كارم يحيى يكتب من داخل مديرية أمن القاهرة:” الباشا ” وذكرى “إسماعيل الشاعر” الخالدة

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٠٨ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: البديل


كارم يحيى يكتب من داخل مديرية أمن القاهرة:” الباشا ” وذكرى “إسماعيل الشاعر” الخالدة

كارم يحيى يكتب من داخل مديرية أمن القاهرة:” الباشا ” وذكرى “إسماعيل الشاعر” الخالدة

مقالات الثورة وميدان التحرير (54)

قادتني بقية من سذاجة مع عشق بلا حدود للأدب الى داخل مديرية أمن القاهرة عصر يوم الجمعة 30 ديسمبر 2011. ومع أن المناسبة غير سعيدة بالمرة . فقبلها بيومين تكرم الزميل “محمود سعد” في برنامجه التليفزيوني بإستضافتى عبر الهاتف لنحو خمس دقائق لأعلن عن جانب من الوقائع الغريبة لاعتقال زوجتى غير المكترثة بالسياسة والكتابة وميدان التحرير عصر يوم 27 ديسمبر 2011 على بعد أمتار قليلة من البيت على يد قوة جبارة من مباحث ” المعادي ” مكونة من تسعة أفراد بقيادة الضابط الهمام ” أبو سريع” واحتجازها في مقر القسم لساعات ومحاولة إجبارها على التوقيع على اعتراف بأنها ” تتاجر في المخدرات “. ثم إطلاق سراحها رغم كل هذه الاتهامات الخطيرة والتكلفة الباهظة لتحريك كل هذه القوة. ولا أخفيكم سرا أنني عندما فكرت في الأمر مليا اكتشفت أن أسوأ ما في هذه القصة هي إعادة زوجة إلى زوجها . وببساطة لأنني اكتشفت عبث ولا جدوى البلاغ الذي قدمته للنائب العام وتحقيقات المحامي العام لجنوب القاهرة بعد مضى أكثر من شهر ونصف الشهر. فحتى صغار صغار ضباط الشرطة عليهم حارس يحمى ويرعي انتهاكهم القانون وحقوق المواطن والبلطجة الميري . ولذا بدأت التفكير في تقديم بلاغ أكثر جدوى يطرح السؤال : لماذا أعدتم الزوجة ؟.
إذا ما تركنا جانبا عبث الأقدار العائلية الى عبث أقدار إعلام وصحافة نظام “مبارك” بصحفها وقنواتها الفضائية لرجال الأعمال والزملاء المحاسيب التي تتعمد التجاهل وتشويه السمعة التزاما بالسياسة المرسومة لها من أجهزة الأمن . فإن النافذة الوحيدة كانت هي تلك التي فتحها أمامنا الزميل ” سعد ” مساء يوم 28 ديسمبر 2011 ، وذلك باستثناء الموقع الألكتروني للبديل بالطبع . وفور أن وضعت سماعة هاتف المنزل اتصل بي على الفور ضابط برتبة عميد في إدارة التفتيش بوزارة الداخلية قال أن ينتهى اسمه الكريم بـ ” دنقل ” . وقد تبين لي أنه على صله قرابة بشاعرنا الكبير صاحب ” الكعكة الحجرية “. وأود الاعتراف هنا أن تلبية دعوة الرجل للقائه بمقر مديرية أمن القاهرة تتناقض مع رفضي مرتين لدعوة مماثلة سابقة لـ ” تناول القهوة ” مع اللواء هاني عبد اللطيف مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة والصحافة بشأن الأمر نفسه . و عندما اجلس الى نفسي الآن ألتمس العذر لكل هذه السذاجة في قبول فنجان قهوة عند عميد بدلا من لواء . فقد كان مقصدي أن أسلم شكوى مكتوبة عن واقعة اعتقال واحتجاز الزوجة وترويعها الى إدارة التفتيش بوزارة الداخلية بناء على نصيحة السادة المحامين . لكن عندما أنظر في الأمر مرتين أعود وأقول لنفسي : “هذا ليس مبررا كافيا.. ولتبحث عن غواية الأدب و عن نوبة سذاجة مفاجئة”.
على أية حال ، وجدتني أدخل للمرة الأولى مديرية أمن القاهرة. والانطباع الأول وأنا أجتاز بوابة الشارع إلى بوابة المبنى حملني إلى تخمين مفاده أن المهندس الذي أنشأ المديرية هو ذاته الذي أقام مستشفي القوات المسلحة على كورنيش المعادي . ولا أدرى لماذا وجدت شبها بين الاثنين . لكن عندما أخذني المصعد إلى طابق مكتب العميد” دنقل ” أصبح بإمكاني التيقن من أن شيئا لم يتغير في المؤسسة الشرطية المصرية بعد ثورة 25 يناير . وببساطة فقد صدمت أذني في أقل من دقيقتين لأكثر من عشر مرات كلمة ” الباشا ” في حديث العاملين والجنود عن الضباط . وكأن ثقافة وقانون ثورة يوليو 1952 أصلا لم يبلغان وزارة الداخلية حين ألغت مثل هذه الألقاب في المجتمع منذ نحو ستين عاما .
حرصت على البقاء أقل وقت ممكن في غرفة العميد ” دنقل ” و أن أستهلك أكثر قدر منه في الحديث عن شاعرنا لا عن زوجتى . وزاد من الشعور بضيق المكان وابتعاده عن واقع بلد يعيش ثورة شعبية ويتوق الى تغيير شامل وجذري في المؤسسات بما في ذلك الشرطة أنني وجدت نفسى مستجوبا في بلاغي للنائب العام وبطريقة توحي بأنني رهن إعتقال و متهم بذنب الشكوى ضد ضباط وزراة الداخلية . فضلا عن أنني تيقنت بأن أحدا ما في هذه الوزارة لم يتخذ أي إجراء للإستفسار أو التحقيق مع ” أبو سريع ” ورئيسه المباشر ” المقدم محمد العسيري” مع أن أعلى القيادات بها تعلم بالواقعة قبل ثلاثة أيام . كل ما أستطعت في ورطة زيارة مديرية أمن القاهرة الإضطرارية هذه أن إختصرت زمن التحقيق معي وسجلت كتابة في محضره أن ” مالدي قلته في بلاغ النائب العام و في الشكوى المقدمة الى إدارة التفتيش بالوزراة”. لكن عندما أشرت الى الإتصالات الهاتفية السابقة لمساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة مشير له باللواء فلان أصر العميد ” دنقل ” أن يكتب في محضر التحقيق على لساني كلمة ” سيادة اللواء ” . ولذا صممت من جانبي أن أسبق إسم وصفة الزميل الصحفي ” مريد صبحي ” رئيس قسم الحوادث بجريدة الأهرام بالكلمة ذاتها ” سيادة الصحفي .. “. وقد كان رغم أن الأمر لم يكن بالسهل على العقلية الشرطية . كما لم يكن بالسهل أيضا أن أحصل على ما يفيد بإستلام الشكوى المقدمة الى الوزراة . وفي النهاية لم يكن ممكنا إلا الحصول على توقيع كاتب محضر التحقيق معي لا الضابط العميد على صورة ضوئية من الشكوى . وأتضح لي أنه من المستحيل الحصول على صورة ضوئية من محضر التحقيق معي بشأن الواقعة .
وعندما خرجت من الغرفة الى باحة الطابق لأستقل المصعد بإتجاه الخروج ، قادني الفضول الى تفحص خزانة زجاجية تضم مقتنيات تذكارية مهداة الى مديرية أمن القاهرة . وقد توسطها في مكان بارز طبق تذكاري مهدى الى اللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة.وكأن الرجل لا يحاكم حاليا بقتل متظاهري 28 يناير 2011 ومابعدها .وكأن شيئا لم يتغير في مصر . وعندما عدت الى البيت إكتشفت أن مسئولا رفيعا في أمن القاهرة ـ مجهل الإسم والرتبة ـ نشر في جريدة ” الأخبار ” صباح اليوم ذاته أن زوجتى كانت محل إشتباه لأنها سعت لبيع قطعة ذهب مسروقة.و هذه المرة سرقة ذهب لا بيع مخدرات . لكن ظل سؤال الزوج التعس :..و لماذا أطلقوا سراحها ؟
بعد كل هذه الأيام ومع إستمرار مشاهد إجرام وزارة الداخلية في محيط مقرها قرب ميدان التحرير وقد تجددت بعد مجزرة ستاد بورسعيد 1 فبراير 2011 سألت نفسي : وهل أعلمتك وزارة الداخلية بما إتخذت بشأن ما جرى لزوجتك ؟ . فجاءت الإجابة بلا قاطعة . ولمت نفسي مجددا على السذاجة و غواية الأدب وأمل دنقل . لكن لعل ما خفف بعض الشئ عن النفس أنني تذكرت أن العميد “دنقل” عندما ألح على في طلب فنجان القهوة . تخلصت من ثقل إلحاحه بطلب ” شاي “. لم أرتشف منه إلا مرة واحدة .
كارم يحيى ـ كاتب صحفي مستقل يعمل بالأهرام حاليا ـ في 7 فبراير 2012

اجمالي القراءات 3096
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق