ßÊÇÈ الأمـر بالـمـعــروف والـنـهـي عــن الـمـنـكــر فى الاسلام
50

في الجمعة ٢٩ - مارس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الباب الخامس  :  غياب الأمر بالمعروف والنهى يعنى الاهلاك 

 الفصل الثامن :  قراءة لسورة ( هود ) بحثا عن وسائل لتفادى الهلاك      

 مقدمة

1 ـ  سورة (هود ) تتشابه مع سورتى ( الأعراف ) و ( الشعراء ) فى سرد قصص الأمم التى تعرضت للهلاك بسبب الظلم وتكذيب الأنبياء . ولكن تنحو سورة هود الى التركيز على العبرة فى نهايتها . والسور الثلاث تبدأ بالتركيز على القرآن الرسالة الخاتمة للبشر والمنذرة لهم  قبيل قيام الساعة ، ومع الاشارة الى بعض ملامح القيامة . ونستعرض هنا سورة هود سريعا ثم نتوقف فى خاتمتها مع كيفية تفادى الهلاك ، ونحن نرى ملامحه تترى فى بلادنا .

2 ـ أكتب هذا المقال فى ثانى أيام مايو 2012 وقلبى يخفق هلعا على بلدى مصر ، إذ تترى أخبار حرب أهلية مصغّرة فى ميدان العباسية بالقاهرة ، البطل فيها هو الغموض ، لا تعرف من الجانى ومن الضحية . وهذه هى البداية التقليدية للحروب الأهلية ، حيث تلعب الأيدى الخفية فى الداخل وهى تلعن المؤامرات الأجنبية ، ثم تظهر وتتمايز العتاصر الفاعلة المجرمة ، ويسعى الفرقاء الى قوى أجنبية يطلبون عونها ـ مع استمرارهم فى التغنى بلعن التآمر الأجنبى ـ وفى النهاية تنتشر الحرب الأهلية على اتساع الوطن،    ويتأسّس لها إقتصاد حرب محلى واقليمى ودولى مرتبط بها ويعمل على استمرارها لضمان الربح  والنفوذ على حساب الضحايا ، وهم الوطن والمواطنون . وهذه هى ملامح الاهلاك الجزئى الذى حدث فى السودان والصومال ولبنان وليبيا ، وحاليا فى سوريا ، وتبدو إرهاصاتها فى مصر واليمن، ثم الاردن والخليج . .دعنا نبحث عن الحل فى سورة ( هود ).

أولا :

1 ـ تبدأ سورة (هود ) بتمجيد القرآن كتابا تم إحكام آياته من رب العزة ، ثم الدعوة لعبادته وحده والدعوة للاستغفار والتوبة أملا فى النجاة فى الدنيا وفى الآخرة: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) . ومع ذلك فالمشركون عن القرآن معرضون : ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)

2 ـ وفى الآية السادسة يؤكّد رب العزة بعض ملامح الحتميات ، وهى تكفله جلّ وعلا برزق كل كائن حى ، ومعرفة بدايته ونهايته::(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) ثم تؤكّد الآية السابعة الحرية المطلقة لنا فى الدين والفكر والعمل ، فقد خلق الله جلّ وعلا لنا السماوات والأرض لاختبارنا ، والاختبار يعنى حرية الاختيار (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) . ومع ذلك فالمشركون عن القرآن معرضون :فهم لا يؤمنون بالآخرة :(وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وهم يطلبون العذاب إستهزاءا ، مع إنه حين يأتيهم يوم القيامة فلن يتركهم ولن ينصرف عنهم، وسيحيق بهم إستهزاؤهم  : ( وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (8)

3 ـ والانسان فى مصطلح القرآن هو البشر العاصى . وهذا البشر العاصى ( الانسان ) يؤوس كفور ،  فإذا أنعم الله عليه نعمة ثم نزعها منه كفر وأصابه اليأس :( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) ، ويحدث له العكس إن أختبره الله جلّ وعلا بالنعمة بعد ضرر أصابه ، فإذا به يغترّ . (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ )(10) المؤمنون الصابرون فى إبتلاء المحنة و الشاكرون فى إبتلاء النعمة مستثنون من هذا ولهم عند ربهم جلّ وعلا مغفرة وأجر كبير (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)

4 ـ والمشركون فى عنادهم يطلبون من النبى عليه السلام آية حسية بديلا عن القرآن كأن يكون له كنز أو يكون معه ملك من الملائكة ،  وهم فى إلحاحهم عليه أصابوه بالضيق ، ويؤكّد له ربّه جل وعلا أنه مجرد نذير ، وأن الأمر كله لله جلّ وعلا : (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) وهم لا يكتفون بطلب آية حسيّة عنادا أو طلب العذاب إستهزاءا، بل هم أيضا يواصلون الاتهام بأن محمدا قد إفترى القرآن من عنده ، وأن القرآن ليس كلام الله جلّ وعلا ، ويأتيهم التحدّى بأن يأتوا بعشر سور مثل سور القرآن مفتريات إن إستطاعوا ، وإلّا فقد قامت عليهم الحجة ، ويثبت أن القرآن من لدن الله جلّ وعلا : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)

5 ـ بالاضافة للمشركين السابقين فهناك من الناس من لا يؤمن بالآخرة ولا يعمل لها ، إذ قصر همّه وعزمه وعمله على هذه الدنيا ، وعمل لها عملا صالحا . الله جلّ وعلا سيوفيه جزاءه الصالح  فى الدنيا مقابل عمله الصالح فيها ، ولكن ليس له فى الآخرة إلّا النار :(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)

6 ـ وهناك من أهل الكتاب من يؤمن بالقرآن ولديه شاهد عليه فى الكتب السماوية السابقة ، ومنهم من يكفر بالقرآن ، ومصيره النار : (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17)

7 ـ ولكنّ أظلم الناس هو من يظلم ربّالعزّة ، بأن يفترى على الله ورسوله كذبا يزعم أنه وحى من الله ـ كما يحدث فيما يعرف بالسّنة والأحاديث النبوية والأحاديث القدسية : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ) ، وسيأتى الشهداء أو الأشهاد عليهم يوم القيامة يشهدون يوم الحساب على ضلالهم وإضلالهم الناس ، ويؤكد الشهداء أو الأشهاد أو الشهود أن أولئك الظالمين كذبوا على الله جلّ وعلا وصدّوا عن سبيله يبغون العوج والفساد كفرا منهم بالآخرة وتمسكا منهم بالدنيا التى لم تغن عنهم شيئا ، وهم الأخسرون فعلا : (أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ (22) وفى المقابل فالجنة للذين آمنوا وعملوا الصالحات (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) ولا يستويان مثلا : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24)

ثانيا :

بعد هذا التوضيح لمواقف البشر من القرآن عند وبعد نزول القرآن علينا أن نبحث حالنا فى ضوء ما ذكره رب العزة فى هذا الجزء الأول من سورة (هود ) ، هل نحن من فريق الأعمى والأصم أم من فريق البصير والسميع ؟ هل نحن من الذين آمنوا وعملوا الصالحات أم من الذين كفروا وعملوا الكبائر والسيئات ؟ لنستعرض الآيات الكريمة السابقة لنرى حالنا .

1 ـ(الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) . هذا ما يقوله رب العزّة جل وعلا . أمّا علماء ( المسلمين ) فيؤمنون أن القرآن ( حمّال أوجه ) يعنى أنه يحوى آراء مختلفة ومتناقضة ، وما عليك إلا أن تنتقى منه ما تشاء بما يؤكّد رأيك المسبق ، وبهذا يجعلون أنفسهم وآراءهم فوق القرآن ، وبدلا من الاحتكام للقرآن ـ وهو فرض ( الأنعام  114)، فإنهم يستغلّون القرآن لأهوائهم الدينية والسياسية .

2 ـ (أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) . وهذا يخالف الأغلبية العظمى من المسلمين الذين يتوسلون بالقبور وعلى رأسها القبر المنسوب للنبى محمد عليه السلام ، ولا يتصورون الحج بدون الحج الى ذلك الرجس ـ أو القبر المنسوب له عليه السلام فى المدينة . هذا هو الشرك أو الكفر العقيدى العملى . وهناك الشرك أو الكفر العقيدى العلمى وهو إتّخاذ ما أسماه رب العزة ( لهو ) أو إفتراء أحاديث وجعلها وحيا إلاهيا ، وهذا يتخصص فيه السنيون أكثر. وهناك الكفر والشرك السلوكى بالإكراه فى الدين وفتنة الأقلية فى دينها ، والاعتداء والظلم وقتل الأبرياء عشوائيا ، وهذا يتنافس فيه السنيون والشيعة فى العراق وايران ومصر والخليج . ويتفوق المسلمون بأديانهم الأرضية تلك على اليهود والنصارى وأديانهم الأرضية . وإذا كان بعض المسيحيين واليهود فى عصر نتزول القرآن يتخذون أحبارهم ورهبانهم أربابا مع عبادة وتأليه المسيح (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)(التوبة ) فإن عدد الشيوخ والأئمة والأولياء المقدسين لدى المسلمين السنيين والشيعة والصوفية أضعاف عدد الأحبار والرهبان لدى اليهود والنصارى ، وبينما تناقصت وتراجعت لدى الغرب وأمريكا هذه الخرافات الدينية وتم حصر وعزل أديانهم الأرضية داخل الكنائس والمعابد وانفضوا عنها يخترعون ويتمتعون بالدنيا فإن المسلمين لا يزالون على قبورهم المقدسة يعكفون ولا يزالون بأئمتهم يتوسلون ، وإذا كان أئمة اليهود والنصارى فى عهد نزول القرآن موصوفين بأنهم : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) ( التوبة ) فالأئمة السنيون والشيعة والصوفية  يتفوقون اليوم فى حربهم للقرآن وتمسكهم بتراثهم . ولو وقف مسلم من أهل القرآن أمام قبر مقدس للنبى أو الحسين وقرا قوله جل وعلا :(أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) فستكون عاقبته وخيمة .!! مع أنه لم يقل سوى القرآن . وليست هناك عداء شخصى بينهم وبينه ، إنّما هو العداء للقرآن طالما يعارض عقائدهم .

3 ـ (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) هل يستغفر أغلب المسلمين ربهم وهل يتوبون اليه ؟ لو فعلوا هذا لصاروا فخر البشرية ، ولكنهم الآن عار البشرية . الأنباء السيئة تتواتر من عندهم وحدهم ، من قتل وظلم وحروب ، وهم فيها يستخدمون إسم الاسلام ويجعلونه مسئولا عما يقعون فيه من جرائم ، حتى لقد تعارف العالم على تسمية الارهابيين وتيارتهم المختلفة بالاسلاميين . يجعلون أديانهم الأرضية بمنأى عن العيب ، ويصدّرون إسم الاسلام ليتحمل أوزارهم ..!!.ولأنهم لا يستغفرون ولا يتوبون ولا هم يتذكرون فهم من المتاع الحسن المؤقت الدنيوى محرومون . يستوى فى ذلك الحكام والمحكومون،لا يتمتع حكام سوريا والخليج ومصر والاردن والسودان وغيرهم براحة البال والطمأنينة. ولا يتمتع بها المحكومون السوريون والمصريون والسودانيون والعرب فى الخليج والجزيرة العربية . حرموا أنفسهم من الأمن والمتاع الحسن الذى أعدّه الله جل وعلا للمؤمنين فى الدنيا والآخرة وقال عنه : ( سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ( محمد  )( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ( الأنعام )( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)( النحل ) (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) ( غافر )

4 ـ (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) . الذى يؤمن باليوم الآخر وأن مرجعه الى الله جل وعلا يوم العرض ويوم الحساب ويوم لقاء الله لا بد أن يعمل لهذا اليوم عملا صالحا مع قلب سليم . كم هى نسبة أولئك بين بليون ونصف بليون مسلم ؟ وفى المقابل كم هى نسبة المؤمنين بشفاعة النبى والأولياء بين ( المسلمين ) السنيين والشيعة والصوفية ؟ والايمان بهذه الشفاعة كفر صريح باليوم الآخر وكفر بالله ورسوله وباليوم الآخر .. هناك فرق بين الشعارات وبين الواقع ..!!

5 ـ ( أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5). كان مشركو قريش صرحاء فى رفضهم للقرآن وكانوا يعلنون ذلك ، فإذا رأوا النبى وسمعوه يقرأ القرآن غطوا وجوههم بثيابهم . أما مشركو ( المسلمين ) اليوم فقد ارتضوا سبيل النفاق ، وينطبق عليهم قوله جل وعلا (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)( البقرة ). وهناك بين مسلمى اليوم ملايين من الملحدين الذين يعلنون كفرهم بالقرآن ، وهناك أضعاف أضعاف عددهم يرون القرآن لا يصلح لعصرنا وأنه مجرد وثيقة تاريخية . هذا عدا الأغلبية من السنة والصوفية والشيعة الذين لا يعرفون من القرآن ولا يؤمنون بالقرآن إلّا ما يتفق مع عقائدهم وأديانهم الأرضية وما يتفق مع تحريفاتهم فقط . السنيون يؤمنون بتحريفاتهم بأن لفظ الرسول يعنى أحاديث البخارى وغيره، فطاعة الرسول عندهم ليس طاعة الرسالة أو القرآن بل هى عندهم طاعة البخارى ومسلم والشافعى وابن تيمية وابن عبد الوهاب وابن سعود وابن مفعوص .!!. والصوفية يؤمنون بأن أولياءهم هم المقصودون بقوله جل وعلا (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) ولا يكملون ما بعدها (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)( يونس ) وهم يكفرون بالقرآن إن قلت لهم ما ينطبق على حالهم وهو تقديس الأولياء وأنه يكرّرون عبادة الجاهليين للأولياء وينطبق عليهم ما قاله جلّ وعلا عن الكفار الخاسرين : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) ( الكهف  ) ، والشيعة يؤمنون بتحريفاتهم بما يتفق مع تقديسهم ( لآل البيت )  مثل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ( التوبة ) وهم يرون أن ( الصادقين ) هم (على وذريته ) . وهم يكفرون إذا قلت لهم آية تخالف تأويلهم مثل (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33)( الزمر )، فالذى جاء بالصدق قطعا هو خاتم النبيين ، وهو المحدّد بالاسم محمد رسول الله . ومن عداه ممن يستحق وصف التقوى لن نعرفه إلّا يوم القيامة . ولو كان (على ابن أبى طالب ) جزءا من عقيدة الاسلام لنزل النّص على إسمه تحديدا ، ولكنه شخصية تاريخية فقط مثل بقية الصحابة وليس جزءا من الدين السماوى . ولكن عادة الأديان الأرضية أن تجعل الشخصيات التاريخية آلهة وتجعل تاريخها دينا . يشترك فى ذلك الكاثوليك والبروتستانت والارثوذكس والسنة وطوائف الشيعة  والصوفية وغيرهم ، تشابهت قلوبهم وإختلفت آلهتهم .!! .

6 ـ  (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6 )، من السهل على المسلمين تكرارهذه الآية الكريمة ، بل المعتاد قولهم بأن الرزق بيد الله جل وعلا . ولكن معظمهم لا يعتقد ذلك ، بدليل أنهم يتحاشون قول الحق ويسكتون على الظلم حفاظا على الرزق ، ويقول أحدهم ( يا عم وأنا مالى .. أنا صاحب عيال ) ( خلينا نشوف رزقنا ) وعلى هذا يسير ما يعرف الآن بحزب الكنبة فى مصر .. إيمانهم الحقيقى والواقعى والعملى أن الرزق بيد الحكومة وبيد صاحب العمل ، وليس بيد الله جلّ وعلا . ويعصون أمر الله جلّ وعلا بالسير فى الأرض التى جعلها الله جل وعلا لهم ذلولا وأمرهم بالسير فى مجاهلها بحثا عن الرزق :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)( الملك ) وبدلا من ذلك فإن أغلب المسلمين يلتصقون بحكامهم يتحمّلون الجور والظلم ويتغنون بالصبر الذليل ، ويعتقدون فى الحاكم الظالم مالكا للرزق ، ويخشون إنتقاده حرصا على الرزق الآتى منه بزعمهم .

7 ـ  (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7) . هنا تأكيد على حرية الدين ومسئولية كل فرد أمام رب العالمين يوم القيامة . ولكن لا يزال الاضطهاد الدينى المذهبى سائدا فى بلاد العرب والمسلمين . إنقشع من كل بلاد العالم ولا يزال مترسخا ومتجذرا فى بلاد المسلمين. وكان مشركو قريش صرحاء فى الكفر بالبعث وباليوم الآخر ، ولكن مسلمى اليوم يكفرون باليوم الآخر بأن يختلقوا يوما للآخرة على هواهم يجعلون فيه النبى محمدا وأئمتهم وأوليائهم مالكى يوم الدين بدون رب العالمين .

8 ـ ( وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (8). وإذا كان مشركو قريش يستهزئون بالقرآن علنا وجهرا فإن مسلمى اليوم يقيمون حفلات للتغنى بالقرآن ، يتحول بها الى أغنية ، ويتحول بها الاهتمام الى صوت ( المقرىء ) وليس لمعانى القرآن .

9 : 11  :( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ )(10)  (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) . هذا واضح فى تاريخ الانسانية . تلمسه وتراه فى معظم البشر .

12 ـ 14 : (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) . سبقت الاشارة الى موقف مسلمى اليوم من القرآن ..

15 : 17(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)  (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17). ترى الآيات الكريمة تشير الى نماذج موجودة بين المسلمين اليوم وبعض أهل الكتاب .

18والآيات الكريمة من 18  :24 من سورة هود تتحدث عن المصير يوم الحساب ، حيث سيقوم الأشهاد بالشهادة على شيوخ الإفك والبهتان ، شيوخ الأديان الأرضية .:(أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ (22)  (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24).

ثالثا :

 بتضح بهذا أن مواقف الكافرين  من القرآن عند نزول القرآن ينطبق على معظم المسلمين اليوم . وفى الجزء التالى من السورة نتوقف مع المشركين فى قصص بعض الأنبياء السابقين والاهلاك الذى حدث لهم ، من قوم نوح الى قوم فرعون... لنرى هل يتشابه معهم مسلمو اليوم ؟ 

الباب الخامس  :  غياب الأمر بالمعروف والنهى يعنى الاهلاك 

 الفصل الثامن   :  قراءة لسورة ( هود ) بحثا عن وسائل لتفادى الهلاك :( الجزء الثانى) 

 

 بعد هذا التوضيح لمواقف البشر من القرآن عند وبعد نزول القرآن يأتى الجزء التالى من السورة يحكى قصص أقوام نوح وعاد وثمود ولوط ومدين وقوم فرعون والاهلاك الذى حدث لهم  .وقد إحتلّ هذا القصص فى سورة هود من آية 25 الى آية 99 . 

أولا : موجز القصص    

1 ـ كل نبى كان يدعو قومه بنفس الدعوة : لا اله إلا الله .  لايقتصر على القول لهم ( إعبدوا الله ) ، لأن ذلك يعنى أن يعبدوا الله ويعبدوا غير الله ، ولكن يقول لهم باسلوب القصر والحصر ( لا تعبدوا إلّا الله ) أو ( إعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ، ونقرأ هنا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ ) ، (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ   61)،   (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ).  فى عقيدة المشركين أنه يكفى أن يكون الله جل وعلا معترفا به وأن يكون الاهامعبودا   لأن الالوهية شركة عندهم بين الله وآلهة اخرى أتخذوها لتقربهم الى الله زلفى أو لأنها آلهة مستقلة بذاتها وليست واسطة. الاسلام هو كفر بكل اله غير الله وإيمان باله واحد هو الله ، لذا تأتى شهادة الاسلام (الواحدة ) لتقول باسلوب القصر والحصر ( لا اله إلا الله ) ، أى ليس هناك أله سوى الله .

2 ـ  كان نوح يدعو قومه بنفس الدعوة ( لا اله إلا الله ) فيرفض الملأ ، ويؤمن الأقلية ، وأكثرهم مستضعفون ، ويأتى الاهلاك للكافرين ، وينجو المؤمنون ، ولا يلبث الشيطان أن يضل الذرية فيعود تأليه وتقديس البشر ، ويأتى نبى جديد لقوم مستخلفين بعد قوم نوح هم قوم عاد . ويقول النبى الجديد لقومه (عاد ) يذكّرهم بما حلّ بالسابقين من قوم نوح وكيف زادهم الله جل وعلا نعمة : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) ويردون عليه برفضهم عبادة الله جل وعلا وحده وتمسكهم بعبادة ما وجدوا عليه آباءهم ويطلبون آية علىسبيل العناد ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (70)( الأعراف ) .وينتهى الأمر بهلاكهم ، ومجىء قوم آخرين هم قوم ثمود ، ولا يلبث أن يضلّهم الشيطان فيرسل الله جل وعلا لهم النبى صالح ، فيعيد وعظهم بلا إله إلا الله ، وأيضا يذكّرهم بما حدث من هلاك لقوم عاد، وكيف أنعم الله جل وعلا عليهم :( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)( الأعراف ). وتتكرر القصة الى أن نأتى لقوم مدين ، ويقول لهم النبى شعيب يذكّرهم بما حدث للسابقين (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)(هود ) ويردّون عليهم بغلظة وبالتهديد بالرجم (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)( هود ). ونصل الى فرعون وقومه لنرى مؤمن آل فرعون يعظ قومه يذكّرهم بما حدث من هلاك للسابقين : (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ (31) ( غافر ).

 ثانيا : أئمة الضلال للمسلمين أصحاب الأديان الأرضية

1 ـ وتنتهى مرحلة الاهلاك العام بقوم فرعون ، ويأتى الانذار لنا فى القرآن الكريم لكل من يسير على دأب فرعون : ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)( الأنفال )

2 ـ إى لدينا إثنان من أئمة الضلال : الأولون قوم نوح ، والآخرون قوم فرعون . وهما معا يعانيان من عذاب البرزخ لأنهما أئمة الضلال لمن جاء بعدهم . حين كان قوم نوح يسخرون منه وهو يصنع الفلك ، كان يرد عليهم بما نفهم منه إنهم سيكونون أحياء يعذبون فى البرزخ بعد غرقهم : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)( هود ). هم سيعلمون فى عذاب البرزخ من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم ، وسيعلمون من سينجو ومن سيتعرض للسخرية . لو كانوا ماتوا غرقا ودخلوا فى موت البرزخ فلن يشعروا بشىء إلا عند البعث . ونفس الحال مع فرعون وقومه ، سيرى بعد غرقه هو وقومه تحقيق مخاوفه من بنى اسرائيل : (  إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ) ( القصص ). يقول جلّ وعلا إن قوم نوح دخلوا النار بعد غرقهم مباشرة :(مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً (25) ( نوح ) وقال عن فرعون وقومه أنهم فى سوء العذاب الذى يسبق العذاب الأشد  يوم القيامة (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)( غافر  )

ثالثا : المسلمون يكررون سيرة الأمم الهالكة

1 ـ باعتباره رسالة إنذار وبيان تحذير فقد حفل القرآن الكريم بكل هذا وعظا لنا ، وهذا فى حدّ ذاته آية إعجاز لأن المسلمين كرروا كل ما فعلته الأمم التى أهلكها الله جل وعلا . ومن المفهوم عقلا أن ابليس لا يمكن أن يكون قد قدّم استقالته بنزول القرآن الكريم . لقد كان الشيطان يتلاعب بكل قوم ويضلّهم ، وبعد هلاكهم يكرّر نفس الخديعة مع القوم اللاحقين ، وبالتالى فبعد نزول القرآن ـ  وحتى الآن ـ فلا يزال ابليس يمارس وظيفته فى الاضلال .

2 ـ  وبهذا أصبح للمسلمين أديان أرضية تكرر عقائد السابقين وعباداتهم ولكن بلغات مختلفة ، وبأسماء مختلفة . تتفق عقائد المشركين قبل وبعد نزول القرآن ـ فى تقديس وعبادة البشر والحجر ، وإطلاقهم عليها الأسماء ، ثم تقديس الأسماء التى يعبدونها حتى تكون لهذه الأسماء رهبة .

قوم نوح عبدوا آلهة أسموها ( ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ) وتمسكوا بعبادتها 950 عاما :( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) (نوح ) . وقوم عاد رفضوا ترك عبادة الأسماء التى إخترعوها وصمموا على أن تكون شريكة لله جل وعلا فى الالوهية وطلبوا آية حسية : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (70) وردّ عليهم التبى هود بكل قوة يوبّخهم على جدالهم فى أسماء اخترعوها وقدسوها وتوعدهم بالهلاك القادم :( قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ (71) ( الاعراف )، ونفس الحال مع مصر فى عهد يوسف عليه السلام ، إذ بدأ يوسف وهو فى السجن يدعو صاحبيه وينتقد عبادتهم لأسماء سمّوها هم وآباؤهم :( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) ( يوسف ) ، وعلى نفس السّنة سارت قريش والعرب تسمّى اللات والعزى ومناة وتعبدها ، فقال لهم رب العزّة:( أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى (20) أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى (23) ( النجم  ).

والمسلمون بعد نزول القرآن عبدوا أسماء ، قاموا بتسميتها بأنفسهم وقدسوها ويرتعبون من المساس بها ، فإبن برزويه المجوسى أصبح إسمه البخارى ، ولو رفعت صوتك تلعن ابن برزويه فلن يلتفت اليك أحد ، ولكن لو تعرضت لاسم البخارى بأى نقد لأصيب السامع بالذعر لأن إسم البخارى مقدس. ونفس الحال مع ( على بن عبد الجبار ) لو لعنته ما اهتم أحد ، ولكن لو تعرضت لأبى الحسن الشاذلى بسوء قامت قيامة الصوفية عليك ، مع أن (المدعو ) على بن عبد الجبار هو نفسه الشاذلى ، ولكن إسم الشاذلى مقدس وقد غطى على الاسم الحقيقى له ، وكذلك الحال فى ( أحمد بن على بن ابراهيم ) وهو ( السيد أحمد البدوى ) ونفس الحال مع ابى حامد الغزالى ، وإسمه الحقيقى ( محمد بن محمد بن محمد بن أحمد )..ألخ .. أى يعبد المسلمون أسماء ما أزل الله جل وعلا بها من سلطان . وإلّا فهل جاءت فى القرآن تلك الأسماء ( المقدسة)؟   

3 ـ كرّر المسلمون نفس الشرك الذى وقع فيه الأمم الضالة المهلكة .

أقوام نوح وعاد وثمود لم يعرفوا الشذوذ الجنسى لأن قوم لوط كانوا أول من مارسه من البشر : (  وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) ( الاعراف )، والمسلمون منذ العصر العباسى وحتى الآن وهم غارقون فى هذه الرذيلة ، بل إن الشذوذ الجنسى يعتبره الدين الصوفى شعيرة دينية .!!.

ولم يرد فى قصص قوم نوح وعاد وثمود أنهم احترفوا الخداع فى الكيل والميزان وأكل أموال الناس يالباطل ، فقد تخصّص فى هذا قوم مدين فيما بعد : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)(هود ). والمسلمون اليوم تفوقوا على قوم مدين .!!. مع  وصايا رب العزة المتكررة  لهم بالوفاء بالكيل والميزان : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ  (152) الأنعام  ) (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)الاسراء ) ( أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) ( الرحمن  )( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) (المطففين  ).

 ولم يعرف قوم مدين ومن سبقهم الاستبداد الفرعونى الذى يجعل المستبد يزعم الالوهية . ولكن تجذّر الاستبداد فى تاريخ المسلمين ، والمستبد السّنى والشيعى يزعم الالوهية ضمنا فى أغلب الأحوال وقد يعلنها صراحة مثل الحاكم الفاطمى .

المستفاد أن كل قوم من الأقوام المهلكة الملعونة قد تخصصت فى رذيلة مع الشرك ، ولكن المسلمين عرفوا كل تلك الرذائل بالاضافة للشرك والكفر ..هذا مع وجود القرآن بينهم .

رابعا : الشيطان هو الاله الفعلى فى أديان المسلمين الأرضية

1 ـ عبادة وتقديس القبور أبرز ملامح الكفر العقيدى العملى . وبعض الصحابة ظل يعبد القبور ( الأنصاب ) ويشرب الخمور ويدمن الميسر ، فكان من اواخر ما نزل من القرآن قوله جل وعلا  لهم ـ ولنا ـ (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91)( المائدة ) أكّد رب العزة أنها صناعة شيطانية ، وقال لهم (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) ؟ ولم ينتهوا . وحتى الآن فالتصوف والتشيع لدى المسلمين يقومان على تقديس وعبادة القبور. ونسبة الأحاديث  كذبا للوحى الالهى هى صناعة شيطانية وملمح أساس من الكفر العلمى قام على أساسه الدين السّنى .

 2 ـ وتلاعب الشيطان بعقائد المسلمين فأضلهم وأعاشهم فى خرافات الشفاعات فأصبح من المعلوم لديهم بالضرورة أنهم أصحاب الجنة مهما ارتكبوا من كبائر ، أى حق عليهم وعيد الشيطان إذ قال (وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ ) فلكى ينجح الاضلال فلا بد أن يقترن بأمنيات الشفاعات ،أى يرتكب الانسان الكبائر متشجعا بأنه سيجد النبى يشفع فيه ، أو أنه سيدخل الجنة بمجرد نطقه ( الشهادتين ) بزعمهم . وهكذا ظل ويظل الشيطان يعد ويمنّى أولياءه : ( وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (120)، وفى النهاية فمصيرهم الى جهنم : (أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً (121) ) ( النساء  ). وهناك فى جهنم سيتبرأ منهم الشيطان : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ( ابراهيم ).

3 ـ وبخداع الشيطان فإنّ أصحاب تلك الديانات الأرضية يعتبرون من الجهاد فى سبيل الله جل وعلا أن يتقاتلوا فيما بينهم ، وأن يسفكوا دماء الأبرياء عشوائيا فى الأسواق والشوارع والمساجد والمواصلات . لم يفعل ذلك المنافقون فى عهد خاتم النبيين عليهم السلام ، ومع ذلك قال جلّ وعلا يوبخهم : (  فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ( محمد )

4 ـ وبخداع الشيطان فإنّ أصحاب تلك الديانات الأرضية يعكفون على أوثانهم المادية ( القبور ) والمعنوية ( التراث وأسفاره المقدسة عندهم ) وهم راضون مطمئنون يحسبون أنهم مهتدون (  أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) ( الكهف ) فقد زيّن لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)( فاطر ) .

لذا لم تعد لديهم مشاكل تؤرقهم إلا نشر الاسلام فى مجاهل أفريقيا والقطبين ، وفرض الحجاب والنقاب على النساء ، فقد تمّ بالنسبة لديهم تعمير القلوب بالدين الحق فى نظرهم ولم يعد باقيا إلا المظاهر السطحية فى الداخل ( الحجاب والنقاب ) وفى الخارج نشر الاسلام فى شتى بقاع العالم .

5 ـ وبخداع الشيطان تراهم يعتقدون أنهم فى حصانة من كيد الشيطان وإضلاله ، أى إن الشيطان يمارس عمله بكل كفاءة مع غير المسلمين فقط ، أما المسلمون فهم فى مأمن منه ، أى أن المسلمين إهتدوا تماما بعد نزول القرآن ولا يزالون مهتدين حتى الآن وسيظلون على الصراط المستقيم متمسكين الى يوم القيامة ، وسيظلون الى آخر يوم فى هذه الدنيا وهم خير أمة أخرجت للناس . وانه ليس فيهم ملل ولا نحل ولا مذاهب ولا طوائف ولا  إقتتال ولا تفرق فى الدين ، وأنهم سمعوا وأطاعوا عندما قال لهم رب العزة : (وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) (الروم ) . بعض أنواع الماعز تعتقد هذا وتتصرف على هذا الأساس .

6 ـ تلك الماعز ( البشرية ) تنكر الحاضر والماضى الذى يشهد بأن المسلمين اقتتلوا ولا يزالون ، وأن اختلافهم السياسى أنتج أديانا أرضية لا تزال متحكمة وسائدة ، وبها تخلّف المسلمون ولا يزالون . هذه الماعز تنكر أيضا القرآن الكريم ليس فقط فى أن أديانها تتناقض مع القرآن الكريم ، وليس فقط فى أن أديانهم الأرضية تكرر وبنفس التفصيلات ما قالته الأمم التى أهلكها الله جلّ وعلا ، ولكن أيضا تنكر ما جاء فى القرآن الكريم عن يوم القيامة حين سيقول رب العزة يؤنب بنى آدم : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)( يس ). أى سيظل الشيطان يمارس عمله فى الاضلال مع كل جيل دون يأس ، يأتيهم من كل طريق (قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)(الاعراف )، وبالتالى فهو يمارس عمله بكل نجاح مع المسلمين وسيظل يمارس إضلاله لهم الى قيام الساعة ، يخدع كل جيل ، وسيأتى المسلمون وغيرهم ليسمعوا التأنيب الالهى لهم :( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)( يس ).

أخيرا

1 ـ  هذا الواقع القرآنى واضح إنطباقه على أصحاب الديانات الأرضية من المسلمين الذين يموتون متمسكين بعقائدهم الضالة مع وجود القرآن بينهم .ولولا أنّ القرآن محفوظ بقدرة الله جل وعلا لكانوا قد حرفوا ألفاظه ، ولم يكتفوا بحريف معانيه وإبطال وحذف تشريعاته بزعم النسخ .!!

2 ـ إذن ما الذى يمنع حدوث الاهلاك ؟ لقد تكرر الأهلاك الجزئى فى تاريخ المسلمين ، وسنتعرض له فى الجزء التاريخى من هذا المبحث . ولكن لا زلنا مع سورة (هود ) .. وبعد أن عشنا مع جزءيها يبقى أن نتوقف مع دروسها التى يمكن بها تجنب الاهلاك ..خصوصا والمسلمون اليوم على حافة الاهلاك ..

 

الباب الخامس  :  غياب الأمر بالمعروف والنهى يعنى الاهلاك 

 الفصل التاسع :  قراءة لسورة ( هود ) بحثا عن وسائل لتفادى الهلاك :( الجزء الثالث ) 

 

 عرض للجزء الثالث من سورة هود :

أولا : تعليق على ما سبق من قصص الماضين :

 1 ـ بعد قصّ القصص قال جل وعلا :(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)، أى من تلك القرى التى قصّ رب العزة قصتها ما يزال قائما بآثاره ن ومنها ما اندرس ولم يبق منه أثر. وقلنا من قبل إن مصطلح ( القرية ـ القرى ) يعنى الدولة والمجتمع الذى قد يضم مدينة ومدنا .

2 ـ وتلك القرى البائدة المهلكة ـ بفتح اللام ـ ظلمت نفسها بتمسكها بعبادة آلهة كانت تتوسل بها ، وحين جاء الهلاك لم تنقذهم تلك الألهة المزعومة ، وما زادوهم إلّا خسارا ، أى فهم الظالمون لأنفسهم ولم يظلمهم رب العزة : ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) .

3 ـ وهكذا كان تدمير رب العزّة جلّ وعلا للقرى الظالمة ، وهو عذاب شديد :(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) .

4 ـ وبعد الحديث عن الأقوام الهالكين الماضين ، يتجه الخطاب لعصر القرآن الكريم للعظة . يعظهم ليس فقط الاهلاك فى هذه الدنيا ، بل ما هو أكبر وهو عذاب الآخرة الذى سيشهده البشر جميعا  (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103).

5 ـ وتأتى أوصاف هذا اليوم ، فهو يوم قد إقترب ، وهو أجل معدود :( وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)

6 ـ وفى هذا اليوم لن تستطيع نفس أن تتكلم إلّا بإذن الرحمن ، وحين يأتى وقت حسابها ، وينجلى يوم الحساب عن تقسيم الناس الى أشقياء وسعداء :( يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)

7 ـ  الأشقياء فى النار يصطرخون بين زفير وشهيق ، وفى النار يظلون خالدين بمشية الله جل وعلا الذى اراد وشاء الأبدية أو الخلود الأبدى فى الزمن :( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)

8 ـ وهو نفس الخلود الأبدى للسعداء أصحاب الجنة ، وفيها يتمتعون بعطاء غير مقطوع ولانهائى( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108).

ثانيا : الاهلاك وتشابه قلوب المشركين قبل وأثناء وبعد نزول القرآن الكريم 

1 ـ والحقيقة ان الرسالات السماوية هى جمل إعتراضية فى تاريخ البشر الدينى المستمر فى الشرك والضلال  قبل وبعد كل رسالة سماوية. فالرسول يأتى بالاصلاح ، ويتم إهلاك المشركين وينتصر الحق ، ويلبث فترة ـ أو جملة اعتراضية ـ يعود بعدها الشرك كما كان. حدث هذا فى قريش التى كررت كل ملامح الشرك التى عرفتها الأمم السابقة ، لذا يقول رب العزة لخاتم المرسلين أن يتيقن من تكرار قريش لكل ملامح الشرك السابق وأنهم سينالون نصيبهم غير منقوص : ( فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ (109). وهنا نتوقف مع تشابه المشركين ووحدة الدين الالهى لكل الأنبياء وكل الرسالات السماوية ، ونزل القر آن الكريم رسالة خاتمة للبشرية قبل قيام الساعة يوضّح  ملامح الكفر فى كل زمان ومكان ، ويحذّر من الاهلاك الجزئى ويحّر من عذاب يوم القيامة الذى إقترب .

2 ـ قال جل وعلا لخاتم المرسلين عن كفر قريش بالقرآن فى سورة (فصلت ): (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) ، ثم قال عن القرآن الكريم  (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)، أى هو ـ خلاف الكتب السماوية السابقة محفوظ من لدن الله جلّ وعلا لأنه لن يأتى كتاب سماوى بعده ، ولن يريل الله جلّ وعلا نبيا بعد خاتم الأنبياء . لذا يقول رب العزة لخاتم المرسلين عن وحدة الدين الالهى والقرآن وعن مشركى قريش ( مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ  ) أى ما يقال لك من وحى سبق قوله بلغات أخرى للأنبياء السابقين . وما يقال لك من تكذيب وعناد سبق قوله من الأمم السابقة لأنبيائهم .

3ـ وعن وحدة الوحى الالهى لكل الأنبياء يقول جل وعلا ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164)( النساء  ). وعن وحدة التشريع الأساس لكل الأنبياء يقول جل وعلا : (  شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) ( الشورى ) . وعن وحدة الأمر بلا اله ألا الله فى كل الرسالات السماوية يقول جل وعلا (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ( الأنبياء )، بل جاء التحذير موحدا لكل الأنبياء من الوقوع فى الشرك لأنه يحبط العمل الصالح  (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65) بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ (66) ( الزمر )، جاء هذا بكل اللغات التى كان يتكلم بها كل نبى وقومه ثم كرّرها وأكّدها القرآن الكريم ، ومع ذلك يتناقض معها المسلمون فى أديانهم الأرضية..

4 ـ وعن وحدة التكذيب من كل المشركين مع اختلاف الزمان والمكان واللسان يقول جل وعلا عن طلبهم آية حسية : (وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) ( البقرة ).أى تشابهت قلوبهم فى إجماعهم على طلب آية حسية عنادا . وهم يقرنون طلبهم ’ية حسية باتهام النبى محمد بأنه ساحر أو مجنون .وهو نفس الاتهام الذى كان يقال للأنبياء السابقين ، كأنما تواصى أولئك المجرمون الطغاة على هذا الاتهام من قوم نوح الى قريش . عن اتهامهم النبى بالسحر والجنون : (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) ( الذاريات ) .

5 ـ والعادة أن القادة فى الصّد عن سبيل الله جلّ وعلا هم الملأ المترف . ويقول جلّ وعلا عن تمسك المترفين بعبادة مما وجدوا عليه آباءهم وتراثهم أو ثوابتهم الدينية المتوارثة : (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) ( الزخرف ) . والعادة ان الملأ المترف الحاكم المسيطر المتسيد هو الذى يكره الاصلاح لأن الاصلاح يعنى زوال إمتيازاته وانتهاء ظلمه وسيطرته ، لذلك يستكبرون على الحق ويتآمرون على الرسل ويعتبرون أنفسهم أولى من الرسل بالاصطفاء الالهى ، يقول جلّ وعلا مؤكدا على قاعدة بشرية اجتماعية :( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123). وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) (الأنعام ) . وهذه القاعدة القرآنية كأنما نزلت فى أيامنا هذه ..سبحان الله العظيم .!!

6 ـ يتبع هذه القاعدة فى إجرام المترفين قاعدة أخرى فى إهلاكهم طالما يتمسكون بالظلم والفسق  ويرفضون الأمر الالهى بالعدل :( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16)وقد تكرر هذا فيما سبق من قرون من بعد نوح ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17). ولذا سيتكرر الاهلاك الجزئى أو التعذيب حتى يوم القيامة نظرا لأن الظلم هو العملة السائدة فى دنيا البشر :( وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (58)( الاسراء ).

7 ـ تشابه قلوب المشركين فى كل عصر جاء تعبير القرآن عنه غاية فى السّمو والاعجاز الفصاحى فى سورة ( ابراهيم )، إذ جعلهم مع المرسلين يتحاورون كما لو كانوا يعيشون فى نفس الزمان والمكان ويتكلمون بنفس اللسان ، فيقول المشركون كلهم كذا ويرد عليهم الرسل كذا . يقول جلّ وعلا : ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)( ابراهيم ). وتنتهى الايات بالاهلاك واستخلاف المؤمنين ، ثم تعود القصة وهكذا. ومن هنا تأتى العبرة و العظة والنصائح فى سورة هود . هذا توضيح قرآنى لما جاء فى قوله جل وعلا فى سورة (هود ) : ( فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ   (109). والقرآن يفسّر بعضه بعضا ، ويشرح بعضه بعضا.

8 ـ ونعود الى سورة هود وهى تتحدث عن انتهاء مرحلة الاهلاك الكلى بفرعون وقومه ومجىء مرحلة تالية بنزول التوراة برغم اختلاف بنى اسرائيل فيها ، ولولا أن كلمة الله جل وعلا قد سبقت بانتهاء مرحلة الاهلاك الكلى لأهلكهم الله جل وعلا  ، ولكن توفية أعمالهم ستأتى يوم القيامة : يقول جل وعلا :( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)( وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111) . وتكرر هذا المعنى فى قوله جلّ وعلا عن مجىء التوراة فصلا جديدا بعد إهلاك الأمم السابقة إهلاكا تاما وجماعيا : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)( القصص ).

ثالثا ::نصائح ووعظ للنبى محمد والمؤمنين فى الحقبة الأخيرة من وجود البشر فى هذا الكوكب الأرضى :

1 ـ  فحتى ينجو النبى محمد عليه السلام والمؤمنين معه من مصير المشركين لا بد من الاستقامة ، اى التمسك بالصراط المستقيم وهو الكتاب والتقوى ، ولا بد من تجنب الطغيان المناقض للتقوى والاستقامة ، والله جل وعلا بما يملون بصير : (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)

2 ـ وتجنب الطغيان يعنى تجنب الطغاة الظالمين وعدم الوثوق بهم ، وإلّا فمن يثق بهم ويركن اليهم سيكون شريكا معهم فى العذاب القادم : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ (113)

3 ـ ثم التمسك باقامة الصلاة ، ليس مجرد تأديتها ولكن أن تصلّى الصلوات الخمس خاشعا وقت صلاتك ، ثم تحافظ على صلاتك بعدم الوقوع فى الفواحش أو الظلم بين الصلوات الخمس ، وبهذا فإن الحسنات تمحو السيئات وتقلل من فرص الوقوع فيها ، فمن يشغل نفسه بالطاعة لن يجد وقتا للعصيان ، وهذه موعظة لمن يعى ويتذكر ولا ينال هذا الا الصابرون المحسنون  : (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)  وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115).

4 ـ وأهم العبر المستفادة من إهلاك الأمم السابقة أنهم انقسموا الى ملأ مستكبر ومعهم أتباعهم فى جانب الظلم والعدوان مقابل النبى والقلة المستضعفة التى معه والتى لا تستطيع الدفاع عن النبى وعن أنفسها . لذا كان يأتى التدخل الالهى باهلاك المعسكر الظالم الرافض للإصلاح . ولو ظهر عنصر ثالث ينصر الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما حدث إهلاك ، لأن هذا الصنف الآمر بالمعروف سيحدث نوعا من التوازن وسيضم اليه عناصر من الملأ ومن اتباع الملأ ، وبالتالى سيكون هناك أمل فى الاصلاح ، وهذا الأمل فى الاصلاح يمنع الاهلاك . لم يحدث وجود عنصر فاعل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لذا جاء الهلاك ولم ينج منه إلا الأنبياء والمؤمنون . وهذه هى العظة الكبرى فى تاريخ الأنبياء ، يقول جلّ وعلا :

( فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116).وتؤكد ألاية التالية على شرط الاهلاك وهو تمسك الظالمين بظلمهم ورفضهم دعوة الاصلاح : ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117).

ومن هنا تأتى أهمية تطبيق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تجنبا للهلاك الجزئى . ولكن الذى يحدث أن أديان المسلمين الأرضية منها ما نبذ بالكامل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مثل التصوف ، ومنها من بدّل المعروف الى منكر والمنكر الى معروف ، وفعل مثل المنافقين والمنافقات فى عصر نزول القرآن فى المدينة حين كانوا ينهون عن المعروف ويأمرون بالمنكر . ولهذا تعرض المسلمون خلال تاريخهم فى العصور الوسطى والحديث والمعاصر لسلاسل من العذاب والاهلاك الجزئى . وسنعرض لذلك فى أوانه.

5 ـ وجوهر الموضوع هنا هو أن الله جلّ وعلا خلق الناس أحرار ليختبرهم ، وبالحرية التى يتمتعون بها عصى الأكثرية وحدث الاختلاف والشقاق ، وسيظل الاختلاف قائما ما بقيت الانسانية ، ولهذا خلقهم الله جلّ وعلا أحرارا مختلفين ، ولكن ينجو من هذا الاختلاف من يبحث عن الهدى مخلصا ويتمسك به ، وأولئك المهتدون بالحق الالهى لا يختلفون طالما يتبعون الحق ولا يتبعون الهوى . المأساة أن المهتدين قليلون ، ولهذا فإن جهنم ستمتلىء بالضالين من الانس والجن الذين أساءوا استعمال الحرية ، والذين إختاروا الضلال وحاربوا الهدى . يسرى هذا فى كل زمان ومكان قبل وأثناء وبعد نزول القرآن . يقول جل وعلا :ـ ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119).

6 ـ وبالتالى فإن من سمات الظلم فى الأديان الأرضية ظاهرة الإكراه فى الدين ، وفرض الدين الأرضى بل وأحيانا مذهبا من مذاهبه على الناس . وتتعاظم الخطيئة حين يستغل الظالمون سيطرتهم ونفوذهم فى إضطهاد المصلحين وطردهم ، وهو ما كان يفعله المشركون الظالمون مع الأنبياء ، وسبق الاستشهاد بآيات سورة ( ابراهيم ) فى هذا الخصوص ، وكان طرد النبى أو التهديد بطرده من علامات الاهلاك القادم . وهنا نسترجع قوله جل وعلا : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14).( ابراهيم )  ونتذكّر بكثير من التدبّر ذلك الوعد الالهى : ( .. فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)( ابراهيم ).   وكان العذاب مؤجلا لقريش طالما لم يرتكبوا جريمة طرد النبى ، فقال جل وعلا لهم : (  وإذ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)  ) ( الأنفال  )(  وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنْ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً (77) ( الاسراء  )، وبالتالى كان هذا القصص القرآنى لتثبيت فؤاد النبى ووعظه وليكون ذكرى للمؤمنين ، يقول جلّ وعلا :  ( وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)

7 ـ أما بالنسبة للكفار المعاندين الذين لا أمل فيهم فعلينا أن نرضى لهم ما ارتضوه لأنفسهم ، وأن يظلوا على دينهم وعقائدهم كما نتمسك نحن بديننا وعقائدنا ، أى لهم دينهم ولنا ديننا ، وهذا هو منتهى العدل . وننتظر نحن وهم يوم القيامة حين يحكم الله جلّ وعلا بيننا وبينهم . وهذا هو القول الذى أمرنا الله جل وعلا أن نقوله للمشركين المعاندين :  (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) . وهنا تأكيد على حرية الدين والاعتقاد وتسليم الأمر لله جل وعلا لأن يحكم بين المختلفين دينيا فى يوم الدين ، وبالتالى فلا حاجة للتناحر الدينى أو الاكراه فى الدين ، بل المسالمة واحترام حق كل فرد فى حريته الدينية فى العقيدة وفى العبادة وبل وفى الدعوة لما يؤمن به بلا ضغط أو إكراه للآخرين . لو تم هذا فسيكون السلام هو العملة المتداولة بين الناس مهما إختلفت أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم . ولكن من شيمة الكفر هو ذلك الإكراه فى الدين ، كما يفعل أتباع الدين السنى بقتل الفرد المخالف بما يسمى بحدّ الردة ، وقتال الأمم المخالفة فى الدين حتى لو كانت مسالمة لم تعتد على المسلمين طبقا لحديث البخارى الذى يشرّع القتال لارغام الأمم الأخرى على دخول الاسلام :( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ..). وبالتالى فإن الله جل وعلا يضع سبل السلامة والنجاة من الهلاك بأن يدخل الناس فى السلم كافة ، وأن يتركوا الحكم لله تعالى فى الدين الى يوم الدين ، وهذا معنى أن يكون الدين كله لله جل وعلا يحكم فيه بين الناس فيما هم فيه مختلفون ، وأن يكون الناس جميعا أحرار فى كل ما يخصّ الدين من عقيدة وعبادة ودعوى ليكونوا مسئولين أمام رب العزة يوم الدين . فالدين أساسه الحرية فى هذه الدنيا ، وأساسه مسئولية الناس عن حريتهم يوم الدين الذى هو يوم الحساب . بدون ذلك يكون احتمال العذاب والاهلاك  الجزئى واردا .

8 ـ وفى النهاية فلله جلّ وعلا وحده العلم بالغيب واليه وحده يرجع الأمر كله ، وعلينا نحن أن نعبده وحده وأن نتوكل عليه وحده وأن نستعين به وحده جلّ وعلا ، فهو الذى يعلم ما نخفى وما نعلن ، وكان هذا ختام سورة (هود ): (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)

ودائما ـ صدق الله العظيم .