معالم فوز السيسي والأسد
منذ يومين ظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية بفوز عبدالفتاح السيسي بنسبة 96% ونسبة مشاركة 47% من جملة الناخبين، وأمس تم الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية السورية بفوز بشار الأسد بنسبة 88% ونسبة مشاركة 73% من جملة الناخبين، وهذه أعداد ضخمة تثير الشكوك لدى المعارضين، ولكنها تُعطي الأمل والارتياح عند المؤيدين، وفي الجملة كانت انتخابات سوريا ومصر معبرة عن إرادة الشعبين الحقيقية في ظل التحديات التي تواجه الشعبين من تآمر غربي وإرهاب دولي منظم في حق أكبر جيشين في الوطن العربي.
فاز عبدالفتاح السيسي بعدما حقق الجيش المصري نصراً كاسحاً على الإرهاب في سيناء ،واستطاع القضاء على فلول الإرهاب في المحافظات، ولم يعد يبقى لديهم سوى بعض الجيوب التي كان ضبطها وتقديمها للعدالة مسألة وقت، كان نصراً سياسياً وعسكريا له طعم اللذة أعاد للأذهان انتصار أكتوبر 73 بعد أعوام من فقدان الثقة في الجيش، واستطاع توحيد الشعب مرة أخرى خلف قيادته الجديدة بعد أزمة موت عبدالناصر وصراع السادات مع مراكز القوى والإخوان والشيوعيين، لقد تمكن السادات أن يفرض رؤيته بعد هذا النصر الكاسح، والذي من المتوقع أن يتكرر مع السيسي ولكن بطريقة وأساليب أخرى مختلفة.
فقوة الحاكم الشعبية تساعده على تنفيذ برنامجه دون معوقات، وتضع مؤسسات الدولة بالكامل في خدمته، هكذا كان الوضع بعد إعلان فوز السيسي والذي ترافق مع مظاهرات إخوانية معتادة يرفعون فيها شعارات دينية ويطالبون فيها بعودة الرئيس المعزول من قِبَل الشعب، أصبحت حينها تلك المظاهرات غير مؤثرة بعد توالي الضربات الأمنية والشعبية ضد الجماعة وآخرها في انتخابات الرئاسة..حيث أظهرت نتيجة نسبة المشاركات عدم وجود أي قوة في الشارع سوى قوة الثلاثين من يونيو، هي التي فرضت إرادتها ونصّبت من تريده زعيما.
أما في سوريا فكان الوضع متشابهاً إلى حد كبير، دولة تحارب الإرهاب، وشعب يعاني من وطأة ذلك الإرهاب على أرواحه وممتلكاته، واصطفاف غربي خلف ذلك الإرهاب ودعمه بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ذلك الاصطفاف الذي صنع ديمقراطية العراق الطائفية.. التي لا زال الدم العراقي بسببها يُراق إلى الآن، والغريب أنهم يمدحون ديمقراطية العراق رغم انتشار الإرهابيين في دولة الرافدين، وتلك النزعات الطائفية التي تهدد ذلك الشعب المسكين، في حين يتغاضون عن ديمقراطية مصر وسوريا التي أنتجت رئيسين شرعيين بقوة الصندوق، لكن طالما لا يرضون عن نتائج هذا الصندوق يظهر نفاقهم وخداعهم وتجارتهم باسم القيم، فيشرعون في رفع سلاح الديمقراطية وحقوق الإنسان، ذلك السلاح الذي أهانوه في أوكرانيا حين همّ شعب القرم باختيار حقه المشروع في تقرير مصيره.
لقد فاز بشار الأسد بعدما حقق الجيش السوري تقدماً وانتصارات رائعة على الإرهاب،فبعد نجاح الجيش السوري في صد غزوة كسب وإفشال المشروع التركي باختراق جبهة الشمال، نجح الجيش السوري أيضاً في إنهاء معركة المليحة في الغوطة الشرقية وتأمين العاصمة دمشق ،كذلك في درعا التي بدأ الجيش السوري فيها عملية عسكرية ضد جبهة النصرة والجيش الحر، ولكن هذه المرة يوجد دعم إسرائيلي واضح لتلك الجماعات الإرهابية، حيث تساعد إسرائيل الجيش الحر في تأمين تحركاتهم وعلاج جرحاهم في مستشفيات الصهاينة، وعلى ما يبدو أن حسم معركة درعا سيأخذ بعض الوقت ربما بعد تنصيب الأسد كأول رئيس سوري منتخب منذ 50 عاما.
ليس معنى الربط بين النتيجتين وما أفضت إليهما رغبة الشعبين أن يكون هناك تعاوناً بين السيسي والأسد على حساب قضايا أخرى تمس الأمن القومي العربي، بل وفي تقديري أن فوز الرئيسين بهذه النِسَب الكبيرة وفي توقيت واحد.. ربما يساهم في تضميد وعلاج الجرح العربي النافذ ، فالأسد مطالب بتقنين علاقته مع دول الخليج وإعادتها لمرحلة الصفر، بينما السيسي مطالب بالتعامل مع الأسد كونه رئيس لأكبر دولة عربية في الشام لها تأثيرات جيوسياسية مهمة، وأظن أن الرئيسين لديهما من الجرأة وإنكار الذات ما يدفعهما لجمع العرب على مائدة واحدة وتحت هدف واحد بعد عقود من تدمير تلك العلاقة في كامب ديفيد.
إن معالم هذا الفوز تكمن أولاً في التوقيت الحساس الذي يدل على رغبة صادقة من الشعبين المصري والسوري في مواجهة الإرهاب والتطرف الديني، وثانيا في النسبة الكبيرة التي حصل عليها الرئيسين، بما يدل على أن الشعوب في الأزمات تصطف خلف قيادة قوية وواعية تمكنهم من تجاوز أزماتهم الأمنية والسياسية والاقتصادية، هكذا الإنسان منذ بدء الخليقة عندما يشعر بالخطر يدافع عن نفسه بشتى الطرق الممكنة، وقد كان اختيار السيسي والأسد دالاً على حجم التحديات والمؤامرات التي تطال كلا الشعبين.
لا نريد أن نستبق الأحداث..فلست ملهما بمدح السيسي ولست من مؤيدي بشار الأسد، بل أصنف نفسي-وكما أعلنت سابقاً في كتابي عن سوريا-أنني من معارضي بشار الأسد، فهو مسئول بطريقة أو بأخرى عن فشل الحياة السياسية السورية وحصرها في حزبٍ واحد ذو اتجاةٍ واحد، ولكن بعد أن ظهر الإرهاب بوجهه القبيح الدموي.. أرى أن الأسد هو الأصلح لسوريا الآن، فهو حاكم قوي ولديه عاطفة شعبية كبيرة جمعت حوله الملايين، ليس فقط من الشيعة العلوية أو المسيحيين أو الدروز أو الأكراد بل أيضاً من السنة، بما يدل على أن الأسد يحوز على رضا قطاعات كبيرة من الشعب السوري على تنوعهم الديني والعرقي.
أخيراً وبعد أن نزل الشعب المصري محتفلاً بالسيسي رئيساً نزل الشعب السوري كذلك يحتفل ببشار الأسد، في القاهرة كان مئات الآلوف على موعد في التحرير والاتحادية على أنغام النصر، وفي سوريا نزلوا بمئات الألوف في ساحة الأمويين العظيمة في دمشق ، كان المشهد متشابهاً رأيته بعيني ، ورأيت أن كل من ينكر هذه الفرحة في قلوب المصريين والسوريين على خياراتهم فهو معزول أو صاحب مصلحة، لقد كان المشهد مهيباً في ساحة الأمويين وفي ميدان التحرير، وفي شوارع القاهرة والاسكندرية والسويس، وفي شوارع دمشق وحمص والسويداء، لقد كتب الشعبان بأنفسهم سيمفونية عظيمة أتمنى أن يختمها الحكام الجدد بالعدالة والحرية، ولكن قبل ذلك نريد الأمن، فلا عدالة دون أمن.
اجمالي القراءات
9804