السيسي في تحالف المذاهب والجبناء

سامح عسكر Ýí 2015-04-08


عندما قامت ثورة يونيو 2013 تفائل البعض بدور ريادي مصري يقضي فيه على المذهبية والفتن الطائفية في الشرق الأوسط والخليج، تفاؤلاً ينبع من تاريخ مصر وريادتها في توحيد الصف على أسس قومية أو إنسانية وليس على أسس دينية، فلم يسبق لمصر أن تخوض حرباً دينية ، إنما هي على مشارف تحقيق ذلك الآن لأول مرة في التاريخ.

كل الحروب التي خاضها الشعب المصري من قبل كانت على أسس وطنية، من الحيثيين إلى التتار إلى الصليبين إلى العثمانيين إلى الفرنسيين وصولاً لحرب 73، حتى الحروب الصليبية لم تكن دينية عند الشعب المصري لأنه كان مدافعاً عن أرضه، ولو كانت لديه طائفية لقامت حروب أهلية بين مسلمي مصر ومسيحييها، انما طائفيتها في المعتدي الصليبي، حتى حروب محمد علي مع تركيا لم تكن دينية، كان الجيش المصري فيها يمتلك عقيدة وطنية في زمن لم تظهر فيه معاني الوطنية بشكلها الحالي.

ليس تمجيداً للجيش المصري ، فكل مؤسسة عسكرية في العالم لها أخطائها وبعضها له جرائم، والجيش المصري تِبعاً لذلك ولكون الحروب لا تجري كما يُقال.."بالشوكة والسكينة"..إنما الحرب حرب، حالة تدمير وانحطاط بشرية يلجأ لها الإنسان أو تُفرض عليه لأطماعه، ولا يُستثنى من ذلك إلا من عَمِلَ للسلام وكفّر عن أخطائه وسعى للتسامح والتواصل بين الشعوب.

في اليمن حدث خلاف سياسي بين زعامات سياسية ودينية وعشائرية.. عانى منها اليمن كثيراً حتى وصلت محطته الأخيرة إلى العدوان السعودي عليه لفرض رؤية خليجية وتنصيب رئيس تابع لهم في قصور صنعاء، في وقت كانت السعودية تنفق ببذخ على مصر وشعبها أملاً في تحالف مصري خليجي ضد أعداء ممالك النقط، وقد حذرنا وقتها أن ثمن هذا التحالف سيكون كبيراً بحيث تتورط مصر في نزاعات مذهبية لا يعرفها الشعب طوال تاريخه.

وقد صدق ظني بإعلان الرئيس السيسي تحالفه مع السعودية للعدوان على الشعب اليمني، وحُجته الأولى هي مضيق باب المندب.. وهي حجة سخيفة، فلا مصر ولا السعودية يمكنهم السيطرة على هذا المضيق لأنه تحت حماية دولية، الحُجة الثانية هي إيران والتمدد الشيعي، وهي حُجة أسخف من ناحية عزف هذه الدول عن مواجهة مع إيران، ومن ناحية أخرى أن الشيعة هم جزء من هذه الأمة، وإنما شاعت.."فزاعة تمددهم"..لأجل إحداث فتنة مذهبية، ولم يسأل أحد نفسه لو كانت إيران تسعى لنشر المذهب الشيعي فلماذا لا تنشره بين .."سنة إيران"..الذين يزيد عددهم على 9 مليون سني؟!

ولماذا يخافون من الشيعة طالما يثقون في أنفسهم ؟ ..فمعني كلمة مد وربطها بفكرة -أياً كان نوعها- توحي للمستمع أن هناك تياراً جارفاً يزحف ويتغلغل دون التصدي له..ووجود مثل هذه الحالة في الوسط الفكري السني -أيدلوجياً وجغرافياً- دلالة تحول مذهبي كاسح، من الممكن تفسيره بتحول قري بأكملها أو تيارات من أخمص قدميها..وهذه الحالة ليست موجودة في المجتمع السني ، ربما حدث تحولاً فرديا.. لكن إخراجه من كونه حالة فردية إلي كونه ظاهرة عامة لهو الكذب بعينه وهو الغلو بذاته..

لا أعتقد بوجود مثل هذا المد "المزعوم" في الوسط السني، وكل ما هنالك أن يكون قد حدث تحولاً فردياً كنتيجة طبيعية للإنفتاح الفكري والتواصل الإعلامي ، فاطلاع المسلمون علي الآخر بشكلٍ عام قد يكون سببا في نشوء هذا الهاجس..لـأن أشد المجتمعات محافظة هي أشد المجتمعات هواجس، ليس هو المد الشيعي فقط، بل يُعانون من سيطرة وهم.."المد الصليبي"..ومثله.."مد الإلحاد"..فالدين لديهم داخل أضيق دائرة تحملهم على الرعب من الجميع.

الآن نحن في اليوم الحادي عشر للعدوان السعودي على الشعب اليمني، ولم يربح هذا العدوان إلا مزيداً من الجرائم والمجازر في حق الآمنين والأبرياء، بينما الحوثيون لم يتضرروا من الحرب مطلقاً، وإلى حين كتابة هذه السطور وصل الحوثيون إلى عدن وسيطروا على قصر الرئاسة ومبنى الإدارة المحلية والميناء إضافة إلى عدة أحياء، وهذا يعني سيطرتهم على كامل اليمن شمالاً وجنوباً، ولم يكن هذا ليحدث سوى بالعدوان السعودي الذي حمل القبائل والجيش على التحالف مع الحوثي، بينما الإعلام المصري والخليجي يُضللون الناس ولا ينقلون الحقيقة، يعيش معها المواطنون في أحلام وأمنيات تسبق دائماً أي هزيمة.

أتفهم شعور السعودية بالخطر من تمدد الحوثي خاصةً وأنها وقعت في حصار شرقي وشمالي وجنوبي من إيران ، ولا زال خطر داعش يتهددها، كل هذا مفهوم، ولكن ما لا أفهمه أن يربط الرئيس المصري أمن السعودية بأمن مصر، فحسابات الدول تختلف، وطبائعها تختلف، لسنا مع العدوان ومع الدفاع، أي أننا مع حق السعودية في الدفاع عن نفسها، وحسب وعد السيسي لآل سعود فستدعم مصر أمن الخليج، لكن الدعم هو دعم دفاعي وليس دعم هجومي بالعدوان على شعب فقير وضعيف ياسيادة الرئيس.

ثم لا أفهم لماذا تصر السعودية على حسم صراعها مع إيران بمنطق القوة والتحريض المذهبي؟..لماذا لا تتعامل معها نداً بند لمصالح الشعبين؟..إيران لم يسبق لها أي تحريض طائفي على المستوى الرسمي والإعلامي، كل الإعلام الإيراني يدعو للتقريب والتسامح بين المسلمين، يستضيفون مؤتمرات سنوة وموسمية لدعم فكرة التعايش، شعب غير مهتم بالمذهبية وصراع الديوك بين السنة والشيعة، شعب تفرّغ للعلم والبناء حتى حصل على مراده مؤخراً باتفاق نووي تاريخي، لماذا لا تمد السعودية يدها لإيران بالسلام؟..لماذا تصر على دعم أي جماعة متطرفة بالمال والإعلام وفتاوى الشيوخ؟..لماذا لا تحسم صراعها بالحُسنى وليس بالسوء؟..ألم يكفها ما حدث في الشام والعراق؟..ألم يكف شيوخها ملايين الضحايا الذين سقطوا ضحية لطمعهم وجشعهم وجهلهم؟!

هذه حرب الجبناء على المستضعفين، قال أحدهم : أن السعودية دولة قوية وليست ضعيفة ..دولة شجاعة وليست جَبَانة ،قلت: لو كانت قوية ما استأجرت جيوش الفقراء من باكستان إلى السنغال ،لو كانت قوية ما خشيت مواجهة الحوثيين بمفردها ،لو كانت قوية ما اعتدت على دولة بالطيران لا يمتلك دفاعات أرضية ،لو كانت قوية ما استخدمت الدين في تبرير عدوانها ،لو كانت قوية لهاجمت إيران فهي العدو الأول لها..

هذه حرب الجُبناء على المستضعفين، بالضبط كما اعتدت أمريكا على شعب أفغانستان الفقير، قالوا سيقضوا على طالبان وبعد 11 سنة حرب لا زالت طالبان تمرح وتسرح ..لأ وفتحت لها فرع في باكستان ومكتب في الدوحة.. وكأن حرب أفغانستان أعطت طالبان شرعية دولية، علاوة على أن حرب أفغانستان لم تنجح في القضاء على التطرف الأفغاني، لا زالت أفغانستان بؤرة للجريمة الدينية والأخلاقية، لا زالت موطناً لراغبي الكيف والمخدرات..هذه ثقافات شعوب..ومن يتعدى على ثقافة الشعوب بالسلاح كمن اعتدى على الأسود لإقناعهم أنهم فئران..!

أخشى من تحوّل العقيدة القتالية للجيش المصري من إسرائيل والصهاينة إلى العرب، أخشى تحولها من كونها دفاعية إلى كونها هجومية، أخشى من تحولها للدفاع عن مصر إلى قوة طائفية تُشعل الحروب المذهبية، أخشى على مصر أن تهتز صورتها من كونها رائدة ذات حضارة.. إلى كونها تابعة يُرتزق جيشها بالحروب المؤجرة، أخشى على الشعب المصري أن ينتقل من تسامحه العظيم إلى فاشية دينية وعُنصرية طلّت علينا برأسها الآن في الإعلام، أخشى أن نُبادل من يُبادلنا الحب بالكراهية لأجل بضعة لقيمات، فلأن نعيش على قطعة خُبز أشرف وأطهر من أن نرتكب جريمة تاريخية في حق شعب برئ.

اجمالي القراءات 5873

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,598,588
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt