الصلب والترائب: رؤية من داخل القرآن
#الصلب_والترائب
تفسير قوله تعالى : { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴿7﴾الطارق
+18
باسم الله الرحمن الرحيم,
مقدمة : من البديهي القول أنك لو سألت فرداً من قبائل مجاهل الأمازون عن مصدر المَاء المَنَوِي, لأشَارَ لك فوراً إلى !!!!! ...فهذه بديهة يعرفها الغالبية العظمى من بني آدم على مرِّ تاريخهم….
و بالطبع , لا علاقة للماء الذي يكون منه الوَلد , بأي مصدرٍ آخر , على الإطلاق ….
مَبعث هذه المُقدمة المُشفَّرَة , و التي اضطُررتُ اليها مُرغماً , الإشارة الى واقع إضطِراب المُفسِّرين في تفسير الكثير من مفردات القرآن الكريم, بل و اختلافهم شبه الدائم في ذلك, مع تَغلِيبهم الظَنَّ على الدِرَاسة المَنهجِية , في ظِلِّ غياب قواعد تفسيرية أصيِلة من الكتاب تَقُوم على نُورٍ مُبِين ..فابتعدت بهذا الكثير من التفاسير عن المعاني العربية الحقيقية ذات الحركية المَعْنوية ..
ويُعزَى هذا الإنفِصَام عن الواقِع اللسَاني إلى المُدونين الأعَاجِم وحلفائهم … الذين ترك لهم الخُلفاء العباسيون الحَبْلَ على الغَارِب من أجل أن يُقيموا لهم صَرْحاً فِكرياً دينياً تقوم عليه دولتهم الثيوقراطية بعد أن ساعد أسلافهم, من قبل, على إقامة الخلافة العباسية بالقوة العسكرية ….
-{ الصُلب والترائب } تعامل رُوَّاد فترة التدوين , الأعَاجِم , في العصر العباسي مع المُفرَدَتَين كما تعاملوا مع غيرهما ...في اتجاهَين :
١- نقل خلفياتهم الثقافية الحَضَارية , و الدِينية الوَثنِية , إلى " الإسلام " تفسِيراً وفِقهَاً ,لأسباب قومية و إثنية محضَة.
٢ - وَضْعَهم ل أُسُسِ و قواعِد النَحوِ وِفقَ معاني المُفردات الهَجِينة, و التي كانت نتيجة الهَيمنة الثقافية الأعجمية على الأقلية العربية في البلاد المفتوحة , و التي ذابت ثقافياً فيها, خاصةً مع ظهور الأجيال اللاحقة منها ..
وساعد على ذلك التقارب اللسَاني الكبير للعربية مع السِريانية والأرَامية وغيرها من لغات كانت العربية أُمَّها يوماً , قبل النُزوح من جزيرة العرب إلى منطِقة الهلال الخصيب , حاملين معهم الجَذر العَربِي الثُنائِي الحَرف …
كمثالٍ على ذلك ,معاني : { رَجَمَ , ضَرَبَ, تفَثَ } بعيدةٌ في معناها الحقيقي , بُعد السماء عن الأرض , عن المعنى المَعْرُوف المُتدَاول…..
و هنا لا بد من إعادة التذكير بجُزئيَتين أَرْتَكِزُ عليهما في التدبُّر و التفسير..وكنتُ قد ذكرتهما في بحثٍ سابق :
اقتباس :
1-القرآن نَصٌّ حكيمٌ ...وهكذا يجب تدبُّره …. دُون السَهْيِ في ظَاهِره, أو الغَرق في بَاطِنه ….
والنَصُّ الحَكِيم هو نَصٌّ: شدِيدُ الإختِصَار في صِياغَته + كثيفُ المعنى ...ولو كان البحر مداداً للكلمات ومَعَانِيها , لنَفَذَ البَحرُ قبل أن تَنفَذَ تلك المعاني ….
2- التَسمِيَاتُ في القُرآن : الأماكن والأشخاص والأعضاء والأدوات هي تسمياتٌ تَنبُع من خَصِيصةٍ غالبةٍ في المُسمَّى كانت هي وراء التسمية ….ولم تكن المُسمَّياتُ على الإطلاق نابعةً من عشوائيةٍ لسانية ,أي تسمِيات جامدة لا علاقة لها بالمُسمَّى …
وهذا سبب حيوية القرآن الكريم و سِرٌّ عالميته وحركيته الزمانية المواكبة لكل العصور ….حيث تؤتي أكُلها كل حينٍ بإذن ربِّها , الله سبحانه وتعالى….
انتهى الإقتباس ..
-- مثلٌ لسانِيٌ ضَرُورِي يَجِبُ ضَرْبُهُ :
لو سألت أي ناطقٍ بعربية اليوم عن التَطابُق/ التَناقُض البِنَائي والمعنوي بين :
{ الضِعْفُ / الضَعْفُ } , فبماذا سيُجِيب؟
طبعاً, ستجيب الأغلبية بأن لا علاقة جَذرية أو مَعنوِية بين الكَلِمَتَين...وأن كل منهما مستقلةٌ عن الأخرى..
جميل.. فلننظر إلى اشتقاقاتهما :
-- يُضْعِفُ ... الضَعْفُ ...الضَعِيفُ/الضَعِافُ
-- يُضَاعِفُ… الضِعْفُ … الضَاعِفُ/المُضَاعَفَة
ملاحظة : { الضَاعِف } على وَزنِ { الطَاعِم }
البَيَان : { الضَعِيفُ } : هو من يكون في حالة إستِجلابٍ مُستمِر على الأصْلِ القائِم عبر الغِذاءِ و الرِعاية أو الدَعم المُقدَّم له ...أو جميع ما سبَق .
إذاً, من الناحِية العملية, هو بهذا { يُضَاعِفُ } من أصُوله ,أي يَزِيد عليها ...لأنهُ ما زالَ في طَوْرٍ و تطوُّرٍ , وبحاجةٍ لذلك حتى تنتفي الأسبَاب المُوجِبة …
أما { الضَاعِف/ المُضَاعَفَة } فهي عمليةُ مُراكمةٍ مَعطُوفةٍ تِجاه أمرٍ مُحدَّد لزيادة الحَجم أو القِيمَة على الأصْلِ .. إلخ ...
يقول الله تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍۢ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ ضَعْفٍۢ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ قُوَّةٍۢ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ۖ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } الروم 54
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍۢ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ ضَعْفٍۢ قُوَّةً } :
يَتَّصِلُ الجَنِينُ من الصُرَّة عبر المَشِيمة والحَبل السِرِّي ,فيحصلُ على الغِذَاء والأُوكسِجين الضروريان لنموه….إذاً, هي " مُضَاعَفَةٌ " على الأصل القائم بالتَزوِيد المُستَمِر الذي يُؤدِّي بعدها إلى الإربَاء ( النُمُو ) .
لذلك , قوله تعالى : { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا } النساء28,
يُعبِّر عن الحقيقة الوجُودية المُلازِمة للكيانِ البَشَري , فهو في حالة تطلُّبٍ دَعمٍ دائم …وبالتالي فهو لا يحتَمِلُ أي شيءٍ يأتي فوق إِمكَاناتِه ..
و ربُّه الرحيمُ , الله سبحانه وتعالى , أعلمُ به وبما يناسبهُ من تشريعاتٍ تتوافق مع طاقاته...
هذا هو إذاً معنى { الضّعِيف} الحقيقي ….
و كما نرى, لقد جعل المعنى السِياقي الأعْجَمي المُتداوَل { الضَعِيف = الذي لا حَولَ له } من المُستحيل عملياً التفريق بين : { الضَعْفُ < >الضِعْفُ }.
يمكن الإشارةُ أيضاً الى مثلٍ لِسَانيٍ آخَر: { العَظمُ … العَظِيمُ } : فالأولى تَدلُّ على المَادة القاسِية البيضَاء المُغلَّفة باللَّحم, بينما تَدلُّ الثانية على الفَرد ذو القُوَّة والبأسِ الشَدِيدان..
من عَرْضِ المثالَين اللسَانِيين السابقَين كتمهِيد , سيتضِحُ لنا المثلُ اللسَاني المنشُود :
-- العلاقة اللِسَانية بين { الصُلْبُ < > الصَلِيبُ } :
أفعاله : { صَلَبَ , يَصْلُبُ } ..
أسْمَاؤهُ : { صَلِيبٌ - مَصْلوبٌ - تَصَالُبٌ صُلْبٌ } ..
يَعكِسُ حَرْفُ البَاء في { صَلَبَ } ترابُطاً وتبوُّءَاً - مَادياً/ معنوِياً - كما نرى في :
{ رَكِبَ , رَكَّبَ -- عَصَبَ,عُصْبَة -- سلَبَ , السَلْبُ -- أحَبَّ, الحُبٌّ, حُبُوب -- غَصَبَ-- بَوَّبَ,بَابَ } ..
الآيات التي وردت فيها { صَلَبَ } وبعض أسمائه هي :
{ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴿٧ الطارق﴾
{ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴿٢٣ النساء﴾
{ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴿١٥٧ النساء﴾
{ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ ﴿٣٣ المائدة﴾
{ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿١٢٤ الأعراف﴾
{ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ ﴿٤١ يوسف﴾
{ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴿٧١ طه﴾
{ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٤٩ الشعراء﴾
{ التَصلِيبُ } هو تَرَاكُبُ شَيءٍ على آخَر طَرْفِياً مع تَعَامُد وتوازِي جُمْلَةِ الشِيءِ المُتَراكِب مع المُتَرَاكَب عليه…
في عملية { صَلْبِ } المُجرِمين التي كانت تتمُ في العصور القديمة ,كان دقُّ الإِسفِين غالباً ما يكون في مِعصَم اليَدَين ما يؤدي لتصالُب الذراعَين عمُوماً و وأغلبُ وزنِ الجِسم مع العَارِضة الخَشبِية , بينما يُدَقُّ الإِسفِينَين الآخَرين في القدَمَين ليتصالَب بهما جُزءٌ من وَزن الجِسم عُموماً .
طبعاً, هذا يعود بنا للتَذكير ب إحدى قواعد التَفسِير :
{التَسمِيَاتُ في القُرآن : الأماكن والأشخاص والأعضاء والأدوات هي تسمياتٌ تَنبُع من خَصِيصةٍ غالبةٍ في المُسمَّى كانت هي وراء التسمية ….ولم تكن المُسمَّياتُ على الإطلاق نابعةً من عشوائيةٍ لسانية ,أي تسمِيات جامدة لا علاقة لها بالمُسمَّى …}
لقد إستخدم القرآن الكريم هذا الوَصف والخصِيصّة الغالِبة ل { صَلَبَ } == { كان دقُّ الإِسفِين غالباً ما يكون في مِعصَم اليَدَين ما يؤدي لتصالُب الذراعَين عمُوماً } للإشارة لُطْفَاً و مُوّارَبةً ,و بِدُونِ خّدْشٍ للحَيَاء, إلى الوَسَط البَينِي للمَاء الدافِق في آلِية الرَجُل الجِنسِية , حيثُ يَتَصَالُب العُضو الجِنسِيُ لديه طَرْفِياً مع البَدَن كما يبدُوا في الإنتِصَاب , مع تَعَامُد الصَفنُ عليه من الأسفل …
إذاً , وعبر التَوصِيف العُضوِي الوَظَيفي , نَحَا الكَلِم القُرآني ,كعادته, و ذِكْرِ العُضُو الحَسَّاس كوسيطٍ بَينِيٍ - للمَاء الدافِق - إِيمَاءً - عبر ذِكر الخَصِيصة التي تغلُب عليه….
-- { التَرائِب } : التَاء في هذه الكلمة زَائِدة مُقتَحِمة على بداية الفِعل… وهذا من أساليب العربية الرائعة في إحداث توجيه و دفعٍ مُحدَّدِ المَجَال لمعنى الفِعل المُستَخدم : تَ ← رَبَ ….
أمثلة من القرآن الكريم :
{ تَرَبَ - تَرَكَ - تَعَسَ - تَفَثَ - تُرَاث , تِلقَاء→ لِقَاء }
الجَذر الثُنَائِي الحَرْف { رَكَّ } مثلاً , والذي يُعادله في الإنجليزية { rack } :
من اشتقاقاته الثلاثية : رَكَّ + ب = رَكِبَ
رَكَّ + ع = رَكَعَ
رَكَّ + م = رَكَمَ
يقتحم التاء على الثُنائِي { رَكَّ } فيصبح : { تَرَكَ } .. واسمه : { تَرِكَة } ….
من الأمثلة العربية القُرآنية أيضاً لاقتحام التَاء على الفعل , الجَذرُ الثُنائِي : { رَثَّ }
وأفعاله : { يَرِثُ ,أَرِثُ , نَرِثُ } ……
تقتحِم التاء على اسمِه ,فيصبح : { تُرَاث } .
لو أخذنا مثلاً إضافياً , الكلمة : { تَعْسَاً } ,والذي وردت في كتاب الله تعالى ….
جذرها الثُنائي : { عَسَّ } والذي يعني : وِعَائِية تحتوي شيئاً ما حتى حَجْمِه التَام فتُشدِّد القَبْضَ والإِحْكَامَ عليه….
ذُكِرَ هذا الجَذر بالمُضاعَفة { عَسْعَسَ } في قوله تعالى : { وَٱلَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ }التكوير ١٧... ..وهذا من أساليب العربية كما في { زَلزل .. هَدهَد … قَمقَم …. دَلدَل } ...
الكلمة { تَعْسَاً } تَعنِي تَمنِّي و تَوجِيه الضَنْك الذي يَغْشَى شَيئاً ويزيدَ عليه حتى الإحكام الشديد …
بالعودة إلى الثُلاثي ,{ تَرَبَ } , واقتحام التاء في بدايته ….
هذا الثُلاثي يعود في أصوله للجذر الثُنائي { رَبَّ } ,والذي له اشتقاقاتٌ كثيرة :
{ رَبَّى , يُربِي , رِبايَة … الرِبَا … رَبْوة / رَابِيَة… الرَبُّ }
{ رَبَّا/ رَبَّى } : الوصُول في الإِنمَاء الى الذُرْوَة ...
{ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } الشعراء 18
{ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةً وَءَاوَيْنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍۢ ذَاتِ قَرَارٍۢ وَمَعِينٍۢ } المؤمنون 50
{ الرِبَايَة } تَتعلَّقُ هنا ب { الجَسَد } .. وكما نرى , فقد { رَبَّى } فِرْعَون - مُوسى عليه السلام - في قَصْرِه حتى وَصلَ ذُروتهُ, أي السِنُّ الذي لا يَعودُ يكتسبُ بَعدهُ طُوْلَاً.
{ الرِبَا } : تتعلَّقُ هذه الكلمة ب { المَال } والذي يُعبِّرُ عن { مَلَاءَة } قِيمَة وسِعْرِ المَادَّة المُتداوَلة ..
مُلاحظة : أصْلُ واشتِقاقُ ( المَالُ ) هو الجَذر الثُنائي الحّرف { مَلْ}, واشتقاقاتُه , والذي يُعبِّرُ الحَرْفَين المُضافَين في الإشتقاقات عليه, أي { ا, ي } عن الإئْتِلافِية =
1- ( مَلَّ,يُمْلِل, مِلْئُ / مَلاءَة/ إِمْلَاء):الوصُول بالشَيء إلى السِعَة القُصْوَى ,أي تَمامهُ =(مَلائَتهُ ).
2- (مَالَ ,يَمِيلُ ,المَالُ/ المَيْلُ ) : تَوالُف سِعَة الشيء القُصْوَى في اتِّجاه أمْرٍ مُحدَّد..
(المَالُ) طبعاً, (يَمِيلُ ) بالبائِع باتِّجاه بيعِ السِلْعَة …..و كذلك بالنُفُوس باتِّجاه الحَرَام والتَكبُّر ..
عندما يُنَمِّي المَالُ مَالاً آخَر ذُرْوَةً, بالعَلاقَة الغَصْبِية , دون وجُودِ تِجارة بَينِيَةٍ بمواد سِلَعِيَة بين الطرَفَين ...فهذا ما يُطلِقُ عليه القُرآن تسمية { الرِبَا } , لأن الجُهدَ المُنفَق المُنتِج للسِلعَة هو ما يُحدِّدُ وجُود وقِيمَة وتداوُل العِمْلَة النَقدِية أو الوَرَقية من الأسَاس ,وليسَ المَالُ وحدهُ كقيمةٍ خالِصة ..
ولقد عبَّرَت المَعادن الثمِينة عن قِيمَة { الجُهدَ المُنفَق المُنتِج للسِلعَة } ...ثُمَّ تَمَّ استِبدالُهَا بالعِملة الورَقية والمعدَنِية والسَندَات لتجَنُّبِ مُعضِلة حَملِها كوسيلةٍ للدفع , والتي أصبح مقرُّها :البنُوك المَركزية المُصدِرة للعِملة بما يوازِي قِيمَة النِتَاج السِلَعِي للبَلد وموجودات المعادن الثمِينة....
-- { التَرائِب } هي إِسْمٌ جَمعِي للمُفرَد : (تَرِيبَة)...كما في مِثال: ( غّرِيب, غَرائِب ) ..
إشتقاقات الثُلاثِي المُقْتَحَم عليه بِدايةً بالتَاء : { تَرَبَ = تَ رَبَ ) :
-- ( تَرَبَ - يُتْرِبُ - تُرَابْ /أَتْرَابٌ -- تَرِيبَةٌ, تَرَائِبٌ / مَتْرَبَةٌ )
(التُرَابْ ): تُوجِّه الرِيحُ ذرَّات الرِمَال في نِطاقٍ ومسَاحةٍ مُحدَّدان , و ( تُرْبِي ) تلك الذرَّات حتى تُشكِّلَ الكُثْبَان في الصحَارِي , أو ( الطِعْسُ ) كما يُسمِّيهُ أهلنا في جزيرة العَرب. كذلك يُرَى (التُرَابُ ) في البيت لو هُجِرَ مُدَّةً طويلة, حيث يَتكَوَّمُ في زوايا ومناطِق مُعيَّنة حسب التسَرُّبِ الهَوائِي ..
( التَرائِب ) : في جِسم البِنت منذُ ولادتها , مكانٌ ( تُرْبَى ) فيه البُوَيضَاتُ جميعاً بالتوجِية التَكوينِي القَسْرِي ,كما في حال ذرَّاتِ ( التُرَاب ) بالطبع, الكلامُ هنا هو عن المَبِيضَين … كذلك, عندما تَبلُغُ البِنت , و يَظهر عليها الحَيضُ, يبدأُ (إتْرَابٌ) من نوعٍ آخر..وهو (إتْرَابٌ)مُوجَّهٌ وتَكوِينِيٌ أيضاً ,ولكن في اتِّجاهٍ آخر هذه المَرَّة وهو إِنضَاج البُوَيضَاتُ نفسها ,ثم إطلاقُها عبر أُنبُوبِ فالوب ,, بعد انفجِار الحُوَيصِلة ,, مع سَائِلٍ ينضَمُّ الى سَائِلٍ آخَر تُنتِجُهُ خلايا ظَهارِية ضِمن أُنبُوب فالُوب ..
إِقْتِباس :
تولد المرأة بنحو مليون بويضة وتقل إلى 300 ألف عند البلوغ، ثم 25 ألف عندما تبلغ 37 عاما وتصل إلى 1000 فقط عندما تبلغ 51 عاما. ومن بين هذه البويضات لا ينضج سوى ما يتراوح بين 300 و400 بويضة فقط، وتطلقها المبايض- بويضة واحدة في المعتاد شهريا - أثناء عملية الإباضة. ولأسباب غير مفهومة، تموت سائر البويضات قبل النضوج وتتحلل طبيعيا قبل الخروج من المبايض.
ويبدأ الحيض عند معظم الفتيات من 9 سنوات إلى 13 عاما، لكن مبياضهن لا تطلق بويضات إلا بعد عام أو عامين على الأقل من الدورة الشهرية الأولى. وقد يكون بديهيا أن تستنفد المرأة مخزونها من البويضات بعد نحو 33 عاما. وبالفعل، تفقد معظم النساء خصوبتهن قبل انقطاع الطمث بما يصل إلى ثماني سنوات.
هناك نوعان من الخلايا داخل الظهارة العمودية البسيطة لأنبوب فالوب (قناة البيض). حيث تسود الخلايا المهدبة في جميع أنحاء الأنبوب، ولكنها أكثر عددا في القُمع والأمبولة. ويزيد الإستروجين من إنتاج الأهداب على هذه الخلايا. كما تتخلل خلايا وتدية بين الخلايا مهدبة، والتي تحتوي على حبيبات قمية، وتنتج السائل الأنبوبي. ويحتوي هذا السائل على العناصر الغذائية للحيوانات المنوية، والبويضات، والبويضات المخصبة. كما تعمل الإفرازات على تعزيز قدرة الحيوانات المنوية عن طريق إزالة البروتينات السكرية وغيرها من الجزيئات من غشاء البلازما للحيوانات المنوية. }
-- (الصُلب والترائِب ) في البيَان القُرآنِي :
بدايةً, لنلقي نظرةً مًعمَّقةً على الآيات التالية :
{ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ﴿٢٣ النساء﴾
{ أَوۡ إِطۡعَٰمٞ فِي يَوۡمٖ ذِي مَسۡغَبَةٖ (١٤) يَتِيمٗا ذَا مَقۡرَبَةٍ ( ١٥) أَوۡ مِسۡكِينٗا ذَا مَتۡرَبَةٖ (١٦) البَلَد
من الواضح أن الآية ٢٣ من سورة النِسَاء تُخاطِب الرِجَال … لاحِظ أخي القارئ أن الله تعالى لم يَقُل { من أصْلَابكم و ترَائِبِكُم } بل ذكر الأصْلَاب فقط ……
أما في سُورة البلد, فلقد ذَكَرَ { المِسكِين ذُو المَتْربَة } … و { المَتْربَة } ,, المَصْدَرِيَة ,, على صِلةٍ { بالتَرائِب } ...وقبل ذلك , ذكَر { اليَتِيم ذو المَقْربة} ...وهذا بالغُ الدلالة كما سيظهر معنا ..
من هنا ننطلق الى مُلاحظاتٍ هامَّة حول ما سَبق من تَعرِيفات , وحول الآيات الكريمة في سُورَتَي :النِسَاء و البَلَد :
١- (الصُلْبُ ) هو المَصدر البَيْنِي المُرورِي/العُبُورِي ل مَاءِ الرَجُل …. وليس المَصْدَر المُنتِج ….و مَاءُ الرَجُل لوحده لن يكون منه المَولُود ...بل يحتاجٌ بِضْعَةً من مَاءٍ آخر … و ذِكْرُ الصُلْبِ في سُورَة النِسَاء هو لتوكيد انتساب المولُود لوالده, عبر الرَمْزِية , ليس إلا….
٢-( التَرَائِبُ ) هي المَصْدَر { الرئيسِي } + البَينِي لماء المرأة… … لأنَّ تقدير الآية هو :
{ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ { من} التَّرَائِبِ { و بَيْنِها } ...
٣ - تُستخدم { المَتْرَبَة } كَ بَيَانٍ لِ صِلَةِ القَرابة ,, بشكلٍ رَمْزِي ,, بين فَرْدٍ و آخَر من ناحية الأُم فقط ... أي كونهما من نَفْسِ مَْصدَرِ البُوَيضَة = باعتِبار البُوَيضَة حَامِلةً ل صِفات الأُم الوِرَاثِية …. مع اختلاف الوَالِد هنا …
أمَّا وَصْفُ صِلَة القَرابَة التي تربِط المُنْتَمِين ل { نفس الوالِدَين } , فهي صِلةُ الأرْحَام حيث تَغرُز البُوَيضَة المُلقَّحة وتَرْبُوا جَنِينَاً ...
بالنسبة ل ضَرْبُ الصِفتَين في الآيَات القُرآنية في سُورَة البَلَد { مِسْكين, يَتيم } مع :
١- { ذا المقرَبة } : فذلك لكونها أساساً صِلَةً ذات رَمْزِية { صُلْبِيَة } , أي أنَّ الصِلَة هنا هي من ناحية الوَالِد فقط , وذلك لكون ماء الوَالِد هو المُحدِّد لجنس المولود...وهذا أعلى و أقرَب من الصِلة التَرائِبية …. فكان الترتيب : { ذَا مَقۡرَبَةٍ } ..ف يَلِيه : { ذَا مَتۡرَبَةٖ} .
إِذاً, ذُو المَقْرَبَة هو قريبُك من نَاحِية وَالِدك .... أي أَخُوك/ أُختُك, لكن من زَوجةٍ أُخرى ….
٢- { ذُو المَتْرَبَة } هو أَخُوك/ أُختُك من ناحية الوالِدة ..ولكن من زَوْجٍ اخَر ….
إذاً, تُشدِّدُ الآيَاتُ القُرْآنِية على التَعاضُدِ والتَراحُمِ والدَعْمِ في وَقْتِ الأزَمَات مع الجَميع وعَبْرَ البَابِ الواسع عبر ذِكر صِلَتَيْ { القَرابَة, المَتْرَبَة } كنموذجَين ذوا رَمْزيةٍ كبيرة ...لا مِثالَين جامِدَين للإتِّباع ….
يبقى مثلٌ أخيرٌ للبَيَان, لكن في بحثٍ لاحِق, إِنْ شاء الله تعالى , وهو صِفَة ( أتْرَابَاً ) ,التي اقتَرنَت
مع الحُور العِين ...و هُنَّ خَلْقٌ آخَر لا يَمُتُّ للنِساء والجِنسِ بِصِلَة…
الآياتٌ البَيِّناتٌ التي وَرَدَتْ في القُرآنِ الكَريم حَوْل َ( تَرَبَ ) وإشْتِقاقَاتِه ..
{ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ﴿٥٩ النحل﴾
{ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ ﴿٢٦٤ البقرة﴾
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ﴿٥٩ آل عمران﴾
{ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴿٥ الرعد﴾
{ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ﴿٣٧ الكهف﴾
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ﴿٥ الحج﴾
{ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ﴿٣٥ المؤمنون﴾
{ قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴿٨٢ المؤمنون﴾
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ﴿٦٧ النمل﴾
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴿٢٠ الروم﴾
{ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ﴿١١ فاطر﴾
{ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴿١٦ الصافات﴾
{ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿٥٣ الصافات﴾
{ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ﴿٥٢ ص﴾
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴿٦٧ غافر﴾
{ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴿٣ ق﴾
{ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴿٣٧ الواقعة﴾
{ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴿٤٧ الواقعة﴾
{ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴿٣٣ النبإ﴾
{ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴿٤٠ النبإ﴾
{ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴿٧ الطارق﴾
{ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ﴿١٦ البلد﴾
والله تعالى أعْلَم
اجمالي القراءات
3091