شعب مصر والمسرحية السورية
لم يكن بخلد المصريين أن يتحولوا من شعب أمي تخطت فيه نسبة الأمية أكثر من 50% إلى شعب عظيم وعبقري صاحب حضارة رائعة فقط بمجرد خلعه للإخوان واتحاده مع مؤسسات دولته ضد إرهابهم وعنجهيتهم، لا أعلم هل هي سذاجة أن يقع شعب ضحية لجماعة يمينية متطرفة-كالإخوان- أم هي عبقرية شعب اختار الإخوان بمحض إرادته بمنطق.."ضرورة التجربة"..مع احتفاظه بحد أدنى من وسائل التحكم والسيطرة التي جعلته بعد ذلك ينجح في رمي قيادات الإخوان ومفكريهم إلى مزابل التاريخ والسجون.
هذا الشعب الذي أسقط مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي كان يُحاك لتدبيره ليل نهار، وقد رأى العالَم أن هذا المشروع يعتمد على ضرورة وصول الجماعات الدينية في الشرق الأوسط إلى سدة الحُكم بوسائل ديمقراطية، كانت الصفقة لابد منها كي تتقي أمريكا شر الإخوان، التي كانت على علمٍ تام بأن خيوط اللعبة الإرهابية في أيدي التنظيم الدولي للجماعة، فهو القادر على شحن وتعبئة الجماهير، وهو الذي بمقدوره أن يُحوّل أي خلاف سياسي في العالم إلى خلاف ديني ترفع معه الجماهير العربية والإسلامية راية الجهاد المقدس لصالح أمريكا، وإذا كانت طرفاً ضد المسلمين فتعمل الجماعة على تدجين الشعوب وتخديرها كي لا يرفعوا راية القتال ضد الغرب.
حاولت أمريكا أن تحتفظ بحد أدنى من التواصل مع الجماعة، فلم تضعها على قائمة الإرهاب، رغم أنها وضعت حماس الإخوانية ، إلا أنها كانت تحرص دائماً على توصيف جماعة الإخوان .."بالتيار الإسلامي المعتدل"..على أمل أن تسعى الجماعة مع أمريكا والغرب إلى إفشال الخُطة الروسية الشرقية بالتمدد غرباً نحو الناتو، الذي هو في العُرف الأمريكي خط الدفاع الأول عن واشنطن من جهة الشرق، لذلك حرصت أمريكا على دعم أي توجه إخواني سياسي يدفع عنها الخطر الإرهابي ووقف جحافل اليمين الديني الذي كان يزحف في أوروبا بعد أحداث سبتمبر..
من هنا كانت ضرورة دعم أمريكا للمعارضة السورية بكافة وسائل الدعم التي تكفل بقاء سوريا في حالة الحرب، وفي نفس الوقت لا تسمح بأن تتحول ميادين القتال ضد الأسد إلى تهديد يُقلق مضاجع واشنطن والشعب الأمريكي ، فأعلنت مع حلفائها عن اعترافها بالائتلاف السوري المعارض وحرصت على عقد لقاءات دورية فيما سُمي بمؤتمرات.."أصدقاء سوريا"..كمحاولة لدفع هذه المعارضة إلى توسيع جبهات القتال،ولكن بعدما طالت الأزمة وصمد بشار الأسد في وجه هذا الغزو الأمريكي المدعوم –كالعادة- بقُطعان اليمين الديني اضطرت معها الإدارة الأمريكية إلى وضع حد لهذه السياسة لئلا يفضحها الشعب الأمريكي ويتهمها بالتناقض، ففي حين تحارب أمريكا الإرهاب هي تدعمه في مناطق أخرى.
من هنا جاء وصف أمريكا للائتلاف.."بالمعارضة السورية المعتدلة"..كعنوان يجري تسويقه داخلياً وخارجياً، وعلى أمل أن تنجح فصائل الجيش الحر في تغيير المعادلات السياسية بشكل يُجبر بشار الأسد على الرضوخ أو الاستسلام، ولكن كانت هذه القراءة سطحية كشفت عدم دراية أمريكا بطبيعة الحرب في سوريا ، والسبب أنها جهلت ذلك المدخل الخطير الذي صنع الحرب الأهلية السورية وهو.."الجهاد المقدس ضد الأسد"..فأول من رفع هذا الشعار هو الجيش الحر الذي تدعمه أمريكا، ثم تسبب بعد ذلك في غزو جهادي قاعدي لسوريا حتى باتت سوريا هي أكثر دول العالم معاناةً من الإرهاب، فانتشرت الجماعات وظهرت على الساحة فصائل وتشكيلات عسكرية قاعدية أخذت في التمدد حتى قلّصت دور الجيش الحر المعروف لدى الولايات المتحدة بأنه الذراع العسكرية للائتلاف.
ومؤخراً بعد نجاح حكومة بشار الأسد في الصمود داخل العاصمة ، ثم التمدد غرباً نحو حدود لبنان في القلمون وشمالاً في حمص وحلب والآن جنوباً نحو درعا والقنيطرة..اضطرت أمريكا إلى الاعتراف جزئياً باستحالة النصر على الأسد، وأن الميدان أثبت ضعف الذراع العسكرية للائتلاف وهو الجيش الحر، وأن الكلمة العليا للمعارضة باتت في أيدي تنظيم القاعدة من جبهة النصرة وداعش، فأعلنت صراحةً رفضها لتقديم أسلحة متطورة للمعارضة التي باتت في الذهنية الأمريكية خطراً يهدد حياة الأمريكيين فيما لو عاد هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية.
إلى هنا يُسدل الستار على فصل من فصول المسرحية السورية، تلك المسرحية التي شاهدها الشعب المصري قبل بدايتها، ففهمها وعرف مغزى الممثلين، واكتفى بمشاهدتها على أمل أن تظهر بعض الأمور الغامضة والملتبسة، فالشعب المصري شأنه كشأن باقي شعوب العرب، كان مخدراً تحت سطوة الإعلام القطري وقناة الجزيرة، هذا الإعلام القذر واللاأخلاقي الذي صنع الحرب الأهلية السورية، وكاد أن يصنع مثلها في مصر لولا يقظة الشعب المصري ..حينها كشف المصريون هذا الإعلام وأنه كما قيل عليه ..أنه جزء من الفوضى الخلاقة الأمريكية في بلدان العرب.
لقد اختار الشعب المصري أن يرى المسرحية بقلبٍ مهموم وعينه على مستقبله، فكلما رأى الأوضاع السيئة في سوريا زاده ذلك تصميماً على مواجهة الإخوان بأي ثمن، ولِمَ لا وقد عرف أن الإخوان جزء من المشروع الأمريكي لإحياء الخلافة الدينية التي تكون هي لدى الغرب المأوى الجغرافي والسياسي والفكري لجماعات الإرهاب الدولي، فينشغل العرب بصراعهم العقائدي ويتقاتلون.. ثم ترتاح أورويا وأمريكا من شرور هؤلاء الهَمَج، أي أنه كان تصديراً للأزمة الأمريكية مع الإرهاب وذلك بمنطق.."لماذا أحارب أعدائي وبإمكاني أجعلهم يحاربون بعضهم"..
تلك الخطة التي رسموها منذ الحرب الأفغانية وصدّقت عليها كافة مكاتب المخابرات الغربية، حتى رأيناهم في قلب العراق وسوريا وتركيا ولبنان يمرحون كيفما شاءوا فكَثُرت الأزمات وتعددت الحروب وظهرت الأنياب الأمريكية في لِحى الشيوخ، وبقي السيف الأمريكي مرفوعاً تحت راية لا إله إلا الله ، ونزف الدم العربي على عمائم الفقهاء، حتى باتت مصالح أمريكا متوافقة مع مصلحة رجال الدين العرب، ومعها ترحّم المصريون على زمان مبارك، وانتفض السوريون دفاعا عن الأسد وهم على وشك انتخابه رئيساً ، والتف العراقيون حول جيشهم..كله على أمل أن ينتصر العرب في معركتهم مع الإرهاب الأمريكي الإخواني ويُحققون معه الحد الأدنى من الاستقرار الذي بدونه لن يكون هناك ديمقراطية أو تنمية.
اجمالي القراءات
10195