آل عمران ( 75 : 78 )

الأربعاء ١٨ - يناير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
أريد أن أفهم الايات التالية من سورة آل عمران : ( " وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) ".
آحمد صبحي منصور :

حين نزل القرآن الكريم في القرن السابع الميلادي كان التعصب هو أهم ما يميز علاقة المجتمعات بعضها البعض ، وهكذا كان التعصب القبلي سمة العلاقات بين العرب ، وكان التعصب الديني والجنسي سمة العلاقات السائدة خارج الجزيرة العربية .. ونزل القرآن الكريم يحارب هذا التعصب ويقول للبشر جميعا "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " الحجرات: 13 . فأصل البشرية واحد من أب واحد وأم واحدة، وقد جعلهم الله شعوبا وقبائل ليتعارفوا لا ليتصارعوا، وأكرمهم عن الله ليس أقواهم ولا أغناهم، ولكن أكثرهم لله تعالى تقوى وخشوع، والله تعالى لا يأبه باللون وبالمال وبالمظهر وبالمكانة الدنيوية وإنما بما يعمر في القلب من تقوى وإخلاص.

وحين نزل القرآن كانت جماعات اليهود في المدينة تعتبر نفسها أرقى من العرب الأميين، وبعضهم يعتقد أن مجرد كونه من أهل الكتاب يعطيه الحق في التعالي على العرب الأميين الذين لم يكن لديهم كتاب بعد، بل ويعطيهم الحق في أن يخدعوهم ويسرقوا أموالهم. وبعضهم وجد في النصوص الموضوعة في التوراة ما يؤكد وجهة نظره ومنها ما جاء في سفر التثنية " لا تقرض أخاك بربا.. لأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكي يبارك لك الرب " تثنية 19: 20 ولا شك أن ذلك يخالف التشريع الحقيقي للتوراة الذي أنزله الله، ولا شك أيضا أنه تحريف يعبر عن نفسية اليهود ونظرتهم للاميين أو غيرهم من الناس.

ولأنها نصوص اكتسبت قدسية منسوبة لله تعالى فقد نزل القرآن الكريم يوضح الحق وينفي الباطل والظلم وذلك في سورة آل عمران " وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) ".

وفي البداية يقول تعالى " وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا " أي أن أهل الكتاب من حيث التعامل فريقان، منهم صاحب الأمانة والخلق المستقيم الذي إذا ائتمنته عل قنطار أداه إليك، ومنهم الذي يخونك في الدينار الواحد إذا لم تقم على رأسه تطالبه برد الدينار، ثم يذكر القرآن المسوغ التشريعي لدى ذلك الصنف الخائن فيقول (   ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ) أي أن الحجة لديهم أنه ليس عليهم ذنب إذا ظلموا غيرهم ويشير رب العزة إلى اعتمادهم على نصوص دينية مزيفة فيقول تعالى " وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ".

ثم يؤكد القرآن على أن الوفاء بالعهد وتقوى الله في التعامل هو التشريع الإلهي الحقيقي الذي نزل في كل الكتب السماوية "   بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ". أي إذا تعاملت مع أي إنسان من أي دين ومن أي جنس فعليك بالالتزام بالوفاء والعدل والتقوى إذا أردت أن يحبك الله، فالله لا يحب إلا المتقين.. وهي بالضرورة دعوة للمؤمنين حتى لا يقعوا فيما وقع فيه اليهود من ظلم غيرهم من أهل الأديان الأخرى ثم نسبة ذلك إلى التشريع الإسلامي ظلما وعدوانا. وتأتي الآية التالية تؤكد على التحذير من الزج باسم الله ودينه وتشريعه في التحايل على الناس بالباطل يقول تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ".

عهد الله هو أوامره ودينه وتشريعه، والأيمان جمع يمين وهو القسم أو الحلف، والمقصود هو القسم بالله أو أن يحلف المرء بالله، والمعنى العام هو من يخدع الناس ويتحايل عليهم بالتزوير والكذب على الله يكون رب العزة خصما له يوم القيامة فلا يكلمه ولا ينظر إليه ولا يزكيه ويعذبه عذابا أليما. وتلك حالة فريدة بين المغضوب عليهم يوم القيامة، لأن الله تعالى يوم الحساب هو القاضي الذي يقضي بالحق "   وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ "غافر.  والله تعالى هو القاضي يوم الدين سيكون خصما لأولئك الذين زيفوا دينه وكذبوا عليه وخدعوا الناس باسم الله تعالى ظلما وافتراء. ويكفيهم أن القاضي سيكون لهم خصما.

ثم تأتي الآية الأخيرة في الموضوع تتحدث عن الكذب على الله تعالى " وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " وإن كانت الآية الكريمة تتحدث عن بعض أهل الكتاب على وجه الخصوص فإن الله تعالى تحدث محذرا جميع الذين يتحايلون بالدين ليأكلوا أموال الناس بالباطل ويكتمون الحق القرآني الذي يعارض طموحهم، يقول تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) البقرة 174: 175. فالله تعالى يتعجب من صبرهم على النار !

المحمديون الآن داخل بلادهم وفى المهجر هم الأسوأ .



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 1285
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4985
اجمالي القراءات : 53,503,046
تعليقات له : 5,329
تعليقات عليه : 14,629
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


التنابز بالألقاب: تبت يدا أبي لهب و تب " ....أبي لهب ؟؟؟ أ لم يقل...

لا داعى لهذه الوساوس: تحري الحلا ل في التجا رة والمع املات ...

سرابيل: ما معنى سرابي ل فى سورةا لنحل آية 81 ؟ ...

الخطأ فى التلاوة : أحيان ا أقع فى الخطأ فى تلاوة آيات من القرآ ن ...

القرابين والنذور : هل القرب ان بمعنى النذر أم مختلف ان ؟...

كشف الساق: أود أن أسألك م سؤالا جال في خاطري وأنا أتابع...

الحسين والطبرى: ممكن تتفضل حضرتك بارشا دي الى مصادر او...

أُمّى قاسية مزعجة : كانت أمى تضربن ى بقسوة في صغرى ولا أتذكر انها...

إجتراء على الرحمن: مقولة :(انتق ل إلى رحمةا لله)ع د وفاة أحد...

إلاههم أغا خان : ما رايك في امام الشيع ه الاسم اعيلي ه ...

إلاّ من ارتضى..: قرأت فى التسع ينيات هجوم الدكت ور (محمد...

ساعدنى : السلا م عليكم ورحمه الله وبركا ته ا بي ...

فى بيتنا مطلب: حدث هذا فى قريتن ا ولن اقول اسمها .. نزل الشيخ...

يا ليت ..!: صبا ح الخير قرات الان على اهل القرا ن ...

الرجلان هما القدمان : في امر يحيرن ي بموضو ع الغسل للصلا ة وهو انه...

more