الانحطاط في خطبة الجمعة المصرية
صعد الخطيب إلى المنبر وبدأ بالافتتاحية الشهيرة .."وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار"..ثم بدأ يقص من حكايا التراث، نصوص مسمومة تجعل الحضور شاغرين أفواههم كأنهم يسمعون شهرزاد، انقضى الوقت ولم أفهم موضوع واحد يشغل بال الإمام، كلها تعبيرات جوفاء وعنترية في حق من يسميهم العلمانيين والمستشرقين وأعداء الأمة من الصهيونية والليبرالية والشيوعية.
تفسير قاصر للآيات لا يتعدى حجم وجودة تفسير أم عبده بائعة الخُضار، عجز عن إدراك روح النصوص والوقوف على ظواهرها وإطلاق المقيد بكل بلاهة، يُكثر من أحاديث الجهاد والحض عليه كفريضة واجبة، تركيز غير عادي على الغنائم ووضعها في إصلاح حال الأمة الاقتصادي..
لم تعد تخلُ مساجد مصر من تلك الحُمر المستنفرة، أئمة وخطباء.." داعشيون".. كلفهم الرئيس السيسي بتجديد الخطاب الديني، وبدلاً من التجديد والحوار أبدلوه بالتهديد و(الخوار)، أنزلوا العصمة والألوهية على السابقين في فضيحة علمية ظهرت منذ القرن الثالث ، فأصبح فلان رضي الله عنه قاتل فلان رضي الله عنه جميعهم في الجنة ، وأصبح الغزو والقتل حلاً لضيق العيش والرزق الكفاف، حتى روي عن الأحنف بن قيس قوله لعمر بن الخطاب أن عيشهم في البصرة أضيق من عيش إخوانهم في الكوفة، وعليه فهم طامعون في رضا أمير المؤمنين أن يأذن لهم بغزو فارس كي يُصيبوا مالاً وغنائم يخرجهم من الفقر ويتساوون معه مع أهل الكوفة.
في خطبة الجمعة اليوم لا زال الخطيب يتحدث عن حُرمة الأغاني والموسيقى، ويتكلم في شئون الفن كأنه رفيق الصبان، ويُحرم التلفاز لأنه-حسب تعبيره- رأس الفساد، ويحذر من السينما والمسرح والإنترنت، في المقابل يتحدث عن.."حُلم الخلافة"..والطعن في كل من ينتقص من شأنها، ويكفّر علانيةً من يطعن في البخاري، ويصف أكثرهم بالملاحدة وضعاف النفوس ممن تتبعوا خُطى المستشرقين، ويتهم كل من يخالفه بسب الصحابة ، فلم تعد هذه التهمة قاصرة على الشيعة بل تعداها الرجل ليشمل بها كل ناقد لأحداث الفتنة الكبرى والحقبة الأموية.
ليس غريباً أن يستمع الحضور لهذا العبث والمجون كأنه الدين، بل ويرد بعضهم بهز رأسه موافقاً، وإلى هنا اكتشف الحمار أن أزمتنا هي مع الفنانين ومع التلفزيون ومع الموسيقى، وأوهم المساكين والجهّال أن خير المسلمين عند الله من باع نفسه لله، وعلى هذا الربط الشنيع ماذا بقي أن يتحول الشعب إلى وحوش داعشية تقطع يداً وتخزق عيناً من أجل مسلسل أو أغنية، أو أن تقطع رأساً من أجل البخاري، أو أن يطمعوا في عز الجهاد وغنائمه وأمواله الطائلة، أصبح الحل لكل فقير أن اغز وعلينا كفايتك، أنت لم تعد فقير بل رجل أعمال وبيزنس مشهور، وسيفيض المال والنساء عليك من حيث لا تحتسب..!
اجمالي القراءات
8488