الفساد في الدول العربية.. عدو الإصلاح وسرطان يطارد الفقراء..!!

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٣٠ - يناير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: آفاق


الفساد في الدول العربية.. عدو الإصلاح وسرطان يطارد الفقراء..!!

على رغم الثروات الطبيعية الهائلة التي تملكها الدول العربية، وعلى رغم أن مستوى الفقر في تلك البلدان يعتبر من الأقل في العالم، يبقى مواطن من كل خمسة مواطنين يعيش على أقل من دولارين في اليوم، بحسب مصادر البنك الدولي الخاصة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

مقالات متعلقة :

ومع ذلك فإن نسبة الفقر في بعض الدول تلامس 27 في المئة، بينما تقفز في البعض الآخر إلى 30 في المئة، ناهيك عن أن أكثر من (73) مليون عربي قدر لهم أن يعيشوا تحت خط الفقر، وحوالى (109) ملايين نسمة من العرب يعانون من سوء التغذية، أما نسبة الأمية فإنها أكثر من 46 في المئة من السكان، ويبلغ عدد الأميين من بين البالغين العرب حوالى 65 مليون إنسان، تمثل النساء الثلثين وهي أعلى كثيراً مما هي عليه في بلدان أفقر من الدول العربية، طبقاً لتقرير التنمية الإنسانية العربية.
ولا شك أن الفساد يأتي على رأس قائمة الأسباب لإعاقة نمو الاقتصاد ومسيرة التنمية، وقصور الخدمات التي تقدم للمواطنين، وزيادة نسبة الفقراء وتأثر رفاههم، وانعدام التوازن في مستوى دخول الأفراد، ما ينتج منه عدم ملاءمته لحاجاتهم، وإذا قدر أن الدول العربية استطاعت أن تحد من الفساد المستشري (وهذا محل شك)، فإن النتائج ستكون باهرة، منها زيادة دخول المواطنين والحد من البطالة وتوفير الخدمات من صحة وتعليم... إلخ
ولا شك أن تضخم الجهاز الحكومي في الدول العربية، من وزارات وهيئات ومؤسسات عامة ومصالح، وما اعتراها من جوانب الترهل والقصور في الأداء، وسوء تنظيمها الإداري والمالي، جعلها تصبح محلاً لاستغلال الخلل الذي ينخر في عروقها، فاستغل الكثيرون هذا التقهقر الإداري، وعبروه إلى فساد في ظل تدابير عادية عفا عليها الزمن، وأصبحت في دهاليز المتاحف، فلابد من استراتيجيات مدروسة بدقة وحصافة وشفافية تطبق المفهوم الحقيقي للرقابات المالية والإدارية والقضائية على من يعتدون على المال العام ويمثلون بؤرة الفساد والرشوة.
مفهوم الفساد
وإذا نظرنا إلى مفهوم كلمة " الفساد" ، فنجد أنه يرتبط في الأذهان بمفهوم "الشر"، ويعتبر أوضح وأقصر تعريف للفساد هو التعريف الذي ورد في موسوعة العلوم الاجتماعية، حيث يعرف الفساد بأنه: "إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق كسب خاص"، ورغم أن هذا التعريف يشمل الفساد الذي يقوم به المسؤولون الوطنيون العاملون بالحكومة، إلا أن هناك فسادًا يتمّ بالكامل في نطاق القطاع الخاص، وأيضًا.. هناك فساد متعدد الجنسيات يتم بين طرفين من دولتين أو أكثر، والملاحظ أن حوافز الفساد تزيد عندما يكون للمسؤولين الحكوميين من رجال السياسة والاقتصاد والقضاء مساحة واسعة للتقدير الشخصي، ولا توجد درجة مناسبة من الرقابة أو المساءلة، وكذلك عندما لا يمكن الاطمئنان لتفسيرات القانون أو لضمان تنفيذ أحكام القضاء، وكذلك فإن الفساد لا يتمثَّل فقط في المبالغ التي يدفعها رجال الأعمال في الخفاء للمسؤولين الحكوميين، ولكن له تكاليف أخرى؛ حيث إنه يجعل رجال الأعمال والشركات تضيع وقتًا طويلاً في التفاوض حول اللوائح والقوانين، وقد أوضح مسح قام به البنك الدولي أن حوالي 38% من المؤسسات الخاصة في الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تضيع 15% من وقت كبار المديرين فيها في التفاوض مع المسؤولين الحكوميين، وهذه النسبة تصل إلى 52% في الدول التي كانت تنتمي إلى الاتحاد السوفيتي السابق، وذلك مقابل 10% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
أنواع الفساد
وعند استعراض الفساد وأنواعه في العالم العربي نجد أن هناك ثلاثة أنواع أساسية من الفساد ، النوع الأوّل هو الفساد المحدود النطاق على غرار شرطي في بلد مثل سوريا أو مصر يتقاضى رشوة للإعفاء عن مخالفة سير، والنوع الثاني هو الفساد الواسع النطاق الذي يضرب اقتصاديات بلدان عدّة في المنطقة لا سيّما في الخليج، ويحصل هذا النوع من الفساد أثناء التفاوض على عقود بملايين الدولارات بين مسؤولين في الدولة وشركات لعقد صفقات تجارية.
ومثال عن ذلك الصفقات التي عقدتها شركة الأسلحة الأكبر والأكثر نفوذاً في بريطانيا "بي أي إي سيستمز بي إل سي" مع السعودية، وقد فُتِح تحقيق في فساد الشركة على خلفية مزاعم عن امتلاكها صندوق للرُشى يحتوي على 110 ملايين دولار استعملته لرشوة مسؤولين سعوديين مقابل صفقات تجارية مربحة جداً كجزء من اتّفاقات اليمامة لبيع الأسلحة في الثمانينات، وقد تدخّل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بنفسه لوقف التحقيق بحجّة حماية المصلحة الوطنية البريطانية – وفي هذا مثال للقوى الغربية لما تعزّز الفساد في العالم العربي.
وبصورة عامة وعلى مستوى الوطن العربي ، استطاع أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة
د. محمود عبدالفضيل، أن يحصر أهم مكونات الفساد الاقتصادي في عدة عناصر هي على النحو التالي:
- تخصيص الأراضي: من خلال قرارات إدارية عليا، تأخذ شكل "العطايا"، لتستخدم فيما بعد في المضاربات العقارية وتكوين الثروات.
- إعادة تدوير أموال المعونات الأجنبية للجيوب الخاصة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 30 في المئة منها لا تدخل خزينة الدولة، وتذهب إلى جيوب المسؤولين أو رجال أعمال كبار.
- "قروض المجاملة" التي تمنحها المصارف من دون ضمانات جدية لكبار رجال الأعمال المتصلين بمراكز النفوذ.
- عمولات عقود البنية التحتية وصفقات السلاح.
- العمولات والأتاوات التي يتم الحصول عليها بحكم المنصب أو الاتجار بالوظيفة العامة
أما النوع الثالث هو الفساد السياسي الذي يصعب وضع الإصبع عليه، لكنّه يضرّ بالعافية الاقتصادية لمعظم البلدان العربية، فالفساد السياسي هو استخدام صفقات ومكاسب اقتصادية لمكافأة الحلفاء السياسيين، ما يؤدّي حتماً إلى هدر كمّ هائل من الموارد العامّة في أنشطة غير منتجة، ويقود أيضاً إلى مقاومة النخبة لبرامج الإصلاح السياسي والاقتصادي التي من شأنها أن تنظّم مجال الأعمال عبر تطبيق القوانين بالتساوي على الجميع.
الإصلاح الاقتصادي
وبرغم سياسات الإصلاح الاقتصادي التي طبقتها العديد من الدول العربية ، وتوسم فيها الفقراء والمقهورين في الدول العربية خيرا قد يعود عليهم بعد عقود طويلة من المعاناه مع الجوع والفقر ، إلا أن هذه السياسات صاحبتها عمليات فساد واسعة النطاق ، ولنأخذ مصر نموذجا لذلك ، ولنلقي الضوء على أهم آليات الفساد التي صاحبت عمليات الخصصة والإصلاح الإقتصادي وهي كالتالي:
- التحالف بين قيادات الجهاز المصرفي والمشتغلين بالتجارة الخارجية في القطاع الخاص مع كبار تجار العملات الاجنبية فيما يسمى خطأ بالسوق السوداء ، وإن كان الأدق تسميتها بالسوق غير الرسمية بسبب (تسامح) أجهزة الدولة معها في الوقت الذي يحظر فيه القانون صراحة الاتجار بالعملة ، بينما يسمح بحيازة العملات الأجنبية وبامكان الاستيراد دون طلب عملة من المصارف المملوكة كلها تقريبا للدولة (قصة سامي علي حسن).
- التحالف بين قيادات القطاع العام والشركات الدولية، والذي لايظهر علانية ولكن يكشف عنه تولي هؤلاء المسؤولين ادارة الشركات المختلطة ثم تحولهم فيما بعد الى أصحاب مشروعات خاصة بفضل استغلال نفوذهم السابق في الاثراء غير المشروع (قيادات القطاع العام التي أصبحت من قيادات القطاع الخاص) وهناك أمثلة عديدة على ذلك.
- التحالف بين قيادات الشركات الصناعية المملوكة للقطاع العام ورجال الأعمال في القطاع الخاص وغالبا من أقارب المسؤولين للحصول على منتجات القطاع العام بأسعار رخيصة ثم بيعها للمواطنين بأسعار مرتفعة (قصة عصمت السادات شقيق الرئيس الراحل أنور السادات)
- اشتغال أبناء كبار المسؤولين في القطاع الخاص اعتمادا على نفوذ آبائهم في أجهزة الدولة وربما في نفس المجالات التي يشرف عليها آباؤهم أو في مجالات قريبة منها او مشاركتهم في كبرى مشروعات القطاع الخاص دون أن يساهموا في رؤوس أموالها.
- اشتراط دفع الشركات الأجنبية رشاو الى كبار المسؤولين تودع في بنوك أجنبية اما لمجرد السماح لها بمزاولة نشاطها أو للتغاضي عن اشتراطات صحية وبيئية أساسية (قصة عبد الوهاب الحباك و يوسف عبد الرحمن في مصر).
- قيام اجهزة الدولة ببيع بعض الشركات الكبرى المملوكة لها باسعار زهيدة لصالح بعض اعضاء الاسر الملكية الحاكمة.
ونخلص من ذلك أن الفساد الاقتصادي والسياسي في تصاعد مستمر في ظل غياب عناصر الحكم الرشيد وفي مقدمتها الالتزام بحكم القانون والشفافية والمساءلة وعدم تركيز السلطة.
الأمل في الإصلاح
في ظل هذا الواقع المظلم الذي خلفه الفساد في العالم العربي ، يبقى هناك بصيص أمل يداعب المواطن العربي من بعيد ، ألا وهو " الأمل في الإصلاح" ، وليست هناك وصفة واحدة للإصلاح، بالنظر لوجود عدد كبير من العوامل، فالفساد مشكلة مستأصلة، وفي حين أنه يؤثر في نواح عديدة في المجتمع فهو يتأثر بها، وكثيرا ما يجد الإصلاحيون أن الأشخاص المتنفذين جدا والمستفيدين من الفساد يدافعون عن مواقفهم سياسيا أو عن طريق أعمال العنف، وكثيرا ما تكون مداولات الفساد الكبيرة ذات نطاق عالمي، كما أن قياس الفساد يشكل مشكلة، وكل من يعرفون عن عمل يتعلق بالفساد يحيطون ذلك بالكتمان، ولذا فإن من المستحيل قياس حجم الفساد بدقة، لذلك فإن التحكم في الفساد ليس مجرد إصدار قوانين أو حضّ الناس على أن يكونوا صالحين، وتشتمل الاستراتيجيات الرئيسية التي خلص إليها الإصلاحيين في الوطن العربي على ما يلي:
- التحرر: إخرج الحكومة من الاقتصاد، ويؤكد هذا الرأي أن القيام بذلك سيجرد المسؤولين من معظم النفوذ الذي يستحق الشراء، وعندئذ سيتمكن الناخبون من "إقصاء الأشخاص الشريرين" من المناصب العامة، إلا أن الحل السابق قد ينقل انتهاكات الثروة والنفوذ إلى القطاع الخاص، في حين أن ازدياد التنافس السياسي بسرعة مفرطة يمكن أن يشجع كبار الشخصيات على أن يسرقوا كميات أكبر، وأن يسرقوها بسرعة أكبر.
- تنفيذ القانون: هناك ضرورة لوجود إطار لقوانين وعقوبات ذات مصداقية ومنفذة تنفيذا جيدا، ولكن ليس من الممكن إنجاز الكثير إذا كان الأشخاص الذين ينفذون القوانين فاسدين، أو إذا لم تكن الصحافة حرة، أو إذا كان المواطنون يخشون التعرض للأذى إذا أبلغوا عن وقوع انتهاكات.
- تحسين الإدارة العامة: حيث هناك ضرورة لوجود إدارة وحفظ سجلات وتصميم مؤسسي أفضل، وقوة عاملة عامة تحصل على أجور جيدة، ومحمية بقوانين "خدمة مدنية" ومدربة جيدا وذات حجم مناسب. ولكن مثل هذه الإجراءات مكلفة وتواجه مقاومة من الأشخاص الذين سيخسرون وظائفهم. وقد تصبح وسائل التحكم مفيدة جدا بحيث أن الحكومة تفشل في عملها وأن الأشخاص ذوي الكفاءات يتجنبون الخدمة العامة.
الدمقرطة العميقة: لقد نجحت مجتمعات كثيرة في الحد من الفساد خلال معالجتها للنفوذ والمساءلة، ويمكن للأشخاص الذين يسعون لحماية أنفسهم من الانتهاكات أن يتوصلوا في نهاية المطاف إلى تسويات تؤدي إلى وجود مؤسسات قوية وقانونية، ومع أن إصلاحيين كثيرين يعتبرون السياسة شيئا قابلا للإفساد، فإن من الضروري من وجهة النظر هذه تطبيق الإصلاح..

اجمالي القراءات 6303
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق