معضلة السير في الاتجاه الخطأ بعد عامين من حكم السيسي

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٧ - يونيو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


معضلة السير في الاتجاه الخطأ بعد عامين من حكم السيسي

معضلة السير في الاتجاه الخطأ بعد عامين من حكم السيسي
  • ينقسم الشارع المصري في تقييمه لإنجازات الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد عامين من توليه رئاسة البلاد (8 يونيو 2014) بين موقف يرى أن الرئيس نجح إلى حد ما في إعادة التوازن الداخلي والخارجي للدولة المصرية، ما أثّر على تحقيق جزء من الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، وموقف آخر عبّر عن قلقه من تواصل عدد كبير من المظاهر الاجتماعية والاقتصادية التي قد تؤدي إلى غضب شعبي جديد؛ خاصة وأن بطء تحقيق الوعود على أرض الواقع أثر في الرأي العام المصري.
العرب أحمد جمال [نُشر في 08/06/2016، العدد: 10300، ص(6)]
 
خطاب يصور مشاريع في انتظار إنجازها
 
القاهرة - أضحى من الواضح، مع انقضاء نصف المدة الانتخابية الأولى للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الانقسام في ما يتعلق بتقييم الأداء العام خلال العامين الماضيين، بين مؤيدين يرون أن الرئيس أوفى بوعوده في حفظ الأمن والاستقرار ومعارضين قلقين على مستقبل الحريات ومصير حقوق الإنسان في البلاد.

ويرى السيسي، ومن خلفه أنصاره، أنه حقق إنجازات من الصعب تحقيقها خلال 20 عاما على مستوى الأمن والاستقرار، بينما يعتقد معارضوه أن الأوضاع الحالية وصلت إلى مرحلة شديدة الصعوبة، وثمة مخاوف كبيرة على مستقبل الحريات ومصير حقوق الإنسان.

بين هذا وذاك تقلبت التقييمات الموضوعية للفترة المنقضية، في ظل خطاب أقرب إلى التعبوي من قبل بعض وسائل الإعلام الرسمية تحديدا، والتي لم تتوقف عن بث الإنجازات، وبين مواقع إلكترونية تبالغ في تشويه المرحلة المنقضية.

ردّد السيسي، خلال حملته الانتخابية الرئاسية في مايو 2014، جملة أن المواطن سيشعر بالتحسن في حياته خلال عامين من حكمه، لكن مضى العامان ولا تزال هناك أشياء كثيرة لم تتحقق، على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الأمر الذي جعل الشكوك تتسرب إلى وجدان وعقول فئات كثيرة.

ربما يكون اهتمام وتركيز الرئيس المصري على البنية الأساسية، إحدى العلامات التي قللت من تنفيذ هذه الوعود سريعا، لأنها تنطوي على مشروعات بعيدة الأجل، ويستلزم حصاد نتائجها وقتا طويلا. وربما يكون انشغال الرئيس المصري بالمشروعات القومية الكبرى سببا آخر، لأنه حسب تقديره مصر تأخرت كثيرا، ولا بد من حدوث طفرات لافتة، تعوض الإخفاقات التي صاحبت العقود الماضية، وهي مشروعات بحاجة أيضا إلى وقت طويل حتى يشعر المواطن المصري بعوائدها المادية.

ومع ذلك لا ينكر الكثير من المراقبين أن هناك مجهودا كبيرا بذل خلال العامين الماضيين، خاصة على صعيد السياسة الخارجية والتفاعلات الإقليمية الحرجة، وهو ما يعطي أملا في الوفاء بالوعود التي أطلقها السيسي قبل وبعد حملته الانتخابية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

مؤيدو السيسي يرون أن الرئيس أوفى بوعوده في الاستقرار، ومعارضوه قلقون على مستقبل الحريات ومصير حقوق الإنسان

المشروعات الكبرى

بدأ عبدالفتاح السيسي، منذ توليه الرئاسة في عام 2014، العمل في عدد من المشروعات القومية، أهمها تنمية محور قناة السويس والمشروع القومي لتنمية سيناء واستصلاح مليون ونصف المليون فدان للزراعة ومشروع الشبكة القومية للطرق والعاصمة الإدارية الجديدة، إلى جانب مشروعات لإسكان الطبقات المهمشة ومفاعل الضبعة النووي وتحديث المعدات العسكرية بالجيش المصري.

لكن مع ذلك، يأخذ البعض على الأداء العام أنه لا يسير تماما في الاتجاه الذي يشعر القطاعات المختلفة في المجتمع المصري بالارتياح، لأن كثافة المشروعات والأهداف تزاحمت بصورة أثرت سلبيا على معنويات البعض، وهم يرون الارتفاع الرهيب في أسعار الكثير من السلع الحيوية.

وقال عبدالعزيز الحسيني، نائب رئيس حزب الكرامة، لـ”العرب”، إن الوهن السياسي الحاصل خلال الفترة الماضية، والذي انعكس في صورة عقم في المشهد برمته، أصبح يطغى على إنجازات جرى تحقيقها، كما أن توالي الأزمات أرخى بظلال قاتمة على ثقة المجتمع في جدوى ما يمكن أن يكون قد تحقق.

وأضاف أن “خطابات السيسي الأخيرة ومواقفه برهنت على أنه بحاجة إلى رؤية سياسية للوصول إلى أهداف محددة، ومع ذلك يصر على أن إنجازاته من خلال المشروعات تستطيع أن تعوض الأخطاء”.

ويأخذ بعض المراقبين على الرئيس المصري رفضه الاعتراف بوجود خلل في الأداء العام، ويصاحب ذلك ضيق معلن من أي نقد ورأي خارج السياق الرسمي، دون أن تكون هناك خطة واضحة لإصلاح جهاز الدولة المهدم.

وأرجع خبراء علم اجتماع جانبا من أسباب الضيق الذي يظهر في خطابات السيسي من الانتقادات التي توجه إلى نظامه، إلى خلفيته العسكرية التي تعرف بعدم تقبل الآراء المعارضة، وهو ما انعكس على إدارة الدولة في وجوه متعددة.

 
حملة انتخابية حملت الكثير من الوعود
 
وتعد أزمة جزيرتي تيران وصنافير ومصرع الشاب الإيطالي جوليو ريجيني والتعامل مع حادث الطائرة الروسية من العلامات التي تؤكد الاستنتاج السابق، لأن تضخم هذه القضايا جاء غالبا بسبب الخلل في طريقة الإدارة، وتعمّد إخفاء بعض الجوانب، وظهر كثيرا في ارتباك عام في دولاب الدولة.

وشكلت مثلا قضية الجزيرتين تغيرا كبيرا في العلاقة بين الشعب والرئيس المصري، وهو أمر تنبه إليه السيسي جيدا وأفصح عنه بتأكيده على أنه يخشى أن تؤثر كثرة الضغوط على مواقف المصريين، وأصبح لديه هاجس لأي خروج محتمل للجماهير حال تفاقم المشكلات الحالية.

وزادت تلك القضية من الفجوة بين قطاع كبير من الشباب والسيسي، والتي بدأت قبل أن يتولى المسؤولية حينما تم إقرار قانون التظاهر، الذي بموجبه جرى اعتقال العشرات من الشباب، بحجة تظاهرهم دون تصريح رسمي، لكن السياسات اللاحقة أفضت إلى زيادة الفجوة بدلا من ردمها، وتحولت إلى ما يشبه الانفصال، وبدت السلطة في واد والشباب في واد آخر مقابل تقريبا.

يدرك السيسي أن الأمر يحتاج إلى وقفة للمراجعة بشأن العلاقة بين القيادة والشباب لردم المخاطر المترتبة عن الانفصال الكامل بين الطرفين، لكن حتى الآن لم يصل إلى صيغة واضحة للتعامل مع هذا الملف، ربما لأنه لا يعترف بخطورته، ويحاول التقليل منها، ملمحا دوما إلى أن الشباب يقف إلى جواره وهو يؤمن بأهمية دوره، حتى أنه أطلق على العام الجاري (2016) وصف “عام الشباب” كمحاولة لتحويل تصوراته النظرية إلى أرض الواقع.

ويرى محمد السعدني، أستاذ القانون بجامعة الإسكندرية لـ”العرب”، أن الرئيس السيسي يواجه العديد من المشكلات في إدارة الدولة المصرية، بعد أن وجد أمامه تحديات لم يكن يضعها في حسبانه، أهمها الركود الاقتصادي الكبير حاليا، والتعقيد الشديد في القضايا الاجتماعية، والتداخلات الكبيرة في القضايا الأمنية والسياسية، بين الداخل والخارج.

ومع ذلك يمكن القول إن الرئيس المصري يحاول دائما أن يكون هادئا، ما يكشف السر وراء اختياره تقديم كشف حسابه خلال برنامج حواري تلفزيوني أذيع الجمعة الماضي على غالبية القنوات الفضائية، ليعزز ثقته في نفسه وفي شعبه والمستقبل.

وقد علّق سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، على هذا الحوار قائلا إنه من الطبيعي بعد فترة زمنية معقولة أن يقدم أي مسؤول كشف حساب بالإنجازات وتبرير الأخطاء أو تجاهلها وشرح التحديات، أي أنه أمر بروتوكولي عادي من أي مسؤول في موقعه. الرئيس الأميركي مثلا يقدم خطاب حالة الاتحاد للكونغرس والأمة يشرح الأوضاع وأجندته التشريعية وأولوياته في العام الجديد وهذا ليس منه بل وفق المادة الثانية من الدستور الأميركي، القسم الثالث وهو تقليد وإلزام ينفذان منذ 1790.
اهتمام وتركيز الرئيس المصري على البنية الأساسية، إحدى العلامات التي قللت من تنفيذ هذه الوعود سريعا، لأنها تنطوي على مشروعات بعيدة الأجل

وأضاف صادق أن الرئيس السيسي جاء بعد ثورتين ووعد وتطوع دون إلزام دستوري عليه بكشف حساب بعد سنتين وهي فترة زمنية كافية للتقييم الموضوعي، وبدلا من خطاب للأمة مكتوب قرر تقديم العرض عبر حوار تلفزيوني هادئ مسجل، وهذا جيد.

وجود بديل

تبدو شعبية السيسي متماسكة حتى الآن، على الرغم من الشكوك التي يروجها البعض، لكن المسألة المهمة التي يراهن عليها مؤيدو الرئيس عدم وجود بديل يستطيع قيادة البلاد في ظل وجود قوى سياسية ضعيفة لا تمتلك خبرات القيادة، ولا تستند على خلفية قوية تساعدها على مواجهة الأزمات.

وأضاف السعدني أن السيسي تجنب الحديث عن الأخطاء والمشكلات في حواره التلفزيوني الطويل، وحينما تحدث عن بعضها أرجعها إلى من أسماهم “قوى الشر” ولم يفصح عمن هم وماذا يريدون بالضبط.

الحاصل أنه لم يضع حتى الآن حلولا واضحة للتعامل مع الأزمات الطارئة، مثل حادث الطائرة الروسية الذي أدى إلى التأثير سلبا على حركة السياحة على مصر، كذلك لم يكشف عن طبيعة الخطوات التي تتخذ لإصلاح مؤسسات الدولة العقيمة، والتي أصيب بعضها بما يشبه الشلل.

وبدت جهات مختلفة كأنها خارج الزمن من فرط الترهل الذي أصابها، كما أنه لم يعلن عن موعد محدد لاستقرار الأوضاع في سيناء التي تدور فيها عدة أعمال عنف واشتباكات مع جمــاعات متــطرفة منذ حــوالي عــامين.

أكّد على ذلك أيضا سعيد صادق مشيرا إلى أن السيسي ركز في الحوار على الايجابيات وتجنب المواضيع الجدلية مثل سد النهضة وغياب الاستراتيجية القومية لمكافحة الإرهاب وآستمرار الصراع فى شمال سيناء لمدة 3 سنوات دون أفق حاسم حتى الآن.

لكنه، لم يتطرق إلى مواضيع هامة مثل متى سيتم إصلاح وتحديث مؤسسات الدولة بجدول زمني محدد ولا كيفية تحديث الخطاب الديني الذي يبرر ويساعد في عمليات التجنيد للإرهاب أو كيفية تطبيق القانون على الجميع ومنع العنف والتفرقة الطائفية، وما أسباب سقوط الطائرة الروسية الذي أدى إلى فقدان دخل السياحة وما أسفرت عنه التحقيقات ومتى ستحل أزمة العملة الصعبة.

وقال صادق إنه متفهم لماذا ترك السيسي مواضيع وركز على مواضيع أخرى خاصة في ظل ظروف صعبة داخليا وإقليميا، لكنه يتمنى قي الحوار القادم أن يتم تناول الخافي وليس المكشوف فقط حسب المصلحة الأمنية القومية.

وتبقى علاقة الرئيس السيسي بالإعلام إحدى علامات الالتباس الواضحة، فهو تارة ينتقده بحدة، وأخرى يراه سنده في معاركه على المستويين الداخلي والخارجي.

اجمالي القراءات 1760
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more