حرب صامتة بين 'الدعوي' و'السياسي' في حركة النهضة التونسية

اضيف الخبر في يوم الخميس ١٢ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


حرب صامتة بين 'الدعوي' و'السياسي' في حركة النهضة التونسية

حرب صامتة بين 'الدعوي' و'السياسي' في حركة النهضة التونسية
  • رياح كثيرة تعصف بحركة النهضة التونسية وتهدّد مستقبل حضورها ضمن الخارطة السياسية التونسية في ظلّ حدّة التناقض مع الأحزاب الأخرى، بالإضافة إلى التململ الشعبي العام من ضبابية مواقفها إزاء ما يحدث في البلاد، كل ذلك إلى جانب أزمتها الداخلية المتمثّلة في نزوع قيادتها نحو تغليب الشأن السياسي عن الشأن الدعوي العقائدي الذي تتمسّك به قواعدها، وهو ما يجعل الحركة مشتتة بين إرضاء غالبية المنتسبين إليها أو الذهاب نحو رأب الصدع مع أحزاب الداخل، وكذلك كسب الثقة مع الغرب الذي لم يعد متحمّسا كثيرا لفكرة الإسلام المعتدل.
العرب  [نُشر في 13/05/2016، العدد: 10274، ص(13)]
 
قيادة النهضة والمهمة الصعبة في الحسم بين الدعوي والسياسي
 
تونس- ارتفع منسوب “الحرب” الصامتة بين طائفة حركة النهضة العقائدية وطائفتها السياسية التي تقود جهودا سياسية وإعلامية لتأمين أكثر ما يمكن من التموقع السياسي والتنظيمي ضمن القيادة الجديدة التي سيفرزها مؤتمر الحركة المزمع انعقاده أيام 20 و21 و22 مايو الحالي.

ووفق تسريبات سياسية يقود راشد الغنوشي خلال هذه الفترة وقبل انعقاد المؤتمر جهودا “لتخفيف” الضغط على التنظيم من خلال “تهدئة” طائفة عقائدية تتكون من قيادات تاريخية متمسكة بالمرجعية الإسلامية وطائفة سياسية مستميتة في ضمان التموقع بقوة ضمن القيادة المرتقبة كثيرا ما تذمّرت من رفض العقائديين الانفتاح على القوى السياسية والمدنية العلمانية.

وقبل أسبوع من انعقاد مؤتمر الحركة الإسلامية الذي تراهن عليه لإجراء مراجعات أيديولوجية وفكرية لكسب ثقة العلمانيين وجزء هام من الرأي العام التونسي توارت القيادات التاريخية عن النشاط السياسي والحضور الإعلامي، فيما بدت القيادات السياسية تقود جهودا للترويج لـ”نهضة سياسية جديدة”.

وتوصلت “العرب” إلى أنّ “بيعة” النهضويين للغنوشي على إبقائه رئيسا للحركة، خفّفت نسبيا من الحرب بين الإخوة دون أن تطفئ لهيبها في ظل “إحساس” قيادات سياسية من الجيل الثاني بـ”استضعافهم” من قبل قيادات تاريخية متنفّذة تنظيميا ومستفيدة من “سطوتها الروحية” على قواعد متشبعة بثقافة عقائدية متوجسة من “الفصل بين العمل الدعوي والنشاط السياسي”.

بيعة النهضويين للغنوشي على إبقائه رئيسا للحركة، خفّفت نسبيا من الحرب بين الإخوة دون أن تطفئ لهيبها

وقالت دوائر مقربة من النهضة إنّ الغنوشي يدفع باتجاه إفراز مؤتمر الحركة لـ”قيادة سياسية غالبيتها من الجيل الثاني” في مسعى إلى “تركيز نهضة سياسية” قادرة على كسب ثقة القوى السياسية والعلمانية وجزء من الرأي العام الذي تفضّل غالبيته النأي بالإسلام عن النشاط السياسي.

ورجّحت الدوائر التي رفضت الكشف عن هويتها أن القيادة المرتقبة باتت بين يدي الطائفة السياسية بعد أن أقنع الغنوشي القيادات العقائدية بأنّ “مصير النهضة بات أكثر ارتباطا بمدى تفاعلها مع العلمانيين وفئات واسعة من المجتمع إضافة إلى مدى تعاطيها مع التحوّلات الإقليمية والدولية التي رفعت أيديها عن المراهنة على الإسلاميين”.

وتراهن النهضة خلال مؤتمرها القادم، كما يذهب إلى ذلك عدد من المحللين السياسيين، على ردم فجوة عميقة بين “أدائها السياسي” و”بنائها التنظيمي” الذي يتغذى من مرجعية عقائدية منغلقة على نفسها في ظل خارطة سياسية من أبرز ملامحها قوى علمانية شرسة في معاداتها لها.

ولم تتردّد الدوائر في التأكيد على أن إبقاء الغنوشي رئيسا للحركة يعدّ مؤشرا قويا على أن قيادات الجيل الثاني تراهن على نفوذه التنظيمي والروحي لمواجهة الطائفة العقائدية واستبعاد أكثر ما يمكن من رموزها من قيادة مرتقبة تفرض عليها أوضاع البلاد الداخلية والتحوّلات في المنطقة فك خناق بنائها التنظيمي وسطوة مركزيته باتجاه تركيز مؤسسات فاعلة.

وعلى الرغم من تأكيد الطائفة السياسية على أن قرارات الحركة تتخذها مؤسساتها وفي مقدمتها مجلس الشورى إلاّ أنّها لا تجاهر بأن أي قرار مصيري لا يتم اتخاذه إلا بتزكية من رئيس الحركة الذي تبقى سطوته الروحية فوق أيّ مؤسسة من مؤسسات النهضة بما فيها مجلس الشورى.

ويقول متابعون لأداء النهضة أن تجربة الحركة في تعاطيها مع الشأن التونسي خلال السنوات الخمس الماضية قادت بالطائفة السياسية إلى الاقتناع بأن الطائفة العقائدية زجّت بالحركة في هوة سحيقة بين قيادة تحاول “التفاعل مع تحوّلات سياسية واجتماعية داخلية وأخرى إقليمية ودولية، وبين قاعدة انتخابية ذات مرجعية عقائدية تغلّب الولاء الروحي على الخيار السياسي”.

وعلى الرغم من وجود حالة غضب في صفوف قواعد الحركة على احتكار القيادة لمركزية القرار فإن غضب النهضويين -وعلى خلاف الأحزاب العلمانية- لا يتجاوز سقف المساس بقدسية مواقف مؤسس الحركة وخياراته وتوجهاته حتى وإن كانت تتجاوز صلاحياته باعتباره “الأب الروحي” قبل كل شيء.

وتراهن القيادات السياسية على دعم الغنوشي لها للتموقع القوي ضمن القيادة المرتقبة لإفراز قياديين قادرين على خلافته، وبعد أن تكون قد كسبت تأييد القواعد التي لا تدين حاليا بالولاء سوى لرئيس الحركة.

مستقبل النهضة رهن تجردها من أي نشاط ديني من جهة، وقدرتها على التسليم بمدنية النشاط السياسي من جهة أخرى

وتقول الدوائر المقربة من النهضة إنّ توجه الطائفة السياسية نحو إعادة هيكلة البناء التنظيمي وتركيز مؤسسات وآليات يعدّ تمهيدا لمرحلة ما بعد الغنوشي والنأي بـ”النهضة السياسية” عن “الولاء الروحي” باتجاه “الولاء السياسي” وهو ما يعني ضمنيا تجريد المواقف السياسية من مرجعيتها العقائدية.

وترجع الدوائر هذا التوجه إلى أكثر من عامل وفي مقدمتها الإقرار بأن البناء التنظيمي الحالي، كثيرا ما حاصر أداء الحركة وحال دونها ودون انفتاحها لا على القوى العلمانية فقط بل أيضا على فئات اجتماعية واسعة تتوجس من طبيعة الحركة وأجندتها السياسية وعلاقتها بالدولة المدنية.

ووفق تصريحات قيادات سياسية يرتقب أن يفرز المؤتمر القادم قيادة تنفيذية جديدة من خلال تركيز مكتب سياسي بدل المكتب التنفيذي، وتركيز مؤسسات جديدة منها “الندوة الوطنية” وهي مؤسسة تضم أصحاب الصفات الشوريّة والتنفيذية المركزية والجهوية والمحلية في شكل ملتقى سنوي.

وتوقعت الدوائر المقربة من النهضة أن تتشكل غالبية تركيبة القيادة الجديدة في ما بعد مؤتمرها العاشر من قيادات سياسية تنتمي إلى الجيل الثاني، وهو جيل يراهن عليه راشد الغنوشي لإنقاذ آخر جماعات الإسلام السياسي من الزلزال الذي فتك بالإخوان في المنطقة العربية.

لكن أخصائيين في الجماعات الإسلامية يشدّدون على أن مستقبل النهضة في تونس يبقى رهن تجرّدها من أي نشاط ديني من جهة، وقدرتها على التسليم بمدنية النشاط السياسي وتفاعلها مع قوى علمانية شرسة من جهة أخرى.

ويرجع الأخصائيون بقاء الغنوشي رئيسا للنهضة ودعمه للطائفة السياسية على حساب الطائفة العقائدية إلى أنّ رئيس الحركة مستميت في الإنجاح ألقسري لما يسميه بـ”الإسلام الديمقراطي” مهما كانت مرارة التنازلات، مشدّدين على أن هكذا استماتة ستقود بالنهضة ما بعد الغنوشي إلى الانشطار أو التشظي.

اجمالي القراءات 1451
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق