعى . مخطوط : ورقة 136 ب .

[74] ـ المدخل ج2 /161 .

[75] ـ تلبيس إبليس 360.

[76] ـ ابن تيمية . التنفير من الأمرد 247، 255، 256.

[77] ابن تيمية . التنفير من الأمرد 247، 255، 256.

[78] ـ تلبيس إبليس 160.

[79]ـ. إغاثة اللهفان ج2/143: 147

[80] ـ تلبيس إبليس 256

[81]ـ. الصفدى : فوات الوفيات ج 1 /185، 196

[82]ـ. تاريخ ابن الفرات ج 8 /85.

[83] ـ فوات الوفيات ج1/466: 467.

[84] ـ.ا لسلوك 4/1/43.

[85]ـا بن حجر : أنباء الغمر ج 1/50، الدرر الكامنة ج4/108.

[86] ـ الشوكانى ـ البدر الطالع ج1/300، 301.

[87] ـ ـإنباء الغمر ج3 /209.

[88] ـ تاريخ ابن اياس ج 2 /181: 182.

[89]ـ الطبقات الكبرى ج2/77: 80.

[90] ـ الطبقات الكبرى ج 2/77: 80.

[91] ـ الطبقات الكبرى ج2/77: 80.

[92] ـ الجواهر السنية 4، 50، 53، 54، 55، 24، 99، 42.

[93] ـ الجواهر السنية 4، 50، 53، 54، 55، 24، 99، 42.

[94] ـ الغزى الكواكب السائرة ج1 /51.

[95] ـ تاريخ ابن طولون ج1 /297 :298.

[96] ـ الجويرى : المختار  فى كشف الإسرار 137.

[97] ـ الخطط ج 2/ 516، 518.

[98] ـ الزركشى أحكام الحشيش مخطوط 154.

[99] ـ تلبيس إبليس 362.

[100] ـ قاموس العادات والتقاليد170.

[101]ـ ابن دانيال طيف الخيال 149 تحقيق ابراهيم حمادة.

[102] ـ أحكام الحشيش 154.

[103] ـ شذرات الذهب ج 7/40 .

[104] ـ النجوم الزاهرة ج 7 /380.

[105] ـ الخطط ج 2 /517: 518

[106] ـ  البقاعى تنبيه الغبى 182

[107]ـ الصفدى عيون التواريخ . مخطوط ج 3/ 8. النجوم الزاهرة ج 7 / 380.

[108] ـ السلوك 4 /1 /514 .

[109] ـ السخاوى التبر المسبوك 78.

[110] ـ الطبقات الكبرى ج 2 / 135.

[111] ـالطبقات الكبرى ج 2 /96.

[112] ـ لواقح الأنوار 100، 101.

[113] ـ لطائف المنن 466 ط قديمة .

[114] ـ الكواكب السائرة ج 1 /167.

أثر التصوف فى الانحلال الخلقى فى المجتمع المصرى المملوكى

أثر التصوف فى الانحلال الخلقى فى المجتمع المصرى المملوكى

648 ــ 921 هجرية
1250 ــ 1517 م


المؤلف /
د./ أحمد صبحى منصور
الفصل الأول : جذور الإنحلال الخلقى الجسدى وتشريعه فى عقيدة
التصوف وتاريخ الصوفية
• الفصل الثانى : مفردات الانحلال الخلقى الجسدى عند الصوفية
• الفصل الثالث : انحلال المجتمع المصرى المملوكى بتأثير التصوف
• الفصل الرابع : انعكاسات الانحلال الخلقى الجسدى فى المجتمع المملوكى
• الفصل الخامس: أكل أموال الناس بالباطل
• الفصل السادس: فى المساوىء الاجتماعية
• الخاتمة
• المصادر والمراجع
more