بيئتنا العربية متنوعة بذاتها ثقافياً ودينياً..وفيها تتحقق سنن الله الكونية في وجوب الخِلاف، ولكن من السُنن أيضاً أن يخرج علينا قومُ لا يهتدون إلا بآرائهم..ويدّعون العصمة فيما لو كان هناك صراع هم أحد أطرافه..فالاعتراف بالذنب حينها هزيمة، وكأن حياتهم بُنيت على الصراع..ومن علاماتهم أن أكثرهم متدينون..ومن هنا يأتي المصدر..الدين..يبقى السؤال هل الدين هو الذي أنتج هذه الصنوف من البشر؟...القارئ لكل الأديان وليس فقط الإسلام سيرى في الأديان السماحة وقبول الآخر كسمة عامة طاغية..ولكن تبقى هناك أوجه تفسيرية تساهم في تكوين فكر متطرف في كل دين..ومن هنا تأتي الحكمة..أن اتباع الهوى النفسي هو الذي يستهدف هذه الوجوه، ويعمل لها ويتغاضى عن سماحة الأديان على غرار اقتلوهم فإن في قتلهم خير..اقتلوهم فإننا نشم في دمائهم رائحة الجنة!
ليس في القتل فقط بل في كافة أنواع المصادرة..سواء للرأي أو للحريات والحقوق وبالتالي ليس من حقك أن تعيش إلا إذا سمحوا لك بأن تعيش..فقد وهب الله لهم مفاتيح الحياة..يهبونها لمن يشاءوا..ويمنعونها عن الجميع.. إلا هم...مُخطئ ثم مُخطئ ثم مُخطئ من اعتقد في أن صراع هؤلاء مع الآخر يقتصر على الطرف الذي يواجهونه..بل هي سلسلة تبدأ من هذا الطرف وتنتهي بآخر مخالف على وجه الكرة الأرضية..حتى إذا اكتشف الإنسان حياةً أخرى خارج هذا الكوكب فسيظل على صراعٍ تام مع أصحاب تلك الحيوات..إنها صناعة الأعداء لا تكف عن صناعة الوهم حتى تتنفس..ولما لا ومكنوناتهم البشرية لا تتوقف عن الاستغلال سواء للدين أو للعلم أو للمال وحتى للأخلاق..الجميع مُسخّر في أيديهم لتحقيق رغباتهم ومطامعهم.
نزعة الإقصاء تحرق صاحبها..ولكنها لا تستجيب لناصحيها..وفي مثال برتراند راسل تصوير لما يحدث..أن زريبة البهائم تحترق وفي داخلها حِمار..فحاول أن يُقنع الحمار بأن الخطر يتهدده ولكنه لم يستجب..فما كان له إلا أن يسحبه بالقوة كي يُنقذه...المُلاحظ أنه وبتكوين الحِمار الحيواني قد يؤذي منقذيه سواء بالرفس أو بالعضّ..ولكنه لا يجنح لتشويه منقذيه ويقول أنهم زنادقة وكفّار لا يستحقون الحياة، فيبقى المنقذون صالحين لمهماتٍ أخرى وفي أماكن أخرى..فياليت هؤلاء البشر كانوا كالحمار واكتفوا برفس وعضّ من يسحبهم خارج لهيب المعركة..ولكنهم يشنون على مُنقذيهم أقسى صنوف وألوان الحرب البدنية والكلامية والنفسية..فيشرعوا في اتهامهم على الفور بأنهم عُملاء لا يُقبَلُ منهم صرفاً ولا عدلا..يقولون أنهم زنادقة وكفار يقولون أنهم شيعة روافض..يقولون أنهم ملاحدة...وهلم جرّا..فإذا رأوا أن الجو العام في صالحهم شرعوا في تحقيق مكنوناتهم التي كتموها في صدورهم كثيرا..فيقتلون ويسفكون الدماء ويقطعون الرؤوس..ليس لإقامة حدّ الله..ولكن لأن بديل ذلك لن يُرضيهم..
الأخطر أن يفتتن بهم العوام..فقد يُعطي الله لأحدهم مَلَكة الخطاب وحُسن البيان..وكما أن الخطابة كانت سبباً في إحراق أوروبا..فالخَطابة قد تحرق المسلمين والعرب..النكبة أنهم يحرقون باسم الدين..والأديان من أفعالهم براء..يقتلون ثم يبرأون من دماء ضحاياهم..يُحرضون على الفتنة..وإذا استشعروا الخطر على أنفسهم لجأوا إلى الكذب والتزييف بأنهم بُرءاء مما يحدث..فإذا واجهتهم بأفعالهم وكلامهم جادلوك فيها..فكان جدالهم حُمقهم بأنهم لا يعلمون بأن القتل يبدأ من فكرة تطرأ على الذهن..ثم يُنظّر لها بين الناس..ولو كانوا صادقين لأرفقوا بأفكارهم خطاب العدل والحُبَ ، ولكن لا يفعلون لأنهم لا يعرفون الحبّ ولا يشعرون بقيمته..ولِمَ لا وهم يُحرمونه حتى في خيالاتهم..فالحُبّ بدعة ومدخل من مداخل الشيطان!
اجمالي القراءات
8191
ربما لأن الاهتمام بالعلوم والمعارف داخل تلك الجماعات قليل إن لم يكن معدوم، فعضو الإخوان لو أراد توسيع معارفه سواء بالقراءة أو بالسَمَاع يُفاجأ بمعارضة قوية تأتي من نقيب الأسرة في الغالب، وربما يأخذ معه شكل النصيحة سواء بمراجعة هذه العلوم والمعارف أولاً عبر عرضها على الأسرة أو بمراجعة فردية مع النقيب.
حدث هذا معي عِدة مرات، حيث كنت أحب القراءة منذ الصِغر، ولي باع طويل في التاريخ بالذات فهو عشقي الأول ثم "الفلسفة"..وإنسان بهذه الطريقة هو عاشق للجديد من الأفكار ويكره التقليد ويسري مع قناعاته سريان الماء في الجداول، ولكنه يفصل بين قناعاته وانطباعه عن الأشخاص ويتعامل مع الناس من حيثية وجودهم كبشر.