التعبير عن الغضب يؤجل قرار الانتحار لدي الفئات المحبطة
تصوير: محمد حسن
- يأس الإخوان وتحويل مصر لأفغانستان
- هل القوامة حق مطلق للرجل على المرأة؟
- لماذا كانت وعود الدكتاتوريات كاذبة؟
- رمضان هذا العام مذاقه مختلف
- الوعي العام للمجتمع [وعي الضياع العام]
- فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ
- هل هناك مصدر تشريعى إلهى بجانب القرءآن الكريم واجب إتباعم؟
- رسالة الى الأحبة ( 28 ): تهنئة بعيد الأضحى
- عن الغياب
«حاولع فى نفسى» تعبير مصرى دارج، وتهديد يقال آلاف المرات يوميا أوقات الغضب والضيق. تنفيذ هذا التهديد ليس بالأمر النادر، فالانتحار حرقا أسلوب شائع نسبيا يعتاده أطباء الطوارئ العاملون فى مستشفيات حكومية قريبة من مناطق عشوائية، وإن تغيب الأرقام الرسمية عن عدد مثل هذه الحوادث سنويا.
«الأمر الجديد هو تحور الظاهرة، وتحول الانتحار حرقا إلى ممارسة علنية وعامة»، كما يلاحظ الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسى بجامعة الزقازيق.
منذ انتحار التونسى محمد بوعزيزى فى ديسمبر الماضى، وتطور ردود الأفعال لتصل إلى ثورة أطاحت بنظام الحكم الفاسد، ظهر عدة مقلدين للبوعزيزى فى مصر، يحاولون إشعال النار فى أنفسهم أمام مجلس الشعب أو مجلس الوزراء.
«فى الانتحار بحرق الذات نوع من السمو، فالمنتحر يتحمل ألما هائلا يدل على مدى يأسه واكتئابه، لكنه لا يوجه العنف تجاه الآخرين ولا يؤذيهم»، كما يقول الدكتور عبدالله.
هذا التسامى يضع الحكومات فى مأزق حرج، فى رأى روجر بيكر، نائب رئيس مركز ستراتفور الأمريكى للدراسات، والذى نشر فيديو على اليوتيوب يعلق فيه على حالات الانتحار حرقا فى مصر وتونس.
يقول بيكر إن الاحتراق يدل على جدية ونبل المنتحر واستعداده الحقيقى لتحمل المشاق فى سبيل لفت الأنظار إلى قضيته، وفى ذات الوقت فإنه يوجه العنف تجاه ذاته مما يحد من قدرة الحكومة على إدانته.
أشار بيكر إلى أن الانتحار حرقا يجد قبولا واحتراما فى الشرق الأسيوى، بمعتقداته البوذية والهندوسية التى لا تجرم الانتحار بهدف التضحية بالذات والاحتجاج. فشهدت الستينيات موجة انتحار بالحرق بين رهبان وبوذيين فى فيتنام اعتراضا على اضطهاد أتباع الديانة البوذية. وفى مطلع التسعينيات أقدم طالب هندى على حرق نفسه احتجاجا على سياسة الحكومة الهندية بشأن توظيف أتباع الطوائف المختلفة، فتبعه فى محاولة الانتحار حرقا ما يزيد على 150 من مؤيدى موقفه. ما يحدث الآن من اعتياد فى الشرق الأوسط المسلم لأسلوب الانتحار حرقا كأحد أساليب الاحتجاج يزيد من مدى الصدمة التى سببتها الظاهرة، وهو ما أجبر الحكومات العربية على إعطاء اهتمام إضافى للقضايا التى يتبناها المنتحرون، فى رأى بيكر.
وإن كانت الحكومة المصرية لم توجه إدانة مباشرة للمنتحرين، فإن رجال الدين الرسميين فى الأزهر أكدوا أن المنتحر مخلد فى النار، دون مناقشة للأسباب والدوافع وراء الانتحار.
عصام تليمة، الداعية الإسلامى المصرى المقيم بقطر، كان له رأى آخر فى فتوى نشرها على موقع «أون إسلام»، وقال فيها إن الانتحار فى الإسلام حرام شرعا وأن الإسلام هدفه الأسمى هو الحفاظ على النفس.
لكنه يعرف المنتحر بأنه «شخص يئس من حياته، بناء على انغماس فى الملذات، وانكفاء على المحرمات، وانقطاع صلته بالله عز وجل، مما جعله يتخبط فى الحياة حائرا، يحيا على غير هدى»، وبالتالى فإن المقصود بأحاديث الرسول عن المخلدين فى نار جهنم بسبب انتحارهم من يستحلون الانتحار، ولا يؤمنون بأنه حرام، وهو ما لا ينطبق على المنتحرين المحتجين.
ويضيف عصام أن مصير المنتحر فى يد الله، ولا يوجد فى الشرع ما يؤكد خلوده فى النار، لأن الله يغفر جميع الذنوب الأدنى من الشرك، بما فيها الانتحار.
أخطر ما جاء فى فتوى تليمة فهو أن من يموت أثناء إضراب عن الطعام بسبب «ظلم بشع لا يستطيع رفعه» أو مات أثناء التظاهر ضد نظام فاسد، فهو خارج دائرة أحاديث الترهيب من الانتحار، فهؤلاء كان فى نيتهم الحياة إن أجيبت مطالبهم العادلة.
طبقا للأرقام الرسمية لمركز معلومات رئاسة الوزراء تضاعف عدد المنتحرين فى مصر فى السنوات الخمس الماضية. فعام 2005 شهد انتحار أقل من ألفى مصرى، أما عام 2009 فقد أنهى 5 آلاف مصرى حياتهم من أصل 104 آلاف حاولوا الانتحار وتم إنقاذهم. وهذه الأرقام الرسمية أقل من الواقع لما يحيط بحوادث الانتحار فى مصر من عار اجتماعى تخفيه عائلات المنتحرين بالصمت.
هذه الأرقام هى مؤشر عن حالة الاكتئاب العام الذى يعانى منه غالبية المصريين، فى رأى أستاذ علم النفس أحمد عبدالله، أما الانتحار فى شكله الاحتجاجى الجديد، « فدليل على إن فيه يأس مطلقًا وكاملاً من إن الأحوال تنصلح بأى وسيلة تانية».