د. نادر فرجاني: يكتب برلمان المجلس العسكري

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٢ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: البديل


د. نادر فرجاني: يكتب برلمان المجلس العسكري

د. نادر فرجاني: برلمان المجلس العسكري

درج البعض، إما عن رياء أو حماس ساذج، على تسمية المجلس النيابي القادم “برلمان الثورة”، وليس أبعد عن الحقيقة!

المجلس النيابي القادم هو أول برلمان بعد الثورة، صحيح، ولكنه ليس برلمان الثورة. فالمجلس النيابي الذي يستحق تسمية “برلمان الثورة” هو مجلس تشريعي يغلب على أعضائه الانتماء للثورة أو على الأقل التعاطف القوي معها بما يؤدي إلى الحرص على اكتمال الثورة بالعمل الجاد على نيل غاياتها في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية، ووسيلته الحفاظ على استمرار الحكم الديمقراطي الصالح.

وقد كان الأمل بعد الانتصار الأولي لثورة شعب مصر، ثورة الفل العظيمة بإسقاط الطاغية المخلوع في مطلع العام الحالي، أن يتوِّج انتخاب هذا البرلمان عملية للانتقال إلى الحكم الديمقراطي الصالح تلي وضع دستور يحقق للمجلس التشريعي، ولباقي مؤسسات الحكم الديمقراطي الصالح، الصلاحيات والعلاقات السليمة بين هذه المؤسسات والأسس القويمة للدولة، الكفيلة كلها بالعمل على اكتمال الثورة ونيل غاياتها.

فهل ينتظر أن يحقق البرلمان القادم هذه الاشتراطات؟ يبدو ذلك صعبا إن لم يكن شبه مستحيل.

البرلمان القادم هو صناعة تراكم الأخطاء التي اقترف المجلس الأعلى للقوات المسلحة في تهيئة الساحة السياسية في مصر بعد الثورة، بإعلانه الدستوري المعيب، وقراراته ومراسيمه التسلطية، كنتيجة منطقية لمزيج الدهاء والغباء في النصح الذي تلقاه ممن إصطفى من ناصحين ومستشارين لم يتوخوا بالضرورة المصلحة العليا للبلاد، وعاند مكابرا صوت الحق كلما علا محذرا من مغبة الأخطاء، وعندما امتثل لتصحيح أخطاء، جرى تصحيحها بأخطاء أكبر، قاصرا ممارسة السياسة على الأغنياء والأقوياء ومستبعدا القوى الجديدة التي ساهمت بفعالية في الثورة الشعبية العظيمة، مع العمل بدأب على إخماد جذوة الثورة الشعبية بالبطش والإرهاب.

والمنتظر أن سيغلب على عضوية المجلس التشريعي القادم، ومن ثم على مضمون الدستور الجديد ومضمار السياسة في مصر، الفصائل السياسية التي عمل المجلس العسكري على أن تتصدر حلبة السياسة بعد الثورة، أو تبقي فيها من دون وجه حق كما في حالة فلول حزب الطاغية المخلوع. ونرجو ألا يغيب عن أحد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد قدّم نفسه كأحد أطراف الصراع السياسي على الرغم من زعمه المستمر بالحياد، وكشف عن مصالح محددة أفصح عنها بأكثر من صورة، آخرها الوثيقة التي طرحها نائب رئيس الوزراء السابق على السلمي، وعابها إضفاء حصانة غاشمة على القوات المسلحة وتسييدها على الدولة والشعب، بأمر من المجلس لا ريب.

وإن نجى البرلمان القادم من فخ البطلان، وقد بدأت الطعون تتراكم قبل إعلان نتائج المرحلة الأولى، تدل المؤشرات الأولية على أن تيار الإسلام المتشدد سيحظي بغالبية كبيرة في البرلمان القادم، وعلى الرغم من التوتر القائم بين فصائله بسبب التنافس الانتخابي، ففرصة التيار الإسلام السياسي ككل في تشكيل أداء المجلس التشريعي ومحتوى الدستور الجديد لا ريب كبيرة. وليس غريبا أن يتطلع التيار لصلاحيات الأغلبية في المجلس النيابي ولوضع بصماته على الدستور الجديد ونمط الحكم، بل هو حقه بلا منازع، حتى حسب الإعلان الدستوري للمجلس العسكري نفسه، إلا أن المجلس العسكري يصر على الإمساك بكل خيوط الحكم بيده. لأطول مدى ممكن.

وهنا قد ينقلب السحر على الساحر، ويحيق المكر السيء بأهله، حيث يمكن أن ينشب نزاع بين طرفي التحالف غير المعلن، سيعم الساحة السياسية بأكملها وقد يزج بالبلاد والعباد في أتون صراع قد يتحول داميا بين الطرفين، كان له سابقة في خمسينيات القرن الماضي. حيث يصر المجلس، وفق إعلانه الدستوري الذي جاء من طرف واحد وأصر فيه على منح رئيس الجمهورية، أي رئيس المجلس العسكري إلى حين انتخاب رئيس جديد، صلاحيات تنفيذية مطلقة بما في ذلك تعيين رئيس الوزراء والوزراء وإعفائهم.

وبالطبع ماكان مثل هذا الخلاف سينشب لو التزم المجلس العسكري بوضع الدستور أولا حسب الأصول المرعية، حيث كان الدستور سينص على صلاحيات المجلس النيابي وسبل تشكيل السلطة التنفيذية وطبيعة العلاقة بين السلطتين. وستزداد فرصة النزاع ودمويته بزيادة حصة التيار الإسلامي في مقاعد برلمان المجلس العسكري. وقد يعني هذا أن تتراجع أهمية حماية الثورة والحرص على اكتمالها في مقابل تنافس الطرفين على التحكم والغنائم السياسية قصيرة النظر بصرف النظر عن مصلحة الشعب. ولكل من الفريقين سوابق مشينة، لا سيما في التسلق على أكتاف الثوار دون التورع عن البطش بالمتظاهرين والتخلف عن حمايتهم عند الاقتضاء. ولحسن حظ الثورة الشعبية، قد ينتهي هذا الصراع الأناني بتدمير المستقبل السياسي لكلا الطرفين.

فالانحراف عن الأصول طمعا في مغانم سياسة سريعة لا يحمي الثورة ولا يضمن نيل غاياتها، كما قد ينتهي بدمار القوى السياسية الانتهازية والمتحاربة ذاتها. ولكن على قوى الثورة الشعبية العظيمة أن تبقى على ساحة السياسة، حية يقظة، وهذا هو الضمان الوحيد لاكتمال ثورة الفل، ولو بعد صراع شعبي آخر قادم مع سلطة انتقالية مختلفة عن المجلس العسكري.

أما وقد نفذ السهم، ووجب علينا احترام اختيار الشعب العظيم أيا كانت مثالبه، فالشكر موصل لدماء شهداء الثورة وتضحيات مصابيها الذين أوصلونا لهذا الانتصار الرائع للثورة الشعبية في صورة أول انتخابات يحترمها الشعب العظيم ويصر على المشاركة فيها بكثافة غير مسبوقة.

والتهنئة واجبة للتيار الإسلامي، وعفا الله عما بدر من تجاوزات في العملية الانتخابية ذاتها. ولكن الاختبار الحق لنوايا ومعدن هذا التيار، ومستقبله، آت لا ريب فيه في الأداء داخل المجلس النيابي. فالأمل أن يقدِّم التيار الإسلامي الفائز بأغلبية البرلمان نفسه للجماعة الوطنية مجددا كتجسيد عصري للمقاصد الكلية لشريعة الإسلام السمحاء وجوهرها العقل والعدل والإخاء والمساواة والمحبة والتراحم، وليكن له في تيارات الإسلام السياسي الفائزة في انتخابات تونس والمغرب أسوة حسنة.

نتمنى ذلك بدلا من أن يتمخض ذلك الواقع المستجد على الساحة السياسية في مصر على خطر أن تتغلغل في الدستور الجديد وفي الممارسة السياسية توجهات الفقه الإسلامي المتشدد بالانتقاص من الحقوق المدنية والسياسية للنساء وغير المسلمين افتئاتا على بعض المبادئ الحقوقية المستقرة في منظومة حقوق الإنسان من عدم جواز التمييز بين البشر، خاصة في الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين. بينما تنصب “المرجعية الإسلامية” للدولة، في المقام الأول، على تطبيق الشريعة بالمفهوم الشكلي المتمثل في تطبيق الحدود، ولو من دون توافر شروطها، وفي حماية العفة الظاهرية (مثل الحشمة المبالغ فيها في اللباس، ومنع الخمور وحجب التماثيل) مع التغاضي عن جوهر أخلاق الإسلام العظيمة السمحة.

وليعلم أقطاب تيار الإسلام المتشدد أن الشعب الذي رفعه لقمة برلمان المجلس العسكري، سيمنع تأييده عنهم في انتخابات تالية إن لم يوفوا بالعهد، ويعملوا، بدأب وتفان منزهين عن الغرض السياسي، على اكتمال ثورة الفل ونيل غاياتها في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية، ووسيلته الحفاظ على استمرار الحكم الديمقراطي الصالح.

اجمالي القراءات 4180
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق