قصة الخلق

نهاد حداد Ýí 2017-02-26


قصة الخلق .. بقلم د. مصطفي محمود

صباح الخير
نشر في صباح الخير يوم 14 - 09 - 2010
مبدأ الخليقة وكيف كان.. وميلاد الأرض والقمر والشمس والنجوم كيف حدث.. وكيف خطا علي الأرض أول إنسان ومن أين جاء؟ كل هذه أمور خاضت فيها العلوم وكانت لها في شأنها نظريات وشواهد وبراهين.
علوم البيولوجي والإنثروبولوجي والفلك والكيمياء العضوية والجيولوجيا والتطور الذي أصبح الآن علماً قائماً بذاته.. وعلم الأجنة.. وعلم التشريح.. مجلدات ومجلدات.. وكلام كثير لا يمكن أن نكون بمعزل عنه ونحن نقرأ ما يقوله القرآن عن قصة الخلق.. فما قام الدين أبداً منعزلاً عن الحياة ولا قام ليعادي العلم بل إنه قام ليقدم لنا منتهي العلم.. وليقودنا إلي اليقين في مقابل الشك والاحتمال والترجيح.. جاء ليقول كلمة أخيرة.. فلا يمكن أن نخوض في كل شيء..
ودون أن نثير القضية كاملة برمتها علماً وديناً وفلسفة وسياسة.
وهذا يردني إلي كتابين كتبتهما وقدمت فيهما الأشكال جملة وتفصيلا هما.. لغز الموت.. ولغز الحياة.
ولا يمكن أن أعود فأكرر ما قلته فيهما.. ولذا سأكتفي بسطور أعود فأثيرها حتي لا يضيع منا السياق وحتي أربط معي القارئ في الفكرة الكلية.
أعود إلي الحياة.. وإلي مبدئها.
وألتقط دارون أبا التطور ليروي لنا رؤيته عن مسيرة الحياة وهي الرؤية التي غيرت فكر الدنيا.
في رحلة حول العالم في الباخرة بيجل مضي دارون يجمع العينات من البر والبحر.. تحت الماء ومن فوق الماء ويدرس ويتأمل ويدون ويجمع ملاحظاته عن الأحياء في جميع أرجاء الأرض، ولاحظ داروين عدة ملاحظات.
أن الحياة تتلون وتتكيف وتغير من تكوينها لتتلاءم مع بيئتها علي الدوام. الإنسان في المناطق القطبية، سمين مكتنز بالدهن تماما مثل الحوت ليٍقي نفسه غائلة البرد.. والدببة مغطاة بالمثل بمعاطف من الفراء.. بينما هو في المناطق الإستوائية الحارة نحيل هزيل أسود وكأنما اخترع لجلده مظلة لتقيه الشمس.
سحالي الكهوف التي تعيش في الظلام لا وظيفة عندها للبصر.. ولا للألوان.. ولهذا فهي عمياء وبلا لون.. بينما سحالي البراري حادة البصر وملونة.
أفواه الحيوانات اختلفت وتباينت حسب وظائفها.. فم مزود بأسنان خنجرية تقطع وتمزق مثل النمر.. وفم مزود بمنقار يلتقط مثل الطير وفم مزود بخطاف يتشبث كما دودة الانكلستوما التي تمسك بجدار الأمعاء.. وفم مزود بخرطوم يمص كما في الذبابة.. وفم مزود بإبرة تحقن كما في البعوضة.. وفم مزود بمناشير وطواحين تطحن وتقرض كما في الحشرات القارضة.
هل الحكاية أن الحيوانات أصلها واحد.. ثم تطور هذا الأصل وتباين واختلف إلي هذه الفصائل المتباينة بسبب تباين الظروف والبيئات.. الحيوانات التي دبت علي الأرض طورت لنفسها أرجلاً.. والتي نزلت إلي البحر تحورت فيها الأرجل إلي زعانف. والتي طارت في الجو تحورت فيها الأطراف إلي أجنحة.
إذا كان هذا الاستنتاج صحيحا. فلابد أن يكشف لنا التشريح تشابها في بنية الجميع. وهذا هو ما قاله المشرط بالفعل.
ففي الثعبان الذي بلا أرجل يكشف التشريح عن أرجل ضامرة مختفية في هيكله العظمي. والطيور التي تبدو وكأن لها زوجاً واحداً من الأطراف يكشف التشريح أن أجنحتها هي الزوج الثاني من الأطراف تحور ليلائم وظيفته الجديدة.
الأسماك التي تدب علي الأرض وتتنفس برئات يكشف التشريح عن أن رئاتها هي نفس كيس العوم تحور ليلائم وظيفة التنفس الجديدة.
زعانف السمك الأربع هي نفس الأطراف الأربعة متحورة إلى ما يشبه المجاديف. عدد أصابع اليد والقدم فينا خمسة وفي القرود خمسة وفي الفئران خمسة وفي السحالي خمسة، حتي الوطاويط لها خمسة أصابع ضامرة.
القلب والدورة الدموية تسير علي خطة واحدة في الحوت كما في الفأر، كما في القرد كما في الإنسان كما في الوطواط.. نفس الشرايين لها نظائرها في كل نوع، والقلب هو دائما نفس القلب بغرفه الأربع.
والجهاز العصبي الذي يتألف من مخ وحبل شوكي وأعصاب حس، وأعصاب حركة، هو نفس الجهاز العصبي في الكل.
والجهاز العضلي بعضلاته والهيكل العظمي بعظامه عظمة عظمة.. كل عظمة لها نظيرها مع اختلافات طفيفة في الشكل لتلائم الوظيفة في كل حيوان.
والجهاز التناسلي نفس الخصية والمبيض وقنوات الخصية والمبيض والرحم في كل حيوان. وفترة الحمل عندنا تسعة أشهر، وفي القرود تسعة أشهر وفي الحيتان تسعة أشهر.. حتي فترة الرضاعة في الجميع سنتان.
ثم خبطة أخري: يكشف التشريح في الهيكل العظمي للإنسان نفس فقرات الذيل التي في القرود، وقد تدامجت والتحمت لانعدام وظائفها.. حتي عضلات الذيل قد تحورت إلي قاع متين للحوض. وفقرات الرقبة في الإنسان عددها سبع وفي الزرافة برغم طول رقبتها أيضا سبع وفي القنفذ سبع.
وخبطة ثالثة: يمر الجنين في رحم أمه وهو يتخلق علي مراحل.. في مرحلة يكون أشبه بسمكة وتكون له خياشيم.. وفي مرحلة أخري ينمو له ذيل ثم يضمر.. وفي مرحلة ثالثة يتغطي بالشعر تماماً كالقرد ثم يبدأ الشعر ينحسر عن جسمه تاركا مساحة صغيرة عند الرأس. لقد فضح الجنين القصة.. وكشف لنا أصلنا الذي انحدرنا منه.
والمشرط وهو يعبث خلف الأذن البشرية اكتشف شيئاً آخر. فها هي ذي نفس عضلات الأذن التي كانت تحرك آذان أجدادنا الحمير وقد تليفت وضمرت حينما لم تعد لها وظيفة.. وحينما اتخذت آذاننا أشكالاً تغنيها عن الحركة.
ثم هاهي ذي الحفريات تكشف عن جماجم بشرية ذات شكل قردي في الترنسفال وبكين وجاوة ونياندرتال وبعض هذه الجماجم وجدت في كهوف عثر بها علي بقايا خشب متفحم في مواقد تدل علي أن أصحاب هذه الجماجم قد اكتشفوا النار واستخدموها منذ ملايين السنين. لم يبق إلا أن يكتب دارون نظريته في أصل الأنواع.
بل إن النظرية لتكتب نفسها فنقول إن الأنواع انحدرت كلها من أصل واحد تباين واختلف إلي شجرة من الفصائل والأنواع نتيجة تباين الظروف والبيئات.
وابتكر دارون لنفسه تفسيراً.. فقال إن الترقي حدث بحوافز داخلية وبدون يد هادية من خارج.
مجرد صراع البقاء كان الغربال.
كان التزاوج يلقي بتصانيف وتواليف. التواليف التي خرجت إلي الحياة بأرجل مبططة كانت أصلح للعوم واستطاعت أن تستمر في الحياة المائية والحيوانات المائية الأخري التي حافظت علي التصنيف القديم للأرجل البرية ماتت.
وهكذا عاش الأصلح ومات الأقل صلاحية.. وحدث الترقي الذي نراه تلقائيا بمجرد الحوافز الحياتية المادية.
وقامت الزوبعة علي دارون.
ومضت سنون وسنون من التمحيص وإعادة النظر.. وعاش من نظرية دارون بعضها ومات بعضها. حكاية أن الأنواع انحدرت من أصل واحد وأنها تباينت إلي شجرة من الفصائل والأنواع نتيجة تباين الظروف والبيئات.. كانت احتمالا مرجحا أقرب إلي الصحة تقوم عليه الشواهد.. فالوشيجة العائلية تربط كل الخلائق بالفعل.. والتشريح يقول أنها ترتبط ببعضها بعضا بصلة رحم وقربي.
أما حكاية أن الترقي حدث بالحوافز الحياتية وحدها وبدون يد عادية فلم تعد مقنعة.. وسقطت من غربال الفكر المدقق المحقق.
فلماذا يخرج من عائلة الحمار شيء كالحصان مع أن الحمار أكثر جلداً واحتمالاً.. وبأي حوافز يتطور من عائلة الوعل شيء كالغزال وهو أرهف وأضعف وأقل جلداً من الوعل.. وبالمثل الفراش الملون الرقيق أبطأ وأضعف وأقل قدرة من الزنبور الطنان الغليظ الشكل.. والحمام واليمام والطواويس والعصافير الملونة أكثر رهافة وتهافتا من الصقور والحدادي والنسور.
ونشوء هذه الأنواع لا يمكن أن يفسره قانون بقاء الأصلح وإنما قانون آخر هو بقاء الأجمل. أجمل في عين من؟
يقول المعلق الخبيث.. أجمل في عين بعضها بعضا.. الذكر فيها يختار الأنثي الأجمل.. إنه انتقاء جنسي.. إننا مازلنا أمام الحوافز الحياتية المادية.
وهو قول مردود عليه.
فلماذا يختار الذكر الأنثي الأجمل؟
إن القضية مازالت تطرح نفسها..إن الجناح المنقوش ليس أصلح للطيران من الجناح السادة.. لا توجد مصلحة حياتية هنا.. وإنما هنا قيمة جمالية عليا تفرض نفسها علي جميع الحوافز.. هنا عقل الفنان المبدع الذي يجمل مخلوقاته.. نلمس آثاره في ورق الشجر وألوان الزهر وأجنحة الفراش وريش الطواويس.
كما نقف مذهولين أمام بعض الأشجار الصحراوية إذ نجد أن الطبيعة خصتها ببذور مجنحة لتطير محلقة تقطع أميال الصحاري الجرد لتجد فرصها القليلة في الماء.. أو نتأمل بيض البعوض فنكتشف أنه يملك أكياسا هوائية للطفو، ليعوم في الماء ولا يغرق.. كل هذا لا يفسره إلا عقل كلي يفكر ويهندس لمخلوقاته فلا أشجار الصحاري تعقل لتزود بذورها بأجنحة ولا البعوض يعرف قوانين أرشميدس في الطفو ليزود بيضه بوسيلة للعوم.
هذه أمور تعجز أمامها نظرية دارون تماما ولا يفسرها إلا عقل كلي شامل يهندس الوجود ويصممه تصميما وينشئه إنشاء.
ولنشرح هذا الكلام أكثر سوف نتصور حكاية خيالية افتراضية.. سوف نتصور أننا نعاني نقصا خاصا في حاسة البصر.. وهو نقص يجعلنا نري الآلات المختلفة دون أن نري صانعها.. وهكذا سوف نري عربة اليد والعربة الكارو والعربة الحنطور والسيارة والقطار والديزل دون أن نري الإنسان.. وسوف نقول أن هذه أشياء تطورت من بعضها البعض علي سلسلة من المراحل، وسوف ندلل علي سلسلة ذلك بما بينها من تشابه في أنها من مادة الحديد والخشب والجلد وتتركب من جسم وعجلات.. وبين السيارة والديزل والقطار سوف نري أن هناك موتوراً يتألف من سلندر وبستم، مرة يشتغل بالبنزين ومرة بالبخار ومرة بزيت الديزل.
ولأننا لا نري الصانع الذي صنعها جميعا فسنقول أنها تطورت بعوامل داخلية فيها.. نتيجة صراعها مع البيئة وبقاء الأصلح بعد معارك البقاء الطويلة.
وسوف ننكر العامل الخارجي لأننا لا نراه.
فنحن نري أنها تتحرك بمحرك داخلي فيها.
وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه دارون في نظريته عن النشوء والارتقاء حينما قال أن عوامل التطور هي عوامل داخلية وأن الحياة تتقدم بحوافز باطنة دون يد هادية ترشدها.. تتقدم بفعل الآليات المادية داخلها.. لمجرد أنه لا يري يد الصانع الخالق المهندس وهي تهندس وتخلق. نحن إذن أمام نظرية اكتشفت الوشائج العائلية بين أسرة الأحياء من نبات وحيوان وإنسان ولكنها لم تستطع أن تفسر لنا كيف حدث الترقي بينها.
فإذا انتقلنا إلي كلام العلم عن مبدأ الحياة.. فنحن أمام إجماع بأن الحياة بدأت من الماء.. من ماء المستنقعات الذي تختمر فيه المادة وتتحلل وتتركب بقوة غير معروفة إلي الشكل الأول للحياة.. البروتوبلازم.. لا أحد يعرف كيف نشأ من الماء والتراب.
فإذا جئنا إلي مبدأ الكون كله.. بنجومه وشموسه وكواكبه فنحن أمام إجماع من علماء الفلك بأن كل شيء نشأ من الهواء.. من سحب الغاز والتراب الأولية.
تكاثفت هذه السحب من الغاز والتراب بفعل الجاذبية بين ذراتها إلي أنوية في الوسط هي الشموس وإلي تكثفات أصغر حولها هي الكواكب.
هذا مبلغنا من العلم في قضية الخلق في عرض سريع موجز.
فماذا قال القرآن حينما تعرض لهذه القضية منذ 14 قرناً من الزمان. وماذا جاء علي لسان ذلك النبي الأمي الذي لم يكن يعرف لا هو ولا قومه ولا عصره معني كلمة بيولوجيا وجيولوجيا وكيمياء عضوية وعلم أجنحة وتشريح وانثروبولوجيا.
القرآن له أسلوبه المختلف عن كل الأساليب.. وهو حينما يشير إلي مسألة علمية لا يعرضها كما يعرضها أينشتين بالمعادلات، ولا كما يعرضها عالم بيولوجي برواية التفاصيل التشريحية.. وإنما يقدمها بالإشارة والرمز والمجاز والاستعارة واللمحة الخاطفة والعبارة التي تومض في العقل كبرق خاطف.. إنه يلقي بكلمة قد يفوت فهمها وتفسيرها علي معاصريها.. ولكنه يعلم أن التاريخ والمستقبل سوف يشرح هذه الكلمة ويثبتها تفصيلاً. «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق» والله يقول عن كلامه:
«وما يعلم تأويله إلا الله»
ويقول عن القرآن:
«ثم إن علينا بيانه»
أي أنه سوف يشرحه ويبينه في مستقبل الأعصر والدهور.
فماذا قال القرآن عن قصة الخلق؟
إنه يقول عن الله في البدء الأول:
«ثم استوي إلي السماء وهي دخان».
في البدء كان شيء كالدخان جاء منه الكون بنجومه وشموسه.
«يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل»
وهي آية لا يمكن تفسيرها إلا أن نتصور أن الأرض كروية والليل والنهار كنصفي الكرة ينزلق الواحد منهما علي الآخر بفعل دوران هذه الكرة المستمر.. بل إن استعمال لفظ «يكور» هو استعمال غريب تماماً.. ويفرض علينا هذا التفسير فرضاً.
«والقمر قدرناه منازل حتي عاد كالعرجون القديم»
والعرجون هو فرع النخل القديم اليابس لا خضرة فيه ولا ماء ولا حياة وهو تشبيه حرفي للقمر الذي لا خضرة فيه ولا ماء ولا حياة.
«لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون» بل إنه يصف الفضاء بأن فيه طرقاً ومجاري ومسارات.
«والسماء ذات الحبك». والحبك هي المسارات.
ويقدم فكرة الحركة الخفيفة من وراء السكون الظاهر.
«وتري الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب»
وتشبيه الجبل بسحابة هو تشبيه يقترح علي الذهن تكوينا ذريا فضفاضا مخلخلاً وهو ما عليه الجبل بالفعل فما الأشكال الجامدة إلا وهم، وكل شيء يتألف من ذرات. «ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض» وهو بذلك يشرح دورة المياه الجوفية من السماء إلي سطح الأرض إلي جوفها إلي خزانات جوفية ثم إلي نافورات وينابيع تعود إلي سطح الأرض من جديد.
ثم يأتي ذكر الحياة:
«وجعلنا من الماء كل شيء حي».
«والله خلق كل دابة من ماء».
«أكفرت بالذي خلقك من تراب».
«وإذ قال ربك للملائكة أني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون» والحمأ المسنون هو الطين المنتن المختمر. فهو مرة يذكر أن الحياة خلقت من الماء ومرة يذكر أنها خلقت من تراب ثم يعود فيخصص ويقول من الطين أو علي وجه الدقة الماء المنتن المختمر المختلط بالتراب.. وهو اتفاق غريب ودقيق مع اكتشافات العلم بعد ألف وأربعمائة سنة.
وفي سورة الأعراف يروي بتفصيل أكثر:
«ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين»
وفي هذه الآية يحدد أن خلق الإنسان تم علي مراحل زمنية «خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم» والزمن بالمعني الإلهي زمن طويل جداً.
«إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون».
وفي مكان آخر: «تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة» هذه إذن أيام الله.. وهي شيء كالآباد والأحقاب بالنسبة لنا، فإذا قال الله خلقناكم ثم صورناكم.. ثم اكتملت الصورة بتخليق آدم فقلنا للملائكة اسجدوا لآدم.. معني هذا أن آدم جاء عبر مراحل من التخليق والتصوير والتسوية استغرقت ملايين السنين بزمننا وأياما بزمن الله الأبدي «وقد خلقكم أطواراً».. ومعناها أنه كانت هناك قبل آدم صور وصنوف من الخلائق جاء هو ذروة لها «هل أتي علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكوراً» أشار إلي مرحلة بائدة من الدهر لم يكن الإنسان يساوي فيها شيئا يذكر.
«وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم».
هنا ربط القرآن بين جميع المخلوقات في وشيجة عائلية واحدة.. إنها كلها أمم أمثالنا.
«يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث».
ويكشف لنا الخلق داخل الرحم، فيصفه بأنه يتم علي أطوار.. خلقا من بعد خلق.. وأنه يجري داخل ظلمات ثلاث.. والظلمات الثلاث، هي ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة الغلاف الأمنيوسي.. كل غرفة منها داخل الأخري.. والجنين في قلبها، وهي حقائق تشريحية.
كيف جاء القرآن بهذه الموافقات التي اتفقت مع نتائج العلوم والبحوث والجهود المضنية عبر مئات السنين؟ مصادفة؟!
وإذا سلمنا بمصادفة واحدة فكيف نسلم بالباقي؟
وكيف يخطر علي ذهن نبي أمي مشكلات وقضايا وحقائق لا يعرفها عصره.. ولا تظهر إلا بعد موته بأكثر من ألف وثلاثمائة سنة.
وإذا أخذنا بالتفسير الغربي الملحد الذي يري في ذلك الكلام الذي يجيء علي لسان محمد صورة من نشاط عقل باطن انفتح تماما علي الحقيقة المطلقة.. إذا قلنا هذا فقد اعترفنا اعترافا مهذبا جداً وعلمياً بالوحي.. فما الحق المطلق سوي الله وما الانفتاح علي الله والاتصال به إلا الوحي بعينه.
ولكن القصة لم تنته.
إن القرآن يزودنا بما هو أكثر من كل ما قاله العلم.. فيطلعنا علي بعض الغيب.. لقد اختص الله آدم بشيء شرفه به علي جميع عائلته.
«فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين»
لقد اختار الله آدم من أرقي فرع في شجرة الخلق ثم نفخ فيه الضمير وسخر الملائكة والجن لخدمته. شأنه شأن نبي مختار يجري علي يديه المعجزات كما فعل مع سليمان ومع عيسي ومع موسي.
وأكاد أتصور هذا النبي الأول علي الأرض كما نعيش نحن علي الأرض وقد انفتحت بصيرته بفعل هذه النفحة الإلهية فإذا به يري عالم الملك كما نراه ويري بالإضافة إليه عالم الملكوت بما فيه من غيب مغيب لا نراه.. ملائكة وجن.. الكل يخدمه من جلاب لغواص كما تروي الكتب المقدسة عن سليمان.
وقد صدع الكل بالأمر فتسابقوا لخدمة ذلك النبي الأول ماعدا واحداً من الجن هو إبليس كان ذا كبرياء وصلف وتجبر فرفض الأمر الإلهي.
«أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين»
إنه لم يدرك حكمة الله في تشريف ابن الطين.. ولكن الله وحده كان يعلم أن آدم سوف يتعذب نتيجة خلقته المتصارعة من التراب ومن الروح وأنه سوف يعاني عناء هائلاً ويتمزق بين رغبات جسده الهابطة وسبحات روحه وضميره المتعالية.
«لقد خلقنا الإنسان في كبد»
أي في مكابدة مستمرة وصراع وعناء وشقاء دائم.
ولهذا أسجد الله له الملائكة وسخرهم لخدمته وحفظه وصيانته.. لأنه علم كم سيتعذب ذلك المخلوق الذي له جسم الطين وروح الله ولكن إبليس في كبريائه وغروره وتجبره فاتته هذه الحقيقة ولم يذكر إلا أنه خلق من نار وأن آدم خلق من طين وأنه خلق قبل آدم.
«والجان خلقناه من قبل من نار السموم»
أي من نار صافية بلا دخان.. أو من الطاقة الخالصة ذاتها ولذلك اندلعت نار الغيرة والعداء بين إبليس ونسله وبين الإنسان ونسله.. لا يهدأ لها أوار إلي يوم البعث. واشترط الله علي آدم شرطا واحدا لتدوم له هذه النعمة هو ألا يأكل هو وزوجته من الشجرة.
«ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة»
ها نحن أولاء أمام مخلوق وهبه الله طبيعة مزدوجة.. فهو روح منفتحة علي الملكوت يستطيع أن يعيش هو وزوجته متعة الروح وزواج الروح فيكون له الخلود بدون حاجة إلي نسل.. وهو في الوقت ذاته جسد يمكنه أن يختار متعة الجسد وزواج الجسد فيتجدد في شجرة النسل مثل أسلافه من الحيوانات «وهذه هي الشجرة». وقد خيره الله في أن يختار الدخول في طاعته فيكون شأنه شأن النجوم في أفلاكها تجري علي نواميس الله الموضوعة وتسلم نفسها لسننه أو يكون حراً مسئولا فيحمل الأمانة.
«إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا».
ولأن الله علم مخاطر هذه الأمانة.. وأنها سوف تلقي بالإنسان في مهالك الغرور وأنه لا قبل له بحملها.. فإنه لطفا منه ورحمة أمره بألا يأكل من الشجرة لتدوم له الجنة (جنة الطاعة والإسلام للناموس الإلهي).
ولكن الإنسان اختار أن يكون حراً مسئولا وأن يخرج علي الأمر الالهي وهكذا وقع عليه التكليف وأصبح محاسبا منذ تلك اللحظة.
وأكل من الشجرة.. (خالط زوجة بالجسد).. فهبط بذلك إلي حيوانية أسلافه.. واقتضي هذا الهبوط أن يحجب الله آدم عن الملكوت فانطمست بصيرته فما عاد يري الملائكة.. وأصبح عليه أن يعرق ليأكل وأن يتعذب من مخاض الميلاد إلي حشرجة الموت.
ومما يدل علي أن الشجرة رمز للجنس مايروي القرآن عن آدم وحواء بعد تذوق الشجرة وكيف بدت لهما سوءاتهما.. (والسوءة هي العورة) وكيف طفقا يغطيانها بأوراق الشجر خجلا.. والخجل من الأعضاء التناسلية لا يأتي إلا بعد تذوق اللذة منها، ولهذا لا يخجل الطفل من أعضائه التناسلية ولا يغطيها بينما يخجل البالغ حتي من ذكر اسمها.. ثم نري القرآن يخاطبهما بعد تذوق الشجرة علي أنهما جمع.. فيقول: «اهبطوا بعضكم لبعض عدو» بينما كان الخطاب في نفس الآيات قبل الخطيئة هو خطاب إلي مثني.
«فكلا من حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة»
ومعني هذا أن الاثنين أصبحا ثلاثة.. وأن الأكل من الشجرة قد أدي إلي الحمل.. وفي سورة طه: «اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو» وهو خطاب إلي مثني وجمع في نفس الوقت وفي نفس العبارة.. ولا تفسير لذلك إلا أن يكون الاثنان هما في ذات الوقت جمع.. وأن الأكل من الشجرة أدي إلي التكاثر.
وكلمة «اهبطوا» في الآيات لا تعني الهبوط من السماء إلي الأرض وإنما الهبوط في الدرجة من رتبة التفضيل والانفتاح علي الملكوت.. إلي رتبة الانغلاق علي الحواس الأرضية المحدودة.
ويبدو أن قصة الخلق حدثت كلها علي الأرض.. وفي الأرض يكون الموت.. ومنها البعث.. وأن الجنة التي كان فيها آدم كانت مجرد حديقة وارفة الظلال.. وكلمة الجنة تعبير مجازي عن الرتبة العالية الملكوتية التي كان فيها آدم قبل المعصية.. أو هي مجرد وصف للحديقة الغناء.
«فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه».. لقد تاب الله علي نبيه الأول وغفر له معصيته ووعده بإرسال الأنبياء والرسل لهداية أبنائه.
لقد علم الله ما ستؤدي إليه الحرية بهذا المخلوق التعس فكفل له أسباب التنوير.
والله في القرآن «رب» بمعني مرب وراع ومعلم وهاد رؤوف رحيم ودود يعني بمخلوقاته ويخلق لها الحيل والأسباب ويوفر لها الأرزاق.
ويشرح لنا القرآن أن الخلاص علي الأرض ممكن، وذلك بأن يفطن الإنسان إلي الخطأ ويعود إلي الجنة التي ضيعها أبوه.. جنة الطاعة والاستلام للنواميس الإلهية.. وهذه هي الإنابة والرجعة التي تتكرر في كل صفحة في القرآن.. أن يفطن الإنسان أنه لا يملك إلا ضميره.. (قدس الأقداس الذي تركه الله حراً بالفعل) فيسلمه خالصا لله ويتجه به مختارا طائعا.. وقد وكل أمر نفسه إلي خالقه وخضع لنواميسه.. يفعل هذا وقد أدرك أن مشيئة الله واقعة إن طوعا وإن كرها.. وأن الله هو الخالق المهيمن علي جميع الأسباب وأنه هو الوحيد الذي يملك الهداية والعلم والقدرة.
ويحدثنا القرآن في قصة الخلق عن السماوات السبع:
«الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن»
«الذي خلق سبع سماوات طباقا»
«وقد خلقنا فوقكم سبع طرائق»
والسماوات السبع سر لا يفهمه العلم ولكن هناك أمر مثير للتأمل. أن يكشف لنا العلم مثلاً أن الضوء سبعة ألوان هي ألوان الطيف وسبع درجات من الأطوال الموجية من الأحمر إلي البنفسجي ثم يعود فيتكرر السلم في سبع درجات أخري من تحت الأحمر لفوق البنفسجي.. وبالمثل السلم الموسيقي سبع درجات ثم تعود الثامنة فتكون جوابا للأولي وهكذا تتكرر النغمات سبعات سبعات.
هل معني هذا أننا سوف نكتشف يوما ما أن الوجود مرتب في سبع درجات في جميع حالاته.. وأن هناك سلما يكرر نفسه من أسفل سافلين إلي أعلي عليين.. سبع سماوات وسبع أرضين.. مثلما للضوء سبع درجات والألوان سبع درجات والأنغام سبع طبقات هذا مجرد احتمال.. ولكنه يشير إلي أن ما في القرآن من أسرار لا يمكن المرور بها مروراً هيناً.. وإنها تحمل مدلولات غاية في العمق.
وما أكثر ما سيكشف لنا المستقبل من طلاسم ذلك الكتاب المعجز العجيب.
د. مصطفي محمود 
اجمالي القراءات 9806

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   ليث عواد     في   الأربعاء ٠١ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[85177]

مفهوم التطور عند المؤمن و الملحد


سبحان الذي خلق اللأزواج كلها مما تنبت الأرض و من أنفسهم و مما لا يعلمون.

اذن الأزواج تخلق من الأزواج و من الأرض و مما لا نعلم.



اذا لم تدل هذه على النطور فلا أدري ما الذي يدلل عليه.

لكن و للأمانة و في كل مرة أقف فيها أما الطلب أشرح شيئا عن الخلية و مدا دقتها و كيف تخزن المعلومات في الحمض النووي و كيف يتحول الترتيب النووي لبروتينات  و كيف يكون لكل بروتين هذه و مهمة أقف مذهولا من شدة تعقيد الخلق و أقول غن لم يدل هذا على الخلق و عظمته، فعلى ماذا يدل.



الأمر بسيط و اليمان ليس سهلا و اللحاد له ناسه و أهله و لو جئت هؤلاء بكل آية لن يتبعون قبلتك و منهاجك.

حاورناهم في مفهوم المهام المعقدة الغير مختزلة، فقالوا مسالة وقت و كل شيئ سيظهر.

حاورناهم عن وجود معلومات في الحمض النووي من وضعها هناك و كيف صارت بهذا الشكل، قالوا الحمض النووي له أكثر من مهمة و ليس أولها حفظ المعلومات.

أنا متيقن أنهم غير مقتنعون تماما بما يقولون و لكنه العناد.



جاء أحد العلماء و ألقى محاظرة عن الفلاجيلوم في البكتيريا و أنه يحتاج لستة و ثلاثين حمضا أمينيا حتى تتم مهمته و لو غاب حمض واحد فلن تكون له أي مهمة و أن هذا يثبت عكس ما ذهب ليه داروين من مبدأ الالنشوء و الرتقاء، حيث يقفد العضو وضيفته ذا تم ختزاله لأقل درجة، فما هي وظيفته قبل هذا.



العالم كان متقدما لوظيفة في الجامعة كاستاذ، فتم رفضه لأنه شكك قليلا في مفهوم التطور الدارويني.



و أنا أقول أن داروين ليس على حق و أن مفهوم التطور أكثر تعقيدا من أن يفهمه داروين و غيره و أن نظريته قد تكلم في مثلها أخون الصفا و فلاسفة الاغريق، فهو لم يأتي بجديد و للعلم قفط فأن معظم أفكاره لم تكن منه بل من صديق Albert wallace.، يعني هو لم يكن سوى لص.

و ن كان حقا كذلك فأنا لا أحترمه.

 



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-05-04
مقالات منشورة : 132
اجمالي القراءات : 1,400,701
تعليقات له : 107
تعليقات عليه : 547
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt