( قل إنما أنا بشر ):
هل من التقوي أن ينزعج المسلمون والمسيحيون معا إذا فكر أحد في رسم صورة لذلك الإنسان الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ؟؟

يحي فوزي نشاشبي Ýí 2013-03-01


 

بسم  الله  الرحمن الرحيم

هل من  التقوى 

أن ينزعج المسلمون  والمسيحيون معا ، إذا  فـكــّـر أحد  في  رسم  صورة  لذلك الإنسان الذي يأكل  الطعام  ويمشي في الأسواق ؟

منذ  حوالي ثلاث سنوات أثار أحد  المخترعين  الأوروبيين  جدلا  واسعا  في العالمين  الإسلامي والمسيحي على  وجه  الخصوص، بسبب إخراجه لعبة  إلكترونية  تتخذ  من الرموز المقدسة  للأديان السماوية الرئيسية  شخصياتها المحاربة . ورغم  مطالبة  العديد من الجهات الدينية حول العالم سحب اللعبة الإلكترونية المذكورة، إلا أنها لم تختف تماما، وكل ما قام به أصحابها هو تحيينها. ولكنها خلال هذا الأسبوع عادت بصيغة جديدة . ومن المنتظر أن تعيد معها الجدل إلى الساحة  الإعلامية  مجدداً.

*يتعلق الأمربلعبة إلكترونية من الآنترنيت تظهر  شخصيات دينية  تخوض حربا فيما بينها، اعتبرها المسيحيون والمسلمون مسيئة  لمشاعرهم  العقائديـــة. اســم  اللعبــة  :

"  المحارب  من  أجل الإيمان  "وتجسد  شخصيات المسيح  والنبي محمد ( عليهما السلام ) إلخ ...  وما ذكر هو جزء  فقط  من مقال ورد  في إحدى الجرائد  مؤخرا .

وإن التساؤل الذي وضعه كاتب المقال في الأخير، وحسب رأيي المتواضع هو الأهم، حيث تساءل قائلا: "ماذا لو تجاهل المسلمون هذه اللعبة هذه المرة، وماذا لو  تجاهلوا بالطريقة نفسها الفيلم الإيراني الذي ظهر أخيرا، ويظهر فيه شخص  يمثل الرسول (ص) ؟ ما الذي سيحصل ؟ لا شئ طبعاً، وهذا أفضل مصير لسحق تلك اللعبة الإلكترونية السخيفة  ومعها الفيلم الإيراني إياه". (انتهى تعليق  كاتب المقال).

*وتعليقا على هذا المقال أرجو أن لا يعترض الكاتب في أن أستعير منه  صيغة تساؤله وأقول :

ماذا لو : فرضنا أن الزمن الذي بعث  فيه الله سبحانه وتعالى عبده  ورسوله ليبلغ  الرسالة للعالمين، ماذا لو فرضنا أن ذلك العصر كان عصر ازدهار علم  التصوير سائدا؟ وهل ستـُحرم البشرية من الإطلاع على ملامح ذلك الإنسان الذي  يأكل  الطعام  ويمشي  في  الأسواق؟ .

ماذا لو : فرضنا أنه عصر قبل اكتشاف التصوير الفوتوغرافي، وتوفرت لدينا عناصر شتى وإشارات إلى شخص هذا الرسول، عناصر بإمكانها  أن تساعدنا على رسم  ما يسمى بالفرنسية:  un  portrait  robot  أي ما  يمكن  ترجمته بـ: صورة الروبوت ؟ فهـبّ أحد الفنانين  الموهوبين إلى أن يستوحي  من تلك  العناصر ويتمكن  في الأخير من رسم صورة  لهذا  الرجل الذي  شاءت  مشيئة  خالقه  إلى  أن يكلفه بتبليغ  الرسالة ؟  ويمكننا  في الأخير من الإطلاع  على  صورته  كإنسان، غير غافلين أنه بشر كما أخبرنا الخالق في سورة فصلت رقم 6: ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلـيّ  أنما  إلهكم  إلـه  واحد  فاستقيموا  إليه  واستغفروه  وويل  للمشركين ).

وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا "

" وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا "

* والله سبحانه وتعالى، عندما أمرعبده ورسوله بــ: ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إليّ ...) ، ألا  يجوز لنا أن  نفهم  أن الخالق يوجه نظرنا وعقلنا  إلى الأصل ، إلى الأهم في الموضوع، وهو فحوى ومضمون البلاغ الذي أوحى به إلى عبده ورسوله  ليبلغه  لنا  ويحملنا المسؤولية ؟  ألا  يريد  الله  أن يقول لنا لا  تنسوا أن المبعوث هو بشر مثلكم ومثل آدم  ونوح  وموسى وعيسى وغيرهم ( عليهم  جميعا السلام ) ؟  ثم ألا يجوز  أن نفهم أن الله  تعالى يلمح لنا  بالصورة  التقريبية  أو بما يعرف "بصورة الروبوت -  «  portrait  robotلأي واحد  من مخلوقيه  مثل نوح  وإبراهيم  وموسى وعيسى ومحمد (عليهم السلام ) ويعيننا على رسم صورة  أي  واحد  منهم ، والتي لا يمكن لها  أن  تـُنتج  في الأخير إلا  إنسانا كأي  إنسان آخر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق،  ليس إلا ، ولا  أقل  ولا أكثر؟

*وعليه ، فالفيلم السينمائي ، أي فيلم ، عندما يظهر شخصا يمثل النبي – مثلا – أيّ نبي ، ألا  يدل ذلك على الحقيقة ؟ وهي أن ذلك النبي ما هو أولا  وأخيرا  إلا إنسان  بشر؟

* ثم إن الذين ينطلقون وبإسراف لا حدود له في وصف شخص النبي محمــد  (عليه الصلاة والتسليم)  في الإعتماد على أية رواية  لوصف قـده  وهيئته ورأسه وشعر رأسه  وحاجبيه وعينيه وخديه، وما إلى ذلك ، من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، ألا يكونون من خلال ذلك مُـمِدّين إيانا بجميع العناصر التي تتكون منها ( صورة الروبوت - أي le  portrait robot )لرجل يسمى  محمدا بن عبد الله القرشي ّ، وأن لا  فرق بينهم  وبين ذلك الفنان الرسام الملهم الذي يكون ماسكا ريشته ومترجما  ذلك  الوصف السمعي إلى  لوحة  بصرية.

* ثم إن هناك مواقف وتصرفات -  تضحك الحزين -  وهي أننا نحن المسلمين سريعا ما نصـبّ  جام  غضبنا على أي رسم يقصد منه الإستخفاف والإستهزاء بشخص رسول الله (عليه الصلاة والتسليم) ونعبرعن استنكارنا بردود فعل سخيفة  وقد نكون مع ذلك  طامعين أن يتحول سخطنا  وغضبنا إلى أعمال صالحة تستحق الأجر، وننسى أن الله سبحانه وتعالى  يذكـّر عبده  ورسوله  بأن لا يغتر ولا  ينسى أنه بشر، ويأمره أن لا  يقيم  أي  وزن  لأي أذى  تعرض  إليه . ( ولا  تطع  الكافرين والمنافقين ودع  أذاهم  وتوكل  على  اللهوكفى بالله  وكيلا ) ص 58.

* نعم على الرغم من هذه التعليمة الواضحة ، فإننا نتأثر أيما تأثر بأي  رسم كاريكاتوري موجه إلى شخص النبي، والمفارقة الكبرى ، أننا لا نهتز ولا نتحرك لذلك الرسم الكاريكاتوري  الذي يُـرْمى به  فحوى ونص وروح البلاغ !?بل وحتى لو حدث أن غضبنا وتحركنا وعبرنا بأي شكل من تلك الأشكال والتصرفات السخيفة،  فلا  يمكن أن نكون مصيبين  ولا  مستجيبين لأي أمر،  ما  دام موقف أولئك الساخرين الكافرين والمنافقين لم يتحول إلى ظلم حقيقي  واعتداء  مجسد .

*  ثم لنفرض أن هناك من مثـّـل فيلما أو  وضع رسوما كاركاتورية أو غير هازئة ، يروي  من خلالها شطرا من تاريخ الإنسانية لاسيما  من عهد رسول الله (عليه الصلاة والتسليم ) إلى يومنا هذا، ألا يكون هذا الراوي وهذا الرسام  وهذا المصور السينمائي، ألا  يكون منصفا وصادقا إزاء  التاريخ ، عندما  يكون  روى كل ما حدث من تفاصيل إيجابية وغير إيجابية طيلة القرون الأربع عشرة ، لاسيما  تطاحن  المسلمين فيما  بينهم وتجاذبهم وتباغضهم  وتقاذفهم ؟

* وبالنسبة  للتعبيرات أو الرسوم أو الصور الساخرة بشخص النبي(عليه الصلاة والتسليم )، فإن واجب كل مسلم هو أن يعلم ويتيقن  مطمئنا بأن النبي عندما كان على قيدالحياة قد تعرض فعلا إلى شتى أنواع الأذى من طرف المشركين والكافرين، والواجب بصفة خاصة هو أن نعلم ونتيقن مطمئنين بــأن النبي  (عليه الصلاة والتسلبم) كان في المستوى المطلوب ، وأنه قد استحاب فعلا وبدون تردد وبكل برودة  واطمئنان ورباطة جأش إلى أمر ربــه  الذي  أمره بـ : (...ودع  أذاهموتوكل على الله). وعندما  نبلغ  مستوانا  هذه  الدرجة  من التدبر والوعي فلا يبقى هناك أي مبرر لأي تشنج أو غضب أو طمع في أي أجر مقابل إقامة الدنيا  وإقعادها ،  حتى  لا نتعرض إلى  اقتراف ما  يعتبر عصيانا  لما أمر به  النبي ( عليه الصلاة والتسليم).

* ثم إن واجب  كل مسلم  مؤمن  جاد  في الأمر، عليه  واجب،  وهو  أن  يعلم  ويبذل  قصارى الجهود في  سبيل أن يتقين مما يعلمه، وهو أن هناك  افتراءات  وتعبيرات  وتصرفات ومواقف ساخرة بشخص  النبي وبحياته الداخلية الحميمية، وهي في الحقيقة افتراءات وانتهاكات لحرمة  هذا الرجل الإنسان الذي كلفه الله بتبليغ الرسالة، وإن هذه الإفتراءات مكتوبة ومنسوخة ومثبتة في كتـب – تعبر أمهات- بالنسبة للغالبية الساحقة من المسلمين – وما تحتويه من افتراءات هي  في الحقيقة يفوق وبكثير كل ما فعله الساخرون من كافرين ومنافقين، بل مهما بلغت نواياهم السيئة وتصوراتهم ، فلم تبلغ - بعد إلى يومنا هذا - ما هو مكتوب  ومثبت  في هذه الكتب (الأمهات) التي يعتمد عليها أغلبية المسلمين، إلى درجة  أن اعتبروا بعضها العمدة الرئيسة الأولى بعد  القرءان ، على الرغم من  أنها العدو  الأول للقرءان .

* وأخيرا إذا رجعنا إلى غضبنا واستنكارنا رسم صورة النبي(عليه الصلاة والتسليم ) ألا  نخشى أن نكون في استنكارنا  وغضبنا  ملمحين  إلى أن  محمدا  رسول الله هو إنسان وليس كأي بشر، وملمحين كذلك إلى أنه فعلا بدع  من البشر؟، نعم  أفلا نكون في مثل هذه النوايا أو الإعتقادات على  وشك أن نقع  وننغمس حتى الذقن في الشرك  بالله  العلي  العظيم ؟  لأن  الذي  لا  يجب  ولا  يمكن  أن  يمثل أو  تكون  له صورة هو الله الأحد الصمد، الذي لم يكن له كفؤاأحد ، وهو الذي لا تدركه الأبصار ( لا  تدركه  الأبصار  وهو  يدرك  الأبصار  وهو اللطيف الخبير (103).

* أما المخلوق محمد بن عبد الله  النبي الذي صلى  الله عليه هو وملائكته  فما هو إلا مجرد إنسان  يأكل  الطعام  ويمشي  في  الأسواق، وليس هناك أي عيب أو أي اعتداء أو انتهاك أو ذنب  في أن  تدركه  الأبصار.

 

 

اجمالي القراءات 8531

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   عبد السلام علي     في   الإثنين ٠٤ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71277]

مقال عقلانى

ارجوا ان يرحمك الله من هجوم المتاجرين بالدين من متمسلمى هذا العصر المتمسكين بالقشور والمظاهر التعبدية لهذا الدين وهم ابعد ما يكون عن جوهره مما جعلهم فى ذيل الامم - ارجو ان يكون لهذه المقالات الطيبة مثل مقالكم هذا اثر فى تصويب افكارهم البالية -وفقك الله


2   تعليق بواسطة   يحي فوزي نشاشبي     في   الإثنين ١١ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[71336]

شكرا لك يا أستاذ عبد السلام علي..

 


شكرا  جزيلا  يا  عبد  السلام  علي لرجائك  وكرمك ،  وإن  ما  نشر  يبقى  طبعا  وجهة نظر،  وحبذا  لو  أثريــت  بتعليقات  أخرى نقدية  تصحيحية  توجيهية.


ودمت  موفقا.


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-10-28
مقالات منشورة : 288
اجمالي القراءات : 3,147,245
تعليقات له : 384
تعليقات عليه : 401
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco