طفولة مسروقة... زواج القاصرات يطارد فتيات مصر

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٧ - ديسمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


طفولة مسروقة... زواج القاصرات يطارد فتيات مصر

تصنّف دراسات أكاديمية زواج القاصرات بأنه أحد أشكال الاتجار بالبشر، نظراً لآثاره الإنسانية والاجتماعية الخطيرة، كما أنه يتخذ صوراً متعددة، مثل الزواج السياحي، وزواج الصفقة، وزواج المتعة. وتتكرر قصص فتيات حرمن من طفولتهن وتعليمهن، وأجبرن على الزواج المبكر تحت ضغوط العادات أو الظروف الاقتصادية، رغم تعدد الخلفيات والبيئات.
قبل نحو خمسة عشر عاماً، كانت نيفين تتمتع بتفوق أكاديمي لافت، لكن حياتها انقلبت رأساً على عقب حين أُجبرت على ترك المدرسة للزواج. اليوم، وقد شارفت على الثلاثين من عمرها، وأصبحت أماً لمراهق، تقول إنها تعيش حزناً عميقاً على أحلامها الدراسية التي تحطمت، محاولة تعويض ما فاتها من خلال دعم تعليم ابنها.
يختلف هذا السيناريو مع قصة ليلى إبراهيم، تلميذة الصف الأول الثانوي، التي أجبرت على الزواج، لأن "الفقر يحدد كل تفاصيل حياتها"، فعندما تقدم لها شاب بعرض الزواج، رحبت أسرتها بالفرصة، وجرى إتمام الزواج عرفياً، انتظاراً لإجراءات رسمية تكتمل بعد بلوغها السن القانونية، لكنها أنجبت طفلة، ولم تتمكن من تسجيلها بعد، بينما تعيش في دوامة من العنف على يد زوجها ووالدته، وتضطر أحياناً إلى الهرب إلى منزل والدها، فتجبرها زوجته على العودة.
أما نبيلة محمد، فقد أُجبرت حين كانت في الرابعة عشرة من عمرها على الزواج من ابن عمدة قريتها الذي كان يكبرها بـ12 عاماً، وبالرغم من أنها لم تكن راغبة في الزواج، فإن والدها اعتبر العريس "فرصة لا تُفوت"، وكاد حملها الأول ينتهي بكارثة، لكنها نجت. اليوم، وهي في العشرين، باتت ترعى ثلاثة أطفال، وتحمل في قلبها حسرة على طفولة لم تعشها، ومسؤوليات فُرضت عليها.
في المقابل، تقول صفاء عدلي (63 سنة) إنها أُجبرت في طفولتها على الزواج من قريب كان يكبرها بنحو عشرين عاماً، لكن ظروفها تغيرت بعد الزواج، إذ شجعها زوجها على استكمال تعليمها، والتحقت بكلية الآداب، كما وفر لها حياة مستقرة أنجبت خلالها ثلاثة أبناء أكملوا تعليمهم الجامعي وحققوا نجاحات مهنية، لكنها تؤكد أن تجربتها كانت استثناء نادراً، وأن كثيرات غيرها تعرضن للظلم والمعاناة بسبب الزواج المبكر.
وعلى الرغم من الجهود الحكومية والتشريعية، لا يزال زواج القاصرات يشكل تحدياً اجتماعياً وإنسانياً في مصر، خاصة في المناطق الريفية والشعبية. وأظهرت دراسة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (أهلي)، في فبراير/شباط 2024، أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة زواج القاصرات لم تحقق أهدافها، إذ لم تنخفض نسبة المتزوجات دون 18 سنة، ولم يرتفع متوسط سن الزواج، وأن محافظات الصعيد (جنوب) تتصدر المعدلات.

أعراس الشارع تتجاوز كلفة القاعات، 11 يوليو 2023 (محمد الشاهد/الأناضول)
عرس شعبي في أحد شوارع مصر، يوليو 2023 (محمد الشاهد/الأناضول)
ويؤكد استشاري النساء والتوليد، ماجد عادل عزيز، أن "زواج القاصرات يعرّض الفتيات لمخاطر متعددة، تبدأ منذ اللحظة الأولى للزواج، وتمتد إلى الحمل، الذي غالباً ما يكون مليئاً بمشكلات صحية قد تنتهي بالإجهاض، وتواجه القاصر صعوبات بالغة أثناء الولادة، وترتفع احتمالات الولادة المتعسرة، والنزيف الشديد، وزيادة معدلات اللجوء إلى العمليات القيصرية، ما قد يؤدي في بعض الحالات إلى وفاة الأم، ويرجع ذلك إلى عدم نضج أجساد الفتيات، وعدم استعدادهن البيولوجي للحمل والولادة، ما يجعل حملهن مصنّفاً ضمن الحالات عالية الخطورة".
ويضيف عزيز أن "الحالة النفسية للقاصرات لا تقل خطورة، فهنّ طفلات يحملن أطفالاً، ولا يمتلكن النضج الكافي لتحمل المسؤولية أو اتخاذ القرار، ما يؤدي إلى اضطرابات نفسية، وعدم استقرار أسري، كما قد تخلّف الولادة المبكرة أو المتعسرة إصابات طويلة الأمد، مثل اضطرابات التحكم في البول أو البراز، إضافة إلى الإصابة بالأنيميا، أو استمرار أمراض الحمل كالسكري بعد الولادة".
من الناحية القانونية، يقول المحامي، مصطفى علوان، إن "زواج القاصرات متجذر تاريخياً في المجتمع الريفي المصري، إذ يُنظر إليه باعتباره ستراً للفتاة، لكن بينما كانت الدوافع القديمة تحمل جوانب إيجابية، فإن إساءة استخدامها دفعت المشرّعين إلى التدخل، فصدر قانون الطفل الذي حدد سن الثامنة عشرة للزواج، وتبعه تشديد العقوبات على زواج القاصرات، واعتبار ولي الأمر شريكاً في الجريمة".ويتفق معه الناشط الحقوقي، صلاح حسب الله، مؤكداً أن "قانون الطفل الحالي يوفر حماية شاملة للأطفال، ويضمن حقوقهم في الرعاية الصحية والتعليم والحماية من العنف والاستغلال، إضافة إلى الحق في اللعب والترفيه؛ ومع ذلك هناك ثغرات تحد من فعالية القوانين، أبرزها أنها لا تحدد بوضوح سناً أدنى للزواج، ما يسمح بزواج الفتيات في سن مبكرة، إذ يسمح قانون الأحوال الشخصية بزواج الفتيات في عمر 16 سنة بموافقة ولي الأمر، بينما يحظر قانون الطفل الزواج قبل 18 سنة، فضلاً عن ضعف تطبيق القانون في المناطق الريفية والفقيرة".
ويقترح حسب الله، مجموعة من الإصلاحات، من بينها "تحديد سن أدنى واضح للزواج، وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية تأخير سن الزواج، وتشديد العقوبات على جرائم الاستغلال الجنسي، وإلزام الأهالي بتسجيل أطفالهم في المدارس، وتوفير الموارد المالية والبشرية اللازمة لتفعيل القوانين".
بدورها، توضح أستاذة علم الاجتماع بكلية التربية في جامعة عين شمس، أسماء محمد نبيل، أن استمرار زواج القاصرات يعود إلى كونه عادة راسخة مدفوعة بالخوف من "العنوسة"، وبعوامل مترابطة، مثل الفقر والجهل، والنظرة التقليدية التي تعتبر الفتاة عبئاً على أسرتها. وتشدد على ضرورة تعاون الدولة مع منظمات المجتمع المدني لإطلاق حملات توعية، خاصة في القرى والنجوع، حيث تنتشر الظاهرة بشكل أكبر.
وتشير نبيل إلى أن "ضعف التنسيق بين الإدارات المختلفة يمثل أحد أوجه القصور، فمواجهة زواج القاصرات تتطلب تكاملاً في الأدوار بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، مع تفعيل الرقابة المجتمعية، خصوصاً في ظل لجوء بعض المأذونين إلى تزوير سن الفتاة لإتمام عقد الزواج، الأمر الذي يستوجب تشديد تطبيق القانون".
اجمالي القراءات 20
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق