سعد الدين ابراهيم Ýí 2008-12-06
تابع العالم كله بانزعاج المذبحة التى قام بها مجموعة من المتطرفين على امتداد ثلاثة أيام (٢٦-٢٩/١١/٢٠٠٨)، بأهم مدينة تجارية فى الهند، وهى مومباى (بمباى سابقاً)، واستهدفت نزلاء أفخم الفنادق السياحية، وأحد المعابد اليهودية، وذهب ضحيتها أكثر من مائة وستين قتيلاً، وأكثر من ثلاثمائة جريح.
وفى نفس الفترة شهد حى المطرية فى العاصمة المصرية، القاهرة، مشهداً قبيحاً لمتشددين مسلمين يحرقون إحدى الكنائس، بعد صلاة الجمعة (٢٩/١١) وهم يرد&Iume;ددون «الله أكبر... الله أكبر»، كما لو كانوا يخترقون خط بارليف أو يستعيدون القدس!
ورغم تباعد المسافة وتفاوت الأضرار والضحايا بين المشهدين، إلا أن المشترك بينهما هو الإرهاب والحرق والتدمير باسم الدين. وللأسف الشديد، فإن الدين الذى يسير خلفه الإرهابيون فى المشهد الهندى، والمتشددون فى المشهد المصرى، هو الإسلام. وطالما ردد هذا الكاتب وغيره من المؤمنين أن «الإسلام» منهم براء... ولم يُسئ للإسلام خلال الثلاثين سنة الأخيرة إلا هؤلاء المحسوبون على الإسلام.
وكثير من هؤلاء يعودون إلى رشدهم، ويندمون، ويتوبون وينيبون، وبالطبع يُقلعون عن ممارسة العنف، وينصحون غيرهم بعدم السير فى نفس الطريق المُهلك لهم ولغيرهم من الأبرياء.
وقد تجلى ذلك فى مُراجعات الشيخ سيد إمام، مؤسس الجماعة الإسلامية، والتى نشرتها صحيفة المصرى اليوم على حلقات خلال شهر نوفمبر ٢٠٠٨، واتهم فيها أيمن الظواهرى - نائب أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة - بكل الموبقات، وقال فيه وعنه ما لم يقله مالك فى الخمر!
رغم أنه لم تنته التحقيقات بعد فى أحداث مومباى، إلا أن قرائن عديدة تٌفيد أن المُهاجمين جاؤوا من باكستان عن طريق البحر، وداهموا نقطة شرطة هندية، وقتلوا كل أفرادها، واستبدلوا بملابسهم أزياء من قتلوهم من الشرطة الهندية، وهو ما يسر لهم دخول الفنادق الكبرى بأسلحتهم، لكى ينفذوا مخططهم فى الفتك بأكبر عدد من السُياح الغربيين، وخاصة الأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين.
ولأن معظمهم قد قُتلوا فى المواجهة التالية مع الكوماندوز الهنود، باستثناء إرهابى واحد، أمكن القبض عليه حياً، ويحمل الجنسية الباكستانية، فقد أصبح السند الرئيسى الذى أوصل معظم الخيوط إلى أطراف باكستانية.
فقد اعترف هذا المُهاجم (٢٢ سنة) أنه ينتمى إلى تنظيم وهب حياة أفراده لتحرير إقليم «جامو كشمير»، المُتنازع عليه بين الهند وباكستان منذ تقسيم شبه القارة الهندية إلى هند وباكستان، عام ١٩٤٧.
ورغم أن مُعظم سكان الإقليم من المسلمين، إلا أن قرار التقسيم الأول البريطانى، أعطى ثلثى الإقليم للهند، وثلثه لباكستان، وترك للأمم المتحدة مُهمة تسوية الوضع النهائى للإقليم.
وكانت هذه هى نفس الممارسة البريطانية فى عدد من مستعمراتها قُبيل الرحيل. فهذا ما حدث أيضاً فى فلسطين فى نفس السنة، ثم بعد ذلك بعدة سنوات فى قُبرص (بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك). ومثلما استمر الصراع فى فلسطين طيلة الستين عاماً التالية لقرار التقسيم، فإنه مُستمر فى كل من كشمير وقُبرص.
ولكن خطورة وضع كشمير تكمن فى أن الدولتين المتنازعتين هُما قوى نووية. وقد خاضتا حربين سابقتين لم تُسفرا عن حسم النزاع، ولكن ذلك كان قبل أن تحوز الدولتان أسلحتهما النووية، منذ ربع قرن.
ويبدو أنه لإدراك خطورة أى اشتباك جديد فى وجود أسلحة دمار شامل فإن قيادات البلدين جمدت الصراع حول كشمير إلى أجل مستقبلى غير معلوم.
ولكن هذا القرار الضمنى بتجميد الصراع لم يرق لأطراف دينية متشددة من مسلمى كشمير وباكستان على السواء، ومنها جبهة تحرير كشمير التى يرجّح أن معظم الضالعين فى أحداث مومباى ينتمون إليها.
ولأن هذه الجبهة ليست من القوة بحيث تستطيع تحرير كشمير بقوة السلاح، فإنها تلجأ إلى تسخين الموقف بين الجارتين، النوويتين، على أمل تفجير حرب جديدة، يتدخل فيها المجتمع الدولى، ويُجرى الاستفتاء المؤجل فى كشمير، لتقرير المصير، وهو ما كان أحد قرارات الأمم المتحدة قد دعا إليه.
هذا ويذهب كثير من المختصين فى شؤون جنوب آسيا وشبه القارة الهندية، إلى أن جهاز المُخابرات الباكستانى، المعروف باسم أي- إس - أى (ISI) حاول تجنيد عناصر أفغانية من حركة طالبان ومعهم متشددون باكستانيون لخلق قلاقل ومشاكل للهند، كوسيلة ضغط للمساومة بها فى مسألة كشمير.
وقد اتهمت دوائر أمريكية جهاز المخابرات الباكستانى بالمسؤولية عن تفجيرات فى الهند وباكستان منذ عدة شهور.
وقد حاول الرئيس الباكستانى السابق برويز مُشرّف، كما يحاول الرئيس الحالى عاصف زردارى، وضع هذا الجهاز تحت إشراف رئيس الجمهورية أو وزير الدفاع، ولكنهما فشلا إلى تاريخه.
وهو ما يوحى أن جهاز أى - إس – أى، قد تحول إلى «مركز قوة»، لا قبل لأى مسؤول باكستانى، حتى رئيس الجمهورية، السيطرة عليه. ولعل أقرب نموذج لذلك هو ما كان عليه جهاز المخابرات فى مصر، حينما كان يُهيمن عليه «صلاح نصر».
فقد أقر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نفسه، وخاصة بعد هزيمة ١٩٦٧، بأن ثمة مركزى قوى لم يستطع السيطرة عليهما، أحدهما كان حول المُشير عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المُسلحة، والثانى حول صلاح نصر وجهاز المُخابرات.
وعودة إلى باكستان، إن جهاز مخابراتها هو الذى يستخدم «الورقة الدينية» والمتشددين من الإسلاميين فى إدارة الشأن العام الداخلى وعلاقات باكستان الإقليمية، وخاصة مع الجارة الكبرى، الهند، والجارة الصغرى، أفغانستان. ولكن دروس الماضى القريب، منذ حاول ذلك الرئيس أنور السادات.. عادة ما تُحرق هذه الورقة أصحابها قبل أعدائها. فإن الذين أردوا السادات قتيلاً، هم أنفسهم الإسلاميون الذين فتح لهم هو الباب على مصراعيه فى أوائل سبعينيات القرن الماضى.
وبمناسبة الحديث عن بوابة اللعب بالورقة الدينية، بداية بالرئيس الراحل أنور السادات، والتى هى أشبه بإخراج مارد من القمقم، يصعب بعد ذلك السيطرة عليه. فقد كان تسلسل الأحداث كما يلى:
١ـ الرئيس السادات يبحث عن أنصار للوقوف فى وجه الناصريين واليسار، فيعلن أنه «الرئيس المؤمن»، ويُغير الدستور بإضافة مادة لم تكن موجودة فى أى من الدساتير المصرية منذ ١٨٦٦ إلى ١٩٧١، وهى «أن الشريعة مصدر رئيسى للتشريع».
٢ـ عام ١٩٧٢ يشهد أول احتقان طائفى خلال القرن العشرين فى بلده الخانكة قليوبية.
٣ـ مجلس الشعب يكوّن لجنة لتقصى الحقائق حول أحداث الخانكة برئاسة وكيل المجلس وقتها، وهو القاضى الجليل د. جمال العطيفى، وتقدمت اللجنة بعشر توصيات لمجلس الشعب، حول قواعد جديدة لبناء دور العبادة، والمناهج المدرسية، والأوقاف القبطية، والإنصاف والتوازن فى المجالس المحلية والتشريعية والمناصب القيادية.
٤ـ ولكن باستثناء الأوقاف القبطية التى أعيدت إلى الكنيسة المرقسية، فإن التوصيات التسع الأخرى لم يُنفذ منها شيء، رغم مرور ٣٦ سنة على تقرير العُطيفى.
٥ـ ولعدم تنفيذ تلك التوصيات شهدت مصر خلال نفس العقود الأربعة التالية ما يزيد على ألف حادث طائفى من النوع الذى شهدته الخانكة عام ١٩٧٢ وشهدته المطرية عام ٢٠٠٨.
إن أوجه شبه أخرى بين المشهد الهندى - الباكستانى فى مومباى والمشهد المصرى فى المطرية، هى أن أجهزة أمنية عندنا كما فى باكستان قد استحوذت على «الملف الديني»، وقامت بتسييسه واستغلاله، لمصلحة هذه الأجهزة، وإبقاء سيطرتها على المجتمع والدولة. ولكنها لعبة خطرة، لا يمكن دائماً ضبطها حسب إرادة وأهواء ومصالح القائمين على هذه الأجهزة.
فلا بد من تحرير الدين والوطن من قبضة الأجهزة الأمنية فى مصر وفى باكستان على السواء. فليعد الدين لله وليعد الوطن للجميع.
المؤسسة الأزهرية: لا هى راغبة ولا قادرة على التطوير
الجشع والفساد فى تجريف أراضى المحروسة
هل الشعب المصرى فى حالة عِشق دائم مع جيشه؟
دعوة للتبرع
قرآنى وسلفى وشيعى: ماحكم تصنيف الناس مثلا نقول: لان قرآني...
منقلبون: ما معنى:( وانا الى ربنا لمنقل بون )؟ ...
قرار / استقرار : ما معنى كلمة ( قرار ) فى القرآ ن الكري م ؟ هل هو...
صالونات التجميل: ما حكم عمل وفتح صالون ات لتجمي ل ...
اللعب مع النساء: سلام علی ;کم : یا دکتر احمد صبح 40; ...
more
مقال جيد يلخص المشكلة في بلادنا ..
وحتي نطبق فعلا لا قولا مقولة الدين لله والوطن للجميع حكومة والآهم شعبا .. ونفهم قيمتها .. فلا أمل لنا في تنمية أو ديمقراطية أو أي لحاق بركب أي حضارة .. سنظل في القاع مصدرا للمشاكل في العالم ..
حتي يأتي الوقت لنضطر أن نسأل انفسنا السؤال القاسي عن الدين .. ماسبب الفشل .. النظرية أم التطبيق ؟