ßÊÇÈ الأمـر بالـمـعــروف والـنـهـي عــن الـمـنـكــر فى الاسلام
42

في الجمعة ٢٩ - مارس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الباب الخامس  :  غياب الأمر بالمعروف والنهى يعنى الاهلاك 

 الفصل الرابع   خطوات ومعالم الاهلاك الكامل   

   أولا  :  خطوات ما قبل التدمير :

1 ـ تستحق القرية الظالمة الاهلاك برفضها الاصلاح ، سواء من المترفين الظالمين أو الأغلبية الصامتة المستكينة للظلم والمتشبعة بثقافة العبيد .  وكان هذا الاهلاك عاما فى تلك القرى فى العهد القديم .

فى تاريخ الأنبياء السابقين كان  يبدأ العدّ التنازلى للإهلاك بخطوات تحذيرية لو إنتبهوا لها وأسرعوا بالاصلاح نجوا من الهلاك ، وإلّا فالهلاك قادم اليهم وهم مسرعون اليه . الخطوة الأولى تكون بالمصائب على أمل أن يتوبوا ويئوبوا الى الله ويتضرعوا . وهذا إختبار بالطبع . ثم يليه إختبار النعمة بعد إبتلاء النقمة . ولو فشلوا فيه واغتروا حلّ بهم الهلاك بغتة ، يقول جلّ وعلا عن الأمم السابقة فى قصص الأنبياء :(  وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ)( الأعراف 94 : 95 ). وتكرّر هذا فى قوله جلّ وعلا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ، فالخطوة الأولى هى المصائب من البؤس والضرّ حتى يتضرعوا ويتوبوا . ولكنّهم قست قلوبهم ورفضوا التوبة ، فتأتى المرحلة التالية وهى إختبار النعمة فيفرحون وبها يغترّون ، وعندها يحلّ بهم الهلاك فجأة ، فيقطع دابرهم ، أو بالتعبير القرآنى بالغ الدلالة : (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).  

2 ـ ونعطى مثالا من قصة موسى وفرعون . أرسل الله جلّ وعلا موسى لفرعون فاستهزأ به فرعون : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ  فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ) ورفض الآيات المعجزة التى أتى بها موسى : ( وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا ) فجاءهم العذاب والبأساء والضراء حتى يؤمنوا  :( وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  )، فاستغاثوا بموسى  (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ) فكشف الله جل وعلا عنهم العذاب ، ولكنهم عادوا للعناد والكفر ونكث العهد :( فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ  ) بل تطرّف فرعون فاستهزأ بموسى فى مؤتمر علنى حشد فيه قومه وجنده :( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ  أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ  )، وهلّل له أتباعه من الأغلبية الصامتة المطيعة التى عادة ما يستخف بها كل فرعون ويشاركونه الظلم والعصيان : ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ  ) فكانت النتيجة هلاك فرعون وجنده وقومه المهللين له ( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ )، ومن وقتها أصبح فرعون مثلا لكل مستبد يهلك نفسه وقومه ( فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ ) ( الزخرف  46 : 56 ). تكرر هذا بالتفصيل فى ( سورة الأعراف :130 ـ 136 ): ( وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ).

 ثانيا : وصف التدمير

1 ـ يقول جل وعلا عن موقف القرية الظالمةحين يقع عليها التدمير يصف مشاعر المترفين وقتها : ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ )( الانبياء 11 : 15 )، ويقول جلّ وعلا عن الاهلاك الكامل : (  فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ( العنكبوت 40  )، فالاهلاك يأتى بسبب ذنوب الطغاة العصاة وجرائمهم وظلمهم والسكوت عن ظلمهم . وتنوع الاهلاك  من تدمير آت من الفضاء ، أو أنفجار صاعق ، أو خسف فى الأرض ، أو غرق .

2 ـ ومن تدبر الآيات التى تحدثت عن اهلاك الأمم السابقة يتضح الآتى :

2/1 : تدمير عاد وثمود بصاعقة، والله جل وعلا يهدد قريش بمثلها (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ) ( فصلت 13 ). والصاعقة هى انفجار لا نعرف نوعيته بالتحديد ، ولكن نتعرف على بعض مظاهره وآثاره تأثيره . وهنا يأتى الاختلاف بين صاعقة عاد وصاعقة ثمود .

2/ 2 : الصاعقة التى أهلكت قوم عاد أثارت رياحا هائلة ، وصل تأثير أصواتها الى الآذان : ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ) ( فصلت  16)، وهذه الرياح دمرت كل شىء كانت تمرّ عليه فتتركه رميما :( وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ) ( الذاريات 41 : 42 ). وقد بدأت الرياح سحبا أخذت تتجمع فظنوها سحب أمطار فاستبشروا بها ، ولكنها كان رياحا مهلكة لا تبقى ولا تذر: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ  ) ( الاحقاف 24 : 25 )، إى أهلكتهم وأبقت مساكنهم يمكن رؤيتها بعد موتهم . وظلت الرياح تضربهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، وتركتهم موتى جثثا فى البيوت وفى الشوارع كأعجاز نخل خاوية.وانمحى أثرهم:(  وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ   ) ( الحاقة  6 : 8 ).

2/ 3 : أما الصاعقة التى أهلكت قوم ثمود فقد أحدثت (صيحة ورجفة  )، والصيحة تعنى إنفجارا مدويا هائل الصوت بحيث يدمّر من يسمعه ، ويجعله يرتجف فاقدا التوازن الى أن يموت بعد عذاب وإذلال : ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ )( فصلت 17 ). جاءتهم صاعقة الانفجار فى الصباح مصحوبة بصوت هائل وهم فى بيوتهم المنحوتة فى الجبال فما أغنت عنهم بيوتهم الجبلية المحصّنة الآمنة شيئا :  (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ) ( الحجر 80 : 83 ). تمتعوا ببوتهم الصخرية فى أحضان الجبال الى حين ، ولكن الصاعقة فاجأتهم فى داخل حصونهم فما استطاعوا القيام من أماكنهم : (  وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ )( الذاريات 43 ـ  45) فظلوا يرتجفون حتى ماتوا جاثمين فى أماكنهم: ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ  ) ( الاعراف 78 ) ( وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) ( هود 65 : 67 ) . طغت الصيحة أو الانفجار أو صوته فدمّر عصاة ثمود فى مخابئهم الصخرية ، لذا جاء وصف الصيحة بالطاغية،أى التى طغت على الصخر فاخترقته:( فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ )(الحاقة5). تآمر قوم ثمود وعقروا الناقة وكذّبوا النبى صالح عليه السلام ومكروا  به ، فدمرهم الله جلّ وعلا ، وبقيت بيوتهم عبرة:(وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (النمل 50 ـ ).

2/ 4 : نفس الاهلاك حدث لقوم مدين بعد تكذيبهم النبى شعيب عليه السلام. كان صيحة إنفجار بصوت هائل ارتجفوا منه وماتوا .فقيل عنهم مثلما يل عن ثمود :( وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ )( هود 94 )،( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ )( العنكبوت:37 )(الاعراف 91 ) . ولكن تميّزت صيحة أو إنفجار قوم مدين بانتشار غبار كثيف غمر وطمر ولفّ مدينة مدين لمدة يوم كامل ، أو هو (يوم الظّلة ) ، فكان هلاكا مرتبطا بعذاب هائل : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )( الشعراء 189 ). قد يكون نفس الانفجار الذى أهلك قوم ثمود ، ولكن إختلف المظهر باختلاف نوعية المساكن. فقوم ثمود سكنوا فى بيوت صخرية منحوتة فى الجبل فلم يدمرها الانفجار ولكنه  دمر السكان داخلها. أما قوم مدين فقد عاشوا فى مدينة تجارية على طريق القوافل مبنية كالمعتاد وقتها ، فدمّر الانفجار بيوتها وأحالها الى غبار هائل ظلل موقع المدينة .

2 / 5 :  فى الأحوال السابقة فإن كل تلك الانفجارات قتلت فقط الكفّار ، ولم تمسّ المؤمنين. يقول جلّ وعلا عن عاد قوم هود عليه السلام : (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ) ( الاعراف 72 ). .، أى أنجتهم رحمة الله من الانفجار الذى وقع وهم شهود عليه وهم فى نفس موقع الانفجار . ويقول عن صالح (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ )( هود 66: 67 ). رأى صالح مصرع قومه ، ووقف حزينا يشاهد جثثهم ويخاطبهم : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) ( الاعراف 79 ) ونفس الحال مع النبى شعيب : (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ )( هود 94 : 95 )، شهد شعيب مصرع قومه ووقف أيضا يتحسّر عليهم : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ )(الاعراف 93 ).

2/ 6 : ومن هنا يختلف هذا الانفجار عن الانفجار الذى أهلك قوم لوط ، والذى إستلزم تهجير المؤمنين حتى لا يصيبهم الانفجار الذى سيبيد قوم لوط المعاندين . ربما كان الانفجار الذى أهلك عاد وثمود ومدين نوعا من الاشعاع الناتج عن تفجير ذرى يهلك البشر دون تدمير البيوت . وربما كان الانفجار الذى حدث لقوم لوط نوعا من التفجير الذرى الذى يدّمر المكان والانسان . هو إنفجار أمطر قوم لوط  بقنابل حجرية ملتهبة تم إعدادها من طين . ونتتبعها كالآتى : حين انفجرت كانت ( صيحة ) من جهة الشرق:( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ )(الحجر 73 )،وأعقبها مطر : (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا )( الاعراف 84 )( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ)( الشعراء  173)،ليس مطرا من ماء ، بل قنابل أصلها من طين ثم تم تصنيعها لتكون حجارة ملتهبة (  لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) ( الذاريات 32 ـ )، وهى حجارة موصوفة بأنها ( رجز ) أى تورث المرض والهلاك :( إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء )(العنكبوت 34 )، وأنها من سجيل، أى ما يشبه اللافا أو الماجما الملتهبة التى تخرج من البراكين:  ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ) ( الحجر 74 )وهو سجيل منضود منظّم مصنّع مهندس ( بفتح الدال ) :( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ )(هود 82 ). كان  الاتفجار فى الصباح الباكر ، وقبله تم تهريب وإجلاء المؤمنين قبل تدمير القوم : ( فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ) ( الذاريات 32 ـ ) . وجاءت التعليمات للمؤمنين بطريقة خروجهم ، أن يخرجوا ليلا قبل موعد الهلاك فى الصباح ، الى مكان محدد آمن وبعيد عن الضرر الحادث من الانفجار ، وألا يلتفت منهم أحد خلفه حتى لا يصيبه إشعاع التدمير بالعمى وتشويه الوجه ، وأن يزحفوا فى سيرهم بحيث يكون بعضهم خلف بعض لتفادى الاشعاعات المهلكة الناتجة من التفجير الذى جعل مساكن القوم أعاليها سافلها : ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )(هود81 : 83)( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ )(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ) ( الحجر 65: 66  ـ 73 : 76 )

ثالثا : أطلال وآثار ما بعد التدمير

1 ـ ولا تزال أطلال سدوم وعمورة  باقية عبرة لمن يعتبر بما حدث لقوم لوط ، وهم أشهر وأول من أدمن الشذوذ الجنسى ، والذين قال لهم نبيهم لوط : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ) ( العنكبوت 28 ) .ومع استفاضة رب العزة فى تفصيل قصة قوم لوط ، ولعنهم إلإ إن المسلمين إبتداءا من العصر العباسى قد عرفوا وأدمنوا الشذوذ الجنسى ، واشتهر بهذا بعض الخلفاء والسلاطين ، بل تخصّص الصوفية فى إعتباره ضمن شعائرهم الدينية فيما يعرف بالشاهد . واشتهرت به قصور السلاطين العثمانيين  وساد العصر العثمانى. ومن المسلمين انتقل الى أوربا أخيرا . والطريف أن رفاعة الطهطاوى حين ذهب الى فرنسا كان يتغزل فى الشباب الأمرد كعادة الشعراء ، وكان يتعجب من عدم وجود الشذوذ الجنسى هناك .وسنعرض لهذا فى مقال عن كتابه ( تخليص الابريز فى تلخيص باريز ). وحاليا فالشذوذ منتشر بلا نكير فى أوربا وأوساط الوهابيين وغيرهم . هذا ، مع أن رب العزّة يؤكّد ترك أطلال قريتى سدوم وعمورة ( قوم لوط ) لتكون عبرة للذين يخافون العذاب الأليم ، الذين يعقلون والذين يتوسمون : ( وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ) ( الذاريات  37 ) ( وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )(العنكبوت : 35 )( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ  ) ( الحجر: 76 ). ولكن أين هم فى عالم المسلمين أصحاب الديانات الأرضية ؟ ، ومع ذلك فهم يجعلون أنفسهم خير أمّة أخرجت للناس .؟

2ـ و كانت أطلال قوم لوط  باقية على طريق القوافل فى عهد خاتم النبيين عليهم جميعا السلام. يقول جلّ وعلا لقريش عن أطلال قوم لوط بعد تدميرهم : ( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ( الصافات 137 : 138 ). وكانت قريش فى رحلاتها التجارية بين الشام واليمن تمر على آثار قوم عاد وقوم ثمود. فقال جل وعلا لهم  يدعوهم للإعتبار:( أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَى ) ( طه 128 ).

3 ـ بل أمرنا رب العزّة بالسير فى الأرض ومعاينة آثار الأمم السابقة التى تعرضت للهلاك لنتعظ ونستفيد ، يقول جل وعلا (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ  ) ( آل عمران 137 : 138 ) (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)( الانعام 11 )( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ )( يوسف 109 ) (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) ( النحل 36 ) (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) ( الحج 46 )(  قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) ( النمل 79 )( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا )( فاطر 44 )( أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ) (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(غافر 21 ، 82 )( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا )( محمد 10 )(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ) ( الروم 9 ، 42  ).

4 ـ جئنا بهذه الآيات لتوضيح التناقض بين الاسلام والدين السّنى الوهابى بالذات . فهم يكفرون ـ بهذا الصدد ـ بتلك الآيات الكريمة ، ويؤمنون بحديث ينهى عن مشاهدة تلك الأطلال والآثار . ومن عجب أن مدائن عاد وثمود مدفونة تحت رمال الجزيرة العربية فى المملكة السعودية ، وتكاد تفصح عنها صور الفضاء وأجهزة المركبات الفضائية ، وهو نصر للاسلام عظيم لو أمكن الكشف عنها ومطابقة تلك الأطلال بما جاء فى وصفها فى القرآن الكريم . ولكن إيمان الوهابية بهذا الحديث يمنعهم من ذلك ، ومن أجله يكفرون بالقرآن ويتجاهلون فريضة اسلامية قرآنية نزلت فيها هذه الآيات الكريمة .

5 ـ تخيلوا لو كشفنا عن أطلال قوم عاد، وتدبرنا ما قاله لهم نبيهم هود  عن رفاهية قومه وتقدمهم العلمى فى هذا العصر السحيق : (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ  ) ( الشعراء 128 : 135 ) وتذكرنا قوله جل وعلا عن العظمة المعمارية لقومى عاد وثمود (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ )(الفجر 6 :9 ). ونتذكر ما قاله النبى صالح عليه السلام يعظ قومه ورفاهية قومه وتقدمهم العلمى : (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ) (الشعراء 146 : 152)، وما قاله رب العزة عن بيوتهم بعد هلاكهم : ( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(النمل 51 ـ ).

6 ـ ولكن كيف ننظر وكيف نتّعظ إذا كان الدين السّنى يحرّم رؤية هذه الآثار ؟ هذا قصص لم يأت ذكره فى التوراة ولا فى الكتب الأخرى لأهل الكتاب . إنفرد القرآن الكريم بذكرهم ، بعد أن انتهى العلم بهم . هى أمم بائدة لم يبق منهم نسل ولا ذرية ، ولا بقية:(  فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ )( الحاقة  8 )( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى )(النجم  50: 51). لم يبق منهم أحد ، ولكن بقيت آثارهم للتحذير والعظة والتذكير . ولكن السنيين وغيرهم يسيرون على سنّة أولئك القوم الهالكين ، لذا لا يريدون التفكّر في عاقبتهم ، وهم مثلهم يكرهون الناصحين المصلحين المنذرين . ولنتذكّر النبى صالح عليه السلام بعد مصرع قومه ، وهو يقف حزينا يشاهد جثثهم ويخاطبهم : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) ( الاعراف 79 ). ونخشى أن يتكرر الهلاك ونقول لقومنا (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ).