في الرد على الذين يطالبون بعودة الخلافة:
وهم الخلافة

مولود مدي Ýí 2017-05-08


لقد كثر الحديث عن الخلافة الاسلامية في اوساط الشارع العربي و الدول التي تضم اغلبية مسلمة و التي لا زالت تعاني من الانظمة الشمولية الى الان بحيث يعتقد الكثير ان العودة الى منهج الخلافة الاسلامية هو الحل الوحيد المتبقي و ان كل من يعارض هذا الطرح هو عدو لله و لا يريد تطبيق الشريعة, فطبع في ذهن المسلم أن الحاكم هو خليفة الله في أرضه و هو المتحدث باسم الله, وهذا ما تسبب في الوهم الشائع عند المسلمين أن الخروج على الحاكم هو كفر و زندقة و نقده و معارضته أمر لا يجوز.

المزيد مثل هذا المقال :

الكثير من المسلمين يزعمون أن " الخلافة " ضرورية لتطبيق الأحكام الشرعية لكنلا تعلم الاغلبية الساحقة من المجتمع العربي الاسلامي ان فكرة الخلافة التي يتشدق بها الاصوليون لا توجد اصلا في المصدر الاول للإسلام ( القران ) بل تلك الخلافة التي اقامها النبي كانت ضرورة دفاعية بحتة لحماية الاسلام و الذي كان في بداياته فقط و لم يضع بعد اسسه القوية كما انه لم يتجاوز شبه الجزيرة العربية بعد. كما ان الله تعالى لم يأمر قط رسوله و لم يفرض عليه اقامة دولة دينية بل فرض عليه تبليغ رسالته و بالتالي كان الهدف ايجاد امة مسلمة و ليس بناء دولة دينية.

لا تعلم الاغلبية الساحقة من المجتمع العربي الاسلامي ان المسلمين الاوائل و اتباع النبي بل حتى عرب ما قبل الاسلام لم تكن لديهم ادنى فكرة عن مفهوم نظام الحكم حيث اقتصر مفهوم الحكم لدى العرب عبارة عن سلطة فقط لا فكر فيها و لا كياسة بل تعتمد فقط على مقدرات الحاكم, وبالتالي لم يعرف العرب قبل الاسلام و المسلمون شيئا عن السلطة و دواليبها و كيفية تسييرها, بل أن الامبراطوريات الاسلامية كالأموية و العباسية أخذت نظم حكمها من الفرس و اليونانيين, فاذا كان الاسلام دين و دولة فما هو الأمر الذي دعا بالمسلمين الى الأخذ من غير المسلمين ؟ المشكلة عندما نشجّع على الأخذ من الغرب يتم اتهامنا بفرية البعد عن دين الله وبالتشبه بالكفّار لكن الإسلاميين لا يجدون أي حرج من تأسيس أحزاب للدفاع عن أفكارهم رغم عن ان مفهوم الحزب هو مفهوم غربي لا علاقة للإسلام به فمن هم المتشبهين بالكفّار في هذه الحالة ؟! .. ان مفهوم السلطة و الحكم لدى المسلمين لم يتبلور الا بعد القرن الخامس هجري حيث ظهرت كتابات ابن رشد و الماوردي و هذا ما يدل على ان المسلمون لم يعرفوا لا مفهوم الدولة و لا انواع انظمة الحكم و لا شيء من هذا القبيل لكن الكثير من المفكرين الاسلامويين لا تعجبهم هذه الحقيقة فيذهبون الى لي أعناق الآيات القرآنية و تفسيرها بالأحاديث المكذوبة التي لا تعود الى الرسول بل تعود الى زمن اقتتل فيه المسلمون على السلطة و الحكم.

ان الذي يقرا القران الكريم يجد ان هذا الكتاب الذي اسهب في الحديث عن كيفية تنظيم العلاقات بين مكونات الوجود ( الله , الكون , الحياة , الانسان ) يكاد يكون قد تغاضى الحديث عن كل ما ينظم العلاقات بين عناصر الدولة ( الامة , السلطة السياسية , الارض ) فما هو السبب ؟ .

ان الاسباب واضحة فالعنصر الاول عبارة عن علاقة تحكمه ثوابت خارج ادراك الانسان و فوق تصورات و قدرات العقل البشري اما العنصر الثاني فهو عنصر نسبي غير مطلق خاضع لتغيرات التجربة الانسانية فسياسة القرن الثاني عشر مختلفة كل الاختلاف عن سياسة القرن السابع عشر و سياسة القرن الواحد و العشرين و هذا امر طبيعي لان هذا العنصر من وضع البشر يتم تغييره حسب الحاجة الانسانية و خاضع لتطورات معينة و بالتالي نخرج بنتيجة ان كل ما جاء عن تعريف السلطة هو في الغالب اجتهاد بشري لا ضلع في الدين فيه كما يريد ان يسوق لنا الاصوليون الذين يدّعون ان الدين يصلح لكل شيء ! .. ان دولة الخلافة الاسلامية هي ايضا تعتبر اجتهادا بشريا وجدت لضرورة ذكرناها سابقا و ليست من صنيعة النصوص الدينية, فلو كان النص القرآني مشتملا لموضوع الخلافة فما الذي جعل الصحابة يتصارعون في سقيفة " بني ساعدة " على الحكم ؟ لماذا اختلفت بيعة كل صحابي في عصر " دولة الخلافة الراشدين " ؟ لماذا لم يتكلم القرآن عن شكل المؤسسات التي يجب اقامتها في الخلافة ؟ لماذا لم يحدد مدة حكم الخليفة ؟ التاريخ يخبرنا أنه لم يسبق و أن حدث انتقال سلمي للسلطة بين المسلمين سوى بالسيف! .. لقد قالوا أن الرسول كان مبلّغا للرسالة و قائدا سياسيا في وقت واحد و قالوا أن بني اسرائيل تسوسهم انبيائهم أفهل هذه حجّتهم ؟ هل تناسوا ان الناس عندما يدخلون في دين توجّبت الطاعة العمياء للنبي الذي يبلّغ ذلك الدين ولا يجوز الاعتراض على قراراته لأنها مدعومة من السماء ؟ هل تناسوا أن المسلم أنذاك عندما ينطق الشهادة فهو ارتضى النبي لسياسة أموره و لا اعتراض على قراراته وينفّذ أوامره طائعا وراضيا ولو جبرا عنه ؟ هل قرارات البشر الحالية لا زالت تعتمد على نزول الوحي و على الطاعة العمياء للحاكم ؟ ان الذين يتحججون بأن بني اسرائيل كانت تسوسهم أنبيائهم تغاضوا عن حقيقة أن الرسول عندما كان يتولى شؤون الدولة الاسلامية كان يفعل ذلك بإرشاد الوحي و رقابته في كل فعل و قول فنستنتج أن السماء هي التي كانت تسوس المسلمين لذا الم ينقطع التواصل بين الأرض و السماء مباشرة بعد وفاة خاتم الانبياء ؟ الأمر المحيّر هو اصرار الفقهاء على تسييس الدين بأي طريقة, ومن العجيب أنهم عندما يحاولون معالجة قضية فقهية يذهبون الى القرآن ويفرغون الأيات من معانيها لتوافق فكرهم,  لكن ان حدّثتهم في السياسة لا يجدون أي نص قرأني ليدعموا حججهم فيهربون الى الأمام و يعودون الى عقلية " حدّثنا فلان و قال و قال " و هذا دلالة على حياد القرآن تجاه السياسة فلو كان القرآن واضحا في هذه المسائل لما حدثت الفتنة الكبرى بين المسلمين التي نتجت عن الاتجار بدم الخليفة عثمان بن عفان,عندما تقرأ تاريخ الخلافة الراشدة باحثاً عن علاقة الدين بالدنيا، يمكنك أن ترى قرارات دنيوية مئة بالمئة ولا علاقة لها بالدين ولا بالشريعة، وأن ترى مواقف يتم فيها خلط الديني  بالدنيوي، أو القدسي  بالسياسي، وربما ما هو أسوأ من الخلط، هو استغلال واستثمار الدين من أجل مكاسب سياسية دنيوية. وعندما حدث هذا الخلط تردت الخلافة الراشدة في الفتن التي لا تتوقف من حروب مانعي الزكاة إلى حروب الردة إلى الفتنة الكبرى إلى رجم الكعبة بالمنجنيق إلى استباحة مدينة رسول الله ثلاثة أيام حملت فيها أكثر من ألف عذراء من بنات الصحابة الأكارم إلى كربلاء إلى صفين إلى فتنة المختار الثقفي الى اليوم.  

لا يوجد في الاسلام نظام حكم مُعين واضح المعالم في كيفية إدارة الدولة في الإسلام، فليس هناك نص ديني يحدد ما شكل نظام الحكم الذي يجب أن يسود في الدولة كأن يكون ملكيا أو جمهوريا الخ ومن يقول أن القرآن شدد على الشورى فنذكره أن " معاوية بن أبي سفيان '' ضرب بالشورى عرض الحائط بجعله الحكم في الدولة الأموية وراثيًا و ليس شوريًا فيكون في هذه الحالة ينكر معلوما من الدين بالضرورة لكن لا أحد يهتم لهذا .. لكن لا يجب أن ننكر أن القرآن عندما تحدّث عن السياسة فهو تحدّث عن قيم عامة يجب على الحاكم أن يلتزم بها لكي يكون حكمه رشيدا مهما كان نظامه كأن يكفل للفرد الحرية المطلقة في العبادة و حرية التعبير و الرأي مهما كان هذا الفرد ومهما كانت عقيدته و جنسه ولونه, وعدم التمييز بين أبناء الوطن الواحد ، وتحقيق اقصى درجات العدالة بين أفراد الشعب ،وتحقيق التطور الاقتصادي و العلمي و المحافظة على أموال الشعب من الاختلاس و الالتزام بالعهود والمواثيق والعقود  المحلية والدولية.. الخ, و ما يهمنا أكثر من هذا كُله حرية الفرد في اختيار حاكمه، وان يأتي هذا الحاكم بالإرادة الشعبية عن طريق انتخابات نزيهة و شفّافة و أن لا يغفل هذا الحاكم ولو للحظة أنه تم اختياره عن طريق الشعب ووضع فيه هذا الأخير ثقته فيه لكي يكون خادما  له, ولم يأت بالصك والحكم الإلهى كما فى الدولة الدينية كما أدّعى المرشد السابق للإخوان, " مهدي عاكف " في الانتخابات الرئاسية أن المرشح الاخواني الدكتور " محمد مرسي " أنه مرشح الله!! ..  وفي الأخر نستنتج أن كل  القيم الاسلامية القرآنية هي قيم عامة  لطرق إدارة البلاد وتحقيق مصالح العباد, ومتروك للإنسان مهمة  الوصول إلى سبل تحقيقها ..  

ان النّاس التي لا تزال تروّج لوهم " الخلافة الاسلامية " تريد لزمن الفتن و الاقتتال بين المسلمين على السلطة أن يعود وكل ذلك تجرءهم على الادعاء بأنهم " حرّاس الشريعة و الدين '', ان من يريد عودة الخلافة يريدون حكم المسلمين حكما أبديا لن يتزحزحوا فيه عن كرسي السلطة الا اذا حضرتهم الموت أو تم اغتيالهم بالسم, ان عودة الخلافة تعني ان كل مخالف للحاكم هو مخالف للإسلام و عدو لله وبالتالي ستتم مقاتلته يعني أنه لا توجد مصطلحات " الديمقراطية " و " المعارضة " في فكر مروجي أوهام " الخلافة " يعني أننا سنعود الى زمن المعارض أصبح مرتدا و زنديقا, سيعترض المسلم و سيقول أن عزة الاسلام و المسلمين ستعود بعودة " الخلافة " لذا أقول يلعن الله العزة التي تأتي باحتلال ديّار النّاس بالقوة و الاستيلاء على أموالهم و اغتصاب نسائهم و كل هذا تحت غطاء " نشر الاسلام , أي عزة في تخريب بلدان الناس و تهديم معابدهم و اجبارهم على ترك معتقداتهم أو دفع الجزية ؟.

خلاصة القول هي أن فكرة " الخلافة " هي فكرة ضد الانسانية و ضد الواقع الذي نعيشه بل وضد العقول أيضا, فهذه الفكرة لا علاقة لها أبدا بمفهوم الدولة الحديثة الديمقراطية, دولة المواطنة التي تتعامل مع مواطنيها حسب الانتماء و ليس حسب المعتقد و الجنس و اللون, ان الذين يدعون لعودة الخلافة هم اناس يريدون أن يكونوا القائمين عليها بشر يحرم الخروج عليهم لأن ذلك يعني الخروج عن الدين, يريدون للتجربة الأوروبية أن تتكرر عندما كان الناس يعتقدون أن الملك هو " ظل الله في أرضه " و ارادة الملك هي ارادة الله و ان عارضته سيقول لك " لا انزع قميصا البسني اياه الله ", فيقتل كل من عارضه و يصبح ظلمه شعيرة دينية و تصبح حرية الفكر في الخلافة حراما لأنها بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة صاحبها في سجون الخليفة.

اجمالي القراءات 10943

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الثلاثاء ٠٩ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[86032]

تذكرة .


الأخ الكريم الأستاذ مولود مدى . موضوع مهم ،وبالفعل الحكم المدنى متروك للشعوب تقرره كيفما شاءت وكيفما ترتضى ،وقد وصلت فى النهاية إلى أفضل طريقة للحكم وهو الحكم الديمقراطى الذى يجعل الحاكم وحكومته خادمة وموظفة لدى الشعب ..



= وهناك ملاحظة وتذكرة اراها واجبة لتصويب فقرة (من وجهة نظرى وردت فى المقال وهى (( ان الذي يقرا القران الكريم يجد ان هذا الكتاب الذي اسهب في الحديث عن كيفية تنظيم العلاقات بين مكونات الوجود ( الله , الكون , الحياة , الانسان ))) ... وإسمح لى لا يجوز ابدا أن نقول على الخالق العظيم (( الله ) انه ضمن مكونات الوجود .. وإنما هو خالق الوجود ،وخارج نطاق الوجود ،وعلمه سبحانه مُحيط بالوجود الذى خلقه ..



فعندما نتحدث عنه سبحانه لا نجعله ضمن الوجود ، ولكن من الممكن أن نقول أن القرآن اسهب فى الحديث عن العلاقة بين الله جل جلاله خالق الوجود ،وبين خلقه فى الوجود من أكوان وحياة وإنسان وبيئة مُحيطة بالإنسان ....



==



تحياتى



2   تعليق بواسطة   مولود مدي     في   الثلاثاء ٠٩ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[86033]

شكرا استاذنا عثمان


أنا احييك أساذ عثمان على ملاحظتك التي وجهتها الي و أتمنى أن تكون الفكرة التي عملت من أجلها في المقال قد وصلت الى حضرتكم و أنا أنتظر دائما ملاحظاتكم و من القراء أيضا و هذا ما سوف يساهم في اعلاء مستوى هذا الموقع  المحترم كما أوجه شكري الى الأستاذ صبحي منصور على الفرصة التي منحني اياها لاساهم في اثراء محتوى الموقع.



3   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الثلاثاء ٠٩ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[86038]

مرحبا بك استاذ مولود ..وننتظر منك المزيد من المقالات والتعليقات


وأنا متفق معك فى فحوى المقال ، مع تصحيح بسيط ، هو أن النبى محمدا عليه السلام لم يؤسس خلافة ، الذى أسس الخلافة هم قريش بعد موته وجعلوا ابا بكر خليفة النبى ، ثم أطلقوا على عمر لقب أمير المؤمنين ، وبعدها صار أمرا عاديا ورسميا أن يقال الخليفة وأمير المؤمنين للحكام الشموليين من قريش والعثمانيين .

ليس فى الاسلام دعوة لاقامة دولة . دعوة الاسلام هى للتقوى وما تعنيه . تأسيس دولة إسلامية متروك للظروف . النبى محمد أقام دولة اسلامية علمانية بمفهومنا. إضطرته قريش الى الهجرة ، ثم بتكرار هجومها عليه حربيا ـ نزل الأمر بالاستعداد العسكرى ردا للهجوم . تكوين الجيش إستلزم تنظيم دولة ، وكانت دولة حقوقية ديمقراطية علمانية . وبرجاء أن تقرأ لنا فى هذا الموضوع. 

أهلا بك مجددا.

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2017-04-13
مقالات منشورة : 59
اجمالي القراءات : 520,387
تعليقات له : 23
تعليقات عليه : 39
بلد الميلاد : Algeria
بلد الاقامة : Algeria