مصر تبحث عن البديل لنظام يعذب حتى الموت

اضيف الخبر في يوم السبت ٢٤ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: أهل القرآن



ثمة خشية كبيرة على ان تبقى مصر سائرة على خطى السادات في غياب القيادة السياسية المستقلة، القادرة على اتخاذ قرارات تاريخية تعيد لمصر موقعها الريادي ليس على الصعيد العربي فحسب، بل في الدائرتين الاسلامية والعالمية.
مقالات متعلقة :

والأمل ان تستعيد مصر عافيتها السياسية وتلحق بركب المدافعين عن الامة وحقوقها والمتصدين للاحتلال الصهيوني، كما تفعل الدول التي استيقظت من غفلتها في السنوات الاخيرة. ينطلق هذا الامل بعد ان لاحت بعض ملامح التغير في السياسة التركية تجاه 'اسرائيل' بشكل أغضب الساسة الصهاينة ودفعهم لاطلاق التصريحات التي تعبر عن القلق في تغير حظوظ الكيان الاسرائيلي في المجالات السياسية والاستراتيجية. ويمكن القول ان الحربين الاخيرتين اللتين شنتهما 'اسرائيل' ضد لبنان وغزة ساهمتا كثيرا في تغيير خريطة التوازنات في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فبعد ثلاثة عقود من حدوث اول تغير جوهري في الموقف العربي تجاه الاحتلال، بدأت ملامح مرحلة جديدة لا يستبعد ان تسلب الكيان الاسرائيلي ما اكتسبه من 'شرعية' دولية. الحظوظ الاسرائيلية تصاعدت في العقود الاخيرة وبالتحديد منذ العام 1974 عندما لوح الرئيس السابق، المرحوم ياسر عرفات، من على منبر الامم المتحدة بغصن الزيتون، وما تلاه من الغاء مبدأ اقرته الامم المتحدة سابقا يساوي بين الصهيونية والعنصرية. كان هذان التطوران باكورة الانتصارات السياسية الاسرائيلية. وما هي الا بضع سنوات حتى سجل الكيان الاسرائيلي اختراقا آخر للكيان العربي، عندما وقعت مصر السادات في 17 سبتمبر/ايلول 1978 اتفاقات كامب ديفيد التي كان مخططوها يحلمون بمرحلة تطبيع سياسي وثقافي بين المحتلين والعرب. ولكن انتصار الثورة الاسلامية في ايران في غضون بضعة شهور لاحقة ساهم في وقف مسيرة التطبيع، اذ ألغت الثورة العلاقات الدبلوماسية بين نظام الشاه والكيان الاسرائيلي، واستبدلت ذلك بعلاقات مع الفلسطينيين، وفتحت لهم اول سفارة في العالم. واذا كانت مسيرة الاعوام الثلاثين الاخيرة قد شهدت ارتفاعا وانخفاضا في مسيرة الصراع العربي الاسرائيلي، فان ما تشهده القضية على الصعدان الثلاثة، المحلي والاقليمي والدولي، يشير الى احتمال حدوث تغيرات واسعة في هوية الصراع وابعاده. ويمكن القول ان وجود ارضية محلية تمثلها حركات المقاومة الفلسطينية خصوصا حماس والجهاد الاسلامي، توفر للدول العربية والاسلامية مسوغات سياسية ودبلوماسية واخلاقية لسياسات رفض الكيان ومقاومته بكافة الوسائل المشروعة.
هذه الحقائق على الارض والسياسات الاسرائيلية الرعناء ساهمت في اضعاف الموقف الدولي المساند للكيان الاسرائيلي. ففي اوروبا تصاعدت في السنوات الاخيرة 'موجة 'معاداة السامية'. وقالت 'وكالة الحقوق الاساسية' في تقرير لها صدر قبل ستة شهور ان 'تصاعد معاداة السامية في أوروبا يتزامن مع تفاقم التوترات في الشرق الاوسط وان صورة المعادين للسامية كيمينيين متطرفين قد تبدلت'. وذكرت الوكالة التي تتخذ من فيينا مقرا لها والتي جمعت بياناتها من 19 دولة في الاتحاد الاوروبي 'ان تصاعد المشاعر المعادية للسامية والتي تتجسد في حوادث تخريب متعمد للممتلكات او اعتداءات جسدية هو مثار قلق حقيقي'. وتشعر تل ابيب بالقلق من تصاعد رفض سياساتها في الدول الغربية، وتسعى لبث مقولة ان انتقاد سياساتها تجاه الفلسطينيين يساوي معادة السامية، الامر الذي يرفضه الكثيرون. وفي الشهور الاخيرة أصبحت 'اسرائيل' أكثر توجسا ازاء تراجع حظوظها من الدعم الدولي لأسباب اربعة: الاول صعود حكومة يمينية متطرفة بزعامة بنيامين نتنياهو الذي يدير سياسته الخارجية متطرف آخر هو أفيغدور ليبرمان. الثاني: تصاعد الضغوط الدولية على السلطات الصهيونية لوقف بناء المستوطنات في الضغة الغربية وفقا للالتزامات التي قدمتها 'إسرائيل' بموجب خطة 'خارطة الطريق' للسلام في الشرق الأوسط لعام 2003 'التي تتضمن 'إيقاف بناء المستوطنات وضمان أن توجد دولة فلسطينية لها مقومات البقاء'. وقد فشلت حكومة نتنياهو بالوفاء بهذه الالتزامات. الثالث: حالة الغموض التي تكتنف سياسات الرئيس باراك اوباما وتأرجحها بين الضغط على 'اسرائيل' ومطالبة الفلسطينيين بتقديم المزيد من التنازلات. ومع ان اوباما يبدو أقل حماسا للمشروع الصهيوني ولكن سياساته حتى الآن لم تطمئن الفلسطينيين، ولم يتخذ خطوات حاسمة لدفع التفاوض بين الطرفين. الرابع: صدور تقرير غولدستون الذي حمل الاسرائيليين مسؤولية ارتكاب جرائم حرب خلال العدوان على غزة، وهو التقرير الذي أثار زوبعة دولية لانه رفع الستار بشكل رسمي عن تلك الجرائم. وبدت الولايات' المتحدة' وبعض الدول الاوروبية، خصوصا بريطانيا، متأرجحة في الموقف ازاء التقرير الذي تتهمه بالانحياز ضد 'اسرائيل' برغم ان المسؤول عنه يهودي يصف نفسه بانه 'صهيوني'.
في هذا الخضم، فالمأمول ان تنقلب مصر على تاريخها المعاصر الذي تمثل اتفاقات كامب ديفيد أكثر فصوله سوادا، وتتخذ قرارات تاريخية لتلتحق بالدول الاسلامية الكبرى التي سبقتها لدعم المقاومة ورفض الاحتلال والقطيعة معه. وتمثل ايران أشد حالات القطيعة مع كيان الاحتلال الذي ترفض الاعتراف به وتشكك في مقولاته التاريخية خصوصا الهولوكوست، وتتهم بتمويل المجموعات التي تقاومه. ولكن جبهة التحرر لا تتوقف هنا. وليس مستبعدا ان تتواصل السياسات التركية، في ظل استمرار حكم حزب العدالة والتنمية، في' السياسات التي تتبلور تدريجيا ضد المصالح الاسرائيلية. فتركيا العلمانية كانت تنتهج سياسات مشابهة لسياسات ايران الشاهنشاهية، اذ اعترفت بالكيان الاسرائيلي واقامت العلاقات الدبلوماسية معه، وتحالفت معه عسكريا. وثمة مؤشرات لتغير هذه السياسة، من بينها الغاء المناورات العسكرية بين القوات التركية وقوات الناتو و'اسرائيل'. وكانت إسرائيل قد أعلنت أن المناورات الجوية المشتركة التي تنظمها تركيا سنويا بمشاركة الولايات المتحدة وعدد من دول حلف شمال الاطلسي الى جانب تركيا و'اسرائيل' قد تم تأجيلها الى اجل غير مسمى بعد رفض تركيا دعوة الاخيرة للمشاركة فيها. المناورات ستجري في موعدها، ولكن بدون مشاركة دولية، حيث الغيت هذه المشاركة 'بعد مفاوضات اجرتها وزارة الخارجية التركية مع الجهات المعنية.' هذه الخطوة تضاف الى 'احتجاج' اسرائيلي على بث التلفزيون التركي مسلسلا يصور جنودا اسرائيليين يقتلون اطفالا فلسطينيين أبرياء. وتعتبر الخطوة نتيجة لما يبدو من تغير في السياسة التركية التي اصبحت اكثر تبلورا منذ العدوان الاسرائيلي ضد غزة. ويتناول المسلسل حياة أسرة فلسطينية تعيش في الضفة الغربية. هذا لا يعني ان السياسة التركية بالقطيعة مع الكيان الاسرائيلي قد حسمت تماما، ولكنها مؤشر لنوايا غير معلنة تشير الى تلاشي حظوة الصهاينة لدى الاتراك. هذه الخطوات تتناقض مع خطوات اخرى اتخذتها حكومة اردوغان في الشهور الاخيرة تتمثل بدور تركي مهد لحوار سوري اسرائيلي. ونقلت صحيفة 'معاريف' الاسرائيلية عن مصدر سياسى رفيع المستوى قوله 'إن رئيس الوزراء التركي يقوم بتحويل تركيا إلى دولة إسلامية متشددة، على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية'، لافتاً إلى أن الدولة العبرية تخشى من التقارب الإيراني التركي، وزادت الصحيفة قائلة على لسان مسؤولين سياسيين إسرائيليين، إن الأزمة الحالية خطيرة جداً، ولكنّ تداعياتها ستكون أخطر بكثير، ولفتت إلى 'أنّ أردوغان تنازل عملياً عن هدف بلاده الدخول كعضو في الاتحاد الأوروبي ويقود بلاده إلى محور جديد مع إيران وسورية'.
والسؤال هنا: هل تستطيع مصر ان تفعل ذلك؟ ام ان شيخوخة قياداتها والتزاماتهم تجاه واشنطن وتل أبيب تمنعهم من اتخاذ قرارات شجاعة على غرار الخطوات التركية؟ التطورات الاخيرة على الساحتين الفلسطينية والمصرية لم تظهر وجود مشروع مصري لتغيير المسار. فبرغم العاصفة الاخيرة حول المسجد الاقصى واحتمال تدميره على ايدي السلطات الاسرائيلية او المتطرفين اليهود، لم تتخذ الحكومة المصرية أي موقف مناوىء بشكل جدي للاسرائيليين. بل عمدت لاعتقال العشرات من جماعة الاخوان المسلمين بسبب مشاركاتهم في مسيرات لدعم المسجد الاقصى وشجب 'اسرائيل'. وكانت الجماعة قد أعلنت انها ستمارس الاعتكاف في المساجد تضامنا مع المعتكفين الفلسطينيين الذين اعتكفوا ثمانية ايام في المسجد لمنع اقتحامه من قبل المجموعات الصهيونية التي كانت تخطط لجريمة الهدم في 'عيد الغفران' الذي صادف السادس من هذا الشهر، وهو اليوم الذي أطلق على حرب 73، آخر الحروب التي شاركت مصر فيها ضد 'اسرائيل' والتي ادت الى انتصار عسكري كان يفترض ان يكون' اساسا لمشروع' تحريري اوسع. وفي غمرة انتفاضة الاقصى، أعلن عن استشهاد يوسف حمدان أبوزهري البالغ من العمر 38'عاما نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرض له في السجون المصرية. 'وكان الشهيد قداعتقل من قبل السلطات المصرية في الـ 28 من نيسان/ابريل الماضي أثناء دخوله الأراضي المصرية، وقد أخضع وقتها للتحقيق من قبل الأمن المصري بأحد المنازل في مدينة العريش المصرية. وهناك عدد من المعتقلين الفلسطينيين في السجون المصرية من بينهم أيمن نوفل، القيادي بكتائب القسام. جريمة التعذيب هذه فتحت ملف حقوق الانسان في السجون المصرية على مصراعيه، ودفعت نشطاء حقوق الانسان في مصر وخارجها للمطالبة بالتحقيق المستقل في الجريمة ومعاقبة مرتكبي جريمة التعذيب. ولكن من غير المتوقع ان تقدم السلطات المصرية على تلك الخطوة خصوصا في غياب الضغوط الدولية الرسمية والشعبية.
الكثير من الساسة والمراقبين يستغرب من الموقف المصري ازاء ما يجري في داخل مصر ام على حدودها. فثمة غياب واضح للدبلوماسية المصرية، يتمثل بغياب الدور القيادي المصري للعمل العربي، ومواجهة التوجهات التحريرية لدى الفصائل الفلسطينية الرافضة للاعتراف بالاحتلال، والتحالف مع المملكة العربية السعودية ضمن محور مشترك يهدف للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي والتصدي للحركات النضالية الفلسطينية والعربية. الرئيس حسني مبارك يجد نفسه في موقف صعب وهو يواجه خيارات صعبة. فهو متشبث بالحكم، ويسعى لتوريثه لنجله. وهو 'ملتزم' بتعهدات وسياسات ومواقف مع واشنطن وتل أبيب، وهو في الوقت نفسه مطالب بالتعاطي مع الواقع الداخلي الذي يزداد تأزما بمرور الوقت. ولذلك لا تبدو المخارج من كل ذلك متيسرة. النظام يؤمن بأمور ثلاثة: اولها انه مستهدف من قبل قطاعات واسعة من الشعب المصري خصوصا انه بلغ مرحلة الشيخوخة واصبح عاجزا عن تقديم مبادرات الاصلاح السياسي والاداري لبلد يعاني من تفاقم المعضلات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفساد المالي والاداري، ثانيها: ان من ثوابته العلاقات القائمة مع 'اسرائيل' والولايات المتحدة الامريكية وعدم الخروج عن تلك العلاقات، ثالثها: ان اجراء اية انتخابات حرة بدون قيود او ضغوط او هندسة رسمية لها، سوف تسقط النظام كله، وتأتي بآخرين أكثر ارتباطا بالشعب ومشاعره، على غرار ما يحدث في البلدان الاخرى مثل تركيا. لقد اصبح نظام الرئيس حسني مبارك يواجه تحديات داخلية حقيقية وان الحديث عن 'خلايا' اجنبية لتقويض الامن والاستقرار انما هو محض خيال. فالمجموعات التي تعتقل بين الحين والآخر ما تلبث ان تحاصر النظام ببراءتها، برغم قوة'اجهزة الامن المصرية في اختراع المسرحيات وتوجيه الاتهامات المزيفة. ويمكن القول ان مصر لم تشهد في تاريخها المعاصر حالة احتقان داخلية كما هي عليه الآن. فالمعارضة ممتدة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وتشمل الاسلاميين الذين يمثلون سقفها الاكبر، وهؤلاء جميعا متفقون على حالة الجمود التي تهيمن على نظام الحكم وعجز رموزه عن قيادة مصر، البلد العربي الاكبر، على اساس الدور التاريخي والقيادي المنوط به. ومن ضمن تحركاتهم الاخيرة المؤتمر الصحافي الذي عقد الاسبوع الماضي بمشاركة عدد من ممثلي القوى والاحزاب بينها جماعة الاخوان المسلمين و حزب الغد بزعامة أيمن نور. هؤلاء اكدوا، على لسان الدكتور حسن نافعة، منسق اللجنة التحضيرية للحملة' المناهضة للتوريث 'ان الشعب المصري يعيش أزمة نتيجة ممارسات السلطة والحزب الحاكم التي أفرزت واقعا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا مشوها'، مؤكدا 'أن الحملة ليس هدفها إسقاط مشروع التوريث فقط، وليست ضد شخص جمال مبارك؛ ولكنها ضد نظام سياسي بأكمله'. ولذلك فثمة قلق عميق لدى القوى المتحالفة مع نظام الرئيس مبارك ازاء مستقبل هذا النظام، فالامريكيون والاسرائيليون والسعوديون مشتركون في هذا القلق البالغ، بعد ان اصبح الحكم في مصر قائما على اساس الحكم الفردي البعيد عن قيم الديمقراطية وحكم القانون. فاذا نجح هذا النظام في فرض التوريث لنجل الرئيس فسوف يتحول الى نظام ملكي مطلق يقضي على ما انجزته حركة النضال الوطنية طوال القرن الماضي. المعارضة المصرية تتسابق مع الزمن للحفاظ على موقع مصر القيادي من جهة، واستقلال قرارها الخارجي والداخلي من جهة ثانية، وحرية شعبها في اختيار حكومتها ثالثة. وفي خضم هذا الصراع يتساقط الابرياء في السجون، وقد يعذبون حتى الموت كما حدث للشهيد يوسف أبو زهري، وقبله الطفل محمد محمود النبهاوي، ورمضان سالم جمعة ومصطفى لبيب حمدان وغيرهم.

' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

اجمالي القراءات 2758
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   نورا الحسيني     في   الأحد ٢٥ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[43202]

موقف لا يحسد عليه فعلاً .

أعجبني هذا الجزء من مقال الكاتب البحريني وهو يلخص الوضع كما هو بالفعل (ولذلك لا تبدو المخارج من كل ذلك متيسرة. النظام يؤمن بأمور ثلاثة: اولها انه مستهدف من قبل قطاعات واسعة من الشعب المصري خصوصا انه بلغ مرحلة الشيخوخة واصبح عاجزا عن تقديم مبادرات الاصلاح السياسي والاداري لبلد يعاني من تفاقم المعضلات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفساد المالي والاداري، ثانيها: ان من ثوابته العلاقات القائمة مع 'اسرائيل' والولايات المتحدة الامريكية وعدم الخروج عن تلك العلاقات، ثالثها: ان اجراء اية انتخابات حرة بدون قيود او ضغوط او هندسة رسمية لها، سوف تسقط النظام كله، وتأتي بآخرين أكثر ارتباطا بالشعب ومشاعره، على غرار ما يحدث في البلدان الاخرى مثل تركيا. لقد اصبح نظام الرئيس حسني مبارك يواجه تحديات داخلية حقيقية وان الحديث عن 'خلايا' اجنبية لتقويض الامن والاستقرار انما هو محض خيال. فالمجموعات التي تعتقل بين الحين والآخر ما تلبث ان تحاصر النظام ببراءتها، برغم قوة'اجهزة الامن المصرية في اختراع المسرحيات وتوجيه الاتهامات المزيفة. ويمكن القول ان مصر لم تشهد في تاريخها المعاصر حالة احتقان داخلية كما هي عليه الآن. فالمعارضة ممتدة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وتشمل الاسلاميين الذين يمثلون سقفها الاكبر، وهؤلاء جميعا متفقون على حالة الجمود التي تهيمن على نظام الحكم وعجز رموزه عن قيادة مصر، البلد العربي الاكبر، على اساس الدور التاريخي والقيادي المنوط به. ومن ضمن تحركاتهم الاخيرة المؤتمر الصحافي الذي عقد الاسبوع الماضي بمشاركة عدد من ممثلي القوى والاحزاب بينها جماعة الاخوان المسلمين و حزب الغد بزعامة أيمن نور. هؤلاء اكدوا، على لسان الدكتور حسن نافعة، منسق اللجنة التحضيرية للحملة' المناهضة للتوريث 'ان الشعب المصري يعيش أزمة نتيجة ممارسات السلطة والحزب الحاكم التي أفرزت واقعا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا مشوها'، مؤكدا 'أن الحملة ليس هدفها إسقاط مشروع التوريث فقط، وليست ضد شخص جمال مبارك؛ ولكنها ضد نظام سياسي بأكمله'. ولذلك فثمة قلق عميق لدى القوى المتحالفة مع نظام الرئيس مبارك ازاء مستقبل هذا النظام، فالامريكيون والاسرائيليون والسعوديون مشتركون في هذا القلق البالغ، بعد ان اصبح الحكم في مصر قائما على اساس الحكم الفردي البعيد عن قيم الديمقراطية وحكم القانون.

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق