نصوص الدستور تغيب عن حيثيات حكم الإدارية العليا بتجريم الإضراب

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠١ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الشروق


نصوص الدستور تغيب عن حيثيات حكم الإدارية العليا بتجريم الإضراب

نصوص الدستور تغيب عن حيثيات حكم الإدارية العليا بتجريم الإضراب

 وقفة - عمال الشركة الهندسية الصناعية - مجلس الوزراء - تصوير كريم يوسف وقفة - عمال الشركة الهندسية الصناعية - مجلس الوزراء - تصوير كريم يوسف
  • المحكمة عرضت تاريخ قوانين معاقبة المضربين من 1923 حتى 2011 ولم تشر إلى مادتى «الحق» فى دستورى 2012 و2014
    الاستناد إلى مرسوم من المجلس العسكرى كدليل على عدم تطبيق حق الإضراب المذكور في«اتفاقية العهد الدولي«
    التصديق على الاتفاقية ما هو إلا وعد من الحكومة بتعديل القوانين وفقـًا للشريعة الإسلامية
    الحيثيات تلزم الموظف بإظهار « الولاء للدولة ونظام الحكم القائم» بكل الصور
أحدث حكم المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار لبيب حليم بتجريم الإضراب ومعاقبة الموظفين العموميين المضربين، زلزالا فى الوسط القانونى، لما تضمنه من حيثيات استندت إلى الشريعة الإسلامية فى المقام الأول، إلا أن الحيثيات الكاملة للحكم التى حصلت عليها «الشروق» اشتملت على العديد من النقاط المهمة التى تثار لأول مرة فى حكم بات غير قابل للطعن.
المحكمة عرفت الإضراب بأنه «امتناع العاملين بالمرافق العامة عن اداء اعمالهم وعدم مباشرتهم لمهام وظائفهم – دون أن يتخلوا عن تلك الوظائف ومع استمرار تمسكهم بها – وذلك بقصد الاعلان من جانبهم عن احتجاجهم على اوضاع معينة أو عن مطالب معينة يطالبون المسئولين بتحقيقها أو بقصد اظهار السخط والاستنكار لأعمال أو إجراءات لا ترضيهم» واعتبرت المحكمة أن «الإضراب بهذا المعنى يتنافى مع مبدأ سير المرفق العام بانتظام واطراد، ومن ثم فإن تجربة إثبات قوة يخوضها موظفو المرفق العام فى مواجهة الحكومة والمجتمع».
وسردت المحكمة مراحل تطور حق الإضراب تشريعيا فى مصر، حيث لم يكن معاقبا عليه حتى 1923وكان المشرع مكتفيا بالعقوبات التأديبية على المضربين، إلا أنه وإزاء كثرة الإضرابات من العمال والموظفين صدر القانون 37 لسنة 1923 الذى مايز بين فئة عمال المرافق العامة التى تدار بالطريق المباشر وفئة عمال المرافق التى تدار بالامتياز، فجعل عقوبة الفئة الأولى الحبس حتى 6 أشهر إذا تركوا عملهم دون مسوغ قانونى، وبالنسبة للفئة الثانية التى تعادل موظفى القطاع الخاص حاليا فكانت القاعدة أن لهم الحق فى الإضراب بشرط إخطار المدير أو المحافظ قبله بخمسة عشر يوما على الأقل.
وأوضحت المحكمة أن كثرة الإضرابات فى ظل هذا القانون دفعت المشرع إلى إصدار قانون جديد هو 116 لسنة 1946 الذى جرم ترك الموظفين العموميين أعمالهم للإضراب «أو إحداث فتنة بين الناس وإخلال بالمصلحة العامة» كما حظر على كل من يقوم بخدمة عامة أو يعمل فى المرافق العامة أو يسد حاجة عامة أن يترك عمله أو يمتنع عنه عمدا، وعقوبة ذلك كانت الحبس والغرامة، كما عاقب القانون بالحبس والغرامة كل من يعتدى على حق الآخرين فى العمل.
ثم صدر القانون 24 لسنة 1951 لتشديد العقوبات الواردة فى القانون السابق لتصبح الحبس مدة تتراوح بين 3 أشهر وسنة وغرامة لا تزيد على 100 جنيه، أو الحبس مدة لا تتجاوز 6 أشهر وغرامة لا تزيد على 50 جنيها إذا امتنع موظف عن العمل بقصد عرقلة سيره أو الإخلال بانتظامه.
ثم صدر القانون 2 لسنة 1977 الذى تضمن مادة واحدة تتعلق بالإضراب، وتنص على أن «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة العاملون الذين يضربون عن عملهم عمدا متفقين فى ذلك أو ابتغاء لغرض مشترك، إذا كان من شأن هذا الإضراب تهديد الاقتصاد القومى».
ولأن هذا النص العام كان ينطبق على جميع العاملين بالدولة والقطاعين العام والخاص، فتعرض لانتقادات عديدة بسبب تشديد العقوبات، فصدر القرار بقانون 194 لسنة 1983 بإلغائه، ليصبح قانون عام 1951 هو الشريعة الوحيدة الحاكمة لإضراب موظفى وعمال المرافق العامة.

ثم تحدث الحكم عن اتفاقيات العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى وقعت عليها مصر وتتضمن فى مادتها الثامنة حماية الحق فى الإضراب، حيث كانت قد وقعت فى 4 أغسطس 1967 على الاتفاقية وتحفظت فى وثيقة التصديق بأن يؤخذ فى الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارض الاتفاقية معها، ثم صدقت مصر على الاتفاقية فى 1 أكتوبر 1981 بشرط أخذ أحكام الشريعة الإسلامية فى الاعتبار.
ثم أفرد الحكم جزءا كبيرا من الحيثيات للحديث عن قواعد الفقه الإسلامى التى تحكم من وجهة نظر المحكمة مسألة الإضراب «سواء كان من الحقوق أو الحريات» وأبرزها قاعدة «درء المفاسد مقدم على جلب المنافع» وقاعدة «الضرر لا يزال بمثله» معتبرا أن «أحكام الشريعة لا تجيز الإضراب إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، أو إذا كانت المصالح التى يرمى إليها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر، أو إذا كان صادرا من العاملين فى مرفق عام ما دام سيؤدى إلى توقف العمل فى هذا المرفق وحرمان أفراد المجتمع من الخدمات التى يقدمها».
وانتهى الحكم إلى نتيجة أنه «لا مجال لإعمال الاتفاقية بشأن الإضراب طالما خالفت أحكام الشريعة الإسلامية بهذا الشكل» بل وذهب الحكم لأبعد من ذلك فوصف الاتفاقية بأنها «لا تعدو أن تكون وعدا مبذولا من الحكومة المصرية بعمل منسق مع غيرها لضمان تقرير الحقوق الواردة بها، بشرط مطابقتها أحكام الشريعة، وذلك بتعديل قوانينها».
وأثار الحكم نقطة جدلية أخرى هى ما إذا كان تصديق مصر على هذه الاتفاقية كفيلا بإلغاء القوانين السابق ذكرها بشأن الإضراب من عدمه، فأكد فى هذا الإطار أن «الاتفاقية لم تنسخ ما سبق إصداره من قوانين» واستدلت على ذلك بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصدر فى 2011 عقب ثورة يناير القرار بقانون 34 لسنة 2011 بتجريم الاعتداء على حرية العمل والذى اعتبر إضراب الموظفين جريمة جنائية يعاقب عليها بالمادة 171 من قانون العقوبات».
ورغم أن هذا القرار بقانون صدر فى ظرف استثنائى ومن سلطة حكم تولت السلطة التشريعية مؤقتا، إلا أن الحكم اعتبر صدور هذا القانون «دليلا على موقف المشرع المصرى تجاه مسألة الإضراب بعد التوقيع على الاتفاقية عام 1981».
ورغم أن الواقعة محل القضية حدثت عام 2013، وصدر حكم أول درجة فيها بإدانة الموظفين المضربين فى ديسمبر 2014، وصدر هذا الحكم فى 18 أبريل 2015، إلا أن المحكمة لم تشر فى حيثياتها من قريب أو بعيد إلى المادتين 64 و15 من دستورى 2012 و2014 على الترتيب، اللتين نصتا صراحة على أن «الإضراب حق ينظمه القانون»، ولم يتحدث عما إذا كان هذا الاتجاه الحديث من المشرع الدستورى المصرى له أثر على القوانين القائمة أم لا.
كما أن الحكم وطوال حديثه عن قواعد الفقه الإسلامى التى استند إليها لحظر الإضرابات، فإنه لم يحدد العلاقة بين تطبيق الشريعة على الاتفاقية وبين الآثار المترتبة على المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع» وما إذا كانت قواعد الفقه التى استند إليها من بين هذه المبادئ أم لا.
وفى ختام الحيثيات، تحدثت المحكمة عن أن «طاعة الرؤساء هى العمود الفقرى لأى نظام إدارى» معتبرة أن الالتزام ليس فقط فى أداء العمل بإخلاص وأمانة ودون تعطيل مصالح الناس، بل إن «تنفيذ التعليمات طبقا لسياسة الدولة لا يكفى للقول بأن الموظف قد أدى واجبه، لأنه ملتزم أيضا بأن يكون مسلكه كاشفا عن ولائه للدولة ونظام الحكم القائم، والقدر الأدنى فى هذا الأمر يتمثل فى عدم مهاجمة نظام الدولة وفلسفتها الاجتماعية فى الاجتماعات العامة أو الخاصة، وعدم القيام بأى تصرف يسىء إلى سمعة الدولة، أو أى تصرف يكون من شأنه النيل من سلامة النظام وتجريحه».
ولم يشر الحكم بعد أو قبل هذه الفقرة إلى الفوارق الاصطلاحية بين كلمتى «النظام والدولة» خاصة وأن الكلمة الأولى تعنى فى بعض المراجع السياسية «النخبة السياسية التى تتولى الحكم فى الدولة والاتجاهات التى تعتنقها فى مختلف مناحى الحياة» وهو ما يتنافى قطعا مع مصطلح «الدولة» الذى يشير إلى الوطن ومؤسساته الدستورية والتنفيذية والتشريعية ومقوماته.
اجمالي القراءات 1560
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق