تنشق حركات الإسلام السياسي ذاتيًّا، أحيانًا يكون هذا الانشقاق غطاءً أو تكتيكًا للهروب من مرحلة إلى مرحلة، وأحيانًا كما يقول المراقبون تحدث الانشقاقات حين تتعرض الجماعة لضغوط سلطوية عاتية تدفع بعض أبنائها لمحاولة التكيف والنجاة بأنفسهم أو بجماعتهم، أو في حال وصول الجماعة أو مشاركتها في السلطة حين يختلف النص (المبادئ والأيديولوجيا) مع الواقع الذي هو السياسة بمناوراتها ومواءماتها وتحالفاتها.
وواحدة من أبرز تلك الجماعات جماعة الإخوان المسلمين التي مرت بأكثر من حالة انشقاق في الوطن العربي على مر التاريخ، ومن أبرز انشقاقات هذا التنظيم:
الأردن
مؤخرًا بادر سبعة من قيادات حركة الإخوان المسلمين في الأردن بجمع توقيعات على طلب لتشكيل مبادرة “زمزم” للحصول على ترخيص حزب سياسي باسم جماعة الإخوان، وذلك سمي بالانقلاب الأبيض كما جاء على لسان المراقب العام الدكتور همام سعيد الذي غاب عنه سنده الاستراتيجي زكي بني أرشيد المعتقل لدى السلطات الأردنية.
واحد من أبرز هؤلاء السبعة المراقب العام الأسبق الشيخ عبد المجيد الذنيبات – من جيل الرواد الأوائل والأكبر سنًّا بينهم- وأيضًا مؤسس مبادرة زمزم الشيخ إرحيل الغرايبة، إضافة للقيادي البارز وخبير الاتصالات الدولية الدكتور نبيل الكوفحي.
الآن تحاول هذه القياديات بعد فصلها من الحركة إنشاء تيار يدعو لإصلاح المؤسسات الإخوانية من الداخل، وما زال رئيس وزراء الأردن مترددًا في الموافقة على ترخيص جديد للجماعة لأسباب غير مبررة.
سوريا
مر الإخوان في سوريا بأزمة حماة مطلع الثمانيات ووصولًا إلى الانتخابات الداخلة للجماعة في 2011 التي دفعت فريقًا من أبناء الجماعة إلى العمل بشكل مستقل، ولكن الأمر لم يلبث كثيرًا حيث تمت معالجته في مارس 2012، وعاد المبتعدون إلى الجماعة.
وواحد من أبرز الانشقاقات كانت في عام 1963، عندما تم إضعاف قيادة جماعة الإخوان المصرية من خلال القمع في الداخل، عيّنت الجماعة مكتبًا تنفيذيًّا لجماعة الإخوان المسلمين في البلاد العربية. وكان يرأس المكتب زعيم جماعة الإخوان المسلمين السورية في ذلك الوقت، عصام العطار. ومع ذلك، أدّت الصراعات الداخلية إلى حدوث انقسام في المكتب التنفيذي في عام 1970، بالتزامن مع انشقاقات داخلية حدثت داخل جماعة الإخوان المسلمين السورية، وسرعان ما توقّف التنسيق الإسلامي.
الانشقاق في مصر
تعرضت الجماعة الأم في القاهرة لعدة انشقاقات من قبل، أولها عام 1937 بخروج بعض الشخصيات اعتراضًا على بعض القرارات والسياسات، ومن ذلك قبول الإمام البنا تبرعًا من شركة قناة السويس بمبلغ 500 جنيه لبناء مسجد داخل الشركة.
ثم تبع ذلك انشقاق المحامي محمد عطية خميس مؤسس “حركة شباب محمد” سنة 1940، ثم تبعه فصل وكيل الجماعة وأحد مؤسسيها أحمد السكري سنة 1947، الذي أسس جمعية الإخوان المجاهدين الأحرار، واتخذ لها مقرًا في ميدان الخديوي إسماعيل.
ثم كانت أزمة عبد الرحمن السندي رئيس الجهاز الخاص خلال قيادة المستشار حسن الهضيبي، المرشد الثاني للإخوان المسلمين، عندما قرر إعادة النظر في النظام الخاص، وإعفاء السندي من مهمة قيادته، موكلًا إياها إلى أحمد حسنين، لكن السندي أعلن تمرده على الهضيبي، وقام مع بعض أنصاره باحتلال المركز العام للجماعة، ومحاولة اقتحام بيت الهضيبي، ما دفع مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية إلى اتخاذ قرار بفصله وبعض من معه.
وكان الانشقاق الأبرز خلال العقدين الماضيين هو مجموعة حزب الوسط بقيادة المهندس أبو العلا ماضي عام 1996، حيث تقدم ماضي للجنة الأحزاب بطلب لتأسيس حزب على غير موافقة واضحة من الجماعة التي حاولت ثنيه ورفاقه عن هذا الطلب، وحين عجزت عن ذلك قامت بفصلهم جميعًا، اللافت أن أبرز المنشقين الجدد كان يتزعم الحملة ضد الوسط، وهو مختار نوح الذي طارد ماضي في ساحات المحاكم، وطارد الأعضاء المؤسسين طالبًا منهم سحب توكيلاتهم لماضي.
وانشق القيادي السابق في الإخوان عبد المنعم أبو الفتوح عام 2009، وتم فصله من الجماعة لاحقًا بسبب انتقاداته لقياداتها، وتبعه في الخروج من الجماعة النائب الأول للمرشد الدكتور محمد حبيب للسبب ذاته، وهو خروجه من مكتب الإرشاد في انتخابات 2009، لكنه ظل داخل الجماعة عضوًا بمجلس الشورى حتى استقال منه عقب ثورة يناير منقلبًا بالكامل على الجماعة وسياساتها، ومؤسسًا لحزب النهضة الذي لم يستطع إشهاره رسميًّا لعدم قدرته على جمع التوكيلات القانونية المطلوبة.
السودان
شهد السودان انشطار جماعة الإخوان إلى عدة فرق، وكان الانشقاق الكبير عام 1980.
حيث برز خلاف بين تيارين داخل تنظيم الإخوان المسلمين في السودان، الأول عرف بتيار التربية وكان أقرب إلى نهج الإخوان التقليدي الذي يدعو إلى التركيز على تزكية الأعضاء ووضع شروط قاسية للعضوية، وبين التيار السياسي الذي يميل إلى الاستكثار من الأنصار ويركز على النتائج. وقد تصاعدت الخلافات حتى بلغت مرحلة الانشقاق بعد فشل المدرسة التقليدية في إزاحة الترابي من القيادة في مؤتمر عقد في أبريل عام 1969. ولكن الانشقاق تأجل بسبب قيام انقلاب مايو عام 1969، الذي جاء بحكومة يسارية معادية للإسلاميين زجت بهم في السجون ودخلوا معها في معارك استمرت حتى عام 1977، حين عقدت المعارضة صفقة المصالحة الوطنية مع حكومة الرئيس جعفر النميري وشارك الإسلاميون في السلطة.
وقد فجرت هذه الصفقة الخلافات داخل الحركة مجددًا، وانتهت في عام 1980 بإعلان انشقاق مجموعة أطلقت على نفسها حركة الإخوان المسلمين، وتبنت النهج الإخواني في التربية وانضمت رسميًّا للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
وفي عام 1987، كانت مرحلة جديدة من التوتر، وذلك حين اقترح الترابي إقامة جهاز تنسيقي دولي للحركات الإسلامية لا يقتصر شأن التنظيم الدولي فيه على الحركات في الدول العربية، بل يضم كذلك الحركات الإسلامية في تركيا وماليزيا وباكستان وغيرها. وبالفعل استضافت الجبهة الإسلامية القومية (وهو الاسم الذي تبناه جناح الترابي بعد عام 1985) اجتماًعا لهذا الغرض في الخرطوم في مطلع عام 1988. ولكن التنظيم الدولي شن حملة عنيفة على فكرة الترابي، حيث وصفتها مجلة المجتمع الكويتية الناطقة باسم الإخوان المسلمين هناك بأنها “تنظيم الضرار”.
وفي يونيو (حزيران) 1989، أعلن المذياع نبأ انقلاب العقيد الشاب عمر حسن أحمد البشير، على النظام الديمقراطي، باسم يشبه الضباط الأحرار، معلنًا انطلاقة جبهة الإنقاذ الوطني، وتم إيقاف كل القيادات السياسية، ومن ضمنها الزعيم الإسلامي الكبير الدكتور حسن الترابي.
وحدث انشقاق آخر في صفوف (الإخوان المسلمون) في عام 1991م، حيث تم انتخاب الشيخ سليمان أبو نارو رئيسًا لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الكثيرين ظلوا مع قيادات الإخوان التقليدية.
لبنان
في عام 2006، خرج فتحي يكن أقوى الأحزاب الإسلامية السُّنية في لبنان، “الجماعة الإسلامية”. وهو الحزب الذي يمثل تيار “الإخوان المسلمين”، ليؤسس حزبًا خاصًا به هو حزب جبهة العمل الإسلامي، وأصبح منافسًا للجماعة وحليفًا لخصومها وأبرزهم حزب الله.
وقد قاد الانشقاق كل من “فتحي يكن” والقاضي فيصل المولوي والكاتب محمد علي الضناوي، وتم تأسيس الجماعة الجديدة في طرابلس بشمالي لبنان.
المغرب العربي
في سبعينيات القرن الماضي، انشق البعض عن حركة النهضة التونسية حين كانت تسمى بـ”الجماعة الإسلامية” وكان الانشقاق الأول لـ”أحميدة النيفر” ومجموعة أخرى (أسسوا تيار الإسلاميين التقدميين)، وكان الانشقاق الأبرز الثاني للشيخ عبد الفتاح مورو (الرجل الثاني والمؤسس مع الغنوشي) الذي ترك الحركة مطلع التسعينيات، ثم عاد إليها في انتخابات 2012 ليصبح نائبًا أول للحركة وللبرلمان لاحقًا.
ثم كان انفصال الأمين العام للحركة ورئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي في 12 ديسمبر 2014 على خلفية الموقف من الانتخابات الرئاسية التي ترشح لها المنصف المرزوقي الرئيس السابق في مواجهة قائد السبسي الرئيس الحالي.
وفي الجزائر، طالت الانشقاقات تنظيم الإخوان (حركة حمس) بعد وفاة مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح، إذا أصبح هناك كيانان أيضًا، أحدهما يرأسه عبد المجيد مناصرة، والآخر يرأسه أبو جرة سلطاني، وإزاء صعوبة محاولات التوفيق التي قام بها التنظيم (أبريل 2009) فإنه اضطر لنزع اعترافه بكلتا المجموعتين، وظلت الجزائر مجمدة في هذا التنظيم.