الضياء والنور

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٢ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
بالنسبة لموضوع الضوء والنور في القرآن الكريم، أؤكد لكم أنني قرأت لكم الجزء الأعظم من مقالاتكم وأبحاثكم وكتبكم وكامل باب القاموس القرآني. وأنا واثق أن رجلا مفكرا وحصيفا مثل حضرتكم لا يفوته إدراك المستوى الفكري والثقافي لسائليه، فأنا أعي تماما أن كلمة نور استعملت مجازا في وصف رب العزة جل وعلا وأنها تعني الهداية ولم تأت بالمعنى الفيزيائي للنور، لأن الله سبحانه وتعالى ليس بشيء وأنه عز وجل ليس كمثله شيء، فهو ليس بجسم سبحانه. هذا أمر مفروغ منه ويسير إدراكه على كل ذي عقل. لكن هذا أيضا لا يحل الإشكال في المعنى، إذ أننا إن أقررنا بالمعنى السائد للضياء والنور، بكون الضياء مصدر الضوء والنور انعكاس له، يكون الله قد وصف نفسه بالأدنى دون الأعلى وبالانعكاس دون الأصل وكنى بالأقل دون الأكثر وهذا غريب ومما لا يليق بجلاله. فحتى لو كان المعنى بالنور هو الهداية (ونحن متفقان في هذا تماما) فلماذا الكناية بالنتيجة دون المصدر وبالأصغر دون الأكبر؟ والله سبحانه وتعالى هو الخالق والواجد والفاطر والمفيض، أي أنه عز وجل مصدر كل شيء؟ ودعنا لا ننسى المثل في سورة النور " للَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " أي أنه الله تعالى ضرب مثلا في هذه الآية الكريمة عبر التمثيل الفيزيائي للنور لتقريب معنى الهداية لأذهان الناس، أي أن المجاز (الهداية) لا ينسلخ تماما عن المعنى الواقعي للنور بل هما من سنخ واحد مع الفارق بين الفيزيائي وهو أصل الكلمة وبين المعنوي (الهداية) وهو المجاز والمقصود في الآية الكريمة. والله تعالى له المثل الأعلى دائما وأبدا وهو القائل في كتابه المجيد " وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " و " وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ". فلا يتصور والحال هذه، أن يسمي الله تعالى نفسه بالنور الذي هو بحسب المتعارف عليه الأقل والأدنى من الضياء، وبهذا لا يكون المثل الأعلى لله عز وجل بل الأدنى (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا). " أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا " عزيزي الدكتور منصور، أنت صاحب مدرسة التدبر في القرآن الكريم، أي السير في دبر الآيات الكريمة وخلفها، والنظر حيث تقودنا، فتكون الآيات الكريمة أمامنا وإمامنا، فنفهم القرآن بالقرآن دون إسقاط موروثنا أو مفهومنا أو حتى آمالنا وطموحاتنا على التنزيل الحكيم (كفكرة الإعجاز العلمي وغيرها). فيا حبذا لو تمعنت أكثر وغصت أعمق في معنى الضياء والنور في كتاب الله، عسى أن تخرج لنا بمعنى جديد من وحي الآيات الكريمة بما يجعل المعنى متسقا لا تفاوت فيه ولا اختلاف، وإنك على هذا لقدير. آمل ألا أكون قد أثقلت عليك بأسئلتي وأدعو الله جل وعلا لي ولكم بالصحة والسلامة والعافية والخير وكل ما يسر ويسعد القلب وينير العقل. فائق إحترامي وتقديري ومحبتي، مسلم مؤمن
آحمد صبحي منصور

شكرا أخى العزيز أكرمك الله جل وعلا . 

يشرفنا أن تنضم الى أهل القرآن كاتبا ومعلقا تلتزم مثلنا بشروط النشر . 

وتعرف أننا نكتب وجهات نظر تقبل التصحيح والنقد . 

وسأكتب بعون الله جل وعلا مقالا عن النور والضياء .

والله جل وعلا هو المستعان .

اجمالي القراءات 5584