رقم ( 4 )
الفصل الثانى : (الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم )

الفصل الثانى : (الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم )

الحلقة الاولى  

المنهج القرآني للفكر الاسلامى

 الليل و النهار فى الاعجاز العلمي للقرآن

مقالات متعلقة :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

د . أحمد صبحى منصور

أول رمضان عام 1428 الموافق 13 سبتمبر 2007.

 

الليل والنهار فى الاعجاز العلمى للقرآن

 

مقدمة

 

فى موقعنا ( أهل القرآن) http://www.ahl-alquran.com/arabic/main.php

طرح الاستاذ ابراهيم دادى فى مقال له دعوة للمناقشة حول قوله تعالى ( ثم أتموا الصيام الى الليل ) متسائلا حول تحديد قرآنى لموعد بدء الافطار فى رمضان ، أو موعد الليل المقصود فى الآية الكريمة. وكنت على وشك التعليق على مقاله لاثبات أن موعد الافطار فى رمضان هو مع بداية الليل أى مع غروب الشمس ، ولكن حين بدأت الكتابة دخلت فى تحليل (يولج الليل فى النهار ) فتشعب الموضوع الى بعض وجوه الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم ثم تفرع الى مناقشة تخلف المسلمين عما جاء به القرآن الكريم من إعجاز علمى والسبب فى ذلك تاريخيا ، وفى النهاية أصبح لزاما أن يتحول الموضوع الى عدة حلقات تحت عنوان (الليل و النهار فى الاعجاز العلمى للقرآن ).

وهذه هى الحلقة الأولى :

المنهج القرآنى للفكر الإسلامى:

نقطة البداية لأى فكر إنسانى تتمثل فى المنهج الذى يقوم عليه ذلك الفكر، فالمنهج هو الأساس الذى يقرر منذ البداية مدى صلاح ذلك الفكر ومدى استمراريته. وغالباً ما ينبثق المنهج الفكرى لأى حضارة من عقيدة دينية، فالإنسان حيوان متدين بغض النظر عن نوعية الدين الذى يدين به، حقاً كان أم باطلاً توحيداً أو شركاً.

والمنهج الفكرى للحضارة الإسلامية أتى به القرآن الكريم الذى جاء تبياناً لكل شىء وما فرط الله فيه من شىء، والمنهج الفكرى القرآنى للحضارة الإسلامية انبثق من عقيدة التوحيد الإسلامية التى تقصر الألوهية والتقديس على الله تعالى وحده فلا مجال لتقديس بشر أو حجر أو كوكب أو شجر، فالله وحده هو الإله القيوم على كل شىء وما من شىء إلا هو آخذ بناصيته مسيطر عليه، و﴿ليس كمثله شىء﴾ من مخلوقاته ﴿وهو السميع البصير﴾ و﴿لاّ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ أما باقى الخلق فهم عبيد قدرته وتحكمه كائناً من كانوا، ملائكة أم رسلاً أم بشراً أم حيوانات أم جمادات.

فالانفصال قائم بين وحدة الخالق المهيمن المسيطر الذى ليس كمثله شىء وبين وحدة المخلوقات التى صنعها الخالق ولا يمكن أن تشبه الخالق بأى حال من الأحوال وللخالق عليها حق العبودية والخضوع والاستسلام طوعاً أو كرها ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ (آل عمران 83) فكل ما خلق الله أسلم وخضع له وسجد لعظمته، سبح بحمده كل المخلوقات، كل الأشياء من أحياء وجمادات لا خالق لها إلا الله ولا يستحق التقديس والعبادة إلا هو تعالى ولا واسطة بين الخالق والمخلوق. ومن هذه العقيدة التوحيدية انبثق المنهج القرآنى للفكر والعلم والتربية، وقد صاغ ذلك المنهج رب العزة تعالى وهو الأعلم بخلقه ﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.

ويعتمد ذلك المنهج القرآنى للفكر الإسلامى على أساس من الحكمة فى خلق الإنسان والكون. فالله تعالى خلق الإنسان ليكون خليفة فى الأرض يطبق فيها منهج الله القائم على الحق والخير وعدم الفساد. ولأن الإنسان مخلوق ليكون خليفة فى الأرض فإن الله تعالى سخر له كل ما فى الأرض وما فى السماوات ﴿وَسَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ﴾ (الجاثية 13) وسخر بمعنى ذلل وأخضع، أى أن كل ما فى السماوات والأرض من جماد وحيوان ونبات وأشعة وطاقة سخره الله للإنسان كى ينتفع بها كيفما يشاء ﴿هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النّشُورُ﴾ (الملك 15). ومن هنا فإن البحث فى الأشياء المادية التى يمكن أن تقع عليها حواس الإنسان رهين بسعى الإنسان وكفاحه كى يتمكن من الاستفادة مما سخره الله له على أتم وجه.

من هنا أيضاً أمر الله تعالى الإنسان أن يسير فى الأرض ويبحث فيها ليرى عظمة الخالق فى خلقه ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيءُ اللّهُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (العنكبوت 19: 20).

فالبحث العلمى فى مخلوقات الله التى سخرها للإنسان فريضة إسلامية لها وسائل ولها أهداف. فوسائلها السعى والسير والنظر بالعقل والعين واللمس والتحقق والتفكر، ويستخدم الإنسان فى سعيه كل حواسه من يد وعين وأذن وقدم وعقل ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنّذُرُ عَن قَوْمٍ لاّ يُؤْمِنُونَ﴾ (يونس 101) ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِيَ أَنفُسِهِمْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُ الْحَقّ﴾ (فصلت 53) ﴿وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ. وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ (الذاريات 20: 21) ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوَاْ إِلَى السّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ. وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ. تَبْصِرَةً وَذِكْرَىَ لِكُلّ عَبْدٍ مّنِيبٍ﴾ (ق 6: 8).

والآيات السابقة التى دعت للبحث العلمى فى الكون تحوى إعجازاً علمياً أثبته العصر الحديث بعد أن اتبع المنهج العلمى القرآنى فى البحث والتجربة والسعى والسير..

ويكفى أن الله تعالى جعل من صفات المتقين أولى الألباب والعقول أنهم يذكرون الله ويتفكرون فى خلقه (آل عمران 190: 191) بينما جعل من صفات المشركين الإعراض عن آيات الله فى الكون ﴿وَكَأَيّن مّن آيَةٍ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ (يوسف 105).

باختصار فالإسلام يدعو المسلمين إلى البحث العلمى التجريبى فى الكون المادى الذى سخره الله تعالى للإنسان، وغاية ذلك البحث التجريبى أن يصل الإنسان إلى عظمة الخالق تعالى وإبداعه، وأنه يستحيل على من خلق وأبدع أن يكون له شريك أو معه ولى أو معين، وحينئذ يزداد العالم خشية لله تعالى وخضوعاً له.

ويعزز ذلك أن القرآن الكريم دعا للعلم واستعمال العقل والنظر، وتكررت فيه عبارات ﴿أفلا تعقلون﴾ ﴿أفلا تبصرون﴾ بل وارتبط فيه لفظ العلم بالتقوى والخشية ﴿أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أنَزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ. وَمِنَ النّاسِ وَالدّوَآبّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر 27: 28) أى أن التفكر والبحث العلمى فى بديع الخلق من إنزال المطر واختلاف الشجر والبشر والحجر من صفات العالم الحقيقى المؤمن الذى يدعو له الإسلام، يقول تعالى ﴿أَمّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الاَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُوْلُو الألْبَابِ﴾ (الزمر 9).

ويلاحظ أن الحضارة الغربية الحديثة اتفقت مع الإسلام فى وسائل البحث العلمى التجريبى، فهى تسعى فى الكون وتسير فى الأرض فتمكنت من اكتشاف آلاء الله فى الكون، وكان المسلمون أحق بهذا الاكتشاف لو اتبعوا منهج القرآن الكريم، ولكنهم هجروا القرآن الكريم وانشغلوا بصناعة أحاديث نسبوها زورا وبهتانا لخاتم النبياء عليهم السلام ، وتشاجروا فى إسنادها و الحكم على رواتها ، بل وجعلوا من تلك الأحاديث وعاء يمتلىء بخرافاتهم وجهلهم فأصبح الجهل والخرافة جزءا من تلك الأديان الأرضية لا يصح الاعتراض عليه أو نقده فقد تحصنت ضد النقد باسنادها ونسبتها الى النبى محمد عليه السلام .

وظل انشغال المسلمين ـ عن القرآن الكريم ـ بأديانهم الأرضية و أحاديثهم الى أن نهض الغرب و اكتشف الكون متبعا طريقة المنهج العلمى التجريبى التى سبق لها القرآن . وفوجىء المسلمون فى عصرنا بأن بعض ما يكتشفه الغرب قد جاءت إشارات له فى القرآن فهللوا وتفاخروا دون أن يحسوا بالخجل ودون أن يتساءلوا اين كان أسلافهم واين كانوا هم حين هجروا القرآن وهو معهم يتكلم بلغتهم يدعوهم الى تدبره ويحذرهم من اتخاذه مهجورا. ومن أسف أن أولئك ( المسلمين ) لا يزالون فى غيهم يعمهون ، ولا يزالون بتلك الخرافات العباسية و المملوكية يتمسكون ، وهم على نسبة تلك الأحاديث الكاذبة لخاتم النبيين عليه السلام يدافعون .وتلك قضية أخرى سنعرض لها فى مقالات قادمة بعونه جل وعلا.

المهم أن الحضارة الغربية اتبعت المنهج العلمى التجريبى ووسائله ولكن اختلف الهدف، فالهدف من البحث التجريبى فى الإسلام هو الوصول إلى عظمة الله وقدرته ليزداد الإنسان خشية لله وعبادة له وينشر الخير ويكون لله خليفة فى الأرض بما وهبه الله تعالى من عقل وفطرة سليمة. أما الهدف من البحث التجريبى فى الحضارة الغربية فكان فى بعض الأحيان استخدام العلم فى خدمة الشيطان باختراع أسلحة الموت والدمار وتوجيه التقدم العلمى لتدمير الحضارة الإنسانية وإشاعة القلق والخوف والفقر والحروب والدماء والآلام..

قلنا أن القرآن دعا المسلم إلى البحث فيما سخره الله له، أى أن الله تعالى جعل تلك الأشياء المادية مسخرة خاضعة لحواس من تلك الإنسان وعقله وفى إمكان طاقته، ويستطيع بالعقل الذى وهبه الله له أن يخترع من تلك الأشياء المسخرة ما يمكن أن يفيده أو يضره، ويتوقف ذلك على الهدف، فإن كان الهدف طاعة الله كانت المخترعات فى صالح الإنسان وسعادته، أما إن كانت الأخرى فهو التدمير والبؤس والفقر.

وتبقى قضية أخرى.

أن الله تعالى سخر الكون للإنسان، ومن هنا كان من حق الإنسان بل من واجبه أن يبحث فيما سخره الله له، ولكن خلق الله تعالى الإنسان لعبادة ربه فيستحيل أن يتمكن الإنسان المخلوق لعبادة الله من أن يتخذ الله تعالى مادة لبحثه..

فالله تعالى هو الذى خلق الإنسان ويستحيل على المخلوق أن يتعرف على كنه الخالق، والله تعالى هو الذى خلق عقل الإنسان وصممه على أساس أن يبحث فقط فى الأشياء التى سخرها الله له، وليس بإمكان ذلك العقل كما خلقه الله أن يسمو للبحث فى ذات الخالق جل وعلا.

ويستحيل على الإنسان أن يبحث فى ذات الله تعالى والله تعالى وصف ذاته بأن ﴿ليس كمثله شىء﴾ ومعنى ذلك أن أى شىء من المخلوقات لا يمكن أن يشبه الله تعالى، وكلمة (شىء) مفعول مطلق من كلمة (شاء) فالله تعالى أراد أو شاء شيئاً فكانت كل المخلوقات أشياء وكل المخلوقات أو الأشياء لا تشبه الله تعالى بأى حال من الأحوال، فلا يستطيع الإنسان أن يتخيل كنه الله تعالى، فعقل الإنسان لا يفهم إلا فى الأشياء المخلوقة مثله، والله تعالى أكبر من كل شىء.. وحواس الإنسان لا تدرك إلا ما سمح به الله تعالى، والله تعالى جل أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، بل أن مشيئة الله قضت أن يحجب عن أعين الناس بعض مخلوقاته، والإنسان الحديث آمن بأنه لا يرى كل شىء من الأشعة والموجات وإن أمكنه أن يستغلها فى الراديو والتليفزيون واللاسلكى، والله تعالى يقول للبشر ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ﴾ (الحاقة 38: 39) والله تعالى أخبر بأن الجن يرون البشر ولا يمكن البشر أن يروهم ﴿إِنّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾ (الأعراف 27).

وإذا كانت بعض الأشياء المخلوقة محجوبة عن عين الإنسان لا يمكن أن يراها فى هذا العالم المادى فكيف يطمح الإنسان إلى رؤية خالق الأشياء ومبدعها سبحانه وتعالى؟ وإذا كان ممنوعاً من الرؤية فكيف يبحث فيما لا يستطيع رؤيته؟

على ذلك فإن العالم له شقان بالنسبة للإنسان، عالم الشهادة، أو المحسوسات المشاهدة من الكون والطبيعة وقد عرفنا منهج الإسلام فيها من حيث الوسائل والهدف، أما عالم الغيب أو السمعيات فهى خارج نطاق المحسوسات، وتخرج عن نطاق بحث الإنسان، ومطلوب من الإنسان ألا يبحث فيها ولكن يؤمن بها، فالإيمان بالغيب من أولى صفات المتقين ﴿الَمَ. ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتّقِينَ. الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ (البقرة 1: 3).

على أن يكون معروفاً أن ذلك الغيب الذى نؤمن به هو غيب الله تعالى الذى أخبر به فى كتابه الكريم خاصاً بالله تعالى والملأ الأعلى من الملائكة والجنة والنار والآخرة والحساب والحشر ثم الجن والشياطين. وكلها أمور غيبية غير مشاهدة أخبر بها الله تعالى ومطلوب أن نؤمن بها.

على أن الإيمان الإسلامى لا يقبل القسمة على اثنين، فالمؤمن بالله وحده يؤمن بغيب الله وحده ولا مجال لديه للإيمان بخرافات الأولياء وأكاذيب العامة والدهماء. هذا هو الإيمان المطلوب، إيمان بالله وحده وكفر بما عداه ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا﴾ (البقرة 256).

ووضح ما سبق أن القرآن حدد المنهج التجريبى العلمى للبحث فى عالم المشاهدة والكون والمادة المسخر للإنسان، ودعا للإيمان والتسليم والتصديق بعالم الغيب الذى يذكره الله تعالى فى كتابه فقط وما عداه من كلام فى الغيب إنما هو خرافة، حيث أن النبى محمداً نفسه لا يعلم الغيب، ومن هنا تضيق فجوة الإيمان بالغيب على قدر ما جاء فى القرآن فقط، ويتسع المجال أمام العقل كى يخترع ويبتكر فى عالم الشهادة.

ذلك ما ينبغى أن يكون، وذلك ما كان يجدر بالمسلمين اتباعه، ولكن المفروض شىء والواقع شىء آخر، فالذى حدث أن الحضارة (الإسلامية) لم ترتبط بالمنهج القرآنى وإنما سارت على أساس منهج آخر مخالف، هو المنهج اليونانى فكانت الحضارة (الإسلامية) ترديداً فى معظمها للحضارة اليونانية أو ترجمة لها بالعربية.

لقد أثمر الفتح العربى تكوين دولة (إسلامية) مترامية الأطراف شملت أجناساً متباينة من فرس وأنباط ومصريين وبربر، واعتبرهم العرب الفاتحون (موالى ) أى مواطنين من الدرجة الثانية . وأولئك الموالى كانت لهم إسهاماتهم فى الحضارة الإسلامية بل هم الذين سيطروا عليها، وكان من الطبيعى أن يسيروا بالمنهج الفكرى الذى تعودوه قبل الإسلام وهو المنهج اليونانى.

المنهج الفكرى للحضارة اليونانية:

تشابهت عقائد الشرق الهندية والغرب اليونانية ، وأدى غزو الإسكندر الأكبر لامتزاج الحضارتين الشرقية والغربية فيما يعرف بالثقافة الهلينية، ومن الطبيعى حينئذ أن تتطابق عقائد الشرق والغرب. ووحدة الوجود التى هى أساس عقائدهم الوثنية لا ترى فارقاً أساسياً بين الخالق والكون، والحضارة اليونانية كانت تعلى من شأن العقل بقدر ما تحتقر العمل اليدوى، من هنا كان العقل المجرد أساساً للبحث اليونانى فى فترته الأولى.

فالعقل اليونانى كان الأساس فى بحث الطبيعة وما فيها من مواد وأجسام، كما كان نفس العقل أساساً للبحث فيما وراء الطبيعة من سمعيات كالألوهية والقضاء والقدر ومشكلة الشر ونشأة العالم..

ومن الطبيعى أن يفشل العقل فى بحث الأمور الطبيعية التى لابد لها من المنهج التجريبى القائم على السير فى الأرض والنظر والتفكر وإجراء التجارب كما أشار لذلك القرآن الكريم.

ومن الطبيعى أيضاً أن يفلس العقل فى بحث ما هو فوق طاقته من ذات الله تعالى وصفاته وقضائه وقدره وجنته وناره. وأدى إفلاس المنهج العقلى إلى البحث عن منهج آخر، وكان البديل منبثقاً عن نفس عقيدة وحدة الوجود، وتم ذلك الانقلاب الجديد على يد أفلوطين السكندرى الذى نشر مذهب الأفلاطونية الحديثة وقد استوحاها من نظرية الفيض الإلهى التى قال بها أفلاطون.

فأفلاطون قال بإمكانية صعود النفس للعقل الإلهى حيث تخلص إلى عالم البقاء وذلك إذا تخلصت النفس من عجز الجسد والمادة، وقد استوحى أفلوطين السكندرى من تلك المقالة نظريته الجديدة فى المنهج الفكرى فطالما أن بإمكان النفس أن تتحد بالعقل الإلهى فيمكنها حينئذ أن تشرق فيها المعرفة الإلهية وتأخذ العلم من لدن الله.

من هنا بدأت مقولة العلم اللدنى فى الوسط المسيحى وأدت إلى تعزيز سيطرة رجال الكهنوت المسيحى الذين اتخذهم الناس أرباباً من دون الله فأصبح من حقهم وحدهم بالرياضات الروحية والأذكار والطقوس أن يصلوا إلى العلم الإلهى حيث لا مجال للاعتراض أو المناقشة أو الحوار مع علم يزعمون أنه من لدن الله تعالى.

ومن الطبيعى حينئذ أن تتوقف الحياة العلمية العقلية التى أظهرتها مناقشات المنهج العقلى الذى ساد قبلاً، فالعلم اللدنى ينظر أصحابه إلى العلم الآخر (العلم الظاهر) نظرى احتقار لأنه علم بشرى مكتسب، ويشترطون فيما يتصدى للحصول على العلم الإلهى اللدنى أن يكون قلبه فارغاً من العلم البشرى وصالحاً لتقلى العلم الإلهى وذلك بوسائل أبعد ما تكون عن تحصيل العلم (الظاهر) والسعى إليه، ثم إذا وصل صاحبنا بزعمه إلى العلم الإلهى فلا اجتهاد مع وجود نص، ولا مجال لمناقشته أو الاعتراض عليه بل يجب أن يؤمن الناس بما يقوله وأن يسمعوا ويطيعوا.

وهكذا كانت مقولة العلم اللدنى هى القاضية على الحياة العلمية، وحين بدأت الفتوحات العربية (الإسلامية) كانت المدارس اليونانية فى الشام والعراق وآسيا الصغرى تعانى من تسلط الكهنوت المسيحى صاحب العلم اللدنى وخرافاته ومزاعمه.

وبهذا انتهى المنهج اليونانى، إلى لا شىء. وكان لابد أن ينتهى إلى نفس النتيجة كل من يتأسى بالمنهج اليونانى، وذلك ما حدث مع الحضارة العربية (الإسلامية).

 

المنهج الفكرى للمسلمين:

لم يرتبطوا بمنهج القرآن الذى أوضحناه فى بداية المبحث وإنما التزموا منهج اليونان الذى عايشوه قبل الفتح الإسلامى بقرون.

أثر الموالى:

ويرجع ذلك إلى أن الموالى- أبناء البلاد المفتوحة- هم الذين سيطروا على الحياة العلمية حيث انشغل العرب بالسياسة والحكم والحرب والفتن، والعرب أساساً ليسوا أصحاب حضارة ومنهج فكرى، أما الموالى فهم أصحاب حضارة قديمة ولديهم الفراغ حيث لا انقطاع للسياسة أو الحكم، ولديهم أيضاً الدافع للتفوق والامتياز على العرب فى مجال العلم الذى يجيدونه ويتفوقون فيه، ثم لديهم دافع آخر هو توجيه الحضارة الإسلامية إلى ما ألفوه فى سابق حياتهم، ولدى بعضهم حقد على الإسلام وحرص على حربه، ووسيلته للانتقام هى تحريف عقيدة الإسلام بعقائد الشرك تحت ستار الأحاديث و السنن والتشيع والتصوف والحب والوجد، وليس مستغرباً أن يكون رواد الحديث والتشيع والتصوف من الأعاجم ، بل من أصحاب الحرف أحط طبقات المجتمع وقتها.

نظرتهم للقرآن:

والموالى قادة الحضارة الإسلامية سواء كانوا حسنى النية أو سيئى النية نظروا للقرآن الكريم نظرة قاصرة، اعتبروه معجزاً للعرب فى الفصاحة فقط، فحولوه إلى نص فصيح يستشهدون به فى أمور البلاغة والبيان والإعراب، ولا تزال تلك النظرة الخاطئة سارية حتى الآن، وكانت النتيجة أنهم حرموا أنفسهم والعالم والمسلمين من الاستفادة بالقرآن الكريم فى منهجه وحقائقه التشريعية والعلمية التى كانت فى متناول المسلمين منذ أكثر من عشرة قرون دون أن يستفيدوا منها، لأنهم استغرقوا فى إعراب آيات القرآن الكريم وتبين أوجه البلاغة فيها دون فهم حقيقى لمضمونها ومقصودها.

ثم كانت المصيبة الأخرى التى فرض بها الموالى آراءهم على القرآن الكريم وتسللوا بها لتحريف معانيه وتشريعاته وهى اختراع علم (التفسير) ومعلوم أن لفظ (التفسير) لا يناسب أن يرتبط بالقرآن الكريم، فالقرآن الكريم ليس بحاجة لتفسير، فالتفسير إنما يكون للكلام الغامض المستغلق على الفهم، أما القرآن فهو ﴿كتاب مبين﴾ يسره الله تعالى للذكر ﴿وَلَقَدْ يَسّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ﴾ (القمر 17) ﴿فَإِنّمَا يَسّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ﴾ (مريم 97) ﴿فَإِنّمَا يَسّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ﴾ (الدخان 58).

وحقيقى فإن من إعجاز القرآن هو سهولته واقترابه من مدارك الشخص العادى إذا تدبر وتعقل معناه مع كونه فى أعلى درجات الفصاحة المعجزة، ويكفى أنه أعجز العرب الجاهلين فى فصاحته ولا يزال بيننا ميسراً للذكر، هذا مع أننا لو قرأنا شعراً جاهلياً رقيقاً فى الغزل لعجزنا عن فهمه لجزالة لفظة وغرابة معناه، فاللغة كائن حى يتطور حسب ظروف كل مجتمع، ولكن القرآن الكريم فهمه العرب الجاهليون كما فهمه أبناء القرن العشرين. والقرآن الكريم لا يحتاج إلى تفسير لأنه يفسر بعضها بعضاً، فهو كتاب مثانى يجنح للتكرار المعجز، يقول تعالى ﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾ (الفرقان 33) فآيات القرآن هى أحسن تفسيراً لآيات القرآن، والباحث فى القرآن لا يفسره وإنما يتدبر الآيات فى الموضوع المبحوث بمنهج عقلى غير منحاز، وكذلك يجمع الآيات ويستعين ببعضها على البعض ليتوصل إلى حقائق جديدة وليس ذلك بالتفسير، وإنما هو التعقل والتدبر، وتدبر القرآن فريضة إسلامية.

وإذا جاز التسامح فى إطلاق لفظ التفسير على البحث فى كتاب الله تعالى فإنه لا يمكن التسامح مع استخدام ذلك التفسير لفرض آراء البشر على كلام الله تعالى، فهنا يتحول التفسير إلى تحريف، وذلك مع الأسف هو ما ارتبط بعلم التفسير حيث تسللت الإسرائيليات إليه وأفسدت عقائد المسلمين وأفكارهم، ولازلنا حتى اليوم لا نعترف بالآية القرآنية إلا إذا كانت أقوال المفسرين شفيعاً لها، وذلك منتهى الظلم لله تعالى ولكتابه الكريم، وإلى الموالى يرجع ذلك التردى الذى لا زلنا نعيشه فى نظرتنا للقرآن الكريم وتعاملنا معه.

والموالى قادة الحضارة الإسلامية طالما نظروا للقرآن الكريم هذه النظرة فلا يمكن أن يخضعوا له فى منهجهم العلمى ولابد أن تحدث الفجوة بين منهج القرآن والمنهج الذى سارت عليه الحضارة الإسلامية بفعل قادتها من الموالى.

ومن الموالى جاء أئمة الفقه و الحديث و التفسير وما يعرف بعلم الكلام أو العقائد والفلسفات ..

وقاد الموالى الحركة العلمية فى العصرين الأموى و العباسى ، أى عصر البداية وعصر الازدهار، ثم سار على أثرهم اللاحقون فى عصر التقليد والجمود .

وجاءت الوهابية فأعادت للمسلمين ـ فى العصر الحديث والمعاصر ـ أكثر المذاهب تخلفا وتشددا ، ونجحت فى نشره بقوة البترول ، وبأكذوبة أنه ( سنة نبوية )..

ويكفى ان بعض المسلمين فى عصر ثورة المعلومات والاتصالات لا يزالون يتبعون فى تحديد أول رمضان تلك الأكذوبة القائلة ( صوموا لرؤيته..)ويتطلع بعض الشيوخ العميان الى الفضاء لاستطلاع هلال رمضان ، أو يعتمدون شهادة إعرابى يزعم أنه رأى الهلال بين ساقى ناقته، ويريدون فرض (رؤيتهم ) على كل المسلمين ليصوموا تبعا لهم .

هذا مع أن القرآن العظيم أشار الى الحساب الفلكى وسبق به العلم الحديث..

والتفاصيل ستاتى في الحلقات القادمة عما يخص الاعجاز القرآنى فى ( الليل و النهار ).

والله جل وعلا هو المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

الحلقة الثانية:

جدلية الإعجاز العلمى في القرآن الكريم

 

أولا :

1 ـــ فى الستينيات – عصر الصحوة القومية العربية – بدأ الدكتور جمال الفندى يكتب من واقع تخصصه العلمى فى الفلك عن الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، وتبعه الدكتور عبدالرزاق نوفل الذى تشعب وأشار إلى الإعجاز العددى والحسابى فى القرآن الكريم ، وتبعهم أخرون .

كان جهدا فرديا يقوم به متخصصون فى العلوم الطبيعية ، ليس لهم خلفية فى التراث السنى أو الفقهى ، بل كانوا يدخلون على القرآن الكريم بعقليتهم العلمية المحايدة يحاولون فهم الآيات فى ضوء التشابه أو التطابق بينها وبين حقائق العلم الحديث ، وقد أفلحوا ليس فقط فى ريادة هذا الموضوع ، ولكن أيضا فى تأكيد حقيقة الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم .

2 ـــ سقطت الدعوة للقومية العربية فى حرب يونيو 1976 ، وقد تم دفنها بالكامل فى حرب الخليج الثانية باحتلال صدام للكويت ، واحتل مكان القومية الإنتماء السلفى الوهابى السنى الذى سيطر بفعل قطار النفط السريع على التعليم والأعلام والثقافة فظهرت " أسلمة العلوم " و " أسلمة البنوك " بعد أسلمة الأعلام وأسلمة الثياب بالجلباب والحجاب والنقاب .

وتأثرت قضية الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم بهذا المناخ الجديد ، فاتسعت وأصبحت حرفة دخلها الأدعياء والمرتزقة ، وتطورت من ناحية الكم لتشمل ما عرف بـــ " الطب النبوى " ، وأصبح يطلق عليها " الأعجاز العلمى فى القرآن والسنة " ،ولم يبق إلا أن يقال عنها " الأعجاز العلمى فى القرآن والسنة و السلفية والوهابية والسعودية " وتعمقت نوعيا لترتبط بالإسلام الذى إحتكر السلفيون لأنفسهم الحديث عنه .

3 ـــ أحدث هذا التطور النوعى والكمى خصومة كاملة مع المنهج العلمى والمنهج القرآنى ؛فالمحترفون الجدد من المؤلفين فى الأعجاز العلمى فى " القرآن والسنة " دخلوا على فهم القرآن الكريم من خلال المصطلحات التراثية ، فالملاحظ فيما كتبه " زغلول النجار" مثلا كثرة إستشهاده بالتراث فى فهم معانى الآيات القرآنية ، ثم يقرؤها فى ضوء الحقائق العلمية كى ينسب إعجازا علميا إلى تلك الأحاديث أو ما يعرف بالسنة النبوية.

الخطأ يتجلى هنا فى أن فهم القرآن الكريم من خلال التراث يوقع فى الأختلاف والإنتقاء ، ويصبح القرآن الكريم متهما بأنه " حمال أوجه" أى تختلف معانى الآية وتتحمل التفسيرات المتناقضة ، وبالتالى لا يكون كما قال تعالى " كتاب مبين " ، " كتاب أحكمت آياته " .

فالمنهج العلمى فى فهم القرآن الكريم لا يكون إلا بفهم مصطلحات القرآن الكريم نفسه وليس من خلال ثقافات لاحقة ومصطلحات تم تداولها بعد نزول القرآن الكريم بقرون.

ثم إن الدخول على القرآن الكريم وفهمه من خلال ما قاله أئمة التراث ينسف قضية الأعجاز العلمى فى القرآن من أساسها، فأولئك الأئمة التراثيون غفلوا عن الأعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، وتعاملوا مع الآيات القرآنية ذات المحتوى العلمى بإخضاعها لثقافتهم ومذاهبهم ، وأكثر من هذا صاغوا لها تأويلات وصنعوا لها أحاديث مفتراه نسبوها ظلما وزورا للنبى محمد عليه السلام بعد موته بقرنين وأكثر من الزمان،فكيف يتم بناء الإعجاز العلمى على ما قاله هؤلاء الأئمة ؟

إنهم لو كانوا قد فهموا الأيات العلمية فى القرآن الكريم – وهى واضحة ومباشرة – لاختلف تاريخ البشرية ، ولتوصل العرب والمسلمون فى العصر العباسى إلى ما اكتشفه الغرب بعدهم بعدة قرون.!..

كان من الممكن إختصار ألف عام من التخلف والقرون المظلمة مرّت بها البشرية لو أنهم :

*ـ ألتفتوا إلى منهج القرآن الكريم فى البحث العلمى التجريبى وطبقوه..

*ـ قصروا الايمان بالغيب على ما جاء فى القرآن الكريم فقط دون غيره.

*ـ استفادوا بما أورده القرآن الكريم من حقائق علمية تسبق عصرها.

*ـ أطاعوا القرآن الكريم فى التعقل و التبصر والابتعاد عن الخرافات والأساطير.

لم يفعلوا ذلك فأصابوا الاسلام فى الصميم ، وتحولوا الى أنصاف آلهة فى قلوب أتباعهم .. ولا يزالون ، بدليل تلك الاتهامات التى لا تزال تلاحق الاسلام بسبب ما فعلته به الوهابية و السلفية. وحتى عندما التفت بعض المسلمين المتخصصين فى العلوم الطبيعية الى الاعجاز العلمى للقرآن الكريم ما لبث أن تدخل فيها السلفيون بما يحملونه على ظهورهم من أسفار و تراث فأفسدوا القضية بأكملها، وهم ـ فى الواقع ـ ما دخلوا فى شىء إلا أفسدوه .. وكذلك يفعلون..!! ..

4 ـــ على أن هذه الخصومة مع العلم والعقل والقرآن لم تعطل مسيرة السنيين والوهابيين والسلفيين فى تدعيم قضية " الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة " بل تحولت بنفوذهم وبترولهم إلى تجارة رائجة تنشأ من أجلها الجمعيات وتنعقد بسببها المؤتمرات وتتسع لها الفضائيات والصحف والدوريات ومواقع الإنترنت . وكان من الطبيعى أن يمتد الإرتزاق إلى الدجل ، وأن يمتد الدجل ليس فقط فيما يكتبون وما يقولون ولكن أيضا فى الربط بين الإعجاز العلمى وبين الطب .

5 ـ فقد انتشر ما يعرف بالطب النبوى ، وذاع ـ مثلا ـ أساطير عن الحبة السوداء " ،وتم إفتتاح عشرات العيادات التى تداوى بالقرآن الكريم . وتوثقت العلاقة بينها وبين حلقات الزار والتداوى من المس الشيطانى والربط الجنسى وكتابات المحبة و التأليف بين القلوب.

وبهذا أعيد لنا فى العصر الحالى ما ساد من خرافات فى العصرين المملوكى والعثمانى مما كان يعرف بالطب الروحانى والتداوى بلمسة من الشيخ المقدس أو تراب ضريحه أوفضلات المجاذيب ومخلفات الأولياء الصالحين .

صحيح أن الغرب عرف " الطب البديل " و" التداوى بالأعشاب " والتحرز من إستعمال المركبات الكيماوية فى الطعام والدواء، ولكنه يمارس ذلك فى ظل منهجية علمية بحثية صاومة .

صحيح أن لكل شعب تجاربه الطبية وخصوصا أصحاب الحضارات القديمة التى لا تزال حية ومستعملة فى ثقافة أبنائها مثل الحضارة الصينية وهى التى قدمت تراثها الطبى وانتفع به العالم ، ومنه ما اصطلح على تسميته بـ " الأبر الصينية " ، ولكن الصحيح أيضا أن تلك الموروثات يتم التعامل معها بمنهجية علمية علمانية ، بمعنى أنهم لا ينسبونها للدين ولا يلصقونها بالأنبياء والوحى .

ولكن أساس التخلف ـ الذى نسعد به دائما ـ أننا نغطى ثقافتنا الإجتماعية والطبية بعباءة الدين ، فيصبح تراثنا القديم فى التداوى " طبا نبويا " ثم نتجرعه بالتسليم، ونموت به لندخل الجحيم.!!

قد يوجد الصحيح والفاسد فى أى تراث طبى،ولا عيب فى هذا، العيب هو أن ينسب ذلك للإسلام ولرسول الأسلام عليه السلام .

ثانيا :

1ـ النفوذ الكبير للفكر السلفى الوهابى قوبل بمعارضة علمانية مفتونة بمنجزات الغرب الحضارية، فحدث إستقطاب بين التيارين السلفى الرجعى التقليدى والعلمانى الحداثى ، وامتد هذا الأستقطاب من ميادين السياسة والحكم والأدب إلى قضية الأعجاز العلمى فى القرآن .

التطرف السلفى فى إسناد إعجاز علمى متوهم للسنة والأحاديث والطب النبوى قوبل بتطرف علمانى يستنكر أو يسخر من وجود إعجاز علمى حتى فى القرآن نفسه . أى أن الخطأ السلفى ووجه بخطأ أخر، وكلاهما يخاصم العلم وينكر حقائق ثابتة ملموسة .

2 ـــ ليس كل الذين يهاجمون الأعجاز العلمى فى القرآن الكريم ممن يكرهون القرآن الكريم وينطبق عليهم قوله تعالى "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ: محمد 9 " ، ولكنهم كلهم ليست لهم علاقة وثيقة بالقرآن ومصطلحاته ومناهجه تمكنهم من فهم إعجازاته العلمية،وهذا ما سنتعرض له فى الحلقات القادمة .

وهم مع إنتسابهم للعلم إلا أنهم سطحيون فى رؤيتهم العلمية للعلم نفسه،ولكنهم بما يعلمون مغرورون، وليس هذا إتهاما ولكنه توصيف مستمد من القرآن الكريم نفسه .

3 ـ يقول تعالى عن سطحيتهم هم وامثالهم من أكثرية البشر" وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ : الروم 7:6 " .أى يعلمون مجرد القشور والظواهر من الحياة الدنيا ، أما الأخرة فهم عنها غافلون .

أولئك السطحيون مبهورون بالتقدم العلمى متناسين أننا نستخدم ما نكتشفه دون أن نعلم حقيقته وماهيته شأن كل ما سخره الله تعالى لنا.

وللتدليل على ذلك لنبدأ مع الانسان الأول حين إكتشف النار واستخدمها ولا يزال يستخدمها حتى الأن ، ولكنه حتى الآن لا يفهم كنه النار وطبيعتها وماهيتها، ولا يعرف مستقرها أو مستودعها، ومن أين أتت والى أين تعود ، ثم استخدم الماء فى النقل البحرى وحتى الأن لا يفهم ماهية الماء.

وخلال مسيرة البشرية فى تقدمها العلمى أكتشفت الكهرباء والجاذبية والمغناطيس ، واستخدم الانسان كل هذا القوى الطبيعية ولكنه لم يصل إلى حقيقة وكنه وماهية الكهرباء والمغناطيس والجاذبية، بل حتى لا يستطيع رؤية أحداها . أى أنهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ...

4 ـ أكثر من ذلك .

أقرب شىء إلى الأنسان نفسه التى تسيطر على جسده وتسيره ... أين هى فى الجسد ؟ وما هى ؟ ومن أين أتت وإلى أين تمضى عند النوم ، وكيف تعود؟

بل الحياة ذاتها ـ فينا وحولنا ـ تستعصى على التحليل؛ فلا يستطيع أحد تحليل الخلية الحية إلا بعد موتها ، أما ( الحياة )ذلك الجزء الغامض فيها الذى به تتحرك وتتكاثر وتتغذى لا يمكن رؤيته . ينطبق ذلك على أدنى درجات الحياة ، وهى تفاعل المركبات الكيماوية فى الجمادات إلى الحياة المتوسطة فى الفيروسات التى تكون بلورات ثم تتحول بالماء إلى حياة ، إلى البكتيريا والجراثيم والفطريات إلى الحشرات وبقية المخلوقات ؛كل هذه الحيوات التى تحيط بنا وتتخللنا لا نعرفها ، وإن كنا نتعامل معها ونستخدمها ونحاربها وتحاربنا ...

الله سبحانه وتعالى هو الأعلم بها "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ : الملك 14 " .

فإذا ذكر الخالق جل وعلا بعض الحقائق عما خلق فإن أكثر الذين لا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا يسارعون بالإستهزاء والسخرية ...

والناس دائما أعداء ما جهلوا ..

5 ـ وهنا ندخل على سمة أخرى من سماتهم وهى الغرور المقترن بالإستهزاء.

الأمم السابقة كان لهم أيضا علم وحضارات ـ ولا تزل لها آثار باقية ، وقد أصيبت بغرور العلم وقال تعالى عنهم "فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون :غافر 83". هو نفس ما نشهده الأن من كتابات بعض السطحيين الذين ينظرون للقرآن الكريم بنصف عين ، وبعضهم يصل به الغرور إلى درجة الإستهزاء المشار إليه فى الأية الكريمة السابقة ، فيتساءل ساخرا عن كلام الهدهد لسليمان وكلام سليمان مع النمل وعن يأجوج ومأجوج وعرش ملكة سبأ..وكل هذا سنتعرض له فى حلقات قادمة بعونه جل وعلا..

ولكن هذا يدخل بنا على قضية مفصلية فى الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، وهى التدرج العلمى فى المستوى العلمى للبشر خلال مسيرتهم التاريخية على هذا الكوكب .

وهو موضوعنا القادم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الحلقة الثالثة:

منكرو الأعجاز العلمى للقرآن وقضية التدرج العلمي

 

 

 أولا

المجال الظاهرى للعلم

1 ـــ قلنا فى الحلقة السابقة أن منكرى الأعجاز العلمى فى القرآن الكريم ينطبق عليهم قوله تعالى "يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ : الروم 7" ، وقوله تعالى "فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُون : غافر 83 " .أى أنهم بما لديهم من علم سطحى أصابهم الغرور فنظروا بإستخفاف وإستهزاء إلى قضية الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم.

2 ـ واقترب من موقفهم هذا بعض المؤمنين الذين أزعجهم الاحتراف السلفى فى قضية الاعجاز العلمى فى القرآن ( والسنة )،وبعضهم يقلق أن ينجلى الأمر عن إكتشاف أخطاء فى القرآن الكريم حين عرضة على حقائق العلم ، ونسوا أنه إذا حدث خطأ فهو من الباحث نفسه وليس من القرآن الكريم، ولقد تحمل القرآن الكريم أوزار أئمة ما يعرف بالتفسير وخرافاتهم وأكاذيبهم ، والأنصاف يقتضى تبرئة القرآن من أخطاء " المفسرين " وتبرئته أيضا من أخطاء من يتعرض للتدبر فى القرآن الكريم وتحليل قضايانا العلمية والشرعية والخلافية فى رؤية قرآنية. وكل منا يخطىء ، وما أكتبه بالطبع يحتمل الخطأ قبل الصواب ، وإن أخطأت فهى مسئوليتى ولا شأن للقرآن العظيم بخطئى وخطاياى.

 

3 ـــ وقلنا فيما سبق أن الأنسان يستخدم الماء والكهرباء والقوى المغناطيسية والجاذبية دون أن يفهم ماهيتها ، ونضيف إى ذلك الإنترنت وما سيأتى من مخترعات فى وسائل الإتصالات والمواصلات ، وقلنا أن الأنسان حتى لا يدرى ماهية النفس- أى ذاته وأقرب الأشياء إليه ولا يدرى حقيقة الحياة من أبسط درجاتها " التفاعل الكيماوى فى الجمادات " إلى أعقدها فى الثدييات والأنسان .

ونضيف هنا أن الله تعالى قد حدد للأنسان المجال الخاص به للسمع والرؤية فلا يستطيع أن يرى أقرب الأشياء إليه ، كما لا يستطيع أن يرى كل ما يحيط من أشعة منظورة وغير منظورة وموجات معروفة وغير معروفة والله تعالى يقول "فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ :الحاقة 39:38 " أى ما تستطيعون رؤيته فى المجال البصرى المتاح لكم ، وما لا تستطيعون رؤيته فى المجال البصرى المتاح وخارج نطاقة. أى يقسم الله تعالى بكل المخلوقات و يقسمها الى نوعين بالنسبة للرؤية البشرية ، ما يمكن رؤيته وما لا يمكن رؤيته حتى لو كان فى مجال القدرة البصرية.

ويحاول الانسان بعقله وبمنهجية علمية تجريبية ـ سبق أن دعا اليها القرآن الكريم ـ أن يستفيد مما سخره الله تعالى له بالاختراع كى يعوض النقص فى حواسه ،ولي"> ومنها مثلا المعجزة التى حدثت أمام سليمان عليه السلام ، حين قام الذى عنده علم من الكتاب بنقل عرش ملكة سبأ من اليمن الى فلسطين فى أقل من طرفة عين ، أى بأسرع من الضوء ؟

ثانيا

التدرج العلمى فى تاريخ البشرية

1 ـ ومنهج القرآن الكريم فى إيراد الحقائق العلمية سنتعرض له بالتفصيل فى حلقة قادمة ولكن نضطر للتوقف مع أحدى خصائصها وهى قضية التدرج العلمى فى السياق القرآنى نظرا لأنه أساس فى الأعجاز العلمى فى القرآن الكريم.

التدرج العلمى فى التاريخ البشرى ليس خطا مستمرا يجمع البشرية فى صف واحد يتقدم باضطراد فى مضمار العلم والحضارة ، ولكن هذا التدرج عانى فى التاريخ القديم من انعزال المجموعات البشرية وتقطع الاتصال بينها ، فتقدمت حضارات وسادت ثم بادت بينما ظلت مجموعات اخرة رهينة التخلف ، ثم تقدمت أو تمسكت بتخلفها، الى ان دخل العالم كله فى الاتصال والتعرف على بعضه البعض فأخذ التدرج الحضارى ـ حاليا ـ ينحو بالبشرية الى الامام ، بعد ما كان يعتريه فى الماضى البعيد من انحسار و انكسار .

2 ـ هناك حضارات سابقة بائدة تحدث عنها القرآن الكريم منها الحضارة الفرعونية التى لا تزال آثارها تتحدى الزمن. ، وأدى إهلاك هذه الحضارات الى عدم استفادة اللاحقين بمنجزاتهم العلمية والتكنولوجية . بعض تلك الحضارات نشأ وتطور فى شبه الجزيرة العربية مثل قوم عاد وقوم ثمود ، ولا تزال آثارهم تحت رمال الصحراء ، يستطيع التقدم العلمى المعاصر ان يكشف عنها ، يقول تعالى عن جبروت قوم عاد (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) (فصلت 15 ) ولقد كان النبى هود عليه السلام يقول لقومه عاد (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ) ( الشعراء 128 ـ ) وهذه الايات وما بعدها تشير الى تقدم هائل فى العمران و الزراعة و الصناعة والقوة الحربية ، ويقاربه ما قاله النبى صالح عليه السلام لقومه ثمود (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ) ( الشعراء 146) ويقول تعالى عن قوم عاد وثمود غيرهم من الأمم البائدة(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ) ( الفجر 6 ـ )

وبعد قرون طويلة من اهلاكهم ظلت آثارهم ظاهرة مرئية ـ حتى عصر نزول القرآن فى القرن السابع الميلادى ـ تدل على ما كانوا عليه من تقدم ، ولذلك كان الله تعالى يدعو قريشا الى السير فى الأرض لرؤية تلك الآثار للاتعاظ بما حاق باهلها الذين كانوا أكثر قوة و حضارة من قريش برغم أنهم عاشوا قبل قريش بقرون كثيرة ، يقول تعالى (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ) (غافر 21) (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(الروم 9)

وفى ضوء الانعزال البشرى وانقطاع التواصل بين الأمم فى التاريخ البشرى القديم فلم يوجد اتصال حضارى مستمر ومستقر يسمح للبشرية بانتاج حضارة عالمية تأخذ فى التطور كما يحدث الان ، بل لم يعرف البشر أبعاد الكرة الأرضية ووجود العالم الجديد فى استراليا و الامريكيتين إلا بحركة الكشوف الجغرافية و ما نتج عنها من استعمار و اكتشاف البخار والدخول فى عصر المخترعات التى اسهمت فى تدعيم وسائل الاتصال بين البشر، الى أن وصلنا الى القرية الكونية الواحدة.

3 ـ إن نزول القرآن ـ كمعجزة أو آية للبشر جميعا ـ هو الذى أعلن بداية تلك المرحلة العالمية كآخر مرحلة فى الوجود البشرى على هذا الكوكب قبل قيام الساعة ، ليس فقط فى انه رسالة الله جل وعلا الأخيرة للعالم كله يخاطب فيها الانسان من عصر محمد عليه السلام الى قيام الساعة ، ولكن أيضا لأن القرآن الكريم يحوى إعجازا علميا يلاحق كل عصر الى قيام الساعة.

وبالتالى يظل فى القرآن بعض الإعجاز العلمي الذى لم يصل اليه عصرنا لأنه موجه للمستقبل ،فلا يصح أن يتندر الغافلون السطحيون عن إشارات علمية لم يأت أوان الكشف عنها بعد لأن تدرج البشر المعرفى و الحضارى فى عصرنا لم يصل الى تلك المرحلة.

4 ـ ولأن القرآن الكريم هو كلمة الله جل وعلا النهائية للبشر الى قيام الساعة فقد أورد قصص السابقين ـ وهو غيب ماض لم نكن لنعلمه لولا أنه جاء فى القرآن الكريم ـ وقص أيضا بعض أحوال المستقبل ، ومنه ما سيحدث من علامات للساعة و قبيل قيامها و مظاهر حدوثها عندما ينفجر العالم و يتم تدميره لتأتى سموات أخرى وأرض أخرى.

ومن حديث القرآن الكريم عن ملمح من ملامح البشرية قبيل قيام الساعة نعرف الآن أن تقدم البشرية سيتطور علميا الى درجة يظنون فيها أنهم متحكمون فى الأرض ممسكون بزمامها ، او بتعبير رب العزة ( قادرون عليها ) ، يقول تعالى عن إحدى علامات الساعة (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( يونس 24).

ولم نصل لهذه المرحلة بعد فلازلنا نغرق فى تسونامى ولا زلنا نصرخ من ثقب الأوزون ولا زلنا عاجزين عن عقد الصلح بين التقدم العلمى و سلامةالبيئة وتوازنها .

إن مرحلة " ان نظن أننا" ( قادرون عليها ) تستلزم الشعور بالثقة فى السيطرة على جموح الطبيعة من الزلازل و البراكين والأعاصير والأوبئة والمجاعات والاستبداد و الفساد، ولن يتحقق هذا إلا قبيل قيام الساعة ، حين ( يظن ) الانسان أنه قادر على التنبؤ بالزلازل فيفاجأ بالزلزال الأكبر الذى يدمر الأرض و العالم (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) ( الزلزلة 1: 4 ).

وحتى الوصول الى هذه المرحلة يستلزم وفقا للآية الكريمة أن يكون وصولا بالبشر جميعا ـ وعلى قدم المساواة ـ الى هذه الدرجة من التقدم العلمى ـ اى بدون فوارق حضارية ومعرفية بين سكان غابات أفريقيا والقاطنين فى غابات كندا ، أو بتعبير القرآن الكريم (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ)، أى أهل الأرض جميعا. أى عندها سيتقدم العرب الى مستوى الشعوب الغربية..

أى أنه حين يتقدم العربان ستقوم الساعة..!! يا للهول..!!

5 ـ إذن كان هناك انقطاع فى التطور المعرفى و الحضارى للبشر فى العصور البائدة ، ثم دخلت البشرية فى مجتمع بشرى واحد يتبنى حركة علمية حضارية واحدة أخذت فى التقدم تدريجيا ، وهى فى حركتها الموحدة فى التقدم تكتشف وتخترع المزيد الى ان تأتى الساعة والأرض قد أخذت زخرفها وازينت وظنت البشرية أنها قادرة على التحكم فى الأرض بما فيها من رياح و محيطات و جليد وصحارى و غلاف جوى ..

وطالما لم يصل عصرنا ـ بعد ـ الى تلك المرحلة فستظل هناك إعجازات فى ضمير الغيب ـ و سيظل ما جاء عنها من حقائق أو إشارات علمية فى القرآن موجها الى أحفادنا فى المستقبل ، ومن الخطأ أن ننظر الى تلك الآيات القرآنية باستهزاء لمجرد اننا لا نعرف ولا نعلم.

6 ـ إن الله جل وعلا يقول عن ذاته (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ) ( البقرة 255) أى إنه جل وعلا يعلم كل ما يحيط بنا ، وكل ما سبقنا وكل ما سيأتى بعدنا فى نفس الوقت الذى لا نعلم شيئا من علمه إلا بالقدر الذى يريده رب العزة ، وطبقا لمشيئته. وعليه فإن الله تعالى يعلم تدرج البشر فى المعرفة ـ وما يتعرض له هذا التدرج من توقف أو نكسات وتأخر و تخلف ـ وفى نفس الوقت فإنه جل وعلا قد حدد المتاح و المقدر للبشر علمه خلال هذا التدرج . وجاء القرآن الكريم باشارات علمية تؤكد هذا التدرج فى ماضى البشر وفى مستقبلهم لأن الذى أنزل الكتاب يعلم الماضى و الحاضر و المستقبل ، وهو الشاهد على من سبق ومن سيأتى ، وهو جل وعلا على كل شىء شهيد.

فإذا أنزل الله جل وعلا إشارات علمية أو حقائق علمية فى كتابه فهى مكرمة الاهية لنا تحفزنا الى العمل ، أولا من أجل تدبرها ، وثانيا لكى نستفيد منها علميا وتكنولوجيا ، فنصبح لائقين لأن نحيط بشىء من علم الله تعالى الذى أنزل بعضه فى القرآن وصاغ على أساسه هذا الكون.

ثالثا

الغيب والتدرج العلمى للبشر

1 ـ نعود إلى قوله تعالى فى تقسيم المخلوقات إلى قسمين : ما نبصره وما لا نبصره "فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ : الحاقة 38- " وهو أقرب للتقسيم القرآنى القائل بعالم الغيب وعالم الشهادة، والله تعالى وحده هو عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ( الرعد :9) .أما بالنسة لنا فالقضية أكثر تعقيدا، فهناك ما لا نبصره ويكون غيبا لكننا نستخدمه لأنه مسخر لنا مثل الكهرباء والمغناطيسية والموجات المختلفة.

2 ـ وهذا يدخل بنا على تحديد ماهية الغيب، وطبقا للقرآن الكريم فهناك نوعان من الغيب :الغيب الجزئى والغيب الكلى .

الغيب الكلى نوعان:

*نوع يستحيل رؤيته مطلقا وهو ما يتعلق بالله عز وجل الذى يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار " لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ : الأنعام 103" *ونوع تستحيل رؤيته فى هذا العالم الدنيوى فقط مثل الجن والملائكة والشياطين " إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ: الأعراف 27 " لا نستطيع رؤيتهم فى الدنيا ولكن نرى الملائكة عند الموت وفى اليوم الأخر "إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ : ق 18:17 ، وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ : 22:21" ، "(أيضا : الزخرف 38:36 و الأنعام 128) .

الغيب الأخر الجزئى هو المتاح رؤيته فى هذا العالم . فأنت مثلا فى القاهرة وأخوك فى روسيا . ما يفعله أخوك غيب بالنسبة لك ، وما تفعله فى القاهرة غيب بالنسبة له . هذا الغيب الجزئى يتقلص مع التقدم العلمى البشرى فى وسائل الإتصالات والمواصلات . فى القرون الوسطى كان ما يحدث فى مكة يعرف فى طنجة فى خلال عدة أشهر يظل خلالها معرفة ذلك الحدث فى إطار الغيب الجزئى المتاح . الآن تلاشى الزمن وأصبح الخبر ينقل بالصوت والصورة فى نفس الدقيقة . ونتحدث هنا عن نقل الخبر عن الحدث وليس الحدث نفسه . لأن نقل الحدث ذاته ماديا وعضويا يستلزم تحييد الجاذبية الأرضية وتلك مرحلة متاحة ولكن لم نصل إليها بعد ، وإن كان القرآن الكريم قد أشار إليها فى قصة عرش سبأ وسليمان .

هذا الغيب الجزئى هومسرح التدرج العلمى للبشر،ولقد تقلص هذاالغيب الجزئى بالإكتشافات العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية من إستعمال الدواب إلى السفن الشراعية إلى قوة البخار إلى الكهرباء والموجات فوق الصوتيه وإستخدام الطاقة الشمسية .

(عالم الغيب والشهادة) جل وعلا هو وحده الذى يعلم الماضى والحاضر والمستقبل ، ويعلم مقدما مسيرة الحضارة البشرية . ومدى ما يحققه كل جيل من تقدم أو تأخر . وقد أخبر أن نهاية هذا العالم ستأتى يوم تصل الحضارة البشريه إلى نهاية زخرفها وتقدمها ، ( يونس 24).

ونحن الأن نسير لهذا المصير حيث بدأ الاحساس بالقرية الكونية الواحدة والمجتمع العالمى والحلم فى حكومة عالمية موحدة وتدعم الاهتمام الجماعى بكوكب الأرض ، وعقد مؤتمرات قمة لبحث سلامة الكرة الأرضية. وبدأت الأرض تتزين وتتزخرف، وزحف التقدم على جزء كبير من المعمورة ، وأصبح الأنسان يحلم بالوصول الى مرحلة يظن فيها أنه قادر ومتحكم فى هذا الكوكب..

لم نصل لنهاية المطاف ، ومعناه أن هناك من عناصر التقدم والقوة والمكتشفات العلمية ما لم نصل إليه، وان كنا نحاول ذلك بدليل البحث عن موارد طاقة متجددة من الشمس والماء تكون اكثر سهولة وأكثر صداقة للبيئة .. وأحلام أخرى كثيرة ستمكننا من الوصول الى مرحلة (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ)، والذى أخبر عن نهاية المطاف فى الأية الكريمة السابقة هو جل وعلا الذى أشار فى القرآن إلى حقائق علمية لم نكتشفها ولا تزال مدخرة لتكون إعجازا للأجيال التالية ، بالضبط كما اصبحت آيات القرآن الكريم عن خلق العالم وغيرها إعجازا لعصرنا بعد أن عرفناها.

رابعا

التدرج العلمى و معجزات الأنبياء

 

1 ـ بعض الأعجاز العلمى أورده القرآن الكريم فى سياق قصص الأنبياء فى الإعجاز الخاص بهم . ومصطلح الإعجاز بمفهومه المستعمل الأن ليس من مصطلحات القرآن فالمصطلح القرآنى هو كلمة " آية " .

والآيات التى وردت فى قصص الأنبياء تنقسم إلى نوعين :نوع للتحدى مثل القرآن الكريم والآيات المعطاة لموسى ، ونوع للإكرام أو الإنقاذ مثل إنقاذ إبراهيم من النار ، والإسراء بمحمد من المسجد الحرام للمسجد الأقصى ، ومثل الآيات التى أعطاها الله تعالى لداود وسليمان – عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام .

2 ـ بعض هذا الإعجاز أو الأيات الواردة فى قصص الأنبياء يدخل ضمن الغيب الممكن ، أو الحدث الممكن ، أو الشىء الممكن عمله لولا أنه جاء سابقا لزمانه ووقته .

وعلى سبيل المثال لو افترضنا أنك سافرت خلال الزمن إلى الماضى ورجعت إلى عصر النبى إبراهيم عليه السلام ومعك جهاز كومبيوتر أوالتلفاز أو نزلت إليهم من طائرة أو حتى دراجه ... لأصبحت ذلك آية لك ، مع أن تلك الآيات هى منجزات بشرية إلا أنها سبقت عصرها .

نفس الحال مع – بعض – الآيات والمعجزات التى جاءت فى قصص بعض الأنبياء .

فالأسراء أو السفر ليلا أو خلال ليلة واحدة كان آية فى عصر النبى محمد عليه السلام ، لكنه ليس آية فى عصرنا . حيث أن بمقدورنا أن نسير نفس المسافة ونعود فى نفس الليلة .

فى عصرنا الحالى ليس مستبعدا أن يوضع أنسان فى نار تتأجج دون أن تمسه النار ، وأن يخرج منها سليما معافى كما خرج إبراهيم علي السلام "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ : الأنبياء 69".

فى عصرنا الحالى أصبح من الممكن جدا شفاء الأبرص الذى كان شفاؤه معجزة لعيسى عليه السلام "وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ : آل عمران 49 " .

شفاء الأكمه – أى المولود أعمى- قد لا يكون مستحيلا فى عصرنا ، ولكن أن يخبرهم عيسى بما يأكلونه وما يدخرونه فى بيوتهم فهذا يدخل ضمن الغيب الجزئى وهو ممكن فى عصرنا بإستخدام أجهزة التصنت . واسألوا أجهزة أمن الدولة فى كل دول العالم .

3 ـ المستحيل فى عصرنا وفى كل عصر هو خلق الطير من الطين وإحياء الموتى، فتلك المعجزة أو الآية أعطاها الله تعالى للمسيح عليه السلام لا يمكن لأى تقدم علمى أن يأتى بها أو حتى الإقتراب منها ، مثلها فى ذلك مثل آية موسى فى تحويل الحبال والعصى إلى ثعابين حقيقية وليست سحرية .

4 ـ لنترك جانبا ما يستحيل على البشر تحقيقة فى إنجازاتهم العلمية ومسيرتهم على هذا الكوكب ونتوقف مع ما يمكنهم تحقيقه منها ..

وطبقا للنسق القرآنى فيما يخص معجزات أو آيات الأنبياء نجد تلك الممكنات نوعين: منها ما أنجزه البشر فعلا فى تقدمهم العلمى مثل الأسراء وشفاء الأبرص وتحييد النار، ومنها ما لم ينجزه البشر بعد وهو متروك لهم لتحقيقه فى المستقبل.

ومن النوع الأخير بعض آيات ومعجزات داوود وسليمان .

وننتظركم فى الحلقة القادمة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الحلقة الرابعة:

الإعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام

 

الإعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام

 

طبيعة الرسالة

 

أقام النبى داود دولة بنى إسرائيل وحكمها بعده أبنه سليمان ، وكلاهما من أنبياء الله تعالى ، وقد كان إبتلاؤهما بالنعمة وليس بالشدائد . وقد تركزت عقيدة " لا إله إلا الله " فى بنى إسرائيل فى هذا العهد بتوالى الرسل والكتب السماوية من هارون وموسى عليهما السلام إلى إقامة دولة بنى إسرائيل ، ولذلك فإن الكتاب السماوى الذى نزل على داود عليه السلام لم يركز على الدعوة إلى " لا إلى إلا الله " بقدر تركيزه على النواحى العلمية التى تجلت فى الأعجازات التى أعطاها الله تعالى لداود وورثها أبنه سليمان عليهما السلام ضمن الكتاب السماوى " الزبور" الذى ورثه سليمان عن أبيه.

 

الزبور

يقول تعالى "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا : النساء 163" ، أى هنا تميز فى مجال الوحى والكتاب المنزل ، يتجلى فى أن الله تعالى ذكر داود وحده فى نهاية الآية، حيث ذكر أنه أوتى الزبور . وتكرر نفس المعنى فى قوله تعالى " وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا : الإسراء 55" . أى أن الله تعالى قد ميز وفضًل داود عليه السلام بإعطائه الزبور.

 

مصطلح الزبور فى القرآن الكريم

 

وكلمة الزبور فى اللغة العربية يعنى الكتاب ، وفى الجمع يقال " الزبر " أى الكتب .

وفى مصطلحات القرآن يطلق الزبور على :

1 ـــ وصف للكتب السماوية على العموم "فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ : آل عمران 184 " ، " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ : النحل44:43 " . أى أرسلناهم بالكتب البينات والزبر اى الكتب .

ويقول تعالى عن القرآن الكريم : "وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ : الشعراء 196 " "أى أن ما جاء فى القرآن الكريم جاء سابقا فى الكتب السماوية السابقة ، كما قال تعالى " مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ": فصلت 43"

2 ـ الكتب المزيفة فى الدين والتى تقوم على أساسها الأديان الأرضية ، وبها يختلف أتباع الدين الإلهى الواحد إلى فرق وأحزاب، ولكل حزب كتاب مقدس أو عدة كتب مقدسة ، يقول الله تعالى عن الرسل السابقين والأمم السابقة فى وحدة الكتاب ووحدة الدين " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ : المؤمنون 52:51" هنا كلام عام عن الأصل النقى لكل الرسالات السماوية ، ولكن يحدث دائما أن يختلف الأتباع وينحرفون عن المنهاج القويم ويفترقون إلى جماعات وأحزاب . لكل منهم كتاب مقدس ، لذا يقول تعالى فى الآية التالية:" فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ : المؤمنون 53 ". وهنا تكرار موجز لتاريخ كل الرسالات السماية فى مرحلة الدين الحق ، ومرحلة التفرق و تكوين الأديان الأرضية لكل دين أرضى كتابه المقدس أو كتبه المقدسة أو الزبزر أو الزبر الخاصة به . وقد تكرر نفس المعنى فى قوله تعالى " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ : الأنبياء 93:92".

وهذا بالضبط ما حدث للمسلمين حين أقاموا لهم أديانا أرضية ولكل منها كتاب مقدس . ليس أولها " البخارى " وليس آخرها " كشف الشبهات ".

3 ـــ ويأتى بمعنى كتاب الأعمال التى تسجلها الملائكة تسجيلا جماعيا لكل قوم وتسجيلا فرديا لكل شخص " وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ : القمر 52".

4 ـــ ووردت أشارة إلى الزبور فى قصة يأجوج ومأجوج وذى القرنين الذى حصرهم داخل جوف الأرض مستعملا ما أعطاه الله جل وعلا من إمكانات علمية وتقنية متقدمة لم نصل اليها فى عصرنا، كان منها " زبر الحديد " أى كتاب الحديد ، يقول تعالى " آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا : الكهف 96". وسنتوقف مع موضوع يأجوج ومأجوج ضمن الإعجاز العلمى المدخر للمستقبل فى القرآن الكريم .

5 ـ وأيضا يطلق الزبور على الكتاب العلمى الذى أعطى لداود وسليمان ، وهو كتاب لم يخل من آيات التوحيد والإخبار عن المستقبل ، وقد أورد القرآن الكريم بعض آياته فقال تعالى " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ : الأنبياء 106:105 "

الزبور ومعجزات داود وسليمان :

 

تحدث رب العزة عن آيات ومعجزات داود وسليمان فى أربعة مواضع :-

1 ـ يقول تعالى " فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ : الأنبياء 82:79 "

2 ـ ويقول تعالى " وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ـ " : النمل 15 ـ"

3 ـ ويقول أيضا جل وعلا " وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ :سبأ 13:10 "

4 ـ وأخيرا يقول تعالى " اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ : ص 20:17"

أى أن داود قد أعطاه الله تعالى معجزات إدراك تسبيح الطير والجبال وصناعة الحديد . أما أبنه سليمان فقد أعطاه الله تعالى تسخير الريح وتسخير الشياطين والجن ومعرفة منطق الطير أو لغة الطيور وإسالة أو إذابة عين القطر (النحاس ).

وواضح أن هناك من تلك المعجزات ما يقع خارج إمكانات البشر مثل تسخير الشياطين والجن ومعرفة تسبيح الطير والجبال،وإن منها ما يقع فى إمكانات البشر مثل صناعة الحديد وإذابة النحاس ، والزبور أو ذلك الكتاب العلمى الإلهى هو الذى مكن داود من ذلك التسخير وتلك المعرفة .

وعندما ورث أبنه سليمان ذلك الكتاب توسع فى الأستفادة به ، بل كان هناك من المحيطين به من يستطيع إستعمال نفس الكتاب " الزبور" وقد استطاع به أن يحضر عرش ملكة سبأ فى أقل من لمح البصر ، أى كانت له قدرة الإفلات من قبضة الجاذبية الأرضية وإستحضار الأشياء بأسرع من سرعة الضوء. وتلك مرحلة يتمنى البشرالوصول إليها فى المستقبل القريب.

نقل عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين :

يقول الله تعال فى قصة سليمان وملكة سبأ " قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ : النمل 40:38".

أى أن الذى عنده علم من الكتاب " أى المتخصص فى الزبور"أستطاع أن ينقل عرش الملكة قبل أن يرتد طرف سليمان إليه ، أى بأسرع من الضوء، وتلك كانت ولا تزال معجزة حتى عصرنا ، وإن كانت تقع فى إطار الممكن علميا وتكنولوجيا حين يصل البشر إلى معرفة كيفية تحييد الجاذبية الأرضية .

لست متخصصا فى العلوم الطبيعية ، وعملى هنا هو فى تحليل النصوص القرآنية التى تحوى إعجازا علميا تاركا المجال للمتخصصين فى العلوم الطبيعية ليبحثوا محتواها العلمى ،وقد أذكر بعض المعلومات العلمية ، وهى تحتاج من المتخصصين للتصحيح و الشرح ، فهم الذين يستطيعون ـ فيما يخص موضوعنا الآن ـ توضيح تحكم الجاذبية وقوة الطرد المركزية فى دوران الأرض فى مدارها الثابت حول الشمس وحول نفسها، وفى إمكانية إنتقال الإنسان والدواب فوق سطح الأرض وفق سرعات تتفاوت ولكن لا يمكن أن تصل الى سرعة الضوء ، لأنها الحد الأقصى للسرعات المكتشفة حتى الان ـ ولا يمكن أن تصل اليها المادة إلا إذا تحولت الى طاقة ضوء.

هذا مبلغ علمى ، وبقدر ما أعلم فانه إذا تم تحييد الجاذبية الأرضية ، أوالخروج عن سيطرتها أمكن للمواد والأنسان أن ينتقل من مكان لأخر بأسرع من سرعة الضوء.

وهذا ما حققه "الذى عنده علم من الكتاب ".

الزبور و السلطان

المعنى المفهوم أن هذا الكتاب " الزبور " هو ( السلطان) الذى به يمكن الإفلات من قبضة الزمن والجاذبية ، أى بهذا السلطان يستطيع الانسان ـ والجن ـ الخروج من أقطار السماوات والأرض مصداقا لقوله تعالى "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ : الرحمن 33" . وبدون هذا السلطان يتعرض البشر للإحتراق والمحو فى طبقات الفضاء ، يقول تعالى ِ :" يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ "."الرحمن 35".

لو كان هذا مستحيلا على البشر لما جاء رب العزة بالإستثناء ( إلا بسلطان ) أى أنه فى نطاق الممكن وفى إطار مشيئة الرحمن يمكن للبشر الوصول الى الاحاطة ببعض علم الله تعالى فى هذا الكون ، يقول تعالى " يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ": البقرة 255 ".

وربما يستطيع البشر تحقيق ذلك قبيل قيام الساعة حين تأخذ الأرض زخرفها وتتزين ويظن أهلها أنهم قادرون عليها " حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ : يونس 24 " .

وفى كل الأحوال فهو إعجاز علمى مدخر للمستقبل ، وهو إعجاز علمى يشجع البشر على الطموح إلى تحقيق هذا الممكن المشار إليه فى القرآن الكريم ...

 

وقدر فى السرد

 

إذا كان نقل عرش بلقيس بأسرع من الصوت يفوق أمكانياتنا الحالية ، فهو بالتالى كان آية فى عصر سليمان منذ أكثر من 25 قرنا من الزمان .

المعجزة الكبرى فى كتاب الزبور أنه لم يخبر فقط عن معلومات أو حقائق علمية سابقة لعصرها كما يحدث فى القرآن الكريم ، وإنما كان يتبعها تطبيق تلك الحقائق على أرض الواقع ؛ فالمكتوب فى " الزبور " عن تسخير الجاذبية والأفلات منها تم تطبيقه فى نقل عرش ملكة سبأ ،والمذكورعن الحديد وعن النحاس تم تطبيقة عمليا فى الصناعة، وهكذا فى تسخير الجن والشياطين والكلام مع الطيور والنمل .

ويقول تعالى عن أحدى التطبيقات التى تدخل فى إطار الممكن لنا "وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ : سبأ 12" ، والحديث هنا عن معجزة سليمان فى إذابة أو إسالة ليس النحاس ولكن " عين النحاس " أى التحكم فى خصائصة الذرية بالإذابة .

ويقول تعالى عن إستعمال داود عليه السلام لعنصر الحديد " وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ : سبأ 10 " ليس إذابة الحديد وتسييله ، ولكن إلانته وتطويعه بطريقة باردة يمكن بها تحويل الحديد إلى ثياب لدنة لينة مريحة يرتديها البشر ، يقول تعالى :" وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ":سبأ 10 :11"أى أن إعمل من الحديد دروعا حديدية تغطى الجسد كله يرتديها الإنسان فلا تعوق حركته ولا تبطئها، أى هو حديد لين كالقماش الخفيف .

وهذا كله فى إطار الممكن لنا وسنصل إليه فى المستقبل المحدد لنا سلفا ليكون تطبيقا لإشارة علمية جاءت فى القرآن الكريم .

وهذا التطبيق التكنولوجى للحقائق العلمية التى جاء بها الزبور كان سابقا لعصره وعصرنا.

وحتى نفهم طبيعة التدرج العلمى فى التاريخ فلنتدبر قوله تعالى لداود " وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ".

التقدير هو الحساب أو عمل خطة يتم على أساسها تطبيق حقيقة علمية . أنها أشبه لما نعرفه الأن بدراسة الجدوى التى لابد منها لأقامة مشروع ما . هذا التقدير يتعامل مع الواقع البشرى والواقع المادى بكل تعقيداته وظروفه لأنه يؤسس واقعا على الأرض بين الناس . هذا عن التقدير ..

فماذا عن السرد ؟

السرد هو التتابع الزمنى فى الأحداث سواء كانت فى قصة أو حادثة تاريخية أو حركة بشرية على الأرض . والمفهوم هنا أن الله تعالى أمر داود عليه السلام وهو يقوم بتطبيق الآيات السابقة لزمنها أن يراعى ويقدر الزمن الذى يعيش فيه الناس لأن ثقافة الناس وظروفهم لا تستوعب هذا التقدم التكنولوجى الهائل والذى من المقرر أن تصل إليه البشرية بعد عشرات من القرون . وحين تصل البشرية إلى هذه التكنولوجيا ستمارسها وتعتاد عليها لأنها – أى البشرية – أصبحت مؤهلة لهذا التقدم العلمى وآثاره الجانبية .

وهكذا كان على داود ـ وهو يصنع الدروع الحديدية ثيابا لينة طرية للناس ـ أن يعلمهم كيفية الإستعمال حتى يرتفع بهم إلى مستوى التكنولوجية التى جىء بها قبل الأوان .

وهو درس – لو تعلمون – عظيم . لأننا نحن العرب والمسلمين لسنا ـ مع الأسف ـ مؤهلين للتكنولوجيا واستعمالها الآمن بدليل أن نعمة الأنترنت أظهرت فينا أمراضا تتمثل فى صعاليك الأنترنت الذين يكتبون ولا يقرأون وعلى العلماء يتطاولون .

 

أضحك مع المفسراتية

 

ولمداعبة صعاليك الأنترنت وعبيد التراث ولكى نتعرف على الفارق بين علم القرآن وجهل المفسراتية ننقل (بعض) إجتهادات القرطبى فى قصص داود وسليمان .

يقول فى معنى قوله تعالى (وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين ‏ ) :

قال مقاتل في الآية‏:‏ كان سليمان جالسا ذات يوم إذ مر به طائر يطوف، فقال لجلسائه‏:‏ أتدرون ما يقول هذا الطائر‏؟‏ إنها قالت لي‏:‏ السلام عليك أيها الملك المسلط والنبي لبني إسرائيل‏!‏ أعطاك الله الكرامة، وأظهرك على عدوك، إني منطلق إلى أفراخي ثم أمر بك الثانية؛ وإنه سيرجع إلينا الثانية ثم رجع؛ فقال إنه يقول‏:‏ السلام عليك أيها الملك المسلط، إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على أفراخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت‏.‏ فأخبرهم سليمان بما قال؛ وأذن له فانطلق‏.‏ وقال فرقد السبخي‏:‏ مر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه، فقال لأصحابه‏:‏ أتدرون ما يقول هذا البلبل‏؟‏ قالوا لا يا نبي الله‏.‏ قال إنه يقول‏:‏ أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء‏.‏ ومر بهدهد فوق شجرة وقد نصب له صبي فخا فقال له سليمان‏:‏ احذر يا هدهد‏!‏ فقال‏:‏ يا نبي الله‏!‏ هذا صبي لا عقل له فأنا أسخر به‏.‏ ثم رجع سليمان فوجده قد وقع في حبالة الصبي وهو في يده، فقال‏:‏ هدهد ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ ما رأيتها حتى وقعت فيها يا نبي الله‏.‏ قال‏:‏ ويحك‏!‏ فأنت ترى الماء تحت الأرض أما ترى الفخ‏!‏ قال‏:‏ يا نبي الله إذا نزل القضاء عمي البصر‏.‏ وقال كعب‏.‏ صاح ورشان عند سليمان بن داود فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنه يقول‏:‏ لدوا للموت وابنوا للخراب‏.‏ وصاحت فاختة، فقال‏:‏ أتدرون ما تقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنها تقول‏:‏ ليت هذا الخلق لم يخلقوا وليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا‏.‏ وصاح عنده طاوس، فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنه يقول‏:‏ كما تدين تدان‏.‏ وصاح عنده هدهد فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فإنه يقول‏:‏ من لا يرحم لا يرحم‏.‏ وصاح صرد عنده، فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنه يقول‏:‏ استغفروا الله يا مذنبين؛ فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله‏.‏ وقيل‏:‏ إن الصرد هو الذي دل آدم على مكان البيت‏.‏ وهو أول من صام؛ ولذلك يقال للصرد الصوام؛ روي عن أبي هريرة‏.‏ وصاحت عنده طيطوى فقال‏:‏ أتدرون ما تقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنها تقول‏:‏ كل حي ميت وكل جديد بال‏.‏ وصاحت خطافة عنده، فقال‏:‏ أتدرون ما تقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنها تقول‏:‏ قدموا خيرا تجدوه؛ فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها‏.‏ وقيل‏:‏ إن آدم خرج من الجنة فاشتكى إلى الله الوحشة، فآنسه الله تعالى بالخطاف وألزمها البيوت، فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم‏.‏ ..‏ وهدرت حمامة عند سليمان فقال‏:‏ أتدرون ما تقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنها تقول‏:‏ سبحان ربي الأعلى عدد ما في سماواته وأرضه‏.‏ وصاح قمري عند سليمان، فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال إنه يقول‏:‏ سبحان ربي العظيم المهيمن‏.‏ وقال كعب‏:‏ وحدثهم سليمان، فقال‏:‏ الغراب يقول‏:‏ اللهم العن العشار؛ والحدأة تقول ‏:( ‏كل شيء هالك إلا وجهه‏) ‏.‏ والقطاة تقول‏:‏ من سكت سلم‏.‏ والببغاء تقول‏:‏ ويل لمن الدنيا همه‏.‏ والضفدع يقول‏:‏ سبحان ربي القدوس‏.‏ والبازي يقول‏:‏ سبحان ربي وبحمده‏.‏ والسرطان يقول‏:‏ سبحان المذكور بكل لسان في كل مكان‏.‏

وقال مكحول‏:‏ صاح دراج عند سليمان، فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنه يقول‏: (‏الرحمن على العرش استوى ) ، وقال الحسن قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الديك إذا صاح قال اذكروا الله يا غافلين ) ‏‏.‏ وقال الحسن بن علي بن أبي طالب قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏النسر إذا صاح قال يا ابن آدم عش ما شئت فآخرك الموت وإذا صاح العقاب قال في البعد من الناس الراحة وإذا صاح القنبر قال إلهي العن مبغضي آل محمد وإذا صاح الخطاف قرأ ‏(‏الحمد لله رب العالمين‏) ‏ إلى آخرها فيقول‏ (‏ولا الضالين )‏ ويمد بها صوته كما يمد القارئ‏.‏

ويقول القرطبى فى معنى قوله تعالى :

‏{‏ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ‏}‏

قوله ‏{‏قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم‏}‏قال الشعبي‏:‏ كان للنملة جناحان فصارت من الطير، فلذلك علم منطقها ولولا ذلك لما علمه‏.‏..‏ قال كعب‏:‏ مر سليمان عليه السلام بوادي السدير من أودية الطائف، فأتى على وادي النمل، فقامت نملة تمشي وهي عرجاء تتكاوس مثل الذئب في العظم؛ فنادت‏: (‏يا أيها النمل‏}‏الآية‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال، وكانت تمشي وهي عرجاء تتكاوس؛ وقيل‏:‏ كان اسمها طاخية‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ ذكروا اسم النملة المكلمة لسليمان عليه السلام، وقالوا اسمها حرميا..

وقال وهب‏:‏ أمر الله تعالى الريح ألا يتكلم أحد بشيء إلا طرحته في سمع سليمان؛ بسبب أن الشياطين أرادت كيده‏.‏ وقد قيل‏:‏ إن هذا الوادي كان ببلاد اليمن وأنها كانت نملة صغيرة مثل النمل المعتاد قاله الكلبي‏.‏ وقال نوف الشامي وشقيق بن سلمة‏:‏ كان نمل ذلك الوادي كهيئة الذئاب في العظم‏.‏ وقال بريدة الأسلمي‏:‏ كهيئة النعاج‏.‏ ‏ ‏.‏

قلت‏:‏ وقوله ‏{‏لا يحطمنكم‏}‏يدل على صحة قول الكلبي؛ إذ لو كانت كهيئة الذئاب والنعاج لما حطمت بالوطء؛ والله أعلم‏.‏ وقال ‏{‏ادخلوا مساكنكم‏}‏فجاء على خطاب الآدميين لأن النمل ههنا أجري مجرى الآدميين حين نطق كما ينطق الآدميون‏.‏ قال أبو إسحاق الثعلبي‏:‏ ورأيت في بعض الكتب أن سليمان قال لها لم حذرت النمل‏؟‏ أخفت ظلمي ‏؟‏ أما علمت أني نبي عدل‏؟‏ فلم قلت‏}‏يحطمنكم سليمان وجنوده‏}‏فقالت النملة‏:‏ أما سمعت قولي‏}‏وهم لا يشعرون‏}‏مع أني لم أرد حطم النفوس، وإنما أردت حطم القلوب خشية أن يتمنين مثل ما أعطيت، أو يفتتن بالدنيا، ويشغلن بالنظر إلى ملكك عن التسبيح والذكر‏.‏ فقال لها سليمان‏:‏ عظيني‏.‏ فقالت النملة‏:‏ أما علمت لم سمي أبوك داود‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالت‏:‏ لأنه داوى جراحة فؤاده؛ هل علمت لم سميت سليمان‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالت‏:‏ لأنك سليم الناحية على ما أوتيته بسلامة صدرك، وإن لك أن تلحق بأبيك‏.‏ ثم قالت‏:‏ أتدري لم سخر الله لك الريح‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالت‏:‏ أخبرك أن الدنيا كلها ريح‏.‏ ‏{‏فتبسم ضاحكا من قولها‏}‏متعجبا ثم مضت مسرعة إلى قومها، فقالت‏:‏ هل عندكم من شيء نهديه إلى نبي الله‏؟‏ قالوا‏:‏ وما قدر ما نهدي له‏!‏ والله ما عندنا إلا نبقة واحدة‏.‏ قالت‏:‏ حسنة؛ ايتوني بها‏.‏ فأتوها بها فحملتها بفيها فانطلقت تجرها، فأمر الله الريح فحملتها، وأقبلت تشق الإنس والجن والعلماء والأنبياء على البساط، حتى وقعت بين يديه، ثم وضعت تلك النبقة من فيها في كفه، وأنشأت تقول‏:‏

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله وإن كان عنه ذا غني فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره لقصر عنه البحر يوما وساحله

ولكننا نهدي إلى من نحبه فيرضى به عنا ويشكر فاعله

وما ذاك إلا من كريم فعاله وإلا فما في ملكنا ما يشاكله

فقال لها‏:‏ بارك الله فيكم؛ فهم بتلك الدعوة أشكر خلق الله وأكثر خلق الله‏.‏

‏"‏روى مسلم من حديث أبي هريرة‏"‏ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله تعالى إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح‏)‏ وفي طريق آخر فهلا نملة واحدة ‏.‏

ونستمر مع أساطير القرطبى :‏

قوله ‏{‏قال عفريت من الجن) ....‏ وقال وهب بن منبه‏:‏ اسم هذا العفريت كودن؛ ذكره النحاس‏.‏ وقيل‏:‏ ذكوان؛ ذكره السهيلي‏.‏ وقال شعيب الجبائي‏:‏ اسمه دعوان‏.‏ وروي عن ابن عباس أنه صخر الجني

وفي الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع علي الصلاة وإن الله أمكنني منه فدعته‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ وذكر الحديث‏.‏‏"‏ وفي البخاري‏"‏ ‏(‏تفلت على البارحة‏)‏ مكان ‏(‏جعل يفتك‏)‏‏.‏‏"‏ وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد‏"‏ أنه قال‏:‏ أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه؛ فقال جبريل‏:‏ أفلا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بلى‏)‏ فقال‏:‏ ‏(‏أعوذ بالله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها وشر ما ذرأ في الأرض، وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن )..‏

قوله ‏{‏أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك‏}‏يعني في مجلسه الذي يحكم فيه‏.‏ ‏{‏وإني عليه لقوي أمين‏}‏أي قوي على حمله‏.‏ ‏{‏أمين‏}‏على ما فيه‏.‏ ابن عباس‏:‏ أمين على فرج المرأة؛ ذكره المهدوي‏.‏ فقال سليمان أريد أسرع من ذلك؛ فـ ‏{‏قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك‏}‏أكثر المفسرين على أن الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل، وكان صديقا يحفظ اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب‏.‏ وقالت عائشة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن اسم الله الأعظم الذي دعا به آصف بن برخيا يا حي يا قيوم‏)‏ قيل‏:‏ وهو بلسانهم، أهيا شراهيا؛ وقال الزهري‏:‏ دعاء الذي عنده اسم الله الأعظم؛ يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ايتني بعرشها؛ فمثل بين يديه‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ دعا فقال‏:‏ يا إلهنا وإله كل شيء يا ذا الجلال والإكرام‏.‏ قال السهيلي‏:‏ الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا ابن خالة سليمان، وكان عنده اسم الله الأعظم من أسماء الله تعالى‏.‏

‏{‏ قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون، فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين، وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ‏}‏

قوله ‏{‏قال نكروا لها عرشها‏}‏أي غيروه‏.‏ قيل‏:‏ جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه‏.‏ وقيل‏:‏ غيّر بزيادة أو نقصان‏.‏ قال الفراء وغيره‏:‏ إنما أمر بتنكيره لأن الشياطين قالوا له‏:‏ إن في عقلها شيئا فأراد أن يمتحنها‏.‏ وقيل‏:‏ خافت الجن أن يتزوج بها سليمان فيولد له منها ولد فيبقون مسخرين لآل سليمان أبدا، فقالوا لسليمان‏:‏ إنها ضعيفة العقل، ورجلها كرجل الحمار؛ فقال ‏{‏نكروا لها عرشها‏}‏لنعرف عقلها‏.‏ وكان لسليمان ناصح من الجن، فقال كيف لي أن أرى قدميها من غير أن أسألها كشفها‏؟‏ فقال‏:‏ أنا أجعل في هذا القصر ماء، وأجعل فوق الماء زجاجا، تظن أنه ماء فترفع ثوبها فترى قدميها؛ فهذا هو الصرح الذي أخبر الله تعالى عنه‏.‏

‏{‏ قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ‏}‏

قوله ‏{‏قيل لها ادخلي الصرح‏}‏

وقيل‏:‏ الصرح الصحن؛ كما يقال‏:‏ هذه صرحة الدار وقاعتها؛ بمعنى‏.‏ وحكى أبو عبيدة في الغريب المصنف أن الصرح كل بناء عال مرتفع من الأرض .. ‏.‏ وقيل‏:‏ عمله ليختبر قول الجن فيها إن أمها من الجن، ورجلها رجل حمار؛ قاله وهب بن منبه‏.‏ فلما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد بها الغرق‏:‏ وتعجبت من كون كرسيه على الماء، ورأت ما هالها، ولم يكن لها بد من امتثال الأمر‏.‏ ‏{‏وكشفت عن ساقيها‏}‏فإذا هي أحسن الناس ساقا؛ سليمة مما قالت الجن، غير أنها كانت كثيرة الشعر..‏ ولما رأى سليمان عليه السلام قدميها قال لناصحه من الشياطين‏:‏ كيف لي أن أقلع هذا الشعر من غير مضرة بالجسد‏؟‏ فدله على عمل النورة، فكانت النورة والحمامات من يومئذ‏.‏ في روى أن سليمان تزوجها عند ذلك وأسكنها الشام؛ قاله الضحاك‏.‏ وقال سعيد بن عبدالعزيز في كتاب النقاش‏:‏ تزوجها وردها إلى ملكها‏:‏ باليمن، وكان يأتيها على الريح كل شهر مرة؛ فولدت له غلاما سماه داود مات في زمانه‏.‏ وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏كانت بلقيس من أحسن نساء العالمين ساقين وهي من أزواج سليمان عليه السلام في الجنة‏)‏ فقالت عائشة‏:‏ هي أحسن ساقين مني‏؟‏ فقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏أنت أحسن ساقين منها في الجنة‏)‏ ذكره القشيري‏.‏ وذكر الثعلبي عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏أول من اتخذ الحمامات سليمان بن داود فلما ألصق ظهره إلى الجدار فمسه حرها قال أواه من عذاب الله‏)‏‏.‏ ثم أحبها حبا شديدا وأقرها على ملكها باليمن، وأمر الجن فبنوا لها ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا‏:‏ سلحون وبينون وعمدان، ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة، ويقيم عندها ثلاثة أيام‏.‏

وقال محمد بن إسحاق ووهب بن منبه‏:‏ لم يتزوجها سليمان، وإنما قال لها‏:‏ اختاري زوجا؛ فقالت‏:‏ مثلي لا ينكح وقد كان لي من الملك ما كان‏.‏ فقال‏:‏ لا بد في الإسلام من ذلك‏.‏ فاختارت ذا تبع ملك همدان، فزوجه إياها وردها إلى اليمن، وأمر زوبعة أمير جن اليمن أن يطيعه، فبنى له المصانع، ولم يزل أميرا حتى مات سليمان‏.‏ وقال قوم‏:‏ لم يرد فيه خبر صحيح لا في أنه تزوجها ولا في أنه زوجها‏.‏ وهي بلقيس بنت السرح بن الهداهد بن شراحيل بن أدد بن حدر بن السرح بن الحرس بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح‏.‏ وكان جدها الهداهد ملكا عظيم الشأن قد ولد له أربعون ولدا كلهم ملوك، وكان ملك أرض اليمن كلها، وكان أبوها السرح يقول لملوك الأطراف‏:‏ ليس أحد منكم كفؤا لي، وأبى أن يتزوج منهم، فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن، فولدت له بلقمة وهي بلقيس، ولم يكن له ولد غيرها‏.‏ وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كان أحد أبوي بلقيس جنيا‏)‏ فمات أبوها، واختلف عليها قومها فرقتين، وملكوا أمرهم رجلا فساءت سيرته، حتى فجر بنساء رعيته، فأدركت بلقيس الغيرة، فعرضت عليه نفسها فتزوجها، فسقته الخمر حتى حزت رأسه، ونصبته على باب دارها فملكوها‏.‏ واخيرا

الفارق هائل بين روعة القرآن الكريم وخرافات المفسراتية..

ونلمح الى الخلفية التاريخية لهذه الخرافات .

أنها ترجع الى عصر الرواية الشفهية حيث تصدر مجالس العلم من كانوا يعرفون بالقصّاص ، وهى وظيفة رسمية ابتدعتها الدولة الأموية لغرض سياسى هو الدعاية لها ضد خصومها خصوصا من العلويين والشيعة . وكان القاص يجلس بعد الصلاة فى المسجد يقص ويحكى للناس خرافات يخترعها بنفسه أو ينقلها عن غيره وينسبها الى النبى محمد عليه السلام وبعض الصحابة و التابعين، ثم يمدح الخليفة ويطعن فى خصوم الخلافة . وحتى يستحوذ على اهتمام الناس كانن لا بد أن يبرع فى الحكاوى و الأقاصيص خصوصا ما يتعلق منها بقصص الأنبياء و تاريخ الأقدمين ، فيأخذ القاص يروى كأنه كان حاضرا مع آدم و سليمان ونوح وداود و موسى و ..الخ . ويصدقه المستمعون لأنه كان حريصا على ان ينسب ما يقول ويسنده الى أنه سمع ذلك من فلان الذى سمعه من فلان ثم من علان الى الصحابة والنبى محمد عليه السلام.

وفى العصرالعباسى الأول تكاثرالقصاصون وتقربوا للخلافة العباسية باسناد خرافاتهم الى عبد الله بن عباس جد الخلفاء العباسيين . ثم جاء عصر التدوين فدونوا كل هذه الخرافات على انها سنة و أحاديث نبوية و فقه وعقائد وعلوم .

وبهذا نشأ الدين الأرضى السنى..

ومهما شرحنا سيظل معظم الناس أسرى للخرافات السنية وغير السنية .

ولا عزاء للمغفلين و المغفلات ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

الاعجاز العلمي فى القرآن الكريم

 

الحلقة الخامسة:

 هو الذى يسيركم في البر والبحر

 

 

مقدمة

 

هذه هى الحلقة الخامسة من مسلسل (الاعجاز العلمي فى القرآن الكريم )

سبق نشر أربع حلقات : وهى :

( المنهج القرآنى للفكر الاسلامى: الليل والنهار فى الاعجاز العلمى) (جدلية الاعجاز العلمى للقرآن الكريم) ( منكرو الاعجاز العلمى وقضية التدرج العلمى) ثم (الاعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام)

ونقدم هنا الحلقة الخامسة .. ويجري تجهيز بقية الحلقات بعونه جل وعلا..

 

أولا

 

1 ـــ فى فترة الشباب كنت أجرى فى أحد شوارع القاهرة فالتوت قدمى وأحسست بألم هائل وعجزت عن جر ساقى ، وقضيت عدة أيام لا أتحرك إلا بساق واحدة . وأنظر إلى ساقى التى كانت تحملنى فأصبحت أحملها وأقارن بينها وبين الساق السليمة فلا أرى فارقا ظاهرا بينهما . واتأمل حالى قبل إلتواء قدمى حين كنت أجرى وأقفز بنفس هاتين الساقين ، وأتعجب من كل هذا الألم وكل هذا العجز الذى تسبب فيه إلتواء عصب لا أعرفه فى القدم .... فكرت فى النعمة التى كنت أنعم بها وأنا أمشى بساقين سليمتين . وتذكرت أن هناك بشرا مثلى مصابين بالشلل وفقدان البصر والسمع ... وأحسست بكفران النعمة . وأننا نعجز عن إحصاء نعم الله تعالى "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ : إبراهيم 34 / النحل 18 " وأننا نرفل فى نعم الخالق عز وجل ولكن لا نحس بها إلا إذا فقدناها ... كانت محنة إلتواء القدم تلك فرصة للتفكير أنتهيت إلى أننا فى الحقيقة حين نقفز ونلعب ونسير ، فإننا لا نسير بأنفسنا ولكن بمقدرة أودعها فينا الخالق عز وجل . وهوالقادر على أن يسلبنا هذه المقدرة مؤقتا أو دائما . وفهمت جانبا من قوله تعالى "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ: يونس 22".

2 ـــ وسألت نفسى عن حكمة التساوى بين تسيير الرحمن لنا فى البر وفى البحر!! فنحن لا نحتاج إلى وسائط فى المشى والسير فى البر، اللهم إلا إذا كنا نريد مضاعفة السرعة ، فاستعملنا الدواب ثم الدراجة ثم السيارة ...الخ . ولكن البر لا يمكن السير فيه إلا بوسائط نقل . إذن لماذا ساوى الله تعالى بين التسيير فى البر والتسيير فى البحر.

القضية هنا لا تتوقف على عوامل داخلية فى جسد الأنسان من إلتواء قدم أو أصابتها بالشلل .. وإنما تتوقف على النظام البديع فى الكون القائم على حسابات الجاذبية وعلاقة الزمان بالمكان بالحركة .. وأستسمح القارىء عذرا فى أن أضرب له هذا المثل .

تخيل أن حضرتك تسير داخل قطار وأن هناك قملة تسير على رأس حضرتك ... القملة هنا تتحرك بسرعة مناسبة لها فى مكان محدد لها هو ما بين القفا إلى الرأس مثلا ، ولكنها – أى القملة – لا تدرى أن المكان الذى يحملها هو الأخر يتحرك فى مجال أوسع هو القطار ، أى أن القملة تتحرك فى مجالين هما حضرتك والقطار الذى يسير بسرعة ما من محطة ما إلى أخرى .

ولكن هل انتهت القصة إلى هذا الحد ؟!.

كلا لأن القطار نفسه يتحرك بك وبغيرك مع حركتين . الأولى داخل الأرض وهى تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة ، والثانية مع الأرض وهى تدور حول الشمس مع كواكب المجموعة الشمسية مرك كل 365 يوما تقريبا .

والشمس نفسها بما يدور حولها من كواكب ومنها الأرض – التى تحمل القطار الذى به حضرتك – هذه الشمس بكل توابعها من كواكب وأقمار وكويكبات تنطلق إلى مدار هائل فسيح هو مدارها حول مجرة درب التبانه. التى تحوى بلايين النجوم . ثم أن مجرة درب التبانه بكل ما تحويه من نجوم تنطلق بسرعة لا نعرفها ولا نتخيلها لتدور حول مركز الكون . ثم عرفنا أن هناك كونا آخر غير كوننا يسير عكس الأتجاه ويتناقض فى كل تركيباته مع كوننا ، أى أننا فى كل دقيقة ننتقل من مكان إلى مكان فى المجموعة الشمسية ، وفى نفس الوقت ننتقل من مكان إلى مكان حول مركز المجرات . والكون الهائل الذى لا نعرف عنه إلا مجرد إشارات ..

أى أننا فى كل دقيقة وثانية وأقل من الثانية نتعرض لموجات ونتداخل مع عوالم غير مرئية فى إنتقالنا عبر هذه الأمكنة وتلك المسافات وتلك السرعات . أى أن القضية أننا لم نعد نسير فى البر أو فى البحر .. القضية أن الله تعالى هو الذى يسيرنا بقوانينه التى تتحكم فى الجسد الإنسانى وفى الهواء المحيط بالأرض والجاذبية التى تحفظ نظام الكون برغم تداخل وتعقد المكان والزمان والسرعات .

 

ثانيا

 

1 ـــ لست متخصصا فى علم الفلك وبالتالى يستطيع المتخصصون إعادة ما كتبته أو تصحيحه والإتيان بحقائق علمية يزداد بها المؤمن إيمانا ويستطيع المتخصصون شرح العلاقة بين الحياة على الأرض وموقعها المحدد حول الشمس . فلو اقتربت من الشمس أو ابتعدت عنها تاركة مجالها المحدد لما كانت هناك حياة على الأرض ولما استطاع الأنسان أن يسير بقدميه وبوسائط أخرى فى البر والبحر ..

2 ـــ ولكن العادة أن ينسى الأنسان النعمة التى يرفل فيها ، سواء كانت نعمة الصحة وسلامة الأعضاء والحواس والعقل ، أو نعمة ذلك الكون الذى سخره الله جل وعلا له. ولنا وقفة قادمة مع التسخير فى النسق القرآنى وصلته بالأعجاز العلمى فى القرآن الكريم .

ولكن كما قلنا فإن الإعجاز العلمى يتراءى بين آيات القرآن الكريم فى معرض الهداية ... والله تعالى حين يذكرنا بأنه جل وعلا هو الذى يسيرنا فى البر والبحر لا يكتفى بما فى ذلك من إشارات علمية مركزه – عرضنا لبعضها بمعلوماتنا الهزيلة – وإنما يجعل رب العزة من تلك الأشارات العلمية مقدمة للوعظ والتنبية .

فالعادة أن ذلك الأنسان المغرور بالنعمة التى يتقافز بها فى البر والبحر – ومؤخرا فى الجو- تراه أيضا غافلا عن المنعم جل وعلا ، أى يمارس كفران النعمة بالعصيان فى حركته وبالجحود فى عقيدته ...

ولكنه عندما يفقد النعمة أو حين تتحول تلك النعمة إلى نقمة ينتبه ويصرخ ويعود إلى فطرته التى نسيها ويتضرع إلى الله تعالى يطلب النجاة ..

ولنتخيل معا السفينة العملاقة تيتانك التى غرقت فى المحيط الأطلنطى فى بدايات القرن الماضى . وكيف أنها كانت تمثل – قوتها - أروع ما ابتكره البشر فى السفن العابرة للمحيطات ووصل غرورهم إلى أن درجة تأمينها فى إبحارها يجعلها تستغنى عن قوارب النجاه ونتخيل ما كان عليه المسافرون من غرور وحبور وفرح ومجون .... ثم اصطدمت بجبل ثلجى فتحول صراخ المجون إلى صراخ جنون وتحول الغرق فى النعيم إلى غرق فى الجحيم .

ولا شك أن إستغاثتهم كانت تعلو بالدعاء لله تعالى , ولكن من نجا منهم عاد إلى سيرته الأولى ونسى ما يدعو إليه ...

هى حالة إنسانية عامة أن يرجع الأنسان إلى فطرته ويصرخ داعيا الله تعالى طالبا النجاة إذا أصابه مرض "وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ : الزمر 8 "، " فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ :الزمر 49 " ، " وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ : يونس 12 "

ونفس الحال مع الانسان إذا تعرض للغرق .

ومن هنا بدأت الأية الكريمة بجملة مركزة من الإعجاز العلمى تقول " هو الذى يسيركم فى البر والبحر " ثم جاءت تكملة الأية لتعطى مشهدا سينمائيا موحيا بالصوت والصورة والحركة والإنفعالات ، يقول تعالى "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ : يونس 23،22 " ونتوقف سريعا مع تلك الصور بالتحليل .

المشهد الأول : يتكون من لقطات متتابعة خارجية وداخلية ، فى الخارجية ريح طيبة تحمل السفينة تجرى بها فوق صفحة بحر هادىء ، واللقطة الداخله لمسافرين يمارسون شتى مظاهر الفرح ...

ثم فجأة يأتى المشهد الثانى من لقطات خارجية حيث أنقلبت الريح الوديعة إلى ريح عاصف فتحول الموج الهادىء لموج هادر ثائر يلطم السفينة ويقتحم منافذها وهنا تأتى اللقطات الداخلية للمسافرين تصورهم فى حالتين : الأولى إحساسهم أنهم " أحيط بهم " أى حاصرتهم المياه وهددهم الغرق ، وعجزت وسائلهم عن بلوغ شاطىء النجاة ثم تأتى الحالة الثانية بعد إدراك العجز وهى اللجوء للخالق عز وجل والرجوع للفطرة والدعاء بإخلاص وتفرغ ودموع ورجاء قائلين جميعا "لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِين " أى تضرع مرتبط بعهد وميثاق إن حدثت النجاة وعاشوا ستتغير حياتهم من كفران النعمة إلى شكر للمولى عز وجل يتجلى فى تصحيح الإيمان وتصحيح السلوك ....

ويأتى المشهد الثالث عن الناجين وقد نسوا المحنة وعادوا إلى نكران النعمة ، واحترفوا البغى وهم لا يعلمون أن بغيهم على أنفسهم لأنهم مآخذون يوم القيامة بكل ما كسبت أيديهم ، وما ظلمهم الله تعالى ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وهذا هو المشهد الأخير الذى يأتى بالنهاية ...

وهكذا فى آيتين جاء إعجاز علمى وجاء تصوير سنمائى وكلاهما يهدف إلى الهداية ،وكما قلنا فالقرآن الكريم ليس كتابا فى العلوم الطبيعية –بالرغم من دلائل الإعجاز العلمى التى نراها - وليس كتابا فى الدراما – بالرغم من القصص والأمثلة التى يضربها لنا الله عز وجل فى كتابه الكريم - وليس كتابا فى التاريخ – بالرغم من ذكره لوقائع تاريخية حدثت فى الماضى - أو حتى فى التشريع – بالرغم من التشريعات التى تنظم المجتمع الإسلامى - وإنما يستخدم القرآن الكريم كل هذه النواحى فى إطار دعوته للهداية وإلى عبادة الله وحده التى هى الغرض الأساسى الذى من أجله بعثت الرسل .

ولكن .. هل استوعبنا كل دلالات قوله تعالى " هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ "؟

لقد توقفنا بمعلومات هزيلة عن بعض الملامح المادية للتيسير ويبقى الجانب المعنوى للتفسير.

وللتوضيح فلنفترض أن حضرتك تسير فى الطريق وفى نفس الشارع يسير شخص أخر .... وكلاهما ـ وكل المخلوقات والدواب ـ يسيرها الله عز وجل ـ هذا من الناحية المادية الفسيولوجية ـ ولكن الهدف من سيرك وسير الشخص الأخر هو الجانب المعنوى أو النفسى ، وهذا يرجع إلى كلا منكما . فلنفترض أنك تسير ذاهبا إلى المسجد لتصلى بينما يسير رفيقك إلى المرقص ليلهو ويلعب ، وربما تسيران معا الى بنك ما ، أنت لتودع بعض المال وهو ليسرق ما تطوله يده ، أى أن الهدف من السير يرجع للأنسان نفسه هو الذى يقرر أن يتحرك نحو الخير أو فى إتجاه الشر ، والله سبحانه وتعالى تركه حرا فى أن يستخدم جسده وما سخره الله تعالى له فى حركته نحو الخير أو الشر .

بل أكثر من ذلك لنفترض أن رفيقك الذى يسير بجانبك قد أرغمك على السير بجانبه لكى تقوما بسرقة البنك وإن لم تفعل سيقتلك أو يقتل أعوانه أهل بيتك . هنا ـ وفقا لشرع الله تعالى ـ فلا عقوبة عليك إن سرقت طالما كنت مجبرا ، لأن المسئولية لا تتحقق إلا بالحرية والله تعالى يقول " وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا : الأحزاب 5 " .

ومن أجل هدايتك أنزل الله سبحانه وتعالى ذلك الكتاب الحكيم القرآن الكريم وقد نثر فيه من الحقائق العلمية مع التشريعات والقصص والحوار، ومنها أنه تعالى قام بتجميع وتلخيص آلاف الحقائق العلمية فى عبارة واحدة تقول " هو الذى يسيركم فى البر والبحر"ثم أعقبها بتصوير درامى مذهل عن حالة إنسانية تتكرر لبشر حين يتعرضون لخطر الغرق فيتذكرون الله تعالى ، ثم إذا أنجاهم عادوا لغيهم وبغيهم .... ويحذرهم الله تعالى من سوء المصير يوم القيامة .

أنت حر الإرادة ولست مجبورا بل أنت " مُخًير" وعليك إن أردت الفلاح فى الدنيا والأخرة أن تحسن قيادة السيارة التى تركبها نفسك ، وهى جسدك لتحصر حركته فى الخير...

وفى النهاية بعد قراءة هذا المقال أنت حر فى أن تؤمن بإعجاز القرآن العلمى أم لا .

والله جل وعلا المستعان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

الملاحق :

الملحق الأول :

علامات اقتراب الساعة واقتراب الفزع الأكبر

آحمد صبحي منصور في الأحد 04 يناير 2009

  مقدمة
1
ـ فى المقال السابق عرضنا لمصطلحات الخوف فى القرآن الكريم ، والفوارق بينها فى معرض الحديث عن الفزع الذى أصاب أهل الكاتب الاسلامى رضا عبد الرحمن ، حين هجم عليهم جيش مبارك ليعتقل ( رضا ) ، وتركهم فى رعب وفزع
2
ـ ومهما كان فزع البشر فى الدنيا فهو لا شيء بالمقارنة بالفزع الأكبر يوم القيامة . والفزع يوم القيامة هو رد فعل للقيامة ، وللقيامة علامات لا تخلو من فزع يصاحبها ، أما الفزع الأكبر فهو الذى يصاحب أحداث قيام الساعة عندما تقوم ، ويصاحبها فى أهوال أيامها يوم البعث والحشر و العرض والحساب الى أن يستمر الفزع مصاحبا لأصحاب الجحيم أبد الآبدين. وفى كل أحوال القيامة فالفزع الأكبر يصيب الظالمين فقط ،أما الفائزون فهم من فزع يومئذ آمنون.

3 ـ والكلام على علامات الساعة وعن أحداثيات الساعة واليوم الآخر يستحق مقالات نرجو من الله تعالى العون فيها. ولكن سنعرض لعلامات الساعة فى مقال واحد ولأحداث الساعة فى مقال واحد فى إطار موضوع الفزع فقط
4
ـ وللايجاز والتخفيف أضع الحقائق القرآنية تحت عناوين راجيا من الأحبة تدبر الايات معى
أولا : (إقتربت الساعة
1
ـ حين كلم الله تعالى موسى عليه السلام قال له (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ) ( طه 15 )، بعدها بحوالى ألف عام نزل القرآنالكريم وفيه يقول تعالى عن الساعة: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) ( محمد 18) أى جاءت أشراط الساعة مع نزول القرآن الكريم من 14 قرنا
2
ـ وقت نزول القرآن الكريم كان هناك قلق من قرب قيام الساعة يعبر عنه التكرار المستمر لسؤال النبى محمد عن موعد قيام الساعة ، ولم يمنع هذا التكرار من التأكيد المتكرر بأن النبى محمدا لا يعلم الغيب و ليس له أن يتحدث عن موعد قيام الساعة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (الأعراف 187 ) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا) (النازعات 42 ـ). 
إن الله جل وعلا وحده هو من لديه ( علم الساعة ):(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ )( لقمان 34 ) وقد أبان جل وعلا فى القرآن الكريم (شيئا) من (علم الساعة ) بقدر ما نفهمه ، فمثلا يقول جل وعلا عن مدة قيام الساعة:(لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً)(الأعراف 187)و(البغتة) هى أقل مدة زمنية نتصورها. ويأتى شرح هذه (البغتة) بأنها مثل لمح البصر:(وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) (النحل 77 ) أى بتعبير عصرنا أسرع من الضوء. .أو يقول جل وعلا : (وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) ( القمر 50 ) . ولا يقال إن هناك تناقضا بين الآيتين لأن الله جل وعلا يستعمل ( كاف ) التشبيه (كَلَمْحِ ) أى يتحدث عن سرعات لا نعرفها ولا ندركها
3
ـ تدور الحقائق القرآنية عن الساعة فى محورين أساسين هما : علاماتها التى إقتربت ، وأحداثها عندما تقوم . وهذا المقال يعطى لمحة عن علامات الساعة وما قد يصاحب بعضها من فزع
4
ـ التعبير القرآنى عن اقتراب الساعة يستعمل صيغة الفعل الماضى ، وهو اسلوب بلاغى يؤكد على تحقق الوقوع ، كقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) فانشقاق القمر سيحدث فقط عند قيام الساعة وتدمير الكون ، وهذا من ملامح أحداث الساعة وفقا لتفاصيلها القرآنية،إذ يتم تدمير النظام الكونى كله القائم على التوزان بين الجاذبية وقوة الطرد المركزى ، ليكون من ملامحه انشقاق السماء وما فيها من قمر. ولكن التعبير عنه هنا جاء بالماضى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) لتحقق وقوعه فى المستقبل . وأشارت الآية التالية الى معجزة القرآن الكريم أو الآية الخاتمة للبشر والتى أعرض عنها المشركون ورموها بالسحر :(وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ )( القمر 1 : 2 ).أى إن آيات القرآن الكريم دليل على إقتراب الساعة
ونفس الحال فى مفتتح سورة النحل :(أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ) والتعبير هائل فى إعجازه، لأنه تحدث بالماضى عن قيام الساعة فقال (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) أى صدرالقرار الالهى بقيام الساعة ، ولكن تنفيذه سيكون طبقا للزمن الأرضى الآتى فى المستقبل ، لذا قال جل وعلا للبشر:(فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ). الحديث هنا عن زمنين ، الزمن الالهى الذى صدر فيه الأمر بقيام الساعة ، والزمن الأرضى الذى سيشهد تحقيق هذا الأمر عندما يدور الزمن الأرضى دورته . وجاءت أيضا الاية التالية تتحدث عن نزول القرآن الكريم كإحدى علامات قرب قيام الساعة : ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ). 
ونفس الحال فى مفتتح سورة الأنبياء ، فالآية الأولى تتحدث ليس فقط عن اقتراب قيام الساعة بل يوم الحساب نفسه وغفلة الناس ـ منذ 14 قرنا عنه (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ) وتأتى أيضا الآية التالية تتحدث عن الرسالة الأخيرة والخاتمة من الله تعالى للبشر وهى القرآن الكريم قبل قيام الساعة وموقفهم منه:(مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ). 
المستفاد هنا شيئان : (ا)إن نزول القرآن الكريم منذ 14 قرنا هو أول علامات إقتراب الساعة . فكيف بنا الآن ؟ (ب ) إن إحتواء القرآن الكريم على أهوال قيام الساعة وأهوال العذاب يوم القيامة يأتى تحذيرا مقدما لنا قبل وقوعها،وفى نفس الوقت هو التحذير الأخير للبشرية قبيل القيامة.. 
ثانيا : علامات الساعة
1
ـ نزول القرآن الكريم منذ 14 قرنا هو أول علامات اقتراب الساعة ، فماهى العلامات الأخرى؟ خلافا للخرافات السلفية فى أحاديث علامات الساعة فان فى القرآن الكريم إشارات ثلاث أخرى لعلامات الساعة حسب الترتيب الزمنى للتعداد التنازلى لاقتراب نهاية العالم وقيام الساعة
2
ـ أولها هى ما نعيشه الآن وما نحس به ونحن فى عصر القرية الكونية و انعدام المسافات بينها بثورة الاتصالات والمواصلات والانفجار العلمى ، والتفنن فى سبل التقدم أفقيا ورأسيا ، مع هذا الاحساس ( الكاذب ) بأن الانسان قد امتلك القدرة على الأرض بل يتطلع الى السيطرة على الكواكب القريبة . هذا الحال الذى وصلنا اليه والذى يتطور فى كل دقيقة الى المزيد جاء وصفه فى قوله تعالى (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( يونس 24 ) هذا التفصيل لقوم يتفكرون يستدعى المزيد من الربط بين التقدم العلمى المتصاعد باضطراد سريع وبين الاقتراب السريع من ساعة الصفر الالهية حين يحل العدم بالعالم وتقوم الساعة
هنا لا نتحدث عن قرون، ولكن عن اقتراب شديد من قيام الساعة ، مع التأكيد بأنه لا يعلم تحديد وقتها سوى رب العزة
وهنا نرد على الذى يشيع الان على المستوى العلمى والتقنى فى أمريكا وتتحدث عنه البرامج التليفزيونية وتتحدث عنه بجدية شديدة تؤكد أن عام 2012 هو نهاية العالم طبقا لحسابات مختلفة منها ما تم بالكومبيوتر. هذا نرفضه ، ولكن نسجل وجود قلق إنسانى من اقتراب قيام الساعة ، وأن هذا القلق يصدر الآن ليس من علماء دين أو منجمين ولكن من هيئات علمية تتحدث فى أمور مادية ، وتعلن ما تتوصل اليه على الناس
2
ـ ثانى علامات الساعة ، لم نره بعد ، ولذا فقد يكون محل سخرية لمن لا يؤمن بالقرآن الكريم ، ولكن سيأتى الوقت الذى يشهده الناس دليلا على إعجاز القرآن فى آخر الزمان ، إنه خروج دابة من الأرض تكلم الناس وتعظهم : (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) ( النمل 82 ) أى دابة ستخرج من باطن الأرض لتقول للناس إنهم لا يوقنون بآيات الله جل وعلا . والآية بعدها تتحدث عن الحشر (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ) أى إن خروج هذه الدابة سيكون قبيل قيام الساعة
ومصطلح (دابة ) يعنى فى القرآن الكريم كائن حى متحرك بارادته ، يسرى هذا على البشر الى الكائنات ذات الخلية الواحدة مما نعرفه وما لا نعرفه . والدابة هنا تتكلم بلغة يفهمها البشر مع اختلاف ألسنتهم ،اى تتكلم بلغة موحدة يفهما الجميع ، ربما تكون لغة الأرقام فهى اللغة العالمية الحاسمة التى لا خلاف حولها ، والتى يفهمها الجميع فى عصرنا حيث الثورة العلمية الرقمية بدءا من (الديجيتال ) فى التصوير الى علوم الفلك والذرة
وهناك ارهاصات لآية خروج الدابة من الأرض نجدها فى البرامج العلمية التليفزيونية المصورة عن حيوانات تشبه الانسان تعيش فى الغابات والجليد ، تم تصويرها ولكن لم يتم العثور إلا على آثار أقدامها، وتنشط بعثات علمية للعثور عليها ، وبعضها تم العثور على عينات من دمه ، وقالوا إن جيناته الوراثية قريبة من البشر ، ولكنه ليس من البشر. والكلام عن هذه المخلوقات (شبه البشرية ) سبق قوله فى التراث السابق ، ولا يزال فى اقاصيص القبائل التى تعيش فى الغابات حتى عصرنا الحالى. وهى تتسمى فى كل مكان بلقب خاص ، ومثلا فإن القزوينى فى كتابه (آثار البلاد واخبار العباد ) تحدث عن ( إنسان الصين ) وهو بين القردة و الانسان ، ووصفه بنفس الوصف الذى تتحدث عنه البعثات العلمية المعاصرة ، ومن الغريب عجز كل الأدوات العلمية عن الامساك بواحد من تلك الدواب ، يراه البعض رؤية عارضة ثم يختفى المخلوق ، ولكن أمكن تسجيلها مصادفة بالكاميرا
ظهور تلك المخلوقات فجأة وإختفاؤها فجأة قد يوحى بأنها تخرج من باطن الأرض
قد لا تكون هناك علاقة بين ما ذكره رب العزة من خروج الدابة وتلك المخلوقات الغريبة التى تظهر فجأة و تختفى فجاة دون أن يمسكها أحد حتى فى عصرنا المتقدم، ولكنه رد العلم الحديث المعاصر على من ينكر مقدما كلام الله جل وعلا عن دابة غريبة ستخرج من الأرض تكلم الناس
3
ـ آخرعلامات قيام الساعة ، وهو فى الدقائق القليلة قبل (ساعة الصفر )هو خروج يأجوج ومأجوج . ولنا فيه بحث علمى انشغلنا به منذ الثمانينيات ، نجمع له المادة العلمية من الصحف و الكتب وترجمات قمت بها بنفسى لبعض تلك الكتب العلمية ، وفى العام الماضى بعثت مع عمرو ثروت بمسودة لهذا الكتاب عن ( يأجوج ومأجوج : بين القرآن والعلم الحديث ) فقبضوا عليه وصادروا جهدا علميا استغرق عدة سنين..!!. 
الحديث عن يأجوج ومأجوج جاء مباشرا فى قوله جل وعلا : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ) ( ـ الكهف ـ 93 : 99 ) (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ )( الأنبياء 95 : 97). 
والحديث القرآنى غير المباشر عن يأجوج ومأجوج جاء فى معرض خلق آدم وكونه خليفة فى الأرض يخلف قوما كانوا فيها مفسدين فى الأرض ويسفكون الدماء : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ( البقرة 30 ). وفى حديث جل وعلا عن (الاستخلاف ) وعن إمكانية ( التبديل) بالاتيان بخلق آخر ليحل محل الانسان
والمستفاد من القرآن الكريم أن يأجوج ومأجوج كانوا هم المتحكمين فى هذه الأرض قبل نزول آدم وتكاثر ذريته فيها ، وبمجىء آدم وذريته فان المنتظر أن يبيدهم يأجوج ومأجوج باعتبار أنه كانت لهم السيطرة ، وحتى تتحق خلافة آدم وأبناء آدم على الأرض وينالوا حظهم من التطور ، وحتى لا يبيدهم يأجوج ومأجوج فقد أرسل الله تعالى (ذا القرنين ) ألذى أدخل يأجوج ومأجوج فى باطن الأرض وبنى عليهم سدا أو ردما ، فأصبحوا داخل جوف الأرض وتأقلموا على ذلك ، وأتيحت الفرصة لبنى آدم ليحققوا خلافتهم على سطح الأرض وليتطوروا نفس التطور الذى عاشه يأجوج ومأجوج من قبل ، ثم قبيل زلزال الأرض الأعظم الذى يخرج من الأرض أثقالها ( سورة الزلزلة ) يحس به يأجوج ومأجوج فيدمرون السد ويخرجون الى سطح الأرض يختلطون بالبشر يموج بعضهمم ببعض لحظة الفزع الرهيب عند قيام الساعة وتدمير العالم . أى إن يأجوج ومأجوج كانوا على سطح الأرض قبل الجنس البشرى ثم انتقلوا الى باطن الأرض ولا يزالون موجودين فيها ، وسيظلون هكذا الى أن يخرجوا الى من باطن الأرض الى سطحها قبيل تدمير العالم وحلول ساعة الصفر
قد يكون هذا أيضا فرصة لمن يريد السخرية بالقرآن الكريم ، ولكنه التفسير الوحيد لألغاز ثلاث لا تزال تحتار فيها البشرية فى أوج تقدمها العلمى . وهنا يقع الجانب العلمى من كتابى ( المأسوف عليه ) : ( يأجوج ومأجوج بين حقائق القرآن والعلم الحديث ) الذى يربط يأجوج وماجوج بظواهر علمية ثلاث تعتبر ألغازا ولا تزال ، وهى لغز الحضارات المنقرضة التى سبقت وجود الجنس البشرى والتى وصلت الى تقدم علمى وتقنى لم يصل اليه الجنس البشرى حتى الان ، ولغز الأطباق الطائرة بسرعات خيالية ، ولغز الاختفاءات الغامضة للسفن والطائرات الحربية والمدنية فى أماكن محددة بحيث يستحيل إنقاذها أو العثور على حطامها . هذه الظواهر الثلاث هى دليل على وجود حضارة يأجوج ومأجوج قبل وجود البشر ، ودليل على وجودهم حتى الآن فى باطن الأرض يراقبون البشر على سطحها، بينما لا يزال البشر فى أوج تقدمهم العلمى حائرين فى تفسير الظاهر الثلاث ، والأغلب منهم ينسبها لحضارات فى الكواكب الأخرى ، ولا يعرفون أنها فى باطن الأرض
أول من فجّر هذه الألغاز ، كان العالم الألمانى ايريخ فون دنكة فى كتابه ( مركبات الآلهة ) والذى نشر معلوماته الكاتب أنيس منصور فى كتاب عن الذين هبطوا من السماء ، وللمؤلف دنكة كتبه اللاحقة مثل ( ذهب الآلهة ) و(معجزات الآلهة ) وهو يتحدث عن تقدم علمى هائل فى حضارات قديمة منقرضة قبل وجود الانسان ، ويعززها بالصور . وعلى منواله كتب لاحقون. وثانى هذه الألغاز : الأطباق الطائرة التى تهبط من السماء أو تصعد من جوف البحار ، وثالث الألغاز هى مسلسل إختفاء السفن و الطائرات فى أماكن محددة برية وبحرية وعلى مسافات محددة فى الكرة الأرضية ، وأشهر تلك الأماكن مثلث برمودة على الساحل الشرقى الأمريكى ، و نظيره بالقرب من اليابان
والمؤلف الأمريكى تشارلز بيرلتز هو صاحب اشهر كتاب عن مثلث برمودة ، ولكن الكتابة عن هذا المثلث لم تنقطع .ويمكن على الانترنت قراءة المزيد ،بالاضافة الى ما تعرضه القنوات التليفزيونية والتاريخية مثل ديسكفرى و قناة العلم وهيستورى و الجغرافية الوطنية .. وكلها قنوات متخصصة جادة . والآراء تختلف فى تفسير هذه الألغاز ، وأشهرها الاعتقاد بوجود كائنات فضائية ، وأقلها شهرة هى وجود حضارة متقدمة داخل باطن الأرض ، وأصحابها قلقون على كوكب الأرض فيقومون بمتابعة ما يفعله البشر بسطحها . أى هم يأجوج ومأجوج
وفى الاسبوع الماضى استضاف المعلق الأمريكى لارى كنج فى برنامجه على السى إن إن مجموعة من الخبراء يتكلمون عن الأطباق الطائرة ودورها فى اسقاط الصاروخ الأمريكى ، وتركز الخلاف ليس عن وجودها ولكن حول تحديد مصدرها. وربما تكون الجمعيات الخاصة بمتابعة الأطباق الطائرة هى أكثر الجمعيات انتشارا وتنوعا فى أمريكا ، وهو حديث شرحه يطول
لا أعرف أن كنت سأعيش لأعيد كتابة هذاالبحث عن يأجوج ومأجوج بعد أن أتلف جيش مبارك الشهم الشجاع مادة علمية ظللت أجمعها على مدار السنين من عام 1980 . ولكن أرجو أن نتعاون معا ( أهل القرآن ) فى أعداد هذا الكتاب مزودا بكل المكتشفات المتاحة على الانترنت ، لنقدم للبشرية خدمة التذكير بقيام الساعة قبيل (ساعة الصفر) . 
أخيرا : هذه الأرض 
العلم الحديث ـ كما تعكسه القنوات الفضائة العلمية الأمريكية ـ يعترف بعجزه عن إدراك أسرار الكوكب الأرضى ، ولا يزال يحاول كشف أسرار أعماق المحيطات ، ويأتى بالجديد والمذهل من حيوات فى الأعماق البحرية المظلمة ، من أصغر المخلوقات الى أعظمها حجما من أنواع الحبار و الأخطبوط . وكلما أوغل فى البحث اكتشف المزيد من تيارات بحرية غامضة وأنهار عذبة داخل المحيطات وفى جوف الأرض وفى القطبين الشمالى والجنوبى، مما يجعل إكتشاف الكوكب الأرضى أكثر تعقيدا من إكتشاف الكواكب والمجرات البعيدة . ويدور الحديث عن مستويات مختلفة للوجود الحى داخل الأرض( Dimensions ) كلها فى نفس المكان مع اختلاف المستوى ، وربما يقربنا هذا من فهم حديث رب العزة عن وجود مستويات سبعة للأرض توازى المستويات السبع للسماوات( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) ( الطلاق 12) . 
يعرف البشر الفزع فى الكوارث الطبيعية كالأعاصير والزلازل والبراكين ، وكان آخرها تسونامى ، ومعروف ان القشرة الأرضية هى التى تغطى باطن الأرض الذى يحتدم بالصخور الملتهبة السائلة تحت ضغط هائل ، ومع أن الجبال هى (الرواسى) التى تقوم بتثبيت القشرة الأرضية بعد أن تم تجمدها وتصلبها.والتى لولاها لانخسفت القشرة الأرضية بما عليها ومن عليها : (وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ) ( الأنبياء 31 ) وهى (الأوتاد) التى تثبت القشرة الأرضية فوق الباطن الملتهب (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا )( النبأ 7 ). إلا أن التغيير والتعديل ينجم عنه الزلازل و تسرب الماجما او اللافا الى خارج القشرة الأرضية فى البراكين ، وقد تكون هائلة فتسبب أعاصير كما حدث فى تسونامى
فكيف هذا بزلزال القيامة الأخير التى تعبر عنه سورة الزلزلة: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) ؟. عندها تتحول المحيطات الى متفجرات ، فالماء (الذى يتكون من ايدرجين يساعد على الاشتعال وايدروجين الغاز المشتعل) سيحول البحار والأنهار الى حميم يصعب تخيله ، يسميه رب العزة بالبحر المسجور أى الذى تحول الى لهب مستعر ،أى تتدمر القشرة الأرضية من أسفل ومن أعلى ، ويصل الدمار الى حزام الأوزون وهو السقف الذى يحفظ الحياة على الأرض ، يقول تعالى عن بعض ملامح القيامة (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِن دَافِعٍ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ( الطور 1 : 11 ). السقف المرفوع هو حزام الأوزون ،وقد قال جل وعلا عن وظيفته فى الدنيا (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ) (الأنبياء 32 ) وقد سبق رب العزة فى الاشارة الى حفظ الحياة الأرضية بتغليفها بسقف محفوظ . ونحن الآن نشهد تغيرا مزعجا فى المناخ وارتفاع الحرارة و زيادة نسبة ثانى أكسيد الكربون و ذوبان عمامة الثلج التى تغطى قطبى الأرض ، مما يهدد بارتفاع مستوى البحر و غرق مناطق ساحلية كثيرة فى العالم
وبدأ ( الفزع ) العالمى يتجلى فى عقد مؤتمرات عن (الأرض ) ويناقش مستقبلها القاتم فى ظل انتشار التلوث الصناعى والنفايات الذرية و سوء التعامل مع الطبيعة والتوازن الذى يحكمها
ويعرف البشر الفزع حين يتخيلون الثقب الأسود فى الفضاء الناجم عن تفجر نجم وتحوله الى ما يشبه ( عفريت نجم ميت ) ، ويبتلع هذا الثقب ملايين النجوم فى داخله فيما يشبه بروفة مصغرة لأحداث القيامة ، وفى سلسلة من البرامج التليفزيونية تحت عنوان ( نهاية العالم ) يتحدثون عن احتمالات تدمير الكرة الأرضية بارتفاع الحرارة التدريجى بسبب ثقوب فى غلاف الأوزون الذى يحمى الحياة الأرضية، كما يتحدثون عن ثقوب فضائية كثيرة تقترب من المجموعة الشمسية ، بالاضافة الى أخطار أخرى محتملة تهدد بابادة الحياة على الأرض ، منها الأوبئة من الجراثيم المصنّعة ، والشهب والنيازك والمذنبات .. ما يعكس فزعا مقدما لسيناريوهات يرونها قادمة
هذه الأرض يجعلها الله جل وعلا فى معيار الخلق مساويا للسماوات السبع ، فيتكرر فى القرآن الكريم الحديث عن خلق السماوات والأرض ، مع أن الأرض لا تصل الى ذرة بالمقارنة الى الكون المادى بمجراته ، وذلك الكون بمجراته ونجومه هو مجرد مصابيح فى السماء الدنيا ، فكيف بما بعدها. أى إن للأرض مع ضآلة حجمها وزنا أكبر من الكون الذى نراه ،لأنها المهيأة للحياة فوقها ، ومنها حياة البشر وقبلهم يأجوج ومأجوج ، ثم تأتى القيامة بتدمير هذه الأرض والسماوات السبع وما بينهما من كون نراه لا نهائيا بنجومه ومجراته فيصبح يوم القيامة صفرا ، ويأتى اليوم الآخر بأرض جديدة خالدة وسماوات جديدة خالدة أيضا ،ويكون عندئذ الفزع الأكبر للمجرمين الظالمين الذين لم يقدروا الله جل وعلا حق قدره .يقول جل وعلا : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ... ) ( الزمر 67 : 73

والله جل وعلا هو المستعان..

 

الملحق الثانى :

 الفزع الأكبر وقيام الساعة

آحمد صبحي منصور في الجمعة 16 يناير 2009


  

مقدمة
فى المقال السابق عن الفزع الأكبر وعلامات الساعة تسارعت التعليقات ، وقد أجبت على بعضها ، وأشير بسرعة الى بعض النقاط ، وقد كررت الحديث عن بعضها من قبل
1
ـ هناك فارق بين علامات اقتراب الساعة ، وأحداث قيامها أو مظاهر قيامها، والمقال السابق تكلم عن علامات إقتراب الساعة ، وهذا المقال سيشير الى أحداثها . ومن الفارق بينهما أن الإشارة لأشراط الساعة جاء فى الوحى لموسى وجاءت تفصيلات فى علامات اقتراب الساعة فى الوحى القرآنى لمحمد عليهما السلام ، أما وقوع الساعة نفسها فسيكون بغتة كلمح البصر أى بأسرع من الضوء. وتعبير (علامات الساعة ) هو الشائع ، ولقد حرصت على تصحيحه بالقول (بعلامات اقتراب الساعة ) مهتديا بكلامه جل وعلا عن اقتراب الساعة فى مطلع سورة القمر، واقتراب يوم الحساب فى مطلع سورة الأنبياء.

المزيد مثل هذا  2 ـ الآية 61 من سورة الزخرف (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) تتحدث عن القرآن الكريم باعتباره (علم للساعة) ، وجاءت الاية الكريمة فى سياق الرد على جدال المشركين مع كتاب الله وطلبهم معجزة حسية مثل التى كانت لعيسى عليه السلام :( الزخرف 57 : 62
3
ـ ألآية 10 من سورة الدخان : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ) لا علاقة لها بالساعة ولكنها خطاب للنبى محمد عليه السلام ولقومه ، وهذا ما يؤكد السياق قبل الاية وبعدها ( الدخان 9: 17 ) ويشرحه ما جاء فى سورة (المؤمنون 72 : 77) . 
4
ـ كررنا كثيرا أن الغيب لله جل وعلا وحده ، وأنه ليس لبشر أن يتحدث فى الغيبيات خارج القرآن الكريم ، ومن يفعل فقددخل فى الخرافة طالما أن خاتم النبيين نفسه لم يكن يعلم الغيب. وبالتالى فهناك غيبيات مذكورة فى القرآن ، منها ما حدث فى الماضى ، ومنها ما سيحدث فى المستقبل ، ومنها ما اسماه الله جل وعلا (علم الساعة )، وكلها لم نرها ولكن نقرأ عنها فى القرآن الكريم ، ويسميها علماء التراث ( السمعيات). 
والله جل وعلا ذكرها ضمن آيات الاعجاز القرآنى لنتدبر فيها ونتعظ ، والتدبر فيها يكون بفهمها من داخل القرآن ، وبالتطبيق على أحدث ما يصل اليه العلم البشرى . ونحن فيما نفعل قد نخطىء وقد نصيب . وفى كل ما نفعل ليس ترفا فكريا بعيدا عن واقع المسلمين وحاجتهم الى الاصلاح ،بل هو أساس فى الاصلاح ، إنه الانذار والوعظ لمن أعمته الدنيا بأن نؤكد له بالقرآن الكريم على أنه آن الأوان ليراجع نفسه ، فالموت آت ، والساعة تقترب ، وقد أكد الله جل وعلا على اقترابها منذ أكثر من 1430 ، وأن الفزع الذى يلحقه المجرمون والطغاة بالمؤمنين الصابرين والمستضعفين فى الأرض سيلقون فزعا أشد منه وأقسى، هوالفزع الأكبر الذى يدوم ولا يزول
5
ـ فى الحديث عن (الفزع الأكبر ) لا بد من الاشارة المقتضبة الى مصدره ، وهو قيام الساعة وأحوال القيامة، وهو موضوع كتاب لم يكتمل ، بعنوان :( حقائق يوم القيامة بين القرآن والعلم الحديث )، بدأته فى الثمانينيات تأثرا بكتاب للدكتور عبد المحسن صالح يرحمه الله بعنوان ( هل لك فى الكون من نقيض ) يتحدث فيه عن خلق الكون وانقسامه الى كون وكون نقيض من لحظة الانفجار العظيم ،وامتدادهما بيضاويا ، واحتمال انفجارهما حين يلتقى الكون والكون النقيض. قرأت هذا الكتاب فوجدته يتطابق مع آيات قرآنية ، فلبثت أشهرا أجمع المادة العلمية لبحث :( حقائق يوم القيامة بين القرآن والعلم الحديث )، ومنها أستقى هذا المقال
الاشارة المقتضبة لأحداث الساعة وقيام القيامة يعنى أن الموضوع الأصلى هنا هو الفزع الأكبر ، وأنه سيكون بحجم الهول يوم القيامة، ولكى نتخيله فلا بد من الاشارة الى أحداث الساعة وقيام القيامة. وهذا الاختصار يعنى ايضا أن التفصيلات الخاصة بالساعة ليس مكانها هنا ، حتى نوفر مقدما عبء التساؤل عن التفصيلات ونؤجلها الى حين نشر الكتاب المشار اليه بعون الله جل وعلا
بقى أن نقول إن نهاية هذا العالم ووصوله الى نقطة الصفر مرتبط ببداية خلق هذا العالم من نقطة الصفر ، أى أن قيام الساعة وتدمير هذا الكون والسماوات والأرض ومابينهما مرتبط بخلق هذا الكون والسماوات والأرض وما بينهما
أولا :ـ 
موجز بعض ما جاء فى كتاب الاستاذ الدكتور عبد المحسن صالح وغيره ، وتأييده بما جاء فى القرآن الكريم
1
ـ الانفجار الكبير
يقول د. عبد المحسن صالح فى كتابه المذكور ص 123 : عن الانفجار الكونى الهائل الذى نتج عنه خلق الكون : ( إن الكون فى بدايته كان مجتمعا على هيئة مادة مكدسة الى أبعد الحدود ، ولما زاد الضغط فيها الى مستويات لا يمكن تصورها انفجرت على هيئة أجزاء متناثرة أخذت تبتعد وتتمدد الى يومنا هذا ). عندما قرأت هذا لأول مرة تذكرت قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) ( الأنبياء 30 ). الرتق هو ما ليس فيه مسام أوثقوب ، والفتق هو الانفجار ، والمعنى أن السماوات السبع والأرض كانتا نقطة واحدة مركزة فانفتقت أو انفجرت ، وتكون منها السماوات السبع (التى لا ندركها ) والأرض التى نعيش فيها ، ومابينهما من مجرات ونجوم وكواكب تلمع فى الفضاء ، ويفصل بينها مسافات تعد بحساب السنين الضوئية
عن هذا الانفجار يقول بعضهم إنه قد حدث من 18 ألف مليون سنة ، وقد اكتشف العلماء عام 1965 صدى لموجات كهرومغناطيسية ضعيفة بواسطة الراديو تيليسكوبات ، فسرها العلماء بأنها صدى ذلك الانفجار الهائل الذى شكّل الكون ، والذى لا يزال يتردد حتى الآن
وقد نشرت صحيفة الأخبار المصرية فى 14 نوفمبر عام 1989 أن وكالة ناسا الأمريكية بدأت فى ذلك الشهر تنفيذ برنامج علمى يتكلف 400 مليون دولار يستخدم قمرا صناعيا لدراسة الاشعاعات المتخلفة عن الانفجار الأكبر الذى وقع من 15 بليون عام ، وتمخض عنه قيام الكون بما فيه من كواكب ومجرات . وفى 11 أبريل عام 1990 نشرت نفس الصحيفة تحت عنوان ( ديسكفرى فى مهمة تاريخية بالفضاء لكشف أخطر أسرار الكون ) : ( يعلق العلماء الكثير من الآمال على مهمة التليسكوب العملاق (هابل ) الذى يطلقه المكوك ديسكفرى اليوم الى مدار كونى ييسر له متابعة حركة المجرات والنجوم والشهب ورصد أدق الظواهر بدقة متناهية تعادل عشرة أضعاف ما تم التوصل اليه حتى الان . وتشمل المهمة التى تستغرق 15 عاما : تحديد تاريخ نشأة الكون على وجه اليقين ، حيث تشير النظريات السائدة الى إنه يرجع لانفجار كبير وقع منذ فترة تتراوح بين عشرة الى عشرين مليار سنة ضوئية.. ). 
2
ـ امتداد وتوسع الكون ـ 
بمجرد الانفجار أخذ الكون فى التمدد والتوسع ، مصداقا لقوله جل وعلا : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) ( الذاريات 47 ) أى أن الله جل وعلا سيجعل توسع السماء عملية قائمة ثابتة مستمرة ، والتعبير جاء بالجملة الاسمية (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) التى تفيد الاستمرار والثبات على نفس الفعل
وفى الصفحة العلمية لجريدة الوفد المصرية (29 يولية 1987 ) وتحت عنوان ( الكون فى حالة تمدد بسرعة هائلة وفى جميع الاتجاهات ) إشارة الى نظرية (الميل الأحمر ) والتى على أساسها قدر العلماء عمر الكون الذى بدأ بانفجار هائل ، ومن وقتها بدأ الكون يتسع ، وزيادة الميل الأحمر يدل على أن الكون آخذ فى الاتساع و التمدد، ويقول العالم الابريطانى فرايد إنه كلما اتسع الكون ظهرت فيه تكوينات جديدة من النجوم لملء الفراغ. ومما أكد للعلماء تمدد الكون حركة النجوم المستمرة وعدم ثبات المسافة بينها. وبعد أبحاث استمرت عشرين عاما قال العالم الأمريكى الين سانديج ان سرعة تمدد الكون هى 235 مليون ميل فى الدقيقة ، وأن هذا التمدد بدأ من 18 بليون سنة ، وأن الكون يتمدد بسرعة منتظمة فى جميع الاتجاهات .. وفى عام 1974 أعلن أربعة علماء فى الفلك برئاسة د. ريتشارد جوت من جامعة تكساس أن الكون فى حالة تمدد غير محدد المدى ولا نهائى ، ويقولون أنه طبقا لنظرية اينشتاين فى النسبية فإن الكون (مقوس ) يأخذ الشكل الدائرى بالتقاء الأقواس ،أو إنه اتخذ الشكل الدائرى فعلا من بلايين السنين
والمهم لنا هنا أن ما أكده المقال من أن نظرية النسبية لاينشتاين عام 1916 تؤكد بالمعادلات الرياضية أن الكون فى حالة تمدد مستمر ،وأنه (مقوس )، وأكد نفس الحقيقة العالم الروسى فريدمان عام 1922
والسؤال هنا : ماهى الصلة بين الانفجار الأكبر الذى نتج عنه خلق الكون ، ثم تمدد الكون الى ما يقوله رب العزة عن قيام الساعة وتدمير ذلك الكون ؟ تتاتى الصلة من عاملين : الأول : سبقت الاشارة اليه وهو أن تمدد الكون يأخذ شكل القوس الدائرى ، والثانى هو موضوع كتاب الدكتور عبد المحسن صالح عن الزوجية فى الكون أوالمادة النقيضة
3
ـ الزوجية وتدمير الكون عند الالتقاء
قبل أن نوجز ما قاله د. عبد المحس صالح فى كتابه نستشهد بقوله جل وعلا عن تمدد الكون : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( الذاريات 47 : 49 )،أى أن الله جل وعلا ذكر تمدد الكون وألحق به أن كل المخلوقات تتألف من زوجين (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ )، أى سالب وموجب ،او المادة التى نعرفها والمادة النقيضة لها. أى أن هذا الامتداد تفرع الى اتجاهين نقيضين ،أحدهما هذا الكون والآخر هو الكون النقيض
أى إن الانفجار الكبير ( البج بان ) قد نتج عنه خلق كونين نقيضين ، وكلاهما يتمدد مبتعدا عن نقيضه، ولكن التمدد يأخذ الشكل البيضاوى الدائرى ، مما يجعلهما يلتقيان فى النهاية، وعندما يلتقيان ينفجران ويتبددان ، ويعود الحال الى نقطة الصفر الأولى، وهذه هى القيامة التى تمثل نهاية الدورة فى الخلق . وأوجزها الله تعالى فى هذه الصورة المجازية الرائعةعن قيام الساعة : (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ)(الأنبياء 104 ). أى فهذا الكون ( من السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات ) مثل كتاب انفتح فانقسم الى جزئين ذهب كل منهما فى اتجاه مناقض للآخر ، ثم يعودان الى الالتقاء ليحل العدم
وننقل بعض ما قاله د. عبد المحسن عن الكون والكون النقيض ، يقول ص 120 : ( المادة والمادة النقيضة لا بد أن تتساويا تماما ، بمعنى أن نصف الأجرام السماوية من المادة ونصفها الآخر من المادة النقيضة ، وهنا نستطيع القول بألأن مبدا الازدواجية قد اكتمل على مستواه الكونى ) . ويقول ص 52 : 53: ( فى عام 1977 توصا العلماء الى تخليق نواة نقيضة لذرة الايدروجين عندما نجحوا فى السيطرة على تجميع بروتون نقيض فى نواة ، ولكن النواة النقيضة ما لبث أن ماتت فى لحظة خاطفة لتتحول الى موجات كهرومغناطيسية . وأصبح بالامكان تخليق الايدروجين النقيض والكربون النقيض والاوكسجين النقيض والنتروجين النقيض . والذرة النقيضة لا تختلف عن الذرة العادية فى صفاتها الطبيعية أو الكيمائية ،فلا تستطيع أن تفرق بين الذهب والذهب النقيض،أو الماء والماء النقيض ، ولكن ليس هناك مكان واحد على كوكبنا نستطيع أن نحتفظ فيه بقطرة ماء نقيض ، اللهم إلا إذا أوجدنا لها فراغا مطلقا على أرضنا لتقف معلقة فيه بحيث لا تقربها ذرات عالمنا . والانسان مهما بلغت وسائله العلمية لا يستطيع ان يتوصل الى خلق فراغ مطلق ، ولهذا لا يمكن ان تعيش أى ذرة نقيضة فى عالمنا إلا لحظة وجيزة ، وبعدها تفنجر بمجرد ملامستها لأى ذرة أرضية، وتختفى على هيئة موجات إشعاعية تنطلق فى الكون بسرعة الضوء. إن الفارق بين الذرة فى عالمنا والذرة نقيضها هو أن الذرة النقيضة معكوسة الشحنات والمجالات والأقطاب المغناطيسية وحركة الدوران) . 
وتحت عنوان (المادة و المادة المضادة فى الفضاء الخارجى ) قالت الصفحة العلمية فى جريدة الوفد بتاريخ 2 سبتمبر 1987 : ( تعتبر الأجسام المضادة فى الفضاء الخارجى اكثر فروع العلم تعقيدا ، حيث أن كل ما نشر عنها مجموعة أبحاث غامضة . ويقول العالم الذرى الفرنسى جان دوبليس رئيس معهد التطبيقات النووية فى ساكلاى :إن اكتشاف الاجسام المضادة يفتح بابا واسعا لاحتمالات الخطر الذى يمكن أن يتعرض له رواد الفضاء فى رحلاتهم حول الأرض أو الى القمر أو فى رحلات أطول فى المستقبل ،إذ أنه عند إلتقاء الجسم مع مادة مضادة فى الفضاء الخارجى يتلاشى الاثنان ، وتنطلق طاقة هائلة. ) 
ونعود الى د. عبد المحسن ليشرح لنا ماذا يحدث عن التقاء المادة بالمادة النقيضة أو المضادة : يقول ص 20 :( إذا تقابل اليكترون بضده فلا بد أن يفنى أحدهما الاخرفناءا تاما ، وتتحول مادتهما الى حالة موجبة أو الى ومضتين حارقتين تجريان فى الكون بسرعة الضوء. ومعناه أن الاليكترون ونقيضه يولدان معا فى نفس اللحظة وفى نفس المكان،ويموتان معا لو تقابلا فى أى زمان ومكان). ويقول ص 55 : ( كل ما حولك وما فيك قد إتخذ صورة المادة ، ولكنها مادة مجسدة من طاقات جبارة أو إشعاعات مدمرة . لنفترض أنك تمسك بيدك زجاجة بها لتر من لبن ، وانك خلطته ـ مجرد فرض ـ مع لتر آخر من لبن نقيض ، عندئذ يختفى كل اللبن ويختفى كل ما حولك حتى لو كان مدينة كبيرة بها ملايين البشر، فقد تحول اللبن ونقيضه من حالتهما المادية الى طاقات جبارة تهلك الناس والحجارة . ونظرية النسبية تقول : الطاقة = الكتلة بالجرامات مضروبة فى مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر فى الثانية. أى 2 لتر من اللبن = 2000 جرام ، وسرعة الضوء فى الثانية = 30 ألف مليون سم ،إذن فالطاقة = 2000 مضروبة فى 30 ألف مليون مضروبة فى 30 ألف مليون أرج . والأرج هو وحدة الطاقة . اى يساوى 18 وامامها 23 صفرا . وبالتفجير العملى = 44 مليون طن من مادة ت.ن .ت شديدة الانفجار ،أو 2200 قنبلة ذرية من نوع هيروشيما ) كل ذلك من افتراض التقاء لترى لبن نقيضين . ويتساءل فى ص 142 : ( ماذا يحدث لو التقى نجم مع نجم نقيضه ؟ لالتهم احدهما الاخربعنف لا يمكن تصوره ، وكأنها القيامة )..!!ونكتفى بهذا لنتخيل التقاء هذا الكون كله ( السماوات والأرض وما بينهما ) بنقيضه . هنا تقوم القيامة ، ويتم تدمير العالم كله
4
ـ ونحن نعرف قيام هذه الحياة على الزوجين الذكر والأنثى فى الحيوان والانسان والنبات ، ثم وصل العلم الى سريان قانون الزوجية الى الاليكترون والاليكترون النقيض ، والمادة و المادة النقيضة ، والكون والكون النقيض . وسبق القرآن الكريم فى الاشارة الى تعميم قانون الزوجية ليشمل كل الخلق ، فالله جل وعلا وحده هو (الأحد ) وما عداه من الخلق يقوم على الزوجية ، سواء كان كائنا حيا من البشر والملائكة والجن والشياطين والحيوانات والنبات ،أم مادة جامدة من ذرات وكواكب ونجوم ومجرات وسماوات، يقول تعالى :(وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )( الذاريات 47 : 49 ) ويقول :( وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا )( الزخرف 12 ). ومهما وصل بنا العلم فلن نعرف كل الخلق ، حتى ما كان منه فى عالمنا ، فكيف بنقيضه وهو ما لا نعلمه ، يقول جل وعلا : (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ) ( يس 36 ). والسماوات السبع تخرج حتى الآن عن نطاق علمنا ، فكيف بنقيضها ؟ 
وحتى نتخيل الفزع الأكبر لمن سيشهد من البشرالانفجار الأكبر القادم والذى سيدمر العالم، دعنا نتذكرالحسابات التى أجراها د. عبد المحسن صالح عن الانفجار الذى يحدث عند التقاء لتر واحد من اللبن بنقيضه ، وهو يساوى 2200 قنبلة ذرية من نوع هيروشيما ، فكيف عندما ينتج الانفجار عن التقاء السماوات والأرض وما بينهما من مجرات بنقيض ذلك كله ؟ وعلى قدر هذا الانفجار سيكون الفزع الأكبر للبشر حينها
ثانيا : تدمير العالم لن يكون بسبب داخلى بل بسب إلتقاء الكون والكون النقيض
1
ـ وبعض العلماء فى عصرنا يتوقعون نهاية العالم باصطدام (نيزك ) بالأرض ، أو اصطدام نجم مع الشمس أو بوقوع الشمس فى نطاق ثقب أسود ، أو وصول الشمس الى درجة الهرم وانفجارها من الداخل لتتحول الى ثقب أسود ، ويضعون تقديرات لهذا تصل الى بلايين السنين . ولكن نفهم من القرآن الكريم أن تدمير العالم لن يأتى من الداخل بل سيأتى عندما يلتقى الكونان النقيضان فيعود العالم الى نقطة الصفر والعدم
2
ـ والله جل وعلا يستعمل فى القرآن الكريم المجاز فى اللسان العربى ليقرب لأفهام الناس الغيب الماضى وغيب المستقبل ، وما يستحيل عليهم إدراكه بعقولهم البشرية المرتبطة بأحوال الدنيا والعالم المرئى،أو (عالم الشهادة). 
ومن المعروف ان التساوى بين قوتى الجاذبية الأرضية وقوة الطرد المركزى هى التى تحفظ وضعية مسار كل الكواكب والنجوم ، وقد جاء التعبير القرآنى عنه بأن الله جل وعلا يمسك السماوات والأرض ، أى إن قوانين الجاذبية و الطرد المركزى تسرى على ما لا ندركه من السماوات السبع فى هذا العالم ، يقول جل وعلا :(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) ( فاطر 41 )،أى فالتحكم فى السماوات والأرض بالبقاء أو الفناء بيد الله جل وعلا وحده ،وعليه فعندما يأذن الله فسيتم تدمير هذا العالم كله ، بأن ينهار نظام التحكم فيه ، يقول جل وعلا : (وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)(الحج 65). 
3
ـ والحسابات الرياضية هى التى وصل بها اينشتاين فى مكتبه الى نظرية النسبية ، والحسابات الرياضية هى الى تمكن العلماء فى فهم ألغاز الفلك وهم فى معاملهم دون أن يتكلفوا الصعود الي الفضاء الخارجى ، لأن حساباتهم الفلكية تحملهم إلى أبعد ما يتصورون . ومن حساب حركة الشمس وحركة القمر اتخذ الانسان تقاويمه الشمسية و القمرية: يقول تعالى :(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أى أن هذا النظام الكونى يخضع لحسابات دقيقة ،أو ميزان دقيق ، يفسره قوله تعالى (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ )(الرحمن 5 ، 7).والميزان هو ما نسميه بالتوازن فى (الطبيعة ). وعندما يأذن الله جل وعلا فسينهار هذا الميزان فيتدمر كل شىء موجود الآن
4
ـ وبعض الايات التى تشير الى إعجاز علمى فى القرآن تؤكد هذا النظام الدقيق لحركة الكون ، يقول تعالى عن قانون الزوجية :(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) وبعده يشير الى آية تتابع الليل و النهار نتيجة دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس ، ويعتبرها آية لمن يعتبر ويتعظ : (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) ثم يقول عن الشمس : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فستظل الشمس تجرى فى فضاء المجرة الى ان تصل الى النقطة المحددة لها ،أو المستقر المحدد لها حيث ينتهى كل شىء بالدمار. ويقول تعالى عن القمر:(وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) وهنا الحديث عن أوجه القمر من البدر الى الهلال ، ثم يشير جل وعلا الى أن لكل من الشمس والقمر مداره فى الفضاء ، ولكل منها حركته المحسوبة التى ينتج عنها الليل و النهار : ( لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )( يس 36 : 40) . 
5
ـ وعن الجاذبية الأرضية وقوة الدفع المركزى التى تحفظ لكل جرم سماوى مداره يقول تعالى : (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) وحقيقى فلن نستطيع رؤية الجاذبية و نقيضها ، وإن كنا نعيش فى إطارهما ، ثم يقول تعالى يصور تمام تحكمه فى الكون : (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) ويقول عن الشمس والقمر، وجريان كل منهما فى مداره لأجل محدد ومسمى من عند الله جل وعلا: ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ) ( الرعد 2
6
ـ وعن الانفجار الذى أنتج هذا العالم بالكونين المتناقضين يقول تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) ثم يؤكد على حقيقة علمية هى أن الماء أساس الحياة : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ) ثم يذكر دور الجبال فى حفظ القشرة الأرضية حتى لا تسقط بيابسها وبحارها فى أتون اللهب المستعر فى باطن الأرض : ( وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ ) ويقول عن الممرات الجبلية:(وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) ويقول عن حفظ الغلاف الجوى للأرض (حزام الأوزون ):(وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) ثم يقول عن النظام المحكم فى الفضاء : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) ( الأنبياء 30 : 33 ). وبالانفجار القادم سينهار كل هذا النظام المستقر
7
ـ والرعب ينتاب البشر من الصواعق التى تسقط على الأرض ، وقد يراها البعض عشوائية ، ولكن لا شىء يجرى عشوائيا فى ملك الخالق جل وعلا ، يقول ربى سبحانه وتعالى : (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء ) ( الرعد 13 ) فالصواعق محسوب مقدما منشأها ووقتها وموقع سقوطها ومن ستقع عليه وماذا ستقع عليه ، وكيف ستنتهى مادتها ، كل ذلك يدخل ضمن التقدير الالهى فى الخلق ، فكل شىء فى الخلق محسوب ومقدر من دون الفامتو ثانية الى ما هو أسرع من السنة الضوئية ، يقول جل وعلا : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) ( الفرقان2 ) ومن ضمن التقدير الالهى ان ينتهى كل الخلق باسرع من سرعة الضوء (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) ( القمر 49 : 50
ثالثا : استعمال القرآن للمجاز فى وصف الإنفجار القادم الذى سيدمر العالم
ولأن اللغة العربية لا تكفى للتعبير عن هذا الانفجار القادم ـ قريبا ـ فإن رب العزة يستعمل المجاز اللغوى ليقرب الى الناس تخيل الانفجار القادم وما يصاحبه من صوت وصعق. إن الأذن البشرية ليست مؤهلة لسماع كل شىء فى هذا العالم ، وكذلك العين البشرية . ولقد جرّب البشر أصوات انفجارات فى الأرض فى الزلازل والبراكين والقنابل الذرية ، والصواعق والرعد والبرق ، ولكن الانفجار القادم يوم تقوم الساعة مختلف ولم تعرفه البشرية بعد ،ومن هنا يأتى عجز اللغة البشرية عن التعبير عنه إلا بالمجاز مع إضافة بعض الملامح التى يتميز بها هذا الانفجار عما نعرفه من انفجارات. ونضطر هنا الى إشارات مقتضبة
1
ـ إن الأغلب فى التعبير عن الانفجار القادم هو ( النفخ فى الصور) تعبيرا عن تمام تحكمه جل وعلا يوم الدين : (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ) ( الأنعام 73 ). الخبرة البشرية وقت نزول القرآن الكريم أن النفخ فى الصور هو أعلى صوت يصنعه الانسان ، وهو دليل صوتى على تحكم الملك أو السلطان فى الاحتفالات والمناسبات الملكية والأميرية
ومن هنا جاء استعماله مجازا فى التعبير عن الانفجار الهائل القادم الذى يدل على مجىء مالك يوم الدين جل وعلا. ويلاحظ أن أحداث الساعة و القيامة يأتى التعبير عنها بالماضى المجهول ، فالله جل وعلا ترك للبشر فى هذا العالم حرية الايمان وحرية الكفر وحرية الطاعة وحرية المعصية وحرية الحركة و التنقل و التصرف ، ولكن النفخ فى الصور يعنى مجىء المليك الأعظم وانتهاء حرية الانسان واحضاره معتقلا ليلقى مصيره ،أو بالتعبير القرآنى : (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) ( يس 32 )،أى حين ينفخ فى الصور لا يستطيع أحد الهرب ، بل تأتى كل نفس معها سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ )( ق 20 : 21). هذه هى النفخة الأولى أو الانفجار الأول لقيام الساعة وتدمير هذا العالم ، وفى النفخة الثانية أو الانفجار الثانى بعث البشر واستحضارهم جميعا مقبوضا عليهم ، يقول جل وعلا : (إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) ( يس 53 ). ويلاحظ ان التعبير هنا لم يات بالنفخ فى الصور ولكن ب(الصيحة الواحدة )، وهو نفس استعمال المجاز اللغوى لتقريب ما لم ندركه بعد
وفى كل الأحوال فالكلام عن الساعة واليوم الاخر يأتى عادة بالمبنى المجهول دليلا على ان عهد الحرية قد انتهى بالنسبة للبشر من لحظة الموت ، ويستمر أصحاب النار فى اعتقالهم الأبدى بينما يتحرر أصحاب الجنة بدخولها
2
ـ بالاضافة الى نفخ الصور ياتى التعبير القرآنى أيضا يصف الانفجار القادم بالصيحة:(وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ )( إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ)(يس 48 ، 53) ، والتجربة البشرية تستبعد أن تتسبب صيحة مهما كانت قوتها فى تدمير العالم ، وأن تتسبب صيحة أخرى فى بعث الموتى وحشرهم
أى أننا هنا أمام نوع لا نعرفه من الانفجار ، قد يعبر الله تعالى عنه مجازا بأنه ( نقر فى الناقور ) : (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِير ) ( المدثر 8: 10 ) أو أنه صوت يخرق الأذن ،أو (الصاخة ) : (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) ( عبس 33 : 37 ) أو هو (القارعة ) التى تقرع السمع : (الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ) ( القارعة 1 ـ ). ولكنه أنفجار صاعق ، وبنوعية لا نعرفها من الصعق ، إذ يصعق الكون بنقيضيه فيصير لا شىء ، ويصعق من شاء الله جل وعلا لهم الصعق ،ويحدث البعث والنشور و الحشر(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ) ( الزمر 68 )، (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) ( الطور 45 ) فكيف يكون إثنان فى مكان واحد يصعق أحدهما دون الآخر حسب العمل والايمان ؟ 
3
ـ وكما جاء تصوير الانفجار بالصوت والصعق فقد جاءت إشارة أخرى الى وصف حركته ،فى قوله جل وعلا : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ )( النازعات 6 : 7 )وهنا إيجاز رائع للانفجار الأول ووصفه بالرجفة ، ثم مجىء الانفجار الاخر مرادفا ، وتتركنا الاية الكريمة نتخيل الرجفة الأولى والرجفة الأخرى المرادفة لها
رابعا : الانفجار القادم انفجاران و ليس إنفجارا واحدا
1
ـ إذن هناك أنفجاران ، الأول إنفجار تدمير العالم الحالى ( الساعة )، والتالى هو انفجار(القيامة) بخلق الأرض البديلة والسماوات البديلة الخالدة والبعث والحشر والحساب والجنة والنار
2
ـ وفى هذا يقول جل وعلا عن البشر الذين لم يقدروا الله جل وعلا حق قدره، وسيفاجأون مفاجأة قاسية يوم القيامة : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ( الزمر 67 ـ). 
قوله تعالى (وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) تعبير مجازى عن تمام تحكمه يوم القيامة بحيث تنعدم حرية البشر ويؤتى بهم للحساب بما فيهم الأنبياء. ( وهنا إشارة ضمنية لمن يرفعون اسم النبى محمد الى جوار اسم الله جل وعلا ، فهم لم يقدروا الله جل وعلا حق قدره ) والشاهد هنا أن ( نفخ الصور ) أو الانفجار سيأتى مرتين ، فى الانفجار الأول يتم صعق جميع المخلوقات فى السماوات والأرض سوى من سيثتثنيهم الله جل وعلا ، وفى هذه الصعقة سيتم تدمير العالم : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ) ،وفى النفخة الأخرى سيكون البعث:(ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) . 
وفى هذه النفخة او ذلك الانفجار الآخر سيتم خلق عالم جديد يكون بديلا ومناقضا للعالم الذى تم تدميره ، فاذا كان العالم الذى تم تدميره لا يتحمل مجىء الله جل وعلا فان العالم القادم واليوم الاخر سيتحمل مجىء الرحمن والملائكة صفا صفا : (كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر 21 : 22) ، وستشرق الأرض الجديدة بنور ربها(وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ).وإذا كان العالم الذى تم تدميره ممكنا تدميره وله بداية ونهاية فان السماوات الجديدة والأرض الجديدة ،أو العالم الجديد له بداية ولكن يظل خالدا مخلدا ، بنعيم أبدى أو بجحيم أبدى . يقول جل وعلا عن العالم القادم بعد الانفجار الآخر:(يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )( ابراهيم 48 ). التبديل هنا تناقض كامل بين الأرض الحالية والأرض القادمة ، وبين السماوات الحالية والسماوات القادمة ، وبين حال أبناء آدم الآن وحالهم المؤبد فى الجنة أوالنار
3
ـ ويقول جل وعلا : (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(يس 48 : 54). التعبير هنا بالصيحة مكان نفخ الصور. وفى الصيحة الأولى يكون الموت لآخر جيل فى الأرض بحيث لا يستطيع من فى بيته النطق بالوصية ، ولا يستطيع الغائب عن أهله الرجوع . وفى الصيحة الأخرى يتم بعثهم وحشرهم وإحضارهم الى لقاء الرحمن
4
ـ وبالسياق القرآنى يمكن التعرف على الانفجار الأول ، فمثلا يقول تعالى عن يأجوج ومأجوج وخروجهم لسطح الأرض واختلاطهم بالبشر قبيل قيام الساعة ونهاية العالم : (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا)(الكهف 99 ). ويقول جل وعلا عن تدمير العالم بعد الانفجار الأول : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ) (الحاقة 13 : 16
5
ـ وبالسياق القرآنى أيضا نميّز الانفجار الآخر ، يقول جل وعلا : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ )( يس 51) فهذا هو الانفجار الخاص بالبعث ، ومثله قوله تعالى عن الحشر: (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ) (طه 102 ) ويقول جل وعلا عن الصيحة أو صوت الانفجار الذى سينتج عنه البعث والحشر : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ) ( ق 42 : 44 ) . ويقول أيضا عن البعث ويوم الفصل والحساب : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا)(النبأ 17 ـ
5
ـ والزمن القادم سيكون مختلفا ، ليس زمنا متحركا مثل زمننا ، بل هو زمن خالد حالّ واقف ليس فيه ماض ولا مضارع ولا مستقبل ، وبكيفية لا نستطيع تصورها ، ولذا يأتى فى السياق القرآنى أحيانا بالنفخ فى الصور والانفجار بصورة واحدة تنطبق على الانفجار الأول والآخرمعا ، وذلك فى معرض الايجاز ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ)( المؤمنون 99 ـ ) فهنا كلام عن الموت والبرزخ ثم نفخ الصور أو الانفجار والبعث فى سياق واحد ، وهذا الايجاز استلزم الاشارة الى نفخ الصور مرة واحدة
ويقول جل وعلا يربط البداية بالنهاية فى ايجاز واعجاز :(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) ( ق 16 ـ
خامسا : قيام الساعة والانفجار الأول وتدمير النظام الكونى القائم
1
ـ بأسرع من سرعة الضوء يحدث الانفجار فينسف النظام الكونى ويدمر السماوات السبع والأرض وما بينهما من أجرام سماوية . ولقد تردد فى القرآن العظيم ملامح هذا الانفجار الأول فى تدمير العالم فى سور كثيرة منها :( الحاقة 13 ـ 16 )( المزمل 14 ) التكوير 1 : 7 )( طه 105 : 107 )(الأنفطار 1 : 4 )( الزلزلة 1 ـ )( القارعة 1 ـ ) ( الانشقاق 1 : 5 ) ( المعارج 8 :9 ) (الواقعة 1 : 6 ) ( المرسلات 7: 10 ) ( الطور 7 : 11 ) ( النازعات 6 : 7 ) ( النبأ 19 : 20). 
2
ـ ومنها نعطى بعض الملامح القرآنية فى تدمير هذا العالم
الأرض والجبال : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ) (يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ
الأرض :( إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا ) (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) (وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ
الجبال : (وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلا ) (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ) (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ) (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا ) ( وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ) (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ)( وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا
البحار (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ
السماء : (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) (وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ) (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ) ( وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا ) (وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ) (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا
القمر : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ
الشمس : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ
النجوم : (وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ) ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ
الكواكب : ( وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ
الأحياء : (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ). 
والتوقف مع تحليل تلك الملامح يخرج عن موضوعنا لأن موضوعنا الأساس هو الفزع الأكبر الناجم عنها
سادسا : ملامح الفزع فى الانفجار الأول
يقول جل وعلا يحذر مقدما من زلزال الساعة :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ )( الحج 1 :2 ). الملاحظ هنا أن هذا الوقت الذى سيشهد فيه آخر جيل بشرى قيام الساعة هو أقل وقت يمكن تصوره ،لأن الساعة ستأتى بغتة وبأسرع من الضوء ، ولكن الفزع الذى سينتج من هذا الوقت سيكون عميقا كما لوكان خالدا ، ففى هذا الوقت الذى هو أسرع من سرعة الضوء ستتكثف مشاعر الرعب والفزع بحيث تذهل المرضعة من البشر و الحيوان عن رضيعها ، وتسقط كل انثى حامل ،أى إجهاض قهرى لكل الحوامل من الأحياء ، أما البشر أصحاب الادراك فسيضيع منهم الادراك ، سيكون حالهم غير مسبوق ، فى حالة سكر بدون سكر ، كيف تكون سكرانا وأنت لست بسكران ؟ كيف تسكر بدون أن تشرب أى شىء مسكر؟ حالة فريدة غير مسبوقة ، ولكن ستحدث لمن سيعيش وقت قيام الساعة . هنا يصف الله جل وعلا ملامح الفزع دون أن يذكر إسم الفزع ، ويأتى بمشاهد وأحاسيس غير مسبوقة ليؤكد أن الفزع سيكون غير مسبوق
سابعا : ملامح الفزع فى الانفجار الآخر
1
ـ يقول جل وعلا : (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ) ( النمل 87 ). الفزع هنا يقتصر على البعض دون الكل مع أنه يشمل الخلق فى السماوات والأرض ، ومع أن الجميع سيأتون لله تعالى خاضعين
2
ـ المؤمنون الصالحون هم فقط الناجون من هذا الفزع. يقول جل وعلا : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) ( الأنبياء 103 ) يؤكد هذا قوله تعالى ( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( النمل 89 : 90
3
ـ فى فزعهم الأكبر يحاول أصحاب السيئات الفرار ، ولكن دون جدوى : (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ) ( سبأ 51
4
ـ فى مقابل الفزع الأكبر للمجرمين لن يكون هناك خوف على المؤمنين الصالحين ، ولن يشعروا بحزن . ومن وقت نزول آدم الى الأرض جعلها رب العزة قاعدة سارية المفعول ، فكل من اتبع الهدى من أولاد آدم لا خوف عليه ولا حزن ، قال جل وعلا (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( البقرة 38 ). وتأكدت وتكررت هذه القاعدة فى القرآن الكريم لتشمل المؤمنين الصالحين فى كل زمان ومكان بغض النظر عن الملل و النحل والانتماءات المذهبية : ( البقرة 62 ، 112 ، 262 ، 274 ، 277 ، )( آل عمران 170 )( المائدة 69 )( الأنعام 48 )( الأعراف 35 ، 49 )( يونس 62 ) ( الزخرف 68 )( الأحقاف 13).
أخيرا
1
ـ هذه لمحة عن غيب قادم أنبأ به رب العزة فى القرآن الكريم . هناك من يصدق به قلبا ويستعد له بالعمل الصالح ، وهناك من يصدق به ظاهريا دون أن يصحح سلوكه ، وهناك من ينكره ويتندر به . والأكثرية عنه غافلة . وللجميع حرية التصديق وحرية التكذيب وحرية السلوك ، ولكن أمد هذه الحرية قليل ويتضاءل كلما اقترب الانسان من الموت ، ويفقد الانسان تلك الحرية عند لحظة الاحتضار.
عندها يعجز الأهل والطب عن إنقاذه من الموت ، وعندها يرى عالما لا يعرفه و ملائكة أتت لتقبض نفسه ، وهنا يختلف موقفه وموقعه ،إن كان ناجحا فستطمئنه الملائكة وتجنبه الخوف والفزع وتؤكد له أنه لا خوف عليه ولا حزن : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) ( فصلت 30 :31 ) أما إن مات ظالما كافرا فسيكون له مع ملائكة الموت شأن آخر :( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) ( محمد 27 )( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ( الأنفال 50 : 51). 
2
ـ ولقد قال جل وعلا : ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) ( الأنبياء 1 : 3 )، أى قال الله جل وعلا منذ أكثر من 1400 عام باقتراب يوم الحساب ، ومع ذلك فلا يزال الناس عنه فى غفلة معرضون لاهية قلوبهم . بل إن أغلب المسلمين قد استعد لهذا اليوم بتكذيب آيات الله تعالى فى القرآن وبالايمان بأكاذيب الأحاديث وبتشويه اسم الاسلام بالارهاب و التعصب والتطرف بينما تخصص طغاة المسلمين فى ارهاب المؤمنين المصلحين المستضعفين فى الأرض
3
ـ والى المؤمنين المجاهدين الصابرين المستضعفين فى الأرض نقول لهم صبرا.. ونقرأ معهم قوله جل وعلا : ( فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى) ( المعارج 5 : 18
4
ـ ودائما ـ صدق الله العظيم

 

الملحق الثالث :

يأجوج ومأجوج
مقدمة : 
1 ـ فى الاعدادى الأزهرى لم يقنعنى التفسير الاسطورى لموضوع يأجوج ومأجوج لأن سطح الأرض أصبح مرئيا لا وجود فيه للسد بالطريقة الى قالتها أساطير التراث . وأرهق عقلى أن الله جل وعلا يؤكد وجودهم تحت الأرض حتى قبيل قيام الساعة ، فأين هم الآن ؟ . 
2 ـ حملت هذه المشكلة فى عقلى ، أنا أومن بما قاله رب العزة بوجودهم الى قبيل قيام الساعة ليكون خروجهم من باطن الأرض آخر علامات الساعة . والسؤال الموجع :ما هو الدليل على وجودهم . 
3 ـ ثم نشرت جريدة الأحرار على صفحة كاملة فى الثمانينيات عرضا لكتاب غربى يؤكد أن باطن الأرض مسكون بحضارة متقدمة ، بعدها نشرت روزاليوسف عرضا لكتاب آخر مفصل عن وجود هذه الحضارة المتقدمة فى باطن الأرض . 
4 ـ كنت فى أمريكا عام 1988 وجمعت كتبا متصلة بالموضوع وهى هذه الكتب:
Hidden Worlds
Fresh Clues to the Past
By M.H.J.Van der Veer and P. Moerman
The Stairway to Heaven
By Zecharia Sitchin
The Cave Of The Ancients
By Lobsang Rampa 
The Cosmic Connection
By Carl Sagan
The Outer Space Connection
By Alan and Sally Landsburg
Chariots of The Gods?
By Erich Von Daniken’s
Colony : Earth 
By Richard E. Mooney
Understanding MU
By James Churchward
The Sacred Symbols of MU
By James Churchward
The Dragons Of Eden
By Carl Sagan
Miracles Of the Gods
By Erich Von Daniken 
Forgotten Worlds
By Robert Charroux
The Bermuda Triangle
By Charles Berlitz
Lmbo Of the Lost
By John Wallace Spencer
The Devil’s Triangle
By Richard Winer 
In Search of Ancient Gods
By Von Daniken
The Golds of The Gods 
By Erich Von Daniken
5 ـ وعدت بها مع أوراقى الى مصر ، حيث قضيت ليلتين فى سجن أمن الدولة الى ان قاموا بفحص كل اوراقى كتبى ، ثم أفرجوا عنى . إنشغلت بعدها فى بحث عن وجود يأجوج ومأجوج إعتمادا على هذه الكتب ، ثم بمتابعة ما تنشره الصحف المصرية خلال التسعينيات ـ خصوصا جريدة الوفد فى صفحتها العلمية . 
6 ـ فى عام 2007 أتممت صياغة أولية لكتاب ( يأجوج ومأجوج ) بالعربية ، وبعثت به مع عمرو الباز ليقوم أخى عبد اللطيف بكتابته مع أبحاث أخرى كانت معدة للنشر فى موقع أهل القرآن . وقتها تم القبض على عبد اللطيف وأصحابه ، وهوجمت شقتى فى القاهرة وصودر ما فيها، وإعتقلوا عمرو الباز ، وأصبح فى نفس السجن مع عبد اللطيف . وصودرت أبحاثى التى بعثت بها مع عمرو الباز . وكان منها كتاب ( يأجوج ومأجوج ). 
7 ـ لا زلت أتابع الموضوع ، ليس فقط فى الكتب ولكن فيما يظهر على الانترنت ، وهو موضوع ضخم ، ويؤكد إعجاز القرآن فى موضوع ينتظره البشر ، وهو من آخر علامة من علامات الساعة . أرجو أن يُتاح لى الوقت والجهد لاستكمال هذا الكتاب عن أولا : 
فكرة عامة عن ياجوج ومأجوج : 
1 ـــ آدم أبو البشر كان خليفة ، ليس خليفة الله فى الأرض وإنما خليفة فى الأرض لخلق هائل كان يسيطر على الأرض ونشر فيها الفساد وسفك الدماء فحرمه الله جل وعلا من خلافة الأرض ،وشاء الله تعالى أن يأذن يتغييب هذا الخلق فى جوف الأرض واستخلاف آدم وذريته مكانهم ، وسيظل الأمر كذلك إلى قبيل قيام الساعة ، وعندها يخرج أولئك القوم من باطن الأرض ويختلطون بالبشر وعندها يتم تدمير العالم .
2 ـــ قبل آدم وذريته كان يأجوج ومأجوج متحكمين فى الأرض ، يفسدون فيها ويسفكون دماءهم بينهم. قال جل وعلا للملائكة:(إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، أى خليفة سيخلف يأجوج ومأجوج ، فردت الملائكة من واقع خبرتها بما تراه من سلوك يأجوج ومأجوج:( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30) البقرة )، وأهبطه الله جل وعلا آدم ليكون خليفة فى الأرض . 
3 ـــ وفى أحدى ثنايا الكرة الأرضية توالد أبناء آدم ، وكان يعوق انتشارهم وسيطرتهم على الأرض وجود يأجوج ومأجوج فى تمام سيطرتهم وقوتهم وطغيانهم ، ولكى يتاح لأبناء آدم فرصة للبقاء والتمكين والإستخلاف فى الأرض كان لابد من تدخل إلهى يترتب عليه حجز يأجوج ومأجوج فى باطن الأرض وترك سطح الأرض خاليا لأبناء آدم . وهذا ما جاء فى ثنايا قصة ذى القرنين.
ثانيا :
فى سورة الكهف : تمكين مؤقت لذى القرنين ليفصل بين بنوآدم ويأجوج ومأجوج
1 ـــ واضح أنه كان هناك تساؤل عن ذى القرنين ، وسئل النبى محمد عليه السلام عن ذى القرنين ، وانتظرالنبى ـ كالعادة ـ الى أن نزلت الاجابة فى قول رب العزة:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) الكهف ) ، أى فى القرآن الكريم مجرد لمحات عن ذى القرنين ، وبينها فراغات كثيرة غير مذكورة ، ولأنها غيب فلا يصح لأحد أن يتكلم فيها ، وإلا كان الكلام خرافة ، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله جل وعلا . ونتدبر فى الآيات بعيدا عن الخرافات : 
2 ـ لقد أعطى الله تعالى ذا القرنين هيمنة على الأرض تفوق هيمنة يأجوج ومأجوج، يقول تعالى عنه: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا ) الكهف 84-85). واستخدم كل تلك القوة فى حجز يأجوج ومأجوج داخل جوف الأرض وإقامة سد أو ردم يحجز بينهم وبين سطح الأرض من حيث يوجد أبناء آدم .
3 ــ ونتوقف مع قوله تعالى عن حوار جرى بين أبناء آدم وذى القرنين : ( قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) الكهف 94 – 95). وفى قولهم يأجوج ومأجوج أنهم مفسدون فى الأرض يذكرنا بقول الملائكة لرب العزة جل وعلا حين قال لهم:(إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، حيث قالوا له:(أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) البقرة 30 ). ونتأمل رد ذى القرنين: ( ما مكنى ربى فيه خيرا )، فهذا تمكين إلهى لذى القرنين تمكن به من إقامة الردم أو السد الحاجز الذى سيظل مانعا لإختلاط يأجوج ومأجوج بالبشر إلى أن تقوم الساعة ، ونقرأ قوله تعالى عن يأجوج ومأجوج وذلك الردم أو السد " فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا) الكهف 97-99 " .
ثالثا : 
يأجوج ومأجوج فى سورة الأنبياء 
1 ـ جاء ذكر يأجوج ومأجوج فى سورة الأنبياء ونعطى لمحة سريعة عنها : 
القسم الأول من سورة الأنبياء هو وعظ الناس : بتبصيرهم وتذكيرهم بإقتراب يوم الحساب وغفلتهم عنه " أية 1-5 " وإهلاك الأمم السابقة " 6-15" ودعوة البشر للإيمان بالله تعالى وحده " 16- 50" .
القسم الثانى : هو قصص الأنبياء " من أية 51-91" وينتهى بنتائج تقرر وحدة الدين الإلهى الحق مقابل الدين البشرى الباطل الكافر " 92-93" وعدم كفران حق الصالحين فى النعيم " 94 " واستحالة رجوع أمة من الأمم السابقة للحياة فى هذه الدنيا بعد أن أخذت دورها واختبارها فى هذه الحياة الدنيا " 95 " .
القسم الثالث : عودة لأقتراب يوم الحساب بالحديث عن خروج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض إلى سطحها " 96-97" ثم أحوال قيام الساعة " 98-105" وتختم السورة بالوعظ الذى أبتدأت به " 106 – 112 " 
2:ـــ قبل الحديث عن خروج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض يقول جل وعلا عن إستحالة عودة الأمم السابقة التى أهلكها الله " وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95)) ثم يأتى الإستثناء برجوع خلق أخر من غير أبناء أدم ، وهم يأجوج ومأجوج ، يقول جل وعلا: ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ )الأنبياء 96-97 ).
رابعا : 
المفهوم من سورتى الكهف والأنبياء أنّ : 
1 ـ يأجوج ومأجوج كانوا متحكمين فى الأرض ثم أدخلهم الله تعالى باطن الأرض ليعطى فرصة لأبناء آدم ، وبعد أن يأخذ أبناء أدم فرصة الأختيار والأختبار جيلا بعد جيل ، يأتى وقت القيامة ، وتدمير الكون. 
2 ــ وقبيل تدمير الأرض بالزلزال " إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) الزلزلة 1 ) يحس يأجوج ومأجوج – بتقدمهم العلمى وهم فى باطن الأرض – بما سيحدث ، وعندها يخرجون هاربين إلى سطح الأرض ليختلطوا ببنى أدم وعندها تقوم الساعة . كانوا قد تعودوا وتأقلموا فى الحياة فى باطن الأرض جيلا بعد جيل ،ولكن خطر تدمير الأرض سيدفعهم الى الهروب من باطنها ، وبتقدمهم العلمى ستكون لهم ملاذات فى كواكب أخرى يهربون اليها ، ولكن قيام الساعة يعنى تدمير الكون كله وليس مجرد الأرض . 
3 ـ ويأتى وصف القرآن الكريم رائعا وموحيا لكيفية خرج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض إلى سطحها ، فالتصوير هنا كأن سطح الأرض فد انفتح فجأة تغرات فى كل مكان ،وظهرت جموع يأجوج ومأجوج من كل مكان يأتون . أو بتعبير آخر كأن الأرض كانت حبلى بأولئك الخلق يأجوج ومأجوج ، ثم نثرتهم فجأة على سطحها ، كأنهم يتوالدون ويتناسلون من داخلها . ولو تخيلنا رائد فضاء خارج الغلاف الجوى وينظر إلى الكرة الأرضية فيجدها مثل ثمرة بطيخ ضخمة معلقة ، وقد إمتلأت ثقوبا ، ومن هذه الثقوب يتوافد إلى سطح الأرض مخلوقات جديدة تختلط بالبشر. أو كما يقول الله سبحانه وتعالى عن البشر ويأجوج ومأجوج فى سورة الكهف : ( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ) الكهف 99 )، وفى سورة الأنبياء : ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ )الأنبياء 96 – 97 ). 
خامسا : 
ظهور يأجوج ومأجوج آخر علامات الساعة : 
1ــ بعضهم يطعن فى القرآن الكريم ساخرا من قصة يأجوج ومأجوج وذى القرنين ، على أن المؤمن بالقرآن الكريم لابد له من التسليم بأن الأعجاز القرآن مستمر بإستمرارالبشر متفوقا على البشر إلى قيام الساعة ، وإن منه ما يدخره الله تعالى إلى قبيل الساعة كإحدى علامات الساعة ، 
2 ـ وبينما كان النبى لا يعلم موعد الساعة وليس له أن يتكلم فيها ، فإن علاماتها وردت فى القرآن الكريم ، بداية من الحديث عن إقترابها فى كلام رب العزة مع موسى عليه السلام (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) طه )، ثم كان نزول القرآن الكريم الرسالة الخاتمة للبشرية أول علامة من علامات الساعة ، أو بالتعبير القرآنى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) محمد ) ونزل في القرآن الكريم التأكيد على إقتراب نهاية العالم ، فى قوله جل وعلا ( اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) القمر) وقوله جل وعلا فى مطلع سورة الأنبياء التى تكلمت عن يأجوج ومأجوج : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) الأنبياء ) وردا على إستعجال الساعة قال جل وعلا : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) ) أى إن الأمر الالهى قد صدر ، ويبقى تنفيذه بالزمن البشرى . 
3 ـ وذكر رب العزة ( أشراط ) أو علامات الساعة ، ومنها ما نراه الان فى عصرنا ، يقول جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس )، ونحن نرى الانسان الآن قد دخل فى تقدم علمى مضطرد جعله يعتقد أنه قادر على الأرض ، وبالتالى فقد إقترب الأمر الالهى بتدمير الأرض والكون . 
4 ـ ومن علامات الساعة التى ستظهر قبيل قيامها خروج دابة من الأرض تكلم البشر ، يقول جل وعلا :( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ )النمل 82 ) ، ثم يكون خروج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض آخر علامات الساعة وعنده تكون نهاية العالم وتدميره .
سادسا :
يأجوج ومأجوج إعجاز قرآنى سيظهر للبشر قبيل قيام الساعة :
1 ـ نعيد التأكيد على أن الأجيال التى عاصرت نزول القرآن كانت تروى حكايات ذى القرنين فى روايات شفهية أو كان لدى أهل الكتاب أخبار عنه ، وقد سألوا النبى محمدا عليه السلام ، وكالعادة كان النبى محمد عليه السلام ينتظر الإجابة من الوحى القرآنى ، فتأتى الإجابة بما يلائم عقول البشر ، أى لم تأت الإجابة كاملة شاملة فوق إمكانات البشر فى الفهم والإدراك ، قال تعالى " قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا " أى قدرا يكفى للذكر والعلم والعبرة . 
2 ـــ وكالشأن دائما فى إعجازات القرآن العلمية وأياته التى تسبق العلم الحديث ، فإن بعض مكتشفات العلم الحديث تأتى بمعضلات يستحيل فهمها , ومنها وجود خلق متحضر متقدم على البشر بألآف السنين سبق أن استعمر هذا الكوكب ولا تزال آثاره باقيه على سطح الأرض ، كما لا تزال له علاقة غامضة بسطح الأرض ، وعلاقة غامضة بأهل الأرض . هذا الخلق الغائب الحاضر هو يأجوج ومأجوج الذى يعيش فى باطن الأرض حتى الأن يفصله عن البشر سد أو ردم، وسيزول هذا السد أو الردم قبيل قيام الساعة كما أخبرنا الله تعالى جل وعلا .
سابعا : 
الظواهر الغريبة التى يحتار العلم الحديث فى تفسيرها :-
1 ـ الأثار الهائلة لحضارات كانت متألقة قبل وجود البشر ، وما فى هذه الحضارات من تقدم هائل لم يصل إليه البشر حتى الأن .وأول من كتب فى هذه الناحية الباحث الألمانى إيريك دانكن فى كتابه ( مركبات الآلهة ) وأحدث صدى هائلا فيما ذكره عن سبق الحضارات القديمة البائدة للحضارة الراهنة ، وكان تفسيره أنها كائنات من الفضاء الخارجى ، أتت وأقامت تلك الحضارات فى سفن فضائية . ونقل هذه المعلومات الكاتب الصحفى أنيس منصور فى كتابه ( الذين هبطوا من السماء ) . أظهر ايريك دانكن أشياء مذهلة فى الآثار الموجودة فى دولة (بيرو ) والهند والأهرامات فى مصر والمكسيك وتحت سطح الماء فى منطقة مثلث برمودة ، وتلك الآثار الغريبة فى انجلترة ، ومن مكتشفاته ما يسمى لصورة ملتقطة من الفضاء الخارجى لدلتا النيل ، وخريطة عثر عليها فى مكتبة استانبول وفيها الساحل الشرقى لأمريكا قبل إكتشاف أمريكا، وخريطة أخرى للقطب الجنوبى وقارة أنتاركتيكا قبل أن يغمرها الجليد . 
الأثر الهائل لكتاب ( مركبات الآلهة ) جعل المؤلف الألمانى يواصل بحثه ويصدر ثلاثة كتب مزودة بالصور الملونة دليلا على ما يقول وهى ( معجزات الآلهة ) و( البحث عن الآلهة القديمة ) و ( ذهب الآلهة ) . 
2 ــ ظاهرة الأطباق الطائرة ، وقد أورد دانكن سجلا تاريخيا يتحدث عن الأطباق الطائرة فى التراث الفرعونى والتراث الاسرائيلى وفى التاريخ الأوربى وكل ذلك معزز بالتصوير . والآن أصبحت الأطباق الطائرة ظاهرة معروفة ، ويتم تسجيلها ونشر صورها على الانترنت . 
3 ـ مناطق الاختفاءات فى العالم واشهرها مثلث برمودة المواجه للساحل الشرقى الأمريكى ، وقد تم توثيق ظاهرة الأختفاءات للطائرات والسفن والأشخاص التى تقع فى مثلث برمودة وهو أشهرها نظرا لأنه يقع فى منطقة مأهولة بالطيران والسفن ، وتحت أعين العالم التى ترصد ما يحدث فيه . وهناك غير مثلث برمودة منطقة بحر الشيطان بجوار اليابان. وقد إتضح وجود أماكن الاختفاءات برا وبحراعلى خطوط طول متساوية الأبعاد عن بعضها . ومن أبرز من كتب فى هذا المجال الأمريكى تشارلز بيرليتز فى ( مثلث برمودة ) وريتشارد ونير ، فى ( مثلث الشيطان ) . ومن يتحدث عن مثلث برمودة يذكر أيضا ظهور الأطباق الطائرة فيه وإختفاءها فى مياهه .
4 ـ والآن ، تخصصت قنوات فضائية ومجموعات بحثية فى نشر المزيد عن الأطباق الطائرة وتصويرها وتصوير الآثار القديمة التى تتفوق على مستوانا الحضارى ومنها مدارج هائلة لهبوط سفن فضائية ، والعثور على كائنات فضائية ميتة ، هى وسط بين الروبوت والمادة الحية. وتوالت إعترافات بأن السلطات الأمريكية تخفى أسرارا عن ( الفضائيين )، وإكتشافات عن علاقة هتلر والنازى بهذا ، وأن جزءا كبيرا من الطفرة العلمية الراهنة مصدرها الحصول على تكنولوجيا تلك الكائنات . اصبح متاحا الآن مشاهدة كل هذا على الانترنت من الأطباق الطائرة بسرعاتها الغريبة الى التكنولوجيا المذهلة فى الآثار القديمة الى الحُفر العميقة فى سيبيريا ، والهياكل العظمية المكتشفة لعمالقة ولمخلوقات ذات رءوس مستطيلة . 
5 ــ ولكن الذى يهمنا أنه تم تجاوز التفسير الذى قاله الألمانى ايريك دانكن ، من أن الفاعل هو كائنات فضائية أكثر تحضرا من البشر . الرأى السائد الآن هو وجود هذا الجنس المتفوق فى باطن الأرض، وأنه يرسل مركباته وسفنه الفضائية أو أطباقه الطائرة تجوب القمر والمريخ ، وتقتنص بعض السفن والطائرات بل وبعض البشر لتجرى عليهم تجارب ثم تعيدهم فى حالة تشوش ,
6 ــ ومفهوم أن هذا هو للإطمئنان على حالة الكوكب الأرضى الذى تعودوا على الحياة في باطنه، ويتلاعب على سطحه البشر المتخلفون. جدير بالذكر وجود هذا الاهتمام من هذه المخلوقات عندما يحدث أمر جلل على سطح الأرض يزعج الساكنين فى باطنها ، سواء كان فيما شاهده كولومبس فى رحلته الى الساحل الشرقى للعالم الجديد ، وقد سجل ظهور ما يعرف الآن بالأطباق الطائرة ، الى تحليق تلك الأطباق فوق القواعد العسكرية وفى التفجيرات الكبرى والحروب الكبرى. والمستقبل يحمل فى جعبته المزيد . وكل يوم يأتى بجديد . 
أخيرا 
كم نتمنى أن يتاح لنا الوقت والجهد لأن نُظهر للعالم التفسير القرآنى لتلك الظواهر المعترف بوجودها والمختلف فى تفسيرها ، وأنها هى ( يأجوج ومأجوج ) الذين أخبر عنهم رب العزة فى كتابه الكريم من 14 قرنا وأكد دوام وجودهم فى باطن الأرض وخروجهم منه قبيل قيام الساعة . 
ولقد إقتربت الساعة .. وسبحان من يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون .

الغرب والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم
هذا الكتاب :
فى البداية كانت مقالات من سنوات عن الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، ثم خلال اسابيع تبعتها مقالات أخرى عن الغرب والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم . وبإضافة ملاحق من مقالات متصلة بالموضوع يظهر هذا الكتاب بهذا العنوان .
more