البخس

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٩ - يناير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
ما هو المراد بقول الله جل وعلا ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) .؟
آحمد صبحي منصور

دعنا نستعرض مصطلح ( بخس ) فى القرآن الكريم :

 البخس من أنواع الظلم فى التعامل . وهو نقيض العدل .

1 ـ الله جل وعلا لا يبخس أحدا حقه . قال جل وعلا :

1 / 1 : (  مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ(15)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)هود ). الذى يريد الآخرة ويسعى لها سعيها وهو مؤمن له الجنة . الذى يريد الدنيا ولا يؤمن بالآخرة ويعمل صالحا له جزاؤه فى الدنيا دون بخس ولكن ليس له فى الآخرة سوى النار .

1 / 2 : وقال الجنُّ المؤمنون: ( وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا(13)الجن ).

2 ـ حرّم الله جل وعلا البخس فى البيع والشراء ، وجعله من صفات المطففين وتوعدهم بالويل أى العذاب . قال جل وعلا : ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) المطففين ). ونهى جل وعلا عن البخس فى كتابة الديون . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ) 282 ) البقرة ).

3 ـ وأحيانا يكون البخس من البائع ، حين يكون معه شىء يزهد فيه ويريد أن يبيعه بأى ثمن ليتخلص منه . وهذا ما حدث فى قصة يوسف ، حين عثرت عليه قافلة وهو طفل صغير فباعوه بثمن بخس لأنهم كانوا فيه من الزاهدين : ( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ(20) يوسف ). ( شرى ) أى ( باع ). و ( إبتاع ) أى إشترى .

4 ـ أسوأ أنواع البخس هو أن يكون ( الباخس ) صاحب سلطة ونفوذ ، ويستطيل على الناس فى البيع والشراء ، يشترى منهم بأرخص سعر ويبيع لهم بأعلى سعر ، ولا يستطيعون الاحتجاج أو الرفض . هذا ما فعله قوم مدين . وتكررت قصتهم فى القرآن الكريم بهذه الوصمة . ومنها قوله جل وعلا : ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(85)الاعراف ).

5 ـ وكان هذه أحد ملامح تطبيق الشريعة السنية فى العصر المملوكى ، فالسلطان يصادر المحاصيل والمواشى وغيرها ، أو يشتريها بأقل من ثمنها ، ثم يفرضها على التجار بأعلى سعر . واشتهر بهذا السلطان المؤيد شيخ المشهور بالتدين ، وعرضنا له فى برنامجنا ( خفايا التاريخ ) ومثله السلطان المتدين قايتباى ، وعرضنا له فى كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى ) ، وأشدهم بخسا كان السلطان برسباى ، والذى عاش فى عصره أشهر القضاة السنيين ( ابن حجر ) و ( العينى ). وعرضنا فى كتاب ضخم عن التطبيق للشريعة السنية فى عهده ( شريعة أكابر المجرمين ).

6 ـ فى العسكر الحاكم فى مصر من 1952 أصبح الحال أسوأ . الفلاح الذى يملك أرضه أصبح مجرد ( حائز ) للارض . عليه أن يزرع ما تفرضه عليه الحكومة ، وعليه أن يقوم بتوريد النسبة الكبرى من المحصول بسعر زهيد ، وتقوم الحكومة بتصديره بأضعا أضعاف ما إشترته منه . كانت النتيجة أن هرب الفلاحون من الريف الى القاهرة ، بنفس ما كان يحدث فى العصر المملوكى . بل وإمتلأت بهم الأردن وبلاد الخليج وغيرها .

اجمالي القراءات 1266