بعض مقالات فى جريدة ( الأحرار ) ضد التيار السلفى الوهابى

آحمد صبحي منصور Ýí 2019-01-21


بعض مقالات فى جريدة ( الأحرار ) ضد التيار السلفى الوهابى

 ف 1 ( النشر فى الصحف ): من كتاب  ( جهادنا ضد الوهابية ).

أولا : من مقالات تفضح السلف المقدس عند الوهابيين :

قال الراوي  :  ( غسيل مــــــــــــــــخ)  فى 20 ديسمبر 1993

1 ـ أخطر أنواع غسيل المخ هو ما كان مرتكزاً على تأويل فاسد للدين. وربما تأتي معظم المذابح والثورات والحروب بسبب ذلك التأويل الديني الفاسد، والغريب أن الضحايا يندفعون للقتل والاقتتال في حمية شديدة بسبب جرعة مكثفة من غسيل المخ التي تعرضوا لها والتي جعلت القتل جهاداً واستشهاداً وزعمت لهم أن الطريق للجنة مفروش بجماجم الأبرياء من البشر، وأن زورق المجد الإلهي لا يسبح إلا في أمواج الدماء المتلاطمة .

2 ـ وتنطبق هذه المحن على تاريخ أوربا كما تنطبق على تاريخنا:

2 / 1 : في أوربا دارت الحروب والمذابح الدينية المذهبية وحركة الاستكشاف في العالم الجديد واستئصال السكان الوطنيين وسلب مواردهم تحت راية المسيح.

2 / 2 : وفي تاريخنا ثورات خلف رايات الدين وحروب أهلية وثورات متنوعة ، وقامت دول وسالت الدماء أنهاراً تحت مزاعم دينية مختلفة مثل لافتة الحاكمية للخوارج ودعوة المهدي المنتظر للشيعة ودعوة الرضي من آل محمد في الدعوة العباسية.  وأولئك جميعا احترفوا التلاعب بأحلام المطحونين وبمشاعرهم الدينية وآمالهم في التخلص من الظلم.

3 ـ وحدث ذلك أثناء معاناة الجماهير من ظلم الأمويين فظهرت لهم دعوة الرضي من آل محمد ، فانخرط فيها الألوف وأيدها الملايين املاً في مستقيل أفضل  تحت قيادة جديدة من آل محمد عليه السلام . وفي النهاية تكشفت الدعوة عن حكم مستبد يفوق الأمويين ظلماً وقسوة ، وظهر ذلك واضخاً منذ أن ظهر أبو مسلم الخراساني بدعوته في خراسان إذ أن أمره تم بعد أن قتل ألف ألف إنسان صبرا أي في تركهم في السجن إلى أن ماتوا بلا طعام ولا شراب، هذا عدا من مات في حروبه من جنوده أو من أعدائه، وبعد أن أقيمت الخلافة العباسية ارتكبوا سنة 132هـ مذبحة في مدينة الموصل، وقام بهذه المذبحة يحيى بن محمد العباسي أخو السفاح الخليفة العباسي، والسبب في ذلك أن امرأة ألقت ماء فوق على بعض الجنود العباسيين فظنها الجندي تعمدت ذلك فاقتحم الدار وقتل المرأة وأهلها ، فثار أهل الموصل وقتلوا الجندي ، ففر الجنود العباسيون واستنجدوا بالسفاح أول خليفة عباسي ، فأرسل إليهم أخاه يحيى بن محمد بجيش قدره إثنى عشر ألفاً، فنزل قصر الإمارة فلم يعارضه أهل الموصل ثم دعى زعماء البلد للتفاوض وقتلهم ، فثار أهل الموصل وحملوا السلاح فأعطاهم يحيى الأمان، وأمر المنادي فأعلن أن من دخل المسجد فهو آمن ، فهرع الناس إلى المسجد،فأغلقه عليهم الجند ، ودخلوا المسجد فقتلوا من احتمى به . وفي هذه المذبحة قتل يحيى عشرين ألفا من كبار الناس وأضعاف أضعافهم من العوام . وفي الليل باتت النساء يبكين رجالهن وأبنائهن فقال "يحيى بن محمد بن على بن عبد الله ابن العباس"إذا كان فاقتلوا النساء والصبيان ، وفعلاً في اليوم التالي إنطلق الجند على النساء والصبيان يقتلونهم خلال ثلاثة أيام . وكان في عسكر يحيى  أربعة آلاف من الزنوج قاموا باغتصاب الأبكار والنساء الجميلات،  وفي اليوم الرابع ركب يحيى بجنوده يتجول في المدينة وبين يديه الحراب والسيوف مصلتة ، فاعترضته امرأة واخذت بعنان دابته ، فاراد أصحابه قتلها فنهاهم فقالت له المرأة : ألست من بني هاشم؟ ألست من بني عم رسول الله؟ أما تأنف للعربيات المسلمات أن يغتصبهن الزنوج؟ فلم يستطع أن يرد عليها وبعث معها من أبلغها دارها في أمان ، فلما كان اليوم التالي نادى في الجند الزنوج للاجتماع لأخذ العطاء"المرتب" فلما اجتمعوا أمر بهم فقتلوا عن آخرهم.

4 ـ  وفي نفس الوقت كان عم الخليفة السفاح وهو"عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس" يستأصل ذرية الأمويين في الشام ويستصفي أموالهم. ولم يكتف بذلك بل أمر بنبش قبور الخلفاء الأمويين فنبشوا قبر معاوية فلم يجدوا فيه إلا خيطا مثل الهباء، ونبشوا قبر يزيد بن معاوية فوجدوا فيه حطاماً كالرماد ، ونبشوا قبر عبد الملك بن مروان فوجدوا فيه جمجمة ، وكانوا يجدون في قبور الخلفاء الآخرين عضوا أو قطعة من العظام ، إلا أنهم وجدوا جثة هشام بن عبد الملك صحيحة لم يبل منها إلا أرنبة أنفه، فقام عبد الله بن على بصلب الجثة وضربها بالسياط ثم حرقها وذراها في الريح.. وقدم إلى عبد الله بن على تسعون رجلا من بني أمية مستأمنين فأعطاهم الأمان ودعاهم للطعام فدخل عليه شاعرا اسمه سديف وأنشده شعرا يذكره بما فعله الأمويون بالهاشميين في ملكهم السابق، فأمر عبد الله بضرب ضيوفه الأمويين، فضربوهم ثم بسط عليهم السجاد، وجلس وأصدقاؤه فوقهم يأكلون وهو يسمعون أنين المضروبين إلى أن ماتوا.

5 ـ وأدت تلك المذابح وغيرها إلى أن أفاق بعض الغيورين على دينهم من مخدر الدعوة العباسية وأدركوا أنهم انخدعوا في أصحابها، ولم يكن أمامهم إلا إعلان الثورة ومحاربة الدولة التي ساعدوا في إنشائها، وذلك ما قام به ابن شيخ المهري حين خرج على الدولة العباسية وقال: ما على هذا اتبعنا آل محمد نسفك الدماء ونعمل بغير الحق وتبعه أكثر من ثلثين ألفا واستطاع مسلم الخراساني هزيمته وقتله وذلك سنة 133 هـ.

6 ـ   أما المثقفون الذين لا حول لهم ولا قوة فقد أفاقوا من غسيل المخ عندما وجدوا الخليفة الثاني أبوجعفر المنصور يستكمل المسيرة الدموية لأخيه السفاح ، ولكن يضفي عليها مسحة تشريعية مزيفة عن طريق عملائه من الفقهاء، وذلك باختراع ما يسمى بحرب الردة وحد الرجم ، ومن يرفض التعاون معه من الفقهاء  كان يضطهده مثل ما حدث مع ضحاياه أبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري وغيرهم، ولذلك ظهر في عصره حركة البكائين حيث انخرط الزهاد المثقفون في بكاء مستمر،اعتبروه من معالم التدين، وكان في الحقيقة مرضاً نفسيا يعبر عن خيبة الأمل في الحكم الذي بدأ بغسيل مخ، ثم أفاقوا منه على قهر شديد.

7 ـ    ومن عجب أن حكومتنا الرشيدة قامت بتأجير جهازها الإعلامي لشيوخ التطرف الذين غسلوا مخ الشباب واستيقظت الحكومة بعد فوات الآوان لتجد الشباب وقد تحول من رصيد للبناء إلى معول للتخريب وسفك الدماء. 

 

قال الراوي : الخــــــــوارج   19 /7 /1993

1 ـ كان الخوارج قمة الإخلاص فيما يعتقدون أنه الحق وكانوا أيضاً قمة في الجرأة على سفك الدماء وفي تكفير غيرهم واستحلال دمائهم وذرياتهم ، وبسبب ذلك امتاز تاريخهم العسكري بظاهرتين :الشجاعة المتفردة  وأن أكثر هجومهم كان على المسلمين فقط .

2 ـ قتل الخوارج الخليفة علي بن أبي طالب،وأرهقوا الدولة الأموية بثوراتهم المتعاقبة، ومنها ثورة مرداس بن أدية الذي اشتهر بين الخوارج بتفانيه في العبادة وشجاعته, وقد خرج على الدولة الأموية في أربعين رجلاً فقط في خلافة معاوية,فأرسل إليه الوالي ابن زياد حملة عسكرية تتكون من ألفي رجل يقودهم القائد أسلم بن زرعة، وتقابل الخوارج الأربعون مع الجيش الأموي عند بلدة" أسك" فانتصر الخوارج وهرب القائد الأموي يحمل خيبته، وكان الصبيان إذا رأوا ذلك القائد الأموي في الطريق صاحوا به: مرداس بن أدية خلفك !!

   وقال أحد الخوارج في هذه المعركة يتندر على الأمويين :

    أألفا مؤمن منكم زعمتم     

 ويقتلهم بأسك أربعون

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم

ولكن الخوارج مؤمنونا     

هم الفئة القليلة قد علمتم

على الفئة الكثيرة ينصرونا

    واضطرت الدولة الأموية لإرسال جيش أخر يعيد هيبتها، وانتهز ذلك الجيش وجود الخوارج ركعاً سجداً في الصلاة فهجم عليهم، ولم يخرج الخوارج عن الصلاة واستمروا فيها والسيوف تتناولهم وهم يقولون:" وعجلت إليك ربي لترضى"!!

3 ـ  وذلك يعطينا مثلاً لما كان عليه الخوارج من إخلاص لعقيدتهم وشجاعتهم في المعارك، ولكن وجهوا تلك الشجاعة لقتال المسلمين وحدهم وكانوا يقتلون المسلمين قتلاً عشوائياً . وقد بدأ ذلك في تاريخ مبكر في نشأة الخوارج، فالفرقة الأولى من الخوارج وهم " المحكمة الأولى" كانوا يخرجون بسيوفهم على الناس في الأسواق فجأة ينادون بشعارهم "لا حكم إلا لله"  ثم يقتلون من يجدونه أمامهم من أهل البلد، ولا يزالون يقتلون ما استطاعوا إلى أن يقتلهم الناس، وكان من طقوسهم الدينية أن أحدهم لا يخرج للتحكيم إلا على سبيل أن يقتل من المسلمين ما استطاع ويموت.. وكلما قتل رجلاً هتف: "لا حكم إلا لله".

 4 ـ  وهكذا فهم الخوارج أن الإسلام مجرد شعار"الحاكمية لله" وحتى ذلك الشعار فهموه فهماً خاصاً،ومن خلال تلك النظرة المتعصبة والضيقة استباحوا دماء مخالفيهم من المسلمين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً..

  5 ـ ومن التاريخ نتعلم أن تلك الحركات المتعصبة لا تنجح في إقامة دولة ولا تفلح في صيانة نفسها من الانشقاق والتصفيات الدموية فيما بين فصائلها.. كذلك كان مصير الخوارج وسيكون مصير كل من سار على طريقهم من أولئك الذين يقرءون في الإسلام حرفاً ولا يفهمون منه طرفاً .

6 ـ لقد كان الخوارج بدوا محدودي الوعي شديدي التدين، وكانوا مع الإمام(على) اشد أنصاره وأشدهم كراهية لمعاوية الذي كان مثل" الانفتاح" على الدنيا، وانشق الخوارج عن(على) حين تفاوض مع "معاوية" الانفتاحي وحاربوا"على" وقتلوه، ثم حاربوا معاوية وخلفاءه.. ووهبوا حياتهم وشجاعتهم لسفك دماء المسلمين بدون تمييز، وكان ذلك دينهم الحقيقي .

7 ـ وصحيح أن الخوارج انتقلوا إلى متحف التاريخ، ولكن التجربة تتكرر الآن في حياتنا وشوارعنا.. وهناك أوجه تشابه عديدة بين نشأة الخوارج ونشأة الجماعات المتطرفة الدموية، فكلاهما أفرزته تجاوزات العصر وسيئاته، وكلاهما وجد العلاج النفسي في التمسك بما يفهمه من الدين،ووجد في الدين شرنقة يحمي بها نفسه أمام متغيرات لا يجيد التعامل معها ، وكلاهما قام بتحويل نفسه إلى قنبلة انتحارية يهدم بها نفسه والمجتمع.. والخوارج أسهموا في تدمير الدولة الأموية ولم تقم لهم قائمة بعدها

8 ـ ولكي تنجوا الدولة المصرية من مصير الدولة الأموية عليها أن تحارب الفساد وأن تؤمن بأن الديمقراطية تعني أساساً تداول السلطة وليس مجرد حرية النباح في الصحف الحزبية.. وأعتقد أن حاضر مصر ومستقبلها أهم كثيراً من بعض الأحزاب.. وبعض الأشخاص..!!

 

قال الراوي : المشي جنب الحيط !!

1 ـ الأغلبية الساحقة من المصريين ينتمون إلي حزب وحيد ، وليس هو الحزب الوطني بالتأكيد ، وإنما هو حزب  "المشي جنب الحيط " ؛ حزب السلبية والأغلبية الساحقة التي تصفق أحيانا وتسخر حينا، لا تعتزل الحكومة مائة في المائة ولا تؤيدها علي طول الخط ، تحتج علي الحكومة في صوت خافت وتمد يدها للحكومة في أول كل شهر .

2 ـ وحزب " المشي جنب الحيط" مفتوحة أبوابه دائما في كل زمان ومكان ÷ إلا أنه يسيطر علي المجتمع في عصور الاستياء والعنف الحكومي . والذي لا يعرفه المصريون أن حزب " المشي جنب الحيط" بدأ مبكرا في تاريخ المسلمين ، وكان أول زعيم له هو الصحابي المشهور عبد الله بن عمر بن الخطاب .. وكان ذلك التحول الخطير في أواخر حياته في عصر سيطر فيه العنف الأموي وكانت الأغلبية الصامتة تتمني أن يقودها عبد الله بن عمر ولكنه بعد حياة حافلة بالتحرك الإيجابي " آثر أن يمشي جنب الحيط " فدفع الثمن من كرامته ومن حياته .. فكيف كان ذلك ؟

3 ـ  إن حياة عبد الله بن عمر تنقسم قسمين ، بدأ حياته بالإسلام والتحرك الإيجابي ، ثم آثر في الفتنة الكبرى والحكم الأموي أن يعتزل السياسة مع الحرص علي الاستفادة من الحكم القائم..  ثم بدأ ابن عمر في الاعتزال حين شعر باختلاف سياسة عثمان عن نهج عمر، ولقد أراد عثمان أن يجعله يقضي بين الناس فقال له : لا أقضي بين اثنين ولا أؤم اثنين ، ثم تطور الأمر إلي مقتل عثمان ودخول المسلمين في الفتنة الكبرى ، وقد شارك قسم من المسلمين فيها لنصرة الحق بقيادة ( علي) ومعه عمار بن ياسر ، واعتزل سعد بن أبي وقاص الفتنة نهائيا .

  4 ـ  واكتفي ابن عمر بتأييد المنتصر القائم في الحكم وهو يعلم أنه ظالم ، وكانت تلك سياسته مع الأمويين يعتزل القتال ويؤيد المنتصر ويقبل هداياه .. لقد رفض ابن عمر أن يكون زعيما في الفتنة ، قال له مروان ابن الحكم :هل نبايعك فإنك سيد العرب وابن سيدهم ، فقال له ابن عمر : كيف أصنع بأهل المشرق ؟ قال تضربهم حتى يبايعوا فقال ابن عمر : والله ما أحب أن تكون لي وأقتل في سبيلها رجلا واحدا.

5 ـ  واكتفي ابن عمر بمبايعة من يصل إلي الحكم ، وقد قال : ما بايعت صاحب فتنة ، ولذلك رفض مبايعة ابن الزبير، وحين غلب عبد الملك بن مروان بن الحكم واجتمع عليه الناس كتب إليه ابن عمر : " إني قد بايعت أمير المؤمنين بالسمع والطاعة .. وإن أولادي قد أقروا بذلك " .. بل إنه بايع يزيد بن معاوية في حين رفض البيعة له الحسين وابن الزبير وابن عباس ، وحين بايعه ابن عمر قال : إن كان خيرا رضينا وإن كان بلاء صبرنا!! وحين ثارت المدينة علي يزيد بن معاوية جمع ابن عمر أولاده وحذرهم من نكث البيعة ليزيد وقال لهم " فلا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يسرعن أحد منكم في الثورة علي الأمويين " ورأي ابن عمر انتهاك الأمويين للمدينة وشنائعهم فيها فاستمر علي عزلته ، وكان يصلي خلف الجميع وهم دونه في المنزلة ، وكان يقول " لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب "!!

  6 ـ  وقال عنه "إن ابن عمر كان في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صلي خلفه وادي إليه زكاة أمواله " وقد قالوا له " أتصلي مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضا؟ فقال : من قال حي علي الصلاة أجبته ومن قال : حي علي قتل أخيك وأخذ ماله قلت : لا" ..

7 ـ وفي نفس الوقت كان ابن عمر يقبل الأموال والهدايا من أصحاب الفتنة ، أي لم يعتزل تماما مثلما فعل سعد بن أبي وقاص ، واشتهر عنه قوله " لا أسأل أحدا شيئا ولا أرد ما رزقني الله " وقد بعث إليه عبد العزيز بن مروان بأموال فقبلها وقت أن كانوا يحاربون ابن الزبير والخوارج ، وحين أراد معاوية البيعة لابنه بعث لابن عمر بمائة ألف دينار فأخذها، ولذلك بايع يزيد وتمسك ببيعته ..

8 ـ وقد اتبع الأمويون معه سياسة العطاء وسياسة التهديد معا ، فكان معاوية يهدده بالقتل ليخيفه ثم ينكر أنه قال ذلك حين يعلم أن ابن عمر قد أصابه الرعب ، ثم توسع الأمويون في هذه السياسة حيث تولي الحجاج بن يوسف ولاية الحجاز لعبد الملك بن مروان .. فكانت نهاية ابن عمر علي يديه .. كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ، ثم كان الحجاج يؤخر الصلاة عن موعدها ويعطل أحيانا في خطبة الجمعة ، فغضب ابن عمر ولم يحتمل تضييع الصلاة فلم يعد يصلي خلف الحجاج فاشتد عليه الحجاج وهدده قائلا : " لقد كنت هممت أن اضرب عنق ابن عمر "!! وادعي الحجاج أن ابن الزبير قد حرف القرآن فثار ابن عمر في وجه الحجاج وقال له : كذبت ما يستطيع ذلك ولا أنت معه، فقال له الحجاج: اسكت فإنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك، يوشك شيخ أن يؤخذ فتضرب عنقه فيجر وقد انتفخت خصيتاه ، يطوف به صبيان البقيع "

9 ـ  وأدرك ابن عمر في النهاية أنه قد أخطا ، فقد أدت سياسته في المشي جنب الحيط إلي شيوع الظلم الأموي وتضيع الصلاة واتهام القرآن ، ثم أدت إلي استهانة الأمويين به ، وقد دس له الحجاج رجلا طعنه في الحرم برمح مسموم في قدمه ، فسقط مريضا ، وجاءه الحجاج يقول له : لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه ، فقال له ابن عمر : أنت الذي أصبتني . وخرج الحجاج يتندر عليه قائلا : إن هذا يزعم أنه يريد أن نأخذ بالعهد الأول ... أي بعهد النبي عليه السلام !!

10 ـ وهو علي فراش الموت كان يقول : ما آسي من الدنيا إلا علي ثلاث:  ظمأ الهواجر ومكابدة الليل وألا أكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلت بنا !! 

 

قال الراوي : هؤلاء الخلفـــاء .. وغرامهم بالنساء !! 13 / 9 / 1993

1 ـ يبدأ قيام الدولة بملوك أشداء يوطدون سلطانهم ولا وقت لديهم للحب وإنما للقتل والعزل وسفك الدماء ، ثم تتوطد أركان الدولة ويأتي ملوك يجدون الوقت للحب  والنعم وسماع الغناء واللهو والمجون. ينطبق ذلك على كل الدول التي قامت في التاريخ بغض النظر عن اللافتة التي ترفعها سواء كانت الإمبراطورية الفارسية أو البيزنطية أو الخلافة الأموية  والخلافة العباسية!!  الجميع كانوا يهدفون للحكم والسيطرة ويتصارعون على حطام الدنيا  وشهواتها من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة  والخيل المسومة والأنعام والحرث . وإن كان من أسس الدولة لم يجد الوقت للتمتع بشهوات الدنيا فإنه كان يدخر ذلك لأحفاده الذين اتسع وقتهم للنساء والمجون .

2 ـ  بعد تأسيس الدولة الأموية على يد معاوية ثم مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان جاء الخلفاء الماجنون من بني عبد الملك  وقد اشتهروا بالفسق والعصيان  وكان منهم يزيد بن الوليد والوليد بن يزيد . كان الوليد بن يزيد فاسقاً شريباً للخمر  منتهكاً حرمات الله  أراد الحج ليشرب الخمر فوق ظهر الكعبة، ولما قتلوه وجئ برأسه لأخيه  سليمان قال : أشهد أنه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً  ولقد راودني على نفسي !! واتهموه بالاتصال الجنسي بأمهات أولاد أبيه ، أي أنه نكح ما نكح أبوه  وهن من المحرمات عليه .

3  ـ  وأسس الخلافة العباسية  السفاح ثم الخليفة المنصور، وتوطدت في خلافة المنصور بعد مقتل مئات الألوف . واستقرت أمورها في عصر المهدي  الذي قتل آلاف الفرس بتهمة الزندقة والردة ،  وجاء ابنه الخليفة الهادي  فاتسع وقته للتمتع بالنساء ،  وفي ذلك الوقت راجت تجارة الجواري وتعليمهن الغناء والطرب بالعود وتثقيفهن بالشعر  والأدب واللباقة في الحديث  والمسامرة وتخصص بعضهم مثل إسحاق الموصلي  في شراء الجواري الحسان  الساذجات بالرخيص من المال  ثم تعليمهن وتثقيفهن ثم بيعهن لقصر الخلافة  بأضعاف أضعاف ثمنهن وكان الخليفة يختبر البضاعة جسدا وعقلاً، ثم إذا أعجبه جمالها  وراقه حديثها اشتراها ولا يبالي بالثمن .

4 ـ  وحدث أن الخليفة المهدي عرضوا عليه الخيزران وكانت رائعة الجمال إلا أنه لم يعجب بساقيها فقال لها: يا جارية إنكِ لعلى غاية المنى والجمال لولا دقة ساقيك وحموشهما – أي خشونة جلدهما – فقالت له : يا أمير المؤمنين إنك حين تكون أحوج إليهما  لا تراهما.. !! فأعجبه جوابها واشتراها وحظيت عنده وولدت له الهادي والرشيد  وكلاهما تولى الخلافة .

5 ـ  وحين تولى الهادي الخلافة استولت على قلبه إحدى جواريه واسمها غادر ، وقد خطر له أنه سيموت ويتركها ويأخذها من بعده أخوه  هارون الرشيد حين يتولى الخلافة ، وقوى هذا الخاطر في نفسه إلى درجة أنه استحلف أخاه بالأيمان المغلظة من الطلاق والعتاق  والحج ماشياً حافياً ألا يأخذها بعده ، ثم استحلف الجارية نفس الأيمان المغلظة، وبعد موت الهادي طلبها الرشيد لنفسه فقالت له : كيف وقد حلفنا تلك الأيمان المغلظة ؟ فقال لها الرشيد : أنا أُكفّر عن تلك الأيمان ، وصارت له .

6 ـ  وكان للرشيد أربعة آلاف جارية من أجمل النساء ، ومع ذلك كانت تصبو نفسه لما ليس في يده أو لما يحرمه عليه الشرع ، وقد هوى جارية لأبيه فامتنعت عليه فجاء بالفقيه أبي يوسف فأفتى له باستحلالها ولم يأخذ بصدق شهادتها  فيما تحكيه عن نفسها أن والد الرشيد ـ قد نالها من قبل .

7 ـ  ويحكي أبو يوسف أنه جئ به من بيته ليلاً إلى الخليفة الرشيد فوجد عنده عيسى ابن جعفر، فقال الرشيد لأبي يوسف يستفتيه أنه طلب جارية مغنية من عيسى ابن جعفر وأنه رفض أن يعطيها له ، وأنه إن لم يفعل سيقتله،  وقال عيسى أنه كان قد أقسم بالطلاق و العتاق  أنه لن يبيع هذه الجارية ولن يهبها لأحد  وأنه لا يعرف كيف يخرج من هذا القسم ، فأفتى له أبو يوسف أن يبيع للرشيد نصفها وأن يهبه النصف الآخر،  ففعل وصارت الجارية ملكاً للرشيد  ، وأحضروها له في المجلس . فلما رآها قال لأبي يوسف: هل من سبيل إليها الليلة ؟ فقال أبو يوسف إنها مملوكة ولابد من استبرائها فلابد أن تعتقها وتتزوجها فإن الحرة لا تستبرأ  فأعتقها وتزوجها  وأعطى أبا يوسف مائتي ألف درهم  وعشرين ثمناً عن الثياب ، وأرسلت له الجارية عشرة آلاف درهم !! وقد أخطأ أبو يوسف في إفتائه للرشيد بأن ينال الجارية بعد زواجها بلا استبراء  لأن الحرة لابد لها من عدة حتى تتيقن من خلوها من الحمل ،  ولكن كان العباسيون يملكون فقهاء الشرع  يحكمون لهم بغير ما أنزل الله تعالى .

8 ـ  ودخل  الرشيد دار خالد البرمكي فرأى فيه جارية أعجبته وقد استوقفته الجارية وقالت له : أما لنا فيك من نصيب ؟ فقال لها : وكيف ؟ استوهبني من هذا الشيخ ، فأعطاها له  خالد البرمكي ، وكانت اسمها هيلانة .

9 ـ  وقد جاء الخلفاء العباسيون اللاحقون من ذرية هارون الرشيد، وكان أغلبهم على شيمة الرشيد  في الغرام بالنساء سوى ابنه الأمين الذي هوى الصبيان !!

10 ـ  وكان الخليفة المتوكل على طريقة جده الرشيد  وكان له أيضاً أربعة آلاف جارية حسناء ، ويقال أنه  استمتع بهن جميعاً ..!!

11 ـ  أما الخليفة المعتضد ت 289 هـ فقد مات بسبب إفراطه في الجماع !! وكان يهوى جاريته دريرة ،  وقد أنشا لها بستاناً سماه البحيرة  وأنفق عليه ستين ألف دينار ، وكان يخلو فيه بمحبوبته  وباقي جواريه للغناء واللهو ، فقال فيه الشاعر ابن بسام : ـ

   تـــــرك الناس في حيــرة        وتخلى في البحــــيرة

   قاعــــداً يضرب بالطـبل        علـــــى ...  دريـــــــرة

وما بين النقط  لفظ نستحى عن ذكره !!!

12 ـ  وهذه الأخبار وغيرها أوردتها كتب التاريخ المحترمة  مثل تاريخ ابن كثير وتاريخ الخلفاء للسيوطي ، وأما ما ورد في الأغاني والعقد الفريد  وكتب الشعر عن نسائيات الخلفاء  فإننا نعف عن ذكره ..

13 ـ   وبعض من يعيش في حلم   أن يكون خليفة يحكمنا باسم الإسلام  قرأ هذه الأخبار وانفعل بها  واستسلم لأحلام اليقظة  فتخيل نفسه وقد أصبح خليفة جالساً بالديوان وعلى يمينه  جعفر وعلى يساره الفقيه أبو يوسف  وأمامه السياف مسرور ،  وقد جئ له بفاتنات عصرنا من الممثلات والراقصات  من المحجبات وغير المحجبات ليصبحن عنده جاريات .. وسار به خياله إلى النهاية فاستيقظ من أحلام اليقظة وقد وجب عليه  الغســـل ..!! .

 

قال الراوي : الخليفة.. والفقيه .. والجارية الحسناء  26/8/1991

1 ـ يظل الخليفة هارون الرشيد البطل الأسطوري لقصص ألف ليلة وليلة عند الغرب ، ولا تزال صورته وحوله الجواري الحسان وأكداس الذهب تلهب خيال الفرنجة ، ويبقي هارون الرشيد متمتعا بهذه الرتوش حتي في أقاصيصنا الشعبية لأن ذلك يستند إلي أسس تاريخية أشارت لها كتب التراث المكتوب في العصر العباسي نفسه ، والعصر العباسي هو الذي شهد تدوين الحضارة الإسلامية وتراثها ، فقد مات الرسول صلي الله عليه وسلم وبعده الخلفاء وليس مع المسلمين من كتاب مدون إلا القرآن الكريم ، وحين تولي الخلافة عمر بن عبد العزيز علي رأس المائة سنة الأولي من الهجرة خطب فقال " أيها الناس أنه لا كتاب بعد القرآن و لانبي بعد محمد عليه السلام ، ولست بمبتدع ولكني متبع ...". وبعد هذا الخليفة الورع الذي كان متبعا وليس مبتدعا بدأت كتابة الأحاديث واجتهادات الفقهاء، وازدهرت حركة التدوين في القرن الثالث ، حيث ظهر أئمة الحديث والفقه ، والذين لا نزال عالة عليهم وندعو لتطبيق أحكامهم علي عصرنا الذي يخالف عصرهم في كل الوجوه .. والمهم أننا لا زلنا ننتمي إلي العصر العباسي ثقافيا ، ونمارس التدين علي أساس التراث الذي أمر بكتابته خلفا بني العباس بعد موت النبي بقرنين من الزمان .. ومن خلال كتب التراث نفسها نأتي بهذه الحكاية.

2 ـ  فالخليفة هارون الرشيد كان متمتعا بزوجته الحسناء زبيدة ، وإلي جانبها مئات الجواري     الحسان ، ولكنه ملّ كل هذا الحسن ، وأعجبته جارية كانت من قبل لأبيه الخليفة المهدي ، وراودها عن نفسها ، ومع أنها جارية ومع أنه خليفة إلا أنها كانت صادقة معه ، فأخبرته بأن    هذا لا يجوز لأنه طالما نالها أبوه من قبله فلا يصح أن تكون له والقرآن صريح في ذلك " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ماقد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا" 4/22. 

 3 ـ وزاد رفض الجارية رغبة الخليفة فيها ، وانشغل بكيفية استحلالها ، وفي ذلك الوقت كان الإمام  الفقيه الحنفي أبو يوسف هو القاضي الذي يشار إليه بالبنان ، فاستدعاه وطلب منه الفتوى التي تشفي قلبه فأفتي له بجواز أن ينكح ما نكح أبوه تأسيسا علي أن هذه الجارية لا يؤخذ بشهادتها .

4 ـ وحتى لا يتهمنا أحد بالافتراء فإننا ننقل القصة من كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطى ص463 يقول  " أخرج السلفي الطيوريات بسنده عن ابن مبارك : لما أفضت الخلافة إلي الرشيد وقعت في نفسه جارية من جواري المهدي ، فراودها عن نفسها فقالت: لا أصلح لك ، إن أباك قد طاف بي !! فشغف بها ، فأرسل لأبي يوسف فسأله : أعندك في هذا شيء ؟ فقال : " يا أمير المؤمنين أو كلما ادعت أمة شيئا ينبغي أن تصدق ؟!. لا تصدقها فإنها ليست بمأمونة . " ويقول الراوي ابن المبارك متعجبا " فلم أدر ممن أعجب !! من هذا الذي وضع يده علي دماء المسلمين وأموالهم لا يتحرج عن حرمة أبيه ، أو من هذه الأمة التي رغبت بنفسها عن أمير المؤمنين ، أو من هذا فقيه الأرض وقاضيها الذي قال له : اهتك حرمة أبيك واقض شهوتك وصيره في رقبتي "!!

5 ـ  لقد كان العلم والتدوين في خدمة الدولة العباسية وسياستها ونزوات خلفائها ، وكان الرشيد إذا اشتهي جارية ومنعه الشرع كان يرسل إلي القاضي أبي يوسف ليحل له ما يريد ، ونحن نقرأ بعد الراوية السابقة رواية أخري تقول " قال الرشيد لأبي يوسف إني اشتريت جارية وأريد أن أطأها الآن قبل الاستبراء " أي قبل أن تكمل عدتها ويستيقن من أنها ليست حاملا " فهل عندك حيلة  ؟ قال أبو يوسف: نعم تهبها لبعض ولدك ثم تتزوجها" وهي حيلة مفسدة للشرع . وكان الرشيد يستدعي أبا يوسف في الليل إذا صادفته مشكلة من هذا القبيل تقول الرواية التالية " دعا الرشيد أبا يوسف ليلا فأفتاه ، فأمر له بأربعة مائة ألف درهم فقال إن رأي أمير المؤمنين أمر بتعجيلها قبل الصبح ، فقال عجلوها ، فقال بعض من عنده . إن الخازن في بيته والأبواب مغلقة ، فقال أبو يوسف : فقد كانت الأبواب مغلقة حين دعاني ففتحت  "!! كان الرشيد يدفع بسخاء لهذا القاضي كي يشرع له ما يشتهي ،،

6 ـ  وازداد الحال سوءا بعد الرشيد وبعد ذلك القاضي ،، وفي ذلك الوقت كتب أولئك العلماء ما يريدون ونسبوه للرسول عليه السلام ، وتمتعت كتاباتهم بتقدير الدولة العباسية وأموالها، ذلك أن سياسة الدولة العباسية قامت علي أساس تشجيع علم الحديث ، لذا ترددت أحاديث كثيرة في أفضال الخلفاء العباسيين وبقي ملكهم إلي يوم القيامة ، وأضيفت أحاديث كثيرة لجدهم عبد الله ابن عباس الذي لم يشهد النبي إلا وهو صبي صغير ،، وصاحبنا هارون الرشيد كان بعد أن يفرغ من جواريه يجلس ليستمع إلي الأحاديث حيث يتلوها عليه أبو معاوية الضرير ، يقول " وحدثته يوما حديث : احتج  ذم موسي فغضب الرشيد وقال : النطع والسيف ،، زنديق يطعن في حديث النبي ،،"!!

7 ـ والمؤسف أن بعضنا يأخذ التراث العباسي وذيوله مأخذ التقديس علي أساس انه الإسلام ، ويطالب بأن يحكمنا به ،، وعندي أن هذه النزعة العباسية مكانها الحقيقي فى مستشفى العباسية..

 

قال الراوى : الفـريضــة الغـائـبـة!!

1 ـ  معرفة الإسلام على حقيقته هى الفريضة الغائبة ..

2 ـ فالخلفاء غير الراشدين فرضوا نوعية من التدين الذي يحمي استبدادهم وظلمهم واستئثارهم بأموال الناس وتحكمهم في رقاب البشر وأعراضهم .. وهذه النوعية من التدين طغت على الإسلام الحقيقي الذي طبقه النبي عليه السلام في أول دولة إسلامية قامت وسارت على حرية العقيدة وحرية الرأي والديمقراطية السياسية والعدل الاجتماعي. وهذه النوعية من التدين هى التي واكبت عصر التدوين لأن النبي حين مات نهى عن كتابة غير القرآن، فلما جاء عصر الخلفاء غير الراشدين وحكموا بغير ما أنزل الله احتاجوا إلى سند تشريعي مزور يخدعون به الناس فراجت الأحاديث الكاذبة والفتاوى الظالمة وأتيح لها التدوين وحسبها الناس الذين دخلوا في الإسلام أنها هى الإسلام ، وتوارثتها الأجيال على هذا الأساس مع أنها تناقض القرآن وتخالف ما عرفه الرسول عليه السلام..

 3 ـ  ولا تزال تلك النوعية من التدين محسوبة على الإسلام خصوصاً وأن من يناقشها يتعرض لنقمة الأشياخ الذين لا يقرأون بحكم العادة ، ويتعرض لنقمة التيار الديني الذي يطمع في الحكم واسترجاع الخلافة بناءاً على ذلك التراث ، ويتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه بيت المال في جيبه الخاص كما كان هارون الرشيد.

4 ـ ذلك التيار الديني الذي يخلط التدين بالسياسة يرى عذابه ونعيمه في الفقه الذي كتبه فقهاء العصر العباسي..العذاب في أن ذلك الفقه العباسي لا يصلح لعصرنا، بل حتى لم يصلح للعصر  العباسي نفسه لأنه ساعد على نشر الظلم والاستبداد. ولأن الشيوخ في عصرنا يؤمنون بذلك الفقه العباسي ولا يجرؤون على مخالفة الأئمة فإن تحويل الفقه العباسي إلى قوانين تساير عصرنا الراهن أمر مستحيل . وهنا يكمن العذاب، والمخرج منه عندهم هو التمسك بشعارات مثل تطبيق الشريعة والإسلام هو الحل ، مجرد التمسك بالشعار دون تقديم برنامج عملي، لأن البرنامج يستلزم الاجتهاد والاجتهاد يستلزم مناقشة التدين العباسي الذي قام على أحاديث لا يتصور أحدهم أن يشكك فيها، و إلا  ثار الشيوخ وانقلبوا عليهم وحكموا بكفرهم وبذلك يخرجون من المولد السياسي بلا حمص .

 5 ـ والتيار الديني السياسي يرى في الفقه العباسي نعيمه أيضاً لأن ذلك الفقه يعطيهم الاستبداد المطلق، ويجعل غيرهم " رعية"  لهم ، فالحاكم هو الراعي وغيره مجموعة من الأنعام والمواشي والأغنام، أى(رعية) ولا يمكن للرعية أن تناقش الراعي،لأن الراعي هو الذي يملك الرعية وهو الذي يأكل خير الرعية ويذبحها إذا شاء، والفتوى تقول إن للإمام أن يقتل ثلث الأمة ـ أي الرعية ـ  لإصلاح حال الثلثين.. أى أنه يملك أن يذبح ثلث ممتلكاته ليجيد استثمار الثلثين..هذا طبعاً إذا رأى المصلحة، وهو وحده الذي يرى المصلحة، وهو وحده القاضي والخصم والحكم والشرطي والجلاد وعشماوى ،هو الدولة.. وذلك منطق العصور الوسطي، منطق الحكم الديني الاستبدادي. وذلك هو الفقه الذي يسير في ركاب السلطان ويجعله أسعد الناس، ومن الممكن أيضاً أن تهتف له الناس وأن يرضوا بحكمه واستبداده وطغيانه إذا أقنعهم بأن هذا هو الإسلام .. وبذلك يتحول الفقه العباسي إلى نعيم فقط ، نعيم صاف خال من أى آثار جانبية ..

6 ـ   ومن الممكن أن يقتنع الناس بذلك، بل إن بعضهم اقتنع فعلاً بالسراب والجنة المزعومة التي يقدمها لهم التيار الديني من خلال المنافذ الإعلامية المملوكة للدولة. وحدث أن استطاع النصابون من خلال شركات توظيف الأموال أن يأكلوا عرق المصريين باسم الدين، لذلك لا تعجب إذا أكلوا أيضاً مستقبل المصريين وحاضرهم إذا قفزوا للحكم وسط هتاف المصريين .

7 ـ والحل الوحيد الذي ينقذنا من هذا المصير هو معرفة الإسلام الحقيقي الذي كان عليه الرسول والخلفاء الراشدون. وليس ذلك لغزاً مستحيلاً ، لأن الإسلام الحقيقي موجود في القرآن وقد حفظ الله تعالى القرآن من التحريف، ولولا حفظ الله لكتابه لكان الشيوخ قد حرفوه.. وكل ما نرجوه أن نمنح القرآن الفرصة وتنفتح أمام الدراسات القرآنية أبواب التليفزيون لنطهر بها عقول الناس من الأحاديث التي يقوم على أساسها التطرف والإرهاب.

8 ـ    صحيح أن القائمين على أجهزة الإعلام سيرتجفون ، وصحيح أن الشيوخ سيغضبون ..ولكن لا ينبغي أن نضحي بمصر وشعبها وحاضرها ومستقبلها ودينها في سبيل بعض الموظفين المرعوبين وبعض الشيوخ الغاضبين.. 

 

 

ثانيا : من مقالات إنتقاد جهل دعاة الوهابية

 

قال الراوى : معذور!!

1 ـ   فى الستينات أراد أحد شيوخ القبائل فى افريقيا أن يعلن  إسلامه ، أرسل برغبته هذه الى احدى المؤسسات الدينية الكبرى ، وأخبر بأن كل افراد قبيلته يشاركونه الرغبة ، وأرسل كبير المؤسسة الدينية يطلب من شيخ القبيلة وافرادها أ ن يختتنوا أولا قبل الدخول فى الإسلام .. ونظر شيخ القبيلة إلى نفسه وإلى قبيلته .. ورفض الاختتان ورفض الإسلام .. 

2 ـ شيخ القبيلة معذور . فقد صدق فعلا أن شروط الإسلام أن يقطع قطعة من جسده .. فأشفق على نفسه من تلك التجربة ومن دخوله فيها فى اواخر عمره  ..وربما لو كان قد حدث له ذلك فى الصغر لكان الأمر  هينا .. ولكن اجراء هذه المذبحة الدامية له ولكل قبيلته كان أمرا مروعا ، لذا فضل الاحتفاظ بما لديه وآثر السلامة !!  وشيخ المؤسسة الدينية الذى طالب بالاختتان واسالة الدماء معذور هو الآخر .. فقد عاش على أنه هو الذى يمسك بيده مفتاح الجنة ، وأن شرط دخولها هو الاختتان  إذ لا مكان فى الجنة لأى " غرل " (بضم الغين وضم الراء) أى الرجل الذى لم يختتن .. وشيخ المؤسسة يعتقد ان مهمته هى التأكد من ذلك حتى لايتسلل الى الجنة من لا يستحقها ، وليس مهما بعدها إن كان تقيا مؤمنا صالحا ، فكلها تفصيلات غير ضرورية، والأهم منها هو الختان وقطع ذلك الجزء البغيض من جسد الانسان.

3 ـ وشيخ المؤسسة إياه معذور ايضا .. فليس لديه الوقت ليتعلم أن الإسلام لا مكان فيه لكهنوت او لأى هيئة  تتوسط  بين الناس ورب الناس ، وإن الانسان يمكن أن يدخل فى الاسلام بدون أن يلجأ لهيئة ما ، أو أن  تعطيه مصلحة حكومية شهادة رسمية بختم النسر تفيد أنه مسلم ، فالإسلام علاقة خاصة بين العبد وربه ، ايمان يشرح الصدر وسلوك حضارى هو القمة فى الرقى والسمو الخلقى ، وعبادة الله وحده لامجال فيها للرياء أو النفاق أومصانعة الناس .

4 ـ وشيخ المؤسسة معذور أيضا .. فقد تعلم أن الاسلام الموجود فى الساحة هو أوراق رسمية ، وكلمة توضع فى الديانة فى البطاقة الشخصية واسماء يطلقها الناس على أنفسهم واولادهم مستوحاة من القرآن وتاريخ الاسلام . ثم بعد ذلك تفصيلات ليس لها أهمية ولا تدخل فى صميم اختصاصه ، اذ لا شأن له بما أصبح عليه أغلبية المسلمين من تأخر وجمود ونفاق وتكاسل وتفرق وتخاصم وتحارب . كل ذلك لايهم طالما حافظوا على .. الختان ..!!

5- وفى الثمانينات أسلم المفكر الفرنسى الشيوعى (سابقا) جارودى .. وكان دخوله فى الاسلام حدثا اهتزت له اوربا ودوائر المثقفين والسياسيين فى العالم الحى .. ولكن لم يأبه له أغلب الناس فى مجتمع المسلمين ، فالأخ جارودى لم يأت الى احدى المؤسسات الدينية لتصدر له تصريحا بالاسلام ، إذ أقدم من تلقاء نفسه على إعلان إسلامه دون أن يأخذ الاذن من أولى الامر ..وقد أصبحت العادة  فى عصر البترول أن ينتشر الإسلام بين أوساط معينة وأشخاص معينين بتأثير النفط والدولار . أو سرعان مايعلنون التوبة ويرتدون الحجاب على الوجه وعلى العقل أيضا .. ولكن الأخ جارودى لم يسر فى هذا الطريق ، وكان واضحا انه لن يرتدى الحجاب وسيظل مفتوح العينين ، اى سيكون مزعجا لا يستحق سوى الامتعاض . والاقلية المثقفة بين المسلمين هى التى رحبت بإسلام جارودى ورأت فى ذلك انتصارا للإسلام وعلامة على الفجوة الهائلة بين عظمة الاسلام وتدنى حال المسلمين .

6 ـ حضر جارودى اجتماعا مع كبار الأشياخ فى عاصمة إسلامية كبرى ، وفوجىء شيخ الشيوخ بالاخ جارودى يتحدث فى الاسلام بعقله معتمدا على آ يات القرآ ن الكريم وحدها .. وقفز شيخ الشيوخ ثائرا يقول : " اننا لم نأت هنا لكى نتعلم الإسلام على يدى ذلك الخواجة الذى أسلم حديثا .". وطالب اشياخ آخرون بختان الاخ  جارودى حتى يتيقنوا  من صدق إسلامه ..

7 ـ – شيخ الشيوخ معذور .. فقد سمع كلاما جديدا معتمدا على القرآن ومتسقا مع العقل وليست لديه المقدرة على الرد عليه .

8 ـ – وشيخ الشيوخ معذور أيضا .. لأن ذلك الخواجة الذى أسلم حديثا قد أثبت أن شيخ الشيوخ لا لزوم له ، وأنه يمكن لأى انسان ان يفهم الاسلام بلا حاجة لتلك المعاهد والشهادات .. الأخطر من ذلك انه يمكن لأى انسان أن يتفوق فى العلم على كل الاشياخ ، بشرط أن يقرأ القرآن بفهم .. مع ملاحظة انهم لايقرأون وقليلا مايفهمون .. وماالداعى للقراءة وقد صاروا أشياخا وبيدهم مفاتيح الجنة ؟ !!                

9 ـ والشيوخ الذين طالبوا بختان الاخ جارودى معذورون أيضا .. فطالما أن الختان هو الفيصل فى تحديد المسلم فلماذا لايقام على الأخ جارودى " حد الختان "؟!! وطالما ان الاخ جارودى يدعى أنه مسلم مثلهم فلماذا لايختتن مثلهم ؟ ..

10 – والأخ جارودى هو الوحيد الذى لا عذر له .. كان ينبغى أن يفهم حال مسلمى اليوم .. وما كان ينبغى له أن يجلس بينهم بلا ختان اذ كيف يحدث بينه وبينهم التجاوب والانسجام وهم مختونون وهو بلا ختان ؟ !!

قال الراوى : الى الجحيم ياأباسفيان !!

1 ـ  فى منتصف السبيعينات استأجرت شقة فى حى شعبى ونزلت اتعرف على المكان ، وافرحنى أن وجدت جامعا ضخما جديدا بقرب  مسكنى ، وتعشمت أن أقضى فيه جزءا من وقتى فى القراءة والعبادة والسكينة ، ولكن ضاع هذا العشم مع أول صلاة جمعة احضرها فيه !!

2 ـ   ففى أثناء تعرفى على المسجد وأهله لفت  نظرى شاب فى نحو العشرين يلبس جلبابا ابيض وقد انزوى فى ناحية من المسجد وهو يقرأ بصوت عال فى الصفحات الاولى من كتاب السيرة النبوية المقرر على السنة الاولى الاعدادية فى التعليم الازهرى ، وعجبت أن يكون ذلك الشاب فى اولى اعدادى أزهر ، ولكن عرفت انه موظف بدبلوم تجارة وأنه خطيب المسجد ، وأنه يجلس  فى المسجد طيلة الاسبوع ليجهز لخطبة الجمعة .. ولم أتفاءل بهذه البداية . وصدق ظنى يوم الجمعة ، إذ اعتلى صاحبنا المنبر والقى خطبة عصماء عن غزوة بدر ، وكانت كلها هجوما حادا على أبى سفيان زعيم مشركى قريش وقتها وقائد القافلة التى نجت من جيش المسلمين ، ويبدو ان ذلك قد جعل خطيبنا يزداد حنقا على ابى سفيان ، فانطلق يسبه ويشتمه ويجعل مصيره الى النار وبئس المصير . وتململت فى مقعدى من الغيظ خصوصا وقد رأيت الناس فى المسجد قد انفعلوا بحماس الخطيب وصار عندهم مايشبه الاجماع على دخول ابى سفيان النار ، وآلمنى انه لم يصل الى علم الخطيب المبجل أن ابا سفيان قد اسلم فى فتح مكة وانه وقف ومعه اولاده الى جانب المسلمين يحارب المرتدين ، وانه شارك فى الفتوحات وأنه فقد عينه فى موقعة اليرموك ضد الروم . لم يصل الى علم خطيبنا المبجل ذلك كله لأن فضيلته قد توقف فى قراءته لكتاب السيرة النبوية عند غزوة بدر ولم يصل إلى نهاية الكتاب ولعله لم يصل الى نهاية الكتاب حتى ا ليوم !!

3 ـ  ولأن صحتى لاتحتمل الاستماع الى الجهل طويلا فقد عزمت على الذهاب الى مسجد آخر يوم الجمعة . وعثرت على مسجد تحت الانشاء  والتشييد ، وقد توسمت فى الخطيب الافندى الرزانة وخطورة الشأن ، ومنيت نفسى بسماع خطبة دسمة على نفس وزن الخطيب وجسامته ، ولكننى فى استماعى للخطبة وجدت  للخطيب خطورة من نوع آخر ، كان ينفعل ويترك العنان لانفعاله الغاضب يقوده فينطلق لسانه بما لايدرى وبما لايعلم،  وفوجئنا به يقول – وهذا ماحدث والله شهيد على ذلك – بأن النبى عليه السلام مدفون فى الكعبة !!  ونظرت الى حذائى وأخذته وتسللت هاربا حتى لا اسمع من الخطيب العلامة تصريحا أخر يقضى على صحتى ومستقبلى !!

4 ـ ولم أفقد الأمل .. إذ كانت المنطقة تعج بمشاريع متعددة لانشاء مساجد وتقام صلاة الجمعة فى الخلاء المعد لاقامة المسجد عليه ، وتجولت بين تلك المشروعات ، وكنت حذرا إذ أعرضت عن الخطباء الافندية والخطباء من أصحاب  الجلاليب البيضاء  . واسعدنى ان عثرت على خطيب يرتدى الجبة والقفطان وقلت لنفسى : على الاقل فهو لن يلقى بابى سفيان فى النار ولن يجعل النبى عليه السلام مدفونا فى الكعبة !! وحضرت الخطبة وكانت نكبة .. صحيح أن صوت الخطيب كان حانيا وان اسلوبه كان رقيقا فصيحا ،  ولكن ليس المهم فى الشكل فقط ولكن فى المضمون ، وشيخنا الخطيب كان يتحدث فيما يعرف بالحقيقة المحمدية التى تعنى أن الله تعالى خلق النبى محمدا عليه السلام من نوره وانه خلق العالم كله لأجله وأن النور المحمدى انتقل من محمد الى الائمة الشيعة ثم الى الاقطاب الصوفية ،  وأخذ يشرح هذه الاساطير باسلوبه المؤثر الحانى الرقيق ، والناس  تنظر اليه ماخوذة ، وقد فتحوا افواههم على مصراعيها ، وصاحبنا قد سرح بهم فى اجواز السماء حيث الكوكب المحمدى المحيط بالعرش .. الخ .. ونظرت حولى فوجد ت نوعا آخر من انواع المخدرات العقلية ، وخفت على صحتى كالعادة وبحثت عن حذائى وتسللت هاربا .

5 ـ  حكيت هذه الذكريات لبعض الاصدقاء ونحن نناقش الضعف المزرى لاغلبية الخطباء فى المساجد الكثيرة التى يزيد عددها على عدد الخطباء المؤهلين وغير المؤهلين وكيف ان الاهتمام ينبغى أن يتجه الى رفع المستوى الدينى والعقلى للمسلمين لنصل الى الفهم الصحيح للإسلام دين العلم والثقافة وا لحضارة والتقوى والتسامح . واقترح بعض الاصدقاء أن نذهب الى المسجد الذى كان يرفع لواء الخصومة ضد ابى سفيان لنرى ماحدث له بعد خمس عشرة سنة ، وذهبنا ووجدنا الخطيب نفسه ولكن طالت لحيته وتكاثر اتباعه وتعاظم نفوذه ، ومع ذلك فلايزال مصمما على  أن أبا سفيان من أصحاب الجحيم لأنه زعيم المشركين !! ولاريب أن ثقافته الدينية قد توقفت عند غزوةالأحزاب !

 

ثالثا : توعية الناس بخطر الوهابيين والمتاجرين بالدين

قال الراوى : بلهارســــــيا عقليـــــة . 20 مايو 1991 م

 1- كثيراً ما نصحوا الأخ عبد السلام بأن يعطي ظهره للترعة حتى لا تمتص البلهارسيا ما تبقى من حيويته ، وكثيراً ما يعلن الأخ عبد السلام السمع والطاعة و لكن لا غنى له عن الترعة ولا غنى للترعة و ما فيها من بلهارسيا عن جسده ! !

2 ـ والمشكلة الحقيقة أنهم يحذرون الأخ عبد السلام من نوع واحد من البلهارسيا وينسون أنه ضحية دائماً لبلهارسيا عقلية تستنزف أمواله وكرامته ودنياه وآخرته. فالأخ عبد السلام شأن كل فلاح مصري بسيط  - يستحق الصدقة والزكاة بإجماع كل المذاهب الفقهية -  والنحوية – أيضاً  ومع ذلك فالأخ عبد السلام يقتطع من قوته الضروري ويترك أولاده جوعى لكي يقدم النذور لضريح الشيخ مهروش الواقع على مشارف القرية .

3- وبدأت الحكاية منذ عشر سنوات مع تردد الشيخ سرحان على القرية  وكان الشيخ سرحان مشهوراً بالبركة والصلاح "والسر الباتع" خصوصاً مع الزوجات العاقرات واللاتي في خصومة دائمة مع أزواجهن ، وكانت أحدهن بعد أن تجلس في"الخلوة" مع الشيخ سرحان ما تنفك "عقدتها" وينصلح حالها.

4 ـ وقد أمتدت شهرة الشيخ سرحان إلى القرى المجاورة فكان إذا حلّ  بقرية  الأخ  عبد السلام يتوافد الناس لرؤيته في دوار العمدة ، حيث تقام حفلات الأذكار للرجال ودقات الزار للنساء .

5 ـ وفي  إحدى ليالي الانبساط كان الشيخ سرحان يعطي العهد للرجال والنساء فإذا به يصاب بنوبة من التجلي والصياح ، فتوقف الحفل وتعلقت به العيون وهو يرغي ويزبد ،  ثم سكت وسقطت رأسه على صدره ، فاستولى الخوف على الحاضرين, واقشعرت أجسادهم ثم فوجئوا بالشيخ سرحان يفيق من الإغماء وهو يهتف "حي..  حي السمع والطاعة يا أسيادي" ثم انخرط الشيخ سرحان في بكاءٍ أعقبته نوبة من صيحات الفرح والسرور ، وقام يعانق العمدة ورجال القرية ، ويعلن لهم أن الأسياد قد وافقوا على نقل رفات العارف بالله الشيخ "مهروش" من بلاد السودان إلى تحت شجرة الجميز التي على الطريق الزراعي في مدخل القرية . وسجد الجميع لله شكراً ، وعانق بعضهم بعضاً ، وانطلقوا في الظلام بقيادة الشيخ سرحان إلى تحت شجرة الجميز وتوقف الجميع بعيدا, بينما تقدم منها الشيخ سرحان خطوة خطوة ثم سجد أسفلها ومد يده تحت التراب ثم هتف مدد يا سيدي "مهروش" وهتف خلفه الجميع وهم يبكون ويتواجدون !!

6 ـ   وفي الصباح جاء للقرية شاب يبدو عليه الصلاح وكان يسأل عن عمدة القرية فلما التقى به قال له أنه رأى في المنام هاتفاً يدعوه للقدوم إلى هذه القرية بالذات ليشتري منها كل ما يتبرع به أهلها  لبناء ضريح العارف بالله الشيخ مهروش وحين قال للهاتف أنه لا يملك النقود قال له  الهاتف : " تشجع يا ظريف فالبركة في الرغيف " ، وانه حين استيقظ من النوم وجد تحت الوسادة رغيفاً فيه ألف جنيه .

7 ـ    وانتشرت الحكاية في القرية ووصلت إلى الشيخ سرحان عند الجميزة ، وسار إليه الجموع يهنئونه بأولى كرامات الشيخ مهروش ، وفوجئوا بالشيخ سرحان يبكي ويحكي لهم أنه رأى نفس المنام وأن الهاتف بشره بأن من يبيع لذلك الشاب الصالح شيئا في سبيل إقامة الضريح سيأخذ قطعة من الرغيف تكون له حرزا من كل سوء . والتقى الشيخ سرحان بذلك الشاب الصالح وكان لقاؤهما يوم عيد.

8 ـ وبالألف جنية وبالرغيف المقدس اشترى الشاب الصالح أحسن ما في القرية من مواشي ومحاصيل ، وتم بناء الضريح ، وبجانبه سكن سرحان للشيخ سرحان والشاب الصالح الذي نذر نفسه لخدمة الشيخ سرحان وللعناية بضريح الشيخ مهروش عليه سحائب الرحمة والرضوان .

9- ونعود إلى الأخ عبد السلام وقد كانت له بقرة وحيدة يعتز بها أكثر من اعتزازه بزوجته ويرعاها أكثر من رعايته لابنته !! ولكن بسبب حبه في أولياء الله باع بقرته الحبيبة التي تساوي ألفين من الجنيهات وأخذ في مقابلها من الشاب الصالح عشرة جنيهات لا غير مع كسرة من الرغيف المقدس،  ولا يزال يحتفظ بها معلقة في حجاب وضعه في الزريبة الخالية إلى أن تأتي له بقرة أخرى !!

10 ـ وعبد السلام يعتقد في الشيخ سرحان والشاب الصالح وفي كراماتهما ، فقد حدث له شخصياً أن زوجته كانت تعتريها حالات وتركبها الأسياد فلا تعود إلى الصواب إلا بعد أن يخلو بها الشيخ سرحان والشاب الصالح ، فتعود بعدها لعبد السلام وهىّ آخر تمام !!

11 ـ وفي كل محصول بل وعندما تتوفر لديه أي نقود يسارع عبد السلام بوضعها في صندوق النذور عند ضريح الشيخ مهروش،  فهو يريد الستر ، وأن تحل عليه البركات فيرى طيف بقرته العزيزة !!

12 ـ وعبد السلام يحمد الله فقد أخبر الشاب الصالح زوجته أن الأسياد توسطوا عند السيدة زينب حتى يدفعوا عن عبد السلام كارثة محققة و لولاهم لكان صريع البلهارسيا !! وعبد السلام يأخذ الحكومة على قدر عقلها ويتناول دواء البلهارسيا فى الوحدة الصحية ، وهو يعلم تماما أنها لا تنفع ولا تضر وأن بركة مشايخنا هى التى تدفع عنه البلاء ومدد يا أسيادى !!

13- والذي لا يعرفه عبد السلام أنه ينبغي أن يعطي ظهره لأشياء كثيرة وليس للترعة وحدها وأن الترعة بما فيها من بلهارسيا وقواقع أطهر من ضريح الشيخ مهروش وما يحدث فيه !! والذي لا يعرفه عبد السلام  أنه باعتقاده في هذه الأوهام قد خسر الدنيا والآخرة من حيث لا يدري وأنه وقع ضحية نصاب محترف وشريكه وأن أسهل الطرق للإحتيال إنما تكون  من خلال التدين الفاسد حيث تسود الخرافة ويتم بيع صكوك الغفران والخيالات والأحلام للفقراء والمخدوعين .

 14 ـ وقديماً قال ابراهيم لقومه " إنما تعبدون من  دون  الله أوثاناً وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق " .

15- ومشكلتنا نحن أن بعض مريدي الشيخ مهروش يريدون أن يحكمونا باسم الاسلام وهم يتصورون أن كلنا عبد السلام !! 

16 ـ يا سلام !!  

 

قال الراوى : المطب !!

 1 ـ لأسباب كثيرة ـ لا داعى لمناقشتها ـ اختار الأخ محجوب أن يطلق لحيته وأن يقصر سرواله ، وأن ينظر إلى الناس فى غضب وازدراء، لأنهم لم يصلوا إلى ما وصل إليه ، ولم يهتموا بالفتح الربانى الذى حصل عليه.

 2 ـ وحين أراد الأخ محجوب أن يكمل نصف دينه نظر حوله فلم تعجبه واحدة من بنات حواء ، بعضهن حاسرات الوجه ، عاريات كاسيات مائلات مميلات ، ثم اعتقد أن البعض الآخر محجبات عن نفاق ورياء وتظاهر بالحياء ، لذا قرر أن يذهب إلى بلدته ويتزوج فتاة صغيرة لم تعرف الاختلاط فى التعليم وتسير معه على الطريق المستقيم ، وتزوجها ، وكانت دونه فى السن بمراحل ولم تحصل من التعليم على طائل ، وعزم على أن يربيها على طريقته ،وأن يسير بها على سنته .

3 ـ  وهذا ماحدث وماكان ، كانت الزوجة الصغيرة لاترى الدنيا إلا بعينيه ولاتسمعها إلا بإذنيه ولاتلمسها إلا بيديه ، كانت الشقة الصغيرة هى كل عالمها ودنياها ، هو وحده الذى يدق عليها الباب ، وهو وحده الذى يشترى لها من السوق ، لا أحد يراها ولاترى أحدا ، والراديو حرام والشباك ممنوع والتليفزيون رجس من عمل الشيطان . اعتقد الأخ محجوب أن زوجته هى عورته الشخصية التى ينبغى ألا يراها أحد غيره ، وإلا كان الويل والثبور وعظائم الأمور ..

4 ـ وسارت بهم الحياة سيرها المعتاد وقد أنجبا ثلاثة من الأولاد . وكانت الزوجة الصابرة لديها رغبة قاهرة فى أن تزور أهلها وترى بلدها ، ولكن زوجها صمم على الرفض الواضح المبين ، لأن أهلها فى نظره من المارقين ، الذين لايفهمون فى الدين ، وربما إذا مكثت عندهم مدة ، أن تصبح بعدها مرتدة !! وهو يؤمن بالمثل الصريح : الباب الذى يأتى لك منه الريح ، سده واستريح ..

5 ـ ولكن حدث أن مات الحاج أيوب، والد الأخ محجوب، فاضطر للحصول على أجازة ، ليحضرالجنازة ، ولأن أباه خلف ثروة كبيرة ، فقد اصطحب معه أولاده فى رحلة غير قصيرة، وكانت فرصة سعيدة للأولاد، أن يروا أهلهم على غير ميعاد ، ولكن الأخ محجوب وضع لهم قائمة من المحظورات ، والممنوعات ، والمحرمات ، تشمل الحديث مع الغرباء والأجانب حتى لو كانوا من أقرب الأقارب ، فهم عنده من المارقين، الذين لايهتمون بالدين .

 6 ـ وبصريح العبارة ، انتهت الزيارة ، والأولاد فى حسرة قاهرة لعودتهم إلى القاهرة ، وزاد عندهم من النكد وجود حقائب كثيرة العدد ، مملوءة  بخيرات البلد ، وكان عليهم أن يساعدوا أباهم فى حملها ، وفى رعايتها ونقلها ، وهم ماتعودوا ذلك ، ولاسلكوا هذه المسالك .                                          وكان سفرهم يوم الخميس  وقد ازدحم الناس فى الأتوبيس ، ونزلوا منه بعد تعب شديد بقرب محطة السكة الحديد ، وسأل عن ميعاد القطار ، فعرف أنه آخر النهار ، وأراد أولاده الانتظار حتى يأتى القطار ، ولكنهم خافوا من الجدال ، حتى لايسوء الحال ، فالأخ محجوب لايأخذ برأى أحد مهما كان ، ولايستطيع أولاده العصيان ، واضطر الأولاد إلى المسايرة وخلفهم الزوجة الصابرة ، يسيرون إلى محطة أتوبيس القاهرة.

 7 ـ  وسأل الأخ محجوب عن موعد قيام الأتوبيس فعرف أنه الموعد الأخير ، وأنه لامجال للتأخير، فأسرع يحجز لأولاده المقاعد وجلس بجانبهم يستريح بعد تلك الشدائد ، ونظر للحقائب فوجدها تنقص ثلاثة بالتحديد ، وتأكد أنهم نسوها عند محطة السكة الحديد ، وجرى إلى ناظر محطة الأتوبيس وحكى له الموضوع بينما نزلت من عيون أولاده الدموع ، ووعده الناظر أن يؤخر له الأتوبيس ربع الساعة ، إلى أن يحضر صاحبنا الضائع من متاعه .

 8 ـ  وبدون أن يستريح ، ظل الأخ محجوب يجرى بسرعة الريح ، إلى أن وصل محطة القطار ، وقد تعب قلبه وعلا وجهه الاصفرار ، لم يجد شيئا من الحقائب ، وكانت تلك إحدى المصائب .

9 ـ أما المصيبة الكبرى القاهرة فهى عند رجوعه الى محطة أتوبيس القاهرة ، إذ انطلق الأتوبيس فى الطريق السريع ، يحمل أسرة محجوب مع  ذلك الكابوس الفظيع ، فالأخ محجوب معه كل الفلوس وما معهم شىء  والأخ محجوب وحده هو الذى يعرف طريق العودة إلى الشقة بدون مشقة،وهم لايعرفون ، فانطلقوا فى الأتوبيس يبكون ذلك المحجوب المأفون .

 10 ـ وهناك فى تلك المدينة كان الأخ محجوب يضرب كفا بكف ، وقد تعب من الدوران واللف ، لايدرى كيف يتصرف ، فإن أغلب الأشياء الثمينة وكل مالديه من مال كان فى إحدى تلك الحقائب الضائعة ، ثم لحقتها أسرته الذين حرمهم من نعمة التمرس بالحياة والناس ، كان يرجو أن يظلوا معتمدين عليه وحده ليظلوا تحت سيطرته وحده فاذا به يتسبب فى فقدهم وضياعهم .

11 ـ  والغريب أن الأخ محجوب يمنى نفسه بأن يحكمنا نحن بنفس هذه السياسة !!

اجمالي القراءات 3729

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4982
اجمالي القراءات : 53,380,629
تعليقات له : 5,324
تعليقات عليه : 14,623
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي