لمحة اصولية تاريخية عن :
ßÊÇÈ حق المرأة فى رئاسة الدولة الإسلامية :
أولا : موقف التشريع القرآنى من النظم الس

في الخميس ١٨ - أبريل - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا : موقف التشريع القرآنى من النظم السياسية الديكتاتورية:

إن تشريع القرآن عن الشورى يظل توصيفا لحالة وحيدة حتى إن كانت قابلة للتكرار . ولكن ما موقف تشريع القرآن من الأغلبية ؟ أغلبية نظم الحكم المستبدة ؟ .. هل يعتبرها القرآن ويعترف بها أم يعتبرها نظم حكم كافرة يجب تغييرها ؟..وقضية المرأة تدخل فى هذا الإطار .

ونقول إن حقيقة الوجود الإنسانى فى هذه الدنيا إنما هو إختبار إلهى للبشر ، وأساس هذا الاختبار حرية الإنسان فى اختياره الهداية أم الض&aacutl;لال . والإنسان هو الذى يختار الهداية أو يختار الضلالة ، وهذه هى البداية ، ثم تأتى إرادة الله لتؤكد اختيار الإنسان، فإذا اختار الإنسان الهداية زاده الله إيماناً وهدى . وإذا اختار الضلال زاده الله ضلالاً . وهذا ما يؤكده الله تعالى فى القرآن (البقرة :10، محمد 17،مريم6 7، العنكبوت 69) ثم يأتى الحساب فى الآخرة على ما اختاره الإنسان بإرادته.

وكما ينطبق ذلك على اختيار العقائد فإنه ينطبق أيضا على أحوال السياسة.

فالحاكم المستبد الظالم الذى اعترف له الناس بالسلطة وخشعوا له يعترف به رب العزة حاكماً وملكاً طالما رضى به الناس ملكاً .. ودليلنا على هذا أن الله تعالى تحدث عن ملوك ظلمة ادعوا الألوهية ووصفهم بالملك وذلك فى قصة إبراهيم مع الملك الذى جادل إبراهيم فى الله وادعى أنه يحى ويميت(البقرة 258) وفى قصة موسى والعبد الصالح مع الملك الظالم الذى يأخذ كل سفينة غصبا (الكهف 79) بالإضافةإلى فرعون وغيره.

وهكذا فطالما رضى الناس بالضيم واستبداد الحاكم يظل ذلك الحاكم ملكا عليهم يحظى باعترافهم به وباعتراف الله تعالى بملكه ، ثم يأتى حسابه العسير على ما اقترفت يداه يوم القيامة .

أما إذا ثار الناس على الظلم فالقرآن يعطيهم مشروعية الثورة ، التغيير بالحديد الذى أنزله بأسا شديدا ومنافع للناس (الحديد 25) ولكن هذا التغيير الثورى يبدأ بتغير الأنفس التى تعودت على الخضوع والرضى بالذل ، وهذا التغيير النفسى عملية شاقة ، فإذا نجحت أمة فى تغيير نفسها من الهوان إلى القوة جاءت إرادة الله تعالى لتعززهذا التغيير ،يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ..(الرعد 11) وإذا حدث هذا الوعى أو ذلك التغيير فى شعب ما تحول الحاكم الهصور إلى نمر من ورق أو إلى جثة تذروها الرياح . وبعدها يحكم الشعب نفسه بحيث يصبح الحاكم مجرد رمز لإرادة الشعب ،سواء كان ذلك الرمز رجلا أم امرأة .

ولكن هل نسينا موضوعنا عن المرأة

كلا .. بدليل حديث القرآن عن ملكة سبأ ..

ثانيا : المرأة المستبدة فى القصص القرآنى

فقد تعرضنا لتشريع القرآن وآن لنا أن نتوقف مع قصص القرآن فيما يخص رئاسة المرأة للدولة .. الديكتاتورية .

ونود أن نضع بعض الملاحظات على قصة ملكة سبأ فى القرآن الكريم :

  • ـ فالقرآن الكريم لم يعترض على وجود امرأة تملك وتحكم ، وقد أوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم .ولكن انصب الاعتراض على أنها وقومها كانوا يسجدون للشمس من دون الله ، ولذلك أرسل سليمان لها رسالة يدعوها للإسلام ، ووجه رسالته إليها باعتبارها تمثل الشعب ، وهذا اعتراف آخر بشرعيتها فى الحكم .
  • ـ وحديث القرآن عنها يؤكد تمتعها بتأييد الحاشية أو الملأ ، وهى تستشيرهم فينتظرون رأيها ويعلنون تأييدها منذ البداية واثقين من رجاحة عقلها ، قائلين لها إن الأمر إليك انظرى ماذا تأمرين ، وهى برجاحة عقلها لا ترد على رسالة سليمان بإعلان الحرب أو أن تجعلها قضية كرامة شخصية ولكن تفكر فى عاقبة الحرب على الشعب الذى يدفع دائما فاتورة الحمق لدى الحكام المستبدين ، قالتها ملكة سبأ حكمة غالية " إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)" وصدق الله العظيم " وكذلك يفعلون" فما أفسد البلاد واهلك العباد إلا حكام مستبدون معتوهون لا زلنا نسعد بوجود بعضهم ، تراهم أخصائيين فى الهزائم أمام الأقوياء وفى الجبروت على بنى قومهم .وبرجاحة عقل نرى "بلقيس" تبدأ باستطلاع الجانب الآخر لتعطى نفسها  فرصة الدراسة والتفكير ، بأن ترسل إليهم بهدية وتنتظر الإجابة " وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) النمل".

وفى النهاية تبدو رجاحة عقلها حين تقتنع بالإسلام ، وتنجو بقومها فى الدنيا والآخرة ، قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ..النمل 44).

  • وفى القصص القرآنى نموذجان للحكام المستبدين ، أحدهما رجل وهو فرعون مصر ، والآخر امرأة وهى ملكة سبأ. وبينما تكررت قصة فرعون عدة مرات فى القرآن فإن القرآن تعرض لقصة سبأ مرة واحدة .

ويجمع بين فرعون مصر وملكة سبأ عدة عوامل:

  • فكلاهما مارس الاستبداد بمفهوم القوة، وقد قلنا إن الشورى هى فن ممارسة القوة ، فإن كان الشعب هو القوى أصبح الحاكم مجرد أجير للشعب ينفذ رغباته ، أما إذا انفرد الحاكم دون الشعب بالقوة والثروة أصبح حاكما مستبدا يستشير نفسه أو يستشير حاشيته التى تفكر له فيما يحب وتتقرب إليه بالنفاق فيما يضخم ذاته ونزواته . وقد استمد فرعون استبداده من ملكيته لمصر وجيشها وشعبها . وقد أعلنها صريحة فى مؤتمر شعبى حكاه القرآن "وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف)" والتاريخ الفرعونى يؤكد أن عصر الرعامسة شهد تمام التحكم  للملوك فى الثروة وفى السلطة  وفى قيادة الجيوش ، بعد أن سيطروا بالجيش على أمراء الإقطاع فى وادى النيل ، وأسسوا المستبد المركزى الذى لا يتحرك إلا بتوجيهات "السيد الرئيس.."!!

ونفس الحال فإن بلقيس استمدت سلطتها المستبدة من انفرادها بالثروة والسلطة ويعبر عن ذلك القرآن" إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)النمل " والحاشية أو الملأ يعترفون لها بهذا السلطان ويجعلون لها الأمر والنهى قائلين" قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) النمل".

  • والله تعالى يعتبر فرعون  ممثلاً للمصريين كما يعتبر بلقيس ممثلة لملكة سبأ، لذا فإن الله تعالى يرسل إلى فرعون مصر رسولين هما موسى وهارون ويوصيهما بحسن التخاطب معه " فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)طه) " ونفس الحال مع بلقيس ارتبط ذكرها بالنبى سليمان ، وبرسالته التى أرسلها إليها باعتبارها تملك سبأ.
  • ولكن مع كل هذا التشابه بين الفرعون وبلقيس فإن ردود الأفعال لديهما اختلفت ، وترتب  عليه اختلاف مصير كل منهما ومصير شعبه المسئول منه.
  • إن الوظيفة الأساسية لموسى وهارون هى استنقاذ بنى إسرائيل من الاضطهاد الفرعونى ، وأن يسمح الفرعون لهما بأن يخرجا من مصر ببنى إسرائيل " فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ .."(طه47) وكان التكليف الإلهى للرسول بأن يبلغا هذه الرسالة للفرعون باللين والسلام "قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى طه47)". وتزود موسى بالمعجزات لكى يقتنع فرعون بأنه رسول إليه من عند الله تعالى فيسمح له بأخذ بنى إسرائيل.

وكان بإمكان فرعون أن يلبى الطلب وأن يسمح لهذه القبائل العبرية التى يكرهها بالرحيل عن بلاده خصوصا وأن قوته التى تحدث عنها القرآن تحميه من أى خطر محتمل يمكن أن يمثله أولئك الإسرائليون فى المستقبل ، بل إن الاضطهاد الفرعونى لهم جعلهم عاجزين عن دخول فلسطين وأوقع بهم محنة التيه أربعين عاما فى الصحراء بسبب ما تربوا عليه من ذل وجبن.

لم يفعل فرعون ذلك ، بل أدى به غرور القوة لأن يطارد أولئك المستضعفين وهم يهربون من ظلمه تحت قيادة اثنين من الأنبياء، وكانت النتيجة غرق فرعون وجنده وآله فى الدنيا ، وعذابهم بين البرزخ والقيامة . والسبب هو الاستبداد الذى يصل بصاحبه إلى الألوهية . وقد قال فرعون لقومه (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) غافر "  وبسب هذا الاستبداد بالرأى وصل التدمير إلى أثار فرعون موسى فمحاها (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ..: الأعراف 138 ) ...

  • وأختلف الحال مع ملكة سبأ وموقفها من النبى سليمان :

لقد كان سليمان ملكاُ نبياً مؤيداً من السماء، وبهذه الصفة بعث رسالة إلى الملكة يدعوها للإسلام – والإسلام هو إخلاص القلب والجوارح لله تعالى والعيش فى سلام مع الناس، وبهذا المعنى  نزلت كل رسالات السماء- وكانت رسالة سليمان للملكة تحمل الكثير من الاعتداد بالنفس، ومع ذلك فإن الملكة حين قرأت الرسالة خاطبت وأستشارت الحاشية "  قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ 31 النمل " ..أى إنها مع تسليم الحاشية لها كامل نفوذها إلا أنها بادرت بعرض الأمر عليهم وقرأت الرسالة على مسامعهم، ووصفت الرسالة بأنها" كتاب كريم " فى إشارة واضحة للملأ حتى لا تأخذهم الأنفة العربية " المعروفة " فتنطلق منهم التصريحات الملتهبة "المعتادة" .

وبنفس السياسية الهادئة تمكنت بلقيس من الوصول إلى النهاية السعيدة لها ولشعبها ،بينما استقر فرعون وآله فى قاع البحر بسياسته الخرقاء . وهذا هو الفارق بين استبداد رجل هو فرعون واستبداد امرأة هى بلقيس . والذى لا شك فيه أن المرأة الحاكمة المستبدة أقل عدوانية وشراسة من الرجل المستبد.

ملحوظة : تم نشر البحث كاملا فى مصر قبل ثورة 25 يناير بإثنتى عشر سنة ،  فى دورية (  رواق عربى ) التى يصدرها مركز القاهرة لحقوق الانسان ، وكان العدد بعنوان ( حقوق المرأة بين الدينى و المدنى )( عدد 15 & 16 ) عام 1999 . ( ص 64 : 99 ). وأعيد نشر البحث فى دوريات أخرى ، وتمت ترجمته الى الانجليزية . ومنشورة ترجمته على موقعنا (أهل القرآن ).