أصول العرب..ومكر التاريخ
يسود العرب اعتقاد شائع بأن النبي إسماعيل هو أول من تكلم العربية بل هو أبو العرب تِمّا، وفي ذلك نُظُر ، فإسماعيل وإسحاق أخوة تحدثوا اللغة الآرامية باعتبارهم أشقاء ولدوا في أسرة واحدة، كان أبيهم إبراهيم (آراميا) حسب سفر التثنية اليهودي فعلام القول أن أصل إسماعيل عربيا ومن أين جاء ذلك؟
اللغة الآرامية كانت هي الشائعة في المنطقة طوال 3000 سنة ق.م ، فعندما فصل إبراهيم بين أبنائه عاش إسحاق بين الفينيقيين واكتسب لغة جديدة هي مزيج من الآرامية والفينيقية (العبرية القديمة) ويمكن ملاحظة ذلك بأن الخط العبري القديم أشبه للخط الفينيقي ومختلف عن العبري الحديث الذي ظهر بعد الأسر البابلي مكتسبا، لذا ينسب اليهود أنفسهم لإسحاق من حيث النسل فهو أبو العبرانيين باعتباره أول من تكلم العبرية، هذا مصداقا للرواية التوراتية فالبحث الأركيولوجي شئ مختلف.
أما إسماعيل فعاش بين البدو في مكة – حسب الروايات – وهؤلاء البدو كانت لغتهم يمنية وخطهم مسند، ولأن إسماعيل تحدث الآرامية فقد تحدث مثلهم لكن بخليط بين الآرامي واليمني وكلاهما ساميين، إنما لم يؤدي ذلك لإنتاج لغة جديدة، فإسماعيل كان بمفرده واللغات تتطور بالمجموع ولا يقاس ذلك بفعل إسحاق لأنه كان يعيش في بيئة آرامية ولو لم تكن هي مسقط رأسه، كذلك فإسماعيل قدم من بيئة متحضرة لبيئة بدوية يفترض أنه الأقوى ثقافة والأكثر تأهيلا فكيف يتأثر بالبدو لدرجة نسيان لغة آباءه وأجداده؟!
اجتماعيا يؤثر الأقوى في الأضعف، ولو اعتبرنا أن إسماعيل قويا لجذوره المتحضرة فيفترض أنه سيُعلّم البدو لغته الآرامية لتشيع في الصحراء، لكنه لم يحدث..فاللغة الآرامية شاعت فعلا في الصحراء لكن ليس في مكة وقتها إنما في بادية الشام والعراق، لم تشيع في مكة إلا بعد عصر الهجرات كما سنبين بعد قليل، وتاريخيا لا يمكن نشر أي لغة إلا بسلطة سياسية أو دينية أو بجهود مثقفين بكتابات وأبجديات، وهذا لم يكن متوفرا عند البدو فلم تكن لهم سلطة ولم يفرضوا دينهم الوثني على حضارات الجوار وكذلك لم يكونوا كَتَبة ولا لهم أبجديات خاصة..
العرب أصلهم سامي (عريبو) كانوا بدو الصحراء السورية والعراقية والأردنية حاليا هاجروا لشبه الجزيرة جنوبا على ثلاثة دفعات:
الدفعة الأولى: عند هجوم بختنصر البابلي ضد أورشليم في القرن 6 ق. م، وهؤلاء كانوا يهودا سكنوا يثرب واليمن ونجران وتيماء والبتراء، وهؤلاء المهاجرون هم أول من أسسوا مستوطنات حضرية في الصحراء.
الدفعة الثانية: عند هجوم الإسكندر المقدوني ثم الغزوات السلوقية في العصر الهلنستي خصوصا معركة "أنطوخيوس الرابع" ضد اليهود، وهؤلاء كانوا أقل ..ذهبوا لمراكز تجمع الدفعة الأولى.
الدفعة الثالثة: عند هجوم تيتوس الروماني على معابد القدس وهدم هيكل سليمان سنة 70 م، وهؤلاء كانوا مجموعات كبيرة يهودية ومسيحية لم تكن وقتها الدولة الرومانية مؤمنة بل وثنية الديانة جمهورية الحكم
توجد هجرات متتالية متقطعة حدثت بعد ذلك لكنها كانت قليلة أكثرها هجرات مسيحية هاربة من الاضطهاد كالأريوسيين والنسطوريين واليعاقبة الذين هربوا من القمع الديني بعد مجمع نيقية سنة 325 م، وهذه المجاميع ذهبت لمراكز تجمع الدفعة الثالثة من المسيحيين..وهم الذين أشار إليهم القرآن بلفظ "نصارى" بحكم جوارهم للعرب، ويعتقد المسيحيين الآن أنهم كانوا المخصوصين بالخطاب القرآني وأن لفظ نصارى عندهم يعني فرقة ضالة ليست على دين المسيح الصحيح .
ولم تكن الهجرات كلها جنوبا منها ما حدث شمالا لأوروبا وألهموا بعد ذلك جماعة فرسان المعبد / الهكيل إبان الحملات الصليبية، فهؤلاء الفرسان لم يحاربوا المسلمين والعرب فقط لأسباب دينية ولكن لحاجة انتقام مما حدث لمعبد أورشليم على أيدي الوثنيين من البابليين والرومان، ففي مخيلتهم لم يكن المسلم مجرد مخالف ديني بل ممثلا لجرائم قديمة، وبالقياس على هجرات الجنوب أرى أن من هاجر جنوبا كانوا من المتسامحين والضعفاء ممن لم ينشغلوا بصراعات السياسة وتفرغوا لأعمال الرهبنة، إنما المهاجرون شمالا كانوا أقوياء وعسكريين ورّثوا الحقد والكراهية الدينية لأحفادهم حتى إذا اشتعلت الحرب أصبحوا قنابل انفجارية..وهذا ما حدث في الحروب الصليبية ، ويمكن القول أن جماعة فرسان المعبد كان لها الفضل في انتصارات الصليبين خصوصا معركة الرملة ضد جيش صلاح الدين سنة 1177 م
ويدعم ذلك ما ذكره الكاتب "سعد القرش" في جريدة القدس العربي سنة 2006 في عرضه لفيلم "لا تسامح" لجون كولي أن الفيلم صور فيه بابل هي موطن الشيطان ومحور تحريض الأساقفة ضد المسلمين، علما بأن الفيلم تم تصويره سنة 1916 ولم تتحدث عنه الصحافة العربية بما يكفي لكنه يشرح خلفية ودوافع الحملات الصليبية بعيدا عن التزييف الذي حدث لها في أفلام الستينات والناصرية بأن ما يحركهم الأطماع المالية ليس إلا..وبقية ما ذكره الكاتب في كتاب "التحالف ضد بابل ..الولايات المتحدة وإسرائيل والعراق" وفيه يعرض دوافع غزو جورج بوش للعراق وأفغانستان أن لأسبابه علاقة تاريخية بهدم البابليين للمعبد في استعادة فورية للتاريخ وقت الأزمات كما ذكر ذلك أرنولد توينبي في نظريته "التحدي والاستجابة" التي هي الأخرى إحياء لنظرية "مكر التاريخ" لهيجل.
مبدئيا: نمط العيش البدوي مختلف عن نمط العيش الحضري، مستحيل اجتماعيا أن يؤسس البدو مدن لهم لأن نمط عيشهم قائم على التنقل والرحلات بحثا عن الغذاء، مدن الصحراء أسسها متحضرون قدموا من بلاد متحضرة تعرف معنى الاستقرار والزراعة، وهؤلاء الذين أقصدهم بأنهم من أسسوا مراكز تجمع حضرية في الصحراء من اليهود والمسيحيين، فالبدو لهم خصائص مختلفة عن سكان الحضر أهمها انتمائهم القبلي فكل دين وثقافة وسياسة محصورة في شخص زعيم القبيلة، وينظرون دائما للقبائل والشعوب الأخرى نظرة شك يملأها الهواجس، لذا من الصعب التعرف عليهم عن قرب أو حصر أعدادهم وحتى أنسابهم بطريقة صحيحة..وإلى الآن ما زالت قصة الأنساب العربية التي ظهرت في العصر العباسي الأول موضع شك.
فالعلم بالأنساب لو كان قاطعا ونهائيا مع ابتكروا علماً لذلك، وقديما عندما يختلفون في أمر ما يكتبون عنه بكثرة، فكما اختلفوا حول الحديث ظهرت علوم الحديث، وكما اختلفوا حول القرآن ظهرت علوم القرآن، وكما اختلفوا حول اللغة ظهرت علوم اللغة..كذلك عندما اختلفوا في الأنساب ظهرت علوم الأنساب، بينما لم نرَ هذا الخلاف مثلا في قصة البعث أو النار والجنة..فإلى الآن عندما يختلف البشر حول شئ ما يظهر له علم خاص، بدلائل منها أنه وعند اكتشاف كروية الأرض ودورانها حول محورها وحول الشمس لم يظهر علم مستقل لذلك..هذا أصبح شئ بديهي، بينما ظهر علم الفيزياء كمظلة عليا يحمل تحته العديد من الخلافات والتناقضات.
طب ما علاقة هذا الكلام بلغة النبي إسماعيل؟
لإثبات أن إسماعيل لم يؤسس مدينة أو مجتمع حضري بل عاش بين قبائل البدو الرحل آنذاك وتحدث لغتهم ولم يكن بالقوة الذي يفرض نفسه عليهم، أما انتساب العرب له حدث بعد عصور الهجرات وتحوّل لغات البدو والمدن إلى فرع جديد سامي هو (اللغة العربية) الذي كان في أصله آرامي يُكتب بالمسند اليمني، ثم وبعد الهجرات أصبح لسانهم آرامي مزيج من الخطين المسند والآرامي القادم مع الهجرات الشمالية، إنما ظل في منطقة الحجاز يكتب بالمسند اليمني مع بعض تأثيرات شمالية فكان الخط المسمى "بالثمودي أو الصفائي" وهو الذي يُعثر عليه الآن في نقوش الحجاز فترة النبي محمد وما قبله، أما الخط الآرامي النبطي فغزا الجنوب ليُكتب به القرآن ثم يُترجم بعد ذلك لأبجدية عربية في العصر الأموي.
العرب نسبوا أنفسهم لإسماعيل بوصفه نبيا آراميا وأول سامي يسكن تلك الأرض الجديدة، لأن أجداد هؤلاء البدو لم يعرفوا لأصلهم ذكرا ولم يبحثوا عنه لكونه علامة من علامات الثقافة الحضرية، بالتالي سواء سكن إسماعيل مكة أم لم يسكن هذا لا يهمهم بشئ، مما يعني أن قول البدو بانتسابهم لإسماعيل ظهر في عصر متأخر تصديقا لما ذكره بعض مثقفي اليهود، وللوضع الجديد الذي أصبحوا فيه جوارا مع الوافدين الجدد من الشمال، وأعتقد أن هذا الزمن كان بعد توقف الهجرات الشمالية للجنوب واستقرار الدولة الرومانية لحُكم مسيحي يتوافق مع أهواء وميول المهاجرين في الحواضر العربية أو لا يشكل عليهم خطرا مثلما كان سابقا في العصر الوثني، وهذه الفترة بدأت منذ تولّي الملك قسطنطين العظيم في القرن 4 م بعدها شاع القصاصون تلك الأنساب العربية وكثرت الحكايات والبحوث عن أصولهم القبلية.
المهاجرون أسسوا مملكة الأنباط في العصر الهلنستي كما قلنا، لكن عند هجوم الرومان عليهم – الإمبراطور تراجان - أزالوا ملوكهم لكن بقيت المملكة تتطور حتى أصبحت بثقافة خاصة ولغة مستقلة هي اللغة النبطية ذات الأصل الآرامي، هذه المملكة هي كانت أصل العرب الحالي وخطهم هو الذي تحول للأبجدية العربية في عصر الأموي "عبدالملك بن مروان" لذا ظهرت أقوال أن أصول الإسلام في البتراء عاصمة الأنباط هذه نزولا للتاريخ الذي يثبت أن العرب لم تكن لهم أبجدية خاصة يكتبون بها..بل لغة شفهية خليط بين ألسنة قبائلية يمنية وحبشية وفارسية وبابلية وآشورية، وإلى الآن توجد قبائل في اليمن وسلطنة عُمان حافظت على هذا اللسان وهو لسان مختلف تماما عن العربي لكن يكتب بالأبجدية العربية.
هذا التحليل ربما يعيد النظر في قصة العرب العاربة والمستعربة هذه، فلفظ العرب لم يكن معروفا وقتها، كان البدو يسمون بالسراسنة والإسماعيليين الذين نسبوا أنفسهم لإسماعيل الآرامي، اسماعيل نفسه لفظ آرامي يعني (الله يسمع) ومنه اشتق اسم السميع لله، فلفظ "ئيل" يعني الله وعرفه الكنعانيون بنفس اللفظ، لكن بعد قدوم العصر الأموي عَلَت النزعة الشعوبية القومية لهؤلاء الأنباط العرب فبحثوا عن أصولهم التي ذكرها القرآن في موضع الإثبات أن لسان القرآن عربي، ولم يدركوا أن القرآن ذكر هذا الأصل العربي لأن قريشا كانت تجادل في أصل القرآن باعتباره تكرارا لقصص الآراميين القدامى..قالوا أساطير الأولين..!
كذلك ولأن القرآن الأول كُتِب بالخط الحجازي المختلف تماما عن الخط العربي الحالي وأقرب شبها بالخط النبطي الآرامي، ومخطوطة القرآن الحجازي في جامعة "برمنجهام" الآن تشبه مخطوطات الأناجيل الآرامية ، وهذا يثبت أن قصة تطور اللغات مسّت العربية أيضا، فالأبجدية العربية لم تكن متوفرة في عصر القرآن المكتوب بأبجدية وسط بين النبطية والعربية إنما ذكرت تلك الأبجدية في عصر التنقيط والتشكيل الأموي، وجهود أبو الأسود الدؤلي والفراهيدي وسيبويه.
كذلك يعيد النظر في نسب (كل) العرب للساميين، فالثابت أن تلك الهجرات سامية بالأساس لكن بدو الصحراء كانوا مزيجا مختلطا من قبائل ذات هويات مختلفة كما أشرنا بتعدد ألسنتهم والباقي أثرها إلى اليوم على سواحل الجنوب، إنما بعد مجئ الإسلام ونشره بالقوة انتشرت اللغة العربية معه والتزمت تلك القبائل بلغة موحدة لفهم القرآن، وهذا يؤكد حقيقة تاريخية أخرى أن القرآن هو من وحّد البدو وجعلهم عربا متحضرين باعتبار أن موطن القرآن كان حَضَريا، ومع مجئ الدعوة الوهابية كرروا ما فعله الصحابة في حروب الزكاه والمرتدين فوصلت اللغة العربية لمناطق لم تكن وصلتها من قبل.
لكن يُثار سؤال مهم: كيف عرفنا أن اللغة العربية لم تكن وصلت إلى كل قبائل البدو ؟..والجواب ما قلناه عن وجود لغات غير عربية في شبه الجزيرة كالشحرية والسوقطرية والحرسوسية والمهرية، لكن بعد إسلام ذوي تلك اللغات فصلوا بين اللغتين فأصبحوا متعددي اللغة واحدة شفهية والأخرى خطية ودينية، وهذا يشير إلى إمكانية وصول الإسلام لمناطقهم بالدعوة وليست بالحرب، على شاكلة ما حدث لسوريا ومصر عندما وصلتهم المسيحية بالدعوة فبقوا على لغاتهم الأصلية كالآشورية والقبطية والسريانية ولم يتحدثوا العبرية واليونانية كلغة أصلية للكتاب المقدس..
وهذا بخلاف ما حدث بعد الإسلام إذ وصل العرب لمصر بالحرب فنشروا اللغة العربية هناك بالجبر واختفت القبطية تدريجيا إلى أن أصبحت أقلية في العصر الفاطمي، وكذلك عندما وصلوا لبلاد فارس والعراق وسوريا بالحرب فتحول السوريون والعراقيون للعربية بالتدريج..وتحول الإيرانيون فترة إلى أن جاء عصر التتار بهجرات عربية من مدن فارس يقابلها هجرات فارسية من الأرياف إلى المدن لتعود الفارسية مرة أخرى وتصبح لغة رسمية وللأكثرية في العصر الصفوي، وهذا يفسر أن فقهاء الفرس الأوائل كانوا يتحدثون العربية كالبخاري ومسلم والغزالي والرازي وغيرهم..بينما المتأخرين تأتي كتبهم مترجمة، في حين لم يذكر التراث الإسلامي عن ترجمات لصحيح البخاري وهذا يؤكد أن المصدر كان عربيا.
عصر التتار عموما شهد تراجع شديد للغة العربية بنفس الطريقة الفارسية، فالأرياف لم تحصل على اهتمام السلطة العلمي فبقيت تلك الأرياف محافظة على هويتها ولغاتها الخاصة، وبعد سقوط السلطة العباسية سقطت مكانتها الثقافية، فتنفس أصحاب اللغات الأخرى الصعداء، ساعدهم قدوم المماليك بلغات قوقازية مختلفة مما أبطل كليا قدسية اللغة العربية، وبدأت حركة ترجمات أخرى للقرآن إلى ساكني الشرق الأوسط وخراسان والسند وأفريقيا مما ساعد على صعود تلك اللغات مرة أخرى واستمر هذا الوضع طيلة فترة المماليك والعثمانيين إلى أن جاءت الدعوة الوهّابية وعصر المملكة السعودية الثالث بنشر العربية مرة أخرى توازيا مع نشر الدين الوهّابي.
لكن الأبجدية العربية حافظت على وجودها طيلة العصر العثماني، ورأيي أن لو اعتمد الأتراك الأبجدية اللاتينية في البداية – كما هم الآن – لاختفت اللغة العربية تقريبا وأصبحت منعزلة في صحراء العرب، إنما الأتراك ظلوا محافظين على الأبجدية العربية ليكتبوا بها التركية، وكذلك فعل أقباط مصر وسوريان الشام وكلدان العراق ، حتى الفارسية والأردية كُتِبَت بالحرف العربي لكن لأسباب أخرى خاصة بالتتار – كما تقدم – صعدت الفارسية والأردية مرة أخرى كلغة شفهية، كذلك باقي لغات قبائل خراسان كالبشتونية والأوزبكية والآذرية ..إلخ ..فارق أن لغة الأذريين تغيرت للأبجدية اللاتينية بنفس طريقة الأتراك وفي نفس الزمن تقريبا بعد سقوط الخلافة العثمانية، وهذا يؤكد أن الأبجدية العربية استفادت من الوجود العثماني وتضررت بنهايته..
كذلك فما عرف قديما بالبحرين لم تكن فقط تلك الجزيرة المسمّاه بها إلى اليوم ولكن منطقة الأحساء وشرق السعودية، هذه لم تكن مناطق سامية بل أكثرها قبائل ذات هويات آرية يفخر أهلها إلى اليوم من سكان الأحساء والبحرين بأصولهم الفارسية، وهي المنطقة التي خرجت منها غزوات القرامطة بدوافع ليست فقط دينية وسياسية بل بدوافع عرقية لاختلاف الجذور، هم آريون وخصومهم ساميون..نفس الخلاف العرقي الآن بين قبائل العرب واليهود وبين قبائل الفرس، فالصراع بين إيران وإسرائيل والسعودية ليست جذوره فقط دينية وأيدلوجية وسياسية بل هو صراع مركّب دخلت معه قصة الأعراق بدلائل منها حياد أو ميل ذوي الجذور الفارسية في الأحساء والبحرين والكويت والساحل العُماني لإيران، كذلك ميل ذوي الجذور العربية في الكويت وسوريا والعراق والأردن ضد إيران بنفس الطريقة، وهؤلاء أكثرهم منضمين لحزب البعث الصدامي القديم وأصحاب القومية العربية التي أشعلها ميشيل عفلق وساطع الحصري وجمال عبدالناصر.
في حين لم يكن هذا الصراع ثلاثيا في فترة القومية العربية بهذا الشكل، بل كان ثنائيا رئيسيا (عرب ضد صهاينة) وفرعيا بصراعات جانبية بين أعراق لبنان والعراق بعد ثورة تموز 58 والسبب أن سلطات إيران وقتها كانت مدنية لم تشعل الجانب القومي مثلما أشعلته ثورة الخوميني 79 بدوافع مركبة مع الدين والأيدلوجيا، ويمكن اعتبار فترة حرب الثمانينات بين إيران والعراق تمثل إعادة اعتبار للقومية الفارسية مقابل عروبة صدام.
لذا عندما تم تحويل الصراع القومي إلى ثلاثي لم يشارك فيه أغلبية القوميين المصريين لشعورهم الباطن أنه صراعا لا ناقة لهم فيه ولا جمل عدا بعض المثقفين ممن عرفوا بالأهواء والمصالح لا بالدقة والعلم، فإسرائيل في المخيلة المصرية عدو قديم منذ حروب أبناء رمسيس – لوحة مرنبتاح نموذج – ضاعف هذا العداء موقفهم من يسوع في الفترة المسيحية ومن محمد بعد الإسلام، وأخيرا حرب فلسطين ويونيو وأكتوبر التي مثّلت قطيعة نهائية بين الثقافتين المصرية والإسرائيلية، حتى شخصية اليهودي في الثقافة المصرية كانت مشوهة بالتاجر المُرابي الأخنف..وللتوضيح لست مع هذه الرؤية العنصرية لكن ذكرها في سياق ثقافي مطلوب.
خصوصا وأن البعض يخلط ما كان يتم في الفترة المدنية خلال عصر الإنجليز بالمساواه بين المسلمين واليهود ويسقط ذلك على التاريخ، ورأيي أن هذا نتائج فترة مدنية أعقبت الاحتلال الإنجليزي مثلما حدث بعد الاحتلال المغولي لبلاد المسلمين وإسقاط الخلافة العباسية حين أشاعوا المساواه بين الطوائف ونهض في عصرهم الفكر الشيعي..إنما قبل الإنجليز لم تكن هناك مساواه وظلت صورة اليهودي أخنفا ومٌرابيا ومستغلا ونذلا في الثقافة المصرية، وهي أشبه بالصورة المشاعة أيضا عن القساوسة لكن أقل بشاعة، ويمكن ملاحظة ذلك الآن بإحياء الجماعات الإسلامية صورة القسيس (الأخنف) هذه بعد ثورة يونيو، فهم يرون الأقلية المسيحية معادية مثلما رأى هتلر أقلية اليهود بنفس الصورة..
على الجانب الآخر في صحراء العرب لم يعرف البدو الفرس على أنهم أعداء لأسباب ذكرنها بوحدة الجذور مع بعض قبائلهم، فصورة الفارسي ليست شريرة في مخيلة سكان الساحل العماني، ويمكن استنتاج وجود 400 ألف إيراني - أكثرهم فرس – في الإمارات كعاملين ومستثمرين شئ عادي، بل هم أشقاء مع بعض قبائل المنطقة ولا يمكن النظر إليهم إلا كأصدقاء، وهي نفس الصورة التي يرى بها المصري شقيقه الليبي فقبائل ليبيا ومصر بينهم نسب ومصاهرات وجيرة ، كذلك بين قبائل جنوب مصر والسودان فالمصري الجنوبي يرى السوداني كشقيق وليس كعدو، بخلاف سكان الدلتا الذين قد يرون السوداني خصما في الأزمات للخلاف الكبير في الشكل واللغة والعادات.
وأتذكر أيام أزمة حلايب وشلاتين في التسعينات وذكرى اغتيال مبارك في أديس أبابا كيف كانت كراهية السوداني لدينا في قريتنا في محافظة الغربية، وسمعت عن اضطهادا يحدث لهم في القاهرة، بينما الخطاب المتسامح والتقريبي مع السودانيين كان يصدر من مثقفي الجنوب خصوصا "عبدالرحمن الأبنودي" الذي يعد من أكثر مثقفي مصر ظهورا على قنوات السودان ويحتفون به بوصفه إبنا للثقافة النوبية، كذلك المطرب "محمد منير" ، وأخيرا "أحمد منيب" الذي كان يعد جسرا مصريا للسودان والعكس إبان فترة الناصرية وميل القوميين المصريين لامتداد عروبي في السودان أثر بعد ذلك سلبيا في أزمة الجنوب بصراع هويات أدى لاستقلال جوبا عن الخرطوم.
اللغة والدين هم من يصنعون الثقافة، وتشابه اللغات والأديان ها من يؤدي لتشابه الثقافات لذا من الخطأ في علم النفس السياسي إشعال صراع لمجرد حدود الجغرافيا وإهمال الامتدادات اللغوية والثقافية والدينية تلك، كالصراع بين مصر وليبيا مثلا في عصر السادات هذا كان أكبر متضرر منه قبائل مطروح والفيوم وبني غادي لوحدة الدم، كذلك الصراع بين الخليج وإيران هذا يتضرر منه فورا قبائل الأحساء والبحرين وساحل عُمان لوحدة الدم والدين، ولعل هذا المبدأ ما أغرى بعثيو العراق على إشعال حربهم ضد إيران وهم موقنين بدعم عرب الأهواز لهم، ونسوا – أو تعاموا – عن حقيقة ثورة إيران الدينية والتي يتعاطف معها أهل الأهواز الشيعة، فتصدى أهالي خوزستان والأهواز للجيش العراقي في معركة "بيت المقدس" سنة 82 بعدما ظن العراقيون أن خوزستان عراقية بعد انتصارهم في المحمرة سنة 80.
كذلك في الصراع العربي واليهودي يتضرر فورا كل اليهود باعتبارهم عملاء لإسرائيل، وقد عانى يهود مصر من ذلك فاضطروا للهجرة وإلى الآن يعاني يهود اليمن وصلالة في عُمان من نفس الشئ، ولم تفلح وحدة اللغة في طمأنة عرب تلك المناطق..برغم أن جذورهم العرقية السامية واحدة، لكن صراعات السياسة تعتمد على أي خلاف لإشعاله وتضخيمه وما أكثر الخلافات الآن والمصالح المتعارضة بين العرب واليهود، إنما في إسرائيل لم تسير الأمور على نفس النحو تجاه العرب، فعلمانية الدولة هناك منعت من تهجير عرب 48 إضافة لرؤى براجماتية رأت الاستفادة من الوجود العربي في إسرائيل ضد مشاريع القوميين والإسلاميين.
معلومة: اللغة الآرامية هي نفسها السريانية لكنها إسم قديم بينما السريان لا يقولون عن أنفسهم آراميون ويدعون أنها تسمية قديمة، لذا فأي حديث هنا عن الآرامية فهو يقصد ما يعرفه الناس بالسريانية..والتراث الإسلامي شاع فيه اللفظ السرياني لا الآرامي باعتبار أن زمن رسول الإسلام متأخر عن السبي البابلي بحوالي 1000 عام، وهو الحدث الذي غير كثير من مجريات التاريخ فظهرت بعده اللغة العبرية الحديثة المستعملة إلى اليوم وتغير اسم العبرانيين والإسرائيليين إلى اليهود، علما بأنه لا ذكر للفظ يهود على العبرانيين قبل هذا الزمن، ومن ذلك لوحة مرنبتاح الفرعونية الشهيرة التي ذكرت اليهود بالإسرائيليين قبل السبي البابلي ب 700 عام تقريبا..
معلومة أخرى: الشعب الآرامي عُرِف قديما بالعموريين أو الأموريين، لكن ولشدة تقليد العرب لليهود أخذوا منهم نسبا مزيفا بالقول أن الكنعانيين عموريين عماليق..وهذا غير صحيح، الكنعانيون هم فينيقيون شعب مختلف عن الآرامي، وحسب تأريخ اليهود فيكون النبي إسحاق – أبيهم الأول – آرامي عاش وسط الكنعانيين فتحدث مزيجا من الآرامية والفينيقية بما أشرنا إليه منذ قليل وهو (العبرية القديمة) وهذه المعلومة تُبطِل زعم العبرانيين أن شعب فلسطين هو شعب أجنبي على القدس والساحل السوري، مرة يقولون من جزيرة كريت ومرة يقولون مهاجرين عماليق من سوريا..والحقيقة أن الفلسطيني كنعاني فينيقي سكن فلسطين قبل النبي إبراهيم، وبالتالي القول أن العماليق عموريين هو إسناد لحجة متشددي اليهود بملكية أرض فلسطين وراثة من جدهم الأكبر إبراهيم..
وما يؤكد حجتنا ذلك بأن العموريين سكنوا الساحل السوري هي رسائل "تل العمارنة" لإخناتون في القرن 14 ق. م والتي حكت مراسلات بين مملكة "أمورو" الساحلية وبين مصر، بينما العماليق لم ينشئوا دولة..!!
إن هذا التحليل يذهب إلى وحدة أصل سكان فلسطين بأنهم آراميون أقاموا علاقات نسب وصهر مع الفينيقيين في الشمال ومع الآشوريين والبابليين في الشرق، لكن بخلافات السياسة والدين تصارعوا وورث كل منهم إرثا قوميا ودينيا ثقيلا هو عماد مشكلة فلسطين الآن، وكذلك يشكل أساسا لمشكلات الهوية التي تنتاب السريان والكلدان والأشوريين أحيانا، والتي صبت جميعها لصالح هوية العرب فتمددت الأخيرة بفعل صراعات الغير ونفوذ الدين واللغة..إضافة لعامل المال الصاعد حديثا منذ القرن 20، أستثني من ذلك قبائل "الأكراد" الذين حافظوا على هويتهم مما أكسبهم قوة ونفوذا أحيانا..والأهم من ذلك بقاء لغتهم وثقافتهم مستقلة.
بينما لم نرَ هذا الصراع في هوية المصريين، فالأقباط ظلّوا أقباطا والأجانب (تمصرنوا) أما الفلاحين والعوام دخلوا دين الخليفة لكن ظلوا على اتصال بهويتهم المصرية القديمة ولم تفلح متغيرات الدين واللغة في تدمير ما تبقى لهم من جذور بدلائل منها بقاء أعياد ومناسبات مصرية قديمة كشم النسيم وعيد وفاء النيل والختان ، إضافة لعقيدة محكمة الموتى في القبر والذي قبله المصريون بمعتقد عذاب القبر الإسلامي، في حين لم تُشر أي أدلة على وجود هذا العذاب في الفترة المسيحية لكن فور دخولهم الإسلام ونشر هذا المعتقد قبلوه لوحدة الجذور، فالإله أنوبيس هو نفسه منكر ونكير، والوحش المخيف "عمعمت" هو نفسه الشجاع الأقرع.
النبي إبراهيم الآرامي الذي سكن في "أور" العراقية لم يُكمل التناخ معلومته كاملة لنقص في الثقافة إبان تدوين العهد القديم، فمدينة أور هي أول عاصمة لدولة سومرية في التاريخ بعد حضارة تل العبيد..وفي "أور" تم اختراع الكتابة المسمارية التي ميزت حضارات بلاد الرافدين على مدار 3 آلاف عام ، وقد أغرت تلك المعلومات باحثين كخزعل الماجدي للبحث في ملوك سومر القدامى والوصول إلى تشابه كثيف بين سير هؤلاء الملوك وسير أنبياء إسرائيل الأوائل من بعد آدم، مما يرجح لديه أن قصة إبراهيم في التناخ والقرآن هي تكرار لقصص سومرية قديمة، ولست بوارد مناقشة حجج الماجدي لكنه مجرد عرض للإحاطة، وما يقوّي وجهة نظر الماجدي هو الاضطراب الشائن في التناخ بين "النمرود" ملك أور المذكور في التراث الإسلامي بوصفه ملك من ملوك بابل، وبين اسمه العبري "نمرود بن كوش".
فكوش اسم لحضارة جنوب مصر وشمال السودان، ونسب النمرود لها خطأ جغرافي أو ربما تشابه أسماء لم يُحل لُغزه إلى الآن، كذلك فالنمرود اسم علم لكثير من الأشرار في الثقافات كالأرمنية والمجرية، وربما يكون مصدره في التلمود والقرآن اسم صفة أو كفرعون، فالقرآن لم يذكر فرعون تصريحا كاسم عَلَم، بل توجد تأويلات إسلامية عن اسمه الحقيقي منهم من أعطاه اسما عربيا كالوليد وآخر فرعونيا كرمسيس ومرنبتاح ومنهم من جعله أحد ملوك الهكسوس مجهولي الإسم، وبالتالي تعاطي اليهود مع النمرود قد يكون بنفس الأسلوب أنه إسم صفة بقيت آثاره إلى الآن عند الساميين، فعندما يوصف أحد الأشرار يقولون فرعون أو نمرود "يتفرعن أو يتنمرد"..لكن نسبه المذكور سيظل محل شك..
إنما ولكي لا يخلط البعض بين المفاهيم فلفظ العرب نقصد به المهاجرين الشماليين جنوبا – كما سلف – والذين استقروا في حواضر يثرب وتيماء واليمن ثم مملكة البتراء/ الأنباط ، أما البدو فهم سكان الصحاري المختلفين لغويا وعرقيا وثقافيا ودينيا عن أهل المدن، حتى أن التراث الإسلامي بقيت فيه آثار تلك الاختلافات بتصوير هؤلاء البدو بالجهل والغلظة في صورة (الأعرابي) الشهيرة الذي يمر على أقوام يسألهم من فرط جهله، فالقوم هم أهل المدن والأعرابي هو البدوي، إنما لا يمنع ذلك من تحوّل بعض البدو لحياة المدن واستقرارهم على نمط الزراعة والصناعة، لكن العكس غير صحيح أي لم يثبت أن حاضريا ترك تمدنه وذهب ليسكن الصحاري، فعوامل بقائه أضعف ومقاومته أهون من قسوة الصحراء.
لذا فلفظ العرب أيضا يطلق على البدوي الذي سكن الحواضر أو ذهب إليه الإسلام باللغة العربية وتحدثها مفردة، ومع مرور الأجيال فقد لغاته الأصلية القبلية واتجه لاستخدام العربية حصريا، وما جعل هذا الخلط يشيع بين العربي وغيره هو الخلط بين اللغة والثقافة، فالمصريون أقباطا وكيمتيين أقرب لثقافات شمال أفريقيا من العرب، لكن بعد موجات الهجرة العكسية في التاريخ ذهبت منهم جماعات سكنت السودان والحبشة وقدمت لهم جماعات سكنت المغرب وليبيا واليمن والقوقاز..ورأيي أن تلك الاختلافات القومية واللغوية تذوب في الحضارة والدولة المتقدمة التي تساوي بين الجميع، وإنما هذه الرحلة كانت بحثية ثقافية في التاريخ ليس إلا.
قد تساعد هذه الرؤية بعض القراء في تفسير بعض المشكلات الحديثة والقديمة، أو في إيجاد تصور واقعي للحلول، وقد يختلف معها البعض كليا أو جزئيا لكنها اجتهاد خاص وملخص رؤيتي حول قصة الجذور وإن لم أفصل كل ما أراه فيها، وربما أكتب لاحقا في قصص الجذور هذه علما بأنني أربط بين اللغات والأصول كما يربط البعض بين الكائنات بالجينات الوراثية، فالمشترك الجيني بين الإنسان والشمبانزي أكبر من غيره، لذا وجدنا تشابها في الشكل والسلوك، كذلك المشترك بين اللغات يورث تشابها في الشكل والسلوك والعادات بقدر هذه النسبة..
مثلا هناك تشابه بين الأسبانية والبرتغالية بحوالي 90% وهذا يجعل الشعبين واحد تقريبا ويفهمان بعضهم ، علاوة على الجوار يصبح مصيرهم مشتركا، كذلك بين الفرنسية والأسبانية تشابها كبيرا..ولعل ما حدث في الأندلس من اتحاد هذين الشعبين ضد العرب والمسلمين وصنع محاكم التفتيش يمثل تفسيرا معقولا لكيف أخطأ المسلمون في قرارهم غزو فرنسا فكانت كارثة "بلاط الشهداء" والتي توقف فيها زحف المسلمين شمالا ثم بدأ العد التنازلي لوجودهم في الأندلس، بخلاف النسبة بين الإنجليزية والفرنسية مثلا فهي ضعيفة من 10 إلى 20% تقريبا، وهذا يجعل من تلاقي الإنجليزي مع الفرنسي مسألة ثقافية صعبة خصوصا في الزمن القديم الذين لم يصل فيه الإنسان لمعنى الدولة بل كانت حروبهم في الغالب لأسباب دينية وعرقية ولغوية.
أما عن التشابه بين العربية والآرامية والعبرية فهو كبير، لم أقرأ دراسات في تأكيد النسبة لكن بحكم أصدقاء متحدثين بكل هذه اللغات وباحثين فالمشترك بينهم لن يقل عن (النصف) في المُعجم، أي تشابه المسميات والألفاظ وإن لم تتشابه بعض القواعد النحوية، ففي إمكان العربي فهم كثير من اللغة العبرية والعكس، وما دامت الأصول واحدة يبقى أن هناك مؤثرا أدى لتفرقهم..وفي تلك الدراسة أشرت إلى بعض عوامل السياسة والاختلافات والهجرات التي أنتجت في النهاية بعض الانفتاح ، ودائما حركة الإنسان وانفتاحه هي ما تنتج التغيير..وهذا يعني أنه حتى لو تحدث إسماعيل العربية فلم يكن أصله كذلك، أما لو تحدث لغة قبائل البدو فهو ينسف خرافة أصله العروبي باعتبار أن البدو الرحل وقتها لم يكونوا متحضرين أصحاب أبجدية إضافة لعدم وجود الحافز لأن يترك الإنسان المدن الحاضرة ويذهب للعيش في مكة المقفرة حينها..وهذا تأكيد لصحة إعمار مدن الصحراء بعد عصر الهجرات وموت إسماعيل بآلاف السنين تقريبا..
لكن ولعدم إهمال فلسفة التاريخ فقد تعرضت اللغة العبرية لامتحان صعب بعد محاولات إحيائها أواخر القرن 19 حتى قيام دولة إسرائيل، فاللغة العبرية الحديثة وبرغم أنها تكتب بأبجدية عبرية حديثة لكن النطق الشفهي لها ربما يكون مختلف عن القديم، فقد تطور ليواكب العصر، وهذا ساعد اليهود المعاصرين لفهم العلم والعالم أكثر..بينما اللغة العربية لم تتعرض لنفس الامتحان وظلت على شكلها القديم في المعلقات الشعرية والأدب الموروث منذ العصرين الأموي والعباسي، ولا شك فقد اختلفت العربية الحديثة عن لغة تلك المعلقات بينما الشعور الديني ينحو لتلك الجذور بالعاطفة والحنين مع صعود الحركات الإسلامية التي رافقت دعوتها للعودة إلى الخلافة والحُكم الديني دعوة أخرى لاستخدام العربية تعززت جدا في عصر القومية العربية منذ الخمسينات.
اجمالي القراءات
5341