مذكرات المرأة التي أثارت غيرة جيهان السادات

اضيف الخبر في يوم الإثنين ١٦ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


مذكرات المرأة التي أثارت غيرة جيهان السادات

 

مذكرات المرأة التي أثارت غيرة جيهان السادات

عصام الزيات

كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة مساءً بتوقيت القاهرة، عندما وقفت المذيعة الأمريكية الشهيرة باربرا وولتز أمام بوابة قصر الرئاسة بمنطقة الجيزة، وبدأت في إلقاء الحصي علي شباك الرئيس السادات.. كل ما كانت وولتز تطلبه لحظتها، أن تحصل علي تصريح قصير علي لسانه، بعد أن دارت عجلة السلام المصرية الإسرائيلية بسرعتها القصوي، وبدأت ماكينات الإعلام الأمريكية تدور هي الأخري بأقصي طاقتها، لتلتهم كل كلمة تخرج من شفتي الرئيس المصري.. لم تفكر وولتز أن رصاصة من أفراد حراسة الرئيس قد تنهي حياتها، مع إصرارها علي مقابلته دون موعد مسبق، وفي ساعة متأخرة.

بهذه الجرأة المفزعة، تمكنت وولتز من بناء أسطورتها في غابة الإعلام الأمريكي الشرسة، وهي غابة يحكمها الذكور بلا منازع، ولم يكن فيها أي فرصة للمرأة، خاصة إذا كانت بجمال باربرا وولتز، فالجمال في الغابة، هو نقطة الضعف الأكبر للغزال الشارد، لذلك كان الدور الذي لعبته حسناء الإعلام الأمريكي في فترة السبعينيات، خلال سنوات الحرب والسلام، صادما للعالم.

لم تكن وولتز بالنسبة للرئيس المصري أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها مناحم بيجين، مجرد مذيعة أمريكية حسناء، تطارد أخبار السلام الذي بدا مستحيلا، قبل أن تعبر طائرتها الخاصة المجال الجوي المصري، قادمة من إسرائيل مباشرة، لتكون أول من يفعلها، منذ إعلان تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، فقد كانت المذيعة الجميلة واحدة من إشارات عديدة متبادلة بين الجانبين المصري والإسرائيلي، قبل أن يعلن السادات عزمه السفر إلي إسرائيل، في عام 1977، وهي الزيارة التي فتحت المجال لتوقيع معاهدة السلام.

في مذكراتها التي حملت عنوان "تجربتي"، حكت وولتز الكثير من القصص والمغامرات التي خاضتها علي مدار حياتها المهنية، والتي التقت فيها معظم زعماء وقادة العالم من منتصف السبعينيات وحتي الآن، لكن من بين كل القصص التي ذكرتها وولتز، كانت مغامراتها بين مصر وإسرائيل هي الأهم بالنسبة لها، فمن هذا الطريق نالت شهرتها العالمية، ليس فحسب إنها أول من يعبر الحدود المصرية الإسرائيلية مباشرة قبل معاهدة السلام، وقبل رحلة الرئيس السادات نفسه إلي القدس، ولكن أيضا إنها أول من جمع الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي في مقابلة تليفزيونية واحدة، بعد ساعات قليلة من إلقاء السادات لكلمته في الكنيست.

كانت العلاقة بين باربرا وولتز وجيهان السادات، هي بوابة المذيعة الأمريكية الأشهر إلي قلب الرئيس المصري، الذي اختارها لتكون بوابته الرئيسية علي الشعب الأمريكي، عندما كان السادات لغزا كبيرا بالنسبة للأمريكيين، فبعد أشهر طويلة من سعي وولتز لدي السفير المصري بواشنطن أشرف غربال، لإقناع السادات بإجراء مقابلة تليفزيونية معها، وعندما وصلت إلي القاهرة في صيف 1974، بدأت علاقتها مع السيدة الأولي، جيهان السادات، لتنشأ بينهما علاقة صداقة مستمرة حتي الآن، وتحكي وولتز في مذكراتها أنها سافرت إلي القاهرة عقب اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981، فتوجهت إلي منزله لمقابلة زوجته وتقديم العزاء لها، وهناك فاجأتها جيهان السادات قائلة "أنت الوحيدة التي كنت أغار منها، إن أنور أحبك كثيرا"، وهو ما اعتبرته وولتز مجاملة رائعة.

خلال السنوات التي تلت المقابلة الأولي لها مع السادات، نجحت وولتز في توطيد علاقتها به، لتصل ذروتها مع إعلان السادات نيته السفر إلي إسرائيل، إذا تلقي دعوة من بيجين، وبالفعل أرسل الأخير الدعوة سريعا، فبدا أن عجلة السلام "المستحيل" ستدور، لذلك كان علي وولتز أن تستعد للدخول في قلب أضخم عملية سلام في العالم، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتقول وولتز التي كانت تقدم برنامج "باربرا وولتز سبيشيل" علي محطة size =-3>ABC" الأمريكية وقتها، إنها توجهت جوا إلي تل أبيب لمقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين، في 18 نوفمبر 1977، أي قبل يوم واحد من الموعد المحدد لانطلاق طائرة السادات إلي إسرائيل، والتي لم تكن ترغب أن تتخلف عنها، فدخلت في سباق مع الزمن لتحجز لنفسها مكانا علي الطائرة الرئاسية، خاصة أن أشهر منافسين تليفزيونيين لها، حجزا لهما مكانا في مقصورة الاعلاميين بها، ولكن كان وجود وولتز في إسرائيل أكبر عائق أمامها للحاق بطائرة السادات، فالاتصالات بين القاهرة وإسرائيل كانت مقطوعة، لأن الدولتين كانتا في حالة حرب رسميا، لذلك أجرت اتصالا بالسفير غربال لتتوسل له بأن يتوسط لها لحجز مكان لها في الطائرة الرئاسية، وما أن حصلت علي الموافقة، قررت السفر علي متن طائرة خاصة من تل أبيب إلي القاهرة، ولكن بعد الهبوط في مطار نيقوسيا بقبرص، فلم يكن مسموحا للطائرات القادمة من إسرائيل وقتها، بالمرور عبر المجال الجوي لمصر، ولكن ما أن أقلعت الطائرة من مطار تل أبيب حتي حصلت علي إذن بدخول المجال الجوي المصري مباشرة، بموافقة خاصة من السادات.

وكان وصول وولتز في الموعد المحدد صادما لجميع منافسيها، وعندما لمحها السادات تجاهل أسئلة جميع المراسلين الصحفيين، حول الزيارة التاريخية للقدس، وسأل أشهر منافسيها وولتر كرونكايت "وولتر، ما رأيك بنجاح باربرا في اللحاق بالطائرة؟".

وداخل طائرة السادات حصلت وولتز علي وعد منه بإجراء أول مقابلة تليفزيونية، عقب الانتهاء من كلمته أمام الكنيست، لكنه رفض أن تكون المقابلة مشتركة له مع بيجن، قبل أن يتوسط الأخير لديه لتكون المقابلة مشتركة، في سبق صحفي كبير لـ"وولتز"، رفع اسمها إلي القمة في الإعلام الامريكي، الذي دخل وقتها في العصر الذهبي للتليفزيون، وهو عصر كان السادات وبيجين من أبرز أبطاله، وكانت المحطات التليفزيونية نفسها أبرز أطراف صناعة السلام بينهما، وهو ما دفع جولدا مائير أن تقول "لست متأكدة إذا ما كان بيجن والسادات سوف يحصلان علي جائزة نوبل للسلام أم لا، ولكن بالتأكيد يستحق كل منهما أن ينال جائزة الأوسكار".

بدأت باربرا وولتز مسيرتها المهنية في محطة "ABC>، وخلال هذه المسيرة نجحت في تكوين شبكة من الصداقات والعلاقات مع قادة وزعماء العالم، فقد ساعدها اعتناقها لليهودية علي التقرب من قادة إسرائيل، حتي أصبحت صديقة شخصية لغالبيتهم، خاصة موشيه ديان وزوجته راكيل، وأيضا مناحم بيجن وزوجته، فقد كانت في منزل الأخير، عندما تلقي اتصالا هاتفيا مفاجئا من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، يخبره فيه بأن السادات وافق علي توقيع معاهدة السلام.

ومن الملاحظات المهمة التي دونتها وولتز في مذكراتها، هي انطباعاتها الشخصية عن ردود أفعال الجانبين المصري والإسرائيلي في أعقاب توقيع معاهدة السلام بينهما، فقد نجحت وولتز في ترتيب موعد مع السادات في السفارة المصرية بواشنطن، قبل ساعات قليلة من موعد آخر في الفندق الذي يقيم فيه الوفد الإسرائيلي المفاوض، وفور صولها إلي السفارة المصرية، لاحظت وولتز وجود حالة من الحزن في أرجائها، خاصة مع إعلان جامعة الدول العربية تجميد عضوية مصر، وإدانة الزعماء العرب للسلام المصري المنفرد، بينما كانت الفرحة تعم الجانب الإسرائيلي، الذي ظل ينشد الاغاني الشعبية العبرية في جناح بيجن حتي الصباح.

ولم تنس وولتز ان تحكي في مذكراتها الدور الذي لعبته في نقل صورة عن السادات إلي رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، الذي زارته لتجري مقابلة معه، بعد أيام قليلة من لقائها الأول مع الرئيس المصري، ووقتها لم يكن رابين يعرف الكثير عن السادات، فحرب أكتوبر 1973 لم يكن قد مر علي توقفها سوي أسابيع قليلة، لذلك كان الهم الأكبر بالنسبة لرابين، هو أن يستجوب وولتز عن انطباعاتها بشأن السادات، سألها "كيف يبدو؟، ماذا قال؟، ما هو رأيك فيه؟"، وهي أسئلة جعلت المذيعة الشهيرة تشعر بأنها قد تصبح حمامة سلام بين الجانبين، فقد شعرت لأول مرة، حسبما تقول في مذكراتها، إن كونها مراسلة تليفزيونية، يتيح لها التحدث بحرية مع العدوين اللدودين، فقد قدمت لرابين عرضا لشخصية السادات، وأخبرته بأنه رجل عميق التفكير، ونافذ البصيرة، وأضافت أنها تعتقد أن السادات لا يرفض كليا فكرة عقد اجتماع بينهما، ولكنه ينتظر الوقت المناسب، وهو ما تحقق بالفعل، بعد أقل من 3 سنوات.

اجمالي القراءات 9769
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   نعمة علم الدين     في   الإثنين ١٦ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[50390]

الاصرار والتحدى فى المنافسة سبب نجاحها

" فدخلت في سباق مع الزمن لتحجز لنفسها مكانا علي الطائرة "
نالت نجاحها وشهرتها بفضل عملها الداؤب ، وبفضل اصرارها على المنافسة ، ليت كل نساء العرب يتمتعن بذلك الاصرار والتحدى فى المنافسة ، ليس فقط فى أعمالهن ولكن فى الحصول على حقوقهن المهدرة .

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق