الباب التاسع:
الفكر السني ـ الشيعي/ مصدره ومنهجه ـ 11

حسن جرادات Ýí 2009-01-04


الباب التاسع
في أهل البيت والإمامة

نعرض في هذا الباب الى الأساس الأول والرئيسي الذي يقوم عليه الفكر الشيعي الإمامي، وهو " الامامة " وما يتعلق بها من " الحجة " و " العصمة " و " الوصية "، وعلاقة ذلك كله بمصطلح " اهل البيت " ومن هم اهل البيت الحقيقيين، اضافة الى حصر " الامامة " في ابناء الحسين دون ابناء الحسن.


وكما سبق وقلنا فإن الروايات التي يتألف منها " أصول الكافي " منسوبة الى " الأئمة " الإثناعشر (علي بن ابي طالب رضي الله عنه وأحد عشر من ذريته)، وبغض النظÑde; عن ان هذه الروايات وما تنطوي عليه من فكر، قد قالها هؤلاء المنسوبة اليهم ام لم يقولوها، فإننا نحاكم ما بها من فكر ونبين غلطه وانحرافه، ثم غلط وانحراف من يعبد الله سبحانه بناءً عليه.
وهؤلاء " الأئمة " الذين تُنسب اليهم هذه الأقوال هم: علي بن أبي طالب (المرتضى) وابناه الحسن والحسين (الزكي والشهيد) والأحفاد المباشرين للحسين وهم: علي بن الحسين (زين العابدين) ومحمد بن علي (الباقر) وجعفر بن محمد (الصادق) وموسى بن جعفر (الكاظم) وعلي بن موسى (الرضا) ومحمد بن علي (الجواد) وعلى بن محمد (الهادي) والحسن بن علي (العسكري). وآخر " الأئمة " محمد بن الحسن (المهدي) المسمي "صاحب الزمان" والذي " اختفى؟! " سنة 260 للهجرة.
اذن يبنى الفكر الإمامي على اعتبار ان هؤلاء الإثنا عشر هم " الأئمة " بسبب انتمائهم نسباً الى علي بن ابي طالب (ر) الذي كان قد رباه الرسول (ص) ثم زوجه ابنته فاطمة الزهراء (ر)، فيكونون بهذا النسب من أهل بيت النبي (ص).
ان اعتبار من انحدر من نسل فاطمة الزهراء (ر) من اهل بيت النبي (ص)، هو اعتبار خاطىء يتنافى مع تقرير القرآن الكريم، كما يتنافى مع مدلول اللغة العربية لهذا المصطلح، وهذا ما سنبينه بالفقرات التالية ان شاء الله؛
مَن هم اهل بيت الرسول (ص):
1) عن ابي جعفر، محمد الباقر: انما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف امامه منا اهل البيت، ومن لا يعرف الله عز وجل و [لا] يعرف الإمام منا اهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالاً./ ج1 ح465 ص203.
اقول: ان اهل بيت رسول الله (ص) الذين اراد الله سبحانه تطهيرهم واذهاب الرجس عنهم، إن هم إلا نساء النبي (ص) وذلك استناداً الى المعنى اللغوي والآيات القرآنية الصريحة؛
فمن ناحية اللغة فإن (اهل الرجل هم أخص الناس به، وأهل البيت سكانه، ومنزل آهل أي به اهله/ لسان العرب)
بناءً على هذا المعنى لا بد من التمييز بين اهل بيت رسول الله وبين اهله (ص)؛ فأهل بيت الرسول (ص) هم سكان بيته الذين كانوا يوم خاطبهم الله سبحانه بـ(أهل البيت)، اذ ليس بالضرورة ان يكون جميع اهل الرجل يعيشون في بيت واحد، فالابن المتزوج الذي يعيش مع اسرته الصغيرة في بيت مستقل لا يكون والديه واخوته من اهل بيته، مع انهم اهله، من ناحية ثانية لو فرضنا جدلاً ان الحسين (ر) قد عاش في بيت الرسول (ص)، فإن احفاده " الأئمة " ليسوا كذلك لأنهم لم يعيشوا معه (ص) في بيته.
هذا من الناحية اللغوية، اما من جهة النص القرآني الذي اعتمد عليه الشيعة في تعريفهم لأهل البيت فإنه ينبغي النظر اليه في سياقه الذي نزل فيه من عند الله سبحانه؛ " يا ايها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين امتعكن واسرحكن سراحا جميلا * وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله اعد للمحسنات منكن اجرا عظيما * يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها اجرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما * يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى واقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا * واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ان الله كان لطيفا خبيرا " 34 الاحزاب
الخطاب في الآيات السابقة موجه الى نساء النبي (ص) وهذا واضح لا لبس فيه في خمس آيات متتالية فيها توجيهات لهن، وفي الآية السادسة وبعد اعطاء التوجيهات لهن في شطرالآية الأول يناديهن في شطرها الثاني بأهل البيت حيث جاءت هذه بدلاً للضمير في " يذهب الرجس عنكم "، وهو كلام جاء خلال سلسلة الأوامر لهؤلاء النسوة أمهات المؤمنين، تكريماً لهن من ناحية، ومن ناحية أخرى لإعطائهن حافزاً يجعلهن على قدر المسؤولية الخاصة والميزات الخاصة اللائي يتمتعن بها، وبعد ندائهن بأهل البيت يكمل لهن التوجيهات في الآية التالية مما يؤكد بأن المقصود في الآيات السبع من اولها الى آخرها هن نساء النبي (ص)، وهذا يتفق مع المعنى اللغوي " لأهل البيت ".
والكلام ذاته موجه الى اهل بيت ابراهيم (ع) في قوله تعالى: " وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب * قالت يا ويلتى أألد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا ان هذا لشيء عجيب * قالوا اتعجبين من امر الله رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد ".
وهنا يجدر الانتباه ثانية الى الفرق بين اهل بيت الرجل واهل الرجل، فهما ليسا شيئاً واحداً كما بينا سابقاً، لذلك فان علياً وفاطمة ـ بعد زواجها ـ رضوان الله عليهما وكذلك الحسن والحسين ليسوا من اهل بيت رسول الله (ص)، ولكنهم وبسبب صلتهم الخاصة به (ص) واتفاقاً مع المعنى اللغوي (لأهل الرجل) فانهم من اهل الرسول (ص)، لكن النص يخاطب اهل بيته وهن نساؤه (ص)، هذا ما يدل عليه سياق الآيات وما يتفق كذلك مع المعنى اللغوي لاهل البيت.

الحجة:
1) عن ابي جعفر الثاني: … ابى الله عز وجل بعد محمد (ص) ان يترك العباد ولا حجة عليهم. قال ابو عبد الله: ثم وقف فقال: ههنا يابن رسول الله (ص) باب غامض، أرأيت ان قالوا: حجة الله القرآن؟ قال: اذن اقول لهم: ان القرآن ليس بناطق يأمر وينهى [!!] ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون …/ ج1 ح638 ص270.
أقول: اولاً؛ ان القرآن ناطق يأمر وينهى، وهذه بديهية لا تخفى على من يقرأ القرآن الذي تملأه الأوامر والنواهي، وثانياً ان في هذا الذي تقولون قَصر لتفسير القرآن على عدد من الناس يجعل منهم " رجال دين " ويحظرعلى غيرهم الكلام فيه، وهذا أمر مخالف لروح الاسلام يغلق فيه باب الاجتهاد الى الأبد!
ثم اذا كان الأمر كذلك فلماذا يترك الله عباده بلا حجة عليهم منذ " اختفاء الامام الثاني عشر "؟!

2) عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله: … فنظرت في القرآن فاذا هو يخاصم به المرجيء والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت ان القرآن لا يكون حجة الا بقيّم، فما قال فيه من شيء كان حقاً،… فأشهد ان علياً كان قيم القرآن وكانت طاعته مفترضة وكان الحجة على الناس بعد رسول الله (ص) وان ما قال في القرآن فهو حق …./ ج1 ح490 ص211.
اقول: ان الناس ليختلفون على " القيّم " كما يختلفون على القرآن، فوجود " القيّم " اذن لا يحل مشكلة الاختلاف، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فان قَصر تفسير القرآن على فرد يجعل منه ناطقاً باسم ذلك الشخص، في حين ان القرآن كتاب خالد صالح لمعالجة ما يجدّ من قضايا حتى تقوم الساعة، وهو ميسر لأن يفهمه كل من يفهم العربية فهماً صحيحاً كاملاً، فقد نزل بلغة العرب كي يتلقونه ويعملون بمقتضى ما يحمل لهم من توجيهات ومن ثم نقل هذه التوجيهات الى باقي الأمم على مر الزمان.

3) قال أبو الحسن: إن الأرض لا تخلو من حجة وأنا والله ذلك الحجة./ ج1 ح452 ص200.
أقول: ان قول الله تعالى: " لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " يبين ان الرسل وآخرهم محمد صلوات الله عليهم جميعاً هم حجة الله الباقية على الناس الى يوم القيامة، ولما كان القرآن هو معجزة خاتم الأنبياء (ص)، ولأن القرآن خالد محفوظ بحفظ الله بعد وفاة النبي (ص)، فإن الحجة على الناس قائمة به، فيه من المرونة ما يجعل باب الاجتهاد في احكامه مفتوحاً الى يوم القيامة ليلائم مستجدات الحياة التي لا يتوقف تغيرها وتبدلها، لكن ذلك ضمن خطوطه العريضة الثابتة التي لا تتبدل والتي في السير ضمنها تتحقق العبودية لله رب العباد وحده، لا لرجال دين يُقصر فهم القرآن وأحكامه عليهم، ثم اذا جاء مَن يستفتهم أفتوه ـ ان ارادوا ـ بالكذب " والتقية "، او اذا لم يريدوا الافتاء امتنعوا عن افتائه اساساً، كما سيجيء لاحقاً. (انظر الباب الأخير من هذا البحث " باب غريب ").

حصر " الإمامة " في ابناء الحسين دون أبناء الحسن واخوته الآخرين:
يجدر التنبيه ابتداءً ان القول بتوارث " الإمامة " هو أمر يتعارض مع مبدأ الشورى في الاسلام، ولكن ما اريده هنا هو تناول هذا الموضوع من وجهة النظر الشيعية التي أختلف معها أساساً.
1) عن ابي عبد الله: ان عندي الجفر الأبيض … وعندي الجفر الأحمر، قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال: السلاح وذلك انما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، فقال له عبد الله بن ابي يعفور: اصلحك الله ايعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: إي والله كما يعرفون الليل انه ليل والنهار انه نهار ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم./ ج1 ح632 ص266.

2) عن ابي عبد الله: يا فضيل، اتدري في أي شيء كنت انظر قبيل؟ قال: قلت: لا، قال: كنت انظر في كتاب فاطمة (ع)، ليس من مَلِك يملك [الأرض] الا وهو مكتوب فيه باسمه واسم ابيه وما وجدت لوُلد الحسن فيه شيئاً./ ج1 ح637 ص267.
أقول: الستم تقولون بأن بنو الحسن من " اهل البيت " المعصومين المطهرين؟. فصلة القرابة برسول الله (ص) تتساوى بين الحسن والحسين، فلماذا لا تتساوى بين ابنائهما؟! أم هو الخجل من بيعة الحسن لمعاوية التي أعطت هذا الأخير الصفة " القانونية " للتصلت على الناس وإرهابهم؟.

3) عن ابي عبد الله: ان الله عز وجل انزل على نبيه (ص) كتاباً قبل وفاته، فقال: يا محمد، هذه وصيتك الى النجبة من اهلك، قال: وما النجبة يا جبرئيل؟ فقال: علي بن ابي طالب ووُلده، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب فدفعه النبي (ص) الى امير المؤمنين وامره ان يفك خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففك امير المؤمنين خاتماً وعمل بما فيه ثم دفعه الى ابنه الحسن ففك خاتماً وعمل بما فيه ثم دفعه الى الحسين ففك خاتماً فوجد فيه ان اخرج بقوم الى الشهادة، فلا شهادة لهم الا معك واشر نفسك لله عز وجل، ففعل، ثم دفعه الى علي بن الحسين ففك خاتماً فوجد فيه ان أطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، ففعل، ثم دفعه الى ابنه محمد بن علي ففك خاتماً فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم ولا تخافن الا الله عز وجل فانه لا سبيل لأحد عليك، [ففعل] ثم دفعه الى ابنه جعفر ففك خاتماً فوجد فيه: حدِّث الناس وأفتهم وانشر علوم اهل بيتك وصدق آباءك الصالحين ولا تخافن الا الله عز وجل وانت في حرز وامان، ففعل، ثم دفعه الى ابنه موسى، وكذلك يدفعه موسى الى الذي بعده ثم كذلك الى قيام المهدي صلى الله عليه./ ج1 ح736 ص310.
أقول: في هذا الحديث قول يُسند الى جبريل (ع) يعرِّف فيه النجبة بأنهم علي (ر) ووُلده، وهذا يضاف لما قلناه آنفاً من أن الحسن والحسين متساويان في قربهما من رسول الله (ص)، وهما متساويان هنا في قربهما من أبيهما علي (ر) وفي ادخال وُلدهم ضمن " النجبة "، فلماذا ينفرد ابناء الحسين " بالإمامة " دون ابناء الحسن؟
من جهة أخرى هل كان في خاتم علي ان يصمت على " وصية " الرسول (ص) سنين طويلة ويكون الساعد اليمنى لأبي بكر وعمر، ثم يرضى بأن يكون على قدم المساواة مع الخمسة الآخرين في الشورى التي تمت بعد استشهاد عمر؟، وهل كان في خاتم الحسن ان يستسلم لمعاوية ويعترف له بانقلابه على سلطة الاسلام؟ ان الله سبحانه لا يوصي بما يخالف منهجه وشرعه، وهو القائل عن المؤمنين: " واذا اصابهم البغي هم ينتصرون "، فإذا كان الحسن لا يستطيع الانتصار المادي على الانقلابي المتآمر معاوية، فإنه لا يصح له أن يضفي " الشرعية " على اغتصابه السلطة خلافاً لقواعد النظام الاسلامي المتمثل هنا بالشورى.
ان من يقول بأن الله سبحانه قد اوصى الحسن ان يبايع معاوية فيضفي بذلك شرعية على كل ما اقترف من جرائم، يكون كمن قال الله عنهم: " وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا يأمر بالفحشاء اتقولون على الله مالا تعلمون، قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد… "

4) عن ابي عبد الله: لا تعود الإمامة في اخوين بعد الحسن والحسين ابدا، انما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى: {وألوا الأرحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله} فلا تكون بعد علي بن الحسين الا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب./ج1 ح747 ص316.
اقول: ان الأخوة ارحام والأبناء أرحام كذلك، (الرحم في اللغة هي اسباب القرابة، واصلها الرحم التي هي منبت الولد… كما انها القرابة تجمع بني أب./ لسان العرب)، وبهذا يكون ابناء الحسين واخوة الحسين وابناء اخوة الحسين كلهم ارحام، لذلك فإن من اراد ان يستشهد بالنص " وألو الأرحام بعضهم اولى ببعض " عليه ان يضع هذا النص ضمن معناه الحقيقي وان لا يلوي عنقه ليدعم به فكرة هو في الحقيقة ينقضها، أي ان هذا النص الذي يتم الاستشهاد به للتدليل على " أحقية " ابناء الحسين " بالإمامة " دون أبناء الحسن هو في الحقيقة يجعل هؤلاء وهؤلاء على قدم المساواة، لانه وكما بينا في غير موضع يتساوى ابناء الحسن وابناء الحسين مساواة تامة في صلة الرحم التي تربطهم بعلي (ر) وكذلك فهم يتساوون تمام المساواة في صلتهم بالرسول (ص)، فلا مجال اذاً للاستشهاد بهذا النص للتمييز بين ابناء الحسن وابناء الحسين.

5) عن ابي عبد الله: … فلو سكت رسول الله (ص) فلم يبين من اهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان ولكن الله عز انزله في كتابه تصديقا لنبيه (ص): {انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا} فكان علي والحسن والحسين وفاطمة، فادخلهم رسول الله (ص) تحت الكساء في بيت ام سلمة، ثم قال: اللهم ان لكل نبي اهلا وثقلا وهؤلاء اهل بيتي وثقلي، فقالت ام سلمة: الست من اهلك؟ فقال: انك الى خير ولكن هؤلاء اهلي وثقلي. فلما قبض رسول الله (ص) كان علي اولى الناس بالناس لكثرة ما بلَّغ فيه رسول الله (ص) واقامته للناس واخذه بيده، فلما مضى علي لم يكن يستطيع علي ـ ولم يكن ليفعل ـ ان يدخل محمد بن علي ولا العباس بن علي ولا واحدا من ولده اذن لقال الحسن والحسين: ان الله تبارك وتعالى انزل فينا كما انزل فيك فأمر بطاعتنا كما امر بطاعتك … فلما مضى علي كان الحسن اولى بها لكبره، فلما توفي لم يستطع ان يدخل وُلده ولم يكن ليفعل ذلك والله عز وجل يقول: {وألو الأرحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله} فيجعلها في وُلده اذاً لقال الحسين امر الله بطاعتى كما امر بطاعتك وطاعة ابيك وبلّغ فيّ رسول الله (ص) كما بلغ فيك وفي ابيك واذهب الله عني الرجس كما اذهب عنك وعن ابيك، فلمى صارت الى الحسين لم يكن احد من اهل بيته يستطيع ان يدعي عليه كان هو يدعي على اخيه وعلى ابيه، لو ارادا ان يصرفا الأمر عنه ولم يكونا ليفعلا ثم صارت حين افضت الى الحسين فجرى تأويل هذه الآية: {والو الأرحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله}، ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين، ثم صارت من بعد علي بن الحسين الى محمد بن علي. وقال: الرجس هو الشك، والله لا نشك في ربنا ابداً./ ج1 ح752 ص317.
اقول بداية: ان الزعم باخراج الرسول امَّ سلمة (ر) من اهل البيت هو افتراء على رسول الله، وتكذيب لنص القرآن الصريح الذي جعل نساء النبي هن أهل بيته (ص) كما بينا في مكان سابق من هذا الباب.
من ناحية ثانية لو كان الحسن والحسين من اهل بيت النبي (ص) فإن ابناءهما ليسوا كذلك، فهم ليسوا ممن ادخلوا تحت الكساء الذي تقولون، أَما ان يصبحوا " أئمة " لأن ابوهم امام فهي وراثة الملك بعينها!!
ويجدر التنويه هنا الى ان اهلية البيت لا تتحقق بالادخال المؤقت تحت الكساء، حيث يتناقض هذا مع المعنى اللغوي لاهل البيت الذي بيناه سابقاً، واللغة العربية هنا هي الأصل وهي الحَكم لأنها هي لغة القرآن ولغة أهل القرآن يوم نزلت تلك الآيات، فتكون عملية الادخال تحت الكساء قصة خيالية تم نسجها ونسبتها للرسول (ص). لذلك فإن قول القرآن هو القول الفصل؛ أن اهل بيت النبي (ص) هن نساؤه ليس الاّ.. ثم متى كانت السن عند المسلمين تعطي الافضلية في تولي الحكم لكي يكون الحسن " إماماً " قبل الحسين؟

6) عن ابي جعفر في قوله تعالى: {النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم وأُلو الأرحام بعضهم اولى ببعض في كتاب الله} فيمن نزلت؟ قال: نزلت في الإمرة، ان هذه الآية جرت في وُلد الحسين من بعده، فنحن اولى بالأمر وبرسول الله (ص) من المؤمنين والمهاجرين والأنصار، قلت: فوُلد جعفر لهم فيها نصيب؟ قال: لا، قلت: فلوُلد العباس فيها نصيب؟ قال: لا، فعددت عليه بطون بني عبد المطلب، كل ذلك يقول: لا، قال: ونسيت وُلد الحسن فدخلت بعد ذلك عليه فقلت له: هل لوُلد الحسن فيها نصيب؟ فقال: لا، والله يا عبد الرحيم، ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا./ ج1 ح753 ص319.
اقول: هذا النص القرآني الذي يدور حوله الحديث يرسي قاعدة فقهية اجتماعية قانونية صالحة للعمل بها الى قيام الساعة؛ فبعد ان تكلم عن علاقة النبي (ص) وازواجه بالمسلمين المعاصرين لهم، ارسى هذه القاعدة التي توثق صلات الارحام بعضهم ببعض، " أُلو الارحام " جميعهم، أولئك الذين كانوا قبل ان يولد ابناء الحسين وحتى قيام الساعة، تكون ولاية بالدم وولاية بالميراث ولا تكون ولاية في الحكم فتضرب حينها قاعدة الشورى في نظام الاسلام والتي تمثل أحد الأسس الفكرية لهذا الدين!

الوصية والغاء الشورى:
يتناول هذا الجزء موضوع الوصية التي يوصي بموجبها " الامام " للذي سيصبح " اماماً " بعده وقد تم اللجوء الى هذه الطريقة عند الشيعة للخروج من مأزق سببه ان " الامام " له اكثر من ولد واحد، والا لما كان هناك حاجة الى اللجوء الى هذا المخرج حيث ان جميع وُلد علي " منتجبين " وكلهم معصومين اطهار ـ كما يقولون ـ وكل واحد منهم مؤهل حسب هذه المقاييس ليصبح هو " الامام "، فمن هو الذي سيكون " اماماً "؟. اذاً لا بد من طريقة يتم من خلالها تعيين " الامام "، وقد وقع الاختيار على " الوصية " التي يوصي بها " الامام " الحالي لأحد ابناءه، وهي طريقة تنقض مبدأ الشورى والانتخاب الذي هو أحد مرتكزات النظام في الاسلام، وهي الوجه الآخر لطريقة المملكة الأموية في توارث الحكم، والمأخوذة بدورها عن نظم ممالك كسرى وقيصر، وقد تم تبني هذا النهج استناداً الى " غيبيات " ليس لقائلها حجة ولا دليل على صحتها إلا قوله لقد حدث هذا وشهد عليه الملائكة!
1) … قلت لأبي عبد الله: اليس كان امير المؤمنين كاتب الوصية ورسول الله (ص) المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقربون شهود؟ قال: فأطرق طويلاً ثم قال: يا ابا الحسن، قد كان ما قلت ولكن حين نزل برسول الله (ص) الأمر، نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلاً، نزل به جبرئيل مع أُمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة، فقال جبرئيل: يا محمد، مر باخراج من عندك الا وصيك، ليقبضها منا وتشهدنا بدفعك اياها اليه ضامناً لها يعني علياً، فأمر النبي (ص) بإخراج من كان في البيت ما خلا علياً، وفاطمة فيما بين الستر والباب، فقال جبرئيل: يا محمد، ربك يقرئك السلام ويقول: هذا كتاب ما كنت عهدت اليك وشرطت عليك وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي وكفى بي يا محمد شهيداً، قال: فارتعدت مفاصل النبي (ص) فقال: يا جبرئيل، ربي هو السلام ومنه السلام واليه يعود السلام، صدق ـ عز وجل ـ وبر، هات الكتاب، فدفعه اليه وامره بدفعه الى امير المؤمنين فقال له: اقرأه، فقرأه حرفا حرفا، فقال: يا علي، هذا عهد ربي تبارك وتعالى اليَّ وشرطه عليَّ وامانته، وقد بلغت ونصحت وأديت، فقال علي: وانا اشهد لك [بأبي انت وامي] بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي، فقال جبرئيل (ع): وأنا لكما على ذلك من الشاهدين، فقال رسول الله (ص): يا علي، اخذت وصيتي وعرفتها وضمنت لله الوفاء بما فيها؟ فقال علي: نعم بأبي انت وامي، عليّ ضمانها وعلى الله عوني وتوفيقي على ادائها، فقال رسول الله (ص): يا علي، اني اريد ان اشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة، فقال علي: نعم أشهِد، فقال النبي (ص): ان جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك، فقال: نعم ليشهدوا وأنا ـ بأبي انت وأمي ـ أُشهدهم، فأشهَدَهم رسول الله (ص)، وكان فيما اشترط عليه النبي (ص) بأمر جبرئيل فيما امر الله عز وجل ان قال له: يا علي، تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله والبراءة منهم على الصبر منك [و] على كظم الغيظ وعلى ذهاب حقك وغصب خمسك وانتهاك حرمتك؟ فقال: نعم يا رسول الله، فقال امير المؤمنين: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل يقول للنبي: يا محمد، عرفه انه ينتهك الحرمة وهي حرمة الله وحرمة رسول الله (ص) وعلى ان تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط، قال امير المؤمنين: فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتى سقطت على وجهي وقلت: نعم قبلت ورضيت وان انتهكت الحرمة وعطلت السنن ومزق الكتاب وهدمت الكعبة وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط صابرا محتسبا ابداً حتى اقدم عليك، ثم دعا رسول الله (ص) فاطمة والحسن والحسين وأعلمهم مثلما اعلم امير المؤمنين، فقالوا مثل قوله، فختمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار، ودفعت الى امير المؤمنين، فقلت لأبي الحسن: بأبي انت وامي الا تذكر ما كان في الوصية؟ فقال: سنن الله وسنن رسوله، فقلت: أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على امير المؤمنين؟ فقال: نعم والله شيئاً شيئاً، وحرفاً حرفاً، اما سمعت قول الله عز وجل: {انا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في امام مبين}؟ والله لقد قال رسول الله (ص) لأمير المؤمنين وفاطمة: اليس قد فهمتما ما تقدمت به اليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا. وفي نسخة الصفواني زيادة./ ج1 ح738 ص311.
أقول: ان شهادة من هم في عالم الغيب لا تفيد في شيء مَن هم في عالمَ الشهادة، ان مثل هذا مثل ان يوصي ميت بوصية لأحد لا يعلمها غير هذا الموصى له، فمن اين لأهل الميت ان يعلموا بوصية ميتهم اذا لم يأت هذا الموصى له ويقول، داعماً قوله بالدليل؟! لماذا سكت عليّ (ر) كل تلك السنين ولم يطالب " بحقه "، وكيف لم يعمل على تنفيذ " وصية " الله ورسوله بتولى الخلافة؟!
ان القضاء في حياتنا الدنيا لا يتم بشهادة الملائكة (ع) الذين هم من عالم الغيب. وما تنفع شهادة لا يستشهد بها في الدنيا بين المختلفين؟! ومن اين لأصحاب السقيفة ان يعرفوا " بحق علي " رضي الله عنه ان لم ينبأوا به مدعوماً بالشهود؟؟. ثم لماذا لم يبرزها علي (ر) امام " خصومه " لو كان هذا الامر صحيحاً. بالمقابل فان الروايات التاريخية تصل الى حد التواتر وهي تبين كيف وقف علي (ر) الى جانب الخليفتين ابو بكر وعمر (ر) وكان ساعداً أيمن لهما طوال فترة خلافتهما.
من ناحية ثانية هل الخط العريض للإسلام هو السكوت على انتهاك الحرمات وهدم الكعبة وتعطيل السنن؟؟ والله تعالى يقول : والذين اذا اصابهم البغي هم ينتصرون.
ان هذه الوصية ما هي إلا نسج من وحي الفكر الذي يعتمد على الهيام في عالم الغيب، فالاسلام من الوضوح والعلمية بحيث لا يعتمد على الغيبيات لعلاج قضايا واقعية ملموسة يشهدها الناس ويحسون بها، ألا نرى القضاء ونظام العقوبات في الاسلام الذي لا يأخذ إلا بظاهر الأمور وبالأدلة المادية الدامغة؟ ارأيت لو ان علياً (ر) جاء لأهل السقيفة وقال لهم ان الله اوصى بالخلافة لي وقد اشهد على ذلك الرسول وجبريل والملائكة، كيف سينظر المسلمون اليه؟ انهم لن يصدقوه بل قد يشكون بعقله!! فاول ما يسأل عنه القاضي المسلم عندما يأتيه المدعي هو الشاهد او الدليل، وهكذا كان علي (ر) في خلافته، لقد كان درعه مع اليهودي، وحكم القاضي لليهودي بالدرع لافتقاد عليّ للشاهد، وامتثل (ر) للقضاء لأن هذا هو الاسلام.
2) عن ابي الحسن الرضا: للإمام علامات، منها: ان يكون أكبر وُلد ابيه، ويكون فيه الفضل والوصية، ويقدم الركبُ فيقول: الى من اوصى فلان؟ فيقال: الى فلان، والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني اسرائيل، تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان./ ج1 ح 740 ص314.

3) قلت لأبي عبد الله: المتوثب على هذا الأمر المدعي له، ما الحجة عليه؟ قال: يسأل عن الحلال والحرام، قال: ثم اقبل عليَّ فقال: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في احد الا كان صاحب هذا الأمر: ان يكون اولى الناس بمن كان قبله، ويكون عنده السلاح، ويكون صاحب الوصية الظاهرة التي اذا قدمتَ المدينة سألتَ عنها العامةَ والصبيانَ: الى من اوصى فلان؟ فيقولون: الى فلان بن فلان./ ج1 ح741 ص314.
أقول: أما أن يكون اولى الناس بمن قبله وأن يكون أكبر وُلد ابيه فانها وراثة المُلك، وأما أن يكون عنده السلاح فانها بدعة ما انزل الله بها من سلطان، وأما أن يكون صاحب الوصية فانه الغاء لمبدأ الشورى والانتخاب، لا يختلف عن تولية معاوية اليزيد، فالله سبحانه اختار الرسل بقوله: " الله اعلم حيث يجعل رسالته "، ولم يختر خلفاءهم، بل اختار للمسلمين مبدأ الشورى ليتم من خلاله التصالح فيما بينهم على قائد يرونه جديراً بإدارة شؤون دنياهم وآخرتهم، فالاسلام كما انه ليس لقريش معاوية ولا لقحطان ابي هريرة ولا لحِميَر ولا لقيس، فإنه ليس " للأئمة "، انما هو رحمة للعالمين..!
فان قيل ان تعيين " الامام " يتم بالوصية وليس بالتوارث، فإننا قد بينا سابقاً ان شهادة مَن هم من عالم الغيب ـ المزعومة ـ لا تفيد شيئاً من هم في عالم الشهادة… اضافة لذلك فلو سلمنا جدلاً بالوصية فإنكم تقولون انها مختومة بخواتيم من ذهب يفك كل " امام " الخاتم الخاص به فيعرف ما بداخله ، فإذا كان " الامام " التالي يُذكر في " وصية " " الامام " السابق له فكيف عرف ابو الحسن موسى ان " الامام " بعد ابنه، هو محمد ابن ابنه، بحيث اصبح لولي العهد ولي عهد؟! (انظر باب " ادعائهم علم الغيب " من هذا البحث)

4) قلت لأبي الحسن: جعلت فداك بم يعرف الإمام؟ قال: بخصال: اما اولها فانه بشيء قد تقدم من ابيه فيه بإشارة اليه لتكون عليهم حجة، ويسأل فيجيب، وان سكت عنه ابتدأ، ويخبر بما في غد ويكلم الناس بكل لسان. ثم قال لي يا ابا محمد، اعطيك علامة قبل ان تقوم، فلم البث ان دخل علينا رجل من اهل خراسان، فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه ابو الحسن بالفارسية، فقال له الخراساني: والله جعلت فداك ما منعني ان اكلمك بالخراسانية غير اني ظننت انك لا تحسنها، فقال: سبحان الله، اذا كنت لا احسن اجيبك فما فضلي عليك؟[!] ثم قال لي: يا ابا محمد، ان الامام لا يخفى عليه كلام احد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام./ ج1 ح746 ص215.
أقول: ان اشارة الاب لابنه ليحل محله في قيادة الناس هي النمط الوراثي الذي يلغي مبدأ الشورى، وهو ما درج عليه حكام بني أمية وبني العباس ومن تبعهم، ثم ان من يدعي انه يفهم قول الطير والبهائم، هو كمن يزعم انه عدّ نجوم السماء فوجد عددها كذا وكذا!. كذلك فان رسول الله (ص) لم يكن يعرف لغات العالم آنذاك. وهل يتفاضل الناس بعدد اللغات التي يعرفونها؟! اما الإخبار بما في غد فانه لا يصدر الا عن كاذب يقول بما يخالف قول الله تعالى: " عالم الغيب فلا يطلع على غيبه احداً الا من ارتضى من رسول … " وقوله تعالى: له غيب السماوات والارض ".
اننا نعرف ما حل بآل رسول الله (ص) وبالمسلمين بل وبالبشرية كلها جراء الردة الأموية، لكنا لا نعرف ولا نفهم ان تكون ردة الفعل عليها اغراق في خرافات لم ينزل بها من الله سلطان، بل انها تناقض ما انزل الله من البينات والهدى.
5) عن ابي عبد الله: … انه لما كانت الليلة التي عُلق فيها بجدي اتى آت جد ابي بكأس فيه شربة ارق من الماء والين من الزبد واحلى من الشهد وابرد من الثلج وابيض من اللبن، فسقاه اياه وامره بالجماع، فقام فجامع، فعُلق بجدي …، ولما كانت الليلة التي علق فيها بابني اتاني آت كما اتاهم، ففعل بي كما فعل بهم فقمت بعلم الله واني مسرور بما يهب الله لي، فجامعت فعلق بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي …/ ج1 ح998 ص437.
اقول: ما دام الأمر كذلك، فإنه ليس من المهم وضع تلك الصفات التي يجب ان تتوفر في الشخص حتى يكون هو " الامام "، فبمجرد ان يأتي " الآتي " بالشربة فقد تبين من هو " الإمام " القادم وانتهى الأمر!

6) قلت لأبي جعفر: ما علامة الإمام الذي بعد الإمام؟ فقال: طهارة الولادة وحسن المنشأ ولا يلهو ولا يلعب./ج1 ح743 ص315.
أقول: ما معنى طهارة الولادة؟ ومن الذي سيكون شاهداً عليها؟!!!

7) عن معاذ بن كثير عن ابي عبد الله: قلت له: اسأل الله الذي رزق اباك منك هذه المنزلة ان يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها، فقال: قد فعل الله ذلك، قلت: من هو جعلت فداك؟ فأشار الى العبد الصالح وهو راقد فقال: هذا الراقد ـ وهو غلام ـ./ ج1 ح794 ص342.
أقول: لماذا لا يُنتظر حتى يكبر الغلام لكي تظهر عليه " علامات الإمامة " المذكورة أعلاه؟!! ان تنصيب " أولياء عهد" من الأطفال كالذي يُحكى عنه في هذا الحديث قد حصل عندما كتب هارون " الرشيد " ولاية العهد للأمين والمأمون وعلقها في الكعبة ليضفي عليها هالة وقدسية وهي في الحقيقة نسف لمبدأ الشورى! ـ فهذه وتلك صورتان تظهران مدى الانسلاخ من نظام الاسلام في تولي السلطة، السلطة التي عليها بدورها ان ترسي الدعائم والأسس الأخرى لهذا النظام.

8)… قلت للرضا: قد كنا نسألك قبل ان يهب الله لك ابا جعفر فكنت تقول: يهب الله لي غلاماً، فقد وهبه الله لك فأقر عيوننا، فلا ارانا الله يومك فان كان كوْن فالى من؟ فأشار بيده الى ابي جعفر وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك، هذا ابن ثلاث سنين؟ فقال: وما يضره من ذلك؟ فقد قام عيسى (ع) بالحجة وهو ابن ثلاث سنين./ ج1 ح834 ص359.
أقول: بل قام عيسى (ع) السلام بالحجة وهو في المهد، لكنه كان نبياً مؤيداً من الله سبحانه حيث تكلم وهو في المهد، ولو لم يرِد هذا الحادث في كتاب الله ما صدقه أحد.

هـ) العصمة:
في هذا الجزء أتناول موضوع العصمة من ناحيتين رئيسيتين؛ الأولى هي أن الذين يقولون بعصمة وُلد علي (ر) يقولون بأن من هؤلاء مَن هو منحرف عن جادة الحق، فكيف يكون " معصوماً " ومنحرفاً في آن واحد، والثانية أنْ لا عصمة لبشر خلقه الله، وذلك لتعارض العصمة مع حقيقة الامتحان الذي يؤديه الانسان خلال سنيّ عمره، فحتى الرسل والأنبياء، منهم من وقع في الخطأ، فآدم (ع) كان قد وقع في المعصية وقال الله عنه: " فعصى آدم ربه فغوى " وقال سبحانه عن يونس (ع) عندما ترك قومه دون اذن من الله سبحانه: " فالتقمه الحوت وهو مليم "، كما ان الله سبحانه قال عن الرسول محمد (ص) ومعه المسلمين تعقيباً على اخذهم اسرى بدر: " لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما اخذتم عذاب اليم "، لكن الله تكفل بتصحيح الرسل فوراً لضرورة ابلاغ رسالته صحيحة الى الناس.

1) قلت لأبي الحسين: اخبرني عمّن عاندك ولم يعرف حقك من وُلد فاطمة هو وسائر الناس سواء في العقاب؟ فقال: كان علي بن الحسين يقول: عليهم ضعفا العقاب./ ج1 ح975 ص426.

2) … سألت الرضا: الجاحد منكم ومن غيركم سواء؟ فقال: الجاحد منا له ذنبان والمحسن له حسنتان./ ج1 ح977 ص427.
3) عن بعضهم: كان المتوكل يقول: ويحكم قد اعياني امر ابن الرضا، ابى ان يشرب معي او ينادمني او اجد منه فرصة في هذا. فقالوا له: فان لم تجد منه فهذا اخوه موسى قصّاف عزّاف يأكل ويشرب ويتعشق، قال: ابعثوا اليه فجيئوا به حتى نموّه به على الناس ونقول: ابن الرضا …/ ج1 ح1321 ص573.
أقول: تبين الاحاديث الثلاثة الآنفة ان ناساً من وُلد علي (ر) معاندون " للأئمة "، جاحدون، يشربون الخمر ويعزفون ويتعشقون!!، فكيف يكون وُلد علي ـ بناءً على هذه الأحاديث ـ معصومين مطهرين منتجبين، كما هو وارد في غير مكان كالذي سيق تحت عنوان (حصر " الإمامة " في وُلد الحسين) أعلاه، حيث جاء في الحديث "… فقال: يا محمد، هذه وصيتك الى النجبة من اهلك، قال: وما النجبة يا جبرئيل؟ فقال: علي بن ابي طالب ووُلده ".
علما ان النص الذي يستدلون به على العصمة انما هو موجه الى نساء النبي (ص) كما اسلفنا، ناهيك انه لا يفيد العصمة حتى للّواتي نزل بحقهن، ذلك ان العصمة تُخرج الانسان من دائرة الامتحان الذي يخضع له جميع البشر في الدنيا، فقوله تعالى: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً " هو نظير قوله تعالى للمسلمين جميعهم: " والله يريد ان يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلاً عظيما "، حيث يقع المرء بين توجيه الله له الى سبل التوبة والسلام، وبين مراودة الذين يتبعون الشهوات، وهنا تكمن ارادة الانسان الحرة المطلقة في الاختيار، وهنا تُنفى العصمة عن بني البشر قاطبة، لأن اعتبار قوله تعالى لنساء النبي (ص): " انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت " عصمة لهن، ينسحب على قوله تعالى للمسلمين: " والله يريد ان يتوب عليكم "، فمثلما يفيد النص الأول ان نساء النبي (او اهل البيت كما يقولون) لا يخطئن ـ كما فهمه هؤلاء ـ، يفيد النص الثاني ان عموم المسلمين مغفور لهم الذي يفعلون!! وهذا غير صحيح لأن الله سبحانه يريد الخير والنجاة لبني البشر كافة وهؤلاء يختارون، إما الذي اختاره الله لهم، وإما الذي يختارونه لأنفسهم او يختاره غيرهم من الناس لهم، وبعد ذلك كل نفس بما كسبت رهينة.

اجمالي القراءات 3316

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   Awni Ahmad     في   الأحد ٠٤ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[32254]

بارك الله فيك يا أخي

فقد أبدعت في توضيحك لمفهوم -أهل البيت-

وليس لدي (والله) ما أضيفه..


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2008-10-09
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 5
تعليقات عليه : 72
بلد الميلاد : palestine
بلد الاقامة : palestine

احدث مقالات حسن جرادات
more