آحمد صبحي منصور Ýí 2013-04-30
كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام
الفصل الرابع عشر : خالد هو سبب قتل أبى بكر
مقدمة :
1 ـ يحتل بنو عبد مناف ( بنو هاشم وبنو عبد شمس وفرع بنى أمية بن عبد شمس ) موقع الصدارة فى قريش ، يليهم بنو مخزوم . ويأتى فى المؤخرة بنو تيم ومنهم أبو بكر ، وبنو عدى ومنهم عمر . وبدت الحرب فى بدر وأحد والأحزاب وكانها صراع بين فرعى عبد مناف ؛ بنى هاشم وبنى أمية . ورضى بنو مخزوم السير فى ركاب أبى سفيان زعيم بنى أمية وبنى عبد شمس ، والذى أصبح سيد كنانة أى قريش كلها . واستخدم أبو سفيان كل أدواته فى حرب النبى ، ومنها جواسيسه وعملاؤه ، وكانوا من شتى بطون قريش ، منهم (عمر) من بنى عدى و ( عمرو ) من بنى سهم و ( خالد ) من بنى مخزوم .
2 ـ وبدخول أبى سفيان الاسلام متأخرا أصبح عملاؤه سابقين له ، ومع ذلك كانوا يدينون له بالولاء خصوصا عمر وعمرو ، لأن بنى عدى وبنى سهم ليسوا فى موضع المنافسة لبنى أمية بأى حال . الذى كان مرشحا للمنافسة هو خالد ، بنسبه المخزومى و عبقريته العسكرية التى ظهرت فى حرب الردة .
3 ـ وشعر أبو سفيان بخطورة وضع خالد وإعجاب أبى بكر به . وهو نفس شعور عمر الذى سيطر على أبى بكر وأقام له الخلافة بتهميش الأنصار وتهميش الهاشميين أسرة النبى . شعر عمر بأن خالد هو المنافس له بسبب إعجاب أبى بكر المتزايد به ، وشعر أبو سفيان بأن ولديه يزيد ومعاوية ليسا بشىء فى مجال الحرب مقارنة بخالد . وكان أبو سفيان من قبل قد أرهب أبا بكر بتهديده بالحرب وإعلانه بأحقية بنى هاشم بالخلافة ، مما جعل أبا بكر يسترضيه بتعيين يزيد بن أبى سفيان قائدا فى حرب الردة ثم فى غزو الشام . ولكنّ تفوّق خالد فى حرب الردة أقلق أبا سفيان ، وجعل عمر يتسقّط خطايا خالد ومنها قتله لمالك بن نويرة ، وطلب عزل خالد ، ولكن أبا بكر عصى عمر ، وعيّن خالدا قائدا لحرب بنى حنيفة ومسيلمة الكذاب . وكالعادة إنتصر خالد ، وأنهى حرب الردة . ووافق أبو بكر على التوسع عسكريا وغزو العراق والشام حتى لا يعود الأعراب الى الارتداد . وهنا علا نجم خالد أكثر وأكثر ، وأصبح خطرا حقيقيا على مخططات أبى سفيان وعمر بن الخطاب .
4 ـ الواقع أنّ خالدا بعبقريته العسكرية وبعصبيته بقومه بنى مخزوم أصبح أكبر من ندّ لأبى سفيان ، وشتان بينه وبين إبنى أبى سفيان يزيد ومعاوية . ولو استمر خالد فى انتصاراته فسيحكم هو الشام والعراق ، ولن يكون فى المستقبل موضع للأمويين إلا بمقدار ما يسمح به خالد . وفى نفس الوقت فإن أبا بكر الذى كان يعمل حسابا لبنى أمية فسيمكنه الاستقواء ببنى مخزوم وبخالد . وفى كل الأحوال ففى وجود خالد فلا مكان لعمر بن الخطاب ونفوذه وسيطرته على ( ابى بكر ) . ومن هنا كان خالد هو مركز الصراع الذى أسفر عن التعجيل بقتل أبى بكر وعزل خالد وإهانته . هو صراع مكتوم حول الثروة والسلطة .
5 ـ خالد هذا هو الذى يمثّل الثقافة الجاهلية فى السبى والسلب والنهب وقتل الأسرى . وهو الذى تبرأ النبى من عمله كما تقول الروايات . ولكن أصبح محور التنافس هنا لأن عبقريته فى الحرب المناقضة للاسلام هى أساس الصراع حوله . أما الاسلام فقد خرج من الساحة ، ببيعة السقيفة وتولية أبى بكر .
6 ـ ونعطى التفصيلات من مُجمل الروايات فى تاريخ الطبرى أساسا، والتى يغلب عليها التداخل والتقديم والتأخير ، والتناقض أحيانا .
أولا : أبو بكر يرفض عزل خالد بسبب قتله مالك بن نويرة
1 ـ كانت وصية أبى بكر لخالد فى حرب الردة تخالف التشريع الاسلامى فى الحرية الدينية وفى القتال الدفاعى ، قال لخالد : ( ..إذا نزلتم منزلا فأذّنوا وأقيموا فإن أذّن القوم وأقاموا فكفوا عنهم . وإن لم يفعلوا فلا شيء إلا الغارة ، ثم اقتلوهم كل قتلة ، الحرق فما سواه . وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم . فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم ، وإن أبوها فلا شيء إلا الغارة ..)
وتم أسر مالك بن نويرة مع جماعة من قومه ، واختلف الشهود فى أمرهم هل أقاموا الصلاة أم لا . وفى كل الأحوال تنتهى الروايات بمقتل مالك وأصحابه بأوامر من خالد .وزاد من حرج موقف خالد أنه تزوج فى نفس الليلة من زوجة مالك أم تميم ابنة المنهال ، ( وتركها لينقضي طهرها ، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وتعايره.). وصمم عمر على عزل خالد : ( وقال عمر لأبي بكر : إن في سيف خالد رهقا ) وطلب قتل خالد قصاصا أو أن يؤدى الدية، وقال لأبى بكر :(" فإن لم يكن هذا حقا حق عليه أن تقيده ." وأكثر عليه في ذلك. وكان أبو بكر لا يقيد من عماله ..فقال : هيه يا عمر .! تأول فأخطأ ، فارفع لسانك عن خالد. )ودفع أبو بكر دية مالك ورفاقه : ( وودى مالكا ، وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل ، فأخبره خبره ، فعذره وقبل منه. ) .
2 ـ وفى رواية أخرى: ( فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر ، وقال : عدو الله عدى على امرئ مسلم فقتله ثم نزا على امرأته. وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتى دخل المسجد ، وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له ، قد غرز في عمامته أسهما . فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ، ثم قال : " أرثاء ؟ قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته ؟ والله لأرجمنك بأحجارك . " ، ولا يكلمه خالد بن الوليد .. حتى دخل على أبي بكر ، فلما أن دخل عليه أخبره الخبر واعتذر إليه ، فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك. قال فخرج خالد حين رضي عنه أبو بكر وعمر جالس في المسجد ، فقال لهم : " هلم إلي يا ابن أم شملة". قال فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه ، فلم يكلمه . ودخل بيته . ) . وكان خالد يشتم عمر بلقب ( ابن أم شملة ).
3 ـ بل كافأ أبو بكر خالدا فجعله قائدا لأكبر جيش توجه لحرب مسيلمة . تقول الرواية : ( فلما قدم خالد على أبي بكر من البطاح ، رضي أبو بكر عن خالد ، وسمع عذره ، وقبل منه ، وصدقه ، ورضي عنه ، ووجهه إلى مسيلمة وأوعب معه الناس ..) أى حشد له الناس جندا له .
ثانيا : إنتصارات خالد وغنائمه فى العراق
1 ـ وانتصر خالد وغنم وسبى بما لم يسبق له نظير ، وبعث بخُمس السبى والغنائم للمدينة ، تقول الرواية : ( وبعث خالد بالفتح وما بقي من الآخماس وبالفيل وقرأ الفتح على الناس .). أى بعث خالد للمدينة ببشارة النصر ، وخُمس الغنائم ، وبالفيل الذى كان مع جيش هرمز. وكان حجم الغنائم مبهرا ، ذاع به صيت خالد ، فى الجزيرة العربية ، وبين جنوده . فقد كان من الغنائم قلانس القادة الفُرس ، وكانت على قدر مكانتهم ، وبالتالى كانت قلنسوة القائد الفارسى هرمز مرصعة بالجواهر ، وقد وصلت ضمن الخمُس لأبى بكر فأهداها أبو بكر لخالد تقديرا له . تقول الرواية : ( كان أهل فارس يجعلون قلانسهم على قد أحسابهم في عشائرهم ، فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف . فكان هرمز ممن تم شرفه، فكانت قيمتها مائة ألف ، فنفلها أبو بكر خالدا . وكانت مفصصة بالجوهر) . وانبهرت نساء المدينة بالفيل وهو يُطاف به فى الشوارع : ( ولما قدم زرّ بن كليب بالفيل مع الأخماس ، فطيف به في المدينة ليراه الناس ، جعل ضعيفات النساء يقلن : أمن خلق الله ما نرى ؟!. ) . تخيّل شعور الأخ عمر بن الخطاب وقتئذ .!!.
2 ـ ونعم جنود خالد بغنائم ـ لم يتصوروها ـ مع كل إنتصار: ( وبلغ سهم الفارس في يوم "ذات السلاسل "و" الثني" ألف درهم ، والراجل على الثلث من ذلك ). وكان خالد كريما مع جنوده:( وأقام خالد بالمذار وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت . وقسّم الفيء ، ونفل من الأخماس أهل البلاء ، وبعث ببقية الأخماس ، ووفد وفدا مع سعيد بن النعمان أخي بني عدي بن كعب . ) وكان هذا من موقعة واحدة هى موقعة المذار : ( وكانت وقعة المذار في صفر سنة اثنتي عشرة . )، وكان إنتصاره فيها حاسما : ( وقتل ليلة المذار ثلاثون ألفا سوى من غرق ، ولولا المياه لأتي على آخرهم . ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة ).
3 ـ وانفتح المجال لخالد فى العراق يتوسع فيه ، أو على حد قولهم ( تبحبح بشاطىء دجلة ) : ( كان أول من لقي خالد مهبطه العراق هرمز بالكواظم ، ثم نزل الفرات بشاطىء دجلة ، فلم يلق كيدا . وتبحبح بشاطىء دجلة ، ثم الثني ،ولم يلق بعد هرمز أحدا إلا كانت الوقعة الآخرة أعظم من التي قبلها ، حتى أتى دومة الجندل . ) . وبالتالى تعاظمت الغنائم وزاد السبى مع كل معركة : (وزاد سهم الفارس في يوم "الثني " على سهمه في " ذات السلاسل" . فأقام خالد "بالثني " يسبي عيالات المقاتلة ومن أعانهم .). ثم بلغ الأمر ذروته فى سلبهم لمدينة أمغيشيا:( لم يصب المسلمون فيما بين "ذات السلاسل" و"أمغيشيا "مثل شيء أصابوه في "أمغيشيا "، بلغ سهم الفارس ألفا وخمسمائة سوى النفل الذي نفله أهل البلاء . ) وهتف أبو بكر باسم خالد حين وصله خُمس الغنائم ، وردّدوا جميعا مقالة أبى بكر فى مدح خالد ، تقول الرواية : ( وقالوا جميعا قول أبو بكر رحمه الله حين بلغه ذلك : يا معشر قريش يخبرهم بالذي أتاه : عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله .! أعجزت النساء أن ينسلن مثل خالد .). يعنى عجزت نساء العرب أن يلدن مثل خالد .. يا ترى كيف كان شعور الأخ عمر بن الخطّاب ؟
ثالثا : اموال خالد وإهانة أبى سفيان هما الأسباب المباشرة فى قتل أبى بكر
1 ـ واضح أن خالدا كان يتصرف فى الغنائم بلا رقيب ؛ فهو الذى يحصيها ويحدد نصيب الفارس والجندى المترجل ، وهو الذى يقدّر الخّمس منها ويبعثه لأبى بكر . ومن المنتظر أن يستغل هذا المال فى إستقطاب الناس اليه ، وهذا ما أفرع عمر وأبا سفيان ، وهم يرون الناس يتوافدون على خالد يبتغون عطاياه . يقول الطبرى : ( لما رجع خالد ومعه أموال جزيلة من الصائفة، انتجعه الناس يبتغون وفده ونائله، فكان ممن دخل عليه الأشعث بن قيس، فأجازه بعشرة آلاف. ) . وكان خالد يعطى زعماء القبائل ليضمن ولاءهم فى أى نزاع قادم ، وحين أعطى الأشعث بن قيس جُنّ جنون عمر . وكان هذا من أسباب التعجيل بقتل أبى بكر وعزل خالد . لذا كان من عقوبات خالد بعد عزله محاسبته على ما أعطاه للأشعث بن قيس . يقول الطبرى أن عمر كتب إلى أبي عبيدة: ( يأمره أن يقيم خالداً ويكشف عمامته، وينزع عنه قلنسوته، ويقيده بعمامته، ويسأله عن هذه العشرة آلاف، إن كان أجازها الأشعث من ماله فهو سرف، وإن كان من مال الصائفة فهي خيانة ، ثم أعزله عن عمله. ) ونفّذ أبوعبيدة الأمر : ( فطلب أبو عبيدة خالداً، وصعد أبو عبيدة المنبر، وأقيم خالد بين يدي المنبر، وقام إليه بلال، ففعل ما أمر به عمر بن الخطاب هو والبريد الذي قدم بالكتاب. هذا وأبو عبيدة ساكت لا يتكلم، ثم نزل أبو عبيدة واعتذر إلى خالد مما كان بغير اختياره وإرادته، فعذره خالد وعرف أنه لا قصد له في ذلك.)
2 ـ واستقوى أبو بكر بخالد ، ورآها فرصة لاذلال أبى سفيان ، خصوصا وأن يزيد بن أبى سفيان ورفاقه قد هزمتهم الروم بينما يتنقل خالد فى العراق من نصر الى نصر . وانتهز أبو بكر فرصة فبعث لأبى سفيان يهينه علنا على رءوس الأشهاد ، واضطر ابو سفيان أن يتملقه ويتذلل له . تقول الرواية : ( وبلغ ابا بكر عن ابى سفيان امر ، فاحضره واقبل يصيح عليه وابو سفيان يتملقه ويتذلل له . واقبل ابوقحافة فسمع صياح ابى بكر ، فقال لقائده : على من يصيح ابنى ؟ فقال له : على ابى سفيان . فدنا من ابى بكر ، وقال له : أعلى ابى سفيان ترفع صوتك يا عتيق ؟ وقد كان بالامس سيد قريش .! لقد تعديت طورك وجزت مقدارك. فتبسم ابو بكر ومن حضره من المهاجرين والانصار، وقال له : يا أبت إن الله رفع بالاسلام قوما وأذل به آخرين .) .
أبو سفيان هذا كان من قبل أعزّ فرد فى قريش ، ونتذكر الرواية التى تقول : ( أهدى ملك اليمن عشر جزائر إلى مكة وأمر أن ينحرها أعز قريشي. فقدمت وأبو سفيان عروس بهند بنت عتبة فقال له: أيها الرجل لا يشغلنك النساء عن هذه المكرمة التي لعلها أن تفوتك فقال لها: يا هذه دعي زوجك وما يختاره لنفسه والله ما نحرها غيري إلا نحرته. فكانت في عقلها حتى خرج أبو سفيان في اليوم السابع فنحرها. ). وتدور الأيام ويتعرض أبو سفيان لاذلال أبى بكر ، وهو الذى كان يهدد أبا بكر بعد السقيفة ويجعله يعين يزيد بن أبى سفيان قائدا . الآن تغير الوضع بانتصارات خالد فى العراق وتحالفه مع أبى بكر . لذا سارع أبو سفيان بالرحيل ولحق بابنه يزيد ، حيث يستعد العرب والروم للمعركة الفاصلة ، وهى اليرموك التى شارك فيها أبوسفيان محرّضا ، حرصا على مكانته هو وولديه يزيد ومعاوية . وكانت إهانة أبى بكر لأبى سفيان بمثابة إصدار الأمر بقتل أبى بكر ، والذى أسرع عمر بتنفيذه بالسم .
رابعا : توجّه خالد من العراق للشام ثم عزله
1 ـ لا نتصور أن يجرؤ عمر على نصح أبى بكر بعزل خالد الذى ينتصر على الامبراطورية الفارسية فى كل معركة ، ولكن هزم الروم المسلمين فى سوريا وقتلوا قائدهم خالد بن سعيد بن العاص ، وتفرقت جيوش المسلمين فى الشام ، مع استعداد الروم لحرب فاصلة معهم . هذه الظروف جعلت أبا بكر يأمر خالدا أن يترك العراق وأن يتوجه بجزء من جيشه لنجدة المسلمين فى هذه المحنة . تقول الرواية : ( ولما نزل المسلمون اليرموك واستمدوا أبا بكر قال : خالد لها ، فبعث إليه وهو بالعراق وعزم عليه واستحثه في السير ، فلما أتى خالدا كتاب أبي بكر بذلك قال خالد : ( هذا عمل الأعيسر ابن أم شملة ـ يعني عمر بن الخطاب ـ حسدني أن يكون فتح العراق على يدي ). أى فهم خالد أنها مكيدة من غريمه عمر . ومع ذلك أطاع خالد أمر أبى بكر ، واسرع بجزء من جيشه فلحق بجيوش العرب قبيل أن تنشب المعركة الفاصلة ( اليرموك ) .وقد حشد لها الروم 240 ألفا تحت قيادة باهان ، ومعهم (الشمامسة والرهبان والقسيسين يغرونهم ويحضضونهم على القتال . ووافق قدوم خالد قدوم باهان . فخرج بهم باهان .. وتيمنت الروم بباهان وفرح المسلمون بخالد . ). وتولى خالد القيادة: ( وحرد المسلمون وحرب المشركون وهم أربعون ومائتا ألف .. والمسلمون سبعة وعشرون ألف ممن كان مقيما إلى أن قدم عليهم خالد في تسعة آلاف فصاروا ستة وثلاثين ألفا . فولى خالد قتاله ، وقاتل الأمراء من بإزائهم ، فهزم باهان وتتابع الروم على الهزيمة فاقتحموا خندقهم . ) . أثناء المعركة وقبيل النصر مات أبو بكر ، تقول الرواية : ( ومرض أبو بكر رحمه الله في جمادى الأولى وتوفي للنصف من جمادى الآخرة قبل الفتح بعشر ليال .ومات أبو بكر رحمه الله مع الليل فدفنه عمر ليلا .!!). وتولى عمر فكان أول قرار له عزل خالد . إتّخذ هذا القرار وقت اندلاع معركة اليرموك ، ووصل رُسل عمر بالقرار بعدها .
2 ـ وتختلف الروايات فى تفاصيل وصول الخبر بعزل خالد . ومنها : ( قدم بوفاة أبي بكر إلى الشأم شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري ومحمية بن جزء ويرفأ . فكتموا الخبر الناس حتى ظفر المسلمون . وكانوا بالياقوصة يقاتلون عدوهم من الروم وذلك في رجب . فأخبروا أبا عبيدة بوفاة أبي بكر وولايته حرب الشأم . وقد كان عمر عزل خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة على جميع الناس . ) ( وقد قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد . فاستحيا أبو عبيدة أن يقرئ خالدا الكتاب حتى فتحت دمشق ، وجرى الصلح على يدي خالد وكتب الكتاب باسمه. فلما صالحت دمشق لحق باهان صاحب الروم الذي قاتل المسلمين بهرقل . وكان فتح دمشق في سنة أربع عشرة في رجب . وأظهر ابو عبيدة إمارته وعزل خالد بن الوليد. )
وهناك رواية لابن اسحاق يربط فيها عزل خالد بإهانته وتحقيره ومصادرة أمواله . يقول الطبرى : ( وأما ابن إسحاق فإنه قال في أمر خالد وعزل عمر إياه ...قال : إنما نزع عمر خالدا في كلام كان خالد تكلم به فيما يزعمون ، ولم يزل عمر عليه ساخطا ولأمره كارها في زمان أبي بكر كله ..فلما استخلف عمر كان أول ما تكلم به عزله فقال لا يلي لي عملا أبدا ) أى تكلم خالد كلاما أغاظ عمر فأراد عمر من أبى بكر أن يعزل خالدا ، وحين تولى عمر الخلافة أسرع بعزل خالد : ( فكتب عمر إلى أبي عبيدة : إن خالد أكذب نفسه فهو أمير على ما هو عليه وإن هو لم يكذب نفسه فأنت الأمير على ما هو عليه، ثم انزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله نصفين . فلما ذكر أبو عبيدة ذلك لخالد قال : "أنظرني أستشر أختي في أمري ." ففعل أبو عبيدة . فدخل خالد على أخته فاطمة بنت الوليد ، وكانت عند الحارث بن هشام ، فذكر لها ذلك . فقالت: " والله لا يحبك عمر أبدا وما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك. " ، فقبل رأسها ، وقال : " صدقت والله. " ، فتم على أمره وأبى أن يكذب نفسه ، فقام بلال مولى أبي بكر إلى أبي عبيدة فقال : "ما أمرت به في خالد؟ " قال : " أمرت أن أنزع عمامته وأقاسمه ماله.". فقاسمه ماله حتى بقيت نعلاه فقال أبو عبيدة : "إن هذا لا يصلح إلا بهذا" . فقال خالد : " أجل ما أنا بالذي أعصي أمير المؤمنين فاصنع ما بدا لك ." فأخذ نعلا وأعطاه نعلا . )
خامسا : موتة خالد الغامضة
1 ـ ومات خالد معزولا ، مات على فراشه متحسرا ، سنة إحدى وعشرين بحمص. ونعتقد أنه مات مسموما كأبى بكر .
2 ـ وللتعتيم على ميتته الغامضة والسريعة قام معاوية بتعيين عبد الرحمن بن خالد بن الوليد واليا من لدنه على حمص . وكان معاوية هو الذى يحكم الشام كله . ومع ذلك فإن شبح خالد بن الوليد كان يؤرق معاوية ، خصوصا وإن إنتصاراته فى العراق كانت لا تزال حيّة بين العرب هناك ، ومعظمهم كان من جُند خالد فى الفتوحات ثم سكنوا الكوفة والبصرة بعد تأسيسهما . وكان العراق مركز المعارضة لبنى أمية . وكانوا يسخرون من معاوية ويتوعدونه ويفخرون بانتصاراتهم على الفرس فى غزوة ذات السلاسل . ولذا عاش عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مّحاطا باسطورة أبيه . وفى خلافة عثمان جاء اليه المغضوب عليهم من عثمان والذين عاقبهم عثمان بالتسيير ، فاستدعاهم عبد الرحمن بن خالد وهددهم قائلا : (أنا ابن خالد بن الوليد.!. أنا ابن من قد عجمته العاجمات .!. أنا ابن فاقئ الردة .!. والله لئن بلغني يا صعصعة ابن ذل أن أحدا ممن معي دق أنفك ثم أمصك لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى ) .
وبنفس الغطرسة كان عبد الرحمن يتكلم مع معاوية نفسه ، تقول الرواية ( قال عبدُ الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة لمُعاوية: أما واللّه لو كُنَّا بمكة على السواء لعلمتَ! قال مُعاوية: إذاً كنتُ أكون مُعاوية بن أبي سفيان مَنْزلي الأبْطح يَنشقّ عنِّي سَيْلُه وكنتَ عبدَ الرحمن بن خالد منزلُك أَجياد أعْلاه مَدَرَة وأسفله عَذِرة.) .
3 ـ وكان معاوية كعادته يحلم ويتغاضى . ولكن عندما قرر أن يجعل إبنه يزيد ولى عهده فقد سار فى خطة مزدوجة ذات خطين متوازيين فى نفس الوقت ، هما التخلص من أى شخص محتمل أن ينافس ابنه يزيد فى الخلافة ، وإرهاب الشيعة و التخلص من قادتهم تمهيدا للتوريث .فكان قتل حُجر بن عدى الكندى ، وحمل عام 46 هجرية خبر إغتيال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، تقول الرواية : ( وكان سبب موته أنه كان قد عظم شأنه عند أهل الشام ، ومالوا إليه ، لما عندهم من آثار أبيه ، ولغنائه في بلاد الروم ، ولشدة بأسه ، فخافه معاوية وخشي على نفسه منه ، وأمر ابن أثال النصراني أن يحتال في قتله ، وضمن له أن يضع عنه خراجه ما عاش ، وأن يوليه جباية خراج حمص. فلما قدم عبد الرحمن من الروم دس إليه ابن أثال شربةً مسمومة مع بعض مماليكه ، فشربها فمات بحمص ، فوفى له معاوية بما ضمن له. ). عاش عبد الرحمن بن خالد بن الوليد يحمل شهرة أبيه خالد بن الوليد بطل الفتوحات . ولم يكتف بشهرة أبيه إذ أصبح من أبطال القواد فى الحرب المستمرة بين الروم والأمويين ، وكان يعود من غزواته بازدياد مستمر فى شهرته . وبهذه الشهرة يكون منافسا خطيرا ليزيد فى حالة التوريث . لذا كان لا بد من التخلص منه .وكان السم أفضل وسائل معاوية فى الاغتيال .
بالسم قتل معاوية الأشتر النخعى قائد (على) قبل أن يتولى حكم مصر من قبل (على ). وبعدها بالسم تم قتل (الحسن بن على) والذى كان مفروضا أن يلى الخلافة بعد معاوية تنفيذا للاتفاق بينهما فى عام الجماعة . وفى كل حالات الاغتيال يقوم طرف آخر بتلك المهمة القذرة .
4 ـ وبالسم مات من قبل خالد بن الوليد ، وقبله وبالسم مات أيضا أبو بكر . .
وقد تخصص الأمويون فى جريمة الاغتيال بالسّم ، حتى استعملوه فى صراعاتهم الداخلية . وسبق لنا نشر بحث عن إغتيال الخليفة سليمان بن عبد الملك بالسم ، تحت عنوان : ( التحقيق فى جريمة قتل غامضة حدثت عام 99 هجرية ).
كما قلت استاذ شكرى ، فالروايات لا تغطى كل الأحداث ، وتظل فجوات بينها يستعين عليها الباحث بتخمين ( علمى ) من واقع فهمه للعصر وللشخصيات والأحداث السابقة واللاحقة . هذا عدا الروايات الزائفة والمتداخلة والتى يلحقها التحريف والاضافات الكاذبة .
وأقول ردا على تساؤلك ، إن خالدا كان قائدا عسكريا فظا ، ولم يكن سياسيا ، لذا أخفق ، وقد أشرت لمقارنة بينه وبين عمرو بن العاص فى هذا الخصوص . خالد أخطأ سياسيا .ونحن هنا نتحدث عن السياسة المجردة وليس عن الاسلام وأخلاقياته ـ أخطأ خالد فى تدعيم صلته بابى بكر ولم يعرف أن الثقل السياسى هو مع ( عمر ) . ووضع نفسه فى مواجهة أبى سفيان ، مع انه يعرف من هوأبو سفيان . هذا الخطأ السياسى الفادح ترتب عليه قتل أبى بكر فى ساعات ، واصبح خالد تابعا لخصمه الخليفة ( عمر ) وضاعت انتصاراته التى صنعها خلال عامين . جاء توقيت قتل ابى بكر وعزل خالد فى الوقت المناسب ، وكلمة (عمر ) فى تبرير عزله لخالد تحمل الخوف المستقبلى من خالد ، إذ يزعم عمر أنه عزله حتى لايفتتن به المسلمون .. وهذا فى حد ذاته يشى بذعر عمر من سطوع نجم خالد لو ظل فى انتصارته فى حياة أبى بكر ، واستمرار أبى بكر يحكم سنوات طويلة .
المسلمون كانوا مؤهلين للعودة السريعة للثقافة الجاهلية السائدة فى العصور الوسطى ، لم يتعمق إحساسهم بالقرآن . وهذا يسرى على الأغلبية . وهناك منهم السابقون بالايمان والعمل ، وهم مختلفون عن ( صحابة الفتوحات ) .
ولك أن تنظر الى حال المسلمين اليوم فى ظل هذه المعرفة العلمية وثقافة حقوق الانسان والديمقراطية والتى تتفق مع جوهر الاسلام ..هل أغلبية المسلمين معنا أم مع أديانهم الأرضية ؟
هذا يؤكد أهمية الجهاد السلمى الذى نقوم به . وندعوك استاذ شكرى للمساهمة فيه بالمقالات وبالانضمام الى ( أعمدة أهل القرآن ) .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5097 |
اجمالي القراءات | : | 56,326,790 |
تعليقات له | : | 5,428 |
تعليقات عليه | : | 14,786 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
خاتمة كتاب ( القرآن الكريم والنحو العربى )
الكسائى : تلميذ الخليل ومؤسّس مدرسة الكوفة النحوية
سيبويه وتأكيد منهج الخليل بن أحمد فى هجر القرآن الكريم
( حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ )5ـ الوعى وموضوعاته العقيدية
دعوة للتبرع
الصحابة القرآنيون: الصحا بة لم يعرفو ا البخا رى ولا غيره ، أى هم...
عصمته بالوحى: السلا م عليكم ورحمه الله تحيه عطره استاذ ي ...
ثلاثة أسئلة: السؤ ال الأول : معاوي ة بن أبي سفيان ، ...
د شحرور: اود سؤال سيادت كم عن رأيكم في دراسا ت د. محمد...
العهد الشيطانى : كنت قد عاهدت الله ان لا اجامع زوجتي مرة اخرى...
more
دكتور احمد الاخ العزيز على القلب دائما سلام من الله عليك
لسائل ان يسأل ما دام حال ابوبكر وعمر وخالد وابو سفيان وغيرهم هكذا في البعد عن تعاليم الاسلام العظيمة والرجوع الى عقائد الجاهلية فلماذا لم ينفصل خالد عن ابي بكر ويؤسس لنفسه دولة من الدول التي فتحها ثم لماذا نراه انصاع لاوامر عمر حين عزله ولم يقم بانقلاب عسكري عليه وكان قادرا على ذالك لو اراد فلديه من الاستراتيجيات القتالية ما يمكنه من ذالك فهو يعرف حيثيات المسلمين في المدينة ودفاعاتهم وعدة الجيوش الاسلامية الاخرى والتي تحت قيادة غيره واماكن تواجدها فهل كانت ستكون تلك نيته الا ان عمر عاجله بقتل ابي بكر قبل ان يؤسس لنفسه ترتيبات من هذا القبيل مثلا ام ان حالة التدين عند المسلمين الذين دخلو في الاسلام قبيل موت النبي بفترة وجيزة وادخالهم في صراعات حروب الردة والتاسيس لمثل هذا الامر من قبل بحكاية مسيلمة وسجاح كانت ضعيفة ولم يكن لديهم الوقت لتدبر القرآن ..المؤامرة كبيرة وتحتاج الى تفصيلات اكبر ربما لا سيما ونحن نعيش مخلفاتها واساليبها الى الآن...اخي لا استطيع الا ان اشكرك على هذا المجهود القيم خصوصا والاملا يصعب حين يفقد الباحث وفرة المصادر ويجد نفسه مجهدا في استنطاق النصوص القليلة المتوفرة