مترجم: لماذا يخشى النظام الجزائري حركة رشاد؟

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٠٩ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسة


مترجم: لماذا يخشى النظام الجزائري حركة رشاد؟

في ضوء الحملة الدعائية الشرسة التي يشنها النظام الجزائري من خلال وسائله المختلفة ضد حركة رشاد، وممارسته الرقابة الإعلامية على كل ما له صلة بالحركة، وحظر كتبها ومؤلفاتها بالإضافة إلى مذكرات توقيف الإنتربول الوهمية ضد مؤسسي الحركة، بات واضحًا أن النظام مفزوع من حركة رشاد ويعتبرها تهديدًا له، لكن لماذا؟

في مقالة له مؤخرًا حول اعتقال المحامي الجزائري والمدافع عن حقوق الإنسان والمعارض رشيد مصلي، تساءل صحفي الإندبندنت روبرت فيسك: “لماذا يقوم الإنتربول بعمل الطغاة العرب ؟

تم إلقاء القبض على الأستاذ مصلي بموجب مذكرة توقيف أصدرها النظام الجزائري في 2002، وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ مصلي إلى جانب كونه أحد مؤسسي منظمة الكرامة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في المنطقة العربية، فهو أيضًا أحد مؤسسي حركة رشاد ، المعارضة للنظام الجزائري. وعند النظر إلى فشل النظام الجزائري قبل ثلاث سنوات فقط في محاولة إقناع فرنسا بتسليم الدكتور مراد دهينة، أحد مؤسسي حركة رشاد أيضًا، من خلال مذكرة توقيف أخرى من الإنتربول، نجد أنه ثمة سؤال يفرض نفسه (بالإضافة إلى دور الإنتربول( حول ما إذا كان النظام الجزائري يخشى فعلًا إستراتيجية رشاد القائمة على التغيير الشامل عبر وسائل غير عنيفة.

أسست رشاد في 2007 من قبل مجموعة من الناشطين من مختلف المشارب الأيديولوجية، وشكلت منذ نشأتها تحديًا لجهاز المخابرات في النظام الجزائري. فبعد استنفاده إستراتيجية المكافحة الشرسة لكل معارض للنظام طيلة العشرية الدامية التي شهدتها البلاد من عقد التسعينيات، عادت أجهزة الأمن الجزائرية من جديد لوسيلة فرق تسد من خلال اللعب على الاختلافات الأيديولوجية وتوتير خطوط التصدع في المجتمع.

أما على الجبهة الدولية، فقد امتطى النظام الجزائري الحرب العالمية على الإرهاب التي قادتها إدارة بوش، وقدم في هذا الصدد خدمات لا حدود لها للحكومات الغربية في شكل تعاون أمني وتبادل المعلومات الاستخبارية. كان النظام يعتقد آنذاك بأنه بعد نجاحه داخليًّا في تكميم قوى المعارضة داخل المجتمع بشكل محكم من خلال الإغراء أو القمع، فقد حان الوقت لإسكات الأصوات المعارضة في الخارج. الأمر الذي يفسر إقدام الإنتربول على تنفيذ مذكرات توقيف ضد دهينة ومصلي، فور توصل كبار ضباط الجيش الجزائري إلى توافق على تعيين عبد العزيز بوتفليقة رئيسًا للدولة قبل16 عامًا. اعتقد النظام بأن الحرب العالمية على الإرهاب، مصحوبة بمنح صفقات اقتصادية مربحة في قطاع النفط والغاز لصالح شركات الطاقة الغربية، بمثابة الوصفة الأمثل لإنهاء متاعبه مع نشطاء حقوق الإنسان وشخصيات المعارضة السياسية الجزائرية في الخارج. بيد أن الأمور لم تسر في الواقع وفق تمنيات جهاز المخابرات، حيث شكلت رشاد تحديًا غير مسبوق بالنسبة للسلطة على عدد من المستويات. ومما صعب من مهمة جهاز الدعاية التابع للنظام أن رشاد لا تتشكل من تيار أيديولوجي واحد فقط، وإنما تشمل مشارب عدة ومتنوعة، حيث نجد من بين مؤسسي الحركة، إسلاميين ويساريين وليبراليين.

ثمة سبب آخر مثير للقلق يقض مضجع النظام، يتمثل في التزام رشاد باللاعنف كإستراتيجية وحجر الزاوية في برنامجها منذ تأسيس الحركة في لندن في أبريل 2007، قبل أربع سنوات من هبة الربيع العربي في2011 . كانت ردة فعل النظام الجزائري فورية حيث حظر الموقع الإلكتروني للحركة في الجزائر وشن حملة شرسة ضد قيادة الحركة كلما ظهر أحدهم في وسائل الإعلام. تم إعداد حملات دعائية بعناية كبيرة تهدف بالأساس إلى فرض تعتيم كامل ومطبق على اسم الحركة، وفي الوقت ذاته، تتولى الصحف الجزائرية الدائرة في فلك السلطة اتهام قادة الحركة بشكل روتيني بالخيانة والتآمر. وكان رد رشاد لمواجهة جهود التعتيم المفروض وكسر هذا الحصار على نشاطاتها، إطلاق قناة تلفزيون متواضعة عبر شبكة الإنترنت في عام 2009، لتقدم للجزائريين في الفضاءات العامة بديلًا للحوار والتعددية. رغم أن هذه القناة لم تشكل تحديًا فعليًّا للنظام، بالنظر إلى هيمنة السلطة المطلقة على سبل الوصول إلى الإنترنت، لكن بالمقابل أكسبت هذه التجربة الحركة خبرة قيمة أثبتت جدواها في المشهد الإعلامي المتحول بعد2011  في الجزائر.

ورغم ضراوة هذه الحملات إلا أن النظام الجزائري لم يفز على جميع الجبهات، حيث أثبتت حملات القمع الكاسحة عجزها في المجال الأكاديمي. فبفضل شبكتها الواسعة من الأكاديميين والباحثين، كان مؤسسو حركة رشاد والمتعاطفون معها قدد وضعوا بالفعل مشروعًا أكاديميًّا يهدف إلى توثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام الجزائري في تسعينيات القرن الماضي؛ وذلك من خلال نشر مجموعة من المؤلفات والدراسات الأكاديمية حول نزاع التسعينات. أصبحت تلك المؤلفات تشكل مراجع علمية في أقسام الدراسات شمال إفريقيا وبتسوية النزاعات في العديد من الجامعات. كما يعد مجلد التحقيق في المجازر الجزائرية  ضمن المصنفات المرجعية المطلوب مطالعتها لطلاب العلوم السياسية بجامعة إكستر بويلز جنوب غرب بريطانيا، وكلية الدراسات الإفريقية والآسيوية بلندن، وكذا كلية لندن للاقتصاد والعوم السياسية، على سبيل المثال فقط، ضمن جامعات المملكة المتحدة. وقد حاول النظام في الجزائر منع توزيع تلك الكتب، لكنه نجح فقط في فرنسا في ظل حكومة إدوار بالادور؛ وهو أمر متوقع جدًّا في ظل سياسة شارل باسكوا التي واصل تنفيذها جان لوي دوبريه كوزير للداخلية يوم ذاك. لكن بالمقابل ما لم يثر أي دهشة أو استغراب هو أن هذه الخطوة الخرقاء من قبل الحكومة الفرنسية آنذاك قد منحت زخمًا ومزيدًا من الدعاية لتلك المؤلفات التي حظيت بإشادة كبيرة من قبل المنظمات غير الحكومية الرئيسية المعنية بحقوق الإنسان والحريات المدنية.

وبحلول 2011، عندما خرج الشباب العربي إلى الشوارع وأسقط الطغاة بطريقة غير عنيفة، تأكدت صحة خيار رشاد الإستراتيجي الذي تبنته قبل أكثر من عقد من الزمان على طريق النضال اللاعنفي من أجل التغيير السياسي. ومع ذلك يبقى على رشاد مواصلة جهودها من أجل تعبئة المجتمع الجزائري س"http://www.santegidio.org/archivio/pace/algeria_19950113_FR.htm" target="_blank">لقاء سنت جديو، الذي كان يهدف إلى إنهاء النزاع الجزائري، بيد أن النظام قاطع المبادرة مما تسبب في إطالة عمر الصراع خمس سنوات أخرى.

هل يخشى النظام الجزائري حركة رشاد؟ في ضوء تقييم موضوعي لسجل العلاقات بين النظام والحركة )مذكرات توقيف وهمية للإنتربول، حظر على الإنترنت، محاولة حجب تلفزيون رشاد ووقف بثه، حظر مؤلفاتها، والدعاية ضدها، وما إلى ذلك) من الصعب الإجابة بالنفي على هذا السؤال. لقد ساهم منهج حركة رشاد على درب اللاعنف في زيادة وعي قطاعات واسعة من الشباب الجزائري ومكنهم من تنظيم احتجاجات سلمية باغتت النظام في وقت لم يكن ينتظر مثل تلك الهبة، على غرار الحركة الجماهرية للبطالين الشباب والاحتجاجات المناهضة للغاز الصخري في الجنوب، اللتين شكلتا مثالًا بارزًا تصدر عناوين الصحف العالمية لعدة أشهر، وأجبر الحكومة على إدخال بعض التدابير المسكنة.

ومما يزيد من متاعب النظام وهو يخوض صراعًا خطيرًا من أجل استخلاف بوتفليقة هو أن موقف ورسالة رشاد التي لا ترى بديلًا للتغيير في الجزائر من دون مباشرة إصلاح العلاقات المدنية- العسكرية، بدأ يكتسب زخمًا وجاذبية متزايدة في أوساط الشباب، والمهنين والمثقفين، بل وحتى داخل المؤسسة العسكرية. في مقالته الأحدث حول التعامل مع النزاعات والصدمات الوطنية، خلُص الأستاذ النرويجي يوهان غالتونغ، المتخصص البارز في مجال الدراسات المتعلقة بتحويل النزاع قائلًا: “سيظفر بالمستقبل من لديه الرؤية الأكثر إقناعًا”. يبدو أن رشاد تمتلك تلك الرؤية لتعرضها على الشباب الجزائري الذي خاب أمله، وهو يشهد مأساة بلد ثري من حيث الثروات والإمكانيات، رهينة نظام يعيش مرحلته النهائية.

ثمة أيضًا مؤشرات أخرى تدل على أن إستراتيجية رشاد سببت شرخًا في صفوف النخبة الحاكمة: عدد كبير من أعضاء الحكومة السابقة أصبحوا يتبنون حاليًا وبشكل علني العديد من وجهات نظر رشاد. من جهة أخرى يتصارع داخل أركان النظام الحالي ثلاثة أطراف: أولًا، أسرة بوتفليقة والمقربون منه الذين لا هم لهم سوى إدامة مصالحهم الخاصة دون أي رؤية أو أيديولوجية. ثانيًا، فئة من القادة العسكريين ممن يخشون صراحة على امتيازاتهم، والأخطر من ذلك، يخافون المساءلة على جرائمهم خلال النزاع الدموي الذي استمر عشر سنوات. وأخيرًا، فيلق من الموظفين في الدولة، وضباط الجيش، ورجال الأعمال الذين ضاقوا ذرعًا من فرط فساد النظام الحالي وبدأوا ينجذبون بشكل متزايد لرؤية رشاد، وهذا من شأنه أن يشكل مصدرًا بالغ القلق بالنسبة للنظام

اجمالي القراءات 3229
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق