متديّن في السعودية.. مُنحلّ في البحرين

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٧ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: أهل القرآن


حكايات "منزلق العبور" تمارس الوعظ أمام عابري الجسر

متديّن في السعودية.. مُنحلّ في البحرين




الدمام: حبيب محمود

"مُتديّن في السعودية، مـُنحلٌّ في البحرين".. قد تبدو هذه المفارقة مزعجة أو كاريكاتيرية، ولكنها ـ حسب الصحفي عبدالعزيز البدر ـ نسخة متوفـّرة على صعيد عريض في أيّ مكان في العالم. والذين يمارسون التدين في مجتمعهم وينحدرون إلى النقيض خارجه لا يدخلون في الإحصاء أو الحصْر، استناداً إلى أن الازدواجية سلوكٌ بشريّ تزداد حدته طردياً مع مستوى الضغط الاجتماعيّ على الفرد ومستوى المسموح للفرد نفسه خارج منطقة الضغط، ولا يُمكن عملياً ـ ولا حتى أخلاقياًـ تعقـّب الحقائق الموضوعية للازدواجية، على نحو راصد أو مُحصٍ.






ولذلك فإن ما فعله البدر في كتابه الصغير "مـُنزلق العُبور" الصادر عن مؤسسة الانتشار العربيّ لا يعدو كونه محاولة حكائية لوضع المفارقة تحت مجهر وعظيّ ومباشر، فـ "كل قصة تحمل عبرة وعظة وآلاماً كثيرة لشاب انزلق في مهالك الشهوات، ورجل أعمال بدّد ثروته، وامرأة تبحث عن الحلم، وآخر يعوّض زواجه الأول". وهذا ما قاله المؤلف في مقدمة كتابه الذي سرد ثمان حكايات رئيسة، وحين ختم الكتاب فإنه أكد أن الحكايات "لم تكن من نسج الخيال، بل تحكي واقعاً مؤلماً عاشه أبطالها على الطبيعة". ولكنه قال لـ "الوطن" إن "الخيال في الكتاب محصور في أسماء الشخصيات وقليل من التفاصيل التي يُمكن أن تكشف عن هوية الأبطال الحقيقية". ويُمكن اعتبار "منزلق العبور" أول مؤلّف يتحدّث بصراحة فاقعة عن جانب من علاقة السعوديين بالبحرين، وهو جانب مسكوتٌ عنه رغم كثرة التلميحات.




واقع الأمر فإن عبدالعزيز البدر لا يكشف عن شيء غير مكشوف اجتماعياً، إذ أن مفارقة "التدين/الانحلال" متوفرة نُسخها بتكاثر "منذ أن بدأ السفر برّاً عبر" جسر البحرين. بل إنها تتكاثر بشكل أكثر وضوحاً في ظواهر معروفة في سياحة السعوديين الخارجية، ومن المنصف القول إنها لا تعني كل السعوديين بل جزءاً هامشياً لكن هذا الجزء الهامشيّ كافٍ للإساءة إلى سمعة السعوديين عموماً. وفيما يخصّ المعنيين في "منزلق العبور" فإن العينات "لا تمثل كل عابري الجسر"، بل "عينة سيئة منهم"، وهذه العيّنة تتشكل من أبطال "ضحكوا في بداية بطولتهم وأضحكوا الناس عليهم في النهاية".




وكما هو مطلوب من المغزى السرديّ الوعظيّ؛ فإن "غانم" و "صقر" و "زيد" و "سرور" و "طلال" و "منى" و "هند"، بوصفهم أبطالاً حقيقيين، يؤدّون أدوارهم حتى نهاياتهم المأساوية. إنهم لم يكونوا جزءاً من مفارقة الالتزام و الانحلال فحسب؛ بل هم، أيضاً، ضحايا مرّوا من حوافّ ـ أو وقعوا في ـ الانهيار الأسريّ. وإذا كانت نهاية حكاية "غانم" بداية جديدة لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه؛ فإن "صقر" انتهت "حياته العملية والزوجية معاً"، وقصة "زيد" ما تزال أذيالها عالقة بينه وبين طليقته "خلود" في شأن تربية أولادهما، ورجل الأعمال "سرور" تحوّل إلى "معقـّب" في الدوائر الحكومية، و "منى" المتزوجة عادت إلى منزل أهلها خائنة خاسرة..وعلى هذه المهمة الاعتبارية تتوكأ قصص وحكايا عبدالعزيز البدر الذي يتتبّع صولات أبطاله في الملاهي الليلية والمقاهي والشقق الحمراء، مسمّياً الأشياء بأسمائها، ومهتمّاً بتفاصيل اللهو الصاخب وراء هذا الجسر الذي يزدحم يومياً بآلاف المسافرين.




بطبيعة الحال؛ لا يُمكن وصف "منزلق العبور" بأنه عمل أدبيّ. إنه نوع من الحكاية الصحفية المشوّقة التي تُسجل ما حدث واضعة أمامها هدفاً اجتماعياً وأخلاقياً ودينياً. وعلى الرغم من أن الكتاب لم يقلها صراحة؛ إلا أن مضامين الحكايات يُمكن وضعها في سياق الصدمة التي تفاجئ السعوديين كلّما خرجوا من ديارهم، كما يُمكن وضعها في سياق آخر هو أن المسكوت عنه في شأن السمعة لم يعد مسكوتاً عنه. وربما كان ذلك سبباً في إفراد عدد من حكايات "منزلق العبور" في حكاية "هجاد السائق" الذي كان، بدوره، حكـّاءً لسلسلة من القصص المتوازية مع القصص السبع الأولى.



و"هجاد" هذا شاب يتكـسّب بسيارته عبر الجسر، وقد أطلعه عمله اليوميّ على وقائع مُخزية لسعوديين لا يُمكن تصديقها بسهولة.. فهناك زوج ترك زوجته ساعات طويلة في مطعم وسط المنامة وعاد إليها مخموراً. آخر يترك زوجته في مطعم الجسر منذ العصر ويغادر إلى البحرين ثم يعود إليها في وضع سخيف بعد الفجر. مراهقون، نساء، أسر.. قصصٌ يسردها هجـّاد للمؤلف كاشفاً عن تفاصـيل غريبة لدبلوماسيّ أجنبيّ يستغل منصبه ويهرّب كحوليات بقصد الاتجار. لكنّ أغرب قصص السائق "هجاد" هي قصة "فارس" الذي جمع بين العمل في إدارة ذات طابع محـافظ في السـعودية وبين حياة اللهـو الصاخبة في البحريـن. في هذه القصة تتركز المفارقة التي ضحك لها الراوي كثيراً، إذ لا يُمكن أن يتخيّل "فارس" بعباءته وعصاه في أحد أسواق المنطقة الشرقية، وهو يستقبل ثلاث فلبينيات لإمضاء سهرات حمراء في شقة بحرينية باستمرار.. وحسب البدر الذي يروي عن "هجـّاد" فإن ما حدث هو أن الشرطة البحرينية داهمت الشقة في نهاية مأساوية!


اجمالي القراءات 969
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق