تعقيب على د. حسن أحمد عمر والأستاذ شريف هادي
السادة الأفاضل الدكتور/ حسن أحمد عمر، والأستاذ/ شريف هادي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو أن يتقبل الأخوان الفاضلان تعقيبي على ردودهما بصدر رحب، فنحن لسنا في مباراة نتسابق لتحقيق الفوز، وإنما جميعنا طلاب حق لا أكثر ولا أقل.
وبعد.
أولا أنا أرى السبب الوحيد في اختلاف الناس في تبين حقائق الكتاب المجيد يعود من وجهة نظري لافتقاد البعض منا إلى المنهج القرآني لفهم القرآن الكريم، والذي سوف أتحدث عنه في دراسة لاحقة إن شاء الله.
أما عن تعقيبي على ردود كل من الأخوة الدكتور/ حسن أحمد عمر ، والأستاذ/ شريف هادي، فسوف يكون كالتالي:
أولا: تعقيبي على الدكتور الفاضل حسن أحمد عمر:
يبدأ الدكتور حسن عمر رده علي بسؤال قال فيه (يا أخى الفاضل كيف يكون معنى كلمة ( ملة ) الزمن الطويل الممتد ؟ ومن أين وصلت لهذا التفسير ؟)
أقول: قبل أن أجيب الدكتور حسن عمر على سؤاله أود أولا أن أستعرض ما ذكره الدكتور حسن عمر حول معنى وتفسير كلمة (ملة) والذي وضع لها عدة تعاريف متناقضة ومتضاربة وذلك على النحو التالي:
لقد وضع الدكتور حسن عمر عدة تعاريف لمعنى الملة حيث قال في التعريف الأول: (وكلمة ملة من الفعل ( يُمِل ) بضم الياء وكسر الميم وماضيها مُل ّ أى مل إملاءأ وهى تعنى كتب ويتضح ذلك من قوله تعالى فى سورة البقرة فى آية التداين يقول تعالى :
((فإن كان الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) البقرة 282)
إذن التعريف الأول للملة كما ذكره الدكتور عمر هو: بمعنى كتب.
أما عن التعريف الثاني والثالث فقال: (وكلمة( يمل ) معناها واضح هنا بمعنى أن شخصأ سينطق بالدين بفتح الدال والآخر سيكتب ما ينطق به وكلنا يعرف حصة الإملاء فى المدرسة أى الكتابة غيبأ أى دون النظر لمصدر , ولقد أكد الله تعالى أن معنى (يمل ) هو يكتب حين قال فى نفس الآية (وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِه)
إذن التعريف الثاني للملة وفق تعاريف الدكتور عمر هو: (أن شخصا ينطق بالدَيْن بفتح الدال والآخر يكتب).
والتعريف الثالث هو: (الكتابة غيبا ودون النظر لمصدر).
أما عن التعريف الرابع لمعنى كلمة (ملة) فقال الدكتور حسن عمر: (ومن هنا نتأكد أن كلمة ( يُمِل ) و ( يُملل ) معناها يكتب , ومنها جاءت كلمة ( ملة ) أى الكتاب المكتوب وهو طبعأ الوحى الذى أنزله الله تعالى على رسول من رسله.).
إذن التعريف الرابع لكلمة الملة وفق كلام الدكتور عمر هي: (الكتاب المكتوب وهو طبعا الوحي الذي أنزله الله على رسول من رسله).
أما عن تعريف الدكتور عمر لمعنى كلمة (أملى) فكان كالتالي: (أما كلمة ( أًمْلى) بفتح الألف وسكون الميم وفتح اللام وهى الماضى من( يُمْلى ) بضم الياء وسكون الميم وليس كسرها كما حدث فى ( يُمِل) فمعناها الواضح هو انتظرت وصبرت وانظر قوله تعالى فى الآية التالية :
(لَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) الرعد 32 أى صبر عليهم المولى وانتظرهم علهم يتوبون ثم أخذهم بكفرهم أخذ عزيز مقتدر).
إذن معنى كلمة (أملى) وفق كلام الدكتور عمر: (الصبر والانتظار).
أما عن معنى كلمة (مليا) التي وردت في قوله تعالى: (واهجرني مليا) فقال الدكتور عمر: (وقوله تعالى ( واهجرنى مليأ ) أى فترة زمنية طويلة ومصدر مليأ هنا ملأ , أما مصدر كلمة ( ملة ) فهو ( ملل ).
إذن معنى كلمة (مليا) وفق كلام الدكتور عمر هو: (الفترة الزمنية الطويلة).
ثم قام الدكتور عمر بوضع خلاصة لتعاريفه السابقة وكانت على النحو التالي:
(أخلص مما سبق إلى أن :
(1) كلمة ملة معناها دين وعقيدة ولا يمكن بحال أن يكون معناها ( الزمن الطويل الممتد ) كما كتب الدكتور نهرو طنطاوى .
(2) وكلمة يمل بضم الياء وكسر الميم معناها الإملاء أى شخص ينطق شفويأ والآخر يكتب ويسجل ما ينطق به الأول .
(3) وكلمة أملى بفتح الألف وسكون الميم وفتح اللام معناها صبر وانتظر وقد بينا كل تلك المعانى أعلاه
والسؤال للدكتور الفاضل نهرو طنطاوى :
كيف يستقيم المعنى بأن كلمة ( ملة ) معناها ( الزمن الطويل الممتد) ؟؟ ومن أين جاء هذا الإستدلال ؟)
وقبل أن أجيب على أسئلة الدكتور حسن عمر أود أن أضع خلاصة أخرى لتعاريفه حول معنى الملة كما جاء في رده على النحو التالي:
1 – (بمعنى كتب).
2 – (أن شخصا ينطق بالدين والآخر يكتب).
3 – (الكتابة غيبا ودون النظر لمصدر).
4 - (الكتاب المكتوب وهو طبعا الوحي الذي أنزله الله على رسول من رسله).
5 - معنى كلمة (أملى): (الصبر والانتظار).
6 - معنى كلمة (مليا): (الفترة الزمنية الطويلة).
وهنا أتوجه بسؤال لأخي الحبيب الدكتور/ حسن أحمد عمر: هل أصل كلمة ملة تعني كتب؟ أم تعني شخصا ينطق والآخر يكتب، أم تعني الكتابة غيبا دون النظر في مصدر؟، أم تعني الكتاب المكتوب؟، أم تعني الصبر والانتظار، أم تعني الفترة الزمنية الطويلة؟؟؟.
إجابتي أسئلة الدكتور/ حسن عمر:
لقد طرح الدكتور حسن أحمد عمر علي سؤالين، هما:
الأول: (كيف يستقيم المعنى بأن كلمة ( ملة ) معناها ( الزمن الطويل الممتد) ؟؟ ومن أين جاء هذا الإستدلال ؟)
الثاني: (يا أخى الفاضل كيف يكون معنى كلمة ( ملة ) الزمن الطويل الممتد ؟ ومن أين وصلت لهذا التفسير ؟).
وقبل أن أجيب الدكتور حسن أحمد عمر على سؤاليه أقول: يا أخي الفاضل أي كلمة في أي لغة في العالم بما فيها لغة قوم الرسول، لها أصل واحد أو أكثر من أصل، وذلك حسب اصطلاح قوم الرسول في أصل استخدام اللفظ نفسه، بمعنى أن أي كلمة في اللسان العربي لها أصل واحد وحيد أو أكثر، فالواجب لفهم أي كلام في اللسان العربي سواء كان كلام الله أو غيره، الرجوع لأصل الكلمة الدلالي الذي اصطلح عليه العرب في الدلالة أو الإشارة إلى الأشياء، وبدون ذلك لن نتبين أي معنى حقيقي لأي كلمة من كلام الله، أو أي كلام ورد في لسان قوم الرسول، الذين نزل كتاب الله بلسانهم، قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم).
وبعد معرفة الأصل الدلالي للكلمة الذي اصطلح عليه قوم الرسول، بعدها يمكننا أن نتبين معاني دلالات المشتقات الأخرى للكلمة، فيما لو وجدنا لها مشتقات أخرى بصيغ صوتية أو رمزية خطية أخرى، فالأصل الدلالي الأول لأي كلمة لا يتغير بتغير الاشتقاقات الأخرى الصوتية أو الرمزية الخطية لأي كلمة، ونفصل ذلك في جوابنا على أسئلة الدكتور. حسن عمر كالتالي:
سأل الدكتور قائلا:
(كيف يستقيم المعنى بأن كلمة ( ملة ) معناها ( الزمن الطويل الممتد) ؟؟ ومن أين جاء هذا الإستدلال ؟)
(يا أخى الفاضل كيف يكون معنى كلمة ( ملة ) الزمن الطويل الممتد ؟ ومن أين وصلت لهذا التفسير ؟).
للإجابة على السؤالين السابقين أقول:
لقد جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس ما يلي:
(إن كلمة (مل) بفتح الميم وتشديد اللام، الميم واللام أصلان صحيحان، يدل أحدهما على تقليب شيء، مثال مللت الخبزة في النار، أي قمت بتقليبها، ومنها يتململ على فراشه يتقلب عليه.
والآخر يدل على غرض من الشيء. مثال: مَلِلْتُه، أي سئمته، من الملل أي السآمة.
أما كلمة (ملي) الميم واللام والياء أصل واحد يدل على الزمن الطويل الممتد، مثال: أقام مليا، أي دهرا طويلا.
أما كلمة (ملي) إذا زيد في آخرها همزة، دلت على المساواة والكمال في الشيء، مثال: ملأت الشيء، أي ساويت قدره مثله. ومنه الملأ، أي الأشراف من الناس الذين ملئوا شرفا وعزا وحسبا.
أما كلمة (ملو) الميم واللام والحرف المعتل أصل صحيح يدل على امتداد في شيء زمان أو غيره، مثال: أمليت القيد للبعير، إذا وسعته.
ومن الباب إملاء الكتاب، وهو إمداد الكاتب بما سيخطه من مواضيع.
أما الملة فهي من أصل الميم واللام والحرف المعتل سواء الياء أو الواو، أي الشيء الممتد دهرا طويلا).
هذه المعاني جميعا ذكرها بن فارس في (معجم مقاييس اللغة) باب (الميم وما بعدها في المضاعف والمطابق) ص962، و(باب الميم واللام وما يثلثهما) ص993.
إذن، مما سبق نجد أن كلمة (مل) لها معنى مغاير لكلمة (ملي) وكلمة (ملأ) وكلمة (ملو) وكلمة (إملاء)، فإن كل منها لها أصل أو أكثر تدل عليه مغاير تماما لبقية الكلمات، إلا أن المعنى المشترك العام لجميع الكلمات هو المدة الزمنية الطويلة أو الشيء الممتد في طول.
ومن هذه المعاني السابقة لأصول كل كلمة على حدة نستطيع أن نفهم كلمات القرآن الكريم فهما واحدا متسقا لا خلاف فيه ولا اختلاف، ونتناول هذه الكلمات كما وردت في آيات الكتاب المجيد على النحو التالي:
أولاً: آية الدين (بفتح الدال) التي استشهد بها الدكتور حسن عمر، وفسر الملة من خلالها بأنها الكتاب يقول الله فيها:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ)
فهل معنى كلمة (يملل) وكلمة (يمل) الواردتان في الآية السابقة هل يعنيان الكتابة، أو الكتاب المكتوب، كما ذكر الدكتور حسن؟؟.
فلو عدنا وقرأنا كلمات الآية لوجدنا فيها شخصين مختلفين، الأول: شخص الكاتب الذي سيخط كتاب الدين، والثاني: هو الشخص الذي عليه الحق، وهو الذي سيملل للكاتب بالحق الذي عليه، إذن فمن نص الآية نجد أن الكاتب شخص مستقل بذاته، والذي عليه الحق شخص مستقل بذاته، أما كتاب الدين نفسه فهو شيء مستقل بذاته أيضا، إذن فنحن أما ثلاثة أشخاص لكل منهم ذاته المستقلة:
1 - الكاتب وهو الشخص الذي سيخط الكتاب.
2 – الذي عليه الحق، وهو الشخص الذي سيقوم بعملية الإملاء، وهي عملية إمداد الكاتب بموضوعات الدين.
3 – الكتاب وهو موضوعات الدين الذي خطه الكاتب.
فكيف خلط الدكتور حسن أحمد عمر بين الأشياء الثلاثة في الآية؟؟؟.
وكيف قال الدكتور أن الملة هي بمعنى كتب، أو بمعنى الكتاب المكتوب، أو بمعنى الكتابة، أو بمعنى الشخص الذي ينطق بالدين؟؟!!.
فهذا شيء عجيب وغريب من الدكتور عمر لم أقرأ مثله في حياتي!!!.
فقد قال الدكتور حسن عمر وهو يستشهد بأية الدين على كلامه ما يلي:
(وكلمة ملة من الفعل ( يُمِل ) بضم الياء وكسر الميم وماضيها مُل ّ أى مل إملاءأ وهى تعنى كتب ويتضح ذلك من قوله تعالى فى سورة البقرة فى آية التداين يقول تعالى :
((فإن كان الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) البقرة 282).
يا أخي الدكتور حسن، الله قال : (أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل) ولم يقل: (أو لا يستطيع أن يكتب هو فليكتب وليه بالعدل). فهناك فرق شاسع بين الشخص الذي سيملل والشخص الذي سيكتب.
ولو كان ما ذهب إليه الدكتور عمر صحيحا في قوله أن الملة هي الكتاب المكتوب، أو الكتابة أو يكتب فما قوله في الآيات الكريمة التالية:
قال تعالى عن يوسف عليه السلام في وصفه لأهل مصر بعد أن دخل السجن:
(إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ). (37- يوسف).
وقوله تعالى عن كفار مكة:
(مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ) (7- ص).
فهل كان أهل مصر الذين كانوا في زمن يوسف لا يؤمنون بالله وبالآخرة هم كافرون، هل كان لديهم كتاب مكتوب فيه شريعة ودين، حسب تفسير الدكتور حسن عمر؟؟.
وهل كان كفار قريش لديهم كتاب دين وشريعة حتى ولو باطلة حتى قالوا ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة وفق تفسير وفهم الدكتور حسن عمر؟؟.
يا أخي الكريم، إن الملة هي الشيء الممتد في طول، أو الزمن الطويل الممتد، كما سبق ورأينا، فإذا تم إطلاق مسمى الملة على أي دين، فالمقصود منه، الدين الممتد دهرا طويلا، سواء كان دينا إلهيا، أو دينا وثنيا.
إذن فمن البين والواضح أن ملة إبراهيم هي الدين الممتد في طول الزمان، ولم يصبها أي تغيير، وهي الإسلام لله رب العالمين، وهي ليست الشريعة أو الأحكام، لأن الشريعة متغيرة من رسول لرسول، ويختلف مضمونها من رسول لرسول. وذلك بنص القرآن: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) فلكل رسول شرعة ومنهاجا غير شرعة ومنهاج الرسول الآخر، والدليل من كتاب الله على ذلك، قول الله تعالى عن المسيح بن مريم :
(وأحل لكم بعض ما حرم عليكم)
إذن فشريعة المسيح غير شريعة موسى، فلكل شريعة بعض المحرمات وبعض المباحات الغير موجودة في الشريعة الأخرى.
أيضا عقوبة السارق في شريعة إبراهيم عليه السلام، غير عقوبة السارق في شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ففي شريعة إبراهيم من سرق يؤخذ بسرقته، أي يأخذه صاحب الشيء المسروق عبدا رقيقا جزاء سرقته، وقد نص القرآن على ذلك في سورة يوسف قال تعالى:
(قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ* قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ). (74، 75- يوسف) أي كذلك نجزي السارق الظالم في شريعتنا.
إذن فالملة هي الدين القيم الإسلام لله رب العالمين، أو ما نسمي بالعقيدة والتوحيد. أما الشريعة فهي: الأحكام والتشريعات والحكم وهذه تختلف من رسول لآخر. ولا ينبغي الخلط بين الأمرين، فالخلط بين الأمرين سيؤدي إلى مآزق فكرية كثيرة.
وقال الدكتور/ حسن عمر أيضا في رده شارحا للآية التي تقول: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ولم أفهم ماذا يقصد من شرحه هذا، فقد قال الدكتور حسن عمر ما يلي:
(أن الله تعالى أمرنا بعدم التفريق بين أحد من رسله ( لا نفرق بين أحد من رسله ) , وعليه فجميع الرسالات السماوية كانت بنفس القوة والفعل ولنفس الهدف وهو أن يعبد الله تعالى بلا شريك وتجتنب الفواحش
أما قوله تعالى ( لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجأ ) فلم يقل ملة ومنهاجأ لأن الملة واحدة وهى الأعم والأشمل وتحتوى فى داخلها على كل التعاليم الربانية والتشريعات وغيرها )
أنا لم أفهم شيئا من هذا الكلام فأرجو أن يتفضل الدكتور بشرح كلامه هذا ويبين لنا الآتي:
1 – ماذا يقصد بقوله: (أن الملة واحدة وهي الأعم والأشمل، وتحتوي في داخلها على كل التعاليم الربانية والتشريعات وغيرها).
2 – هل الملة الواحدة تحوي شرائع كل الرسل؟؟ وهل الشرائع تختلف من رسول لرسول؟؟ أم شرائع كل الأنبياء والرسل واحدة؟؟ وإن كانت شرائع كل الأنبياء والرسل واحدة فما معنى قوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)؟؟.
3 – وإذا كانت الملة غير الشريعة فما هي الملة التي أمر الله جميع الأنبياء والرسل ومن بينهم محمد باتباعها؟؟.
4 – أما عن الآية التي يقول الله فيها: (لا نفرق بين أحد من رسله) يا أخي الله يقول رسله ولم يقل رسالاته، فالفرق والاختلاف في الرسالات وليس بين الرسل، فتدبر ذلك جيدا.
وقد ذكر الدكتور/ حسن عمر كلاما لا أدري ماذا يقصد من ورائه فقد قال:
(وأن جميع ما سبقها من رسالات سماوية قد احتواها المنهج القرآنى العظيم ( مهيمنأ عليه) أى أن كل ما أراد الله تعالى توصيله للبشرية من خلق وشرائع وأحكام وحكم وعبادات ونسك تم جمعه فى كتاب واحد معجز ومحفوظ من قبل الله تعالى نفسه ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وأن القرآن العظيم تجديد لملة إبراهيم التى كانت تحمل كل ما فى القرآن وينطبق ذلك على من سبق من رسل وأنبياء ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ) ( إن هذا لفى الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ).
أعلق على كلام الدكتور عمر قائلا:
* فهل تقصد من كلامك أن شرائع وأحكام كل الأنبياء والرسل موجودة في القرآن؟؟.
* فمثلا هل رجم الزاني الذي كان في شريعة موسى عليه السلام أيضا في القرآن؟؟
* وهل حرمة الطلاق الموجودة في شريعة المسيح إلا لعلة الزنا موجودة أيضا في القرآن؟ وغيرها وغيرها من الشرائع التي تختلف عن شريعتنا التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام.
* فأرجو أن تحدد لي وللقراء الكرام ما هو الفرق بين الملة الواحدة لجميع الأنبياء والمرسلين وبين الشريعة وهل هما شيء واحد أم مختلفان؟؟.
* وإذا قلت أن الملة غير الشريعة، فما خلافك معي إذن فيما قلته أنا في مقالي: (أنواع الرسالات الإلهية) في أن الرسالات تختلف في الشرائع ولا تختلف في الإسلام لله رب العالمين أو ما نطلق عليه التوحيد والعقيدة، فما خلافك معي إذن ولماذا كتبت ردك هذا؟؟؟!!.
* وما هو وجه استدلالك من قول الله تعالى: (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك)، فمن تقصد بمن قال للرسل؟؟ هل هو الله الذي قال للرسل؟ أم الكفار الذين قالوا للرسل؟؟. فأرجو من أخي الكريم الدكتور عمر، مراجعة السياق الذي جاءت فيه هذه الآية ليعلم أن الذين قالوا للرسل هم الكفار وليس الله، فما قاله الكفار لكل الرسل من قبل هو هو ما قالوه لك يا محمد في صدهم وتكذيبهم لجميع الرسل من قبلك.
وما هو الشيء الذي أشار الله إليه بقوله: (إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) هل هو ما سبق هاتين الآتين من الحديث عن اليوم الآخر وما يجري فيه؟؟، أم تقصد كل كتاب الله وكل ما جاء فيه؟؟.
أما قول الله تعالى:
(لَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) الرعد 32
فأملى لهم هنا بمعنى: جعل لهم امتدادا طويلا في العمر والمال والبنين والخيرات، وليس معناها صبر عليهم وانتظرهم كما قال بذلك الدكتور حسن عمر.
ونخلص من كل ما تقدم بأن الملة هي الامتداد والإمداد طويلا في الشيء سواء كان زمانا أو غيره.
ثانيا: تعقيبي على الأستاذ الفاضل/ شريف هادي:
يقول الأخ شريف هادي: في تعليقهرقم (1) ما يلي:
(1- عن قولكم أن الأنجيل ليس هو الكتاب ولكنه أحد موضوعات الكتاب كما أن ااتوراة ليس هو الكتاب بل أحد موضوعات الكتاب وإستدلالكم بالآيات الكريمة في سورة المائده بأن الله قال (وأن أحكم بينهم) كما قال (وليحكم) أرى أنه في غير موضعه واستدل بنفس الآيات لأن الله قال (بما أنزل الله فيه) ولم يقل به إذا هو الكتاب وقد أنزل الله فيه أحكام فالأحكام هي أحدى موضوعات الكتاب ، كما قال (انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور) إذا هي كتاب الله ).
وهنا أسأل الأخ شريف هادي وما الفرق بين (أنزل الله فيه)، و(أنزل الله به) أليست (في) حرف جر و(الباء) حرف جر، وكل منهما يفيد إما الظرفية أو السببية، فلو قال الله (أنزل الله فيه) فهي تفيد الظرفية، ولو قال الله (أنزل الله به) فهي أيضا تفيد الظرفية، حسب موضوع الآية فما الفرق إذن بين (فيه) و(به)؟؟.
وقال الأخ شريف هادي أيضا في تعليقه رقم (1) ما يلي:
(2- قال تعالى" وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ" المائده49 فهل معنى ذلك أن القرآن ليس الكتاب ولكنه أحد موضوعاته فإذا قلت لا أقول ولماذا تطبق معياريين مختلفين على كتب الله للبشر وإذا قلت نعم فإن ذلك لا يستقيم مع وصف القرآن في كتاب القرآن نفسه.)
أقول للأستاذ شريف هادي: نعم القرآن ليس هو كتاب الله بل هو أحد موضوعات الكتاب، وسوف أفصل ذلك في دراسة لاحقة، فلا يتسع المجال هنا للحديث عن ذلك بالتفصيل.
أما بخصوص قول الأستاذ شريف أيضا في التعليق رقم (1):
حول رسالة المسيح، وهل هي مخطوطة أم لا؟ فقد قلت لك من قبل لم يرد أي نص في القرآن يشير إلى أنها كانت مخطوطة، وإن كان ردي هذا غير شافي لك كما قلت، فماذا أصنع لك، إذا كان كل مؤرخي العالم قديما وحديثا في الغرب والشرق لم يثبتوا ولم يتوصلوا لأي رسالة قد خطها المسيح بيده أو خطت في عهده، حتى أن أقدم رسالة عثر عليها للإنجيل كانت مخطوطة باللغة اليونانية، والمسيح كان يتكلم الآرامية، فإذا كان كل هذا غير شاف لك، فماذا يصنع لك نهرو طنطاوي؟؟!!.
أما ما جاء في ردك في التعليق رقم (2) ورقم (3) ورقم (4) حول الدين والإسلام والشرائع، فلا أدري ماذا تقصد من وراء كل هذا الكلام ؟؟ مع أنك في نهاية تعليقك رقم (4) اتفقت معي أن الملة هي الإسلام الذي هو العقيدة والتوحيد وأن الشرائع مختلفة ، حيث قلت أنت بالنص في نهاية التعليق رقم (4) ما يلي :
(فالله سبحانه وتعالى جعل الاسلام دينا واحدا كتوحيد وعقيدة وأرتضاه لنفسه ولن يقبل غيره من خلقه ولكن إقتضت مشيئته في أن يجعل الأديان كشرائع كثيرة وأن يبلوا كل أمة بأوامر ونواهي وعبادات تختلف وتتفق مع باقي الأمم وبين قصده سبحانه لكي نستبق الخيرات وليس لكي يحارب بعضنا بعضا ويعذب بعضنا بعضا ويكفر بعضنا بعضا بالمخالفة لمقصود رب العالمين وهو مقصود تشريعي وليس كوني واكن وللأسف فإن المكلفين لم يلتزموا فحق عليهم غضب من الله ولله في خلقه شئون).
إذن يا أستاذ شريف، بقولك هذا تتفق معي فيما قلته أنا في مقالي (أنواع الرسالات الإلهية) حيث قلت أنا بالنص في بداية المقال:
(إن الرسالات السماوية هي واحدة، وليست واحدة، فهي واحدة من جانب أن جميعها جاءت تدعوا إلى وحدانية الله بأركانه الثلاث: الألوهية، الربوبية، واللامثلية، وهذه الوحدانية سوف نتناولها لاحقا في دراسة مستقلة. أما أن الرسالات السماوية ليست واحدة، فمن ناحية المادة الرسالية التي جاءت بها كل رسالة على حدة)
فلا أدري يا أخي شريف هادي، على أي شيء اختلفت معي في تعليقاتك رقم (2) ورقم (3) ورقم (4)؟؟ إذا كنت قد ختمت تعليقك رقم (4) بنفس ما قلته أنا في أن التوحيد والعقائد واحدة، والشرائع والرسالات مختلفة؟؟!!.
أما عن تعليق الأستاذ شريف هادي رقم (5) فقد جاء فيه ما يلي:
(إذا كل رسول نبي لأنه لا يكون رسول إلا إذا أصبح نبي فالنبوة سابقة على الرسالة وليس العكس وكذلك يمكن أن يكون نبي ليس برسول ولكن لا يكون رسول ليس بنبي).
وهنا أسأل الأستاذ شريف هادي: ما برهانك من كتاب الله على أنه لا يكون الرسول رسولا إلا إذا أصبح نبيا؟؟.
وما برهانك من كتاب الله على أن النبوة سابقة على الرسالة؟؟
وهل كان رسول الله محمد نبيا قبل الرسالة، وما برهانك على ذلك من كتاب الله؟؟.
وما برهانك من كتاب الله على أنه كان هناك أنبياء لم يكونوا رسلا؟؟.
وماذا تقول في قول الله عن يوسف عليه السلام في سورة غافر:
(وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ). (34- يوسف).
فهل كان يوسف رسولا؟ أم نبيا؟ أم نبيا فقط؟ أم رسولا فقط؟ أم الاثنين معا؟؟
وقال الأستاذ شريف هادي أيضا كلاما في غاية الغرابة، لا يمكن أن يستسيغه عقل وذلك في التعليق رقم (5) حيث قال: (ولكن قد يكون النبي مرسل وليس رسول بل مرسل على رسالة آخر رسول قبله).
وقال أيضا: (فالنبي قد يرسله الله فيصبح مرسل أما إذا أختصه برسالة فهو رسول)
وأنا هنا أهيب بأخي الأستاذ شريف هادي، وأهيب بإخواني كتاب الموقع وقرائه وزواره الكرام، أن يشرحوا لأخيهم المتواضع نهرو طنطاوي: ما الفرق بين المرسل بفتح السين والرسول كما ورد في كلام الأستاذ هادي؟؟. وأن يشرحوا لي ماذا يمكنني أن أفهم من العبارتين السابقتين؟؟ أفادكم الله.
أما في التعليق الأخير للأستاذ شريف هادي رقم (6) فقد قال: (وأخيرا أخي ماذا يفيدنا الآن أن نعلم إذا كانت الرسالة أصلية أم فرعية فأنا أظن أنه من باب العلم الذي لا ينفع والجهل الذي لا يضر إلا إن كنت تقصد أن تجعله مدخل للحديث عن موضوع آخر).
وهنا أجيب أخي الحبيب الأستاذ شريف هادي فأقول: ماذا لو جاءك شخص وقال أنه رسول من عند الله؟؟ إن قلت له ولكن ختم الله النبوة، فسوف يقول لك ختم النبوة ولم يختم الرسالة، أو يقول: فأنا لم أقل أنني نبي ولكن أنا قلت إنني رسول الله؟؟
وماذا تقول له لو قال لك: ليس في القرآن دليل على ختم الرسالات؟؟
يا أخي شريف، إن نصوص القرآن تنص على أن الرسول لا بد وأن يكون نبيا سواء قبل الرسالة أو بعدها، ونصوص القرآن لا يوجد بها نبي ليس برسول، وإلا فما معنى قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ) أليس معنى هذا أن الله قد أرسل للناس أنبياء ، وأرسل لهم رسلا لم يكونوا بأنبياء قبل الرسالة؟؟. وإلا فما الفرق إذن بين النبي وبين الرسول في هذه الآية؟؟، أليس النبي من كان نبيا قبل الرسالة، وأليس الرسول هو من كان شخصا عاديا قبل الرسالة ثم نال النبوة بعد ذلك.
يا أخي شريف النبوة كما ورد معناه في أصل لسان قوم الرسول هي : (رفعة في الشيء) وهذه الرفعة لا ينالها أي شخص إلا برسالة من الله فهي: منزلة، وليست وظيفة، كما بينت ذلك في مقالي: (الأنبياء والرسل مخيرون وليسوا مسيرين).
وأتمنى من الجميع أن يتقبل مني ردي هذا بصدر رحب فجميعنا يقصد الحق ليس إلا، هدانا الله لما اختلفنا فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ويعلم الله أني كتبت هذا التعليق رغم انشغالي الشديد وضيق الوقت لدي، ولكن أحببت أن أشارككم الحوار الطيب المفيد والبناء والمثمر لي أولا ولجميع الكتاب والقراء الكرام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوكم. نهرو طنطاوي.
اجمالي القراءات
14268
(وأحل لكم بعض ما حرم عليكم)
النص الصواب هو:
(وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ). (50- آل عمران)