شنون وعروسة البشرق (قصة متقرئنة)
تنبيه : الخبر ـ في جوهره ـ صادقٌ لا مُتخيل، أما الشكل واللهجة المُخبرة فشيء جديد بطبيعة الحال. وتبدأ قصتي بهذا البكاء:
يا نزل الأمراء أين أميرتي يا ترى ؟ غار نجمي في بحر ولا كل البحار، وها أنا ذا وحدي في حيرة بلا اختيار، قالوا: يهودية النجد، قلتُ: جدها جدي عليه السلام، رأيتها في يقظة النيام وللشعراء أودية وأحلام، اسمها عائدة وبطلب منها صحبتها لشاطيء سكيكدة، وكانت شمس الخريف يومها مشرقة تحكي إشراقة ضواحك الحبيبة وذاك الابتسام، وعلى الرمل الطاهر جلستُ وإياها نصغي لموج البحر في صمت تام، وكانت الحسناء عروسا سكرى مهيأةً بالتمام، وبعد ساعة قلت لجدار الصمت انكسر ومددت يدي أتحسس كف الأميرة بلطف، فمالت يمينا وأسندت خدا لكتف وأخذت تسأل معرفةً وتختبر، فلما عرفَت أصلي وفصلي وخبرت نبض القلب عقدنا عقدا ختمته بقبلة تقطع الأنفاس، ثم قالت: الآن وقد شربتَ الشفاه وأكلت اللسان وخبرت سري ومكنوني هلم إلى النزل أريك جنوني، وفي الإكسلزيور غَلَّقت نوافد غرفتها وكانت في زينة و زي المتفضل، وعلى انغام مطرب حسون راحت تراقصني بلا حياء، فقامت قيامتي أو كأن قد.. وجاء شَعرها المعطر بلون الغراب يداعبني عطاءً بغير حساب، فيا لَسكرة الشفاه في فمي، وبا لَرجفة ورد الصدر في يدي، توأم قتال وبرق لا يزال يؤلمني، زلزال على زلزال وما يزال اللوم يلاحقني.
يا عروسة الشرق منحتك عهدي وكان فيك أملي ممتدا بلا حد، أه لو تعلمين كم أحبك الآن وقبله وبعده وكل حين، قتلت ـ يا عائدة ـ مجنونا يحبك حبين، حبا لظاهر يُفجر الحجر، وحبا لباطن يذيب الحديد، وها قد وهن العظم مني وما زلت مجنونا أبحث عن ديني وذاتي في غياهب ذكرياتي، تشتكين من لمز مسود ورد في إحدى خربشاتي، تالله لو رمت كذبا لقلت زلة قلم، ولكن الكذب زقوم محرم، كلا يا حبيبتي ما طعنت إلا تمويها لأصرف عنك سهما رايته مخيفا، وما قصة موسى والرجل الملهم عنك ببعيدة، إن الحب الأصيل ـ ياحبيبتي ـ أصم أبكم مشلول، لا يضرب ولا يطعن، ولا يسمع للوشاة ولا يسيء الظن، ولا ينطق اللوم إطلاقا، قسما مرتين لا لوم مهما فعلت قبلا ومن بعدي، نصحتك يا قاتلتي فاسمعي: ما مثَلي ومثلُك إلا كمثل الحَب والنوى بالدفن والكفر والاغتسال يبعث حيا، فقاتلي معي عاشقة الأضواء ما استطعت واقتلي سوء الظن بلا رحمة، أو ارحميني وموتي قيل أن تموتي: ''فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ''
1. قالت بعد العقد وقُبلة العهد: أريد خاتما وعدسات لاصقة لحاجة في نفسي ستعرفها حين نعود للمرقد، قلتُ: بعُصارة الجَزر يُعالج البؤبؤ، ومن يبحر معي في المد يُدرك اللؤلؤ .
2. قالت: ما مَثَلي ومثلُك إلا كمثل طبقة والشنون الحكيم، وأحسبك تشير لقول ربنا سبحانه: ''وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ",
3. قلتُ: ما مثلي ومثلك ـ يا عائدة ـ إلا كمثل الأرض الهامدة، وقرأت :''وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ''
4. فالت: لا تقطع الرأس يا شنوني، وقرأت: ''•يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ'' قل معي صدق الله العلي العظيم ولا تقطع الرأس مرة أخرى.
5. • قلت: صدق الله العلي العظيم. وقرأتُ: ((...وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ () ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ() وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ()).
6. وكان سؤال اليوم السادس صورةً تبقى، قلت: زخرفٌ الظاهر زائل ذاهب لا يدوم، هلم نأخذ تصورا عن الكون وتلك السدوم، أو نبحر في سورة من سور الكتاب المكنون لتعلمي ـ يا عائدة ـ وتعلمي كل العائلة أن الكتاب المبين إزميل يَصقل الجوهر، ويطهر العائد المُتدبر. قالت: زدني يا شنوني ؟ قلت: ما التدبر ـ يا طبقي المفضل ـ إلا عودٌ إلى وراء للتفكير في ما جرى، وقرأتُ: ''هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(6) هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ(7)''
7. وسألتني يوم الفراق عن الزهد والتصوف، فقلتُ: من البحر تُسقى عيوني، وفي آية التابوت ـ ياقرة عيني ـ عبرة لأولي النهى، عبرة يجب أن تُسجل برأس الصفحة الأولى: (( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)[28].
8. قالت وهي تودعني: '' يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ''

هي التي علّمتني كيف أعشقـُها

هي التي قد سقتني شَهْدَ ريّاها

الشّعر من وحيِها درٌّ مرصّعٌ

والفنّ من سحرها واللحن مغناها

روحٌ من الله سوّاها لنا بشراً

فإن عبدتـُها لا إشراك بالله

لأنّني في هواها أعبدُ الله

ـ من أشعار الموتى ـ