رقم ( 3 )
الفصل الأول : أنواع من الصبر

الفصل الأول : أنواع من الصبر

فى سبيل السلام : الصبر الايجابى فى القتال الدفاعى 

أولا :

1 ـ الاعتداء بالهجوم الحربى على من لا يعتدى هو سمة الكافرين . فإذا كان ممكنا التعرف على المسلم بسلوكه السلمى وعلى المؤمن بإيثاره الأمن والأمان فإنه من السهل التعرف على الكافرين بهجومهم الحربى على من لا يعتدى عليهم ، وأشدهم كفرا هو الذى يستخدم إسم الله جل وعلا ودينه فى هذا الاعتداء ، يهتف الله أكبر وهو يقتل الأبرياء .               بهذا ممكن أن تعرف الكافرين المنتمين الى الاسلام إسما وهم أعدى أعدائه.

2 ـ لا بد لقوى الخير أن تتصدى لقوة الشر الباغية المعتدية ، حتى لو كانت تزعم الايمان  قال جل وعلا : (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّـهِ ۚفَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴿٩﴾ الحجرات )

3 ـ وقد تكرر مرتين قوله جل وعلا : (  وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ ).

3 / 1 :  تعقيبا على تغلب بنى اسرائيل على جالوت المعتدى المستكبر . قال جل وعلا : (  فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّـهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٢٥١﴾ البقرة)  وفيها تعرض المؤمنون المسالمون من بنى اسرائيل للطرد من بيوتهم . ذكرالله جل وعلا قولهم للنبى : (  قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا )  ﴿٢٤٦﴾ البقرة)

3 / 2 : وتكرر هذا فى الإذن بالقتال للمؤمنين فى دولة النبى محمد . قال جل وعلا : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴿٣٩﴾ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴿٤٠) الحج ). وهنا أيضا تعرض المؤمنون المسالمون للطرد من بيوتهم .

3 / 3 : القتال فى الحالتين هو لمواجهة الفساد فى الأرض . ويتعدى هذا حتى مع عدم وجود قوة للخير تتصدى لقوة الشّر الباغية . لو سيطرت قوة شريرة واحدة على هذا الكوكب لعمّ الفساد فيه وقاسى المستضعفون أكثر وأكثر . ولكن حين تعلو قوة فإن قوة أخرى تنافسها ، وهذا على مستوى عصابات المافيا المحلية وعلى مستوى العالم . 

4 ـ يسبق القتال الدفاعى ويواكبه دعوة للاسلام السلوكى أى السلام ومنع الحرب مع دعوة للاسلام القلبى لدخول الجنة لمن شاء. المؤمنون يتعاملون بالصبر الايجابى فى الدعوة ، بالحكمة والموعظة الحسنة وبالصفح والغفران عن المسىء ورد أذاه وإساءته بالتى هى أحسن ، ولكن إذا تطور الأمر الى هجوم حربى فعلى المؤمنين الاستعداد لصد الهجوم ثم بعد الاستعداد يردون الاعتداء بمثله وفق تشريعات القتال فى الاسلام والتى تعرضنا لها من قبل. وفى كل الأحوال يكون الصبر الايجابى مصاحبا لهم فى قتالهم الدفاعى .

ثانيا : بين الإهلاك والمواجهة الحربية فى تاريخ الأنبياء

1 ـ أرسل الله جل وعلا رسلا لكل المجتمعات البشرية من بعد هلاك الكافرين من قوم نوح . ولم يذكر رب العزة جل وعلا كل الأنبياء . قال جل وعلا : ( وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ )﴿١٦٤﴾ النساء )( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ )﴿٧٨﴾ غافر).  بالتالى فإن الله جل وعلا أرسل رسلا الى بقية مناطق العالم من الهند والصين الى استراليا والآمريكيتن وغيرهم. قال جل وعلا : ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴿٢٤﴾ فاطر).

2 ـ ويقول جل وعلا : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ( ١٢٣﴾ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّـهِ ۘ اللَّـهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّـهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٤﴾ الانعام ). المستفاد من هذا أنه كان فى كل قرية أكابر المجرمين ، وهم الحكام المستبدون ، والذين لا نزال نشقى بهم فى الشرق الأوسط . وأكابر المجرمين فى تاريخ ما قبل نزول القرآن الكريم كانوا يكذبون الرسل إستكبارا. وتعبير ( قرية ) فى القرآن يعنى المجتمع والدولة . بالتالى فهنا لمحة عن تاريخ عالمى قبل نزول القرآن فيه أكابر المجرمين يكفرون بالرسالات الالهية الداعية للعدل والحرية والسلام.

3 ـ وتاريخ الأمم قبل نزول القرآن ينقسم الى قسمين : أمم أهلكها الله جل وعلا وأبقى مؤمنيها ، كان المؤمنون غاية فى الضعف بحيث جاء التدخل الالهى بإهلاك المستكبرين . ثم جاءت مرحلة فى تاريخ الأنبياء والمؤمنين أصبح فيها المؤمنون يواجهون المعتدين المستكبرين بالقتال الدفاعى متمسكين بالصبر الايجابى وهم يقاتلون فى سبيل الله.

4 ـ عن مرحلة الاهلاك قال جل وعلا : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ) ﴿١٧﴾ الاسراء ).

وعن مرحلة القتال الدفاعى قال جل وعلا : ( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴿١٤٦﴾ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿١٤٧﴾ فَآتَاهُمُ اللَّـهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٤٨﴾ آل عمران ). وصفهم رب العزة بالصابرين : (وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) ووصفهم بالمحسنين (وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  ). والله جل وعلا يحب الصارين ويحب المحسنين.

ثالثا : بنو إسرائيل فى مرحلتى الاهلاك والقتال الدفاعى

1 ـ فى مرحلة الاهلاك : تعرضوا لإضطهاد هائل من فرعون . أوصاهم موسى عليه السلام بالصبر وبالاستعانة بالله جل وعلا والتقوى ، أى الصبر الايجابى : ( قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿١٢٨﴾ الاعراف ). الصبر الايجابى هنا واضح فى إدراكهم للظلم الذى يتعرضون له وعدم رضاهم عنه كما يفعل الآخرون من أصحاب الصبر السلبى الخانع . لذا ردوا قائلين لموسى بما يعبر عن مدى إحساسهم بالظلم : (قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ) ﴿١٢٩﴾ الاعراف ) . ولأنهم لا حول لهم ولا قوة فقد جاء التدخل الالهى بإغراق فرعون وجنده وقومه وتدمير منشئاته ، وورث بنو اسرائيل ملكه من بعده . قال جل وعلا : ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴿١٣٧﴾ الاعراف ). كان هذا لأن بنى إسرائيل صبروا صبرا إيجابيا (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ).

2 ـ فى مرحلة القتال : كتب الله جل وعلا لهم الأرض المقدسة ، وعليهم أن يدخلوها ، وهذا يستلزم تحركا إيجابيا ، وهم لم يتعودوه. تعودوا على المساعدة الالهية ومعجزات عصا موسى . بعد أن انتهى بقاؤهم فى مصر تركوها الى الشرق . قال لهم موسى يذكرهم بنعم الله جل وعلا عليهم : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴿٢٠﴾ المائدة ) . ودعاهم الى دخول الأرض المقدسة : ( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴿٢١﴾. كان هذا إختبارا لهم ، وقد رسبوا فيه بجدارة :  ( قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴿٢٢ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٣﴾قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴿٢٤) المائدة )

 3 ـ ومات موسى وتعرض بنو اسرائيل بعده لهجوم وطرد من بلادهم ، فطلبوا من نبى لهم أن يختار لهم ملكا يقودهم الى القتال للعودة الى بلادهم . قال جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا  ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿٢٤٦﴾ البقرة ) ، نلاحظ وصف رب العزة لأصحاب الصبر السلبى المتقاعسين عن القتال بأنهم ظالمون. وتنتهى القصة بإنتصار المؤمنين الصابرين صبرا إيجابيا . قال جل وعلا : (  قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّـهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٢٤٩﴾ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿٢٥٠﴾ البقرة ) . يتردد هنا وصف الصبر فى القتال الدفاعى : (وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا ) .

4 ـ القتال الدفاعى كان مفروضا فى التوراة والانجيل ونزل فرضا فى القرآن الكريم. قال جل وعلا : (  إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚيُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١١﴾ التوبة ).

5 ـ وفى معرض وعظ المؤمنين أشار رب العزة جل وعلا الى تصادمات حربية بين المؤمنين والكافرين فى عهد عيسى عليه السلام. قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّـهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ ۖ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ ۖ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴿١٤﴾ الصف )

رابعا :الصبر الايجابى فى القتال الدفاعى فى دولة النبى محمد عليه السلام

1 ـ إقتتال القبائل العربية كان عادة سيئة ، وإستفادت قريش من هذا بسبب قيامها على البيت الحرام ، فعاشت فى أمن ، قال جل وعلا : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚأَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَكْفُرُونَ ﴿٦٧﴾ العنكبوت ) ، لذا كانت دعوة الاسلام الاصلاحية السلمية ضد مصالح قريش ـ فكذبوا بالقرآن وإفتروا لهو الأحاديث ليضلوا عن سبيل الله. قال جل وعلا فى الآية التالية عن قريش : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ  أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴿٦٨﴾ العنكبوت ) ، وقال بعدها عن المؤمنين المجاهدين :  ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٦٩﴾ العنكبوت ) .

2 ـ أرغمت قريش النبى محمدا والمؤمنين على الهجرة الى مكة ، ثم تابعوهم بالغارات فى المدينة ليرغموهم على ترك الاسلام. قال جل وعلا : (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) 217 ) البقرة ) . إستعد المؤمنون للقتال ماديا ولكن كان إستعداهم النفسى ناقصا ، كان معظمهم رافضا للقتال ( النساء 77 ) وكارها له :( البقرة 216 )  ، كانوا مسلمين سلوكيا بمعنى السلام . لذا أمر الله جل وعلا رسوله أن يحرضهم على القتال . قال جل وعلا فى خطاب مباشر للنبى محمد : (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّـهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ﴿٨٤﴾ النساء  ). وجاء التحريض مرتبطا بالصبر الايجابى فى القتال ، قال جل وعلا للنبى محمد : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴿٦٥﴾  الْآنَ خَفَّفَ اللَّـهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٦٦﴾الانفال ). إذا صبروا فى القتال فالله جل وعلا معهم لأنه جل وعلا مع الصابرين.

3 ـ وفى موقعة بدر همت طائفتان من المؤمنين أن تفشلا ، وجادلون النبى فى رفض القتال إذ كانوا لا يريدون المواجهة الحربية ( آل عمران  122) (  الانفال  5 : 8) ، وجاءهم الوعد بالنصر إذا قاتلوا وصبروا صبرا إيجابيا . قال جل وعلا : ( بَلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴿١٢٥﴾  آل عمران ). وبعد الانتصار فى موقعة بدر قال جل وعلا يحثهم على الصبر الايجابى فى القتال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٤٥﴾ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٤٦﴾ الانفال ) . إذا صبروا فى القتال فالله جل وعلا معهم لأنه جل وعلا مع الصابرين.

4 ـ وفى الارتبط بين الجهاد والصبر الدفاعى قال جل وعلا للمؤمنين :

4 / 1: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴿١٤٢﴾ آل عمران ). هنا إرتباط الجهاد فى سبيل الله جل وعلا بالصبر ، والمكافأة هى الجنة . 

4 / 2 : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٢٠٠﴾ آل عمران ). هنا الصبر والمصابرة والمرابطة أى الحراسة الدفاعية . 

5 ـ ولأنه صبر إيجابى يصاحب القتال الدفاعى فقد قال جل وعلا فى صفات المتقين الأبرار الصادقين : (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴿١٧٧﴾ البقرة) . هنا الصبر فى البأساء والضراء أى المحن ، والصبر حين البأس أى فى الحرب .

 

 الصبر وحتميات القدر

أولا : الحتميات المقدرة سلفا

الحتميات هى التى لا مهرب منها ولا إختيار لنا فيها ولن نكون مسئولين عنها يوم القيامة ، وهى أربعة : الميلاد والوفاة والموت و الرزق والمصائب التى تنزل على الانسان من خير أو شر وبلا قصد منه . ليس فى إمكان مخلوق التحكم فى ميلاده ونشأته ،ولا فى رزقه ولا فى الافلات من موعد ومكان موته. كل ذلك مقدر سلفا، وناقشنا الحتميات وموضوع الرزق فى حلقات مطولة من برنامجنا على اليوتوب ( لحظات قرآنية ) . ونعرض لها بإيجاز :

1 ـ حتمية الميلاد : الله جل وعلا هو الذى يحدد موعد دخول النفس الى جنينها ، وهو الذى يحدد نوعية الجنين وصفاته ، قال جل وعلا : ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴿٦﴾ آل عمران ) وموعد ميلاده والعمر المقرر له سلفا أن يعيشه فى هذه الدنيا ، كل ذلك فى كتاب ، قال جل وعلا : ( وَاللَّـهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚإِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ ﴿١١﴾ فاطر) وكل شىء بمقدار وتقدير ، قال جل وعلا : (اللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴿٨﴾ الرعد ) . الانسان لا يختار والديه ولا أسرته ، ولا ملامح وجهه وجسده .

2 ـ حتمية الموت مكانه وزمانه : لكل نفس موعد موتها ، أو الأجل المحدد لها لتغادر هذه الحياة تعود الى البرزخ الذى أتت منه ، قال جل وعلا : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴿٣٨﴾الرعد)(   وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ) ﴿١٤٥﴾ آل عمران ) . ومحدد أيضا مكان موت كل نفس . وفى هزيمة موقعة أُحُد وجدها المنافقون الفرصة ليقولوا : لو إنكم إتبعتم رأينا ما قُتل القتلى فى جبل أُحُد . نزل الرد عليهم بأن مكان الموت محدد سلفا لا مهرب منه ، قال جل وعلا : (   يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ )﴿١٥٤﴾ آل عمران )

3 ـ حتمية الرزق : هو جل وعلا الذى يتحكم فى الرزق ، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أى يقلل . ونحن نتحدث عن الرزق غير الأساس والذى فيه التفاضل بين الناس ، قال جل وعلا : (وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ) ﴿٧١﴾ النحل ). هذا لا يشمل الرزق الأساس الذى به قوام الكائنات الحية ، وهذا الرزق الأساس تكفل به أيضا رب العزة جل وعلا القائل : ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٦﴾ هود  )، وقال جل وعلا :  (وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّـهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ) ﴿٦٠﴾ العنكبوت ) . لو كان الرزق بيد البشر لأصبح الجميع بليونيرات وما إفتقر غنى وما أفلس ميلونير .

4 ـ حتمية المصائب : هى ما يصيب الانسان من خير أو من شر بدون تدخل منه كأن يعثر على كنز أو يصيبه مرض ، وكل ذلك مقدر سلفا ومكتوب قبل وجودك فى هذه الحياة. المؤمنون يقولون : ( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴿٥١﴾ التوبة ) والمؤمنون يتخذون موقفا محايدا من هذه المصائب الحتمية لا يفرحون بها ولا يتحسرون عليها . قال جل وعلا : (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ ﴿٢٢ لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗوَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿٢٣﴾ الحديد )

ثانيا :

البشر أسباب فى حدوث ( بعض ) الحتميات :

1 ـ فى الميلاد لا بد من تدخل البشر ، من لقاء جنسى بين ذكر وأنثى بالزواج أو بغيره. وفى الرزق ترى الناس اسبابا فى الرزق ؛ صاحب العمل يحتاج الى العمال ويحتاج الى التاجر ليشترى منه والتاجر يحتاج الى مستهلك، والابن سبب فى رزق أبيه والأب سبب فى رزق إبنه ، والله جل وعلا هو الذى يرزق الجميع. قال جل وعلا عن الآباء والأبناء : (  وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ) ﴿٣١﴾ الاسراء ) (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) 151 ) الانعام ). وفى الموت قتلا يتسبب فيه القاتل ، وكذا فى إحداث المصائب من خير أو شر ، قد تكون بفعل فاعل .

2 ـ القاتل لا يحدد مكان أو زمان من يريد قتله . قد يرتكب جريمته عمدا وبإصرار ، ثم لا ينتج عنه قتل ، لأن موعد الموت لم يأت بعد للضحية ، فيتم إنقاذه . الانسان فى تدخله فى الحتميات لا يعلم الغيب وهو يقوم بها عامدا متعمدا . فرعون الذى إحتكر القوة قام بكل جرائمه بحريته المطلقة وبإختياره الشخصى ، ولم يكن يعلم الغيب وإنتهى الأمر بغرقه وجنده . القاتل وأى مجرم ينال عقابه على إرادته الشريرة وعمله بغض النظر عن الحتميات الالهية . وأى فاعل خير ينال الثواب بغض النظر عن الحتميات الالهية .

3 ـ كل هذا يدخل فى موضوع الابتلاء بالخير والشر وحرية الانسان فى عمل الخير أو عمل الشر ، والابتلاء فتنة ، والله جل وعلا يقول : ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴿٢٠﴾ الفرقان ). هنا يأتى موضوع الصبر فى موضوع الحتميات وموضوع الابتلاء : (  أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ).

4 ـ فيما سبق نعرف إن هناك حتميات يكون البشر سببا فيها ، وهناك حتميات تحدث بدون تدخل بشرى كالمرض والكوارث الطبيعية . ولكنها كلها تدخل تحت بند الابتلاء بالخير والشر والفتنة فى هذه الحياة الدنيا ثم يأتى الموت ثم اليوم الآخر، قال جل وعلا : (  كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٣٥﴾ الانبياء )

ثالثا : الصبر الايجابى للمؤمنين على ابتلاء الحتميات التى تحدث بدون تدخل الانسان

1 ـ فى إبتلاء ابراهيم عليه السلام رأى فى المنام أنه يذبح إبنه فأخبر إبنه ورضى الاب والابن بتنفيذ الحلم ، وقال الابن لأبيه أنه سيجده إن شاء الله من الصابرين :  ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿١٠٢﴾ الصافات ).  وإبتلى الله جل وعلا النبى أيوب فصبر صبرا إيجابيا إستحق أن يقول جل وعلا عنه : ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴿٤٤﴾ ص )

2 ـ والتواصى بالصبر الايجابى جاءت به الأوامر الالهية :

2 / 1 : عن صبر المتقين من بنى اسرائيل قال جل وعلا : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ) ﴿٢٤﴾ السجدة ) . وأمر الله جل وعلا بنى اسرائيل بأن يستعينوا على كل شىء بالصبر وبالصلاة،قال جل وعلا : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة ) ٤٥( البقرة )

2 / 2 : وهو نفس الأمر للمؤمنين ، فى قوله جل وعلا (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٣﴾ البقرة ). يكفى أن يكون الله جل وعلا ( مع الصابرين ).!

3 ـ والتواصى بالصبر يكون بين المؤمنين :

3 / 1 أوصى لقمان إبنه فقال : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿١٧﴾ لقمان )

3 / 2  ـ والتواصى بالصبر والتراحم من صفات المؤمنين المفلحين يوم الدين ، قال جل وعلا : ( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴿١٧﴾ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ﴿١٨﴾ البلد ) .

4 ـ وجاءت البشرى الالهية للصابرين على ما اصابهم :

4 / 1 : قال جل وعلا : ( وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴿٣٤﴾ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣٥﴾ الحج )

4 / 2 : وفى التأكيد الالهى على إبتلاء وأختبار المؤمنين . قال جل وعلا : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) (١٥٥﴾ البقرة ) أى جاءت لهم البشرى إذا صبروا على هذه الابتلاءات ، بعدها يقول جل وعلا عن صبرهم الايجابى :  ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿١٥٦﴾ البقرة ) . أى نحن مملوكون للرحمن جل وعلا واليه مصيرنا يوم القيامة . وتأتى الآية التالية بأروع ما يكون من البشرى قال جل وعلا : (  أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴿١٥٧﴾ البقرة ) . جزاؤهم أن يصلى الله جل وعلا عليهم أى يرحمهم .

رابعا : الكفر مكان الصبر

نحن نتقلب في حياتنا بين نعمة ونقمة ، بين إبتلاء بما نحسبه خيرا وإبتلاء نحسبه شرا. وكلها أمور نسبية ، وموقفنا هو الذى يحدد إن كانت خيرا أو شرا. إن صبرنا صبرا إيجابيا فنشكر ونصبر خرجنا من الابتلاء بالخير. إذا كان صبرا سلبيا بالشكوى وبالكفر خرجنا من الابتلاء بالخسارة والشّر . وحقيقة الايمان تتجلى فى هذه الابتلاءات عند الانسان . مع ملاحظة ان مصطلح الانسان فى القرآن الكريم يأتى عن العُصاة.

ونعطى بعض تفصيل:

1 ـ على عكس الصبر الايجابى للمؤمنين ترى ضعيف الايمان إذا أصابته مصيبة غضب وكفر. وهذا صنف موجود بين الناس فى كل زمان ومكان ، قال جل وعلا : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴿١١﴾ الحج  )

2 ـ الانسان لا يسأم من دعاء الخير ، وإذا مسه سوء أصابه اليأس والقنوط ، قال جل وعلا : ( لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ﴿٤٩﴾ فصلت )

3 ـ الانسان عند النعمة يغتر ويعرض عن الحق وعند النقمة ييأس من رحمة الله جل وعلا ، قال جل وعلا : ( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ﴿٨٣﴾ الاسراء ) أو يشكو متبرما ( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴿٥١﴾ فصلت )

4 ـ نعمة ثم تعقبها نقمة :

4 / 1 : يفرح بالنعمة ثم إذا أصابته مصيبة بسبب عمله السىء يقع فريسة اليأس ، قال جل وعلا : ( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴿٣٦ الروم ) .

4 / 2 : أو يقع فى الكفر . قال جل وعلا : ( وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ ﴿٤٨﴾ الشورى )

4 / 3 :  أو فى الكفر واليأس معا ، قال جل وعلا : ( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﴿٩﴾ هود )

4 / 4 : إذا أنعم الله جل وعلا عليه بالثروة يظن أنه أثير الى ربه فإذا أصابه فقر ظن ان الله جل وعلا أهانه ، قال جل وعلا : ( فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴿١٥ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴿١٦﴾ الفجر )

5 ـ نقمة ثم تعقبها نعمة :

5 / 1 : تصيبه مصيبة الضراء فإذا أبدلها الله جل وعلا بنعمة يصيبه الغرور، قال جل وعلا :  ( وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴿١٠﴾ هود ) لا يقع فى هذا المؤمنون الصابرون صبرا إيجابيا. قال جل وعلا فى الآية التالية : ( إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴿١١﴾ هود )

5 / 2 : تصيبه مصيبة الضراء فإذا أبدلها الله جل وعلا بنعمة  وقع فى الكفر ، قال جل وعلا :  ( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ۚ قُلِ اللَّـهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴿٢١﴾ يونس )

5 / 3 : وإذا ذاق الخير بعد سوء أصح مغرورا الى درجة يكفر باليوم الآخر ويظن نفسه أثيرا محبوبا من ربه سيدخل الجنة مهما عصى . قال جل وعلا : ( وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـٰذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ ۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴿٥٠﴾ فصلت ).

التعليقات

Ben Levante

وجهة نظر في موضوع العلم بالغيب وإرادة وإذن الله

السلام عليكم

أولا العلم بالغيب: الانسان لا يستطيع أن يدرك من الزمن إلا موضعا واحدا، فإحداثية الزمن لا يدركها كباقي الاحداثيات، فلا يستطيع معرفة ما سيحدث مستقبلا، أي قبل أن يتشكل الحدث ليقع. والانسان لا يستطيع حتى تصور هذا الادراك. علم الله بالغيب وبأحداث المستقبل لا يعني بالضرورة أن الله قد أمر وخطط لهذا الحدث، وهذا في رأيي هو الاعجاز في علم الغيب، إذ ليس من علم الغيب مثلا أن يعلم رئيس دولة عن قتل أحد المعارضين إذا كان هو من خطط للقتل.

ثانيا إذن الله: في رأيي، لا شيء يحصل دون موافقة الله على حدوثه. الله يستطيع أن يمنع حدوثه أو يأمر بحدوثه، أو يجعل سبباً لحدوثه وفي هذه الحالات هو المخطط لهذا. أو أن يسمح بحدوثه، فلا يكون المخطط والآمر لذلك وانما يعطي الضوء الاخضر لحدوثه. أعطي مثلا على ذلك: عندما يعمل أحد من الناس في شركة ما، يستطيع الدخول يوميا من بوابة الشركة، وفي هذه الحالة يدخلها بإذن الشركة، لكن الشركة لا تقوم بآيقاظه وأخذه إلى الشركة، فهو الذي يقرر أن يذهب أو أن لا يذهب. بناءً على هذا فالله يعلم متى سيموت شخص ما وأين (العلم بالغيب)، ولن يموت هذا إلا بإذن الله (إلا بإذنه)، وهذا دون التخطيط لموت هذا الشخص. إذا كان الامر غير هذا فأنا أطرح السؤال التالي:

إذا كنت على قناعة بعكس ما جئت به أعلى وأن الموت وبتوقيته ومكان حدوثه هو مخطط له من الله، فأنا أستطيع أن ألقي بنفسي من أعلى جبل شاهق دون الخوف من الموت، إذ إن كان الموت مقدرا لي جدوثه فسأموت في قمة الجبل أيضا. هذا مع العلم بأن ما سأقوم به ليس انتحاراً، ذلك لقناعتي بأنني لن أموت من جراء القفز. حسب قناعتي سبب الموت هنا هو القفز من الجبل. الله كان يعلم بحدوثه وسمح بحدوثه، لكنه ليس هو بالضرورة من أمر به. وإن أحد قال أن القفز كان بأمر الله، فمعنى هذا أن الانسان مسيرٌ وليس مخيراً.

ملاحظة: الموت شيء حتمي. أنا أتكلم هنا عن متى وأين. الموضوع خضنا به مراراً

أحمد صبحى منصور

علمه جل وعلا بالغيب منبعه انه جل وعلا خالق الزمن. وكل كائن مخلوق حى له جزء من الزمن يحياه ، وهذا الزمن المقدر له فد قدره رب العزة جل وعلا سلفا . وفى النهاية فكل شىء هالك الا وجهه ، وكل من على هذه الأرض فان ويبقى وجهه جل وعلا الأول والاخر والظاهر والباطن والذى هو بكل شىء عليم

محمد العودات

يستطيع الشخص الواقف اعلى الجبل ان يشرب فنجان من القهوه او ان يجلس على القمه ويغادر او ان يتأمل في خلق الله او ان يقفز ويقرر الانتحار الخيارات متاحه امامه ... والعدد الغير محدود من هذه الطرق الله يعلمها فأذا قرر الانتحار فهذا موت محتم تنتهي حياته  واذا قرر التامل فستسمر حياته ويعلم الله ان بعد هذا التامل سيتزوج ويعلم الله بعد فنجان القهوه سيسافر الى فرنسا . الخلاصه : اي طريقه سلكها هذا الشخص ،  الله يعلم متي سيموت  اذا قرر شرب فنجان القهوه سيموت بعد يومين في سكته قلبيه واذا قرر التامل سيموت عند الذهاب الي الحج... 

 

 

الصبر الايجابى للمؤمن على ظلم الظالمين

أولا : الصبر الايجابى والاحسان 

1 ـ لنفترض أننى مظلوم ( ولقد تعرضتُ للظلم ولا أزال ) : أمامى أن أعفو أو أن أرد السيئة بمثلها : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ) ﴿٤٠﴾ الشورى )  . إن عفوت فهذا إحسان : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴿٤٠﴾، وإن عاقبت قصاصا السيئة بمثلها فهذا هو العدل.

2 ـ والاحسان فى الاسلام فوق العدل. والله جل وعلا أمر بالعدل والاحسان ونهى عن الفحشاء والمنكر (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٩٠﴾ النحل 90 ) .

3 ـ والاحسان درجات :

3 / 1 : الدرجة الدنيا ، وهو مجرد الغفران مع الصبر على الأذى ، وهذا لغير القادر على دفع السيئة إلا بالسكوت والصبر والغفران تسامحا وأملا فى ألجر من رب العزة الذى لا يكلف نفسا إلا وسعها . قال جل وعلا : (  وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴿٤٠﴾) (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴿٤٣﴾ الشورى ). الصبر هنا إيجابى لأن المظلوم لديه وعى بما يحل به من ظلم ، ووجوب مقاومته ولكن لا يستطيع إلا الصبر والعفو.

3 / 2 : الدرجة العليا : أن ترد السيئة بالحسنة ، وليس مجرد العفو. كأن يشتمك شخص فترد عليه بالدعاء له . قال جل وعلا  فى الصابرين إبتغاء مرضاة ربهم جل وعلا : (  وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴿٢٢﴾ القصص ). أى يردون السيئة بالحسنة . ومن صفات عباد الرحمن أنهم يردون على جهل الجاهلين بالسلام ، قال جل وعلا : (  وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴿٦٣﴾ الفرقان )

3 / 3 : الدرجة الأعلى :

3 / 3 / 1 أن ترد السيئة بالتى هى أحسن . قال جل وعلا : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) ﴿٩٦﴾ المؤمنون ).

3 / 3 / 2 : أى أن يسبك شخص فتدعو له وتمدحه وتعطيه مالا . هذه درجة عليا تستلزم صبرا عظيما ، لا يقوم بها إلا أحسن المؤمنين إيمانا وصبرا. قال جل وعلا :( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿٣٤﴾ فصلت ) أنت بهذا تخاطب الخير فى داخله فلا يملك إلا أن يستجيب لك بالخير ويتصرف ( كأنه ) ولى حميم ، وما هو ب ( ولى حميم ). فى الآية التالية قال جل عن هذه الدرجة من الصبر الايجابى والاحسان والتسامح :  ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿٣٥﴾ فصلت ).

ثانيا : صبر الدعاة للحق

1 ـ الداعية للحق هو الأكثر تعرضا للأذى ، ولأنه يبتغى مرضاة ربه جل وعلا وليس مرضاة الناس فهو لا تأخذه فى الحق لومة لائم . فى معرض التأنيب للصحابة ضعاف الايمان قال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٥٤﴾ المائدة ). الداعية الى الحق يرجو ان يكون بجهاده فى سبيل الرحمن ضمن أولئك الذين يحبهم الله جل وعلا ويحبونه ومن المتمتعين بفضله جل وعلا ، لذا لا تعنيهم مرضاة الناس أو سخط الناس ، يكفيهم مرضاة رب الناس ، ولو  تعرضوا الى لوم فى قول الحق لا يأبهون بهذا اللوم .

2 ـ يأتيهم اللوم من طبيعة الدعوة للحق ، فهى لا تعرف التوسط : ( لا إله إلا الله ، لا يعلم الغيب إلا الله ، ليس لهم من دونه ولى ولا شفيع ، فبأى حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) ، وهذا يعنى تحطيم أساطير الشفاعات وتقديس الأنبياء والأولياء وتقديس الكتب والأحاديث . المشركون يعتبرون هذا سبّا فى آلهتهم ، أن تصف النبى محمدا بما جاء عن بشريته فى القرآن الكريم يكون عندهم سبّا وعداءا للإله الذى أسموه محمدا . أن تعرض أعمال الصحابة وخلفائهم ( الراشدين ) على القرآن الكريم فهذا عندهم كفر بالصحابة المعصومين عندهم . أن تثبت كذب البخارى وغيره فهذا إنكار لدينهم أو إنكار للسنة. أن تناقش خرافات التشيع والتصوف فهذا كفر عندهم . الداعية يصدع بالحق ويعرض عن المشركين الجاهلين ، فهذا ما قاله رب العالمين لخاتم النبيين : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴿٩٤﴾ الحجر ) (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٠٦﴾ الانعام ) (  خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴿١٩٩﴾ الاعراف ).

2 ـ الصبر الايجابى لدى الداعية للحق يتجلى فى تمسكه ما إستطاع بالدرجة الأعلى من الاحسان والصبر . قال جل وعلا : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٣٣ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿٣٤ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿٣٥﴾ فصلت ) .

3 ـ الايمان باليوم الآخر ويوم الحساب وما يتبعه من خلود فى الجنة أو خلود فى النار يدفع الداعية للتسامح والصفح الممزوج بالصبر .

3 / 1 : تأمل قوله جل وعلا لخاتم النبيين : (  وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴿٨٥﴾ الحجر) . أى ليس مجرد الصفح ولكنه الصفح الجميل .

3 / 2 : وقال له جل وعلا: ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلَاءِ قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ ﴿٨٨ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴿٨٩﴾ الزخرف). هنا صفح مرتبط بقول السلام. والسلام هو الاسلام السلوكى .

3 / 3 : وقال جل وعلا للمؤمنين عموما يأمرهم بالغفران : (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّـهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿١٤ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿١٥﴾ الجاثية  ). الغفران لأن الكافرين المشركين يؤذون المؤمنين بالقول وبالفعل ، ويجب على المؤمنين الرد عليهم بالغفران ، ففى النهاية فإن الذى يكسب إثما إنما يأتى يوم القيامة يحمل إثمه . قال جل وعلا : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّـهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴿٣١﴾ الانعام  ). الاضطهاد الذى يتعرض له المؤمنون سينتهى بوقته أما جزاء الكافرين فى النار فهو خلود لا نهاية له.!!

4 ـ هذا الصفح الجميل ومقابلة السيئة بالسلام هو أعلى مراتب الصبر الايجابى ، وهذا لا يوجد إلّا لمن لديه إيمان حقيقى بالله جل وعلا مالك يوم الدين.

ثالثا : فى عصرنا الحزين فى بلاد المحمديين

1 ـ المستبد يحتكر السلطة والثروة وبأعوانه وبدولته العميقة يقهر الشعب بالتعذيب. المؤمنون من المستضعفين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، وهم لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا.

2 ـ المؤسف أن اكثرية المستضعفين هم أيضا ظالمون ؛ إذ يظلمون رب العزة بتقديس البشر والحجر ، وهم أيضا خانعون راضون بالظلم راكعون له ، يقفون موقفا معاديا من دعاة الاصلاح السلمى ، وهم معادون أيضا للثوار المسالمين كما حدث فى ثورة الأحرار المصريين  على حسنى مبارك عام 2011. لا يمكن تحقيق الاصلاح إلا بتغيير هذه الأغلبية ما فى أنفسها من صبر سلبى من خنوع ورضى بالذل الى الصبر الايجابى الذى يعنى النضال والرضى بتحمل النتائج . إذا حدث هذا التغيير فى أنفس الأغلبية بإرادتهم الحُرّة كانت إرادة الله جل وعلا مؤيدة لهذا التغيير . قال جل وعلا : ( إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (١١﴾ الرعد ).

3 ـ المستبد بأجهزته القمعية يخشى وصول هذا التغيير الى القاعدة العريضة ( الكتلة الحرجة ) ، لذا لا يتأتى هذا التغيير إلا بتضحيات يدفعها المصلحون القائمون بالتوعية ؛ التوعية بالظلم القائم وضرورة التصدى له ، والتوعية بأن التصدى له فرض واجب وهو حتى فى مصلحة الحاكم . فالحاكم فى نظام ديمقراطى لا يعيش فى الرعب الذى يعيش فيه الحاكم المستبد . لو تصدى العراقيون لصدام حسين من البداية لسقط منهم بضعة آلاف ، ولكن سكتوا فسقط منهم ملايين وفقدوا ملايين البلايين من الأموال. لو تمسك الثوار المصريون بمواقعهم ورضوا بالتضحية بعشرات ألوف إضافية لما سقط منهم عشرات الألوف عدا آلاف قادمة من الضحايا وتعذيب وذل وهوان لا مثيل له من قبل .

عقيدة المؤمن الداعية الصابر المجاهد

الذى يدفع المؤمن راضيا الى تقديم هذه التضحية هو إيمانه بالله جل وعلا وباليوم الآخر. ونعطى بعض ملامحها :

1 ـ هذا الداعية الصابر المؤمن يعتبر الدنيا وحياته القصيرة فيها مجرد رحلة يتزود فيها بالتقوى. قال جل وعلا : (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ ۗوَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴿١٩٧﴾ البقرة ) .

2 ـ وهو لا تلهيه زخارف الدنيا وزينتها لأن مقصوده رحمة ربه وهى خير مما يجمعه المهووسون بالدنيا وزينتها ، قال جل وعلا : (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗوَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴿٣٢﴾ الزخرف ) .

 3 ـ وهو يعلم من القرآن الكريم أن عذابا حتميا سيحل بالظالمين فى الدنيا وفى الآخرة :

3 / 1 : عذاب الدنيا : يسلطه الله جل وعلا على الظالم فى حياته . يقول جل وعلا بأسلوب التأكيد الثقيل : (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿٢١﴾ السجدة)  الظالم العادى قد يتوب ويرجع . أما المستبدون فعن إجرامهم لا يرجعون . لا يغرنك إبتسامة المستبد وملامح الثقة المصطنعة التى يرسمها على وجهه ، هو مرعوب مرعوب ، تطارده كوابيس ظلمه وأشباح ضحاياه ، ويتوقع الانتقام ، ولا يثق حتى بأقرب الناس اليه . وهو يرى مصارع أقرانه المستبدين وكل يوم يشعر بالاقتراب من نهايته ، ولعلاج هذا يزداد ظلما ليؤمّن نفسه فلا يزداد بظلمه إلا هلعا وخوفا ، ويظل يدور فى حلقة مفرغة من الظلم والرعب الى أن يسقط كما سقط أمثاله.

3 / 2 : عذاب الآخرة : قال جل وعلا : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴿٤٢﴾ ابراهيم ) . يكفى التدبر فى قوله جل وعلا :(وَلَا تَحْسَبَنَّ ) وهى محمّلة باسلوب التأكيد الثقيل ، ثم قوله جل وعلا عن ذاته (غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) . يقشعر قلب المؤمن من هذا الاسلوب ، ولكن هذا الاسلوب يدفعه لأن يتأكد من بقية الآية وهو عذاب الظالمين المؤجل والذى جاء باسلوب القصر (إنما ) : (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ )

4 ـ وهذا التأجيل يعنى :

4 / 1 : أن ينخدعوا بمظاهر النعمة ويحسبوها مسارعة لهم فى الخيرات . قال جل وعلا : (  فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ ﴿٥٤﴾أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴿٥٥﴾ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ﴿٥٦﴾ المؤمنون ).

4 / 2 : بالتالى ينغمسون اكثر وأكثر فى آثامهم فيتأهلون لعذاب مهين يوم الدين. قال جل وعلا : ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿١٧٨﴾  آل عمران )

4 / 3 : إنه الاستدراج . قال جل وعلا : ( سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٤٤﴾ وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴿٤٥﴾ القلم )

4 / 4 : إنه الإمهال . قال جل وعلا :  ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿١٥﴾ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿١٦﴾ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴿١٧﴾ الطارق )

5 ـ هكذا كان الحال فى الماضى مع الطغاة الأقدمين: ( الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴿١١﴾ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴿١٢﴾ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴿١٣﴾ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴿١٤﴾ الفجر ) . كان الله جل وعلا لهم بالمرصاد . وهو جل وعلا لطغاة اليوم بالمرصاد .

أحسن الحديث :

قال جل وعلا : (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴿١٩٦﴾ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴿١٩٧﴾ آل عمران ).!!

تعليقات

  Ben Levante    

مداخلة خارجة عن الموضوع

السلام عليكم .

البارحة قدمت قناة فرانس 24 التلفزيونية كاتبة وباحثة تونسية اسمها هالة وردي وذلك بخصوص كتابها الجديد "الخلفاء الملعونون". الكتاب باللغة الفرنسية بعنوان "Les califes maudits". للكاتبة كتاب آخر تحت عنوان "الايام الاخيرة لمحمد"، أيضا بالفرنسية "Les derniers jours de Muhammad". على سؤال لمقدم البرنامج "لماذا الكتاب بالفرنسية وليس بالعربية"، أجابت بأن ما يحتويه الكتاب موجود بالعربية، لذلك ألفته بالفرنسية لكي يطلع عليه قراء لا يعرفون أو لا يتقنون العربية. أنا لم أقرأ الكتاب ولن أستطيع قراءته، لكن ما قالته في البرنامج يوحي بأنه يحتوي على ما يشابه ما تكتبون عن الخلفاء، طبعا مع التحفظ فبدون قراءة الكتاب لا يستطيع الانسان أن يعلم النصوص وما خلفها. بحثت عن الكاتبة في الانترنت ولم أجد عنها إلا معلومات شحيحة (لم أجد لها أثرا في الويكيبيديا). كتابها منع في بعض البلدان. أنا أتساءل مع شيء من الحنق والغضب: لماذا يستضيف برنامج مشهور مثل فرانس 24 مثل هذه الكاتبة ولا يستضيف أحمد صبحي منصور، وكأنه غير موجود على البسيطة، علما بأن هذه الكاتبة تأتي بأشياء لا أحد من ذوي اللحى يستسيغها، كما هو الحال مع أحمد صبحي منصور.
رابط البرنامج على قناة فرانس 24:
http://f24.my/4q7y

أحمد صبحى منصور   :

                                                                                                        أثرت هذه النقطة فى معرض التعتيم علينا فى لقاء مع برنامج عصير الكتب الذى يقدمه الاستاذ بلال فضل. وتم نشر حلقة وننتظر حلقتين قادمتين. نشرنا الحلقة الاولى ضمن اخبار الموقع:
http://ahl-alquran.com/arabic/show_news.php?main_id=46393

 

سعيد على
هذا هو المؤمن و هذه نظرته الراقية لهذه الحياة.
حفظكم الله جل و علا الدكتور أحمد .. هذا ما يجب أن يتصف به المؤمن الحق .. عليه أن يتجمل بهذه الدرر الرائعة الراقية في حياته القصيرة لأن ما ينتظره و يأمله نعيم أبدي و فرح و سرور سرمدي .. ما أجمل الصفح الجميل .. ما أروع الإحسان في أبهى صوره .. في التأريخ - الاسلامي -  الذي يدرس و يتخذ من أساطيره قدوة  لا تجد فيهم هذه السمات القرءانية الراقية .. تجد القسوة و القتل و السبي و النهب و القهر أين هم من روعة القرءان الكريم .. يا حسرة .. ألف حسرة و حسرة .. التاريخ يكرر أحداثه .. يدفع البسطاء الثمن و ببعدهم و هجرهم للقرءان الكريم فالبؤس و الشقاء ديدن حياتهم .. الله جل و علا فقط هو المستعان.

استاذ  بن ليفانت : هالة الوردي كاتبة تونسية لها كتاب كما تفضلت ( الايام الأخيرة في حياة النبي محمد عليه السلام ) تحدثت فيه من واقع كتب التراث عن تلك  الأيام و أستنتجت في فكرتها عودة السلطة القرشية لقيادة العرب .. هالة لو قرأت للدكتور أحمد لأنبهرت و توسعت مداركها و كم كنت أتمنى لو تكون واحدة من قراء الموقع لترجمه أفكار الدكتور أحمد باللغة الفرنسية التي تجيدها و تحذقها . هشام جعيط المفكر و الباحث  التاريخي التونسي الأبرز - عمرا و بحثا - سقط سقطه تاريخية في ردة على كتاب هالة الأخير الذي تحدثت أنت عنه ( الخلفاء الملعونون ) .. هشام من أسف لم يتحمل ما قرأ من كتاب هالة .. هالة لو قرأت مقالات الدكتور أحمد لأصلت بحثها و خرجت بنتائج تؤيد رأيها و لكن بتأصيل تأريخي معمق . الدكتور أحمد قامة تاريخية و فكرية أكثر من رائعة و من أسف أن لا ينال التكريم .. لكن هذا هو الدكتور أحمد بكل تواضع .. الدكتور أحمد الكل و بدون مبالغة ينهلون من فكره و هذا أسمى تكريم لأبو محمد .. حفظه الله جل و علا .. الله جل و علا لا يضيع أجر من أحسن العمل

أجمد صبحى منصور.

شكرا ابنى الحبيب استاذ سعيد على ، واقول   
أيها السعيد على : ربما لا تعرف أننى ( سعيد ) جدا بتسلل الفكر الذى أتبناه الى عقول وأقلام الكثيرين.
من ثلاثين عاما تقريبا كتبت أقول إن خطابى لا يتوجه الى العوام وأنصاف المثقفين ، بل الى المثقفين ، وهم الذين يصلون به الى من هم دونهم . أرى هذا يتحقق من عشرين عاما تقريبا . السعادة الكبرى فى أهل القرآن الذين تحولوا الى مشاعل فكرية. حين يأتينى الأجل سأموت مستريحا لأن الشجرة التى زرعتها أثمرت فى حياتى ، أصلها ثابت وفرعها فى السماء . ولا عزاء لمواشى الأزهر الذين ظنوا انهم بإحالتى على المعاش وانا فى الثامنة والثلاثين من العمر سأظل عاطلا

 

الصبر الايجابى للمصلحين فى داخل مجتمعاتهم 

أولا : الخطاب القرآنى بين المجموع والفرد

1 ـ الخطاب القرآنى يتوجه فى الأغلب للمجموع : ( يا بنى آدم )، ( يا أيها الناس )،( الذين آمنوا ، الذين كفروا ) .. الخ ) . ويتوجه للنبى الفرد فى خطاب مباشر : ( يا أيها النبى ) . ومنه خطاب خاص به مثل :( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿١١٠﴾ الكهف )، ومنه خطاب يتعلق بالدعوة وبالتالى يكون خطابا لمن يسير على خُطى النبوة ،مثل : (  قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٠٨﴾ يوسف  ). محمد بن عبد الله كان خاتم النبيين والقرآن الكريم هو خاتمة الرسالات الالهية الى نهاية العالم . والأوامر بالصبر الايجابى أتت للنبى وأيضا لمن يسير على طريق النبى فى الدعوة بالقرآن الكريم الى نهاية هذا العالم .

2 ـ وفى يوم القيامة هناك التوازى بين الفرد ومجتمعه . هناك كتاب أعمال جماعى قال جل وعلا عنه : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴿٤٩﴾ الكهف ) ، وهناك كتاب أعمال فردى يسجل كل ما يطير عن الشخص من أعمال وأقوال ونبضات ومشاعر، قال جل وعلا :( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ﴿١٣﴾اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴿١٤﴾ الاسراء ) . كتاب الأعمال لكل فرد يسجل حياتهالخاصة وتفاعله مع مجتمعه إن خيرا أو شرا. يؤتى بكل جماعة أو مجتمع جاثية تنتظر موعدها فى الحساب ومعها كتاب أعمالها الجماعى . قال جل وعلا : ( وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ۚ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴿٢٨ هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٢٩﴾الجاثية ) . من كتاب الأعمال الجماعى تأتى نُسخ لكل فرد (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) . كل فرد من البشر والجن والملائكة والشياطين يأتى فردا للحساب ، قال جل وعلا : ( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَـٰنِ عَبْدًا ﴿٩٣ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴿٩٤ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴿٩٥﴾ مريم ) .

3 ـ ويوم الحساب يؤتى بالنبيين والشهداء أولا ثم يكون حساب بقية الأمم والأفراد، قال جل وعلا : ( وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴿٦٩ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴿٧٠﴾ الزمر ) . الشهداء هم الذين يشهدون على أقوامهم.

كل نبى يأتى شهيدا على قومه شهادة خصومة قال جل وعلا : (  فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴿٤١﴾ النساء )  ، وكذلك هناك شهود من غير الأنبياء ، وهم الذين ساروا على طريق النبى فى الدعوة للحق ( لا إله إلا الله ) وتحملوا من الكافرين العنت والاضطهاد. يؤتى بالشهداء الأنبياء و الشهداء غير الأنبياء فى المقدمة ليشهدوا على ما عانوه من أقوامهم .

4 ـ الصبر الايجابى هنا هو محور شهادتهم. كيف صبروا على أذى أقوامهم .

ثانيا :  فى التفاعل الايجابى وعظا وإصلاحا فى بنى اسرائيل 

1 ـ كان من بنى إسرائيل مؤمنين ورد ذكرهم كثيرا فى القرآن الكريم ، من ذك قوله جل وعلا : (  وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴿١٥٩﴾ الاعراف ). وكانوا صابرين فأصبحو أئمة بصبرهم ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿٢٣﴾ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖوَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴿٢٤﴾ السجدة ). وكان منهم كافرون لا يتناهون عن المنكر ، فإستحقوا اللعن على لسان داود وعيسى عليهما السلام . قال جل وعلا : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴿٧٨﴾ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴿٧٩﴾ المائدة ) . وظلوا الى عهد النبى محمد فقال جل وعلا عنهم : (  وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٦٢﴾ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) ٦٣﴾ المائدة ) . وذكر رب العزة قصة القرية الاسرائيليه الساحلية والتى إعتدت فى السبت ، وقام بعض المؤمنين فيها بوعظ المعتدين فلم يرتدعوا فكان عقابهم ، وأنجى الله الدعاة الواعظين : ( الاعراف 163 : 170 ).

هذا عن بنى اسرائيل فى الداخل. أفراد قاموا بالاصلاح وسط أقوامهم يهدون بالحق وبه يعدلون ، فكانوا أئمة صابرين .

ثالثا :  فى التفاعل الايجابى وعظا وإصلاحا فى مجتمعات ( المسلمين )

1 ـ يحتاج الأمر أيضا لأفراد مصلحين بالقرآن الكريم يصبرون على الأذى والاضطهاد ، ومكافأتهم أن يكونوا من الشهداء على أقوامهم يوم القيامة.

2 ـ تأسست للمؤمنين فى المدينة دولة قائدها خاتم النبيين محمد عليهم السلام . ونزلت لهم الدعوة عامة بالتفاعل الايجابى الإصلاحى بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعظا ونُصحا بمجرد القول ، دون إكراه فى الدين .  جاء هذا فى سياق أوامر عامة ونواهى عامة للمؤمنين فى قوله جل وعلا :

2 / 1 : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٠٢﴾ آل عمران ) . هنا أمر للمؤمنين عموما بالتقوى وبالاستمرار على الاسلام حتى الموت.

2 / 2 :  ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚوَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴿١٠٣﴾ آل عمران ) هنا أمر بالاعتصام بالقرآن الكريم وهو نعمة الله بالهداية.

2 / 3 : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٠٤﴾ آل عمران ) . هنا خطاب عام أى لتكونوا جميعا أمة تدعو الى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر . أى ليس فيها طائفة تأمر الباقين بالمعروف وتنهى عن المنكر وتتسلط على الناس مستمتعة بالنفوذ ، فتقع فى المنكر الذى تنهى عنها ، كما يحدث فى الوهابية ، وكما كان يحدث لدى بعض أهل الكتاب ، وقد قال فيهم رب العزة جل وعلا : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿٤٤﴾ البقرة ) ، وكما كان يحدث من بعض المؤمنين وقد أنّبهم رب العزة جل وعلا فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٢﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٣﴾ الصف )

 3 ـ المؤمنون يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر : ( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾ العصر). التواصى يعنى ان يكونوا جميعا أمة يأمر  بعضها بعضا بالمعروف وينهى بعضها بعضا عن المنكر ، أى أن يكونوا أمة تنبض بالخير ، تتعاون على البر والتقوى ولا تتعاون على الفحشاء والمنكر وتتقى الله جل وعلا وهو جل وعلا شديد العقاب ، قال جل وعلا : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢﴾ المائدة  )

4 ـ هذا يستلزم صبرا إيجابيا .

ثالثا : التواصى بالحق والتواصى بالصبر : تجربة شخصية

1 ـ قد يكون صعبا أن تصل الى الحق وسط ركام من الموروثات الخرافية التى أصبحت ثوابت بسبب مرور القرون عليها دون أن يتعرض أحد لمناقشتها وعرضها على القرآن الكريم . ولكن الأصعب من معرفة الحق هو التمسك به والصبر عليه ومواجهة الناس به عملا بالاصلاح السلمى . وتجربتى الشخصية دليل.

2 ـ نحن فى مجتمع يزعم الاسلام ويدعى الايمان بالقرآن الكريم ، وبالتالى إذا قيل له ( قال الله فى كتابه (.. ) لا بد أن يرد ( صدق الله العظيم ). حدث العكس معى فى شبابى من أكثر من أربعين عاما ، أقول لهم : ( قال الله جل وعلا ) يقولون : ( قال البخارى قال ابن كثير قال النووى قال السيوطى ..)  أى أقوال أئمتهم تعلو عندهم فوق الآية القرآنية واضحة الدليل ، وهم شيوخ يحفظون القرآن ربما قبل مولدى .

3 ـ فى بحث الدكتوراة عن التصوف كتبت عن خرافات الأولياء الصوفية وتطرفهم فى الكفر. كنت ــ  فى سذاجة الشباب  ـ أتخيل التصفيق الذى ينتظرنى من شيوخ الأزهر . فى اكتوبر عام 1977 ، وقبل تقديم النسخة المخطوطة من الرسالة للمشرف عرضتها على ابن عمى الشقيق د عبد الحميد أحمد محمد على ، وكان استاذا فى نفس الكلية وأزهريا تقليديا . قرأ فيها صفحة ثم قال : ( لن يسمحوا لك بمناقشة هذه الرسالة .) . قلت : ( كل ما أكتبه موثق من التراث الصوفى والتاريخى وبالآيات القرآنية ). قال : ( لن يوافقوا على هذا الكلام ) . قلت : ( سيستمر الجدل بيننا عاما على الأكثر ، وأنا ليس مسموحا لى بمناقشة الرسالة إلا بعد عام فقد أكملتها عاما قبل الأوان. ) . قال : ( لا يمكن أن يسمحوا لك بالحصول على الدكتوراة بهذه الرسالة ) . وتحقق كلامه . المشرف على الرسالة قرأ الصفحات الأولى ثم اصابه الخبل . إستمر الصراع بينى وبينهم ثلاث سنوات وتم تغيير المشرف الى إثنين ، ثم حذف ثلثى الرسالة حتى تمت إجازتها فى اكتوبر عام 1980 .

4 ـ وقتها مررت بتجربة نفسية هائلة ، كانوا يهددوننى بتحويلى الى موظف إدارى وهذا يعنى دخولى الجيش وحرمانى من مرتب كان يكفى وقتها ، وكنت متزوجا وصاحب مسئوليات عائلية ، وهم لا تأخذهم فى مؤمن إلّا ولا ذمة. لم يدر بخاطرى على الاطلاق التراجع عما كتبت ، والله جل وعلا شهيد على ذلك .!! . ولكن سيطر علىّ موضوع الرزق ، ماذا أفعل لو أحالونى الى درجة موظف إدارى ؟. أذكر الزمان والمكان الذى كنت افكر فيه فى أزمتى بعد مواجهة حادة بينى وبينهم . قلت فى نفسى : ليس النزاع بيننا شخصيا ، هو نزاع يخص رب العزة جل وعلا ، هم يؤمنون بالله وبالأولياء والأئمة وأنا أؤمن بالله جل وعلا وحده ، آلهتهم لا تملك لى رزقا ولا هم يملكون لى رزقا . الله جل وعلا هو الرزاق وحده . وأنا فى خصومة معهم إبتغاء مرضاة الرحمن جل وعلا ، وهو جل وعلا يبتلينى فلا بد أن اصبر لآنجح فى هذا الابتلاء ، وتذكرت قوله جل وعلا : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴿٢﴾ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴿٣﴾ العنكبوت ) . لم أُرد أن أكون من الذين يعرفون الحق ويكتمونه حرصا على حُطام الدنيا ، وكيف يلعنهم الله جل وعلا ويلعنهم اللاعنون ، قال جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴿١٥٩﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَـٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿١٦٠﴾ البقرة )

5 ـ أذكر هذا لأننى تعلمت أن الوصول للحق قد يكون صعبا ، ولكن التمسك به والمعاناة فى سبيله هى الأصعب . ولقد عرفت كثيرين من الشيوخ كانوا يؤيدوننى سرا ، ويعرفون الحق ، ولكنهم يعجزون عن البوح به ، بل بعضهم تطوع بأن يكون ضدى وهو يشاركنى الرأى عارفا بالحق ، ولكنه يخاف على مكاسبه ومناصبه ودنياه ولا يريد أن يتعرض للأذى و( البهدلة ) خصوصا وقد رأى ما حدث لى من فصل من الجامعة وسجن وتشريد . هنا تبدو أهمية الربط بين الحق والصبر على شدائد التمسك بالحق ، وأهمية التواصى بهما معا . لو تواصى المؤمنون بالحق والصبر لاستحقوا ان يكونوا فعلا خير أمة  أُخرجت للناس ، وتحقق فيهم قوله جل وعلا : (  كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ ) ﴿١١٠﴾ آل عمران ) . هم الان شرّ أُمّة أُخرجت للناس . هذه حقيقة ساطعة لا ينكرها أحد .

6 ـ الدعوة تأتى للمؤمنين عامة بالصبر على الحق ، ولكن القليلين هم الذين يتصدون لقول الحق ويتمسكون به ويتواصون بالصبر عليه . وهم فى النهاية المفلحون ، غيرهم خاسرون ، وهذا فحوى أقصر سورة فى القرآن : ( وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾ العصر).

7 ـ الله جل وعلا وعدهم بالنصر فى هذه الدنيا وبالنصر الأكبر لهم يوم القيامة حين يؤتى بهم مع الأنبياء شهداء على أقوامهم ، قال جل وعلا : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴿٥١﴾ يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿٥٢﴾ غافر ). ورأيت تحقق هذا النصر فى حياتى . عام 1977 كنت وحيدا فى مواجهة الجميع . الآن هناك ملايين كفروا بالبخارى وأئمة المحمديين . لولا الصبر الايجابى ما حدث هذا .

8 ـ اللهم إجعلنا من الصابرين .

التعليقات

سعيد على

الصبر للمصلحين إيجابيا فى كل الأحوال ومقال يكتب بماء الذهب

التاريخ الإصلاحي في القرءان الكريم يمثله أنبياء الله جل و علا و رسله و هم القدوة تبعهم في ذلك مصلحون ( عايشوا و زامنوا فترة وجود الأبياء و تفوقوا على بعض الأنبياء في الصبر ! ) و ما أروع القصص القرءاني التي يتجذر فيها الصبر كعادة راقية نهايتها النصر في الدنيا و إن لم يتحقق ففي الآخرة لا محالة . مشكلة من لم يفهم هذه القيمة الإنسانية الراقية و يتسرع فتكون النتائج كارثية و مثال نبي الله يونس عليه السلام و خاتم النبيين عليهم السلام لولا نزول الوحي الكريم بالحث على الصبر و الثقة بالله جل و علا لفقد صبره!
البشر تحكمهم العواطف و الأهواء و أقسى ما ذكره الدكتور أحمد في هذا المقال يتمثل في نوعية منافقة من الناس : ( ولقد عرفت كثيرين من الشيوخ كانوا يؤيدوننى سرا ، ويعرفون الحق ، ولكنهم يعجزون عن البوح به ، بل بعضهم تطوع بأن يكون ضدى وهو يشاركنى الرأى عارفا بالحق ، ولكنه يخاف على مكاسبه ومناصبه ودنياه ولا يريد أن يتعرض للأذى و( البهدلة ) خصوصا وقد رأى ما حدث لى من فصل من الجامعة وسجن وتشريد.حفظكم الله جل و علا و أعانكم على ( البهدله و ما يصاحب أفكاركم لتجليه حقائق الإسلام العظيم من القرءان الكريم من مواقف رافضة و شاتمة و متعصبة !! سبحان الله .. سبحان الله .. سبحان الله .. و دائما صدق الله العظيم

أحمد صبحى منصور
الحرية مسئولية وسنعرف مقدار هذه المسئولية حين يؤتى بنا يوم الحساب ويكون الفرد بين خلود فى الجنة او خلود فى النار.يهون كل شىء فى هذه الدنيا مقابل الخلود فى النار
اللهم إجمعنا فى رحمتك وجنتك

 

  الصبر فى قصص الأنبياء

مقدمة : تردد الصبر الايجابى فى قصص الأنبياء فى القرآن الكريم ، ونعطى بعض تفصيل :

اولا : نوح عليه السلام :

1 ـ لبث فى قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١٤﴾ العنكبوت ). وهذا دليل على صبر هائل .

2 ـ وجاء فى القرآن نماذج من نقاشه مع قومه وقولهم له : (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٣٢﴾ هود  ) ، أى فى النهاية طلبوا منه العذاب الذى كان يخوفهم به.

3 ـ لم ترد كلمة ( الصبر ) فى قصة نوح ، ولكنه ما جاء فى بعض آياتها يدل على صبر عظيم . نقرأ دعاءه لربه جل وعلا بعد أن يأس منهم : (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ﴿٥﴾فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ﴿٦﴾ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴿٧﴾ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ﴿٨﴾ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴿٩﴾نوح  ) وطلب إهلاكهم : (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴿٢٦﴾ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴿٢٧﴾ نوح   )

 ثانيا : فى قصة يوسف

1 ـ تمثل قصة يوسف وحدة متكاملة متدفقة الأحداث ، تعج بالمواقف الانسانية والدرامية . 2 ـ ويلفت النظر فيها الصبر الإيجابى الذى عايشه يعقوب عليه السلام .

2 / 1 : تآمر أخوة عليه حقدا وحسدا : ( إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٨﴾ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴿٩﴾ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴿١٠﴾ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴿١١﴾ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿١٢﴾ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴿١٣﴾ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ ﴿١٤﴾ يوسف ). جاءوا لأبيهم بدون يوسف يزعمون أن الذئب أكله . فصارحهم بشكوكه فيهم وصبر مستعينا بالله جل وعلا متوكلا عليه : ( وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّـهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴿١٨﴾ يوسف ).

2 / 2 : وفى موضع آخر من القصة رجع الأخوة بدون شقيق يوسف بعد أن إحتجزه يوسف ( عزيز مصر الذى لم يتعرفوا عليه ) تلقى يعقوب الخبر متمسكا بالصبر الايجابى : ( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖفَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿٨٣﴾ يوسف ( لم يمنعه صبره من الحزن والبكاء على ولديه ، قال جل وعلا :  ( وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٨٤﴾ يوسف ). ولأنه صبر إيجابى فقد طلب منهم العودة للبحث عن يوسف وأخيه : (  يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٧﴾  يوسف) .

3 ـ وأطاعوه ورجعوا الى مصر وقابلوا عزيزها ( يوسف ) يطلبون شراء المؤونة : ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾ يوسف ) سألهم يوسف عن أفعالهم مع يوسف واخيه . عندها أدركوا أنه أخوهم يوسف نفسه : (  قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ﴿٨٩﴾ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٩٠﴾ يوسف ) قال يوسف لهم العبرة إن من يتق ويصبر فإن الله جل وعلا لا يضيع أجره ـ لأن الصابرين محسنون.

ثالثا : فى قصة موسى

1 ـ نشأ موسى فى قصر الفرعون المسرف الطاغية ورأى ما يفعله هذا الفرعون ببنى إسرائيل ، فعايش الخوف ، وكان يتوقع السوء فيندفع غضبا . وتكرر فى القصص الخاص به خوفه وحدته وسرعة غضبه . ونقتصر من هذا على قوله جل وعلا : (وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿١٠﴾ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ ﴿١١﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (١٢﴾ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ ﴿١٣﴾ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴿١٤﴾ الشعراء )

2 ـ وليتعلم الصبر فقد بعثه ربه جل وعلا ليقابل نبيا ممن الأنبياء وليصحبه ليتعلم منه كيف يصبر : ( قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿٦٦﴾ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٦٧﴾ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿٦٨﴾ قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴿٦٩﴾ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴿٧٠﴾ الكهف ).  إشترط عليه ألّا يسأله عن شىء حتى يخبره . ورضى موسى بالشرط . ولم يف موسى بالشرط ثلاث مرات : ( فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴿٧١﴾ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٢﴾ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴿٧٣﴾ فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا ﴿٧٤﴾ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٥﴾ قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا ﴿٧٦﴾ فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴿٧٧﴾ قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚسَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿٧٨﴾ الكهف ).  وشرح له : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴿٧٩﴾ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿٨٠﴾ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴿٨٢﴾ الكهف ).

رابعا : فى قصة بنى إسرائيل بعد موسى

رفض بنو إسرائيل دخول الأرض المقدسة التى كتبها الله جل وعلا لهم ، وعاشوا على حوافها فتعرضوا للهجوم والطرد . وطلب من نبى لهم أن يعين لهم ملكا يقودهم للقتال الدفاعى ، وتكون منهم جيش لم يصمد منه سوى القليل الصابرين ، وهم الذين إنتصروا بصبرهم على المعتدين . قال لهم القائد طالوت : ( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّـهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ( 249 ﴾ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿٢٥٠﴾ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّـهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٢٥١﴾ البقرة ).

خامسا : عن عصر النبى محمد عليه السلام

1 ـ عن القصص القرآنى

1 / 1 : أنزل الله جل وعلا القصص القرآنى لتثبيت قلب النبى محمد ووعظه وتذكيره وتعليمه الصبر . قال جل وعلا فى خطاب مباشر للنبى محمد عليه السلام فى ختام سورة هود وما فيها من قصص : ( وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَـٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿١٢٠﴾  هود ).

1 / 2 : وفى نفس السورة  وبعد قصة نوح عليه السلام قال جل وعلا : ( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٤٩﴾ هود ) .

1 / 3 : وأمره جل وعلا أن يصبر كما صبر جده نوح عليه السلام . وتكرر الأمر بالصبر فى قوله جل وعلا فى خطاب مباشر : ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ( ٣٥﴾ الاحقاف 9).

1 / 4 : وكما مره جل وعلا أن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل نهاه أن يفقد صبره ويكون مثل النبى يونس عليه السلام. قال له جل وعلا : ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴿٤٨﴾ لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴿٤٩﴾ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٥٠﴾القلم ) . لم يصبر النبى يونس على عناد قومه فتركهم هاربا وركب سفينة فى البحر ، وانتهى أمره بإلقائه فى البحر فإلتقمه حوت ، فعاش يستغفر ويدعو ربه فأنجاه ربه . قال جل وعلا : ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٣٩﴾إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( 140 ﴾ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴿١٤١﴾ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴿١٤٢﴾ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴿١٤٣﴾ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴿١٤٤﴾  فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴿١٤٥﴾ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ﴿١٤٦﴾ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴿١٤٧﴾ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴿١٤٨(الصافات).  هنا نتعرف على أهمية الصبر فى دعوة النبى .

2 ـ وللصبر قصة هامة فى حياة خاتم النبى محمد عليه السلام .

2 / 1 : تكرر كثيرا أمره بالصبر ، وهذا يدل على معاناته من قومه ، فمن أوامر الصبر أن يصبر على ما يقولون وعلى ما يفعلون .

2 / 2 : وهذا يدل أيضا على حرصه الشديد على هدايتهم الى درجة الالحاح الذى قد يصل الى إكراههم فى الدين ( يونس 99 : 100 )، والى درجة لومه بسبب حزنه وحسرته عليهم ( الكهف 6 ، فاطر 8 ، الحجر 88 ، الانعام 33 ، لقمان 23 ، يس 76 ) ، وأرتبط حزنه عليهم بضيقه من تآمرهم ( النمل 70 ) وضيقه من اتهاماتهم ( الحجر 97 ) . وإجتمع هذا كله مع أمره بالصبر إبتغاء وجهه جل وعلا ، قال جل وعلا له : (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٧﴾  النحل ), وحتى وهو فى المدينة كان يحزن إذا أرتد بعضهم عن الاسلام مسارعا الى الكفر : ( المائدة  41 ، آل عمران 176 ). ليس هنا حد الردة . فليس فى الاسلام إكراه فى الدين .

3 ـ فى ضوء ما سبق نتفهم حرص النبى على هداية المستكبرين من قومه الى درجة أن كان يُعرض عن المؤمنين الفقراء حتى يتصدى للمستكبرين الذين يستنكفون من مصاحبة الفقراء أو أن يكونوا مثلهم فى نفس الدين .

3 / 1 : نزل له العتاب فى قوله جل وعلا :  ( عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ﴿١﴾ أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ﴿٢﴾ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ﴿٣﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ ﴿٤﴾ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ ﴿٥﴾ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ ﴿٦﴾ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ ﴿٧﴾ وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ﴿٨﴾ وَهُوَ يَخْشَىٰ ﴿٩﴾ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ ﴿١٠﴾ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴿١١﴾ فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ ﴿١٢﴾ عبس )

3 / 2 : ولم يتذكر ، بل كان يطرد الفقراء تحرجا وأملا فى هداية المستكبرين ، فنزل عليه النهى ، قال له ربه جل وعلا لائما ومحذرا أن يكون من الظالمين : ( وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٥٢﴾ الانعام  )   

3 / 3 : أطاع ونزل عليه الأمر ( أن يصبّر نفسه ) على صُحبة أولئك المؤمنين الفقراء وأن يبتعد عن المستكبرين. قال له ربه جل وعلا : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴿٢٨﴾ الكهف )

 التعليقات

سعيد على

الصبر قيمة إنسانية عظيمة نتيجتها الفرج و لا ريب.

من عادة الدكتور أحمد حفظه الله جل و علا أن يعطي الموضوع حقه من البحث و التمحيص و الإلمام به من كل أو جل أو أغلب جوانبه و لا شك أن موضوع صبر الأنبياء كبير و واسع و يحتاج لمقالات كثيرة قد تتحول إلى كتاب .
في هذا المقال اختار الدكتور أحمد : أنبياء الله : نوح و يوسف و موسى و أخيرا محمد بن عبد الله عليهم السلام مع الإشارة إلى طالوت و الفئة الصابرة معه و لا أعتقد هناك جزء ثان لصبر الأنبياء لأنه ختمه بصبر خاتم الأنبياء عليهم السلام ! هذا مع أن الدكتور أحمد لو كتب عن إبراهيم عليه السلام و صبره و عن أيوب و بقيه الأنبياء لاحتاج إلى مقالات أكثر .

تعقيبا على هذا المقال الجميل و الرائع أقول : تعلمنا منكم أن المشيئة فردية و تأتي المشيئة الإلهية تالية و أن الإنسان له الحرية الكاملة في اختيار الدين بل غن الحق جل و علا قال ( لا إكراه في الدين ) و عاتب خاتم أنبيائه عندما ( تحمس ) و أكرههم في الدين ألا يتعارض هذا مع دعوة نوح عليه السلام لربه عز وجل بأن يهلك قومه ؟ كما و أن قول نوح عليه السلام : ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) ! أليس هذا تدخلا في مشيئة الله عز و جلا و أليس هذا كذلك إدعاءاً بالغيب !! .في قصة موسى عليه السلام هل نفهم بأن الصبر يتعلم من خلال دورة تدريبية ؟ طبعا ليس بالضرورة أن يتخلل هذه الدورة قتل غلام أو ثقب سفينة !! إنما هل يُتعلم و يكتسب أم هو طبيعة في الإنسان و مهارة ! من علّم يعقوب كمية الصبر الراقية المؤمنة و الثبات على الصبر ؟ لا شك أنه الحق جل و علا و لكن لماذا موسى بالذات عليه السلام ؟ ربما لطبيعة نشأته و مركب الخوف الذي لازمه ربما .
أجمل تعليل و سرد موضوعي لعدم صبر خاتم النبيين هو ما أورده الدكتور أحمد و بون شاسع بين ما يطرحه الدكتور أحمد في مسألة صبر خاتم النبيين و بين ما تجده في كتب التراث !!

حفظكم الله جل و علا

احمد صبحى منصور

شكرا إبنى الحبيب استاذ سعيد على ، واقول

1 ـ  أعتبر ما أكتبه ــ سواء فى التدبر القرآنى  أو البحث التاريخى ــ تمهيدا لدراسات قادمة أتمنى أن يقوم بها الباحثون بعدى. وهناك عشرات الموضوعات القرآنية والتراثية والتاريخية لم تكتمل ولن أتمكن من إكمالها ، بعضها أفكار فى حدود صفحة أو أقل ، وبعضها يصل الى جزء من بحث . وموضوع الصبر جاءت فكرته من تعليق د عثمان ، وكثيرا أترك موضوعا مفتوحا لأجيب على سؤال أو أكتب مقالا فيتحول الى سلسلة تكون كتابا. أرجو أن يقوم أحد الأحبة بتأليف موضوع أكثر تفصيلا عن الصبر فى القرآن الكريم والتراث والموروثات الشعبية

2
ـ القصص القرآنى يذكر أقوال وأفعال الأنبياء ، وهم بشر ، غير معصومين من الخطأ . لذا ترى من أقوالهم ومن أفعالهم أخطاء ، وبعضها يمكن تبريره . نوح عليه السلام صبر صبرا هائلا وواجه إضطهادا جعله يدعو على قومه ، بل جاء فى دعائه عليهم ( أنى مغلوب فانتصر ) القمر 10 ). وموسى عليه السلام الذى عايش إسراف فرعون فى قتل الأطفال يمكن أن نتفهم نفسيته فى سرعة الغضب وعدم الصبر. الأنبياء نماذج بشرية رائعة ، ومن القصص القرآنى عنهم نتعلم عدم عصمتهم ونتعلم أيضا الاستفادة من أخطائهم . وبعد هذا هم أفضل البشر عليهم جميعا السلام. ولنتذكر أنه لو كان واحد  منا فى نفس المواقف التى عاناها الأنبياء فمن المستبعد أن يكون بمثل صبرهم وإخلاصهم . عليهم جميعا السلام.ندعو الله جل وعلا أن يجعلنا من رفقتهم يوم القيامة :( النساء 69)كل عام وأنتم بخير                                               

 

 

 

 

 

الصبر العظيم فى النعمة والصبر العادى فى النقمة

مقدمة :

1 ـ هناك صبر عند المحنة والنقمة ، وهناك صبر عند المنحة والنعمة . وتختلف ردود البشر فى الإبتلاء فيما يحسبونه خيرا أو شرا. قال جل وعلا : (  كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٣٥﴾ الانبياء )

2 ـ مشهور أن الصبر هو عند المحن والنقم ـ فى أوقات المحن قد يجد الانسان أسهل عليه أن يصبر ، وحتى إذا أدركته محنة الغرق أو المرض أسرع يستغيث بربه جل وعلا ، ولكنه بعد أن ينجيه ينسى ، بل قد يقع فى الكفر . قال جل وعلا : ( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴿٥٣﴾ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿٥٤﴾ النحل ).

3 ـ الأصعب هو الصبر عند المنحة والنعمة . هناك نعم الثروة الصحة والشباب ، والأغلبية الساحقة تسىء إستعمال هذه النعم . أقلية الأقلية التى تصبر على هذه النعم فتقوم بواجب شكرها بأن يكون الفرد ( صبّارا شكورا ). السلطة والحكم أكبر إختبار للصبر على النعمة . حين يجد الانسان نفسه فى موقع سلطة فمن الصعب أن يصبر عليها ، بل يسارع بإساءة إستعمالها . قلّ أن تجد حاكما يصبر على نعمة النفوذ فيتواضع للناس ويرد بشكر الرحمن جل وعلا مستخدما سلطته فى العدل ورضى ربه جل وعلا . نتذكر أن الله جل وعلا أمر خاتم الأنبياء بالصبر وذكر قصة النبى داود عليه السلام الذى صبر على نعمة المُلك والنعم الأخرى المسخرة له ( ص 17 : 26 ).

3 ـ نعطى هنا تفصيلا عن الصبر عند المحنة والنقمة وعند المنحة والنعمة .

أولا : السحرة المصريون فى قصة موسى عليه السلام : أبرز مثل للصبر الإيجابى عند المحنة والنقمة :

1 ـ السحرة المصريون نموذج الايمان والصبر الايجابى عند المحنة .بمجرد أن رأوا عصا موسى تلتهم ثعابينهم الخرافية سارعوا بالسجود ، أعلنوا إيمانهم فى وجه الفرعون ولم يأبهوا بتهديده لهم بالصلب وتقطيع أطرافهم. هددهم فقال : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْأَجْمَعِينَ ﴿١٢٤﴾الأعراف )

2 ـ تكررت قصتهم فى القرآن الكريم ، وفيها ردودهم الإيمانية القوية على فرعون الطاغية :

2 / 1 : ( قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴿١٢٥﴾ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴿١٢٦﴾ الاعراف ).

2 / 2 : (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿٧٢﴾ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴿٧٣﴾ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ﴿٧٤﴾ وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ ﴿٧٥﴾ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ ﴿٧٦﴾ طه )

2 / 3 : ( قَالُوا لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴿٥٠﴾ إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٥١﴾ الشعراء )

3 ـ هنا أروع صبر إيجابى عند المحنة . وهل هناك أفظع من الصلب وتقطيع الأطراف؟!.

ثانيا : ( صبّار شكور ) فى تعظيم قدر من يصبر على النعمة فيكون شكورا لربه جل وعلا .

1 ـ فى اللسان العربى تأتى  ( فاعل ) وصفا لمن يفعل شيئا ما. ثم هناك صفات مبالغة على أوزان :  ( فعّال ، فعيل ، فعول ، فعل: بكسر العين ) . مثلا تقول ( كافر ) لمن يقع فى الكفر، أما المتطرف فى الكفر فيوصف بأنه ( كفّار ) ( كفور ). ويأتى وصف ( آثم ) على وزن فاعل لمن يقع فى الإثم ، أما الذى يدمن الإثم فهو ( أثيم ). وكذلك أوصاف ( كذاب ، أفاك ). وكلها أتت فى القرآن الكريم .

2 ـ على نفس النسق يأتى وصف ( صابر ) لمن يصبر على المحنة والنقمة . ولكن من يصبر على النعمة يأتى وصفه بصفة المبالغة ( صبّار ) على وزن ( فعّال ) ويأتى بعدها وصف المبالغة ( شكور ) على وزن ( فعول ). هنا تعظيم للصبر الايجابى عند النعم ، لأنه يكون ( شكورا ) على نعمة الله.

3 ـ تكرر قوله جل وعلا : ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) أربع مرات يقترن فيها وصف ( صبّار ) بوصف ( شكور ) ، وهذا فى ثلاثة موضوعات :

3 / 1 : نعمة تسخير البحر للإنسان . المؤمن الذى يشكر ربه على هذه النعمة ( يصبر عليها ) يكون ( صبارا شكورا ) ويكون هذا آية لكل ( صبار شكور ) . قال جل وعلا :

3 / 1 / 1 : (  أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّـهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿٣١﴾ لقمان )

3 / 1 / 2 : (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ﴿٣٢﴾ إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿٣٣﴾ الشورى   ) .

3 / 1 / 3 : وفى التأكيد على هذا قال جل وعلا  فى الشكر على نعمة ركوب البحر والأنعام : ( وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ﴿١٢﴾ لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴿١٣﴾ وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴿١٤﴾ الزخرف )

3 / 2 :   وأمر الله جل وعلا رسوله موسى أن يذكّر قومه ب( أيام الله ) أى نعمائه فهى آيات لكل صبار شكور . قال جل وعلا :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّـهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿ابراهيم: ٥﴾ .كان هذا مقدمة لكى يذكرهم موسى بنعم الله جل وعليهم ، وأنهم إذا شكروا ربهم زادهم من نعمائه ، وإن كفروا بنعمائه فإن عذابه شديد . قال جل وعلا بعدها : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴿٦﴾وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴿٧﴾ ابراهيم ). واضح هنا ان عدم الصبر على النعمة يعنى كفرانها . وهذا الكفرين يؤدى الى عذاب شديد.

3 / 3 : الموضوع الثالث فى ورود ( صبّار شكور ) هو فى قصة أهل سبأ فى اليمن ، وقد وقعوا فى كفران النعمة ، جعلهم الله جل وعلا آية لكل صبار شكور . قال جل وعلا : ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴿١٥﴾ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴿١٦﴾ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴿١٧﴾ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴿١٨﴾ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿سبإ: ١٩﴾ سبأ ) .

ثالثا : بطر النعمة يعنى عدم الصبر عليها  

1 ـ البطر على النعمة هو عدم الصبر على النعمة. قال جل وعلا فى إهلاك بعض الأمم السابقة : (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴿٥٨﴾ القصص ) .

2 ـ قوم موسى بعد أنجاهم الله جل وعلا من فرعون ثم ملكوا مصر ، تعودوا على البطر ونكران النعمة ، إذ يؤتى لهم بما يطلبون فيردون بالجحود . كانوا أسوأ مثل على عدم الصبر على النعمة .

2 / 1 : جاءهم الأمر بدخول قرية ليأكلوا منها وأن يحمدوا ربهم ، فغيروا القول فعاقبهم رب العزة بالرجز ( الدمامل ) التى عاقب بها من قبل فرعون وقومه. قال جل وعلا : ( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَـٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚوَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٨﴾ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴿٥٩﴾ البقرة )

2 / 2  :  طلبوا منه فى الطريق أن يستسقى لهم . قال جل وعلا : (  وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّـهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٦٠﴾ البقرة )

2 / 3 : ومع مياه الشرب أنعم الله جل وعلا عليهم بطيور تناله أيديهم ( السلوى ) ونبات عسلى الطعم ( المن ) . قال جل وعلا : (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿٥٧﴾ البقرة ). وتبرموا بهذا الطعام ورفضوه ولم ( يصبروا ) عليه كأنه بلوى ، وفضلوا عليه الطعام المصرى ( الكشرى ). قال جل وعلا : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ) وكانت عقوبتهم ، قال جل وعلا : ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴿٦١﴾ البقرة ).

3 ـ ووقع فى البطر قريش : خرجوا للحرب فى ( بدر ) فخورين مختالين ، قال جل وعلا يحذر المؤمنين من حالهم :  ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚوَاللَّـهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴿٤٧﴾ الانفال )

رابعا : عدم الصبر على النعمة يعنى كفرانها وجحدها :

1 ـ عن الكفر بنعم الله جل وعلا والتى لا يمكن إخصاؤها قال جل وعلا : ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗإِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴿٣٤﴾ ابراهيم )

2 ـ فى التشريع الاسلامى ( المهجور ) أن يكون العبد المملوك شريكا لسيده فى التمتع بالرزق ، يأكل من نفس طعامه ويرتدى نفس نوع ثيابه ، ويساكنه . يكونان سواء . بدون هذه المساواة يكون المالك قد جحد نعمة ربه. قال جل وعلا : ( وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَجْحَدُونَ ﴿٧١﴾ النحل )

خامسا : القرآن الكريم أعظم النعم ، والكفر بالقرآن

1 ـ الرسالة الالهية التى تنزل بالهداية هى أعظم النعم. وهذا مفهوم من سورة الفاتحة. وحدث فى الرسالات الإلهية السابقة تحريف وتبديل ، ويحدث الآن تحريف فى معانى القرآن . وتوعد الله جل وعلا بعقاب شديد من يفعل ذلك ، قال جل وعلا : ( سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢١١﴾ البقرة )

2 ـ وجاء وصف القرآن الكريم بالنعمة :

2 / 1 : ردا على اتهامهم النبى محمد عليه السلام بأنه كاهن أو مجنون . قال جل وعلا : ( فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ﴿٢٩﴾ الطور )( ن  ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴿١﴾ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴿٢﴾ القلم )

2 / 2 : فى أمر الله جل وعلا له فى نشر الدعوة القرآنية ( نعمة ربه جل وعلا ) : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴿١١﴾ الضحى )

2 / 3 : فى إنكارهم القرآن مع معرفتهم أنه حق ، وأن الرسول ليس سوى البلاغ . قال جل وعلا :( فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿٨٢﴾ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّـهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٣﴾ النحل )

2 / 4 : فى وعظ المؤمنين بتطبيق ما أمر الله جل وعلا به : ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ  ) ﴿٢٣١﴾ البقرة ). نعمة الله هنا هى ما أنزله من الكتاب والحكمة يعظهم به. لم يقل (بهما ) لأن الكتاب هو الحكمة.

2 / 5 : قال جل وعلا عن إيمانهم بالباطل وكفرهم بالقرآن نعمة الرحمن : ( أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّـهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴿٧٢﴾ النحل )

3 ـ وجاءت آيات تتحدث عن تمام النعمة ، أى تمام نزول القرآن . قال جل وعلا :

3 / 1 : ( ليَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿٢﴾ الفتح  )

3 / 2 : ( وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٥٠﴾ البقرة )

3 / 3 : ( مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٦﴾ المائدة )

3 / 4 : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) ﴿٣﴾ المائدة )

سادسا : نعمة القرآن ونعم أخرى 

1 ـ أنعم الله جل وعلا بالأمن ورغد العيش على قريش ، ثم أنعم عليهم بالقرآن ، فكفروا بنعمة القرآن وبطروا بالنعم الأخرى . قال جل وعلا فيهم :

1 / 1 ـ  ( وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٥٧﴾ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴿٥٨﴾ القصص ). إعترفوا بأن القرآن هدى ، ولكن تصوروا أن إتباعهم هدى القرآن سيثير العرب ضدهم ، فذكّرهم رب العزة بنعمة الحرم وما يوفره لهم من أمن ورخاء كما جاء فى  سورة قريش .

1 / 2  ـ ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚأَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَكْفُرُونَ ﴿٦٧﴾ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴿٦٨﴾ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٦٩﴾ العنكبوت ). عاشوا فى أمن ورخاء بينما تسود الحروب والفوضى حولهم ، فبطروا هذه النعمة وآمنوا بالأحاديث الباطلة وكفروا بالقرآن الكريم نعمة الله ، وكذبوا آياته وإفتروا على الله جل وعلا أحاديث كاذبة .

2 ـ وضرب لهم مثلا تحذيريا فقال : ( وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴿١١٢﴾ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١١٣﴾ النحل )

أخيرا :

1 ـ ألا تنطبق الآيات الكريمة السابقة على الشرق الأوسط الآن ، حيث نعمة البترول التى بدلوها كفرا ، ونعمة القرآن التى بدلوها بأحاديث شيطانية ؟

2 ـ قال جل وعلا حكما عاما ينطبق على كل زمان ومكان : (  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴿٢٨﴾ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴿٢٩﴾ وَجَعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴿٣٠﴾ ابراهيم ).

التعليقات

سعيد على

الصبر و روعته بقلم الصابر الدكتور أحمد نسأل الله جل و علا أن يجعله و يجعلنا من الصبّارين الشكورين.
كالعادة و فوق العادة مقال يغوص في أعماق آيات الكتاب العزيز ليجلب درر هذا الكتاب العظيم .. حفظكم الله جل و علا و أشعر بألم صبرك و تضحيتك و أنت تكتب عن الصبر فالصابر حين يكتب عن الصبر فالنتيجة بلا شك تكون رائعة و رائعة جدا .

قسّم الدكتور أحمد المقال لقسمين : ( الصبر عند النعمة و المنحة و وصفه بالعظيم ) و ( الصبر عند المحنة و النقمة و وصفه بأنه عادي ! ) .. أروع مثال للصبر عند المحنة و النقمة هو سحره فرعون و هو مثال قمة في الصبر على المحنة و النقمة و من أسف أن لا يكون لهؤلاء ( العظماء الصابرين ) أي تخليد في مصر و لا حتى ذكر في الأمثال الشعبية فعند ذكر الصبر يُذكر أيوب عليه السلام و أيوب عليه السلام بلا شك كان صابر على ( المرض ) أما العظماء – سحرة فرعون المصريون – صبروا على الحق و سطعوا به و أمام من ؟ أمام الفرعون . هؤلاء هم الرجال الصابرين الذين يجب أن يُخلّد صبرهم بتماثيل تحكي عن موقفهم ضد الكفر و الاستبداد و الظلم و الإيمان بالله عز و جل و آياته . ( يا حسرة !! ) .القسم الثاني فصّل في الصبر عند النعمة و المنحة و ما أجمل و أروع الأمثلة التي ربطها حفظه الله جل و علا و دائما القرآن الكريم في قصصه تتعظ و تعتبر بها و تبقى حالات عبر التاريخ حدثت بعد نزول القرآن الكريم و مازالت تحدث و تتكرر لأنها بكل بساطة تصديق للقرآن الكريم و فعلا ما يحدث في ( الشرق الأوسط ) تنطبق تماما فقد بدلوا نعمة الله جل و علا كفرا و نعمة القرآن الكريم بالأحاديث .الأروع كذلك في المقال هو معنى ( القرآن الكريم بنعمة الله ) .. حفظكم الله جل و علا و دمت باحثا و مفكرا راقيا و بنعمة الله جل و علا تتحدث .   

أحمد صبحى منصور

شكرا إبنى الحبيب استاذ سعيد على ، وأقول :

 نعمة الصبر عند الشدائد يتذكرها المؤمن بعدئذ فيشعر بمدى أثرها فى تقويمه وفى تقواهنعمة الصبر على العطاء الالهى ـ بأن يكون المؤمن الصابر شكورا ـ  تعطى راحة نفسية وسعادة غامرة . هناك أثرياء مترفون وبليونيرات لا يصبرون على نعمة الله جل وعلا عليهم ولا يقومون بواجب الشكر والحمد ، لذا تراهم فى بؤس نفسى ، لا يحسون بالمتعة فيما يأكلون ولا ممفى تقلبهم فى البلاد. دائما هم فى هموم وخوف وفى صراع لا يهنأون بلحظة راحة، ويلقى ابناؤهم منهم الاهمال وربما يقعون فى الادمان والضياع. تنقلب النعمة عليهم نقمة. وما ظلمهم الله جل وعلا ولكن أنفسهم يظلمون.أعظم نعمة هى الهداية ، ويتبعها راحة البال لأنك تتوكل على الرحمن جل وعلا وتسعى فى الدنيا متقيا ربك جل وعلا فيرزقك من حيث لا تحتسب
اللهم اجعلنا من الصابرين المتقين.  

الصبر فى الاسلام
هذا الكتاب
نشرت مقالا بعنوان : (رباعية الأرض ، الانسان ، الموت والسلام : ثقافة يجب تعميمها لنشر السلام والتعايش السلمى ). جاء تعليق د عثمان محمد على عن المظلوم صاحب الحق. رددت بمقال : ( فى سبيل السلام : المظلوم والصبر الايجابى ). ثم توالت المقالات فى موضوع الصبر. ونجمعها فى هذا الكتاب عن ( الصبر فى الاسلام ) ، وجعلنا مقال ( رباعية الأرض ..) المشار اليه هو مقدمة هذا الكتاب مع المقال الأول .
والله جل وعلا هو المستعان .
أحمد صبحى منصور.
الأ د 19 مايو 2019 .
more