يهود العراق.. إخلاص لوطن أحبوه وازدراهم

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٠ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


يهود العراق.. إخلاص لوطن أحبوه وازدراهم

يهود العراق.. إخلاص لوطن أحبوه وازدراهم

 
  • استطلاعات كثيرة وموثقة، تثبت أنّ يهود العراق، هم من أشدّ يهود العالم تعلّقا بعراقيتهم، ثقافة وعاطفة وفلكلورا، وحبا لأرض العراق، والتي أفرغت من أبنائها غير المسلمين، وذلك بسبب السياسات الرعناء والمشبوهة، والأحقاد الطائفية، وصار لا بد من التفات العراق لجميع أبنائه والعمل على إعادة الاعتبار إليهم وتمكينهم من جميع حقوقهم وممتلكاتهم التي سلبت منهم ظلما.
العرب سميرة عباس التميمي [نُشر في 11/08/2016، العدد: 10362، ص(13)]
 
يهود العراق.. حضور مؤثر في الحياة الاجتماعية
 
الزج بالمسألة الدينية في العمل السياسي تنتج عنه عواقب وخيمة، تبدأ بالتصدّع الاجتماعي، وتنتهي عند حالات الاغتراب التي تصيب الأجيال القادمة.

باسم الدين أقيمت الحروب منذ القدم لنشر دين جديد، فقام البشر بتهجير وأسر وقتل من كان على دين قديم. أما اليوم فبهدف المصالح وذريعة الدين، يتم قتل وتهجير المئات من المسيحيين والإيزيديين من العراق وقد التحقوا بركب إخوانهم العراقيين من اليهود في أربعينات القرن الماضي.

لنسلم بأنه لم تكن هنالك وحدة بين العراقيين أو لربما كانت موجودة ولكنها نادرة وعلى فترات مُتباعدة من التاريخ، وهو السبب الرئيسي في ظهور الثغرات في المجتمع العراقي وتزعزع صفوفه، ومن ثم ظهور النزاعات بين أبناء شعبه.

منذ أكثر من خمسين سنة والعراقيون لم يرضوا بملك ولا برئيس جمهورية، ولم يتفقوا على نظام دولة واحدة ولا على دستور واحد، بل وأثبتت التجارب الحياتية أنهم لم يعرفوا الديمقراطية بل ولم يتقنوها، وكل كلمة حُرة مُعبرة يعترض طريقها أكثر من عدو لها، ولأسباب مختلفة.

السبب إذن ليس في هذا الملك أو ذاك الرئيس، وإنما في خيارات الشعب وقراراته، وما يدعو إلى الحزن والمؤسف أن العراقيين لم يتمكنوا من الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية التي حكمت البلاد بأنفسهم، بل دائما عن طريق تدخلات من خارج الوطن.. نعم، لقد كان العراقيون في أغلب الأحيان مُسيرين، لا مُخيرين. لنتذكر معاً الأيام المبهجة التي كنا نعيشها في العراق، ذلك الخليط المتنوع من البشر، وهم يتبادلون الزيارات والمؤانسات واللقاءات في الأندية، دون التساؤل عن الخلفيات المذهبية والدينية.

كنا نجلس جميعاً على مائدة واحدة، صابئة ومسلمين ومسيحيين ويهودا، نتقاسم الأفراح ونتبادل التهاني في المناسبات، نرقص معاً، نغني ونضحك، نتبادل الأحاديث الودية والثقافية ونتناقش في العادات والتقاليد المختلفة، ممّا يزيد المحبة والأخوة والألفة بيننا.

الوحشية البشرية وفرض عادات هذه القبيلة على تلك، لم ينتجا سوى الحروب والفوضى والقتل والدمار

أتذكر تلك الأيام بكل حنين وألم، أقرأ عن ثقافة عريقة اضمحلت من العراق، وهي ثقافة اليهود العراقيين، وعن شخصيات تركت بصماتها في الطب، وأغنت دولة العراق فكرياً وثقافياً وعلمياً، وفي كافة المجالات الحياتية. تلك الشخصيات خدمت العراق بإخلاص، ومع هذا أسقطت عنها الجنسية العراقية. أود أن أذكر البعض من يهود العراق المتميزين، قسم منهم تعرض للإجحاف وأسقطت عنه الجنسية.

اعتمدت في عرض الأسماء على ما قرأته من كتب بخصوص يهود العراق، والتي اقتنيتها من معرض بغداد الدولي للكتاب، وعلى بعض المقالات التي قرأتها في الإنترنت:

جاك عبود شابي، كان يتفرغ ثلاثة أيام في الأسبوع لمعاينة ومعالجة الفقراء من دون مقابل، وسُمي بطبيب الفقراء، ورغم ذلك ـ وعلى غرار بقية اليهودـ أسقطت عنه الجنسية العراقية عام 1972 لسبب واحد فقط.. لأنه يهودي الديانة.. سافر جاك إلى بريطانيا، حيث عمل طبيباً هناك، وكان يُردد حتى الرمق الأخير” أنا عراقي حتى أموت”.

كلنا سمعنا أو قرأنا عن مجموعة الأطباء اليهود الذين عالجوا أطفال العراق بعد أحداث 2003م في الأردن وإسرائيل، وأذكر أيضاً طبيبا إسرائيليا، عراقي الأصل، حيث نقل الأب حنينه وحبه لبلده إلى ابنه، وشاب الابن على خطى أبيه ومنح محبته لأطفال العراق من خلال علاجهم ورعايتهم، كما لا يفوتني أن أذكر مناحيم دانييال، الذي فتح بيته لكل معارفه ولكل ذي حاجة.

لزام على العراق أن يفتخر بأول وزير للمالية في العصر الحديث، والذي عُرف بنزاهته في العمل، وهو ساسون حسقيل اليهودي الأصل، مُنظم أول ميزانية مالية في تاريخ العراق، واُشتهر بنبوغه في علم الاقتصاد والشؤون المالية، وأتذكر بحزن حادثة فرهود التي أودت بأرواح العديد من الناس الأبرياء.

أما في الوقت الحاضر فقد فتك تنظيم داعش بنساء وأطفال ورجال يزيديين، صادر أراضيهم، وأخرجهم من بيوتهم، إضافة إلى الانتهاكات الجنسية، والاغتصاب الذي مُورس على النساء والبنات، وكذلك عمل الإرهابيون على تهجير وقتل العديد من المسيحيين، وإجبارهم على الدخول في الدين الإسلامي.

في التنوع البشري إثراء لثقافة البلد وارتقاء بنفس الإنسان، ويكفي العراقيين فخراً أن سارة زوجة النبي إبراهيم، هي ابنة أور، ابنة العراق

قبل عدة أيام كنت أشاهد افتتاح الدورة الأولمبية بالبرازيل، والتي أثارت إعجاب كل من شاهدها، ولفت انتباهي أنّ البرازيل قد تأسست وقامت على مجموعة أعراق قادمة من ثقافات مختلطة كالهنود والعرب والأفارقة وحتى اليابانيين.

لماذا أصبحنا هكذا، بعد أن كنا نعيش بصفاء ووئام، يجاورنا المسلم والصابئي والمسيحي واليهودي واليزيدي، نتبادل تحيات الصباح والسلام، نفرح بالجيرة الطيبة، وكنا قنوعين بالحياة البسيطة؟

لماذا أصبح الجار لا يُطيق جاره والأخ يُعادي أخاه، وكل من كان على غير الدين الإسلامي ليس له الحق في الإرث، والمطالبة بأبسط حقوق والديه، بل إن هنالك مشاكل واجهت العديد من العراقيين في الحصول على الجنسية العراقية بعد فقدان جنسياتهم، كيف يحدث هذا في الوقت الذي تخطط فيه حضارات متقدمة لإقامة رحلات سياحية إلى الفضاء الخارجي!

أطالب من خلال هذه السطور، بإعادة الجنسية العراقية لكل مواطن أسقطت الجنسية عنه سابقاً أو حالياً لأسباب تتعلّق بنزعات طائفية وكراهية دينية، ولا ينبغي للعراقي أن يقبل بمعاملة أخيه العراقي كغريب أو منبوذ في بلده، لمجرّد أنه يهودي أو صابئي أو مسيحي، كما نطالب بإعادة الممتلكات التي وقعت مصادرتها وإعادة الاعتبار لكل من ظلم بسبب دينه، فلو شاء الله لخلق جميع البشر على دين واحد.

ولا أحكم من قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة وهي ابنة مدينة أور العراقية، عندما خرج للأرض التي وعده الله بها، تاركاً أرض أور في العراق والحران في سوريا، فهل استقامت أمور البلدين بعد أن ترك نبي الله، حقه وحق زوجته سارة في العراق وسوريا؟

لا تستقيم أمور بلدٍ ما إلا إذا سُنت قوانين مدنية عادلة، يتمتع بموجبها الشخص بكامل حقوق المواطنة في الأرض التي ولد وعاش ومات عليها أجداده. لنعتمد على الأصالة العراقية والبذور الطيبة التي لازالت موجودة في نفوس الكثير من الناس لتجاوز هذه المحنة العصيبة.

في التنوع البشري واختلاف الأديان إثراء لثقافة البلد وارتقاء لنفس الإنسان، ويكفي العراقيين فخراً أن سارة زوجة النبي إبراهيم هي ابنة أور، ابنة العراق.

اجمالي القراءات 3169
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق