رشا عزب تكتب : أيام الموت فى التحرير

اضيف الخبر في يوم الأحد ١٨ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


رشا عزب تكتب : أيام الموت فى التحرير

رشا عزب تكتب : أيام الموت فى التحرير

رشا عزب

11/24/2011   11:36 PM

 

 

بعث الذى كنتم تظنون أنه فنى.. بعث الذى أعددتم له الكفن والجنازة والمقبرة.. بعث الذى اشترى بحياته الموت فعاش أبدا.. هزت الأرض من جديد.. خرج مارد الميدان المحلق ونجمة السماء المضيئة.. الآن على موعد جديد مع نفسى التى عبرت من الحوارى والشوارع إلى الميدان.. فى هذا الوقت الذى رأيت قاتلى بعينى فى شارع محمد محمود.. حين خرج سرب من خفافيش الظلام السود ليقتنص ضى العيون ويسحب من شرايننا دماء الأمل.. خرج القاتل من جحره كالجراد ليأكل الأخضر فى حلمنا واليابس فى وعينا.. لكنه لم يستطع أن يسرق إرادة مالك مصطفى ولا قوة أحمد حرارة ولا بصيرة أحمد عبدالفتاح.. كل الذين تحالفوا سقطوا مع أول حركة من يدى ورمشة من عينى وخطوة من قدمي.. كل الذين ساقونى إلى صندوق الانتخاب لأدفن الثورة وكل الذين باعونى لأطوى صفحات الدم من أجل لقمة العيش المغموسة بالذل.. أنا الآن فى مكانى وعنوانى روحى وسدة عرشي.. 
 
فى الوقت الذى ظن كثيرون أن مسرحية الثورة انتهت وأغلقت أبوابها وسرح الممثلون على المقاهى يشحتون عطف الناس، ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية لتكون نهاية المسرحية وينزل الستار، كان للشارع كلمة أخرى كما جرت العادة.. خرج الشارع وحده وترك نخبته تلعب مع المجلس العسكرى الذى سرق الثورة وقتل شبابها وحبس شرفاءها وأهان مصابى الثورة ودمر أحلام أهالى الشهداء فى قصاص عادل.. المجلس العسكرى الذى تربى فى أحضان المخلوع ونفذ خطة عجز عنها قبل رحيله.. المجلس الذى دهست مدرعاته أحلامنا قبل أجسامنا.. المجلس الذى قتل مينا دانيال وسجن علاء عبدالفتاح يقف الآن فى قفص الاتهام أمام شعبه يحاسب ويطلب المغفرة ولا يجدها، أسئلة عديدة أحاطت باندلاع موجة الثورة الجديدة والتى تضاهى موجة يناير فى قوتها وتأثيرها.. ربما أستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة فى السطور القادمة.
 
س: كيف بدأت الأحداث ومن الذى حركها؟
 
ج: فى مليونية 18 نوفمبر التى دعا إليها شباب الميدان وأعلنوها جمعة إسقاط المجلس العسكرى وتسليم السلطة للمدنيين، بينما انشغلت القوى السياسية والأحزاب والحركات فى مولد الانتخابات، لكن الاستجابة كانت عالية فى الأوساط الشبابية للمليونية الجديدة، فى نفس الوقت وقعت أزمة القوى السياسية مع على السلمى نائب رئيس مجلس الوزراء، بسبب الوثيقة الشهيرة، وأعلنت هذه القوى عن المشاركة فى مليونية 18 نوفمبر لرفضها الوثيقة مما أعد التفافاً واضحًا على مطالب المليونية التى تهدف إلى إسقاط المجلس بكل ما يمثله من وثائق وقرارات.. وبالفعل احتشدت اتوبيسات السلفيين والإخوان فى استعراض واضح لقوتهم قبل الانتخابات، لكن هذا لم يمنع من حضور قطاع كبير من جماهير الثورة الحقيقية غير المؤدلجة فى هذا اليوم، وفى خضم الأحداث الكبيرة، كان مصابو الثورة يخوضون معركة من نوع خاص وحدهم قبل أسبوع من جمعة18 نوفمبر حين دعوا إلى الاعتصام فى ميدان التحرير منذ 11 نوفمبر بسبب تقاعس الحكومة عن علاجهم من يناير وحتى الآن وراحوا يتسولون حقوقهم من الذين سرقوها بل وصل الأمر إلى حد الاعتداء عليهم فى مقر رئاسة الوزراء على يد مسئولى الوزارة والأمن، وعبر مناقشات مع المجلس العسكرى الذى لم يرتدع واهانهم بل وقع حوار أرى الآن أنه من أهم أسباب اندلاع ثورة نوفمبر، حين اشتكى المصابون من سوء المعاملة وتوقف العلاج وسرقة أموال التبرعات ففشل اللواء الفنجرى فى الرد على المصابين وحين هددوه بالاعتصام فى الميدان كان رد اللواء الفنجرى « روحوا خدوه حقكم من التحرير، وخليه ينفعكم ».. الآن ووسط موجة الملايين فى التحرير ألا يرى اللواء الفنجرى أن التحرير اعاد كرامة المصابين وأعاد كرامة مصر كلها!
 
خرج مصابو الثورة من حوارهم مع المجلس العسكرى بقرار واحد وهو الاعتصام بالميدان بجوار مجمع التحرير لحين موعد المليونية الواسعة، وتحمل المصابون أيام البرد القاتلة وخلو الميدان من النشطاء والداعمين لقضيتهم العادلة وتحملوا قرار الاعتصام وحدهم حتى وقعت أحداث التهديد بإخلاء الميدان من خيامهم وتناثرت المعلومات حول رفض اعتصامهم بالقوة وقتها نزل مئات من الشباب للتضامن معهم ومنعوا فض الاعتصام، وبعد المليونية الحاشدة كان المصابون يتوقعون تضامن اعتصام عدد كبير من النشطاء معهم، لكن هذا لم يحدث ولم يعتصم سوى آلاف معدودة داخل الميدان، وفى صباح اليوم التالى بدأت المواجهات حين قررت الداخلية فض اعتصام المصابين والمتضامنين معهم بالقوة وأصيب مصابو الثورة للمرة الثانية، وكانت فضيحة هزت الجميع الأمر الذى استدعى الجميع للنزول والمشاركة فى الاعتصام وعودة الميدان من جديد.. دارت أولى المواجهات فى شارع محمد محمود فى الساعة الرابعة عصر هذا اليوم وانطلق الرصاص الخرطوش ليصيب الجميع بمن فيهم كاتبة هذه السطور كما طال عددًا من النشطاء المعروفين وحينها لم يكن هنا بديل سوى النزول إلى الميدان والمشاركة فى عودة هجمات الشرطة من جديد.. عندها فتحت المواجهات بشكل أوسع وفى يوم واحد وهو السبت 19 نوفمبر أصيب ما يصل إلى 700 شخص بينهما إصابات بالغة فى العين.. فى اليوم التالى مباشرة كانت الدعوة لاقت صدى واسعًا لفكرة الاعتصام لتسليم السلطة وإسقاط المجلس العسكرى بدلا من مواجهة الشرطة فحسب وهنا حدث التحول الأكبر فى الموجة الجديدة للثورة.
 
س: كيف تحول اعتصام 200 شخص إلى مظاهرة بالآلاف؟
 
ج: الدم هو الكلمة الوحيدة التى تعنى نزول الناس إلى الشارع.. مفتاح سحرى ينقل حزب الكنبة من مقاعد المتفرجين الى مشاركين فاعلين فيما يحدث.. نقل صور الشهداء وصياح ذويهم يحرك كل المياه الراكدة ويحول الحمل الوديع إلى أسد غاضب ثائر.. فى مساء الأحد وبالتحديد الساعة 8 مساء توجهت إلى المستشفى الميدانى فى مكانه المعروف بمسجد عباد الرحمن بشارع محمد محمود، وتحدثت إلى الدكتورة مى مينا العضو البارز فى مجلس نقابة الأطباء، وقالت لى الآن بدأ استخدام الرصاص الحى فطوال مدة الـ4 ساعة الأولى كانت الشرطة تستخدم الرصاص الخرطوش حتى زاد عدد المتظاهرين وبدأت المعركة تتجه نحو هزيمة الداخلية للمرة الثانية، حيث بدأت موجة القتل الكبيرة مع هجوم الجيش على ميدان التحرير مساء الأحد 20 نوفمبر بشكل مفاجئ، حيث تم إخلاء الميدان بالرصاص، وتم الاعتداء على المتظاهرين بعنف مفرط، وكان الملاحظ فى هذه الهجمة الشرسة أن الجيش تدخل لعمل «بالون» اختبار لحجم الميدان وقوته بعد ذلك وكانت النتيجة سقوط عدد من الشهداء والجرحى وزيادة أعداد المتظاهرين بشكل يفوق التوقع للتضامن مع الميدان ومطالب المعتصمين وحينها فقط أدرك الجميع أن هناك استحالة لإخلاء الميدان إلا بسقوط مئات القتلى على الأقل، فتراجعت قوات الجيش بعد القتل والترهيب وظلت الشرطة تواصل عملها الإجرامي.. وخلال ساعات الليل الأولى من مساء الأحد سقط قرابة الـ20 شهيدًا بطلق نارى نافذ إلى المخ والصدر وامتلأ المستشفى الميدانى بالإصابات العديدة النافذة جراء معارك محمد محمود، هذا الشارع الذى تحول الى بوابة الميدان الرئيسية وحاميها والمعبر عن انتصاراتها فى مواجهة الداخلية.. وعلى الرغم من أن النشطاء هم الذين بدأوا المعارك فى شارع محمد محمود وأصيب عدد منهم، إلا أن شباب الثورة والمناطق الشعبية كانت لهم قوة الاستمرارية والدعم الكامل فى المعارك الحامية التى استمرت من مساء الأحد وحتى كتابة هذه السطور.. فالثوار فى معارك محمد محمود وقفوا لحماية الميدان يربطون الليل بالنهار بينما القنابل والرصاص لا ينقطع على مدار اليوم خاصة مع تكثيف إلقاء القنابل المسيلة للدموع المختلفة، فمنها المسيل للدموع ومنها غازات للأعصاب حيث قتل بعض الشهداء باختناق جراء القنابل الحديثة التى استوردها المجلس العسكرى مع مطلع شهر مايو الماضى فجميعها إنتاج شهر أبريل ومايو وتم استيرادها من الولايات المتحدة ودول شرق اسيا.. 
 
فى هذه اللحظات فقط، كان الميدان قد تحول إلى جبهة مفتوحة للقتل، لم يعد الميدان هو نفسه المكان الذى تنتشر فيه المنصات والميكرفونات بل هدد المعتصمون بكسر أى منصة تدخل الميدان من هذه اللحظة، ولم يعد الميدان للتسامر والنقاش وبيع الأغذية كما كان يحدث.. الميدان ساحة معركة مقدسة ينتشر فيها دماء الشهداء والجرحي.. لا يوجد مكان سوى للمستشفيات الميدانية لعلاج الجرحى أو لتصنيع أدوات لمواجهة بطش الداخلية أو لصناعة مواد لمواجهة القنابل المسيلة للدموع الجديدة مثل اختراع سائل الخميرة الذى يمتص الرائحة وكذلك محلول الملح الذى يرش لمنع حرقان العيون.. الكل يعمل فى مهمة سامية على هذه الأرض.. الكل لا يفكر فى المكاسب أو الخسائر.. الكل يفكر فى النصر أو الشهادة.
 
س: كيف تمت الدعوة إلى المليونية الأولى وحشد الميدان فى غياب القوى الإسلامية؟
 
ج: مر الأحد الدامى 20 نوفمبر الذى قتل فيه ما يزيد على 25 شهيدًا طبقا للإحصائيات الرسمية ووصل عدد المصابين إلى 3 آلاف مصاب، يوم عصيب لاكتشاف أن الحقيقة الوحيدة فى التحرير هى المقاومة حتى آخر نفس، وتعاظمت معارك الشوارع المحيطة بوزارة الداخلية لتشمل شارع الشيخ ريحان والبستان وباب اللوق وميدان الفلكى مع انتشار كبير لفرق القنص والقتل، ومع صبيحة الاثنين، واستمرار المعارك كان النداء الوحيد هو: انزلوا، كل الذين قادوا معارك الأمس انهكوا أو أصيبوا إصابات بالغة، وكانت الإجابة أكبر من التوقعات، حيث امتلأ الميدان يوم الاثنين جراء المسيرات المختلفة التى نظمها طلاب الجامعات والمدارس والعمال ودون الدعوة الى مليونية دخل الميدان ما يصل إلى مليون شخص بالشوارع الجانبية التى امتلأت بعشرات الآلاف بالإضافة إلى الرابضين فى ميدان التحرير نفسه.. فى هذا الوقت تحركت الدعوات إلى مليونية الإنقاذ الوطنى فسارعت كل القوى السياسية إلى إعلان المشاركة فيها عدا الإخوان المسلمين وبعض التيارات الدينية بل قال الإخوان أن النزول إلى الميدان مفسدة كبيرة، تحركت الدعوات إلى المليونية فى ظل وضع متوتر ولاختبار قوة الميدان وحشده فى يوم فى منتصف الأسبوع وليس فى نهاية الأسبوع كما جرت العادة خلال الأشهر الماضية، وبالطبع كانت المعارك المستمرة فى المنطقة المحيطة بمحمد محمود هى المحرك الرئيسى للمليونية الجديدة والتى دفع المصابون والشهداء ثمنها مقدما، فى نفس الوقت كانت بعض القوى السياسية المشاركة فى الانتخابات قد دخلت على الخط بعدما استشعرت أنها خسرت كل شيء سواء على مستوى الميدان أو على مستوى الشارع بسبب عدم دعوتها لمظاهرات التحرير وحتى الشباب الذين انتموا إلى الائتلافات والحركات السياسية أعلنت اعتصامها منذ مساء الأحد ولم يعد لها بديل سوى الميدان فالخروج منه بهزيمة يعنى التنكيل بالجميع ولا عودة للحالة الوسطية فى العلاقة مع المجلس العسكري، فالشعب اختار المواجهة وانحاز للثورة والميدان، وكل من هو خارج هذه التشكيلة فيعنى أنه فى صف المجلس العسكرى ضد الشعب الذى خرج للمرة الثانية لمواجهة قوة وبطش أعلى بكثير من بطش مبارك لأنه بطش المؤسسات التى نشأت ونمت فى عهده وصارت جبالا عالية يتسلقها المصريون بخفة وإصرار ودأب
 
اجمالي القراءات 2152
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق