مصر.. الطبقة الوسطى على موائد الرحمن!

اضيف الخبر في يوم السبت ١٢ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: إسلام اون لاين


مصر.. الطبقة الوسطى على موائد الرحمن!

مصر.. الطبقة الوسطى على موائد الرحمن!

شريف الدواخلي

مقالات متعلقة :

 

لم يبد على أي منهم فقر مدقع أو حاجة مذلة، فبالرغم من كونها أسرة تتكون من 5 أفراد يحمل كل منهم جوالا وربما اثنين للاستفادة من العروض الترويجية لأكثر من شركة اتصالات، فإنني فوجئت بأن الأسرة بجميع أفرادها اتجهت إلى أحد موائد الرحمن الشهيرة بمنطقة السبتية (وسط القاهرة)، وجلست لتلقي السلام على الحضور وكأنها اعتادت المجيء منذ أول رمضان.

ولأن الفضول الصحفي كان وحده المسيطر علي قررت الجلوس بمقربة من تلك الأسرة لمعرفة سبب ارتيادها لتلك المائدة الرمضانية الخيرية، باعتبار أنها ليست من طبقة الفقراء المعدمين أو عابري السبيل.

توفير المصروفات

تحدث الأب (موظف بوزارة الإسكان) بصراحة قائلا إن الأسرة تحرص على المجيء لنفس المائدة منذ بداية رمضان لأكثر من سبب، أهمها جودة الطعام الذي يقدم على المائدة، والذي يقوم عليه طهاة محترفون، فضلا عن ارتفاع تكاليف المعيشة لدرجة أن إفطار اليوم الواحد في المنزل يكلفنا قرابة 50 جنيها (أقل من 10 دولارات أمريكية) فمن أين لنا هذا؟

أما الأم فتحرجت للحظات قبل أن تتحدث مع "إسلام أون لاين.نت" مؤكدة أنها لم تكن تقتنع بالفكرة التي طرحها زوجها في البداية منذ 3 سنوات، ولكنها اشترطت على الزوج أن يكون الإفطار على مائدة راقية، فوعدنا بأننا سوف نفاجأ بما نشاهده، وبالفعل اقتنعت بالفكرة لتوفير ما يتم صرفه على الإفطار للاستفادة به في مصروفات أخرى بالمنزل .

طعام فاخر

وبينما نحن نتحدث في جو ربيعي صنعته المراوح التي انتشرت بطول المائدة وتقاطعت مع الزينة والأضواء التي زينت المكان، بدأ عمال المائدة في إنزال الطعام، وكان عبارة عن "سمك بلطي وأرز بسمتي وخليط من سلطة الطحينة والطرشي فضلا عن تفاحة لكل صائم وعلبة مياه غازية مثلجة"، كما يمكنك أن تأخذ الوجبة "تيك أواي" لو كنت مستعجلا.

وعلى نفس المائدة جلست بجواري أسرة ثانية من ثلاثة أفراد، تبادلنا أطراف الحديث أثناء الإفطار، حيث شجعها حديثي مع الأسرة الأولى على أن تدلو بدلوها في الحديث، فقال الزوج الشاب (عامل في محل إكسسوارات): إنني أحرص على ارتياد تلك المائدة، ليس لمجرد توفير النفقات، وإنما لكي أستمتع بإفطار لن أتناوله في بيتي، ولو تناولته يوما فلن أستطيع تناوله كل يوم.

وقالت الزوجة التي جلس بجوارها ابنها أحمد الذي لا يزيد عن 5 سنوات إنها أقنعته بأن تلك المائدة "مطعم" سوف يفطرون فيه في رمضان حتى لا يخبر أحدا من العائلة بأمر المائدة، موضحة أن أسرتها مثل سائر الأسر المصرية البسيطة تستحق الدعم مثل الفقراء المعدمين تماما.

أشهر الموائد

وتعد منطقة باب الشعرية والجمالية بالدرب الأحمر أمام المساجد من أشهر مواقع الموائد الشعبية بوسط القاهرة، وكذلك المائدة التي يعدها تجار حي السبتية، كما اشتهر ميدان عابدين بإقامة مائدة ضخمة لأهالي المنطقة، وفي ميدان رمسيس تقام مائدة شهيرة خلف مسجد الفتح بها مجموعة عمل مكلفة بإعداد الطعام.

ومن موائد الأحياء الراقية المائدة التي تمتد أمام سور نادي الصيد بالدقي، بخلاف موائد الفنانات، وعلى رأسها مائدة فيفي عبده ودينا وشيرهان وسميرة سعيد بالزمالك والمهندسين، أما موائد المشاهير فمن أشهرها مائدة الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب في السيدة زينب (مقر دائرته الانتخابية)، ومن الموائد التي تقدم إفطارا جاهزا من أحد المطاعم الكبرى مائدة رجلي الأعمال أحمد عز ومحمد فريد خميس رئيس لجنة الصناعة بمجلس الشورى في مدينة العاشر من رمضان.

بذخ الإنفاق

كشف تقرير أعده مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مجلس الوزراء المصري أن تكلفة "موائد الرحمن" خلال شهر رمضان المبارك في المدن المصرية تبلغ نحو 516 مليون جنيه (حوالي 100 مليون دولار) وتشمل 13555 مائدة، حيث يتراوح عدد المترددين عليها يوميا بين 1.8 و1.9 مليون فرد خلال الشهر الفضيل، حيث يبلغ متوسط التكلفة الكلية لمائدة الرحمن الواحدة 1269 جنيها يوميا، فيما يبلغ متوسط تكلفة الوجبة للفرد الواحد نحو 9 جنيهات يوميا.

وأوضح التقرير أن 78% من رواد موائد الرحمن يعمل معظمهم في القطاع الخاص، بينما يعمل في القطاع الحكومي منهم 15%، فيما أشار 74% من رواد موائد الرحمن إلى أنها ليست المرة الأولى لهم في الإفطار على موائد الرحمن، ولفت التقرير إلى أن 37% من منظمي موائد الرحمن يتركزون في الفئة العمرية (من 40 إلى أقل من 50 سنة) تليها الفئة العمرية (من 50 إلى أقل من 60 سنة) حيث ينتمي إليها 24 % من منظمي موائد الرحمن.

عملية إفقار منظمة

تعليقا على ذلك أكد د. حسنين كشك أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية لـ"إسلام أون لاين.نت" أن الفئة التي يمكن أن تتردد على مثل تلك الموائد هي "البرجوازية الصغيرة" كشكل من أشكال التحايل على المعاش، لتوفير حق الوجبات له وللأسرة.

وبكلمة أخرى فإن الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى التي تقترب من وضع الكادحين تسعى للاستفادة من مواردها المالية الضعيفة للإنفاق على أولويات أخرى تلي المأكل في الأهمية، مثل شراء الملابس لأفراد الأسرة، فهي من يقبل على موائد الرحمن.

موضحا أن عملية "الإفقار" التي تتعرض لها تلك الطبقة هي السبب في زوال الحدود الفاصلة بين الطبقة الوسطى الدنيا والفقراء المعدمين بالرغم من الوهم الذي تعيشه تلك الطبقة بخصوص حصولها على تعليم يميزها عن طبقة الفقراء فإنه لا يمت للتعليم الذي يناله آخرون بصلة.

انهيار الطبقة الوسطى

بدوره أكد الدكتور أحمد السيد النجار -رئيس وحدة البحوث الاقتصادية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية- أن الطبقة الوسطى انهارت داخليا تماما، ولم يعد هناك طبقة وسطى بمعنى الكلمة، وذلك بسبب حصول القيادات في مصر على مرتبات "أسطورية" في حين يحصل السواد الأعظم من المواطنين على أقل من دولار في اليوم، أي أنهم على خط الفقر المدقع، مما شوه التكوين النسبي للطبقات في مصر وسحق الجهاز الوظيفي.

وأوضح النجار في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت" أن الأزمة التي تواجه أبناء تلك الطبقة هي تحولهم لعالة على المجتمع بدلا من أن يكونوا معيلين، حتى أنك تجد 88% من الخريجين عاطلين.

موضحا أن النسبة التي كان يحصل عليها العاملون بأجر من الناتج المحلي الإجمالي منذ عقود كانت 48%، أما في عام 2007 فأصبحت لا تتجاوز الـ20%، فمثلا بعد انقلاب يوليو 1952 تم تحديد حد أدنى للأجر الأساسي 18 قرشا في اليوم الواحد، وهو ما كان يمكن الفرد من شراء كيلوجرام من اللحم في الريف يوميا وربع كيلوجرام من اللحم في الحضر، وهو أيضا ما يعادل 1370 جنيها في الشهر بحسابات عام 2009 .

ومن جهة أخرى فإن المدير العام في سنة 1977 كان أجره الأساسي (الحقيقي وليس الإجمالي) يسمح له بشراء 550 كيلوجراما أرز أو 35 كيلوجراما من اللحم شهريا، أما نفس المدير في عام  2007 فأجره الأساسي هو 750 جنيها، ولا داعي لذكر ما لا يستطيع شراؤه، في الوقت الذي كان يحصل فيه يوسف عبد الرحمن (وكيل وزارة الزراعة السابق) على أجر أساسي شهريا هو 250 ألف جنيه.

وتعجب النجار من كون الحد الأدنى للمرتبات في الشهر هو 35 جنيها وبالعلاوات يصل لحوالي 105 جنيهات، وهو ما لم يتغير منذ ثورة 1952 على الرغم من أن الحد الأدنى يجب ألا يقل عن 1400 جنيه وفق ما يسمى بالأجر الحقيقي الذي يحسب بالقدرة على الحصول على السلع والخدمات المتاحة، ويمكن حسابه على أساس قيمة ما يوازي الذهب، ولذا فليس غريبا أن تتآكل الطبقة الوسطى في مصر لنستيقظ ذات يوم فلا نجدها.

اجمالي القراءات 4035
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   السبت ١٢ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42024]

موائد الرحمن بين صكوك الغفران وتهدئة الاحتقان

  هم يستندون إلى حديث  " من أفطر صائما"  لماذا لاتدوم موائد الرحمن طوال العام ؟؟  هل الأثرياء المترفين بموائدهم الرمضانية فقط يطمعون في الثواب والحصول على أجر مماثل لأجر الصائم ؟   ولماذا هم يقيمون الموائد في هذا الشهر فقط ، ويستمرون في إفقار  الطبقة الوسطى  التي لم يعد لها وجود في المجتمع المصري وبانهيار هذه الطبقة ينهار المجتمع المصري كما هو مخطط له ...  كما  أن هذه الموائد تخفف من حدة الاحتقان الذي أصاب النفوس المصرية المعدمة  كما في مباريات كرة القدم !!؟


2   تعليق بواسطة   ايناس عثمان     في   الإثنين ١٤ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42058]

لا تعطني سمكة ولكن علمني كيفية صيدها

أنا لا أعرف كيفية إدارة هذه الموائد ولكن بالتأكيد يصرف عليها مبالغ ضخمة كما هو موضح في التقرير السابق فلماذا لا يستغل هذا المبلغ في أقامة مشروعات حقيقية للأسر التني تستحق فعلا هذه المساعدات وهم كثر ، إن فعل الخير في رمضان شء جميل ولكن الأجمل أن  يستمر لأن حاجة الإنسان للطعام ليست في رمضان فقط بل إنك لو خيرت هذا الإنسان المحتاج بين أكلة فاخرة وبين مبلغ يفك به ضيقه  بالتأكيد سيفضل المبلغ وساعتها سوف يفطر بطريقته .ولنتذكر المثل الذي يقول علمني الصيد خير من أن تعطني سمكة .

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق