قتل الأنبياء

الثلاثاء ٢٨ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
يقول الله تعالى عن بني إسرائيل أنهم كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، فهل هناك قتل للأنبياء بحق؟ إذ كيف يقول الله تعالى {ويقتلون النبيين بغير الحق} وقتل النبيين لا يكون إلا بغير حق، فلم قال: {بِغَيْرِ الحق} وقتل الأنبياء لا يكون إلا على هذا الوجه؟ ثم إذا كان للآية الكريمة مفهوم مخالفة (أي قتل للأنبياء بحق!)، فيكون لمفهوم المخالفة في هذه الحالة كارثة و طامة كبرى!! طبعا مفهوم المخالفة: هو لازم ناشئ عن معنى لفظ مركب حكمه يخالف حكم ملزومه. فهل يصح لأحد أن يقول: أما مَنْ قتل نبيًّا بحق فلا مانع من ذلك لاستحالة إتيان النبي "عليه السلام والبركات" فعلاً يستحق عليه القتل. وقد تقرر في علم الأصول أن من موانع إعتبار مفهوم المخالفة، كون تخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع فيرد النص ذاكرًا لوصف الموافق للواقع ليطبق عليه الحكم، فتخصيصه بالذكر إذن ليس لإخراج المفهوم عن حكم المنطوق، بل لتخصيص الوصف بالذكر لموافقته للواقع .
آحمد صبحي منصور :

أولا :

1 ـ تكرر عن كفار بنى إسرائيل أنهم كانوا يقتلون بعض الأنبياء بغير حق .

قال جل وعلا :

1 ـ/ 1 ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) البقرة   ).

1 / 2  ـ  ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) آل عمران ) .

1 / 3  ـ (وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) آل عمران ).

 1 / 4  ـ  (  وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) النساء  ).

2 ـ   ولا ننسى:

2 / 1 :  أن فرعون موسى كان يطارد بنى إسرائيل ومعهم موسى وهارون عليهما السلام .

2 / 2 :  أن أكابر قريش فكّروا فى قتل خاتم المرسلين ، قال جل وعلا : (  وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)   الأنفال ) بل و تعرّض للقتل فى إحدى المعارك ، قال جل وعلا : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) آل عمران  ).

3 ـ جعلها رب العزة جل وعلا حكما عاما بإضافة قتل المصلحين السائرين على طريق الأنبياء فى الاصلاح . قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) آل عمران    ).  ليس هناك أنبياء بعد خاتم النبيين عليه وعليهم السلام ، ولكن الجهاد السلمى فى الاصلاح وفق الدين الالهى مستمر . وحدث ويحدث وسيحدث إضطهاد للمصلحين ، ووارد قتلهم .

4 ـ  والمستفاد هنا هو المساواة بين الأنبياء والمصلحين فى موضوع قتلهم بغير حق أو بغير الحق ، وبالتالى فلو إرتكب نبى أو مصلح جريمة قتل يكون قتله قصاصا هو الحق . إن لم يرتكب جريمة القتل يكون قتله بغير حق أو بغير الحق .

ثانيا :

1 ـ لا يوجد اى بشر معصوم من الذنوب . لو يؤاخذ الله جل وعلا البشر بظلمهم ( ومنهم الأنبياء ) ما ترك على الأرض دابة . قال جل وعلا :

1 / 1 : ـ (  وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61)  النحل )

1 / 2  ـ (   وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً (45)  فاطر ). هذا الاهلاك يعنى وقوع  البشر فى الكبائر ومنها القتل ، ويكون القصاص من القاتل عدلا ، ويكون واردا أن يقع فى جريمة القتل نبى من الأنبياء ، لأنه ليس معصوما ، ولأن الحكم فى الآيتين السابقتين يشمل الجميع . بالتالى يكون القصاص منه عدلا وبالحق . إما إذا لم يرتكب قتلا يكون قتله بغير الحق أو بغير حق .

2 ـ عدم عصمة الأنبياء يؤكدها تعرضهم للحساب مثل بقية البشر ، بل إن التأكيد على حسابهم أقوى من التأكيد على حساب بقية البشر ، فالله جل وعلا يجعلهم فى كفة وبقية البشر فى كفة أخرى ، وعددهم لا يقارن بعدد بقية البشر ، قال جل وعلا : (  فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)   الأعراف ).

وهذا يشمل خاتم النبيين ، قال له جل وعلا وعن خصومه وقومه :

2 / 1 : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)  الزمر ).

2 / 2 :  ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) الزخرف ).

3 ـ إذن وقوعهم فى الذنب مؤكد . ووقوع بعضهم فى الكبائر ومنها القتل وارد . والله جل وعلا لم يقصّ فى القرآن الكريم سيرة كل الأنبياء ، وفى قصص أى نبى لم يذكر كل تفصيلات حياته .

 4 ـ ولأن قتل كفار بنى إسرائيل بعض الأنبياء جاء فى معرض الانكار عليهم كان لا بد من التذكير بأنه بغير الحق وبغير حق . لأنه لو كان بحق أى بسبب يوجب قتل النبى فلا شىء فى هذا .



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 1453
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   د. عبد الرزاق علي     في   الثلاثاء ٢٨ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[94138]

الرد البليغ على السؤال الوجيه


شكرا جزيلا لاستاذنا الدكتور أحمد صبحى- على هذا الرد البليغ والذى لايستبعد حدوث ارتكاب المعاصى من قبل الأنبياء أو المصلحين لأن القاعده الازليه الهامه تقول " العصمه لله تعالى وحده"  



2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الثلاثاء ٢٨ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[94139]

جزاك الله جل وعلا خيرا أخى الشقيق د عبد الرزاق منصور ، واقول :


من أهم سمات الشرك بالله جل وعلا هو جعل الأنبياء معصومين . الأنبياء هم  صفوة البشر ولكنهم بشر .

إذا لم تكن مثل أولئك المشركين فى تقديس النبى جعلوك عدوا للنبى ، لأن النبى فى عقيدتهم إله ، يرفعونه أحيانا فوق الخالق جل وعلا . 

3   تعليق بواسطة   يوسف بن علي     في   الثلاثاء ٢٨ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[94140]

أتباع عيسى


مساء الخير دكتور.



كل عام و أنت بخير.



يقول الله عز و جل في كتابه العزيز " إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿٥٥﴾



 



الله عز و جل تعهد بجعل أتباع عيسى عليه السلام فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ؛ فمن هم و أين هم اليوم في زماننا ؟!



 



تحياتنا الخالصة لك دكتور.



4   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الثلاثاء ٢٨ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[94141]

شكرا استاذ يوسف وأقول :


أتباع عيسى هم الذين يؤمنون بالله جل وعلا وحده لا شريك له ، وهم الذين يعتبرون عيسى عبدا لله جل وعلا . وفى القرآن الكريم آيات عن المؤمنين الحقيقيين من أهل الكتاب فى سور : آل عمران والنساء والمائدة والاسراء والقصص . 

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4985
اجمالي القراءات : 53,510,611
تعليقات له : 5,329
تعليقات عليه : 14,629
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


جدل حول خاتم النبيين: بداية أشكرك م جزيل الشكر على كثير مما فهمته و...

القصاص: سلام علی ;کم یا دکتر احمد صبح 40; ...

مهم الاخلاق الحميدة: انا وواحد مسيحي حبينا بعض و عايزي ن نتقاب ل و...

حق الآب فى رؤية ابنه: هل يحق للمرا ة التي تحتضن ابنها بعد الطلا ق ...

خوف النبى من العذاب: ما معنى ان يخاف النبى من عذاب يوم عظيم ؟ ...

المعاندون : اول ا -كل عام وانت واهلك بخير بمناس بة عيد...

بمغرب الشمس: ....بال قرآن واتمو ا الصيا م حتى الليل...

سيرة ابن اسحاق: هناك أمر غير منطقي في سيرة الرسو ل ألمكت وبه ...

دليلى إحتار : السلا م عليكم .. 1- الحقي قة عشت دقائق وقرأت...

خرق : ما معنى ( خرق ) فى قوله جل وعلا : ( وَجَع َلُوا ...

رفع عيسى ونزوله: مافهم كم لقصة عيسى عن رفعه حياال ى ...

الايمان أولا : انا امرأة مسلمة من الجزا ئر. في بلادن ا اصبح...

ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول أنا تجاوز ت الثلا ثين ...

بقية: جاءت كلمة بقية في قول الله سبحان ه وتعال ى (...

الأعراب: Was wondering if you can help me, the following verse mentions...

more