قد يتوقف الجواب الرئيسي على سؤال متى وكيف يمكن للناس العودة إلى الأماكن العامة مثل العمل والمدرسة، على ما يسمى باختبار الأجسام المضادة، وهو اختبار عينة دم يحدد ما إذا أصيب الشخص بفيروس كورونا من قبل أم لا.
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، قد يتمكن الأشخاص الذين يُعتَقد أنهم محصنون أمام الفيروس من العودة إلى العمل بأمان. وتحديد العاملين المحميين من الإصابة في مجال الرعاية الصحية الذين بإمكانهم الاستمرار في رعاية المرضى سيحمل أهمية خاصة.
شهادات المناعة
وأعلنت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC منها مؤخراً أنها ستبدأ في استخدام اختبارات الأجسام المضادة لمعرفة نسبة السكان المصابين. وأعلنت المعاهد الوطنية للصحة الجمعة 10 أبريل/نيسان أنها ستجري اختبارات على 10 آلاف من المتطوعين الأصحاء على مستوى البلاد لرصد الأجسام المضادة.
وقال الدكتور أنتوني فوتشي، خبير الأمراض المعدية البارز في الولايات المتحدة، صباح يوم الجمعة على شبكة CNN: “في غضون أسبوع أو نحو ذلك، سنجري عدداً كبيراً من الاختبارات المتوفرة”. وأضاف أن فريق العمل المعني بفيروس كورونا في البيت الأبيض يناقش فكرة “شهادات المناعة” التي يمكن إصدارها للأشخاص الذين أصيبوا من قبل.
وتدرس الكثير من الدول، ومنها بريطانيا وإيطاليا، فكرة منح الأشخاص ما يثبت تمتعهم بالمناعة ليتمكن العاملون من العودة إلى وظائفهم. ولكن مثلما هو الحال مع أي اختبارات، فهي ليست مثالية، وثمة مشكلات في دقتها. وإليكم ما نعرفه، وما لا نعرفه عن هذه الاختبارات.
ماذا يعني اختبار الأجسام المضادة، الذي يُعرف أيضاً بالاختبار المصلي، تحديداً؟
يهدف الاختبار المصلي إلى رصد علامات الاستجابة المناعية، في هذه الحالة، لفيروس كورونا المستجد. فعندما يواجه الجسم فيروساً، يستغرق بعض الوقت حتى يتعرف على المعتدي ويبدأ في رفع استجابته المناعية. والجزيئات المناعية المعروفة بالأجسام المضادة جزء مهم من هذه الاستجابة.
وأول نوع من الأجسام المضادة التي تظهر عند الإصابة يسمى الغلوبولين المناعي م ويُعرف اختصاراً بـ IgM، وتزداد مستوياته في غضون أيام قليلة من الإصابة. لكن IgM عبارة عن مقاتل عام. ولذا ينقحه الجسم إلى نوع ثانٍ من الأجسام المضادة، يسمى الغلوبولين المناعي ج، أو IgG، يمكنه التعرف على هذا الفيروس لاستهدافه وتدميره.
ومع ارتفاع مستويات الغلوبولين المناعي ج، تنخفض مستويات الغلوبولين المناعي م؛ وتبلغ مستويات الغلوبولين المناعي ج ذروتها بعد حوالي 28 يوماً من بداية الإصابة.
وثمة نوع ثالث من الأجسام المضادة، يسمى الغلوبولين المناعي أ أو IgA، وهو موجود في الأنسجة المخاطية، مثل البطانة الداخلية للرئتين. ومن المعروف أن الغلوبولين المناعي أ مهم لمقاومة التهابات الجهاز التنفسي مثل الإنفلونزا، ومن المحتمل أن يكون حيوياً في مقاومة الإصابة بفيروس كورونا أيضاً.
وكثير من الاختبارات التي يطورها العلماء تحدد مستويات الأجسام المضادة الثلاثة؛ إذ يحدد بعضها مستويات الغلوبولين المناعي م والغلوبولين المناعي ج فقط، ولكن بعضها الآخر يحدد نوعاً واحداً فقط.
ما الذي يمكن أن تخبرنا به هذه الاختبارات؟ وما الذي لا يمكنها إخبارنا به؟
لنبدأ بما لا يمكنها إخبارنا به. نظراً لأن الأجسام المضادة تظهر متأخراً جداً، فلا تساعد هذه الاختبارات في تشخيص الإصابة المبكرة. “ولا فائدة لها هنا” مثلما يقول الدكتور فلوريان كرامر، اختصاصي الفيروسات في كلية طب إيكان في ماونت سيناي في نيويورك.
وهذه الاختبارات أكثر فعالية في الكشف عن وجود استجابات الأجسام المضادة في أعداد كبيرة من الناس، لا لتحديد الأشخاص الذين يتمتعون بالمناعة فحسب وإنما مدى انتشار الفيروس بين السكان أيضاً.
ويُشار إلى أن الأعراض قد لا تظهر مطلقاً على 25 إلى 50% من الأشخاص المصابين بكورونا، وقد يصاب البعض بحالات خفيفة. وربما عرف آخرون أنهم مرضى، لكنهم لم يتمكنوا من الخضوع للفحص. وبإمكان الاختبارات المصلية تحديد هؤلاء الأشخاص ومساعدة العلماء في تقدير معدل وفيات كوفيد-19، المرض الذي يسببه الفيروس.
لماذا هذا الاختبار مهم جداً؟
تقول الدكتورة أنجيلا راسموسن، عالمة الفيروسات بجامعة كولومبيا في نيويورك: “لا نملك حالياً أرقاماً دقيقة لأعداد المصابين الآن، ناهيك عن الأشخاص الذين أصيبوا من قبل ولم يخضعوا للاختبار مطلقاً. لذا من المهم حقاً من منظور علم الأوبئة إجراء هذه الأنواع من الاختبارات المصلية”.
تأمل الحكومات على مستوى العالم أيضاً في أن تُمكّنها هذه الاختبارات المصلية من تحديد الأشخاص المتمتعين بالحماية من تجدد الإصابة ويمكنهم العودة إلى العمل بأمان. ومعرفة النطاق الكامل لانتشار الجائحة له أن يساعدها على تحديد موعد إنهاء تدابير العزلة الاجتماعية وإعادة فتح الشركات والمدارس.
وقد يساعد تتبع ارتفاع وانخفاض مستويات الأجسام المضادة العلماء أيضاً على حساب التواريخ السابقة للإصابة، وتوقع ما إذا كان الفيروس يتأثر بالتقلبات الموسمية أم لا.
أنا واثق من أنني أصبت بفيروس كورونا، هل يمكنني إجراء الاختبار والعودة إلى العمل؟
ليس بعد. تقدم معظم الاختبارات التي يطورها العلماء إجابة بسيطة بنعم أو لا على سؤال من يملك الأجسام المضادة ومن أصيب بالفيروس. لكن مجرد امتلاك أجسام مضادة لا يضمن المناعة.
تقول الدكتورة أنجيلا: “أن تكون محصناً يعني أنه إذا أصبت بالفيروس، فسوف يتخلص جهازك المناعي منه قبل أن يتمكن من التكاثر”.
قد يكون لدى بعض الأشخاص -مثلاً، لأن لديهم أعراض خفيفة أو لا تظهر عليهم أعراض- أجسام مضادة أضعف من أن تمنع تجدد الإصابة. وعلى الجانب الآخر، قد يظل الأشخاص الذين لديهم مستويات منخفضة من الغلوبولين المناعي ج متمتعين بالحماية.
وذلك لأن الأجسام المضادة ليست سوى جزء واحد معروف جيداً من الاستجابة المناعية. إذ قد تشترك بعض الخلايا المناعية أيضاً التي تسمى الخلايا التائية في هذه الاستجابة. تقول الدكتورة أنجيلا: “لا يُعرف الكثير عن آلية تعاون هذه الأجزاء المختلفة من الجهاز المناعي لتوفير مناعة وقائية”.
ولا تُقدِّم بعض الاختبارات، مثل الاختبار الذي طوره الدكتور كرامر، إجابة بنعم أو لا فحسب، بل صورة أوضح عن قدرة الأجسام المضادة على التخلص من الفيروس. وتُستخدم بلازما الأشخاص الذين لديهم أجسام مضادة قوية لعلاج الأشخاص غير القادرين على تكوين استجابة مناعية.
متى تتوفر الاختبارات المصلية على نطاق واسع؟
بعض هذه الاختبارات متوفر بالفعل ويجري استخدامه، ولكن لا يزال في أيامه الأولى ومدى فعاليته ليس واضحاً بعد. لكن إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأمريكية، منحت ترخيص الاستخدام الطارئ لأحد هذه الاختبارات الأسبوع الماضي. لكن بعضها الآخر يستخدم في المشاريع البحثية والمستشفيات.
وفي مارس/آذار، سمحت إدارة الغذاء والدواء لمطوري هذه الاختبارات بالبدء في بيع أو استخدام اختبارات الأجسام المضادة دون الحصول على إذنها أولاً فور أن تنتهي الشركات من تقييمها لضمان دقة الاختبارات وفعاليتها. وبعدها، أبلغت أكثر من 70 شركة تعمل على تطوير الاختبار الإدارة بأنه تتوفر لديها اختبارات مصلية. لكن الإدارة قالت إن بعض الشركات زعمت كذباً أن اختباراتها اُعتمدت من إدارة الغذاء والدواء، أو زعمت كذباً أنه بإمكانها تشخيص الإصابة بكوفيد-19.
ومشروع مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها هو واحد من ضمن عشرات المشروعات الأخرى. وتخطط منظمة الصحة العالمية أيضاً لإخضاع أعداد كبيرة من الأشخاص في بلدان عدة للاختبار. كما بادرت بعض الجامعات والبلدات والبلدان في إجراء الاختبار بالفعل.
ما المشكلات التي قد يواجهها إجراء هذا الاختبار؟
لكن الدكتورة أنجيلا قال إن “الاختبارات المصلية تحمل مشكلات”، وتبرز هذه المشكلات إلى السطح حتى مع مواصلة استخدامها.
ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، توجد سلبيات كاذبة لهذه الاختبارات (عدم رصد الأجسام المضادة عندما تكون موجودة) وإيجابيات كاذبة (الإشارة إلى وجود أجسام مضادة رغم عدم وجودها). وقد لا تكون بعض هذه الاختبارات محددة بما يكفي للتعامل مع فيروس كورونا المستجد؛ إذ قد تلتقط إشارة من أجسام مضادة صنعها الجسم استجابة للإصابة بفيروسات كورونا التي تسبب نزلات البرد العادية.
والإيجابيات الكاذبة، على وجه الخصوص، خطيرة لأنها قد تخدع الناس وتؤدي إلى ظنهم بأنهم محصنون وهم ليسوا كذلك، ويصبحون عرضة للإصابة بالفيروس.
إذا كان الشخص يتمتع بالمناعة أمام الفيروس، فإلى متى ستستمر هذه المناعة؟
لا نعلم.. هذا فيروس جديد، ولذا لا نملك طريقة لمعرفة مدة استمرار هذه المناعة أمام الفيروس. إلا أنه يمكننا استنباط أقوى الاحتمالات من دراسة أقاربه، أي فيروسات كورونا التي تسبب نزلات البرد العادية، وكذلك الأخطر منها التي سببت متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد SARS وفيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS. وتستمر المناعة أمام هذه الفيروسات في أي مكان من سنة إلى ثماني سنوات.
يقول الدكتور كرامر إن أفضل طريقة لمعرفة ذلك هي متابعة الأشخاص الذين يحملون الأجسام المضادة والذين لا يحملونها وتحديد الوقت الذي قد تتجدد فيه إصابتهم. وقال: “هذه هي الدراسات المطلوبة الآن. وستستغرق بعض الوقت”.