أعراض التطرف أو عندما يصبح التسامح 'حراما' في فكر الأقليات

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢١ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


أعراض التطرف أو عندما يصبح التسامح 'حراما' في فكر الأقليات

التعصب الأعمى والانغلاق الفكري وعدم قبول الآخر. هل هي الأعراض الكبرى الوحيدة للتطرف وعدم التسامح؟ أم أن المرور إلى الفعل العنيف المتمثل في الاعتداء على الآخر واستباحة حرمته (لأنه مختلف) يعد شرطا لتسجيل حالة ارتباك اجتماعية تهدد الوحدة والمواطنة؟ وهل يجب الانتظار للوصول إلى انتشار العنف حتى نقر أننا في إشكالية تسامح؟.. كلها أسئلة تدور حول ظاهرة التطرف الديني وعلاقتها بسؤال الانفتاح والتعايش يطرحها الباحث المصري محمد ياسر الخواجة محاولا الإجابة عنها في دراسته المعنونة “التطرف الديني ومظاهره الفكرية والسلوكية”.

من القضايا الرئيسية التي أصبحت جل مجتمعات العالم تهتم بها هذه الأيام هي مشكلة التطرف، رغم أنها من الإشكالات القديمة قدم ظهور الأديان والمجتمعات المتمدنة. فإشكال التعصب والانغلاق وعدم قبول الآخر، أمور لها جذور تمتد إلى التكوين الهيكلي للأفكار والمسلمات والأيديولوجيات التي يرتضيها المجتمع. وهو ما دفع الباحث المصري محمد ياسر الخواجة إلى استجلاء مفهوم التعصب والتطرف من الناحية النظرية، واكتشاف الروابط بين الموقف الفردي من الآخر وتحول فردية ذلك الموقف إلى حالة جماعية تهدد المجتمع بالتناحر والتحارب.

وقد فُسّر التطرف على أنه اتخاذ الفرد موقفا متشددا يتسم بالقطيعة في استجابته للمواقف الاجتماعية التي تهمه، والموجودة في بيئته التي فيها. إذ يمكن أن يكون التطرف إيجابا في القبول التام أو سلبيا في الرفض التام، ويقع حد الاعتدال في منتصف المسافة بينهما. وقد فسر الباحث المصري ياسر الخواجة هذا التعريف مؤكدا أنه “خروج عن القواعد الفكرية والقيم والمعايير والأساليب السلوكية العادية والشائعة في المجتمع″، ويتم التعبير عن ذلك بالعزلة والسلبية والانسحاب.

ولكن الإشكال الحقيقي في هذا السياق هو أن كل الفرد يمكن أن يحول طاقته السلبية في الرفض وعدم قبول الآخر إلى حالة من العنف تجاه الآخر يمكن أن تكبر ويزداد حجم خطورتها عندما تتحول (طبيعيا) إلى حالة نزاع بين جماعة وأخرى.
الفكر الديني السياسي بشكل عام يعد أبرز المقوضات للسلام الاجتماعي والتعايش بين الأفراد على قاعدة المواطنة

وقد انطلق الباحث المصري في هذا الطرح من خلال التجربة التي عاشتها مصر في السنوات الأخيرة مع انتشار الحركات الدينية (الإسلامية) في المجتمع المصري واحتلالها مجالا واسعا من المشهدين السياسي والإعلامي المصري. الأمر الذي أشاع جوا مشحونا من التشدد والحركية العنيفة داخل المجتمع المصري خاصة وأنه من المجتمعات العربية التي تتسم بثرائها الديني والقبلي.

 

وقد لاحظ الباحث أن الجماعات الدينية الإسلامية لم تكن فقط مجرد حوامل بشرية لأيديلوجيا غير متسامحة متمثلة في الإسلام السياسي عموما، إلا أن تلك الجماعات استغلت الفضاءات العمومية والمنابر المقدسة لنشر العنف وإقصاء الآخر وإضعاف المراكمات الاجتماعية لقيمة المواطنة في مصر. وقد مثلت هذه الحيثيات بالنسبة إلى الباحث أسسا عمليّة لاستنباط التعريفات المقدمة للتطرف والعنف والإقصاء.

وقد ربط الباحث محمد ياسر خواجة بشكل عام مشكل التطرف بالفكر الديني في المطلق، مستدركا أن النموذج الإسلامي في التطرف الذي تعاني منه المنطقة العربية الآن ليس سوى مثال. فالفكر الديني السياسي بشكل عام يعد أبرز المقوضات للسلام الاجتماعي والتعايش بين الأفراد على قاعدة المواطنة.

إذ يرتبط التطرف بالعديد من المصطلحات منها الدوغمائية والتعصب، وهذا موجود في الأفكار المسيحية واليهودية وغيرها التي تتستر وراء أديانها للوصول إلى أهداف سياسية. فالأصل أن كل الأديان في التاريخ والجغرافيا لا تحوي داخلها دعوات إلى العنف والتصادم أو نبذ الآخر المختلف، بل إن الفهومات البشرية التي تروم تحقيق أهداف مصلحية خاصة بأقلية دينية أو طائفية، هي المسؤولة عن تحويل طاقة السلام والتعايش التي يحويها أي دين إلى قوة شاحنة لروح التعصب والنزوع إلى العنف كامنة داخل الإنسان.

المتعصب يتسم بتصديقه لمعتقده على أنه صادق بشكل تام ومطلق وأبدي، وأن معتقده صالح لكل زمان ومكان

 

 

ولعل تاريخ النازية من أبرز الأمثلة على ما تقوم به الدعاية المشحونة بروح التعصب من تأثير على شخصية الفرد ونفسيته انطلاقا من المسلمات الدوغمائية التي تلقاها من خلال آلات الدعاية.

وقد استنتج الكاتب محمد ياسر خواجة جملة المقومات النفسية والسلوكية التي تؤشر على وجود حالة من التطرف، وكل تلك المقومات ـ إن كانت مجتمعة أو متفرقة ـ متناقضة تمام التناقض مع قيم التسامح. إذ يتسم المتعصب بتصديقه لمعتقده على أنه صادق بشكل تام ومطلق وأبدي، وأن معتقده صالح لكل زمان ومكان وأنه لا مجال للمناقشة ولا للبحث عن أدلة تؤكده أو تنفيه. فالمعرفة عند المتطرف بمختلف قضاياها الكونية لا تستمد إلا من خلال معتقده دون غيره، ما يجعله يدين كل اختلاف. وبذلك فهو مستعد لمواجهة الاختلاف في المعتقد أو الطائفة أو الرأي بالعنف وسعيه الدائم إلى فرض معتقده هذا على الآخرين ولو بالقوة.

وقد أدت هذه المعايير النظرية التي عددها الباحث إلى الكشف عن العديد من الخطابات العنيفة وغير المتساحة لدى الكثير من الأطراف السياسية والدينية والطائفية في مصر، ويمكن أيضا أن نوظف هذه الاستنتاجات النظرية في معرفة مدى تسامح الخطاب السياسي وانفتاحه بشكل عام في دول أخرى ولدى أحزاب ومنظمات أخرى ربما تختلف في أديانها وطوائفها وأفكارها ولكنها تتشابه كلها في ما إذا كانت متعصبة ومتطرفة أو منفتحة ومتسامحة.

اجمالي القراءات 2867
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق