نحبه مع أنه يغلبنا وفيه راحتنا
نحبه مع أنه يغلبنا وفيه راحتنا
ترى ما الشيء الذي نحبه ويغلبنا ولا نغلبه وقد ذكرت في شأنه فضيلة واحدة ولكنه آية من آيات الله قال بعضهم في فضل النوم :
وفضيلة النوم الخروج بأهله عن عالم هو بالأذى مجبـول
قال تعالى: ومن آياته منامكم بالليل والنهار … الآية .
متى يأتي النوم وما هو وقته وأسبابه :
والنوم لا يأتي إلا بعد السنة والغفوة والوقت الأنسب له هو الليل والأدلة متضافرة على أن الليل خلق لراحة الإنسان وسائر الحيوان وأن النهار أبدع لأجل الشغل والعمل ولا يماري في هذا عاقل ومن بدل سنة الله ظهر أثر العياء في جسده وأسباب النوم في الليل متوفرة دون النهار لأن فيه يفقد النور الذي هو أعظم من منبهات الحياة ويأتي الظلام الذي من شأنه إضعاف القوى ومن الناس من أبى إلا معاكسة الطبيعة واستبدال الطبع بالتطبع تراه يحيي ليلته بالسهر ويقتل نهاره بالكسل والنوم فيخسر صحته في الدنيا كما يخسر دينه والأنسب بساعات الليل للنوم هي ساعة بعد الغروب والأنسب للتيقظ هو طلوع الشمس أو قبيل ذلك كذا قال الحكماء من حيث تدبير النوم من جهة حفظ الصحة وأما من جهة الشرع فالمحمود الاستيقاظ قبل طلوع الفجر للتهيؤ للصلاة في أول وقتها الاختياري فمن يستيقظ باكرا يجد في نفسه خفة ونشاطا بعكس الذي يصبح نائما إلى وقت الضحى فإنه يجد حواسه كليلة وجسمه مسترخي ويبقى على ذلك ساعات كثيرة كما صحت به التجربة .
يختلف نوم الناس باختلاف أنواعهم:
ومن الواضح أن النوم لا يأخذ كل الناس على السواء بل منهم من ينام أول الليل ومنهم من يتأخر ومنهم من لا ينام إلا بعض الساعات من الليل وإذا ناموا يستيقظون مرة أو أكثر وذلك تابع للعادة وحكم المعدة والجسم ومنهم من يرتب لنومه ويقظته أوقاتا معلومة فإذا أتى ميقات نومهم ناموا وإذا مضى استيقظوا ومنهم من ينام أي وقت شاء وهم الكسالى والضعفاء والخالون من الأشغال العقلية والأفكار العالية ومن ضمن هؤلاء الأطفال والشيوخ .
ميسرات النوم ومعكراته:
وقد ذكر الحكماء القدامى أن مما يجلب النوم بسرعة زيادة الدم في الدماغ أو نقصانه وكثرة الأكل والشرب والمخدرات وتبريد الجسد والمسهلات ومما يستدعي النوم كذلك استماع القراءة في الفراش أو القراءة فيه وصوت المطر والهواء وخرير الماء والنظر إلى المرئيات اللماعة والحداء ( غناء خاص لسوق الإبل) والسكون والظلام والاستحمام بالماء الساخن وألحان الموسيقى والعياذ بالله وغيرها ... وإن مما يجلب الأرق الفرح والحزن والغضب: اشتغال الأفكار بمهام كثيرة والتعب المفرط وتبديل الفراش وكثرة الأكل أوقلته وشدة النور والمعاشرة المستلذة وشرب القهوة والشاي.
القدر الضروري للنوم:
اجمالي القراءات
17337
والقدر الضروري من النوم الذي يعطي البدن راحة كافية يختلف باختلاف الأشخاص أما البالغون الذين يشتغلون شغلا عقليا كأهل العلم فسبع ساعات لا غير وأما المشتغلون بأعمال البدن كالصناع فثمان ساعات وأما الصبيان فيحتاجون لأكثر من ذلك وكلما كان الشخص صغيرا ازدادت المدة التي تكفي لراحته ونمو جسده ولذا ترى الأطفال يقطعون غالب أوقاتهم في النوم وإذا انتبهوا فللأكل والرضاعة ولا يمكن بحال أن يتقيد كل الناس بساعات معينة للنوم لاختلاف المزاج والسن والمهنة فالذين يتعاطون الأعمال الشاقة تكون لهم مدة للنوم أكثر من غيرهم وهكذا النساء العصبيات وسكان الأقاليم الحارة وأصحاب الذوات السمينة وأهل المزاج الدموي وللعادة تأثير عظيم في كثرة النوم وقلته فمن الناس من ينام عشرين ساعة أو أقل كالكسالى ومنهم من يكتفي بأربع أو خمس ساعات كبعض العلماء وأفاضل النساء وحيث كانت العادة مالكة للشخص فينبغي أن يعود نفسه القدر الضروري المناسب لحاله وإلا ذهب عمره سبهللا في البطالة وتضييع الأوقات لأن الحياة تذهب بين اليقظة والنوم .